العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة مريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:35 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة مريم [ من الآية (22) إلى الآية (26) ]

{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:36 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فانتبذت به مكانا قصيا قال متنحيا). [تفسير عبد الرزاق: 2/6]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن رجل عمن سمع ابن عباس يقول في مريم يقول ليس إلا أن حملته ثم وضعت). [تفسير عبد الرزاق: 2/7]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن ابن جريج عن عبد اللّه بن عثمان عن ابن عبّاسٍ قال: ما كان حملها يعني مريم إلّا أن حملت ثم وضعت [الآية: 22]). [تفسير الثوري: 182]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فحملته فانتبذت به مكانًا قصيًّا (22) فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا}.
وفي هذا الكلام متروكٌ ترك ذكره استغناءً بدلالة ما ذكر منه عنه {فنفخنا فيه من روحنا} بغلامٍ {فحملته فانتبذت به مكانًا قصيًّا} وبذلك جاء تأويل أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سهلٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقل بن أخي وهب بن منبّهٍ، قال: سمعت وهبًا، قال: لمّا أرسل اللّه جبريل إلى مريم تمثّل لها بشرًا سويًّا فقالت له: {إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا} ثمّ نفخ في جيب درعها حتّى وصلت النّفخة إلى الرّحم فاشتملت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، قال: لمّا قال ذلك، يعني لمّا قال جبريل {قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّنٌ}.. الآية استسلمت لأمر اللّه، فنفخ في جيبها ثمّ انصرف عنها.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: فخرجت عليها جلبابها لمّا قال جبريل ذلك لها، فأخذ جبريل بكمّيها، فنفخ في جيب درعها، وكان مشقوقًا من قدّامها، فدخلت النّفخة صدرها، فحملت، فأتتها أختها امرأة زكريّا ليلةً تزورها، فلمّا فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريّا: يا مريم أشعرت أنّي حبلى، قالت مريم: أشعرت أيضًا أنّي حبلى، قالت امرأة زكريّا: إنّي وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: يقولون: إنّه إنّما نفخ في جيب درعها وكمّها.
وقوله: {فانتبذت به مكانًا قصيًّا} يقول: فاعتزلت بالّذي حملته، وهو عيسى، وتنحّت به عن النّاس {مكانًا قصيًّا} يقول: مكانًا نائيًا قاصيًا عن النّاس، يقال: هو بمكانٍ قاصٍ، وقصيٍّ بمعنًى واحدٍ، كما قال الرّاجز:
لتقعدنّ مقعد القصيّ = منّي ذي القاذورة المقليّ
يقال منه: قصا المكان يقصو قصّوا: إذا تباعد، وأقصيت الشّيء: إذا أبعدته وأخّرته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فانتبذت به مكانًا قصيًّا} قال: مكانًا نائيًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {مكانًا قصيًّا} قال: قاصيًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا بلغ أن تضع، مريم، خرجت إلى جانب المحراب الشّرقيّ منه فأتت أقصاه). [جامع البيان: 15/490-492]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مكانا قصيا قال يعني قاصيا). [تفسير مجاهد: 385]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي حاتم وأبو نعيم عن مجاهد رضي الله عنه قال: قالت مريم: كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر وأنا أسمع). [الدر المنثور: 10/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين حملت وضعت). [الدر المنثور: 10/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه قال: بلغني أن مريم حملت لسبع أو تسع ساعات ووضعته من يومها). [الدر المنثور: 10/46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق عكرمة رضي الله عنه عن ابن عباس قال: وضعت مريم لثمانية أشهر ولذلك لا يولد مولود لثمانية أشهر إلا مات لئلا تسب مريم بعيسى). [الدر المنثور: 10/46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن زيد العمى قال: ولد عيسى يوما عاشوراء). [الدر المنثور: 10/46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {مكانا قصيا} قال نائيا). [الدر المنثور: 10/51]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {مكانا قصيا} قال: قاصيا وفي قوله: {فأجاءها المخاض} قال: ألجأها). [الدر المنثور: 10/51]

تفسير قوله تعالى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) )


قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وكنت نسيا منسيا قال تقول لا أعرف ولا يدري من أنا). [تفسير عبد الرزاق: 2/6]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن رجلٍ عن مجاهدٍ في قوله: {فأجأها المخاض} قال ألجأها أنه المخاض [الآية: 23] ). [تفسير الثوري: 182]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن جابرٍ عن مجاهدٍ في قوله: {إلى جذع النخلة} قال: كانت عجوة [الآية: 23].سفيان الثوري عن جابرٍ عن مجاهدٍ في قوله: {يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: يا ليتني كنت حيضةً ملقاة على عقبي أمي.سفيان الثوري عن أبي سنانٍ عن سعيد بن جبير مثله). [تفسير الثوري:182-183]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة} يقول تعالى ذكره: فجاء بها المخاض إلى جذع، ثمّ قيل: لمّا أسقطت الباء منه أجاءها، كما يقال: أتيتك بزيدٍ، فإذا حذفت الباء قيل آتيتك زيدًا، كما قال جلّ ثناؤه: {آتوني زبر الحديد} والمعنى: ائتوني بزبر الحديد، ولكنّ الألف مدّت لمّا حذفت الباء، وكما قالوا: خرجت به وأخرجته، وذهبت به وأذهبته.
وإنّما هو أفعل من المجيء، كما يقال: جاء هو، وأجأته أنا: أي جئت به، ومثلٌ من أمثال العرب: شرّ ما أجاءني إلى مخّةٍ عرقوبٌ " وأشاءنى ويقال: شرّ ما يجيئك ويشيئك إلى ذلك، ومنه قول زهيرٍ:
وجارٍ سار معتمدًا إليكم = أجاءته المخافة والرّجاء
يعني: جاء به، وألجأه إلينا وأشاءك: من لغة تميمٍ، وأجاءك من لغة أهل العالية، وإنّما تأوّل من تأوّل ذلك بمعنى: ألجأها، لأنّ المخاض لمّا جاء بها إلى جذع النّخلة، كان قد ألجأها إليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فأجاءها المخاض} قال: المخاض ألجأها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: ألجأها المخاض.
قال ابن جريجٍ: وقال ابن عبّاسٍ: ألجأها المخاض إلى جذع النّخلة.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة} يقول: ألجأها المخاض إلى جذع النّخلة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة} قال: اضطرّها إلى جذع النّخلة.
واختلفوا في أيّ المكان الّذي انتبذت مريم بعيسى لوضعه، وأجاءها إليه المخاض، فقال بعضهم: كان ذلك في أدانى أرض مصر، وآخر: أرض الشّام، وذلك أنّها هربت من قومها لمّا حملت، فتوجّهت نحو مصر هاربةً منهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سهلٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: لمّا اشتملت مريم على الحمل، كان معها ذو قرابةٌ لها، يقال له يوسف النّجّار، وكانا منطلقين إلى المسجد الّذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذٍ من أعظم مساجدهم، فكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد، في ذلك الزّمان، وكان لخدمته فضلٌ عظيمٌ، فرغبا في ذلك، فكانا يليان معالجته بأنفسهما، وتجميره وكناسته وطهوره، وكلّ عملٍ يعمل فيه، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحدٌ أشدّ اجتهادًا وعبادةً منهما، فكان أوّل من أنكر حمل مريم صاحبها يوسف، فلمّا رأى الّذي بها استعظمه، وعظم عليه، وفظع به، فلم يدر على ماذا يضع أمرها، فإذا أراد يوسف أن يتّهمها ذكر صلاحها وبراءتها، وأنّها لم تغب عنه ساعةً قطّ، وإذا أراد أن يبرّئها، رأى الّذي ظهر عليها، فلمّا اشتدّ عليه ذلك كلّمها، فكان أوّل كلامه إيّاها أن قال لها: إنّه قد حدث في نفسي من أمرك أمرٌ قد خشيته، وقد حرصت على أن أميته وأكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، فرأيت الكلام فيه أشفى لصدري، قالت: فقل قولاً جميلاً، قال: ما كنت لأقول لك إلاّ ذلك، فحدّثيني، هل ينبت زرعٌ بغير بذرٍ؟ قالت: نعم، قال: فهل تنبت شجرةٌ من غير غيثٍ يصيبها؟ قالت: نعم، قال: فهل يكون ولدٌ من غير ذكرٍ؟ قالت: نعم، قالت: ألم تعلم أنّ اللّه تبارك وتعالى أنبت الزّرع يوم خلقه من غير بذرٍ، والبذر يومئذٍ إنّما صار من الزّرع الّذي أنبته اللّه من غير بذرٍ، أولم تعلم أنّ اللّه بقدرته أنبت الشّجر بغير غيثٍ، وأنّه جعل بتلك القدرة الغيث حياةً للشّجر بعد ما خلق كلّ واحدٍ منهما وحده، أو تقول: لن يقدر اللّه على أن ينبت الشّجر حتّى استعان عليه بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباته؟ قال يوسف لها: لا أقول هذا، ولكنّي أعلم أنّ اللّه تبارك وتعالى بقدرته على ما يشاء يقول لذلك كن فيكون، قالت مريم: أولم تعلم أنّ اللّه تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته من غير أنثى ولا ذكرٍ؟ قال: بلى، فلمّا قالت له ذلك، وقع في نفسه أنّ الّذي بها شيءٌ من اللّه تبارك وتعالى، وأنّه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها لذلك ثمّ تولّى يوسف خدمة المسجد، وكفاها كلّ عملٍ كانت تعمل فيه، وذلك لمّا رأى من رقّة جسمها، واصفرار لونها، وكلف وجهها، ونتوّ بطنها، وضعف قوّتها، ودأب نظرها، ولم تكن مريم قبل ذلك كذلك، فلمّا دنا نفاسها أوحى اللّه إليها أن اخرجي من أرض قومك، فإنّهم إن ظفروا بك عيّروك، وقتلوا ولدك، فأفضت ذلك إلى أختها، وأختها حينئذٍ حبلى، وقد بشّرت بيحيى، فلمّا التقيا وجدت أمّ يحيى ما في بطنها خرّ لوجهه ساجدًا معترفًا بعيسى، فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمارٍ له ليس بينها حين ركبت الحمار وبين الأكاف شيءٌ، فانطلق يوسف بها حتّى إذا كان متاخمًا لأرض مصر في منقطع بلاد قومها، أدرك مريم النّفاس، ألجأها إلى آريّ حمارٍ، يعني مذود الحمار، وأصل نخلةٍ، وذلك في زمانٍ بردًا أو حرًّا " الشّكّ من أبي جعفرٍ " فاشتدّ على مريم المخاض، فلمّا وجدت منه شدّةً التجأت إلى النّخلة فاحتضنتها واحتوشتها الملائكة، قاموا صفوفًا محدّقين بها.
وقد روي عن وهب بن منبّهٍ قولٌ آخر غير هذا، وذلك ما؛
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا حضر ولادها، يعني مريم، ووجدت ما تجد المرأة من الطّلق، خرجت من المدينة مغرّبةً من إيلياء، حتّى تدركها الولادة إلى قريةٍ من إيلياء على ستّة أميالٍ يقال لها بيت لحمٍ، فأجاءها المخاض إلى أصل نخلةٍ إليها مذود بقرةٍ تحتها ربيعٌ من الماء، فوضعته عندها.
وقال آخرون: بل خرجت لمّا حضر وضعها ما في بطنها إلى جانب المحراب الشّرقيّ منه، فأتت أقصاه فألجأها المخاض إلى جذع النّخلة، وذلك قول السّدّيّ، وقد ذكرت الرّواية به قبل.
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني المغيرة بن عثمان، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، يقول: ما هي إلاّ أن حملت فوضعت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: وأخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد اللّه أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقول: ليس إلاّ أن حملت فولدت.
وقوله: {يا ليتني متّ قبل هذا} ذكر أنّها قالت ذلك في حال الطّلق استحياءً من النّاس، كما؛
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: قالت وهي تطلق من الحبل استحياءً من النّاس: {يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا}.
وقوله: {وكنت نسيًا منسيًّا} تقول: يا ليتني متّ قبل هذا الكرب الّذي أنا فيه، والحزن بولادتي المولود من غير بعلٍ، وكنت نسيًا منسيًّا: شيئًا نسي فترك طلبه كخرق الحيض الّتي إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر، وكذلك كلّ شيءٍ نسي وترك ولم يطلب فهو نسيٌ. ونسيٌ بفتح النّون وكسرها لغتان معروفتان من لغات العرب بمعنًى واحدٍ، مثل الوتر والوتر، والجسر والجسر، وبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ عندنا، وبالكسر قرأت عامّة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة، وبالفتح قرأه أهل الكوفة، ومنه قول الشّاعر:
كأنّ لها في الأرض نسيًا تقصّه = إذا ما غدت وإن تحدّثك تبلت
ويعني بقوله: تقصّه: تطلبه؛ لأنّها كانت نسيته حتّى ضاع، ثمّ ذكرته فطلبته، ويعني بقوله: تبلت: تحسن وتصدق، ولو وجّه النّسي إلى المصدر من النّسيان كان صوابًا، وذلك أنّ العرب فيما ذكر عنها تقول: نسيته نسيانًا ونسيًا، كما قال بعضهم من طاعة الرّبّ وعصي الشّيطان، يعني وعصيان، وكما تقول أتيته إتيانًا وأتيًا، كما قال الشّاعر:
أتي الفواحش فيهم معروفةٌ = ويرون فعل المكرمات حراما
وقوله {منسيًّا} مفعولٌ من نسيت الشّيء كأنّها قالت: ليتني كنت الشّيء الّذي ألقي، فترك ونسي.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عطاءٌ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا} لم أخلق ولم أك شيئًا.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وكنت نسيًا منسيًّا} يقول: نسيًا: نسي ذكري، ومنسيًّا: تقول: نسي أثري، فلا يرى لي أثرٌ ولا عينٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكنت نسيًّا منسيًّا} أي شيئًا لا يعرف ولا يذكر.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله {وكنت نسيًا منسيًّا} قال: لا أعرف ولا يدرى من أنا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، {نسيًا منسيًّا} قال: هو السّقط.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا} لم أكن في الأشيئًا قطّ). [جامع البيان: 15/492-500]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فأجاءها المخاض يقول ألجأها). [تفسير مجاهد: 385]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذ هي برجل معها {فتمثل لها بشرا} ففزعت وقال: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها فنفخ في جيب درعها - وكان مشقوقا من قدامها - فدخلت النفخة صدرها فحملت فأتتها أختها امرأة ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: اشعرت أيضا أني حبلى فقالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك، فذاك قوله: {مصدقا بكلمة من الله} فولدت امرأة زكريا يحيى، ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا} الآية {فناداها} جبريل {من تحتها ألا تحزني} فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل: إن مريم ولدت فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب} الآيات، فلما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه). [الدر المنثور: 10/41-42] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {مكانا قصيا} قال: قاصيا وفي قوله: {فأجاءها المخاض} قال: ألجأها). [الدر المنثور: 10/51] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {فأجاءها المخاض} قال: ألجأها قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول:
إذا شددنا شدة صادقة * فأجأناكم إلى سفح الجبل). [الدر المنثور: 10/51]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فأجاءها المخاض} قال: اضطرها). [الدر المنثور: 10/51]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {فأجاءها المخاض} قال فأداها). [الدر المنثور: 10/51]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} قال: كان جذعا يابسا). [الدر المنثور: 10/51]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد من طريق هلال بن خباب عن أبي عبيد الله {فأجاءها المخاض إلى جذع} نخلة يابسة قد جيء به ليبنى به بيت يقال له بيت لحم فحركته فإذا هو نخلة). [الدر المنثور: 10/52]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قدامة قال: أنبت لمريم نخلة تعلق بها كما تعلق المرأة بالمرأة عند الولادة). [الدر المنثور: 10/52]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وكنت نسيا منسيا} قال: لم أخلق ولم أك شيئا). [الدر المنثور: 10/52]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة ملقاة). [الدر المنثور: 10/52]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة). [الدر المنثور: 10/52]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن نوف البكالي عن الضحاك في قوله: {وكنت نسيا منسيا} قال حيضة ملقاة). [الدر المنثور: 10/52]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وكنت نسيا منسيا} قال: تقول لا أعرف ولا أدري من أنا). [الدر المنثور: 10/52-53]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله: {وكنت نسيا منسيا} قال: هو السقط والله تعالى أعلم بالصواب). [الدر المنثور: 10/53]

تفسير قوله تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) )


قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالدٍ، عن سعيد بن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا}، قال: الماء الّذي كان تحتها). [الجامع في علوم القرآن: 1/20]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فناداها من تحتها قال الملك وقال الحسن من تحتها هو ابنها). [تفسير عبد الرزاق: 2/6]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى قد جعل ربك تحتك سريا قال هو الجدول يعني النهر الصغير). [تفسير عبد الرزاق: 2/6]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب في قوله تعالى تحتك سريا قال هو الجدول النهر الصغير). [تفسير عبد الرزاق: 6-2/7]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {فناداها من تحتها} قالوا: هو عيسى [الآية: 24]. سفيان الثوري عن جويبرٍ عن الضّحّاك قال: هو جبريل). [تفسير الثوري: 183]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ في قول الله {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: الجدول الصغير [الآية: 24]). [تفسير الثوري: 184-183]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فناداها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل ربّك تحتك سريًّا (24) وهزّي إليك بجذع النّخلة تساقط عليك رطبًا جنيًّا}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق {فناداها من تحتها} بمعنى: فناداها جبرائيل من بين يديها على اختلافٍ منهم في تأويله، فمن متأوّلٍ منهم إذا قرأه {من تحتها} كذلك، ومن متأوّلٍ منهم أنّه عيسى، وأنّه ناداها من تحتها بعد ما ولدته. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة: ( فناداها من تحتها ) بفتح التّاءين من تحت، بمعنى: فناداها الّذي تحتها، على أنّ الّذي تحتها عيسى، وأنّه الّذي نادى أمّه.
ذكر من قال: الّذي ناداها من تحتها الملك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أن ابن عبّاسٍ، قرأ: {فناداها من تحتها} يعني: جبرائيل.
- وحدّثني عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: أخبرنا عبثرٌ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ، قال: الّذي ناداها الملك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنّه قرأ: فخاطبها من تحتها.
قال أبو جعفر: والصواب: {من}، ولكن كذا قال ابن بشار: {من} هنا.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنّه قرأ: فخاطبها من تحتها.
- حدّثنا الرّفاعيّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنّه قرأها كذلك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {فناداها من تحتها} قال: جبرائيل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن سفيان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فناداها من تحتها} أي من تحت النّخلة، الملك.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فناداها} جبريل {من تحتها ألاّ تحزني}.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {فناداها من تحتها} قال: الملك.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله {فناداها من تحتها} يعني: جبرائيل كان أسفل منها.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ {فناداها من تحتها} قال: ناداها جبرائيل ولم يتكلّم عيسى حتّى أتت بها قومها.
ذكر من قال: الذي ناداها عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فناداها من تحتها} قال: عيسى ابن مريم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، {فناداها من تحتها} ابنها.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: قال الحسن: هو ابنها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {فناداها} عيسى {من تحتها ألاّ تحزني}.
- حدّثني أبو حميدٍ أحمد بن المغيرة الحمصيّ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن مهاجرٍ، عن ثابت بن عجلان، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله {فناداها من تحتها} قال عيسى: أما تسمع اللّه يقول: {فأشارت إليه}
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {فناداها من تحتها} قال: عيسى ناداها: {أن لا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريًّا}.
- حدّثت عن عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: الّذي خاطبها هو الّذي حملته في جوفها ودخل من فيها.
وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الّذي ناداها ابنها عيسى، وذلك أنّه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل، فردّه على الّذي هو أقرب إليه أولى من ردّه على الّذي هو أبعد منه، ألا ترى في سياق قوله {فحملته فانتبذت به مكانًا قصيًّا} يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثمّ قيل: فناداها نسقًا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه، ولعلّةٍ أخرى، وهي قوله: {فأشارت إليه} ولم تشر إليه إن شاء اللّه إلاّ وقد علمت أنّه ناطقٌ في حاله تلك، وللّذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إيّاها بقوله لها: {أن لا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريًّا} وما أخبر اللّه عنه أنّه قال لها أشارت للقوم إليه، ولو كان ذلك قولاً من جبرائيل، لكان خليقًا أن يكون في ظاهر الخبر، مبيّنًا أنّ عيسى سينطق ويحتجّ عنها للقوم، وأمرٌ منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله.
فإذا كان ذلك هو الصّواب من التّأويل الّذي بيّنّا، فبيّنٌ أنّ كلتا القراءتين أعنّي {من تحتها} بالكسر، " ومن تحتها " بالفتح صوابٌ. وذلك أنّه إذا قرئ بالكسر كان في قوله {فناداها} ذكرٌ من عيسى: وإذا قرئ ( من تحتها ) بالفتح كان الفعل لمن وهو عيسى. فتأويل الكلام إذن: فناداها المولود من تحتها ألاّ تحزني يا أمّه {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} كما؛
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {فناداها من تحتها ألاّ تحزني} قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوجٍ فأقول من زوجٍ، ولا مملوكةٌ فأقول من سيّد، أيّ شيءٍ عذري عند النّاس {يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا} فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام.
اختلف أهل التّأويل في المعني بالسّريّ في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به: النّهر الصّغير
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: الجدول.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: الجدول.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} وهو نهر عيسى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} وهو نهر عيسى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: السّريّ: النّهر الّذي كان تحت مريم حين ولدته كان يجري يسمّى سريًّا.
- حدّثني أبو حصينٍ، قال: حدّثنا عبثرٌ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ، قال في هذه الآية: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: السّريّ: نهرٌ يشرب منه.
- حدّثنا يعقوب وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن عمرو بن ميمونٍ، في قوله: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: هو الجدول.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {سريًّا} قال: نهرٌ بالسّريانيّة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
قال ابن جريجٍ: نهرٌ إلى جنبها
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، في قوله {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: كان سريًّا فقال حميد بن عبد الرّحمن: إنّ السّريّ: الجدول، فقال: غلبتنا عليك الأمراء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: هو الجدول، النّهر الصّغير، وهو بالنّبطيّة: سّريّا.
- حدّثني أبو حميدٍ الحمصيّ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن مهاجرٍ، عن ثابت بن عجلان قال: سألت سعيد بن جبيرٍ، عن السّريّ، قال: نهرٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: النّهر الصّغير.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنّه قال: هو النّهر الصّغير: يعني الجدول، يعني قوله {قد جعل ربّك تحتك سريًّا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك، قال: جدولٌ صغيرٌ بالسّريانيّة.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {تحتك سريًّا} الجدول الصّغير من الأنهار.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} والسّريّ: هو الجدول، تسمّيه أهل الحجاز.
- حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله {سريًّا} قال: هو الجدولٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم وعن وهب بن منبّهٍ، {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} يعني ربيع الماء.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} والسّريّ: هو النّهر.
وقال آخرون: بل عنى به عيسى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} والسّريّ: يعنى عيسى نفسه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} يعني نفسه، قال: وأيّ شيءٍ أسرى منه، قال: والّذين يقولون: السّريّ: هو النّهر ليس كذلك النّهر، لو كان النّهر لكان إنّما يكون إلى جنبها، ولا يكون النّهر تحتها.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصّواب قيل من قال: عنى به الجدول، وذلك أنّه أعلمها ما قد أعطاها اللّه من الماء الّذي جعله عندها، وقال لها {وهزّي إليك بجذع النّخلة تساقط عليك رطبًا جنيًّا فكلي} من هذا الرّطب {واشربي} من هذا الماء {وقرّي عينًا} بولدك، والسّريّ معروفٌ من كلام العرب أنّه النّهر الصّغير، ومنه قول لبيدٍ بن ربيعه:
فتوسّطا عرض السّريّ وصدّعا = مسجورةً متجاورًا قلاّمها
ويروى: فبيتا مسجورةً، ويروى أيضًا: فغادرا). [جامع البيان: 15/500-510]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فناداها من تحتها يعني عيسى بن مريم). [تفسير مجاهد: 385]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل قد جعل ربك تحتك سريا قال السري النهر الصغير بالسريانية). [تفسير مجاهد: 385]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا إسرائيل عن أبي إسحق الهمداني عن البراء بن عازب قال السري هو الجدول وهو النهر الصغير). [تفسير مجاهد: 386]

قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس المحبوبيّ، ثنا أحمد بن سيّارٍ، ثنا محمّد بن كثيرٍ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ في قوله عزّ وجلّ: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} [مريم: 24] قال: «هو الجدول النّهر الصّغير» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/405]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} [مريم: 24].
- عن البراء بن عازبٍ «عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - في قوله - تعالى -: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} [مريم: 24] قال: " النّهر».
رواه الطّبرانيّ في الصّغير، وفيه معاوية بن يحيى الصّدفيّ وهو ضعيفٌ.
- وعن ابن عمر قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: " «إنّ السّريّ الّذي قال اللّه - عزّ وجلّ - لمريم: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} [مريم: 24]
نهرٌ أخرجه اللّه تشرب منه» ".
رواه الطّبرانيّ، وفيه يحيى بن عبد اللّه البابلتّيّ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/54-55]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذ هي برجل معها {فتمثل لها بشرا} ففزعت وقال: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها فنفخ في جيب درعها - وكان مشقوقا من قدامها - فدخلت النفخة صدرها فحملت فأتتها أختها امرأة ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: اشعرت أيضا أني حبلى فقالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك، فذاك قوله: {مصدقا بكلمة من الله} فولدت امرأة زكريا يحيى، ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا} الآية {فناداها} جبريل {من تحتها ألا تحزني} فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل: إن مريم ولدت فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب} الآيات، فلما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه). [الدر المنثور: 10/41-42] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علقمة أنه قرأ فخاطبها من تحتها). [الدر المنثور: 10/53]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فناداها من تحتها} قال: جبريل ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال الذي ناداها هو جبريل.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك وعمرو بن ميمون مثله). [الدر المنثور: 10/53]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن البراء {فناداها من تحتها} قال: ملك). [الدر المنثور: 10/53]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أسفل الوادي). [الدر المنثور: 10/53]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فناداها من تحتها} قال: عيسى). [الدر المنثور: 10/54]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن {فناداها من تحتها} قال: هو عيسى، واخرج ابن المنذر عن أبي بن كعب قال الذي خاطبها: هو الذي حملته في جوفها دخل من فيها). [الدر المنثور: 10/54]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن زر بن حبيش أنه قرأ {فناداها من تحتها} ). [الدر المنثور: 10/54]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة {فناداها من تحتها} أي الملك من تحت النخلة). [الدر المنثور: 10/54]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: من قرأ من تحتها فهو جبريل ومن قرأ من تحتها فهو عيسى). [الدر المنثور: 10/54]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال: قرأ عاصم بن أبي النجود {فناداها من تحتها} بالنصب قال: وقال عاصم: من قرأ بالنصب فهو عيسى ومن قرأها بالخفض فهو جبريل). [الدر المنثور: 10/54]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {جعل ربك تحتك سريا} قال: نبيا وهو عيسى). [الدر المنثور: 10/55]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن جرير بن حازم قال: سألني محمد بن عباد بن جعفر ما يقول أصحابكم في قوله {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: فقلت له: سمعت قتادة يقول: الجدول، قال: فأخبر قتادة عني فإنما نزل القرآن بلغتنا إنه الرجل السري). [الدر المنثور: 10/55]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} يريد نفسه أي سرى أسرى منه قيل فالذين يقولون السري البحر قال: ليس كذلك لو كان كذلك لكان يكون إلى جنبها ولا يكون النهر تحتها). [الدر المنثور: 10/55]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وابن النجار عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن السري الذي قال الله لمريم: {قد جعل ربك تحتك سريا} نهر أخرجه الله لها لتشرب منه). [الدر المنثور: 10/55]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الصغير، وابن مردويه عن البراء بن عازب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: النهر). [الدر المنثور: 10/55]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن البراء في قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: هو الجدول وهو النهر الصغير). [الدر المنثور: 10/56]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: نهر عيسى). [الدر المنثور: 10/56]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عثمان بن محصن قال: سئل ابن عباس عن قوله: {سريا} قال: الجدول، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول:
سلم تر الدالي منه أزورا * إذا يعج في السري هرهرا). [الدر المنثور: 10/56]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في الوقف والطستي عن ابن عباس: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {تحتك سريا} قال: السري النهر الصغير وهو الجدول، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر:
سهل الخليقة ماجد ذو نائل * مثل السري تمده الأنهار). [الدر المنثور: 10/56]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {سريا} قال: الجدول.
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي مثله). [الدر المنثور: 10/57]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن الحسن تلا هذه الآية وإلى جنبه حميد بن عبد الرحمن الحميري {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: إن كان لسريا وإن كان لكريما فقال حميد: يا أبا سعيد إنه الجدول فقال له: لم تزل تعجبنا مجالستك ولكن غلبتنا عليك الأمراء). [الدر المنثور: 10/57]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: السري الماء). [الدر المنثور: 10/57]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {سريا} قال: نهرا بالسريانية). [الدر المنثور: 10/57]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {سريا} قال نهرا بالقبطية). [الدر المنثور: 10/57]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن سفيان بن حسين في قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: تلاها الحسن فقال: كان والله {سريا} يعني عيسى عليه السلام فقال له خالد بن صفوان: يا أبا سعيد إن العرب تسمي الجدول السري فقال: صدقت). [الدر المنثور: 10/57-58]

تفسير قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) )


قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا قيس قال أنا عاصم عن شقيق قال لو علم الله للنفساء خيرا من الرطب أمر به). [تفسير عبد الرزاق: 2/7]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن حصين عن عمرو بن ميمون قال إني لأحسب أفضل الطعام للنفساء التمر). [تفسير عبد الرزاق: 2/7]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا قيس عن الأعمش أنه كان يقرأ {تساقط عليك} يشد تساقط ويقرؤها بالتاء). [تفسير عبد الرزاق: 2/7]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وهزّي إليك بجذع النّخلة} ذكر أنّ الجذع كان جذعًا يابسًا، وأمرها أن تهزّه، وذلك في أيّام الشّتاء، وهزّها إيّاه كان تحريكه، كما؛
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وهزّي إليك بجذع النّخلة} قال: حرّكيها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وهزّي إليك بجذع النّخلة} قال: كان جذعًا يابسًا، فقال لها: هزّيه {تساقط عليك رطبًا جنيًّا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نهيكٍ، يقول: كانت نخلةً يابسةً.
- حدّثني محمّد بن سهل بن عسكرٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهب بن منبّهٍ، يقول في قوله: {وهزّي إليك بجذع النّخلة} فكان الرّطب يتساقط عليها وذلك في الشّتاء.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وهزّي إليك بجذع النّخلة} وكان جذعًا منها مقطوعًا فهزّته، فإذا هو نخلةٌ، وأجري لها في المحراب نهرٌ، فتساقطت النّخلة رطبًا جنيًّا فقال لها: {كلي واشربي وقرّي عينًا}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهزّي إليك بالنّخلة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، قال: قال مجاهدٌ {وهزّي إليك بجذع النّخلة} قال: النّخلة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عيسى بن ميمونٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {وهزّي إليك بجذع النّخلة} قال: العجوة.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن عمرو بن ميمونٍ، أنّه تلا هذه الآية: {وهزّي إليك بجذع النّخلة تساقط عليك رطبًا جنيًّا} قال: فقال عمرٌو: ما من شيءٍ خيرٌ للنّفساء من التّمر والرّطب.
وأدخلت الباء في قوله: {وهزّي إليك بجذع النّخلة} كما يقال: زوّجتك فلانة، وزوّجتك بفلانة، وكما قال {تنبت بالدّهن} بمعنى: تنبت الدّهن. وإنّما تفعل العرب بذلك، لأنّ الأفعال يكنّى عنها بالباء، فيقال إذا كنّيت عن ضربت عمرًا: فعلت به، وكذلك كلّ فعلٍ، فلذلك تدخل الباء في الأفعال وتخرج، فيكون دخولها وخروجها بمعنًى، فمعنى الكلام: وهزّي إليك جذع النّخلة، وقد كان لو أنّ المفسّرين كانوا فسّروه كذلك: وهزّي إليك رطبًا بجذع النّخلة، بمعنى: على جذع النّخلة، وجهًا صحيحًا، ولكن لست أحفظ عن أحدٍ أنّه فسّره كذلك. ومن الشّاهد على دخول الباء في موضع دخولها وخروجها منه سواءٌ قول الشّاعر:
بوادٍ يمانٍ ينبت السّدر صدره = وأسفله بالمرخ والشّبهان
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {تساقط} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة: ( تسّاقط ) بالتّاء من تسّاقط وتشديد السّين، بمعنى: تتساقط عليك النّخلة رطبًا جنيًّا، ثمّ تدغم إحدى التّاءين في الأخرى فتشدّد، وكأنّ الّذين قرءوا ذلك كذلك وجّهوا معنى الكلام إلى: وهزّي إليك بجذع النّخلة تسّاقط النّخلة عليك رطبًا جنيًّا.
وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة: ( تساقط ) بالتّاء وتخفيف السّين، ووجّهوا معنى الكلام، إلى مثل ما وجّه إليه مشدّدوها، غير أنّهم خالفوهم في القراءة
وروي عن البراء بن عازبٍ أنّه قرأ ذلك: ( يسّاقط ) بالياء.
- حدّثني بذلك، أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا يزيد، عن جرير بن حازمٍ، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازبٍ، يقرؤه كذلك.
وكأنّه وجّه معنى الكلام إلى: وهزّي إليك بجذع النّخلة يتساقط الجذع عليك رطبًا جنيًّا.
وروي عن أبي نهيكٍ أنّه كان يقرؤه: " تسقط " بضمّ التّاء وإسقاط الألف.
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبي نهيكٍ، يقرؤه كذلك.
وكأنّه وجّه معنى الكلام إلى: تسقط النّخلة عليك رطبًا جنيًّا.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ هذه القراءات الثّلاث، أعني {تساقط} بالتّاء وتشديد السّين، وبالتّاء وتخفيف السّين، وبالياء وتشديد السّين، قراءاتٌ متقاربات المعاني، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهنّ قرّاء أهل معرفةٍ بالقرآن، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب فيه، وذلك أنّ الجذع إذا تساقط رطبًا، وهو ثابتٌ غير مقطوعٍ، فقد تساقطت النّخلة رطبًا، وإذا تساقطت النّخلة رطبًا، فقد تساقطت النّخلة بأجمعها، جذعها وغير جذعها، وذلك أنّ النّخلة ما دامت قائمةً على أصلها، فإنّما هي جذعٌ وجريدٌ وسعفٌ، فإذا قطعت صارت جذعًا، فالجذع الّذي أمرت مريم بهزّه لم يذكر أحدٌ نعلمه أنّه كان جذعًا مقطوعًا غير السّدّيّ، وقد زعم أنّه عاد بهزّها إيّاه نخلةً، فقد صار معناه ومعنى من قال: كان المتساقط عليها رطبًا نخلةً واحدًا، فبيّنه بذلك صحّة ما قلنا فيه.
وقوله: {جنيًّا} يعني به: مجنيًّا، وإنّما كان أصله مفعولاً فصرف إلى فعيلٍ، والمجنيّ: المأخوذ طريًّا، وكلّ ما أخذ من ثمره، أو بقلةٍ من موضعه بطراته فقد اجتني، ولذلك قيل: فلانٌ يجتني الكمأة، ومنه قول ابن أخت جذيمة:
هذا جناي وخياره فيه = إذ كلّ جانٍ يده إلى فيه). [جامع البيان: 15/510-514]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 25.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وهزي إليك بجذع النخلة} قال: حركيها). [الدر المنثور: 10/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف عن مجاهد {وهزي إليك بجذع النخلة} قال: كانت عجوة). [الدر المنثور: 10/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن البراء أنه قرأ يساقط عليك بالياء). [الدر المنثور: 10/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قرأ يساقط عليك بالياء يعني الجذع). [الدر المنثور: 10/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مسروق أنه قرأ {تساقط عليك رطبا جنيا} بالتاء). [الدر المنثور: 10/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {تساقط} مثقلة بالتاء). [الدر المنثور: 10/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن طلحة الإيابي أنه قرأ {تساقط عليك رطبا} مثقلة). [الدر المنثور: 10/58-59]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نهيك أنه قرأ تسقط عليك رطبا). [الدر المنثور: 10/59]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {رطبا جنيا} قال: طريا). [الدر المنثور: 10/59]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس في قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} قال: بغباره.
وأخرج ابن الأنباري والخطيب عن أبي حباب مثله). [الدر المنثور: 10/59]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي روق قال: انتهت مريم إلى جذع ليس له رأس فأنبت الله له رأسا وأنبت فيه رطبا وبسرا ومدببا وموزا فلما هزت النخلة سقط عليها من جميع ما فيها). [الدر المنثور: 10/59]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي قدام قال: أنبتت لمريم نخلة تعلق بها كما تعلق المرأة عند الولادة). [الدر المنثور: 10/59]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن السني وأبو نعيم معا في الطب النبوي والعقيلي، وابن عدي، وابن مردويه، وابن عساكر، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام وليس من الشجر شجرة تلقح غيرها، وقال صلى الله عليه وسلم: أطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر فليس من الشجر شجرة أكرم من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران). [الدر المنثور: 10/60]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مماذا خلقت النخلة قال: خلقت النخلة والرمان والعنب من فضل طينة آدم عليه السلام). [الدر المنثور: 10/60]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر: خرج ولدها ولدا حليما فإنه كان طعام مريم حيث ولدت عيسى ولو علم الله طعاما هو خير لها من التمر لأطعمها إياه). [الدر المنثور: 10/60]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن شقيق قال: لو علم الله أن شيئا للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به). [الدر المنثور: 10/61]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن ميمون قال ليس للنفساء خير من الرطب أو التمر وقال: إن الله قال: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} ). [الدر المنثور: 10/61]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن الربيع بن خيثم قال: ليس للنفساء عندي دواء مثل الرطب ولا للمريض مثل العسل). [الدر المنثور: 10/61]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن الشعبي قال: كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب أن رسلا أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير تخرج مثل أذان الحمير ثم تشقق عن مثل اللؤلؤ الأبيض ثم تصير مثل الزمرد الأخضر ثم تصير مثل الياقوت الأحمر ثم تينع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادا للمسافر فإن لم تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة فكتب إليه عمر أن رسلك قد صدقتك هذه الشجرة عندنا: وهي التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى). [الدر المنثور: 10/61-62]

