تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {ألقى} [طه: 65] : «صنع»). [صحيح البخاري: 6/95]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ ألقى صنع أزري ظهري فيسحتكم يهلككم تقدّم ذلك كلّه في قصّة موسى من أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/432]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن جبيرٍ والضّحّاك بالنّبطيّة طه يا رجل: وقال مجاهدٌ ألقى صنع
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {يا موسى إمّا أن تلقي وأما أن نكون أول من ألقى} (طه: 65) أي: صنع، وقد مر هذا في قصّة موسى عليه الصّلاة والسّلام، في أحاديث الأنبياء عليهم السّلام، وكذلك يأتي لفظ: ألقى، في قوله: {فكذلك ألقى السامري} (طه: 87) وفسّر هناك أيضا بقوله: صنع، والمفسرون فسروا كليهما في الإلقاء وهو الرّمي). [عمدة القاري: 19/56]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد): في قوله تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي} [طه: 65]. ({ألقى}) بفتح الهمزة والقاف أي (صنع) وسقط هذا لغير أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/236]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا يا موسى إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أوّل من ألقى (65) قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى}.
يقول تعالى ذكره: فأجمعت السّحرة كيدهم، ثمّ أتوا صفًّا فقالوا لموسى: {يا موسى إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أوّل من ألقى} وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاءً بدلالة الكلام عليه.
واختلف في مبلغ عدد السّحرة الّذين أتوا يومئذٍ صفًّا، فقال بعضهم: كانوا سبعين ألف ساحرٍ، مع كلّ ساحرٍ منهم حبلٌ وعصًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن هشامٍ الدّستوائيّ، قال: حدّثنا القاسم بن أبي بزّة، قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحرٍ، فألقوا سبعين ألف حبلٍ، وسبعين ألف عصًا، فألقى موسى عصاه، فإذا هي ثعبانٌ مبينٌ فاغرٌ به فاه، فابتلع حبالهم وعصيّهم {فألقي السّحرة سجّدًا} عند ذلك، فما رفعوا رءوسهم حتّى رأوا الجنّة والنّار وثواب أهلهما، فعند ذلك {قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات}.
وقال آخرون: بل كانوا نيّفًا وثلاثين ألف رجلٍ.
ذكر من قال ذلك:
حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: {قالوا يا موسى إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون نحن الملقين} قال لهم موسى: {ألقوا}، فألقوا حبالهم وعصيّهم، وكانوا بضعةً وثلاثين ألف رجلٍ ليس منهم رجلٌ إلاّ ومعه حبلٌ وعصًا.
وقال آخرون بل كانوا خمسة عشر ألفًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثت عن وهب بن منبّهٍ، قال: صفّ خمسة عشر ألف ساحرٍ، مع كلّ ساحرٍ حباله وعصيّه.
وقال آخرون: كانوا تسع مائةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: كان السّحرة ثلاث مائةٍ من العريش، وثلاث مائةٍ من الفيومٍ، ويشكّون في ثلاث مائةٍ من الإسكندريّة، فقالوا لموسى: إمّا أن تلقي ما معك قبلنا، وإمّا أن نلقي ما معنا قبلك، وذلك قوله: {وإمّا أن نكون أوّل من ألقى}.
وأنّ في قوله: {إمّا أنّ} و{إمّا أنّ} في موضع نصبٍ، وذلك أنّ معنى الكلام: اختر يا موسى أحد هذين الأمرين: إمّا أن تلقي قبلنا، وإمّا أن نكون أوّل من ألقى.
ولو قال قائلٌ: هو رفعٌ، كان مذهبًا، كأنّه وجّهه إلى أنّه خبرٌ، كقول القائل:
فسيرا فإمّا حاجةٌ تقضيانها = وإمّا مقيلٌ صالحٌ وصديق). [جامع البيان: 16/107-109]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قال بل ألقوا} يقول تعالى ذكره: قال موسى للسّحرة: بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي.
وقوله: {فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى} وفي هذا الكلام متروكٌ، وهو: فألقوا ما معهم من الحبال والعصيّ، فإذا حبالهم، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الّذي ذكر عليه عنه.
وذكر أنّ السّحرة سحروا عين موسى وأعين النّاس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيّهم، ثم ألقوا حبالهم وعصيهم فخيّل حينئذٍ إلى موسى أنّها تسعى
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثت عن وهب بن منبّهٍ، قال: قالوا يا موسى {إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أوّل من ألقى قال بل ألقوا} فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثمّ أبصار النّاس بعد، ثمّ ألقى كلّ رجلٍ منهم ما في يده من العصيّ والحبال، فإذا هي حيّاتٌ كأمثال الجبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضًا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {يخيّل إليه} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار {يخيّل إليه} بالياء بمعنى: يخيّل إليهم سعيها.
وإذا قرئ ذلك كذلك، كانت " أنّ " في موضع رفعٍ.
وروي عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرؤه: " تخيّل " بالتّاء، بمعنى: تخيّل حبالهم وعصيّهم بأنّها تسعى.
ومن قرأ ذلك كذلك، كانت " أنّ " في موضع نصبٍ لتعلّق تخيّل بها. وقد ذكر عن بعضهم أنّه كان يقرؤه: " تخيّل إليه " بمعنى: تتخيّل إليه.
وإذا قرئ ذلك كذلك أيضًا فـ " أنّ " في موضع نصبٍ بمعنى: تتخيّل بالسّعي لهم.
والقراءة الّتي لا يجوز عندي في ذلك غيرها {يخيّل} بالياء لإجماع الحجّة من القرّاء عليه). [جامع البيان: 16/109-110]
تفسير قوله تعالى: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({فأوجس} [طه: 67] : " في نفسه خوفًا، فذهبت الواو من {خيفةً} [طه: 67] لكسرة الخاء "). [صحيح البخاري: 6/95]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله المثلى تأنيث الأمثل إلخ هو قول أبي عبيدة وقد تقدّم شرحه في قصّة موسى أيضًا وكذلك قوله فأوجس في نفسه خيفةً). [فتح الباري: 8/432] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (فأوجس أضمر خوفاً فذهبت الواو من خيفةً لكسرة الخاء
أشار به إلى قوله تعالى: {فأوجس في نفسه خيفة موسى} (طه: 67) وفسّر أوجس بقوله: أضمر. قوله: (خوفًا) أي: لأجل الخوف، وقال مقاتل: إنّما خاف موسى عليه الصّلاة والسّلام، أن صنع القوم مثل صنعه أن يشكوا فيه فلا يتبعوه ويشك من تابعه فيه. قوله: (فذهبت الواو)
إلى آخره، قال الكرماني: ومثل هذا لا يليق بحال هذا الكتاب أن يذكر فيه. قلت: إنّما قال هذا الكلام لأنّه مخالف لما قاله أهل الصّرف على ما لا يخفى). [عمدة القاري: 19/57]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({فأوجس}) أي (أضمر) ولأبي ذر فأوجس في نفسه (خوفًا فذهبت الواو من {خيفة} لكسرة الخاء) قال ابن عطية خيفة يصح أن يكون أصله خوفة قلبت الواو ياء للتناسب ويحتمل أن يكون خوفة بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب والخوف كان على قومه أن يدخلهم شك فلا يتبعوه). [إرشاد الساري: 7/236]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأوجس في نفسه خيفةً موسى (67) قلنا لا تخف إنّك أنت الأعلى (68) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحرٍ ولا يفلح السّاحر حيث أتى}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فأوجس في نفسه خيفةً موسى} فأوجس في نفسه خوفًا موسى ووجده). [جامع البيان: 16/110]
تفسير قوله تعالى: (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قلنا لا تخف إنّك أنت الأعلى} يقول تعالى ذكره: قلنا لموسى إذ أحسن في نفسه خيفةً: {لا تخف إنّك أنت الأعلى} على هؤلاء السّحرة، وعلى فرعون وجنده، والقاهر لهم). [جامع البيان: 16/111]
تفسير قوله تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى تلقف ما صنعوا قال ألقاها موسى فتحولت حية تأكل حبالهم وما صنعوا). [تفسير عبد الرزاق: 2/19]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: (كيد سحر) [الآية: 69]). [تفسير الثوري: 195]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا} يقول: وألق عصاك التى فى يمينك تبتلع حبالهم وعصيّهم الّتي سحروها حتّى خيّل إليك أنّها تسعى.
وقوله: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ} برفع كيد وبالألف في ساحرٍ بمعنى: إنّ الّذي صنعه هؤلاء السّحرة كيدٌ من يسحرٍ.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: ( إنّما صنعوا كيد سحرٍ ) برفع الكيد وبغير الألف في السّحر بمعنى إنّ الّذي صنعوه كيد سحرٍ.
والقول في ذلك عندي أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، وذلك أنّ الكيد هو المكر والخدعة، فالسّاحر مكره وخدعته من سحرٍ يسحره، ومكر السّحر وخدعته: تخيّيله إلى المسحور، على خلاف ما هو به في حقيقته، فالسّاحر كائدٌ بالسّحر، والسّحر كائدٌ بالتّخييل، فإلى أيّهما أضفت الكيد فهو صوابٌ.
وقد ذكر عن بعضهم أنّه قرأ: " كيد سحرٍ " بنصب كيد. ومن قرأ ذلك كذلك، جعل إنّما حرفًا واحدًا وأعمل صنعوا في كيد.
وهذه قراءةٌ لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجّة من القرّاء على خلافها.
وقوله: {ولا يفلح السّاحر حيث أتى} يقول: ولا يظفر السّاحر بسحره بما طلب أين كان.
وقد ذكر عن بعضهم أنّه كان يقول: معنى ذلك: أنّ السّاحر يقتل حيث وجد.
وذكر بعض نحويّي البصرة، أنّ ذلك في حرف ابن مسعودٍ: " ولا يفلح السّاحر أين أتى " وقال: العرب تقول: جئتك من حيث لا تعلم، ومن أين لا تعلم.
وقال غيره من أهل العربيّة الأول: جزاء يقتل السّاحر حيث أتى وأين أتى وقال: وأمّا قول العرب: جئتك من حيث لا تعلم، ومن أين لا تعلم، فإنّما هو جواب من لم يفهم، فاستفهم كما قالوا: أين الماء والعشب). [جامع البيان: 16/111-112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {تلقف ما صنعوا} قال: ألقاها موسى فتحولت حية تأكل حبالهم وما صنعوا). [الدر المنثور: 10/219]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أخذتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ {ولا يفلح الساحر حيث أتى} قال: لا يأمن حيث وجد). [الدر المنثور: 10/219]
تفسير قوله تعالى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فألقي السّحرة سجّدًا قالوا آمنّا بربّ هارون وموسى (70) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابًا وأبقى}.
وفي هذا الكلام متروكٌ قد استغني بدلالة ما ذكر عليه وهو: فألقى موسى عصاه، فتلقّفت ما صنعوا {فألقي السّحرة سجّدًا قالوا آمنّا بربّ هارون وموسى}.
وذكر أنّ موسى لمّا ألقى ما في يده تحوّل ثعبانًا، فالتقم كلّ ما كانت السّحرة ألقته من الحبال والعصيّ.
ذكر الرّواية عمّن قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: لمّا اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السّحر خيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى {فأوجس في نفسه خيفةً موسى قلنا لا تخف إنّك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا} فألقى عصاه فإذا هي ثعبانٌ مبينٌ، قال: فتحت فمًا لها مثل الدّحل، ثمّ وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الآخر، ثمّ استوعبت كلّ شيءٍ ألقوه من السّحر، ثمّ جاء إليها فقبض عليها، فإذا هي عصًا، فخرّ السّحرة سجّدًا {قالوا آمنّا بربّ هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلافٍ} قال: فكان أوّل من قطع الأيدي والأرجل من خلافٍ فرعون {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل} قال: فكان أوّل من صلب في جذوع النّخل فرعون.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فأوجس في نفسه خيفةً موسى} فأوحى اللّه إليه {لا تخف} {وألق ما في يمينك} {تلقف ما يأفكون} فألقى عصاه فأكلت كلّ حيّةٍ لهم، فلمّا رأوا ذلك سجدوا و{قالوا آمنّا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثت عن وهب بن منبّهٍ، {فأوجس في نفسه خيفةً موسى} لمّا رأى ما ألقوا من الحبال والعصيّ وخيّل إليه أنّها تسعى، وقال: واللّه إن كانت لعصيًّا في أيديهم، ولقد عادت حيّاتٍ، وما تعدو عصاي هذه، أو كما حدّث نفسه، فأوحى اللّه إليه أن {ألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحرٍ ولا يفلح السّاحر حيث أتى} وفرج عن موسى فألقى عصاه من يده، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيّهم، وهي حيّاتٌ في عين فرعون وأعين النّاس تسعى، فجعلت تلقفها، تبتلعها حيّةً حيّةً، حتّى ما يرى بالوادي قليلٌ ولا كثيرٌ ممّا ألقوا، ثمّ أخذها موسى فإذا هي عصًا في يده كما كانت، ووقع السّحرة سجّدًا، قالوا: آمنّا بربّ هارون وموسى، لو كان هذا سحرًا ما غلبنا). [جامع البيان: 16/112-114]