التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّاس إنّ وعد اللّه حقٌّ} [فاطر: 5] ما وعد من الثّواب والعقاب.
{فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا ولا يغرّنّكم باللّه الغرور} [فاطر: 5] الشّيطان). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {يا أيّها النّاس إنّ وعد اللّه حقّ فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا ولا يغرّنّكم باللّه الغرور (5)}
أي: ما وعدكم اللّه من مجازاة , فحق. {فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا}:أي: وإن كان لكم حظ في الدنيا يغضّ من دينكم , فلا تؤثروا ذلك الحظّ.
{ولا يغرّنّكم باللّه الغرور}: والغرور: الشيطان، ويقرأ الغرور بضم الغين، وهي : الأباطيل , ويجوز أن يكون الغرور: جمع غاز , وغرور، مثل : قاعد وقعود، ويجوز أن يكون جمع غرّ : مصدر غررته غرّا, فأما أن يكون مصدر غررته غرورا فبعيد.
لأن المتعدية لا تكاد تقع مصادرها على فعول، وقد جاء بعضها على فعول نحو لزمته لزوما، ونهكه المرض نهوكا , فيجوز غررته غرورا على ذلك.). [معاني القرآن: 4/263-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}
روى معمر , عن قتادة قال: {الغرور}: (الشيطان).
وروى شعبة , عن سماك بن حرب : الغرور بضم الغين
فقيل: إن هذا لا يجوز؛ لأنه إنما يقال غره غرا , ولا يكاد يأتي على فعول فيما يعتدى إلا شاذاً.
قال أبو جعفر : يجوز أن يكون غرور جمع : غار , أو جمع غر, أو يشبه بقولهم : نهكه المرض نهوكا , ولزمه لزوما.). [معاني القرآن: 5/437-438]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إنّ الشّيطان لكم عدوٌّ} [فاطر: 6] يدعوكم إلى معصية اللّه.
{فاتّخذوه عدوًّا إنّما يدعو حزبه} [فاطر: 6] أصحابه الّذين أضلّ.
{ليكونوا من أصحاب السّعير} [فاطر: 6] وسوس إليهم بعبادة الأوثان.
{ليكونوا من أصحاب السّعير} [فاطر: 6] فأطاعوه والسّعير اسمٌ من أسماء جهنّم، وهو الباب الرّابع). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {الّذين كفروا لهم عذابٌ شديدٌ} [فاطر: 7] جهنّم.
{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} [فاطر: 7] لذنوبهم.
{وأجرٌ} [فاطر: 7]، أي: ثوابٌ.
{كبيرٌ} وهي الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يصْنَعُونَ (8) }
َ
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنًا} [فاطر: 8] كمن آمن وعمل صالحًا، أي: لا يستويان، وهذا على الاستفهام، وفيه إضمارٌ.
قال: {فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم} [فاطر: 8] على المشركين.
{حسراتٍ} لا تحسّر عليهم إذ لم يؤمنوا كقوله: {ولا تحزن عليهم}.
{إنّ اللّه عليمٌ بما يصنعون} [فاطر: 8] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً...}
يقول: شبّه عليه عمله، فرأى سّيئه حسناً, ثم قال: {فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ} , فكان الجواب متبعاً بقوله: {فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء}, واكتفى بإتباع الجواب بالكلمة الثانية؛ لأنها كافية من جواب الأولى. ولو أخرج الجواب كله كان: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك، أو تذهب نفسك؛ لأن قوله: {فلا تذهب} نهي يدلّ على أن ما نهى عنه قد مضى في صدر الكلمة, ومثله في الكلام: إذا غضبت فلا تقتل، كأنّه كان يقتل على الغضب، فنهى عن ذلك.
والقراء مجتمعون على: {تذهب نفسك}, وقد ذكر بعضهم عن أبي جعفر المدني : {فلا تذهب نفسك عليهم}, وكلّ صواب.). [معاني القرآن: 2/366-376]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً فإنّ الله يضلّ من يشاء }: مجازه مجاز المكفوف عن خبره لتمامه عند السامع , فاختصر ثم استأنف فقال: { فإن اللّه يضل من يشاء }.). [مجاز القرآن: 2/152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً}: أي: شبه عليه).). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد يشكل الكلام ويغمض بالاختصار والإضمار.
كقوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
والمعنى: أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا، ذهبت نفسك حسرة عليه؟! فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء). [تأويل مشكل القرآن: 219]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إنّ اللّه عليم بما يصنعون (8)}
الجواب ههنا على ضربين:
أحدهما يدل عليه : {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}
ويكون المعنى : أفمن زين له سوء عمله , فأضله اللّه , ذهبت نفسك عليه حسرة، ويكون " فلا تذهب نفسا": يدل عليه. وقد قرئت: { فلا تذهب نفسك } بضم التاء وجزم الباء ونصب النفس, ويجوز أن يكون الجواب محذوفا , ويكون المعنى: أفمن زيّن له سوء عمله كمن هداه اللّه، ويكون دليله : {فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء}). [معاني القرآن: 4/264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفمن رين له سوء عمله فرآه حسنا}
الجواب محذوف لعلم السامع , فيجوز أن يكون المعنى : أفمن زين له سوء علمه , كمن هداه الله جل وعز , ويكون يدل على هذا المحذوف : {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.
ويجوز أن يكون المعنى : أفمن زين له سوء عمله , ذهبت نفسك عليه .
ويكون يدل عليه : {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}.). [معاني القرآن: 5/438-439]
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابًا فسقناه} [فاطر: 9] فسقنا الماء في السّحاب.
{إلى بلدٍ ميّتٍ} [فاطر: 9] ليس فيه نباتٌ، إلى أرضٍ ميّتةٍ ليس فيها نباتٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/778]
لمّا قال: {إلى بلدٍ ميّتٍ} [فاطر: 9] جاءت «ميّتٍ» لأنّ البلد مذكّرٌ والمعنى على الأرض وهي مؤنّثةٌ.
{فأحيينا به} [فاطر: 9] بالماء.
{الأرض بعد موتها} [فاطر: 9] بعد إذ كانت يابسةً ليس فيها نباتٌ فأحيينا به، بالماء , الأرض فأنبتت من ألوان النّبات وأحيي به نباتها أيضًا.
قال: {كذلك النّشور} [فاطر: 9]، يعني: هكذا يحيون بعد الموت بالماء يوم القيامة كما تحيا الأرض بالماء فتنبت وهو تفسير السّدّيّ كذلك البعث.
- سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الزّعراء، عن ابن مسعودٍ قال: يرسل اللّه مطرًا من تحت العرش منيًّا كمنيّ الرّجال، فتنبت به جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثّرى، ثمّ يقوم ملكٌ بالصّور بين السّماء والأرض، فينفخ فيه فيذهب كلّ روحٍ إلى جسده حتّى يدخل فيه، ثمّ يقومون فيجيبون بإجابة رجلٍ واحدٍ سراعًا إلى صاحب الصّور إلى بيت المقدس.
وحدّثني عبد الرّحمن بن يزيد بن عمير بن هانئٍ أنّ الحساب يكون عند الصّخرة الّتي ببيت المقدس). [تفسير القرآن العظيم: 2/779]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
({ أرسل الرّياح فتثير سحاباً فسقناه }: فتثير , أي: تجمع , وتجيء به , وتخرجه , ومجاز " فسقناه " : مجاز فنسوقه , والعرب قد تضع " فعلنا " في موضع " نفعل " , قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا= مني وما يسمعوا من صالحٍ دفنوا في موضع " يطيروا " , و " يدفنوا ".
" النشور " مصدر الناشر قال الأعشى:
حتّى يقول الناس ممّا رأوا= يا عجبا للمّيت الناشر). [مجاز القرآن: 2/153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( النّشور: الحياة.). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير.
وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ}، أي فنسوقه.
في أشباه لهذا كثيرة في القرآن). [تأويل مشكل القرآن: 295-296] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقول:{واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور (9)}
{فسقناه إلى بلد ميت}, و {ميّت}.
{فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور}: أي: ننشى المعنى مثل ذلك، أي : مثل إحياء الأرض، وكذلك بعثكم.). [معاني القرآن: 4/264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {النُّشُورُ}: البعث.). [العمدة في غريب القرآن: 248]