تفسير قوله تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى إني نذرت للرحمن صوما قال في بعض الحروف صمتا وإنك لا تشاء أن تلقى امرأة جاهلة تقول نذرت كما نذرت مريم ألا تكلم يوما إلى الليل وإنما جعل الله تلك آية لمريم وابنها ولا يحل لأحد أن ينذر صمتا يوما إلى الليل وأما قوله صوما فإنها صامت من الطعام والشراب والكلام). [تفسير عبد الرزاق: 2/7]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن ابن جريج عن عبد اللّه بن عثمان بن المغيرة الثّقفيّ عن ابن عبّاسٍ أنّه قرأها: (صومًا) قال صمتا [الآية: 26]. سفيان الثوري عن التّيميّ عن أنس بن مالكٍ أنّه قرأها (صومًا صمتًا)). [تفسير الثوري: 184]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكلي واشربي وقرّي عينًا فإمّا ترينّ من البشر أحدًا فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًّا}.
يقول تعالى ذكره: فكلي من الرّطب الّذي تساقط عليك، واشربي من ماء السّريّ الّذي جعله ربّك تحتك، ولا تخشي جوعًا ولا عطشًا {وقرّي عينًا} يقول: وطيبي نفسًا وافرحي بولادتك إيّاي ولا تحزني. ونصبت العين لأنّها هي الموصوفة بالقرار. وإنّما معنى الكلام: ولتقرر عينك بولدك، ثمّ حوّل الفعل عن العين إلى المرأة صاحبة العين، فنصبت العين إذ كان الفعل لها في الأصل على التّفسير، نظير ما فعل بقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا} وإنّما هو: فإن طابت أنفسهنّ لكم. وقوله: {وضاق بهم ذرعًا} ومنه قوله: " يسّاقط عليك رطبًا جنيًّا " إنّما هو يسّاقط عليك رطب الجذع، فحوّل الفعل إلى الجذع، في قراءة من قرأه بالياء. وفي قراءة من قرأه: {تسّاقط} بالتّاء، معناه: تسّاقط عليك رطب النّخلة، ثمّ حوّل الفعل إلى النّخلة.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وقرّي}. فأمّا أهل المدينة فقرءوه: {وقرّي} بفتح القاف على لغة من قال: قررت بالمكان أقرّ به، وقررت به عينًا، أقرّ به قرورًا، وهي لغة قريشٍ فيما ذكر لي وعليها القراءة. وأمّا أهل نجدٍ فإنّها تقول قررت به عينًا أقرّ به قرارًا وقررت بالمكان أقرّ به، فالقراءة على لغتهم: " وقرّي عينًا " بكسر القاف، والقراءة عندنا على لغة قريشٍ بفتح القاف.
وقوله: {فإمّا ترينّ من البشر أحدًا} يقول: فإن رأيت من بني آدم أحدًا يكلّمك أو يسألك عن شيءٍ من أمرك وأمر ولدك وسبب ولادتكه {فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا} يقول: فقولي له: إنّي أوجبت على نفسي للّه صمتًا ألاّ أكلّم أحدًا من بني آدم اليوم {فلن أكلّم اليوم إنسيًا} وبنحو الّذي قلنا في معنى الصّوم، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سمعت أنس بن مالكٍ، يقول في هذه الآية {إنّي نذرت للرّحمن صومًا} صمتًا.
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني المغيرة بن عثمان، قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول {إنّي نذرت للرّحمن صومًا} قال: صمتًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {إنّي نذرت للرّحمن صومًا} قال: يعني بالصّوم: الصّمت.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان التّيميّ، قال: سمعت أنسًا، قرأ: " إنّي نذرت للرّحمن صومًا وصمتًا ".
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {إنّي نذرت للرّحمن صومًا} أمّا قوله: {صومًا} فإنّها صامت من الطّعام والشّراب والكلام.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {نذرت للرّحمن صومًا} يعنى صمتاً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فى قوله: {إنّي نذرت للرّحمن صومًا} قال: كان من بني إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطّعام، إلاّ من ذكر اللّه، فقال ذلك لها كذلك، فقالت: إنّي أصوم من الكلام كما أصوم من الطّعام، إلاّ من ذكر اللّه، فلمّا كلّموها أشارت إليه، فقالوا: {كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا} فأجابهم فقال: {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب} حتّى بلغ {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ الّذي فيه يمترون}.
واختلفوا في السّبب الّذي من أجله أمرها بالصّوم عن كلام البشر، فقال بعضهم: أمرها بذلك لأنّه لم يكن لها حجّةٌ عند النّاس ظاهرةٌ، وذلك أنّها جاءت وهي أيّمٌ بولدٍ بالكفّ عن الكلام ليكفيها فأمرت الكلام ولدها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هارون بن إسحاق، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن حارثة، قال: كنت عند ابن مسعودٍ، فجاء رجلان فسلّم أحدهما ولم يسلّم الآخر، فقال: ما شأنك؟ فقال أصحابه: حلف أن لا يكلّم النّاس اليوم، فقال عبد اللّه: كلّم النّاس وسلّم عليهم، فإنّ تلك امرأةٌ علمت أنّ أحدًا لا يصدّقها أنّها حملت من غير زوجٍ، يعني بذلك مريم عليها السّلام.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ لمّا قال عيسى لمريم {لا تحزني} قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوجٍ ولا مملوكةٌ، أيّ شيءٍ عذري عند النّاس {يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا} فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام {فإمّا تريّنّ من البشر أحدًا فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًا} قال: هذا كلّه كلام عيسى لأمّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {فإمّا تريّنّ من البشر أحدًا فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًّا} فإنّي سأكفيك الكلام.
وقال آخرون: إنّما كان ذلك آيةً لمريم وابنها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {إنّي نذرت للرّحمن صومًا} قال في بعض الحروف: صمتًا وإنّك لا تشأ أن تلقى امرأةً جاهلةً تقول: نذرت كما نذرت مريم ألاّ تكلّم يومًا إلى اللّيل، وإنّما جعل اللّه تلك آيةً لمريم ولابنها، ولا يحلّ لأحدٍ أن ينذر صمت يومٍ إلى اللّيل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، فقرأ: {فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا} وكانت تقرأ في الحرف الأوّل صمتًا، وإنّما كانت آيةً بعثها اللّه لمريم وابنها.
وقال آخرون: بل كانت صائمةً في ذلك اليوم، والصّائم في ذلك الزّمان كان يصوم عن الطّعام والشّراب وكلام النّاس، فأذن لمريم في قدر هذا الكلام ذلك اليوم وهي صائمةٌ
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فإمّا تريّنّ من البشر أحدًا} يكلّمك {فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًّا} فكان من صام في ذلك الزّمان لم يتكلّم حتّى يمسي، فقال لها: لا تزيدي على هذا). [جامع البيان: 15/515-520]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 26
أخرج ابن مردويه، وابن المنذر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {إني نذرت للرحمن صوما} قال: صمتا.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي مثله). [الدر المنثور: 10/62]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه عن أنس بن مالك أنه كان يقرأ {إني نذرت للرحمن صوما} صمتا). [الدر المنثور: 10/62]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأها {إني نذرت للرحمن صوما} صمتا وقال: ليس إلا أن حملت فوضعت). [الدر المنثور: 10/62]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {إني نذرت للرحمن صوما} قال: كان من بني إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام إلا من ذكر الله). [الدر المنثور: 10/62]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن حارثة بن مضرب قال: كنت عند ابن مسعود فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ثم جلسا، فقال القوم: ما لصاحبك لم يسلم قال: إنه نذر صوما لا يكلم اليوم إنسيا، فقال عبد الله: بئس ما قلت إنما كانت تلك المرأة فقالت ذلك ليكون عذرا لها إذا سئلت - وكانوا ينكرون أن يكون ولد من غير زوج إلا زنا - فتكلم وأمر بالمعروف وإنه عن المنكر فإنه خير لك). [الدر المنثور: 10/63]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري عن الشعبي قال: في قراءة أبي بن كعب {إني نذرت للرحمن صوما} صمتا). [الدر المنثور: 10/63]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:41 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فحملته} [مريم: 22] قال الحسن: تسعة أشهرٍ في بطنها.
قوله: {فانتبذت به مكانًا قصيًّا} [مريم: 22] سعيدٌ، عن قتادة قال: أي فانفردت به مكانًا شاسعًا منتحيًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/220]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {مَكَانًا قَصِيًّا...}

(قاصيا) بمعنى واحدٍ. أنشدني بعضهم:

لتقعدنّ مقعد القصيّ.......مني ذي القاذورة المقليّ ).
[معاني القرآن: 2/164]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مَكَانًا قَصِيًّا} أي بعيدا ) . [مجاز القرآن: 2/3]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قصيا}: بعيدا). [غريب القرآن وتفسيره: 237]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا}
{انْتَبَذَتْ بِهِ} تباعدت به. وقصيّا وقاصيا في معنى واحد، معناه البعد). [معاني القرآن: 3/323]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: قال مجاهد أي قاصيا
قال الكسائي يقال قصا يقصو أي بعد وأقصاه الله وأقصى الشيء أبعده). [معاني القرآن: 4/321-322]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَصِيـًّا}: بعيدا). [العمدة في غريب القرآن: 195]

تفسير قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فأجاءها المخاض} [مريم: 23] عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: ألجأها المخاض. {إلى جذع النّخلة قالت يا ليتني متّ قبل هذا} [مريم: 23] قال الحسن: ممّا خشيت من الفضيحة.{وكنت نسيًا} [مريم: 23] لا أذكر. {منسيًّا} [مريم: 23] لم أذكر. سعيدٌ، عن قتادة: قالت: أي شيءٌ لا يعرف ولا يذكر. وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن أبي عمران الجونيّ، عن نوفٍ البكاليّ قال: وكنت حيضة نسيتها. وذكر حمّادٌ المرأة النّسوء. وقال حمّادٌ: النّسوء الّتي يظنّ بها حملٌ فلا يكون كذلك. وقال الكلبيّ: {وكنت نسيًا منسيًّا} [مريم: 23] قال: القوم ينزلون المنزل ثمّ يرتحلون وينسون الشّيء فيسمّى ذلك الشّيء: النّسا). [تفسير القرآن العظيم: 1/220]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
( وقوله: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ...}

من جئت كما تقول: فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة. فلمّا ألقيت الباء جعلت في الفعل ألفا؛ كما تقول: آتيتك زيدا تريد: أتيتك بزيد. ومثله {آتوني زبر الحديد} فلمّا ألقيت الباء زدت ألفا وإنما هو ائتوني بزبر الحديد. ولغة أخرى لا تصلح في الكتاب وهي تميميّة: فأشاءها المخاض، ومن أمثال العرب: شرٌّ ما ألجأك إلى مخّة عرقوب. وأهل الحجاز وأهل العالية يقولون: شرّ ما أجاءك إلى مخّة عرقوب، والمعنى واحد. وتميم تقول: شرّ ما أشاءك إلى مخّة عرقوب. وقوله: {وَكُنْتُ نَسْيًا} أصحاب عبد الله قرءوا نسيا بفتح النون. وسائر العرب تكسر النون وهما لغتان مثل الجسر والجسر والحجر والحجر والوتر والوتر. والنّسى: ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها ( لأنه إذا رمى به لم يردّ ) وهو اللقى مقصور. وهو النّسى ولو أردت بالنّسى مصدر النسيان كان صواباً.
بمنزلة قولك: حجرا محجوراً: حراما محرما، نسيا منسيّا. والعرب تقول: نسيته نسياناً، ونسيا،
أنشدني بعضهم:
* من طاعة الربّ وعصى الشيطان *
يريد: وعصيان الشيطان. وكذلك أتيته إتيانا وأتياً.
قال الشاعر:
أتى الفواحش فيهم معروفة.......ويرون فعل المكرمات حراما ).

[معاني القرآن: 2/164-165]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ) : ( {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} مجازها أفعلها من جاءت هي وأجاء غيرها إليه، يقال في المثل: شر ما أجاءني إلى مخه عرقوب، وقال زهير:
وجارٍ سار معتمداً إليكم.......أجاءته المخافة والرّجاء ).

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} وهو ما نسي من عصاً أو أدواةٍ أو غير ذلك،
قال الشنفري:

كأنّ لها في الأرض نسياً تقصّه.......على أمّها وإن تحدّثك تبلت

أي تقطع الحديث استحياءً

وقال الكميت:

أتجعلنا قيسٌ لكلب بضاعةً.......ولست بنسيٍ في معّد ولا دخل

وقال دكين الفقيمي:
كالنّسي ملقىً بالجهاد البسبس
الجهاد غلظٌ من الأرض ). [مجاز القرآن: 2/3-4]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {يا ليتني مت} بالضم وهي الأصل.
الأعرج {مت} يكسر، كما قالوا: ما دمت حيًا، وقال بعضهم: كدت أفعل، فضم الكاف؛ يريد: كدت؛ وقال: كدت تفتنينني في لغة من قال: أفتنتني.
وقال الراجز:
أحين كان الشيب من عمائمي
أو حيث وفيت برغم الراغم
ستين أو كدت بقول العالم
فضم في كدت، كما كسر في: ميت ودمت.
وقال الآخر:
وكاد ضباع القف تأكل رمتي = وكيد خراش عند ذلك ييتم
فقال: كيد خراش.
الحسن وأبو عمرو ومجاهد والأعرج {وكنت نسيا منسيا} بالكسر.
الأعمش {نسيا} بالفتح، وسنخبر عنه في اللغة إن شاء الله). [معاني القرآن لقطرب: 889]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فأجاءها المخاض}: أي اضطرها وجاء بها.
{وكنت نسيا منسيا}: النسي ما أغفل من شيء حقير ونسي.
وقال بعضهم: {كنت ما إذا ذكر لم يطلب} ). [غريب القرآن وتفسيره: 238-237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} أي جاء بها وألجأها. وهو من حيث يقال: جاءت بي الحجة إليك، وألجأتني الحاجة إليك. والمخاض: الحمل.
{وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} والنّسي: الشيء الحقير الذي ألقي نسي. ويكون كلّ ما نسي.
قال الشاعر:
كأن لها في الأرض نسيا تقصّه.......على أمّها وإن تحدثك تبلت

تبلت: تقطع. مثل تبتل.

و(السري) النهر). [تفسير غريب القرآن:273-274]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}
معناه ألجأها، وهو من جئت وأجاءني غيري: وفي معناه أشاءني غيري، وفي أمثال العرب: شر أجاءك إلى مخّة عرقوب وبعضهم يقول: أشاءك.
قال زهير:
وجار سار معتمدا إليكم.......أجاءته المخافة والرّجاء

واختلف في حمل عيسى عليه السلام، فقيل إنها حملت به وولدته في وقتها، وقيل إنه ولد في ثمانية أشهر، وتلك آية له لأنه لا يعرف أنه يعيش مولود ولد لثمانية أشهر غيره.
وقوله عزّ وجلّ: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} - يدل على مكث الحمل واللّه أعلم.
وقوله جلّ وعزّ: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} معناه إني لو خيرت قبل هذه الحال بين الموت أو الدفع إلى هذه الحال لاخترت الموت، وقد علمت - رضوان الله عليها - أنها لم يكن ينفعها أن تتمنى الموت قبل تلك الحال.
وقوله: {وَكُنْتُ [نَسْيًا] مَنْسِيًّا}.
ويقرأ {نَسْيًا} - بفتح النون - وقيل معنى {نَسْيًا} حيضة ملقاة وقيل نسيا - بالكسر في معنى منسية لا أعرف، والنسيء في كلام العرب الشيء المطروح لا يؤبه له.
قال الشنفري:
كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه على أمّها وإن تحدّثك تبلت). [معاني القرآن: 3/324-325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال أبو إسحاق قوله تعالى:{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} يدل على طول المكث والله أعلم). [معاني القرآن: 4/321] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} قال ابن عباس ومجاهد أي فألجأها المخاض قال الكسائي هو من جاء وجئت به وأجأته وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد لأنه إذا ألجأها إلى الذهاب إلى جذع النخلة فقد جاء بها إليه قال زهير:

وجار سار معتمدا إليكم.......أجاءته المخافة والرجاء

والمخاض الحمل
قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد كان حمل النخلة عجوة وقال غيره كان جذعا ووضعت في ساعة واحدة وقال غيره أقامت ثمانية أشهر وتلك آية لأنه لا يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش قال أبو اسحاق قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} يدل على طول المكث والله أعلم). [معاني القرآن: 4/322-323]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} أي لو خيرت بين الموت وهذا لاخترت الموت). [معاني القرآن: 4/323]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} قال عكرمة أي حيضة ملقاة
والنسي عند أهل اللغة على ضربين أحدهما ما طال مكثه فنسى والآخر الشيء الحقير الذي لا يعبأ به وقرأ محمد بن كعب وكنت نسئا وقرأ نوف وكنت نسا وهو من نسأ الله في أجله أي أخره قال حماد بن سلمة قال لي عاصم كيف تقرأ فاجأها قلت أقرؤها فأجاءها فقا إنما هو فاجأ من المفاجأة). [معاني القرآن: 4/323-324]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} أي: فألجأها، قال: والعرب تقول في أمثالها: إذا طلبت المعروف من البخيل اللئيم ما أشاءك وأجاءك إلى مخة عرقوب، أي ألجأك إلى أن تطلب المخ من العرقوب.
قال: وأخبرني عمرو، عن أبيه، قال: وبمعناها - أيضا: ما أضك إلى هذا: أي: ما ألجأك ؟ قال: وأنشدني: وهي ترى ذا حاجة مؤتضا أي: ملجأ مضطرا). [ياقوتة الصراط:337-338]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {نَسْيًا مَنْسِيًّا} أما النسي فهو ما ألقي مما لا يحتاج إليه ولا ينتفع به، ومنسيا: متروكا). [ياقوتة الصراط: 338]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {فَأَجَاءَهَا} جاء بها، من جئت ) . [تفسير المشكل من غريب القرآن: 148]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {فَأَجَاءَهَـا}: اضطرها ) . [العمدة في غريب القرآن: 195]

تفسير قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فناداها من تحتها} [مريم: 24] سعيدٌ، عن قتادة قال: كنّا نحدّث أنّه الملك، يعني جبريل. وقوله: {تحتها} [مريم: 24]
قال يحيى: سمعت من يقول: تحتها من الأرض.
وقال بعضهم: {تحتها} [مريم: 24] يعني عيسى.
{ألّا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريًّا} [مريم: 24] حدّثني يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء بن عازبٍ قال: هو الجدول).[تفسير القرآن العظيم: 1/221-220]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ) :
(وقوله: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا...}

و{نَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} وهو الملك في الوجهين جميعاً. أي فناداها جبريل من تحتها، وناداها من تحتها: الذي تحتها
وقوله {سريّاً} السري: النهر). [معاني القرآن: 2/165]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ) : ( {سريّاً} أي نهراً، قال لبيد بن ربيعة:

فرمى بها عرض السّريّ فغادرا.......مسجورةً متجاوراً قلاّمها

مسجورة أي مملوءة، القلام شجر يشبه القاقلي وهو نبت). [مجاز القرآن: 2/5]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو ومجاهد {فناداها من تحتها} كأنه قال: الذي تحتها على الظرف.
وابن مسعود والأعرج {فناداها من تحتها} يجره بمن؛ كأنه قال: ناداها الملك من تحتها). [معاني القرآن لقطرب: 890]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سريا}: جدولا صغيرا). [غريب القرآن وتفسيره: 238]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَنَادَاهَا [مِنْ تَحْتِهَا ] أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا}
وتقرأ {من تحتها}، وهى أكثر بالكسر في القراءة، ومن قرأ {من تحتها} عنى عيسى عليه السلام.
ويكون المعنى في مناداة عيسى لها أن يبين الله لها الآية في عيسى، وأنّه أعلمها أن اللّه - عزّ وجلّ - سيجعل لها في النخلة آية. ومن قرأ {من تحتها} عنى به الملك.
{قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا}
روي عن الحسن أنه قال يعنى عيسى، وقال: كان واللّه سريّا من الرجال، فعرف الحسن أن من العرب من يسمي النهر سريا فرجع إلى هذا القول.
ولا اختلاف بين أهل اللغة أنّ السّريّ النهر بمنزلة الجدول.
قال لبيد:

فتوسّطا عرض السّريّ وصدّعا.......مسجورة متجاورا قلاّمها

وقال ابن عباس: السري النهر
وأنشد:
سلم ترى الدّاليّ منه أزورا.......إذا يعبّ في السّريّ هرهرا ).
[معاني القرآن: 3/325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}
كذا روي عن أبي بن كعب والبراء بن عازب وإبراهيم النخعي أنهم قرءوا من بالفتح وتأولوه على أنه عيسى عليه السلام وقرأ ابن عباس وعمرو بن ميمون والضحاك فناداها من تحتها وفسروه أنه جبريل صلى الله عليه وسلم قال الضحاك كان جبريل أسفل منها فناداها من ذلك الموضع أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وروى سفيان عن أبي اسحاق عن البراء قال السري الجدول والنهر الصغير وكذلك هو في كلام العرب
قال لبيد:

فتوسطا عرض السرى وصدعا.......مسجورة متجاوزا قلامها ).
[معاني القرآن: 4/324-325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {سَرِيًّا} قال ثعلب: يقال: السري - هاهنا - النهر، ويقال: السري - هاهنا - عيسى بن مريم،
ويقال: السري - هاهنا - النبيل الجليل). [ياقوتة الصراط: 339]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَرِيًّا} نهرا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 148]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَرِيّـاً}: جدولا). [العمدة في غريب القرآن: 195]

تفسير قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهزّي إليك بجذع النّخلة} [مريم: 25] سعيدٌ، عن قتادة قال: كانت عجوةً.
يسّاقط عليك الجذع.
{رطبًا جنيًّا} [مريم: 25] وكان جذع النّخلة يابسًا.
ومن قرأها: {تساقط} [مريم: 25] يقول: النّخلة.
{تساقط عليك رطبًا جنيًّا} [مريم: 25] حين اجتني). [تفسير القرآن العظيم: 1/221]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ...}

العرب تقول: هزّ به وهزّه، وخذ الخطام وخذ بالخطام، وتعلّق زيدا وتعلّق بزيد، وخذ برأسه وخذ رأسه، وامدد بالحبل (وامدد الحبل) قال الله {فليمدد بسببٍ إلى السّماء}
معناه: فليمدد سبباً {إلى السّماء} وكذلك في قوله: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} لو كانت: وهزّي جذع النخلة كان صوابا.
وقوله: {يسّاقط} ويقرأ {تساقط عليك} وتساقط وتساقط (بالتاء) فمن قرأها يسّاقط ذهب إلى الجذع. وقد قرأها البراء بن عازب الياء، وأصحاب عبد الله {تساقط} يريدون النخلة، فإن شئت شدّدت وإن شئت خففت. وإن قلت {تساقط عليك} كان صوابا. والتشديد والتخفيف في المبدوء بالتاء والتشديد في المبدوء بالياء خاصّة. لو قرأ قارئ تسقط عليك رطبا يذهب إلى النخلة أو قال يسقط عليك رطباً يذهب إلى الجذع كان صواباً.
وقوله {جنيّاً} الجني والمجني واحد وهو مفعول به). [معاني القرآن: 2/165-166]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} مجازه: هزّي إليك جذع النخلة، الياء من حروف الزوائد،
وقال: نضرب بالبيض ونرجو بالفرج معناه: ونرجو الفرج). [مجاز القرآن: 2/5]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يسّاقط عليك} من جعل {يساقط} بالياء فالمعنى على الجذع ومن جعله بالتاء فالمعنى على النخلة وهي ساكنة إذا كانت في موضع المجازات وموضع {يسّاقط} في موضع يسقط عليك رطباً جنياً والعرب تفعل ذلك، قال أوفى ابن مطرٍ المازني:

تخاطّأت النّبل أحشاءه.......وأخّر يومى فلم يعجل


تخاطّأت وهو في موضع أخطأت،
وقال الأعشى:

ربي كريمٌ لا يكدّر نعمةً.......وإذا تنوشد بالمهارق أنشدا

هو في موضع نشد، أي سئل بالمهارق وهي الكتب،
قال أمرؤ القيس:

ومثلك بيضاء العوارض طفلةٍ.......لعوبٍ تناساني إذا قمت سربالي

في معنى تنسيني.
وقال جرير:

لولا عظام طريفٍ ما غفرت لكم.......بيعى قراي ولا نسّأتكم غضبي

أي ما أنسأتكم لولا عظام طريف، يعني طريف بن تميم العنبري، قتله حمصيصة الشيباني، وهو ابن شراحيل). [مجاز القرآن: 2/5-6]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}
وقال: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} لأن الباء تزاد في كثير من الكلام نحو قوله: {تنبت بالدّهن} أي: تنبت الدهن. وقال الشاعر:

بوادٍ يمان ينبت السّدر صدره.......وأسفله بالمرخ والشبهان

يقول:"وأسفله ينبت المرخ والشبهان" ومثله: "زوّجتك بفلانة" يريدون:"زوّجتكها" ويجوز أن يكون على معنى "هزّي رطباً بجذع النخلة"). [معاني القرآن:3/1]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {يساقط} بالياء مثقل؛ كأنه يتساقط؛ يريد الجذع، ثم أدغم لأنه قال {وهزي إليك بجذع النخلة} وقالوا: كل خشبة في أصل شجرة، أو نخلة فهو جذع؛ والساجة أيضًا تسمى جذعًا.
وقال الشاعر:
وعنق كجذع الساج سام يقوده = معرق أحناء الصببين أشدق
الأعرج وأبو جعفر ونافع {تساقط} بالتاء؛ كأنه تتساقط للنخلة، ثم أدغم وقد حكيت أيضًا عن أبي عمرو؛ وكل حسن.
مجاهد والأعمش {تساقط} بغير إدغام؛ كأنه قال: تتساقط النخلة، ثم حذف إحدى التاءين؛ وقد فسرنا ذلك في سورة البقرة؛ وأراد الجذع، قال: تساقط عليك ففتح.
قال أبو علي: ولم تحفظ القراءة مرفوعة ولا منصوبة؛ ولكنه على معنى الجذع ليس بالسهل؛ لأنك تجعله واجبًا؛ وهو لم يجب؛ ويصير كقولك: وهزي إليك بجذع النخلة سقط عليك رطبًا؛ يريد يسقط؛ وهذا ضعيف ولو قرئ). [معاني القرآن لقطرب: 890]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والباء تزاد في الكلام، والمعنى إلقاؤها.
كقوله سبحانه: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}.
وقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي اسم ربك.
و{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي يشربها.
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} أي هزّي جذع). [تأويل مشكل القرآن: 248] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}
يروى أنه كان جذعا من نخلة لا رأس عليه، فجعل اللّه - جلّ وعزّ – له رأسا وأنبت فيه رطبا، وكان ذلك في الشتاء.
فأمّا نصب رطبا فقال محمد بن يزيد هو مفعول به، المعنى وهزّي إليك بجذع النّخلة رطبا تسّاقط عليك.
ويجوز {تساقط عليك}، ويجوز "يساقط عليك"، ويجوز "نساقط عليك". بالنون ويجوز "يسّاقط بالياء"، ويجوز "يتساقط عليك". ويجوز "تساقط عليك" و"نساقط". و"يسّاقط" بالرفع. ويروى عن البراء بن عازب.
فمن قرأ يساقط عليك فالمعنى يتساقط فأدغمت التاء في السين ومن قرأ تسّاقط، فالمعنى تتساقط أيضا. فأدغمت الياء في السّين وأنّث لأن لفظ النخلة مؤنث. ومن قرأ تساقط بالتاء والتخفيف فإنه حذف التاء من - تتساقط لاجتماع التاءين، ومن قرأ يساقط، إلى معنى يساقط الجذع عليك. ومن قرأ نساقط بالنون فالمعنى إنا نحن نساقط عليك فنجعل لك بذلك آية.
والنحويون يقولون إن رطبا منصوب على التمييز، إذا قلت يساقط أو يتساقط فالمعنى يتساقط الجذع رطبا، ومن قرأ تساقط فالمعنى تتساقط النخلة رطبا). [معاني القرآن: 3/325-326]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فكلي واشربي} [مريم: 26] فكلي من الرّطب واشربي من الجدول.
والسّريّ هو الجدول، وهو النّهر، وهو بالسّريانيّة سريا.
قال: {وقرّي عينًا فإمّا ترينّ من البشر أحدًا فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا} [مريم: 26] سعيدٌ، عن قتادة قال: كانت تقرأ في الحرف الأوّل: صمتًا.
وبلغني عن أنس بن مالكٍ أنّه كان يقرأها: صومًا صمتًا.
{فلن أكلّم اليوم إنسيًّا} [مريم: 26] قال: بلغني أنّه أذن لها في هذا الكلام.
سعيدٌ، عن قتادة قال: إنّما كانت آيةٌ جعلها اللّه لها يومئذٍ وإن شئت رأيت امرأةً سفيهةً تقول: أصوم صوم مريم ولا تتكلّم في صومها). [تفسير القرآن العظيم: 1/222-221]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {وَقَرِّي عَيْنًا...}

جاء في التفسير: طيبي نفساً. وإنما نصبت العين لأن الفعل كان لها فصيّرته للمرأة. معناه: لتقرر عينك، فإذا حوّل الفعل عن صاحبه إلى ما قبله نصب صاحب الفعل على التفسير.
ومثله {فإن طِـبْنَ لَكُم عَن شَيءٍ مِنهُ نَفْساً} وإنما معناه: فإن طالت أنفسهنّ لكم، وضاق به ذرعاً وضقت به ذرعاً، وسؤت به ظنّاً إنما (معناه: ساء به ظنّي) وكذلك مررت برجل حسنٍ وجهاً إنما كان معناه: حسن وجهه، فحوّلت فعل الوجه إلى الرجل فصار الوجه مفسّرا. فابن على ذا ما شئت.
وقوله: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي صمتاً).[معاني القرآن: 2/166]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} يقال لكل ممسك عن شيء من طعام أو شراب أو كلام أو عن أعراض الناس وعيبهم صائم، قال النابغة الذبياني:

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صائمة.......تحت العجاج وخيلٌ تعلك اللجما).

[مجاز القرآن: 2/6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({نذرت للرحمن صوما}: أي صمتا. يقال لكل ممسك عن كلام أو غيره صائم). [غريب القرآن وتفسيره: 238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي صمتا. والصّوم هو الإمساك.
ومنه قيل للواقف من الخيل: صائم). [تفسير غريب القرآن: 274]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} أي فكلي من الرطب، واشربي من السّريّ، {وَقَرِّي عَيْنًا} بعيسى.
يقال: قررت به عينا أقرّ بفتح القاف في المستقبل.
وقررت في المكان أقر - بكسر القاف - في المستقبل.
و{عَيْنًا} منصوب على التمييز.
{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا}بغير ألف في ترين، ويجوز " ترأينّ " بألف ولم يقرأ بالألف أحد وهي جيّدة بالغة لكنها لا يجوز في القراءة.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: {إنَّني مَعكُمَا أسْمَعُ وأرَى}، ويجوز وأرأي بالألف، ولا تقرأ بها، لفظها أرأى، لأن القراءة سنة لا تخالف. والأجود أرى، وكذلك ترين الأجود بغير همز، والتاء علامة التأنيث، والأصل ترآيّن، والياء حركت لالتقاء السّاكنين. النون الأولى من النون الشديدة والياء.
وكذلك تقول للمرأة اخشينّ زيدا.
{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}معنى {صَوْمًا} صمتا. يقال نذرت النذر أنذره وأنذره، ونذرت بالقوم أنذر إذا علمت بهم فاستعددت لهم). [معاني القرآن: 3/326-327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {فقولي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} روى سلمان التيمي عن أنس قال صمتا وذلك معروف في اللغة يقال لكل ممسك عن كلام أو طعام صائم كما قال الشاعر:

خيل صيام وخيل غير صائمة.......تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

صيام ممسكة عن الحركة ساكنة). [معاني القرآن: 4/326]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({صَوْمًا} أي: صمتا). [ياقوتة الصراط: 339]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَوْمًا} صمتا. وأصل الصوم الإمساك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 148]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَوْماً}: صمتا). [العمدة في غريب القرآن: 195]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:44 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) }

تفسير قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) }

قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: إذا دنا ولادها: بخضت بخاضا، ومخضت لغة، وهو قول الله عز وجل: {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} ). [الفرق في اللغة: 85]
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال: الإشاءَة: الاضطرار، وأهل الحجاز يقولون: الإجاءة؛ تقول: ما أجاءك إلى كذا وكذا؟ أي: ما اضطرك إليه؛ قال الله عز وجل: {فأَجاءَها المَخاضُ إِلى جِذع النَّخلة} . وقال الأسدي:

كَيما أُعِدُّهُمُ لأَبْعدَ منهمُ.......ولقد يُجَاءُ إِلى ذَوِي الأَحْقادِ).

[كتاب الجيم: 1/70]

قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} قال: النسي خرق الحيض التي يرمى بها، أي وكنت هذا فيرمي بي.
وقال: رجل ناس ونسي، من النسيان، مثل حاكم وحكيم، وعالم وعليم، وكذلك المرأة ناسية ونسية، مثله). [مجالس ثعلب: 353]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال الطوسي الرواية: كموشي القوائم أحرجته * بحربة. الموشي يعني الثور وذلك لسوادٍ في قوائمه، أحرجته: ألجأته إلى كذا وكذا وأجاءته بمعنىً، قال الله تعالى: {فأجأها المخاض إلى جذع النخلة} بمعنى: ألجأها وقال الشاعر: ولقد يجاء إلى ذوي الأضغان). [شرح المفضليات: 653]

تفسير قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (حدثنا يزيد، عن سفيان بن حسين، عن الحسن،
في قوله تعالى: {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: كان والله سريا؛ يعني عيسى. قال: فقال له خالد بن صفوان: يا أبا سعيد، إن العرب تسمى الجدول السري. فقال: صدقت). [فضائل القرآن: 343-344]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وروى أبو عبيدة في هذا الإسناد - وروى ذلك غيره، وسمعناه من غير وجه - أنه سأله عن قوله عز وجل: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} فقال ابن عباس: هو الجدول، فسأله عن الشواهد، فأنشده:


سلمًا ترى الدالج منها أزورا.......إذا يعج في السري هرهرا).

[الكامل: 3/1145]

تفسير قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) }

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرطب: رزق طيب هنيء، تقر به العين؛ قال الله عز وجل: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا * فكلي واشربي وقري عينا} ). [تعبير الرؤيا: 146]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب النونين الثقيلة والخفيفة
ومعرفة مواقعها من الأفعال
اعلم أنهما لا تدخلان من الأفعال إلا على ما لم يجب، ولا يكون من ذلك إلا في الفعل الذي يؤكد ليقع. وذلك ما لم يكن خبراً فيما ضارع القسم. فأما القسم فإحداهما فيه واجبةٌ لا محالة. وأما ما ضارعه فأنت فيه مخير. وذلك قولك في القسم: والله لأقومن، وحق زيد لأمضين، فيلحق النون إما خفيفة وإما ثقيلةً، لا يكون القسم إلا كذاك. وقد شرحنا ذلك في باب القسم: لم كانت فيه واجبة? وأما الثقيلة فكقوله عز وجل: (ليسجنن وليكوننّ من الصاغرين). وأما الخفيفة فعلى قراءة من قرأ: {وليكونن من الصاغرين}، وكقوله: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية}، وقال الشاعر:
وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا
فمن مواضعها: الأمر، والنهي؛ لأنهما غير واجبين. وذلك قولك - إذا لم تأت بهما -:اضرب، ولا تضرب، فإذا أتيت بها قلت: اضربن زيدا، ولا تضربن زيدا، وإن شئت ثقلت النون، وإن شئت خففتها. وهي - إذا خففت - مؤكدة، وإذا ثقلت فهي أشد توكيدا، وإن شئت لم تأت بها فقلت: اضرب، ولا تضرب. قال الله عز وجل: {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غدًا}، وقال: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}، وقال: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. وقال الشاعر في الخفيفة:

فإياك والميتات لا تقربنـهـا.......ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا

وقال الآخر:
فأنزلن سكينةً علينا
والطلب يجري مجرى الأمر والنهي، وقد مضى القول في هذا. ومن مواضعهما: الاستفهام؛ لأنه غير واجب. وذلك قولك: هل تضربن زيداً، وهل يقومن زيد يا فتى. وتدخل الخفيفة كما دخلت الثقيلة؛ لأنهما في التوكيد على ما ذكرت لك ومن مواضعها: الجزاء إذا لحقت ما زائدةً في حرف الجزاء؛ لأنها تكون كاللام التي تلحق في القسم في قولك: لأفعلن، وذلك قولك: إما تأتيني آتك، ومتى ما تقعدن أقعد. فمن ذلك قول الله عز وجل: {فإما ترين من البشر أحداً}، وقال: {وإما تعرضن عنهم}. فإن كان الجزاء بغير ما قبح دخولها فيه، لأنه خبر يجب آخره بوجوب أوله. وإنما يجوز دخولها الجزاء بغير ما في الشعر للضرورة؛ كما يجوز ذلك في الخبر. فمن ذلك قوله:

من تثقفن منهم فليس بآئبٍ........أبداً، وقتل بني قتيبة شافي

فهذا يجوز؛ كما قال في الخبر:

ربما أوفيت في علـمٍ.......ترفعن ثوبي شمالات

ومن أمثال العرب: بعينٍ ما أرينك وبألمٍ ما تختننه. فإنما أدخل النون من أجل ما الزائدة كاللام كما ذكرت لك). [المقتضب: 3/11-15] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وإن أردت إلا التي تقع في المجازاة، نحو قول الله عز وجل: {إلا تنصروه فقد نصره الله} لم تكن إلا الحكاية لأنها إن ضمت إليها لا.
وكذلك إما التي في الجزاء في مثل قوله عز وجل: {فإما ترين من البشر أحداً} الحكاية لا غير؛ لأنها إن، وما). [المقتضب: 4/34] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال أعرابي أنشدنيه أبو العالية:

ألا تسأل ذا العلم ما الذي........يحل من التقبيل في رمضان؟

فقال لي المكي:

أما لزوجةٍ.......فسبع، وأما خلةٍ فثماني

"وقوله: "أما لزوجة" فهذه مفتوحة، وهي التي تحتاج إلى خبر، ومعناها: إذا قلت: أما زيدٌ فمنطلقٌ مهما يكن من شيء فزيدٌ منطلقٌ. وكذلك: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} إنما هي: مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم، وتكسر إذا كانت في معنى "أو" ويلزمها التكرير، تقول: ضربت إما زيدًا وإما عمرًا، فمعناه ضربت زيدًا أو عمرًا، وكذلك: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}، وكذلك: {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ}، و{إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}، وإنما كررتها لأنك إذا قلت: ضربت زيدًا أو عمرًا، أو قلت: اضرب زيدًا أو عمرًا فقد ابتدأت بذكر الأول، وليس عند السامع أنك تريد غير الأول، ثم جئت بالشك، أو التخيير، وإذا قلت: ضربت إما زيدًا وإما عمرًا، فقد وضعت كلامك بالابتداء على التخيير أو على الشك، وإذا قلت: ضربت إما زيدًا وإما عمرًا، فالأولى وقعت لبنية الكلام عليها، والثانية للعطف، لأنك تعدل بين الثاني والأول، فإنما تكسر في هذا الموضع.
وزعم سيبويه أنها إن ضمت إليها "ما" فإن اضطر شاعر فحذف "ما" جاز له ذلك لأنه الأصل، وأنشد في مصداق ذلك:

لقد كذبتك نفسك فاكذبنها.......فإن جزعًا وإن إجمال صبر

ويجوز في غير هذا الموضع أن تقع "إما" مكسورة، ولكن "ما" لا تكون لازمة، ولكن تكون زائدة في "إن" التي هي للجزاء. كما تزداد في سائر الكلام نحو: أين تكن أكن، وأينما تكن أكن، وكذلك متى تأتني آتك، ومتى ما تأتني آتك، فتقول: إن تأتني آتك، وإما تأتني آتك، تدغم النون في الميم لاجتماعهما في الغنة، وسنذكر الإدغام في موضع نفرده به إن شاء الله، كما قال امرؤ القيس:

فإما تريني لا أغمض ساعةٌ.......من الليل إلا أن أكب فأنعسا
فيا رب مكروب كررت وراءه.......وطاعنت عنه الخيل حتى تنفسا


وفي القرآن: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} وقال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} فأنت في زيادة "ما" بالخيار في جميع حروف الجزاء، إلا في حرفين، فإن "ما" لابد منها لعلة نذكرها إذا أفردنا باباٌ للجزاء إن شاء الله، والحرفان: حيثما تكن أكن، كما قال الشاعر:

حيثما تستقم يقدر لك الله.......نجاحاٌ في غابر الأزمان).

[الكامل: 1/377-379] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 02:28 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 02:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 02:38 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقال ابن جريج: نفخ في جيب درعها وكفها، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: دخل الروح المنفوخ من فمها، فذلك قوله: {فحملته} أي: حملت الغلام.
ويذكر أنها كانت بنت ثلاث عشرة سنة، فلما أحست بذلك وخافت تعنيف الناس وأن يظن بها الشر انتبذت به، أي: تنحت مكانا بعيدا حياء وفرارا على وجهها، وروي في هذا أنها فرت إلى بلاد مصر أو نحوها، قاله وهب بن منبه، وروي أيضا أنها خرجت إلى موضع يعرف ببيت لحم، بينه وبين إيلياء أربعة أميال). [المحرر الوجيز: 6/18]

تفسير قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "أجاءها" معناه: فاضطرها، و"أجاء" هو تعدية "جاء" بالهمزة، وقرأ شبل بن عزرة -ورويت عن عاصم -: "فاجأها"، من المفاجأة، وفي مصحف أبي بن كعب: "فلما أجاءها المخاض"، وقال زهير:
[المحرر الوجيز: 6/18]
وجار سار معتمدا إليكم أجاءته المخافة والرجاء
وقرأ الجمهور: "المخاض" بفتح الميم، وقرأ ابن كثير فيما روي عنه - بكسرها، وهو الطلق وشدة الولادة وأوجاعها، روي أنها بلغت إلى موضع كان فيه جذع نخلة بال يابس في أصله مذود بقرة على جرية ماء، فاشتد بها الأمر هنالك، واحتضنت الجذع لشدة الوجع، وولدت عيسى عليه السلام، فقالت عند ولادتها - لما رأته من الآلام والتغرب وإنكار قومها وصعوبة الحال من غير ما وجه-: يا ليتني مت ولم يجر علي هذا القدر.
وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، وعاصم، وأبو عمرو، وجماعة: "مت" بضم الميم، وقرأ الأعرج، وطلحة، ويحيى، والأعمش بكسرها، واختلف عن نافع. وتمنت مريم الموت من جهة الدين؛ إذ خافت أن يظن بها الشر في دينها، وتعير فيفتنها ذلك، وعلى هذا الحد تمناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من الصالحين، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت إنما هو لضر نزل بالبدن، وقد أباحه صلى الله عليه وسلم في قوله:
[المحرر الوجيز: 6/19]
يأتي على الناس زمان يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لأنه زمن فتن بالدين.
وقالت: وكنت نسيا منسيا، أي: شيئا متروكا محتقرا، والنسي في كلام العرب: الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى فلا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه، يقال: نسي ونسي بفتح النون وكسرها، وقرأ الجمهور بالكسر، وقرأ حمزة وحده بالفتح، واختلف عن عاصم، وكقراءة حمزة قرأ طلحة، والأعمش، ويحيى، وقرأ محمد بن كعب القرظي: "نسئا" بالهمز وكسر النون، وقرأ نوف البكالي: "نسئا" بفتح النون، وحكاها أبو الفتح، وأبو عمرو الداني عن محمد بن كعب القرظي، وقرأ بكر بن حبيب: "نسا" بشد السين وفتح النون دون همز، وقال الشنفرى:
كأن لها في الأرض نسا تقصه ... إذا ما غذت وإن تحدثك تبلت
وحكى الطبري في قصصها أنها لما حملت بعيسى حملت أيضا أختها بيحيى، فجاءتها أختها زائرة فقالت: يا مريم، أشعرت أني حملت؟ قالت لها مريم: أشعرت أنت أني حملت؟ قالت لها: وإني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك، وذلك أنه روي أنها أحست جنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم، قال السدي: فذلك قوله تعالى: {مصدقا بكلمة من الله}.
[المحرر الوجيز: 6/20]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا كله ضعف، فتأمله. وكذلك ذكر الطبري من قصصها أنها خرجت فارة مع رجل من بني إسرائيل يقال له يوسف النجار كان يخدم معها المسجد، وطول الطبري في ذلك فاختصرته لضعفه، وهذه القصة تقتضي أنها حملت واستمرت حاملا على عرف البشر، واستحيت من ذلك وفرت بسببه وهي حامل، وهو قول جمهور المتأولين، وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ليس إلا أن حملت فوضعت في ساعة واحدة، والله أعلم.
وظاهر قوله تعالى: {فأجاءها المخاض} يقتضي أنها كانت على عرف النساء، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر؛ ولذلك لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظا لخاصية عيسى عليه السلام، وقيل: ولدته لسبعة أشهر، وقيل: لستة أشهر). [المحرر الوجيز: 6/21]

تفسير قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وابن عباس، والحسن، وزيد بن حبيش، ومجاهد، والجحدري، وجماعة: "فناداها من تحتها" على أن "من" فاعل بـ "ينادي"، والمراد بـ "من" عيسى، أي: ناداها المولود، قاله مجاهد، والحسن، وابن جبير، وأبي بن كعب. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد جبريل عليه السلام، ولم يتكلم حتى أتت به قومها، وقال علقمة والضحاك، وقتادة: ففي هذا آية لها وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم، لا سيما والمنادي عيسى، فإنه يبين به عذر مريم، ولا تبقى بها استرابة، فلذلك كان النداء ألا يقع حزن.
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، والبراء بن عازب، والضحاك، وعمرو بن ميمون، وأهل المدينة، وأهل الكوفة، وعبد الله بن عباس
[المحرر الوجيز: 6/21]
رضي الله عنهما - أيضا، والحسن: "من تحتها" بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية، واختلفوا - فقال بعضهم: المراد عيسى عليه السلام، وقالت فرقة: المراد جبريل المجاور لها قبل، قالوا: وكان في سعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأول وأظهر، وعليه كان الحسن بن أبي الحسن يقسم.
وقرأ علقمة، وزر بن حبيش: "فخاطبها من تحتها"، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما "فناداها ملك من تحتها".
وقوله، {ألا تحزني} تفسير النداء، فـ "أن" مفسرة بمعنى: أي، و"السري" من الرجال، العظيم الخصال السيد، و"السري" أيضا: الجدول من الماء، وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية - فقال قتادة، وابن زيد: أراد: جعل تحتك عظيما من الرجال له شأن، وقال الجمهور: أشار لها إلى الجدول الذي كان قرب جذع النخلة، وروي أن الحسن فسر الآية فقال: أجل، لقد جعله الله سريا كريما، فقال حميد بن عبد الرحمن الحميري: يا أبا سعيد، إنما نعني بالسري الجدول، فقال: لهذه وأشباهها أحب قربك، ولكن غلبتنا عليك الأمراء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن الشاهد في السري قول لبيد:
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها). [المحرر الوجيز: 6/22]

تفسير قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع، فقالت فرقة:
[المحرر الوجيز: 6/22]
كانت النخلة مطعمة رطبا، وقال السدي: كان الجذع مقطوعا، وأجرى النهر تحتها لحينه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والظاهر من الآية أن عيسى هو المكلم لها، وأن الجذع كان يابسا، وعلى هذا تكون آيات تسليها وتسكن إليها، والباء في قوله: "بجذع" زائدة مؤكدة، قال أبو علي: كما يقال: ألقى بيده، أي: ألقى يده.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا المثال نظر، وأنشد الطبري رحمه الله:
بواد يمان ينبت السدر صدره ... وأسفله بالمزج والشبهان
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، والجمهور من الناس: "تساقط" بفتح التاء وشد السين، يريد النخلة، وقرأ البراء بن عازب رضي الله عنه، والأعمش رحمه الله: "يساقط" يريد الجذع، وقرأ حمزة وحده: "تساقط" بفتح التاء وتخفيف السين، وهي قراءة مسروق، ويحيى بن وثاب، وطلحة بن مصرف، وأبي عمرو بخلاف- وقرأت فرقة: "يساقط" بالياء على ما تقدم من إرادة النخلة أو الجذع. وقرأ عاصم - في رواية حفص -: "تساقط" بضم التاء وفتح السين وتخفيفها، وقرأ أبو حيوة: "يسقط" بضم بالياء، وحكى أبو علي في الحجة أنه قرئ: "يتساقط" بياء وتاء، وروي عن مسروق: "تسقط" بضم التاء وكسر القاف، وكذلك عن أبي حيوة، وقرأ أبو حيوة أيضا: "يسقط" بفتح الياء وضم القاف، "رطب جني".
[المحرر الوجيز: 6/23]
ونصب "رطبا" يختلف بحسب معاني القراءات المذكورة، فمرة يسند الفعل إلى الجذع، ومرة إلى الهز، ومرة إلى النخلة، و"جنيا" معناه: قد طاب وصلح للاجتناء، وهو من جنيت الثمرة، وقرأ طلحة بن سليمان: "جنيا" بكسر الجيم، وقال عمرو بن ميمون: ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب، وقال محمد بن كعب: "رطبا" عجوة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واستدل بعض الناس من هذه الآية على أن الرزق وإن كان محتوما فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه؛ لأنه أمرت مريم بهز الجذع لترى آية، وكانت الآية تكون بألا تهز.
وحكى الطبري عن ابن زيد أنه قال لها عيسى: "لا تحزني"، فقالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج "فأقول من زوج، ولا مملوكة فأقول من سيدي، أي شيء عذري عند الناس؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، فقال لها عيسى: "أنا أكفيك الكلام"). [المحرر الوجيز: 6/24]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فكلي واشربي وقري عينا} الآية. قرأ الجمهور: (وقري) بفتح القاف، وحكى الطبري قراءة "وقري" بكسر القاف، وقرة العين مأخوذة من القر، وذلك أنه يحكى أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن، وضعفت فرقة هذا وقالت: الدمع كله سخن، وإنما معنى قرة العين أن البكاء الذي يسخن العين ارتفع، أي: لا حزن من الأمر الذي قرت به العين، وقال الشيباني: "وقري عينا" معناه: نامي، حضها على الأكل والشرب والنوم، وقوله: "عينا" نصب على التمييز، والفعل في الحقيقة إنما هو للعين، فينقل ذلك إلى ذي العين، وينصب الذي كان فاعلا في الحقيقة على التفسير، ومثله: طبت نفسا، وتفقأت شحما، وتصببت عرقا، وهذا كثير.
[المحرر الوجيز: 6/24]
وقرأ الجمهور: "ترين"، وأصله: "ترأيين" حذفت النون للجزم، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء، ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان، الألف [المنقلبة عن الياء]، والياء، فحذفت الألف فصار "ترى"، وعلى هذا النحو قول الأفوه:
إما ترى رأسي أزرى به ... البيت
ثم دخلت النون الثقيلة، وكسرت الياء لاجتماع ساكنين منها ومن النون، وإنما دخلت النون هنا توطئة، كما توطئ لدخولها أيضا لام القسم. وقرأ أبو عمرو - فيما روي عنه -: "ترئن" بالهمزة. وقرأ طلحة، وأبو جعفر، وشيبة: "ترين" بسكون الياء وفتح النون خفيفة، قال أبو الفتح: "وهي شاذة".
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى أمرها - على لسان جبريل أو ابنها عليهما السلام،
[المحرر الوجيز: 6/25]
على الخلاف المتقدم - بأن تمسك عن مخاطبة البشر، وتحيل على ابنها في ذلك، ليرتفع عنها خجلها، وتبين الآية فيقوم عذرها، وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الكلمات التي في الآية، وهو قول الجمهور، وقالت فرقة: معنى "فقولي" بالإشارة لا بالكلام، وإلا فكأن التناقض بين في أمرها.
وقرأ ابن عباس، وأنس بن مالك: "إني نذرت للرحمن وصمت". وقال قوم: معناه: صوما عن الكلام؛ إذ أصل الصوم الإمساك، ومنه قول الشاعر:
خيل صيام ... ... ... ... ....
وقال ابن زيد، والسدي: كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام، وقرأت فرقة، "إني نذرت للرحمن صمتا".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا يجوز في شرعنا أن ينذر أحد صوما، ولقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق والكلام، وقال فرقة: أمرت مريم بهذا ليكفيها عيسى الاحتجاج). [المحرر الوجيز: 6/26]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 4 محرم 1440هـ/14-09-2018م, 05:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 4 محرم 1440هـ/14-09-2018م, 05:21 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فحملته فانتبذت به مكانًا قصيًّا (22) فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا (23)}
يقول تعالى مخبرًا عن مريم أنّها لـمّا قال لها جبريل عن اللّه تعالى ما قال، إنّها استسلمت لقضاء اللّه تعالى فذكر غير واحدٍ من علماء السّلف أنّ الملك -وهو جبريل عليه السّلام-عند ذلك نفخ في جيب درعها، فنزلت النّفخة حتّى ولجت في الفرج، فحملت بالولد بإذن اللّه تعالى. فلمّا حملت به ضاقت ذرعًا به ولم تدر ماذا تقول للنّاس، فإنّها تعلم أنّ النّاس لا يصدّقونها فيما تخبرهم به، غير أنّها أفشت سرّها وذكرت أمرها لأختها امرأة زكريّا. وذلك أنّ زكريّا عليه السّلام، كان قد سأل اللّه الولد، فأجيب إلى ذلك، فحملت امرأته، فدخلت عليها مريم فقامت إليها فاعتنقتها، وقالت: أشعرت يا مريم أنّي حبلى؟ فقالت لها مريم: وهل علمت أيضًا أنّي حبلى؟ وذكرت لها شأنها وما كان من خبرها وكانوا بيت إيمانٍ وتصديقٍ، ثمّ كانت امرأة زكريّا بعد ذلك إذا واجهت مريم تجد الّذي في جوفها يسجد للّذي في بطن مريم، أي: يعظّمه ويخضع له، فإنّ السّجود كان في ملّتهم عند السّلام مشروعًا، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته، وكما أمر اللّه الملائكة أن تسجد لآدم، عليه السّلام، ولكن حرّم في ملّتنا هذه تكميلًا لتعظيم جلال الرّبّ تعالى.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين قال: قرئ على الحارث بن مسكينٍ وأنا أسمع، قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن القاسم قال: قال مالكٌ رحمه اللّه: بلغني أنّ عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريّا ابنا خالةٍ، وكان حملهما جميعًا معًا، فبلغني أنّ أمّ يحيى قالت لمريم: إنّي أرى أنّ ما في بطني يسجد لما في بطنك. قال مالكٌ: أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السّلام؛ لأنّ اللّه جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.
ثمّ اختلف المفسّرون في مدّة حمل عيسى عليه السّلام فالمشهور عن الجمهور أنّها حملت به تسعة أشهرٍ. وقال عكرمة: ثمانية أشهرٍ -قال: ولهذا لا يعيش ولدٌ لثمانية أشهرٍ.
وقال ابن جريج: أخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد اللّه الثّقفيّ، سمع ابن عبّاسٍ وسئل عن حبل مريم، قال: لم يكن إلّا أن حملت فوضعت.
وهذا غريبٌ، وكأنّه أخذه من ظاهر قوله تعالى: {فحملته فانتبذت به مكانًا قصيًّا فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة} فالفاء وإن كانت للتّعقيب، ولكنّ تعقيب كلّ شيءٍ بحسبه، كما قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظامًا} [المؤمنون: 12 -14] فهذه الفاء للتّعقيب بحسبها. وقد ثبت في الصّحيحين: أنّ بين كلّ صفتين أربعين يومًا وقال تعالى: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةً} [الحجّ: 63] فالمشهور الظّاهر -واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ-أنّها حملت به كما تحمل النّساء بأولادهنّ؛ ولهذا لـمّا ظهرت مخايل الحمل عليها وكان معها في المسجد رجلٌ صالحٌ من قراباتها يخدم معها البيت المقدّس، يقال له: يوسف النّجّار، فلمّا رأى ثقل بطنها وكبره، أنكر ذلك من أمرها، ثمّ صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها، ثمّ تأمّل ما هي فيه، فجعل أمرها يجوس في فكره، لا يستطيع صرفه عن نفسه، فحمل نفسه على أن عرّض لها في القول، فقال: يا مريم، إنّي سائلك عن أمرٍ فلا تعجلي عليّ. قالت: وما هو؟ قال: هل يكون قطّ شجرٌ من غير حبٍّ؟ وهل يكون زرعٌ من غير بذرٍ؟ وهل يكون ولدٌ من غير أبٍ؟ فقالت: نعم -فهمت ما أشار إليه-أمّا قولك: "هل يكون شجرٌ من غير حبٍّ وزرعٌ من غير بذرٍ؟ " فإنّ اللّه قد خلق الشّجر والزّرع أوّل ما خلقهما من غير حبٍّ، ولا بذرٍ "وهل خلقٌ يكون من غير أبٍ؟ " فإنّ اللّه قد خلق آدم من غير أبٍ ولا أمٍّ. فصدّقها، وسلّم لها حالها.
ولـمّا استشعرت مريم من قومها اتّهامها بالرّيبة، انتبذت منهم مكانًا قصيًّا، أي: قاصيًا منهم بعيدًا عنهم؛ لئلّا تراهم ولا يروها.
قال محمّد بن إسحاق: فلمّا حملت به وملأت قلّتها ورجعت، استمسك عنها الدّم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والتّرحّم وتغيّر اللّون، حتّى فطر لسانها، فما دخل على أهل بيتٍ ما دخل على آل زكريّا، وشاع الحديث في بني إسرائيل، فقالوا: "إنّما صاحبها يوسف"، ولم يكن معها في الكنيسة غيره، وتوارت من النّاس، واتّخذت من دونهم حجابًا، فلا يراها أحد ولا تراه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 221-223]

تفسير قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة} [أي: فاضطرّها وألجأها الطّلق إلى جذع النّخلة] وهي نخلةٌ في المكان الّذي تنحّت إليه.
وقد اختلفوا فيه، فقال السّدّيّ: كان شرقيّ محرابها الّذي تصلّي فيه من بيت المقدس.
وقال وهب بن منبّه: ذهبت هاربةً، فلمّا كانت بين الشّام وبلاد مصر، ضربها الطّلق. وفي روايةٍ عن وهبٍ: كان ذلك على ثمانية أميالٍ من بيت المقدس، في قريةٍ هناك يقال لها: "بيت لحمٍ".
قلت: وقد تقدّم في حديث الإسراء، من رواية النّسائيّ عن أنسٍ، رضي اللّه عنه، والبيهقيّ عن شدّاد بن أوسٍ، رضي اللّه عنه: أنّ ذلك ببيت لحمٍ، فاللّه أعلم، وهذا هو المشهور الّذي تلقّاه النّاس بعضهم عن بعضٍ، ولا يشكّ فيه النّصارى أنّه ببيت لحمٍ، وقد تلقّاه النّاس. وقد ورد به الحديث إن صحّ.
وقوله تعالى إخبارًا عنها: {قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا} فيه دليلٌ على جواز تمنّي الموت عند الفتنة، فإنّها عرفت أنّها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الّذي لا يحمل النّاس أمرها فيه على السّداد، ولا يصدّقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدةً ناسكةً، تصبح عندهم فيما يظنّون عاهرةً زانيةً، فقالت: {يا ليتني متّ قبل هذا} أي قبل هذا الحال، {وكنت نسيًا منسيًّا} أي لم أخلق ولم أك شيئًا. قاله ابن عبّاسٍ.
وقال السّدّيّ: قالت وهي تطلق من الحبل -استحياءً من النّاس: يا ليتني متّ قبل هذا الكرب الّذي أنا فيه، والحزن بولادتي المولود من غير بعل {وكنت نسيًا منسيًّا} نسي فترك طلبه، كخرق الحيض إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر. وكذلك كلّ شيءٍ نسي وترك فهو نسيّ.
وقال قتادة: {وكنت نسيًا منسيًّا} أي: شيئًا لا يعرف، ولا يذكر، ولا يدرى من أنا.
وقال الرّبيع بن أنسٍ: {وكنت نسيًا منسيًّا} وهو السّقط.
وقال ابن زيدٍ: لم أكن شيئًا قطّ.
وقد قدّمنا الأحاديث الدّالّة على النّهي عن تمنّي الموت إلّا عند الفتنة، عند قوله: {توفّني مسلمًا وألحقني بالصّالحين} [يوسف: 101]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 223]

تفسير قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فناداها من تحتها ألّا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريًّا (24) وهزّي إليك بجذع النّخلة تساقط عليك رطبًا جنيًّا (25) فكلي واشربي وقرّي عينًا فإمّا ترينّ من البشر أحدًا فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًّا (26)}
قرأ بعضهم {من تحتها} بمعنى الّذي تحتها. وقرأ آخرون: {من تحتها} على أنّه حرف جرٍّ.
واختلف المفسّرون في المراد بذلك من هو؟ فقال العوفيّ وغيره، عن ابن عبّاسٍ: {فناداها من تحتها} جبريل، ولم يتكلّم عيسى حتّى أتت به قومها، وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، وعمرو بن ميمونٍ، والسّدّيّ، وقتادة: إنّه الملك جبريل عليه الصّلاة والسّلام، أي: ناداها من أسفل الوادي.
وقال مجاهدٌ: {فناداها من تحتها} قال: عيسى ابن مريم، وكذا قال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة قال: قال الحسن: هو ابنها. وهو إحدى الرّوايتين عن سعيد بن جبيرٍ: أنّه ابنها، قال: أولم تسمع اللّه يقول: {فأشارت إليه} [مريم: 29]؟ واختاره ابن زيدٍ، وابن جريرٍ في تفسيره
وقوله: {ألا تحزني} أي: ناداها قائلًا لا تحزني، {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال سفيان الثّوريّ وشعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} قال: الجدول. وكذا قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: السّريّ: النّهر. وبه قال عمرو بن ميمونٍ: نهرٌ تشرب منه.
وقال مجاهدٌ: هو النّهر بالسّريانيّة.
وقال سعيد بن جبير: السّريّ: النّهر الصّغير بالنّبطيّة.
وقال الضّحّاك: هو النّهر الصّغير بالسّريانيّة.
وقال إبراهيم النّخعي: هو النّهر الصّغير.
وقال قتادة: هو الجدول بلغة أهل الحجاز.
وقال وهب بن منبّه: السّريّ: هو ربيع الماء.
وقال السّدّيّ: هو النّهر، واختار هذا القول ابن جريرٍ. وقد ورد في ذلك حديثٌ مرفوعٌ، فقال الطّبرانيّ:
حدّثنا أبو شعيبٍ الحرّاني: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه البابلتّي حدّثنا أيّوب بن نهيك، سمعت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إنّ السّريّ الّذي قال اللّه لمريم: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا} نهرٌ أخرجه اللّه لتشرب منه" وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا من هذا الوجه. وأيّوب بن نهيكٍ هذا هو الحبليّ قال فيه أبو حاتمٍ الرّازيّ: ضعيفٌ. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث.
وقال آخرون: المراد بالسّريّ: عيسى، عليه السّلام، وبه قال الحسن، والرّبيع بن أنسٍ، ومحمّد بن عبّاد بن جعفرٍ. وهو إحدى الرّوايتين عن قتادة، وقول عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، والقول الأوّل أظهر؛ ولهذا قال بعده: {وهزّي إليك بجذع النّخلة} أي: وخذي إليك بجذع النّخلة. قيل: كانت يابسةً، قاله ابن عبّاسٍ. وقيل: مثمرةً. قال مجاهدٌ: كانت عجوةً. وقال الثّوريّ، عن أبي داود نفيع الأعمى: كانت صرفانة
والظّاهر أنّها كانت شجرةً، ولكن لم تكن في إبّان ثمرها، قاله وهب بن منبّهٍ؛ ولهذا امتنّ عليها بذلك، أن جعل عندها طعامًا وشرابًا، فقال: {تساقط عليك رطبًا جنيًّا فكلي واشربي وقرّي عينًا} أي: طيبي نفسًا؛ ولهذا قال عمرو بن ميمونٍ: ما من شيءٍ خيرٌ للنّفساء من التّمر والرّطب، ثمّ تلا هذه الآية الكريمة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا شيبان، حدّثنا مسرور بن سعيدٍ التّميميّ حدّثنا عبد الرّحمن بن عمرٍو الأوزاعيّ، عن عروة بن رويم، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أكرموا عمّتكم النّخلة، فإنّها خلقت من الطّين الّذي خلق منه آدم عليه السّلام، وليس من الشّجر شيءٌ يلقّح غيرها". وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أطعموا نساءكم الولد الرطب، فإن لم يكن رطبٌ فتمرٌ، وليس من الشّجرة شجرةٌ أكرم على اللّه من شجرةٍ نزلت تحتها مريم بنت عمران".
هذا حديثٌ منكرٌ جدًّا، ورواه أبو يعلى، عن شيبان، به
وقرأ بعضهم قوله: "تسّاقط" بتشديد السّين، وآخرون بتخفيفها، وقرأ أبو نهيك: {تساقط عليك رطبًا جنيًّا} وروى أبو إسحاق عن البراء: أنّه قرأها: "تساقط" أي: الجذع. والكلّ متقاربٌ.
وقوله: {فإمّا ترينّ من البشر أحدًا} أي: مهما رأيت من أحدٍ، {فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًّا} المراد بهذا القول: الإشارة إليه بذلك. لا أنّ المراد به القول اللّفظيّ؛ لئلّا ينافي: {فلن أكلّم اليوم إنسيًّا}
قال أنس بن مالكٍ في قوله: {إنّي نذرت للرّحمن صومًا} أي: صمتًا وكذا قال ابن عبّاسٍ، والضّحّاك. وفي روايةٍ عن أنسٍ: "صومًا وصمتًا"، وكذا قال قتادة وغيرهما.
والمراد أنّهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطّعام والكلام، نصّ على ذلك السدي، وقتادة، وعبد الرّحمن بن زيدٍ.
وقال أبو إسحاق، عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعودٍ، فجاء رجلان فسلّم أحدهما ولم يسلّم الآخر، فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف ألّا يكلّم النّاس اليوم. فقال عبد اللّه بن مسعودٍ: كلّم النّاس وسلّم عليهم، فإنّما تلك امرأةٌ علمت أنّ أحدًا لا يصدّقها أنّها حملت من غير زوجٍ. يعني بذلك مريم، عليها السّلام؛ ليكون عذرًا لها إذا سئلت. ورواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ، رحمهما اللّه.
وقال عبد الرّحمن بن زيدٍ: لمّا قال عيسى لمريم: {ألا تحزني} قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي؟! لا ذات زوجٍ ولا مملوكةٌ، أيّ شيءٍ عذري عند النّاس؟ يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا، قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام: {فإمّا ترينّ من البشر أحدًا فقولي إنّي نذرت للرّحمن صومًا فلن أكلّم اليوم إنسيًّا} قال: هذا كلّه من كلام عيسى لأمّه. وكذا قال وهبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 223-226]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة