العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 09:50 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (192) إلى الآية (195) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (192) إلى الآية (195) ]

{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:27 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن رجل عن ابن المسيب في قوله تعالى ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته قال هذه خاصة لمن لا يخرج منها). [تفسير عبد الرزاق: 1/142]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته وما للظّالمين من أنصارٍ} [آل عمران: 192]
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا معن بن عيسى، حدّثنا مالكٌ، عن مخرمة بن سليمان، عن كريبٍ، مولى عبد اللّه بن عبّاسٍ، أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ أخبره: أنّه بات عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم - وهي خالته - قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى انتصف اللّيل - أو قبله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ - ثمّ استيقظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فجعل يمسح النّوم عن وجهه بيديه، ثمّ «قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنٍّ معلّقةٍ فتوضّأ منها، فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي، فصنعت مثل ما صنع، ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني بيده اليمنى يفتلها، فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر، ثمّ اضطجع حتّى جاءه المؤذّن، فقام فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح»). [صحيح البخاري: 6/41-42]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (19 - (بابٌ: {ربّنا إنّك تدخل النّار فقد أخزيته وما للظّالمين من أنصارٍ} (آل عمران: 192)

أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {ربنا إنّك من تدخل النّار} إلى آخره، وليس في بعض النّسخ لفظ: باب. قوله: (ربنا) ، أي: يقولون ربنا يعني: يتفكرون حال كونهم قائلين {ربنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} أي: أذللته وأهنته والأنصار جمع ناصر كالأصحاب جمع صاحب.

- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدّثنا معن بن عيساى حدّثنا مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريبٍ مولى عبد الله بن عبّاسٍ أنّ عبد الله بن عبّاسٍ أخبره أنّه بات عند ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى انتصف اللّيل أو قبله بقليلٍ أو بعده بقليلٍ ثمّ استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النّوم عن وجهه بيديه ثمّ قرأ العشر الآيات الخوّاتم من سورة آل عمران ثمّ قام إلى شنّ معلّقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثمّ قام يصلّي فصنعت مثل ما صنع ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني بيده يقتلها فصلّى ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ أوتر ثمّ اضطجع حتّى جاءه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح.

هذا الحديث مثل الحديث الّذي في الباب السّابق، وشيخه فيهما واحد، وهو: عليّ بن عبد الله المعروف بابن المدينيّ، غير أن شيخه هناك عبد الرّحمن بن مهدي عن مالك، وهنا عن معن بن عيسى، بفتح الميم وسكون العين المهملة وفي آخره نون ابن يحيى الفزار المدينيّ عن مالك، وفي ألفاظهما بعض اختلاف بالزّيادة والنّقصان يظهر بالتّأمّل والنّظر.
قوله: (الخواتم) ، جمع خاتمة، وفي الحديث السّابق، ومعناهما في الحقيقة واحد. قوله: (شن معلقة) ، وفي الحديث السّابق شنا معلّقا بالتذكير فالتذكير بالنّظر إلى اللّفظ والتأنيث بالنّظر إلى معنى القربة. قوله: (موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني) ، ووقع في رواية الأصيليّ: وأخذ بيدي اليمنى، وهو وهم، والصّواب: بأذني. كما في سائر الرّوايات. قوله: (يقتلها) ، جملة حالية من الأحوال المقدرة). [عمدة القاري: 18/160-161]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (19 - باب {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته وما للظّالمين من أنصارٍ} [آل عمران: 192]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ربنا}) يعني يتفكّرون في خلق السماوات والأرض حال كونهم قائلين ربنا ({إنك من تدخل النار فقد أخزيته}) أي أهنته وأذللته أو أهلكته أو فضحته وأبلغت في أخزائه والخزى ضرب من الاستخفاف أو انكسار يلحق الإنسان وهو الحياء
المفرط، وقد تسمك المعتزلة بهذا على أن صاحب الكبيرة غير مؤمن لأنه إذا دخل النار فقد أخزاه الله والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} [التحريم: 8] فوجب أن من يدخل النار لا يكون مؤمنًا.
وأجيب: بأن الخزي فسر بوجوه من المعاني فلم لا يجوز أن يراد في كل صورة معنى مثلًا في قوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا} أي لا يهلكهم، وفي الأوّل يريد الإهانة.
والحاصل أن لفظ الإخزاء مشترك بين الإهلاك والتخجيل واللفظ المشترك لا يمكن حمله في طريق النفي والإثبات على معنييه جميعًا وحينئذٍ يسقط الاستدلال به.
({وما للظالمين من أنصار}) [آل عمران: 192] ينصرونهم يوم القيامة ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم سبب لإدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلاص منها، وقول الزمخشري أنه إعلام بأن من يدخل النار فلانًا بشفاعة ولا غيرها بناء على مذهب المعتزلة في نفي الشفاعة أجاب عنه القاضي بأنه لا يلزم من نفي النصرة نفي الشفاعة لأن النصرة دفع بقهر، وسقط لأبي ذر قوله: {وما للظالمين من أنصار}.
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا معن بن عيسى، حدّثنا مالكٌ عن مخرمة بن سليمان، عن كريبٍ مولى عبد اللّه بن عبّاسٍ، أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ أخبره أنّه بات عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى انتصف اللّيل أو قبله بقليلٍ أو بعده بقليلٍ ثمّ استيقظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل يمسح النّوم عن وجهه بيديه ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثمّ قام إلى شنٍّ معلّقةٍ فتوضّأ منها فأحسن وضوءه ثمّ قام يصلّي، فصنعت مثل ما صنع ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني بيده اليمني يفتلها فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر، ثمّ اضطجع حتّى جاءه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا معن بن عيسى) بفتح الميم وسكون العين المهملة ابن يحيى القزاز المدني قال: (حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة ولأبي ذر عن مالك (عن مخرمة بن سليمان) الوالبي (عن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس) ولأبي ذر مولى ابن عباس أن ابن عباس (أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهي خالته) أخت أمه لبابة (قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل يمسح النوم) أي أثره (عن وجهه بيديه) بالتثنية (ثم قرأ العشر الآيات الخواتم) جمع خاتمة (من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة) أنث باعتبار القربة (فتوضأ منها) تجديدًا للوضوء لا أن وضوءه بطل بالنوم أو أنه صلّى اللّه عليه وسلّم أحس بحدوث الحدث فتوضأ له كما أنه أحس ببقاء الطهارة حيث استيقظ وصلّى ولم يتوضأ كما روي (فأحسن وضوءه) بأن أتى به تامًّا بمندوباته ولا ينافي التخفيف (ثم قام يصلّي) قال ابن عباس: (فصنعت مثل ما صنع) أجمع أو غالبه (ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله –صلّى اللّه عليه وسلّم- يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى) ولغير أبي ذر والأصيلي: وأخذ بأذني بيده اليمنى قال في الفتح: وهو وهم والصواب الأولى (يفتلها) يدلكها أي لينتبه من بقية نومه، ويستحضر أفعال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم والجملة حالية من الأحوال المقدرة، وفيه أن الفعل القليل غير مبطل للصلاة (فصلّى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين) ست مرات (ثم أوتر) فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة (ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن) بلال (فقام فصلّى ركعتين خفيفتين) سنة الصبح (ثم خرج) إلى المسجد (فصلّى الصبح) بالناس.
وهذه طريق أخرى لحديث ابن عباس وليس فيها إلا تغيير شيخ شيخ البخاري والسياق هنا أتم). [إرشاد الساري: 7/72-73]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (19 ـ باب {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصارٍ}
قوله: (العشر الآيات الخواتم الخ) التي أولها: {إن في خلق السموات والأرض} ). [حاشية السندي على البخاري: 3/46]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته وما للظّالمين من أنصارٍ}
اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ربّنا إنّك من تدخل النّار من عبادك فتخلّده فيها فقد أخزيته، قالوا: ولا يخزى مؤمنٌ مصيره إلى الجنّة وإن عذّب بالنّار بعض العذاب.
- حدّثني أبو حفصٍ الجبيريّ، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: أخبرنا المؤمّل، أخبرنا أبو هلالٍ، عن قتادة، عن أنسٍ، في قوله: {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} قال: من تخلّد.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن رجلٍ، عن ابن المسيّب: {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} قال: هي خاصّةٌ لمن لا يخرج منها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو النّعمان عارمٌ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، قال: حدّثنا قبيصة بن مروان، عن الأشعث الحمليّ، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيدٍ أرأيت ما تذكر من الشّفاعة حقٌّ هو؟ قال: نعم حقٌّ قال: قلت يا أبا سعيدٍ أرأيت قول اللّه تعالى: {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته}، و{يريدون أن يخرجوا من النّار وما هم بخارجين منها}، قال: فقال لي: إنّك واللّه لا تسطو على شيءٍ، إنّ للنّار أهلاً لا يخرجون منها كما قال اللّه، قال: قلت يا أبا سعيدٍ: فيمن دخلوا وبمّ خرجوا؟ قال: كانوا أصابوا ذنوبًا في الدّنيا، فأخذهم اللّه بها فأدخلهم بها، ثمّ أخرجهم بما يعلم في قلوبهم من الإيمان والتّصديق به.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} قال: هو من يخلّد فيها
وقال آخرون: معنى ذلك: ربّنا إنّك من تدخل النّار من مخلّدٍ فيها وغير مخلّدٍ فيها، فقد أخزي بالعذاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا الحرث بن مسلمٍ، عن بحر بن عمرو بن دينارٍ، قال: قدم علينا جابر بن عبد اللّه في عمرةٍ، فانتهيت إليه أنا وعطاءٌ، فقلت: {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} قال: وما إخزاه حين أحرقه بالنّار وإنّ دون ذلك لخزيًا.
وأولى القولين بالصّواب عندي قول جابرٍ: إنّ من أدخل النّار فقد أخزي بدخوله إيّاها، وإن أخرج منها. وذلك أنّ الخزي إنّما هو هتك ستر المخزيّ وفضيحته، ومن عاقبه ربّه في الآخرة على ذنوبه، فقد فضحه بعقابه إيّاه، وذلك هو الخزي.
وأمّا قوله: {وما للظّالمين من أنصارٍ} يقول: وما لمن خالف أمر اللّه فعصاه من ذي نصرةٍ له ينصره من اللّه فيدفع عنه عقابه أو ينقذه من عذابه). [جامع البيان: 6/311-314]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته وما للظّالمين من أنصارٍ (192) ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار (193)
قوله تعالى: ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا مؤمّلٌ، ثنا حمّاد، عن سلمة، عن قتادة، عن ابن أنسٍ في قوله: ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته قال: من تخلّد في النّار فقد أخزيته- وروي عن سعيد بن المسيّب، وقتادة نحو ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الرّبيع، ثنا حمّاد بن زيدٍ، ثنا جويبرٌ قال:
قلت للضّحّاك: أرأيت قوله: من تدخل النّار فقد أخزيته؟ فقال: ذلك له خزيٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/842-843]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب بن يوسف الشّيبانيّ، حدّثني أبي، ثنا عبد اللّه بن الجرّاح القهستانيّ، ثنا الحارث بن مسلمٍ، عن بحرٍ السّقاء، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قلت له: أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ " {يريدون أن يخرجوا من النّار، وما هم بخارجين منها} [المائدة: 37] قال: أخبرني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّهم الكفّار قال: قلت لجابرٍ: فقوله {إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} [آل عمران: 192] قال: اللّه قد أخزاه حين أحرقه بالنّار أو دون ذلك الخزي "). [المستدرك: 2/328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (9الآيات 192 - 14)
أخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء، وابن عباس أنهما كانا يقولان: اسم الله الأكبر رب رب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أنس في قوله {من تدخل النار فقد أخزيته} قال: من تخلد.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن المسيب في قوله {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته} قال: هذه خاصة لمن لا يخرج منها
وأخرج ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال: قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت (وما هم بخارجين من النار) (البقرة الآية 167) قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الكفار، قلت لجابر: فقوله {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} قال: وما أخزاه حين أحرقه بالنار وإن دون ذلك خزيا). [الدر المنثور: 4/184-188]

تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ في قول اللّه: {إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} قال: المنادي الكتاب يعني القرآن [الآية: 193]). [تفسير الثوري: 83]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] الآية
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن مخرمة بن سليمان، عن كريبٍ، مولى ابن عبّاسٍ، أنّ ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أخبره: أنّه بات عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم - وهي خالته - قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا انتصف اللّيل - أو قبله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ - استيقظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده ثمّ " قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنٍّ معلّقةٍ فتوضّأ منها، فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي - قال ابن عبّاسٍ: فقمت فصنعت مثل ما صنع - ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر، ثمّ اضطجع حتّى جاءه المؤذّن، فقام فصلّى ركعتين خفيفتين، ثمّ خرج فصلّى الصّبح "). [صحيح البخاري: 6/42]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان الآية)
ذكر فيه الحديث المذكور عن شيخٍ له آخر عن مالكٍ وساقه أيضًا بتمامه). [فتح الباري: 8/237]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (20 - (بابٌ: {ربّنا إنّنا مناديا ينادي للإيمان} الآية (آل عمران: 193)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {ربنا أننا سمعنا مناديا} إلى آخر الآية. قوله: (مناديا) ، المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما في قوله: {ادع إلى سبيل ربك} قوله: (أن آمنوا) ، أي: بأن آمنوا). [عمدة القاري: 18/161]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (20 - باب {ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادى للإيمان} الآية
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: {{ربنا إننا سمعنا مناديًا}) هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قال الله تعالى: {وداعيًا إلى الله} [الأحزاب: 46] وقيل: القرآن لقوله تعالى: {يهدي إلى الرشد} [الجن: 2] فكأنه يدعو إلى نفسه وسمع إن دخلت على ما يصح أن يسمع نحو سمعت كلامك وقراءتك تعدت لواحد وإن دخلت على ما لا يصح سماعه بأن كان ذاتًا فلا يصح الاقتصار عليه وحده بل لا بد من الدلالة على شيء يسمع نحو سمعت رجلًا يقول كذا، وللنحاة في هذه المسألة قولان.
أحدهما: أن تتعدى فيه أيضًا إلى مفعول واحد والجملة الواقعة بعد المنصوب صفة إن كان قبلها نكرة وحال إن كان معرفة. والثاني: قول الفارسي وجماعة تتعدى لاثنين الجملة في محل الثاني منهما، فعلى قول الجمهور يكون منادى في على نصب لأنه صفة لمنصوب قبله وعلى قول الفارسي يكون في محل نصب مفعول ثان. وقال الزمخشري تقول: سمعت رجلًا يقول كذا وسمعت زيدًا يتكلم فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع أو جعلته حالًا منه فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد وأن يقال سمعت كلام فلان أو قوله وذكر المنادى مع قوله ({ينادي}) تفخيم لشأن المنادى ولأنه إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب أو لإغاثة المكروب وغيرهما واللام في ({للإيمان}) بمعنى إلى أو بمعنى الباء ومفعول ينادي محذوف أي الناس ويجوز أن لا يزاد مفعول نحو أمات وأحيا (الآية) [آل عمران: 193] نصب بفعل مقدر مناسب.
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ عن مخرمة بن سليمان، عن كريبٍ مولى ابن عبّاسٍ أنّ ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- أخبره أنّه بات عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إذا انتصف اللّيل أو قبله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ استيقظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثمّ قام إلى شنٍّ معلّقةٍ فتوضّأ منها فأحسن وضوءه ثمّ قام يصلّي قال ابن عبّاسٍ: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر ثمّ اضطجع حتّى جاءه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة وسقط لأبي ذر ابن سعيد (عن مالك) الإمام (عن مخرمة بن سليمان) الوالبي (عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ) ولأبي ذر ثم استيقظ (رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فجعل) ولأبي ذر عن الكشميهني فجلس (يمسح النوم) أي أثره (عن وجهه بيده) بالإفراد (ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران) زاد في بعض طرق الصحيح وهو عند ابن مردويه ولفظ مسلم وكان في دعائه يقول "اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وأمامي وخلفي نورًا واجعل لي نورًا".
قال كريب وسبع في التابوت: فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري، وزاد في أخرى وفي لساني نورًا وفي أخرى واجعلني نورًا وفي أخرى واجعل في نفسي نورًا وكان باعثه على هذا وعلى الصلاة قوله: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {فقنا عذاب النار} [آل عمران: 191] لأن الفاء الفصيحة تقتضي مقدرًا يرتبط معها تقديره {ربنا ما خلقت هذا باطلًا} [آل عمران: 191] بل خلقته للدلالة على معرفتك ومن عرفك يجب عليه أداء طاعتك واجتناب معصيتك ليفوز بدخول جنتك ويتوقى به من عذاب نارك ونحن قد عرفناك وأدّينا طاعتك واجتنبنا معصيتك فقنًا عذاب النار برحمتك، وتحريره أنه صلّى اللّه عليه وسلّم لما تفكّر في عجائب الملك والملكوت وعرج إلى عالم الجبروت حتى انتهى إلى سرادقات الجلال فتح لسانه بالذكر ثم اتبع بدنه وروحه بالتأهب والوقوف في مقام التناجي والدعاء ومعنى طلب النور للأعضاء عضوًا عضوًا أن يتجلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن ظلمة الجهالة والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان أي أنه قد أحاطت به ظلمات الجبلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة الثائرة من نيران الشهوات من جوانبه، ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض فلم ير للتخلص منها مساغًا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله أن يمده بها ليستأصل شأفة تلك الظلمات إرشادًا للأمة وتعليمًا لهم قاله في شرح المشكاة.
(ثم قام) عليه الصلاة والسلام (إلى شن معلقة) وفي رواية لمسلم ثم عدل إلى شجب من ماء وهو السقاء الذي اخلق (فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلّي. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه) وفي رواية: فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه (فوضع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها فصلّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين) فهي اثنتا عشرة ركعة (ثم أوتر) بواحدة (ثمّ اضطجع) زاد في مسلم فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ (حتى جاءه المؤذن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين) سنة الفجر من غير أن يتوضأ (ثم خرج فصلّى) بأصحابه (الصبح) ). [إرشاد الساري: 7/73-74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار}
اختلف أهل التّأويل في تأويل المنادي الّذي ذكره اللّه تعالى في هذه الآية، فقال بعضهم: المنادي في هذا الموضع القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدّثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ: {إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} قال: هو الكتاب، ليس كلّهم لقي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا منصور بن حكيمٍ، عن خارجة، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعب القرظيّ، في قوله: {ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} قال: ليس كلّ النّاس سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكنّ المنادي القرآن
وقال آخرون: بل هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} قال: هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} قال: ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول محمّد بن كعبٍ، وهو أن يكون المنادي القرآن؛ لأنّ كثيرًا ممّن وصفهم اللّه بهذه الصّفّة في هذه الآيات ليسوا ممّن رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا عاينه، فسمعوا دعاءه إلى اللّه تبارك وتعالى ونداءه، ولكنّه القرآن. وهو نظير قوله جلّ ثناؤه مخبرًا عن الجنّ إذ سمعوا كلام اللّه يتلى عليهم أنّهم قالوا: {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد}.
وبنحو ذلك كان قتاده يقول:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} إلى قوله: {وتوفّنا مع الأبرار} سمعوا دعوةً من اللّه فأجابوها، وأحسنوا فيها، وصبروا عليها، ينبّئكم اللّه عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الجنّ كيف قال؟ فأمّا مؤمن الجنّ، فقال: {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} وأمّا مؤمن الإنس، فقال: {إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا} الآية.
وقيل: {إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} يعني: ينادي إلى الإيمان، كما قال تعالى ذكره: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا} بمعنى: هدانا إلى هذا، وكما قال الرّاجز:.
أوحى لها القرار فاستقرّت = وشدّها بالرّاسيات الثّبّت
بمعنى: أوحى إليها، ومنه قوله: {بأنّ ربّك أوحى لها} [الزلزلة]
وقيل: يحتمل أن يكون معناه: إنّنا سمعنا مناديًا للإيمان ينادي أن آمنوا بربّكم.
فتأويل الآية إذًا: ربّنا سمعنا داعيًا يدعو إلى الإيمان يقول إلى التّصديق بك، والإقرار بوحدانيّتك، واتّباع رسولك وطاعته، فيما أمرنا به، ونهانا عنه، ممّا جاء به من عندك فآمنّا ربّنا، يقول: فصدّقنا بذلك يا ربّنا، فاغفر لنا ذنوبنا، يقول: فاستر علينا خطايانا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رءوس الأشهاد، بعقوبتك إيّانا عليها، ولكن كفّرها عنّا، وسيّئات أعمالنا فامحها بفضلك ورحمتك إيّانا، وتوفّنا مع الأبرار، يعني بذلك: واقبضنا إليك إذا قبضتنا إليك في عداد الأبرار، واحشرنا محشرهم ومعهم.
والأبرار جمع برٍّ، وهم الّذين برّوا اللّه تبارك وتعالى بطاعتهم إيّاه وخدمتهم له، حتّى أرضوه فرضي عنهم). [جامع البيان: 6/314-316]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان، عن موسى ابن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ قوله: ربّنا إنّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان قال: هو الكتاب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا: سمعوا دعوةً من اللّه فأجابوها وأحسنوا فيها وصبروا عليها، ينبئكم اللّه عن مؤمن الإنس كيف قال؟
وعن مؤمن الجنّ كيف قال؟ فأمّا مؤمن الجنّ فقال: سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحداً ، وأمّا مؤمن الإنس فقال: إنّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ في قوله: سمعنا منادياً ينادي للإيمان قال: هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم). [تفسير القرآن العظيم: 2/842-843]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله {مناديا ينادي للإيمان} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد، مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق عن محمد بن كعب القرظي {سمعنا مناديا ينادي للإيمان} قال: هو القرآن ليس كل الناس يسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: سمعوا دعوة من الله فأجابوها وأحسنوا فيها: وصبروا عليها، ينبئكم الله عن مؤمن الأنس كيف قال وعن مؤمن الجن كيف قال، فأما مؤمن الجن فقال (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) (الجن الآية 1).
وأمّا مؤمن الأنس فقال {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} قال: ستنجزون موعد الله على رسله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا تخزنا يوم القيامة} قال: لا تفضحنا {إنك لا تخلف الميعاد} قال: ميعاد من قال لا إله إلا الله {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم} قال: أهل لا إله إلا الله أهل التوحيد والإخلاص لا أخزيهم يوم القيامة.
وأخرج أبو يعلى، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العار والتخزية يبلغ من ابن آدم يوم القيامة في المقام بين يدي الله ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار.
وأخرج أبو بكر الشافعي في رباعيته عن أبي قرصافة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم لا تخزنا يوم القيامة ولا تفضحنا يوم اللقاء
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه قال: إذا فرغ أحدكم من التشهد في الصلاة فليقل: اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون (ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (البقرة الآية 201) ربنا إننا آمنا {فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} إلى قوله {إنك لا تخلف الميعاد}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كان يستحب أن يدعو في المكتوبة بدعاء القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين أنه سئل عن الدعاء في الصلاة فقال: كان أحب دعائهم ما وافق القرآن). [الدر المنثور: 4/184-188]

تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد}.
إن قال لنا قائلٌ: وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربّهم أن يؤتيهم ما وعدهم، وقد علموا أنّ اللّه منجزٌ وعده، وغير جائزٍ أن يكون منه إخلاف موعدٍ.
قيل:قد اختلف في ذلك أهل البحث، فقال بعضهم: ذلك قولٌ خرج مخرج المسألة، ومعناه الخبر، قالوا: وإنّما تأويل الكلام: ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا، ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفّر عنّا سيّئاتنا، وتوفّنا مع الأبرار، لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، قالوا: وليس ذلك على أنّهم قالوا: إن توفّيتنا مع الأبرار فانجز لنا ما وعدتنا، لأنّهم قد علموا أنّ اللّه لا يخلف الميعاد، وأنّ ما وعد على ألسنة رسله ليس يعطيه بالدّعاء، ولكنّه تفضّل بإيتائه، ثمّ ينجزه.
وقال آخرون: بل ذلك قولٌ من قائله على معنى المسألة والدّعاء للّه، بأن يجعلهم ممّن آتاهم ما وعدهم من الكرامة على ألسن رسله، لا أنّهم كانوا قد استحقّوا منزلة الكرامة عند اللّه في أنفسهم، ثمّ سألوه أن يؤتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم، فيكون ذلك منهم مسألةً لربّهم أن لا يخلف وعده، قالوا: ولو كان القوم إنّما سألوا ربّهم أن يؤتيهم ما وعد الأبرار لكانوا قد زكّوا أنفسهم، وشهدوا لها أنّها ممّن قد استوجب كرامة اللّه وثوابه، قالوا: وليس ذلك صفة أهل الفضل من المؤمنين.
وقال آخرون: بل قالوا هذا القول على وجه المسألة، والرّغبة منهم إلى اللّه أن يؤتيهم ما وعدهم من النّصر على أعدائهم من أهل الكفر، والظّفر بهم، وإعلاء كلمة الحقّ على الباطل، فيعجّل ذلك لهم، قالوا: ومحالٌ أن يكون القوم مع وصف اللّه إيّاهم بما وصفتهم به كانوا على غير يقينٍ من أنّ اللّه لا يخلف الميعاد، فيرغبوا إلى اللّه جلّ ثناؤه في ذلك، ولكنّهم كانوا وعدوا النّصر، ولم يوقّت لهم في تعجيل ذلك لهم، لما في تعجّله من سرور الظّفر وراحة الجسد.
والّذي هو أولى الأقوال بالصّواب في ذلك عندي أنّ هذه الصّفّة، صفة من هاجر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من وطنه وداره، مفارقًا لأهل الشّرك باللّه إلى اللّه ورسوله، وغيرهم من تبّاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين رغبوا إلى اللّه في تعجيل نصرتهم على أعداء اللّه وأعدائهم، فقالوا: ربّنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك عليهم عاجلاً، فإنّك لا تخلّف الميعاد، ولكن لا صبر لنا على أناتك وحلمك عنهم، فعجّل خريهم، ولنا الظّفر عليهم يدلّ على صحّة ذلك آخر الآية الأخرى، وهو قوله: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا} = الآيات بعدها.
وليس ذلك ممّا ذهب إليه الّذين حكيت قولهم في شيءٍ، وذلك أنّه غير موجودٍ في كلام العرب أن يقال: افعل بنا يا ربّ كذا وكذا، بمعنى: لتفعل بنا لكذا الّذي ولو جاز ذلك، لجاز أن يقول القائل لآخر: أقبل إليّ وكلّمني، بمعنى: أقبل إليّ لتكلّمني، وذلك غير موجودٍ في الكلام، ولا معروفٍ جوازه، وكذلك أيضًا غير معروفٍ في الكلام: آتنا ما وعدتنا، بمعنى: اجعلنا ممّن أتيته ذلك وإن كان كلّ من أعطي شيئًا سنيًّا فقد صيّر نظيرًا لمن كان مثله في المعنى الّذي أعطيه، ولكن ليس الظّاهر من معنى الكلام ذلك، وإن كان قد يؤوّل معناه إليه.
فتأويل الكلام إذًا: ربّنا أعطنا ما وعدتنا على ألسن رسلك أنّك تعلي كلمتك كلمة الحقّ، فايدنا على من كفر بك وحادّك وعبد غيرك، وعجّل لنا ذلك، فإنّا قد علمنا أنّك لا تخلف ميعادك، ولا تخزنا يوم القيامة، فتفضحنا بذنوبنا الّتي سلكت منّا، ولكن كفّرها عنّا واغفرها لنا.
- وقد: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} قال: يستنجز موعود اللّه على رسله). [جامع البيان: 6/317-319]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد (194)
قوله تعالى: ((ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة))
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ: ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك: يستنجزون على موعد اللّه على رسله.
- حدّثنا أبو عبيد اللّه ابن أخي ابن وهبٍ أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عمّي، حدّثني عمر بن محمّدٍ العمريّ، أنّ أبا عقالٍ حدّثه قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: عسقلان أحد العروسين، يبعث اللّه منها يوم القيامة سبعين ألفاً ليس عليهم حسابٌ، ويبعث منها خمسين ألفاً وفوداً شهّداً إلى اللّه ففيها صفوف الشّهداء، تقطع رؤوسهم في أيديهم، تنفخ أوداجهم دماً، يقولون: ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد قال: يقول اللّه تعالى: صدقوا عبيدي اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون منه بيضاً يسرحون من الجنّة حيث شاءوا.
قوله تعالى: إنّك لا تخلف الميعاد
- حدّثنا أبي، ثنا إسحاق بن الضّيف، ثنا إبراهيم بن الحكم، حدّثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: إنّك لا تخلف الميعاد قال: ميعاد من قال:
لا إله إلا اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/843-844]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم ويبعث منها خمسون ألفا شهداء وفودا إلى الله وبها صفوف الشهداء رؤوسهم تقطر في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة فيخرجون منه بيضا فيسرحون في الجنة حيث شاؤوا). [الدر المنثور: 4/184-188]

تفسير قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت رجلا من ولد أم سلمة زوج النبي يقول قالت أم سلمة يا رسول الله لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى). [تفسير عبد الرزاق: 1/144]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ عن أمّ سلمة أنّها قالت آخر آيةٍ نزلت: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى} إلى آخر الآية [الآية: 195]). [تفسير الثوري: 83]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثوابًا من عند الله والله عنده حسن الثّواب} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سلمة، رجلٍ من ولد أمّ سلمة، قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه، ألا أسمع اللّه عزّ وجلّ ذكر النّساء في الهجرة بشيءٍ؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى... } إلى آخر الآية، قال: قالت الأنصار: هي أوّل ظعينةٍ قدمت علينا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن سعيد الجريري، عن أبي عطّاف، قال: اسم آل عمران في التّوراة: طيبة). [سنن سعيد بن منصور: 3 / 1136 - 1138]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن رجلٍ، من ولد أمّ سلمة عن أمّ سلمة، قالت: يا رسول الله لا أسمع اللّه ذكر النّساء في الهجرة. فأنزل اللّه تعالى: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ} ). [سنن الترمذي: 5/87]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثوابًا من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب}
يعني تعالى ذكره: فأجاب هؤلاء الدّاعين بما وصف اللّه عنهم أنّهم دعوا به ربّهم، بأنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم عمل خيرًا ذكرًا كان العامل أو أنثًى.
وذكر أنّه قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما بال الرّجال يذكرون ولا تذكر النّساء في الهجرة؟ فأنزل اللّه تبارك وتعالى في ذلك هذه الآية
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه تذكر الرّجال في الهجرة ولا نذكر؟ فنزلت: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى} الآية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت رجلاً، من ولد أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه لا أسمع اللّه يذكر النّساء في الهجرة بشيءٍ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى}.
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: حدّثنا أسد بن موسى، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن رجلٍ، من ولد أمّ سلمة، عن أمّ سلمة، أنّها قالت: يا رسول اللّه، لا أسمع اللّه ذكر النّساء في الهجرة بشيءٍ فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعضٍ}
وقيل: فاستجاب لهم، بمعنى: فأجابهم، كما قال الشّاعر:.
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
بمعنى: فلم يجبه عند ذاك مجيبٌ.
وأدخلت {من} في قوله: {من ذكرٍ أو أنثى} على التّرجمة والتّفسير عن قوله {منكم}، بمعنى: لا أضيع عمل عاملٍ منكم من الذّكور والإناث وليست من هذه بالّتي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام في الجحد؛ لأنّها دخلت بمعنًى لا يصلح الكلام إلاّ به.
وزعم بعض نحويّي البصرة أنّها دخلت في هذا الموضع، كما تدخل في قولهم: قد كان من حديثٍ قال: ومن هاهنا أحسن؛ لأنّ النّهي قد دخل في قوله: لا أضيع.
وأنكر ذلك بعض نحويّي الكوفة وقال: لا تدخل من ولاتخرج إلا في موضع الجحد؛ وقال: قوله: {لا أضيع عمل عاملٍ منكم} لم يدركه الجحد؛ لأنّك لا تقول: لا أضرب غلام رجلٍ في الدّار ولا في البيت فيدخل، ولا لأنّه لم ينله الجحد، ولكن من مفسّرةٌ.
وأمّا قوله: {بعضكم من بعضٍ} فإنّه يعني: بعضكم أيّها المؤمنون الّذين يذكرون اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، من بعضٍ، في النّصرة والملة والدّين، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعلٌ على حكم أحدكم في أنّي أضيع عمل ذكرٍ منكم ولا أنثى). [جامع البيان: 6/319-321]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثوابًا من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: فالّذين هاجروا يعنى هاجروا قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في اللّه، إلى إخوانهم من أهل الإيمان باللّه، والتّصديق برسوله، وأخرجوا من ديارهم، وهم المهاجرون الّذين أخرجهم مشركو قريشٍ من ديارهم بمكّة، وأوذوا في سبيلي، يعني: وأوذوا في طاعتهم ربّهم، وعبادتهم إيّاه، مخلصين له الدّين، وذلك هو سبيل اللّه الّتي آذى فيها المشركون من أهل مكّة المؤمنين برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أهلها؛ وقتلوا، يعني: وقتلوا في سبيل اللّه وقاتلوا فيها، لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم، يعني: لأمحونّها عنهم، ولأتفضّلنّ عليهم بعفوي ورحمتي، ولأغفرنّها لهم، ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، ثوابًا، يعني: جزاءً لهم على ما عملوا وأبلوا في اللّه وفي سبيله؛ من عند اللّه: يعني: من قبل اللّه لهم؛ واللّه عنده حسن الثّواب، يعني أنّ اللّه عنده من جزاء أعمالهم لهم جميع صنوفه، وذلك ما لا يبلغه وصف واصفٍ؛ لأنّه ممّا لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ.
- كما: حدّثنا احمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثنا عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: حدّثني عمرو بن الحارث أنّ أبا عشّانة المعافريّ، حدّثه أنّه، سمع عبد اللّه بن عمرو بن العاص، يقول: لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: إنّ أوّل ثلّةٍ تدخل الجنّة لفقراء المهاجرين، الّذين تتّقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجلٍ منهم حاجةٌ إلى السّلطان لم تقض حتّى يموت وهي في صدره، وإنّ اللّه يدعو يوم القيامة الجنّة، فتأتي بزخرفها وزينتها، فيقول: أين عبادي الّذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنّة، فيدخلونها بغير عذابٍ، ولا حسابٍ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربّنا نحن نسبّح لك اللّيل والنّهار، ونقدّس لك من هؤلاء الّذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرّبّ جلّ ثناؤه: هؤلاء عبادي الّذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، فتدخل الملائكة عليهم من كلّ بابٍ: {سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار}
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وقاتلوا وقتلوا} فقرأه بعضهم: وقتلوا وقتلوا بالتّخفيف، بمعنى أنّهم قتلوا من قتلوا من المشركين ثم قتلهم المشركون
وقرأ ذلك آخرون: (وقاتلوا وقتّلوا) بتشديد قتّلوا، بمعنى: أنّهم قاتلوا المشركين، وقتلهم المشركون بعضًا بعد بعضٍ وقتلاً بعد قتلٍ
وقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة وبعض الكوفيّين: {وقاتلوا وقتلوا} بالتّخفيف، بمعنى أنّهم قاتلوا المشركين وقتلوا
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: (وقتلوا) بالتّخفيف (وقاتلوا) بمعنى: أنّ بعضهم قتل، وقاتل من بقي منهم.
والقراءة الّتي لا أستجيز أن أعدوها إحدى هاتين القراءتين، وهي: {وقاتلوا وقتلوا} بالتّخفيف، أو (وقتلوا) بالتّخفيف (وقاتلوا) لأنّها القراءة المنقولة نقل وراثةٍ، وما عداهما فشاذٌّ، وبأيّ هاتين القراءتين الّتي ذكرت أنّي لا أستجيز أن أعدوهما قرأ قارئٌ فمصيبٌ في ذلك الصّواب من القراءة، لاستفاضة القراءة بكلّ واحدةٍ منهما في قرّاء الإسلام مع اتّفاق معنييهما). [جامع البيان: 6/322-324]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثوابًا من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب (195)
قوله تعالى: فاستجاب لهم ربّهم
- ذكر عن زافرٍ، عن أبي بكرً الهذليّ، عن عطاءٍ قال: ما من عبدٍ يقول:
يا ربّ، يا ربّ، يا ربّ ثلاث مرّاتٍ إلا نظر اللّه إليه، فذكرت ذلك للحسن فقال: أما تقرأون القرآن: ربّنا إنّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان إلى قوله: فاستجاب لهم ربّهم.
قوله تعالى: أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعض
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا مسدّدٌ، ثنا يحيى يعني: ابن سعيدٍ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه، فذكر نحوه.
قوله تعالى: فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم إلى قوله: الأنهار
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنات تجري من تحتها الأنهار قال: هم المهاجرون أخرجوا من كلّ وجهٍ.
قوله تعالى: ثواباً من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب
- ذكر عن دحيم بن إبراهيم، ثنا الوليد بن مسلمٍ، أخبرني حريز بن عثمان أنّ شدّاد بن أوسٍ كان يقول: يا أيّها النّاس لا تتّهموا اللّه في قضائه، فإنّ اللّه لا يبغي على مؤمنٍ فإذا نزل بأحدكم شيءٌ ممّا يحبّ فليحمد اللّه، وإذا نزل به شيءٌ يكره فليصبر وليحتسب فإنّ اللّه عنده حسن الثّواب). [تفسير القرآن العظيم: 2/844]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عونٍ محمّد بن أحمد بن ماهان على الصّفا، ثنا أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ بن زيدٍ المكّيّ، ثنا يعقوب بن حميدٍ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سلمة بن أبي سلمة، رجلٍ من ولد أمّ سلمة، عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها، أنها قالت: يا رسول اللّه، لا أسمع اللّه ذكر النّساء في الهجرة بشيءٍ. فأنزل اللّه عزّ وجلّ " {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ} [آل عمران: 195] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريّ ولم يخرجاه» سمعت أبا أحمد الحافظ وذاكرني بحديثين في كتاب البخاريّ: يعقوب عن سفيان، ويعقوب عن الدّراورديّ فقال أبو أحمد: هو يعقوب بن حميدٍ فاللّه أعلم "). [المستدرك: 2/328]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، لا أسمع الله -تعالى- ذكر النّساء في الهجرة بشيءٍ؟ فأنزل الله تعالى: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعضٍ - إلى - واللّه عنده حسن الثواب} [آل عمران: 195]. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/76]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال الحميديّ: ثنا سفيان، ثنا عمرو بن دينارٍ، أخبرني سلمة- رجلٌ من ولد أمّ سلمة- عن أمّ سلمة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: "يا رسول اللّه، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: (فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى الآية".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؟ لجهالة بعض رواته). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/192]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 195.
أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} إلى آخر الآية قالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا.
وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: آخر آية نزلت هذه الآية {فاستجاب لهم ربهم} إلى آخرها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: ما من عبد يقول: يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه، فذكر للحسن فقال: أما تقرأ القرآن (ربنا إننا سمعنا مناديا) (آل عمران الآية 193) إلى قوله {فاستجاب لهم ربهم}، قوله تعالى: {فالذين هاجروا} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: هم المهاجرون أخرجوا من كل وجه.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ثلة الجنة الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي أدخلوا الجنة فيدخلونه بغير عذاب ولا حساب ويأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا فيقول: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي، فتدخل الملائكة عليهم من كل باب (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) (الرعد الآية 24).
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي قلت: الله ورسوله أعلم قال: المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون فتقول لهم الخزنة: أوقد حوسبتم قالوا: بأي شيء نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك قال: فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاما قبل أن يدخل الناس.
وأخرج أحمد عن أبي أمامة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فسمعت فيها حشفة بين يدي فقلت: ما هذا قال: بلال فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر أحدا أقل من الأغنياء والنساء، قيل لي: أما الأغنياء فهم بالباب يحاسبون ويمحصون وأما النساء فألهاهن الأحمران: الذهب والحرير.
وأخرج أحمد عن أبي الصديق عن أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم بأربعمائة عام حتى يقول المؤمن الغني: يا ليتني كنت نحيلا، قيل: يا رسول الله صفهم لنا قال: هم الذين إذا كان مكروه بعثوا له وإذا كان مغنم بعث إليه سواهم وهم الذين يحجبون عن الأبواب.
وأخرج الحكيم الترمذي عن سعيد بن عامر بن حزم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل فقراء المسلمين قبل الأغنياء الجنة بخمسين سنة حتى إن الرجل من الأغنياء ليدخل في غمارهم فيؤخذ بيده فيستخرج.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال: يجمعون فيقول أين فقراء هذه الأمة ومساكينها فيبرزون، فيقال: ما عندكم فيقولون: يا رب ابتلينا فصبرنا وأنت أعلم ووليت الأموال والسلطان غيرنا، فيقال: صدقتم، فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمن وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان، قيل: فأين المؤمنون يومئذ قال: يوضع لهم كراسي من نور ويظلل عليهم الغمام ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة من نهار، والله أعلم، قوله تعالى: {والله عنده حسن الثواب}.
أخرج ابن أبي حاتم عن شداد بن أوس قال: يا أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه فإن الله لا يبغي على مؤمن فإذا نزل بأحدكم شيء مما يحب فليحمد الله وإذا نزل به شيء يكره فليصبر وليحتسب فإن الله عنده حسن الثواب). [الدر المنثور: 4/188-192]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 جمادى الآخرة 1434هـ/18-04-2013م, 07:22 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته}
حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو الأزهر إملاء قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا أبو هلال عن قتادة عن أنس في قوله عز وجل: {إنك تدخل النار فقد أخزيته} قال: من خلد في النار فقد أخزيته.
قال أبو الأزهر: وحدثنا روح حدثنا حماد بن زيد عن جويبر عن الضحاك أنه تلا حديث الشفاعة فقال له رجل {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} قال: ذلك لهم خزي فمن أدخل النار فقد خزي وإن أخرج منها لأن الخزي إنما هو هتك ستر المخزي وفضيحته يقال خزي يخزى إذا ذل وأخزيته إذا أذللته إذلالا يبين عليه وقوله عز وجل: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان}.
قال محمد بن كعب: هو القرآن وليس كلهم سمع النبي صلى الله عليه وسلم).
[معاني القرآن: 1/526-527]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ينادي للإيمان...} كما قال: "الذي هدانا لهذا" و"أوحى لها" يريد إليها، وهدانا إلى هذا). [معاني القرآن: 1/250]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ينادى للإيمان} أي: ينادى إلى الإيمان، ويجوز: إننا سمعنا منادياً للإيمان ينادى). [مجاز القرآن: 1/111]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد}
معناه والله أعلم - على ألسن رسلك.
وقوله - عزّ وجلّ: {ولا تخزنا يوم القيامة} أي: قد صدقنا يوم القيامة فلا تخزنا، والمخزي في اللغة: المذلّ المحقور بأمر قد لزمه بحجة، وكذلك أخزيته، أي: ألزمته حجة أذللته معها.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّك لا تخلف الميعاد} أي: قد وعدت من آمن بك ووحدك الجنة). [معاني القرآن: 1/499-500]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} لأنه وعد من وحده وآمن الجنة). [معاني القرآن: 1/527]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاستجاب لهم ربّهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم}: فتحت ألف (أن) لأنك أعملت (فاستجاب لهم ربهم بذلك، ولو كان مختصراً على قولك. وقال إني لا أضيع أجر العاملين فكسرت الألف. {لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم} {لأذهبنّها عنهم} أي: لأمحونّها عنهم؛ {فاستجاب لهم} أي: أجابهم، وتقول العرب: استجبتك، في معنى استجبت لك، قال الغنويّ:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى... فلم يستجبه عند ذاك مجيب). [مجاز القرآن: 1/112]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ مّنكم مّن ذكرٍ أو أنثى بعضكم مّن بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً مّن عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب}
قال: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ مّنكم مّن ذكرٍ أو أنثى} أي: فاستجاب: بأنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم. أدخل فيه {من} زائدة كما تقول "قد كان من حديثٍ" و{من} ههنا لغو لأنّ حرف النفي قد دخل في قوله: {لا أضيع}). [معاني القرآن: 1/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب} المعنى: فاستجاب لهم ربهم بأني لا أضيع - عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.
وإن قرئت (إنّي لا أضيع عمل عامل منكم). جائز بكسر (إنّ) ويكون المعنى قال لهم ربهم: إنّي لا أضيع عمل عامل منكم.
وقوله عزّ وجلّ: {ثوابا} مصدر مؤكد، لأن معنى {ولأدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار} "لأثيبنهم" ومثله {كتاب اللّه عليكم} لأن قوله عزّ وجلّ {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم...} معناه: كتب اللّه عليكم هذا فـ {كتاب اللّه} - مؤكد - وكذلك قوله عزّ وجلّ: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء} قد علم أن ذلك صنع اللّه). [معاني القرآن: 1/500]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}
ويقرأ {إني لا أضيع عمل عامل منكم} على معنى إني والفتح بمعنى بأني لا أضيع عمل عامل منك من ذكر أو أنثى وروي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله ما سمعت الله ذكر النساء في الهجرة، فنزل الله عز وجل: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عما عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض...}). [معاني القرآن: 1/527-528]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} أي: جزاء وأصله من ثاب يثوب إذا رجع والتثويب في النداء ترجيع الصوت). [معاني القرآن: 1/528]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 09:36 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) }
[لا يوجد]


تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) }

[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 04:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقولهم: ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته، استجارة واستعاذة، أي فلا تفعل بنا ذلك ولا تجعلنا ممن يعمل عملها، والخزي: الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء، خزي الرجل يخزى خزيا إذا افتضح، وخزاية إذا استحيى، الفعل واحد والمصدر مختلف، وقال أنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن وابن جريج وغيرهم: هذه إشارة إلى من يخلد في النار، ومن يخرج منها بالشفاعة والإيمان فليس بمخزي، وقال جابر بن عبد الله وغيره: كل من دخل النار فهو مخزي وإن خرج منها، وإن في دون ذلك لخزيا.
قال القاضي: أما إنه خزي دون خزي وليس خزي من يخرج منها بفضيحة هادمة لقدره، وإنما الخزي التام للكفار وقوله تعالى: وما للظّالمين من أنصارٍ هو من قول الداعين، وبذلك يتسق وصف الآية). [المحرر الوجيز: 2/448-449]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ربّنا إنّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار (193) ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد (194)
هذه الآيات حكاية عن أولي الألباب أنهم يقولون: ربّنا قال أبو الدرداء: يرحم الله المؤمنين ما زالوا يقولون: «ربنا ربنا» حتى استجيب لهم، واختلف المتأولون في المنادي، فقال ابن جريج وابن زيد وغيرهما: المنادى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال محمد بن كعب القرظي: المنادي كتاب الله وليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه، ولما كانت ينادي بمنزلة يدعو، حسن وصولها باللام بمعنى «إلى الإيمان»، وقوله: أن آمنوا «أن» مفسرة لا موضع لها من الإعراب، وغفران الذنوب وتكفير السيئات أمر قريب بعضه من بعض، لكنه كرر للتأكيد ولأنها مناح من الستر، وإزالة حكم الذنب بعد حصوله، والأبرار جمع بر، أصله برر على وزن فعل، أدغمت الراء في الراء، وقيل: هو جمع بار كصاحب وأصحاب، والمعنى: توفنا معهم في كل أحكامهم وأفعالهم). [المحرر الوجيز: 2/449]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك معناه: على ألسنة رسلك، وقرأ الأعمش «رسلك» بسكون السين، وطلبوا من الله تعالى إنجاز الوعد، وهو تعالى من لا يجوز عليه خلفه من حيث في طلبه الرغبة أن يكونوا ممن يستحقه، فالطلبة والتخوف إنما هو في جهتهم لا في جهة الله تعالى لأن هذا الدعاء إنما هو في الدنيا، فمعنى قول المرء: اللهم أنجز لي وعدك، إنما معناه: اجعلني ممن يستحق إنجاز الوعد، وقيل: معنى دعائهم الاستعجال مع ثقتهم بأن الوعد منجز، وقال الطبري وغيره: معنى الآية ما وعدتنا على ألسنة رسلك من النصر على الأعداء فكأن الدعوة إنما هي في حكم الدنيا، وقولهم: ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد، إشارة إلى قوله تعالى: يوم لا يخزي اللّه النّبيّ والّذين آمنوا معه [التحريم: 8] فهذا وعده تعالى وهو دال على أن الخزي إنما هو مع الخلود). [المحرر الوجيز: 2/450]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب (195)
«استجاب» استفعل بمعنى أجاب، فليس استفعل على بابه من طلب الشيء بل هو كما قال الشاعر: [الطويل]
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي لم يجبه، وقوله: أنّي يجوز أن تكون «أن» مفسرة ويمكن أن تكون بمعنى «أني»، وقرأ عيسى بن عمر: «إني» بكسر الهمزة، وهذه آية وعد من الله تعالى: أي هذا فعله مع الذين يتصفون بما ذكر، وروي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، قد ذكر الله تعالى الرجال في الهجرة ولم يذكر النساء في شيء من ذلك، فنزلت الآية، ونزلت آيات في معناها فيها ذكر النساء، وقوله: من ذكرٍ تبيين لجنس العامل، وقال قوم: من زائدة لتقدم النفي من الكلام وقوله تعالى: بعضكم من بعضٍ يعني في الأجر وتقبل العمل، أي إن الرجال والنساء في ذلك على حد واحد، وبيّن تعالى حال المهاجرين، ثم الآية بعد تنسحب على كل من أوذي في الله تعالى وهاجر أيضا إلى الله تعالى وإن كان اسم الهجرة وفصلها الخاص بها قد انقطع بعد الفتح، فالمعنى باق إلى يوم القيامة، واللّه يضاعف لمن يشاء [البقرة: 261] و «هاجر» مفاعلة من اثنين، وذلك أن الذي يهجر وطنه وقرابته في الله كان الوطن والقرابة يهجرونه أيضا فهي مهاجرة، وقوله تعالى: وأخرجوا من ديارهم عبارة إلزام ذنب للكفار، وذلك أن المهاجرين إنما أخرجهم سوء العشرة وقبيح الأفعال فخرجوا باختيارهم فإذا جاء الكلام في مضمار إلزام الذنب، للكفار قيل أخرجوا من ديارهم، وإخراج أهله منه أكبر عند الله، إلى غير ذلك من الأمثلة، وإذا جاء الكلام في مضمار الفخر والقوة على الأعداء، تمسك بالوجه الآخر من أنهم خرجوا برأيهم، فمن ذلك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان بن الحارث حين أنشده: [الطويل] (وردني = إلى الله من طردت كل مطرد) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت طردتني كل مطرد؟ إنكارا عليه ومن ذلك قول كعب بن زهير: [البسيط]
في عصبة من قريش قال قائلهم = ببطن مكّة لمّا أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف = عند اللّقاء ولا ميل معازيل
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو: «وقاتلوا وقتلوا» بتخفيف التاء وضم القاف، ومعنى هذه القراءة بيّن، وقرأ ابن كثير: «وقاتلوا وقتّلوا» بتشديد التاء وهي في المعنى كالأولى في المبالغة في القتل، وقرأ حمزة والكسائي: «وقتلوا وقاتلوا» يبدآن بالفعل المبني للمفعول به، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة، غير أن ابن كثير وابن عامر يشددان في التوبة، ومعنى قراءة حمزة هذه: إما أن لا تعطى الواو رتبة لأن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى وليس كذلك العطف بالفاء، ويجوز أن يكون المعنى وقتلوا وقاتل باقيهم فتشبه الآية قوله تعالى: فما وهنوا لما أصابهم [آل عمران: 146] على تأويل من رأى أن القتل وقع بالربيين، وقرأ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: و «قتلوا» بفتح القاف والتاء من غير ألف، و «قتلوا» بضم القاف وكسر التاء خفيفة، وهي قراءة حسنة المعنى مستوفية للفضلين على الترتيب المتعارف، وقرأ محارب بن دثار: «وقتلوا» بفتح القاف «وقاتلوا»، وقرأ طلحة بن مصرف: «وقتّلوا» بضم القاف وشد التاء «وقاتلوا» وهذه يدخلها إما رفض رتبة الواو، وإما أنه قاتل من بقي، واللام في قوله: لأكفّرنّ لام القسم وثواباً مصدر مؤكد مثل قوله: صنع اللّه [النمل: 88] وكتاب اللّه عليكم [النساء: 24] وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 2/450-453]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قالوا: {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} أي: أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع {وما للظّالمين من أنصارٍ} أي: يوم القيامة لا مجير لهم منك، ولا محيد لهم عمّا أردت بهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} أي: داعيًا يدعو إلى الإيمان، وهو الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم {أن آمنوا بربّكم فآمنّا} أي يقول: {آمنوا بربّكم فآمنّا} أي: فاستجبنا له واتّبعناه {ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا} أي: بإيماننا واتّباعنا نبيّك فاغفر لنا ذنوبنا، أي: استرها {وكفّر عنّا سيّئاتنا} أي: فيما بيننا وبينك {وتوفّنا مع الأبرار} أي: ألحقنا بالصّالحين). [تفسير القرآن العظيم: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ربّنا وآتنا ما وعدتّنا على رسلك} قيل: معناه: على الإيمان برسلك. وقيل: معناه: على ألسنة رسلك. وهذا أظهر.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن عمرو بن محمّدٍ، عن أبي عقال، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عسقلان أحد العروسين، يبعث اللّه منها يوم القيامة سبعين ألفًا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسين ألفًا شهداء وفودًا إلى اللّه، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم مقّطعة في أيديهم، تثجّ أوداجهم دمًا، يقولون: {ربّنا وآتنا ما وعدتّنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد} فيقول: صدق عبدي، اغسلوهم بنهر البيضة. فيخرجون منه نقاءً بيضًا، فيسرحون في الجنّة حيث شاؤوا".
وهذا الحديث يعد من غرائب المسند، ومنهم من يجعله موضوعا، والله أعلم.
{ولا تخزنا يوم القيامة} أي: على رؤوس الخلائق {إنّك لا تخلف الميعاد} أي: لا بدّ من الميعاد الّذي أخبرت عنه رسلك، وهو القيام يوم القيامة بين يديك.
وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا الحارث بن سريج حدّثنا المعتمر، حدّثنا الفضل بن عيسى، حدّثنا محمّد بن المنكدر؛ أنّ جابر بن عبد اللّه حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "العار والتّخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي اللّه، عزّ وجلّ، ما يتمنّى العبد أن يؤمر به إلى النّار" حديثٌ غريبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/186-187]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثوابًا من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب (195)}
يقول تعالى: {فاستجاب لهم ربّهم} أي: فأجابهم ربّهم، كما قال الشّاعر: وداعٍ دعا:
يا من يجيب إلى النّدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
قال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سلمة، رجلٌ من آل أمّ سلمة، قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه، لا نسمع الله ذكر النّساء في الهجرة بشيءٍ؟ فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى} إلى آخر الآية. وقالت الأنصار: هي أوّل ظعينةٍ قدمت علينا.
وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عيينة، ثمّ قال: صحيحٌ على شرط البخاريّ، ولم يخرّجاه.
وقد روى ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن أمّ سلمة قالت: آخر آيةٍ أنزلت هذه الآية: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ} إلى آخرها. رواه ابن مردويه.
ومعنى الآية: أنّ المؤمنين ذوي الألباب لمّا سألوا -ممّا تقدّم ذكره-فاستجاب لهم ربّهم -عقّب ذلك بفاء التّعقيب، كما قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} [البقرة:186].
وقوله: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى} هذا تفسيرٌ للإجابة، أي قال لهم مجيبًا لهم: أنّه لا يضيع عمل عاملٍ لديه، بل يوفّي كلّ عاملٍ بقسط عمله، من ذكرٍ أو أنثى.
وقوله: {بعضكم من بعضٍ} أي: جميعكم في ثوابي سواء {فالّذين هاجروا} أي: تركوا دار الشّرك وأتوا إلى دار الإيمان وفارقوا الأحباب والخلّان والإخوان والجيران، {وأخرجوا من ديارهم} أي: ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم؛ ولهذا قال: {وأوذوا في سبيلي} أي: إنّما كان ذنبهم إلى النّاس أنّهم آمنوا باللّه وحده، كما قال تعالى: {يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤمنوا باللّه ربّكم} [الممتحنة:1]. وقال تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} [البروج:8].
وقوله: {وقاتلوا وقتلوا} وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل اللّه، فيعقر جواده، ويعفّر وجهه بدمه وترابه، وقد ثبت في الصّحيح أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، أرأيت إن قتلت في سبيل اللّه صابرًا محتسبا مقبلا غير مدبر، أيكفّر اللّه عنّي خطاياي؟ قال: "نعم" ثمّ قال: "كيف قلت؟ ": فأعاد عليه ما قال، فقال: "نعم، إلّا الدّين، قاله لي جبريل آنفًا".
ولهذا قال تعالى: {لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} أي: تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب، من لبنٍ وعسلٍ وخمرٍ وماءٍ غير آسنٍ وغير ذلك، ممّا لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وقوله: {ثوابًا من عند اللّه} أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنّه عظيمٌ؛ لأنّ العظيم الكريم لا يعطي إلّا جزيلا كثيرًا، كما قال الشّاعر:
إن يعذب يكن غرامًا وإن يع = ط جزيلا فإنّه لا يبالي
وقوله: {واللّه عنده حسن الثّواب} أي: عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحًا.
قال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن دحيم بن إبراهيم: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، أخبرني حريز بن عثمان: أنّ شدّاد بن أوسٍ كان يقول: يا أيّها النّاس، لا تتهموا اللّه في قضائه، فإنّه لا يبغي على مؤمنٍ، فإذا نزل بأحدكم شيءٌ مما يحب فليحمد الله، وإذا أنزل به شيءٌ ممّا يكره فليصبر وليحتسب، فإنّ الله عنده حسن الثواب). [تفسير القرآن العظيم: 2/190-191]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة