العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 06:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ الآية (2) ]

تفسير سورة المائدة
[ الآية (2) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:12 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلمة بن علي عن معاوية عن عطاء بن أبي رباح قال: أربع رخص وليس بعزيمة، {وإذا حللتم فاصطادوا}، فإن شئت فاصطد، وإن شئت فاترك؛ {ومن كان مريضا أو على سفرٍ}، فإن شئت فصم، وإن شئت فأفطر؛ {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها}، فإن شئت فكل وإن شئت فاترك، {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض}، فإن شاء انتشر، وإن شاء ثبت). [الجامع في علوم القرآن: 1/11-12]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلمة بن علي عن سعيد بن بشير عن قتادة أن المائدة ليس فيها منسوخٌ إلا ثلاثة أحرف: {ولا آمّين البيت الحرام}
[ .......................... .. ]). [الجامع في علوم القرآن: 3/85]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن بيان عن الشعبي قال لم ينسخ من سورة المائدة غير هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله}). [تفسير عبد الرزاق: 1/181]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام} قال منسوخ كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد وإذا تقلد قلادة شعر لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فأمروا ألا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت فنسخها قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم التوبة). [تفسير عبد الرزاق: 1/182]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر الله ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن بيان، قال: سمعت الشّعبي يقول: لم ينسخ من المائدة إلّا هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1437]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): ({آمّين} [المائدة: 2]: عامدين، أمّمت وتيمّمت واحدٌ "). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تيمّموا تعمّدوا آمّين عامدين أمّمت وتيمّمت واحدٌ قال أبو عبيدة في قوله تعالى فتيمّموا صعيدًا أي فتعمّدوا وقال في قوله تعالى ولا آمين البيت الحرام أي ولا عامدين ويقال أمّمت وبعضهم يقول تيمّمت قال الشّاعر:
إنّي كذاك إذا ما ساءني بلدٌ = يمّمت صدر بعيري غيره بلدا
تنبيه: قرأ الجمهور ولا آمين البيت بإثبات النّون وقرأ الأعمش بحذف النّون مضافًا كقوله محلى الصّيد). [فتح الباري: 8/272] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (آمّين قاصدين أمّمت ويمّمت واحدٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام} (المائدة: 2) وفسّر آمين بقوله: قاصدين، لأنّه من الأمّ وهو القصد، أي: ولا تستحلوا قتال آمين البيت أي: القاصدين إلى بيت الله الحرام الّذي من دخله كان آمنا. قوله: (أممت ويممت واحد)، أي: في المعنى قال الشّاعر:
ولا أدري إذا يممت أرضًا
وقرأ الأعمش: ولا آمي البيت، بإسقاط النّون للإضافة). [عمدة القاري: 18/200]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {شنآن قومٍ} قال: عداوة قومٍ). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 121]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب}
اختلف أهل التّأويل في معنى قول اللّه: {لا تحلّوا شعائر اللّه} فقال بعضهم: معناه: لا تحلّوا حرمات اللّه، ولا تتعدّوا حدوده.
كأنّهم وجّهوا الشّعائر إلى المعالم، وتأوّلوا لا تحلّوا شعائر اللّه: معالم حدود اللّه، وأمره، ونهيه، وفرائضه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، قال: حدّثنا حبيبٌ المعلّم، عن عطاءٍ، أنّه سئل عن شعائر اللّه، فقال: حرمات اللّه: اجتناب سخط اللّه، واتّباع طاعته، فذلك شعائر اللّه.
وقال آخرون: معنى ذلك: {لا تحلّوا} حرم اللّه. فكأنّهم وجّهوا معنى قوله: {شعائر اللّه} أي معالم حرم اللّه من البلاد.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه} قال: أمّا شعائر اللّه: فحرم اللّه.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تحلّوا مناسك الحجّ فتضيعوها. وكأنّهم وجّهوا تأويل ذلك إلى: لا تحلّوا معالم حدود اللّه الّتي حدّها لكم في حجّكم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ: {لا تحلّوا شعائر اللّه} قال: مناسك الحجّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه} قال: كان المشركون يحجّون البيت الحرام، ويهدون الهدايا، ويعظّمون حرمة المشاعر، ويتّجرون في حجّهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فقال اللّه عزّ وجلّ: {لا تحلّوا شعائر اللّه}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {شعائر اللّه} الصّفا والمروة، والهدي والبدن، كلّ هذا من شعائر اللّه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثني أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تحلّوا ما حرّم اللّه عليكم في حال إحرامكم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا تحلّوا شعائر اللّه} قال: شعائر اللّه: ما نهى اللّه عنه أن تصيبه وأنت محرمٌ
وكأنّ الّذين قالوا هذه المقالة، وجّهوا تأويل ذلك إلى: لا تحلّوا معالم حدود اللّه الّتي حرّمها عليكم في إحرامكم.
وأولى التّأويلات بقوله: {لا تحلّوا شعائر اللّه} قول عطاءٍ الّذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلى: لا تحلّوا حرمات اللّه، ولا تضيعوا فرائضه، لأنّ الشّعائر جمع شعيرةٍ، والشّعيرة: فعيلةٌ من قول القائل: قد شعر فلانٌ بهذا الأمر: إذا علم به، فالشّعائر: المعالم من ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: لا تستحلّوا أيّها الّذين آمنوا معالم اللّه، فيدخل في ذلك معالم اللّه كلّها في مناسك الحجّ، من تحريم ما حرّم اللّه إصابته فيها على المحرم، وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها، وفيما حرّم من استحلال حرمات حرمه، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه، لأنّ كلّ ذلك من معالمه وشعائره الّتي جعلها أماراتٍ بين الحقّ والباطل، يعلم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه.
وإنّما قلنا هذا القول أولى بتأويل قوله تعالى: {لا تحلّوا شعائر اللّه} لأنّ اللّه نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده، وإحلالها نهيًا عامًا من غير اختصاص شيءٍ من ذلك دون شيءٍ، فلم يجز لأحدٍ أن يوجّه معنى ذلك إلى الخصوص إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها، ولا حجّة بذلك كذلك). [جامع البيان: 8/21-24]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا الشّهر الحرام} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولا الشّهر الحرام} ولا تستحلّوا الشّهر الحرام بقتالكم فيه أعداءكم من المشركين، وهو كقوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال ابن عبّاسٍ وغيره.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا الشّهر الحرام} يعني: لا تستحلّوا قتالا فيه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: كان المشرك يومئذٍ لا يصدّ عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشّهر الحرام ولا عند البيت.
وأمّا الشّهر الحرام الّذي عناه اللّه بقوله: {ولا الشّهر الحرام} فرجب مضر، وهو شهرٌ كانت مضر تحرّم فيه القتال.
وقد قيل: هو في هذا الموضع ذو القعدة.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: هو ذو القعدة.
وقد بيّنّا الدّلالة على صحّة ما قلنا في ذلك فيما مضى، وذلك في تأويل قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}). [جامع البيان: 8/24-25]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا الهدي ولا القلائد}
أمّا الهدي: فهو ما أهداه المرء من بعيرٍ أو بقرةٍ أو شاةٍ أو غير ذلك إلى بيت اللّه، تقرّبًا به إلى اللّه وطلب ثوابه.
يقول اللّه عزّ وجلّ: فلا تستحلّوا ذلك فتغضبوه أهله عليه، ولا تحولوا بينهم وبين ما أهدوا من ذلك أن يبلغوا محله من الحرم ولكن خلوهم واياه حتى يبلغوا به المحلّ الّذي جعله اللّه محلّه من كعبته.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ: أنّ الهدي إنّما يكون هديًا ما لم يقلّد.
- حدّثني بذلك محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا الهدي} قال: الهدي ما لم يقلّد، وقد جعل على نفسه أن يهديه ويقلّده.
وأمّا قوله: {ولا القلائد} فإنّه يعني: ولا تحلّوا أيضًا القلائد.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في القلائد الّتي نهى اللّه عزّ وجلّ عن إحلالها، فقال بعضهم: عنى بالقلائد: قلائد الهدي؛ وقالوا: إنّما أراد اللّه بقوله: {ولا الهدي ولا القلائد} ولا تحلّوا الهدايا المقلّدات منها وغير المقلّدات؛ فقوله: {ولا الهدي} ما لم يقلّد من الهدايا {ولا القلائد} المقلّد منها قالوا: ودلّ بقوله: {ولا القلائد} على معنى ما أراد من النّهي عن استحلال الهدايا المقلّدة.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا القلائد} القلائد: مقلّدات الهدي، وإذا قلّد الرّجل هديه فقد أحرم، فإن فعل ذلك وعليه قميصه فليخلعه.
وقال آخرون: يعني بذلك: القلائد الّتي كان المشركون يتقلّدونها إذا أرادوا الحجّ مقبلين إلى مكّة من لحاء السّمر، وإذا خرجوا منها إلى منازلهم منصرفين منها، من الشّعر.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام} قال: كان الرّجل في الجاهليّة إذا خرج من بيته يريد الحجّ تقلّد من السّمر فلم يعرض له أحدٌ.فإذا رجع تقلّد قلادة شعرٍ فلم يعرض له أحدٌ.
وقال آخرون: بل كان الرّجل منهم يتقلّد إذا أراد الخروج من الحرم أو خرج من لحاء شجر الحرم فيأمن بذلك من سائر قبائل العرب أن يعرضوا له بسوءٍ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مالك بن مغولٍ، عن عطاءٍ: {ولا القلائد} قال: كانوا يتقلّدون من لحاء شجر الحرم، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم، فنزلت: {لا تحلّوا شعائر اللّه} الآية، {ولا الهدي ولا القلائد}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا القلائد} قال: القلائد: اللّحاء في رقاب النّاس والبهائم أمنٌ لهم
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ولا الهدي ولا القلائد} قال: إنّ العرب كانوا يتقلّدون من لحاء شجر مكّة، فيقيم الرّجل بمكانه، حتّى إذا انقضت الأشهر الحرم فأراد أن يرجع إلى أهله قلّد نفسه وناقته من لحاء الشّجر، فيأمن حتّى يأتي أهله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا القلائد} قال: القلائد: كان الرّجل يأخذ لحاء شجرةٍ من شجر الحرم فيتقلّدها، ثمّ يذهب حيث شاء، فيأمن بذلك، فذلك القلائد.
وقال آخرون: إنّما نهى اللّه المؤمنين بقوله: {ولا القلائد} أن ينزعوا شيئًا من شجر الحرم فيتقلّدوه كما كان المشركون يفعلون في جاهليّتهم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، في قوله: {ولا الهدي ولا القلائد} كان المشركون يأخذون من شجر مكّة من لحاء السّمر، فيتقلّدونها، فيأمنون بها من النّاس، فنهى اللّه أن ينزع شجرها فيتقلّد.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: جلسنا إلى مطرّف بن الشّخّير، وعنده رجلٌ، فحدّثهم في قوله: {ولا القلائد} قال: كان المشركون يأخذون من شجر مكّة من لحاء السّمر فيتقلّدونها، فيأمنون بها في النّاس، فنهى اللّه عزّ ذكره أن ينزع شجرها فيتقلّد
والّذي هو أولى بتأويل قوله: {ولا القلائد} إذ كانت معطوفةً على أوّل الكلام، ولم يكن في الكلام ما يدلّ على انقطاعها عن أوّله، ولا أنّه عنى بها النّهي عن التّقلّد أو اتّخاذ القلائد من شيءٍ؛ أن يكون معناه: ولا تحلّوا القلائد. فإذا كان ذلك بتأويله أولى، فمعلومٌ أنّه نهي من اللّه جلّ ذكره عن استحلال حرمة المقلّد هديًا كان ذلك أو إنسانًا، دون حرمة القلادة؛ وأنّ اللّه عزّ ذكره إنّما دلّ بتحريمه حرمة القلادة على ما ذكرنا من حرمة المقلّد، فاجتزأ بذكره القلائد من ذكر المقلّد، إذ كان مفهومًا عند المخاطبين بذلك معنى ما أريد به.
فمعنى الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا: يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه، ولا الشّهر الحرام، ولا الهدي، ولا المقلّد نفسه بقلائد الحرم.
وقد ذكر بعض الشّعراء في شعره ما ذكرنا عمّن تأوّل القلائد أنّها قلائد لحاء شجر الحرم الّذي كان أهل الجاهليّة يتقلّدونه، فقال وهو يعيب رجلين قتلا رجلين كانا تقلّدا ذلك:.
ألم تقتلا الحرجين إذ أعوراكما = يمرّان بالأيدي اللّحاء المضفّرا
والحرجان: المقتولان كذلك. ومعنى قوله: أعوراكما: أمكناكما من عورتهما). [جامع البيان: 8/26-30]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا آمّين البيت الحرام}
يعني بقوله عزّ ذكره {ولا آمّين البيت الحرام} ولا تحلّوا قاصدين البيت الحرام العامديّة، تقول منه: أمّمت كذا: إذا قصدته وعمدته، وبعضهم يقول: يممته، كما قال الشّاعر:.
إنّي كذاك إذا ما ساءني بلدٌ = يمّمت صدر بعيري غيره بلدا
والبيت الحرام: بيت اللّه الّذي بمكّة.
وقد بيّنت فيما مضى لم قيل له الحرام.
{يبتغون فضلاً من ربّهم} يعني: يلتمسون أرباحًا في تجارتهم من اللّه {ورضوانًا} يقول: وأن يرضى اللّه عنهم بنسكهم.
وقد قيل: إنّ هذه الآية نزلت في رجلٍ من ربيعة يقال له الحطم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أقبل الحطم بن هندٍ البكريّ، ثمّ أحد بني قيس بن ثعلبة، حتّى أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وحده، وخلّف خيله خارجاً من المدينة، فدعاه فقال: إلام تدعو؟ فأخبره، وقد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأصحابه: يدخل اليوم عليكم رجلٌ من ربيعة، يتكلّم بلسان شيطانٍ فلمّا أخبره النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: انظروا لعلّي أسلم، ولي من أشاوره. فخرج من عنده، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لقد دخل بوجه كافرٍ، وخرج بعقب غادرٍ فمرّ بسرحٍ من سرح المدينة، فساقه، فانطلق به وهو يرتجز:
قد لفّها اللّيل بسوّاقٍ حطم = ليس براعي إبلٍ ولا غنم.
ولا بجزّارٍ على ظهر الوضم = باتوا نيامًا وابن هند لم ينم.
بات يقاسيها غلامٌ كالزّلم = خدلّج السّاقين ممسوح القدم
ثمّ أقبل من عامٍ قابلٍ حاجًّا قد قلّد وأهدى، فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبعث إليه، فنزلت هذه الآية، حتّى بلغ: {ولا آمّين البيت الحرام} قال له ناسٌ من أصحابه: يا رسول اللّه خلّ بيننا وبينه، فإنّه صاحبنا. قال: إنّه قد قلّد قالوا: إنّما هو شيءٌ كنّا نصنعه في الجاهليّة. فأبى عليهم، فنزلت هذه الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: قدم الحطم أخو بني ضبيعة بن ثعلبة البكريّ المدينة في عيرٍ له تحمل طعامًا، فباعه ثمّ دخل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبايعه، وأسلم. فلمّا ولّى خارجًا نظر إليه، فقال لمن عنده: لقد دخل عليّ بوجه فاجرٍ وولّى بقفا غادرٍ فلمّا قدم اليمامة ارتدّ عن الإسلام، وخرج في عيرٍ له تحمل الطّعام في ذي القعدة، يريد مكّة؛ فلمّا سمع به أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، تهيّأ للخروج إليه نفرٌ من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه في عيره، فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه} الآية، فانتهى القوم.
قال ابن جريجٍ: قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} قال: ينهى عن الحجّاج أن تقطع سبلهم. قال: وذلك أنّ الحطم قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليرتاد وينظر، فقال: إنّي داعية قومي وسيد قومي، فاعرض عليّ ما تقول. قال له: أدعوك إلى اللّه أن تعبده ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحجّ البيت قال الحطم: في أمرك هذا غلظةٌ، أرجع إلى قومي فأذكر لهم ما ذكرت، فإن قبلوه أقبلت معهم، وإن أدبروا كنت معهم. قال له: ارجع فلمّا خرج، قال: لقد دخل عليّ بوجه كافرٍ وخرج من عندي بقفا غادرٍ، وما الرّجل بمسلمٍ فمرّ على سرحٍ لأهل المدينة، فانطلق به فطلبه أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ففاتهم. وقدم اليمامة، وحضر الحجّ، فتجهّز خارجًا، وكان عظيم التّجارة، فاستأذنوا أن يتلقّوه ويأخذوا ما معه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} الآية، قال: هذا يوم الفتح جاء ناسٌ يأمّون البيت من المشركين، يهلّون بعمرة، فقال المسلمون: يا رسول اللّه، إنّما هؤلاء مشركون، فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلاّ أن نغير عليهم. فنزل القرآن: {ولا آمّين البيت الحرام}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ولا آمّين البيت الحرام} يقول: من توجّه حاجًّا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} يعني: الحاجّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: جلسنا إلى مطرّف بن الشّخّير وعنده رجلٌ، فحدّثهم فقال: {ولا آمّين البيت الحرام} قال: الّذين يريدون البيت
ثمّ اختلف أهل العلم فيما نسخ من هذه الآية بعد إجماعهم على أنّ منها منسوخًا، فقال بعضهم: نسخ جميعها.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن بيانٍ، عن عامرٍ، قال: لم ينسخ من المائدة إلاّ هذه الآية {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه} نسختها: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن بيانٍ عن الشّعبيّ، قال: لم ينسخ من سورة المائدة غير هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام} الآية، قال: منسوخٌ. قال: كان المشرك يومئذٍ لا يصدّ عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ولا عند البيت، فنسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {لا تحلّوا شعائر اللّه} إلى قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} قال: نسختها براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرعن الضّحّاك، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ: {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد} قال: هذا شيءٌ نهي عنه، فترك كما هو وقال ابن حميد في حديثه عن حبيب فقال شىء كان نهى عنه فنزلت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام} قال: هذا كلّه منسوخٌ، نسخ هذا ما أمره بجهادهم كافّةً.
وقال آخرون: الّذي نسخ من هذه الآية قوله: {ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام}.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، قال: قرأت على ابن أبي عروبة، فقال: هكذا سمعته من قتادة نسخ من المائدة: {آمّين البيت الحرام} نسختها براءة، قال اللّه: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر} وقال: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} وهو العام الّذي حجّ فيه أبو بكرٍ، فنادى على فيه بالأذان.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا همّام بن يحيى، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه} الآية، قال: فنسخ منها: {آمّين البيت الحرام} نسختها براءة، فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فذكر نحو حديث عبدة ألا أنه فيه يقال نادى يعنى قرأ عليهم سورة براءة.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: نزل في شأن الحطم: {ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام} ثمّ نسخه اللّه فقال: {اقتلوهم حيث ثقفتموهم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا تحلّوا شعائر اللّه} إلى قوله: {ولا آمّين البيت} وكان المومنون والمشركون يحجون البيت جميعًا، فنهى اللّه المؤمنين أن يمنعوا أحدًا أن يحجّ البيت أو يعرضوا له من مؤمنٍ أو كافرٍ، ثمّ أنزل اللّه بعد هذا: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} وقال: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه} وقال: {إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر} فنفى المشركين من المسجد الحرام.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام} الآية، قال: منسوخٌ، كان الرّجل في الجاهليّة إذا خرج من بيته يريد الحجّ، تقلّد من السّمر فلم يعرض له أحدٌ، وإذا رجع تقلّد قلادة شعرٍ فلم يعرض له أحدٌ، وكان المشرك يومئذٍ لا يصدّ عن البيت، وأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ولا عند البيت، فنسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}
وقال آخرون: لم ينسخ من ذلك شيءٌ إلاّ القلائد الّتي كانت في الجاهليّة يتقلّدونها من لحاء الشّجر.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام} الآية، قال أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا كلّه من عمل الجاهليّة، فعله وإقامته، فحرّم اللّه ذلك كلّه بالإسلام، إلاّ لحاء القلائد، فترك ذلك. {ولا آمّين البيت الحرام} فحرّم اللّه على كلّ أحدٍ إخافتهم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
وأولى الأقوال في ذلك بالصّحّة، قول من قال: نسخ اللّه من هذه الآية قوله: {ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام} لإجماع الجميع على أنّ اللّه قد أحلّ قتال أهل الشّرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السّنة كلّها، وكذلك أجمعوا على أنّ المشرك لو قلّد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانًا من القتل إذا لم يكن تقدّم له عقد ذمّةٍ من المسلمين أو أمانٌ.
وقد بيّنّا فيما مضى معنى القلائد في غير هذا الموضع.
وأمّا قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} فإنّه محتمل ظاهره: ولا تحلّوا حرمة آمّين البيت الحرام من أهل الشّرك والإسلام، لعموم جميع من أمّ البيت. وإذا احتمل ذلك، فكان أهل الشّرك داخلين في جملتهم، فلا شكّ أنّ قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ناسخٌ له، لأنّه غير جائزٍ اجتماع الأمر بقتلهم وترك قتلهم في حالٍ واحدةٍ ووقتٍ واحدٍ. وفي إجماع الجميع على أنّ حكم اللّه في أهل الحرب من المشركين قتلهم، أمّوا البيت الحرام أو البيت المقدّس في أشهر الحرم وغيرها، ما يعلم أنّ المنع من قتلهم إذا أمّوا البيت الحرام منسوخٌ، ومحتملٌ أيضًا: ولا آمّين البيت الحرام من أهل الشّرك، وأكثر أهل التّأويل على ذلك. وإن كان عني بذلك المشركون من أهل الحرب، فهو أيضًا لا شكّ منسوخٌ. وإذ كان ذلك كذلك وكان لا اختلاف في ذلك بينهم ظاهرٌ، وكان ما كان مستفيضًا فيهم ظاهر الحجّة، فالواجب وإن احتمل ذلك معنى غير الّذي قالوا، التّسليم لما استفاض بصحّته نقلهم). [جامع البيان: 8/30-40]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا}.
يعني بقوله: {يبتغون} يطلبون ويلتمسون. والفضل: الأرباح في التّجارة؛ والرّضوان: رضا اللّه عنهم، فلا يحلّ بهم من العقوبة في الدّنيا ما أحلّ بغيرهم من الأمم في عاجل دنياهم بحجّهم بيته
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا} قال: هم المشركون يلتمسون فضل اللّه ورضوانه فيما يصلح لهم دنياهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، قال: قرأت على ابن أبي عروبة، فقال: هكذا سمعته من قتادة في قوله: {يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا} والفضل، والرّضوان: اللّذان يبتغون أن يصلح معايشهم في الدّنيا، وأن لا يعجّل لهم العقوبة فيها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا} يعني: أنّهم يترضّون اللّه بحجّهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: جلسنا إلى مطرّف بن الشّخّير، وعنده رجلٌ، فحدّثهم في قوله: {يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا} قال: التّجارة في الحجّ، والرّضوان في الحجّ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي أميمة، قال: قال ابن عمر في الرّجل يحجّ، ويحمل معه متاعًا، قال: لا بأس به. وتلا هذه الآية: {يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا} قال: يبتغون الأجر والتّجارة). [جامع البيان: 8/40-42]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإذا حللتم من احرامكم فاصطادوا الصّيد الّذي نهيتكم أن تحلّوه وأنتم حرمٌ، يقول: فلا حرج عليكم في اصطياده واصطادوا إن شئتم حينئذٍ، لأنّ المعنى الّذي من أجله كنت حرّمته عليكم في حال إحرامكم قد زال
وبما قلنا في ذلك قال جميع أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن مجاهدٍ، أنّه قال: هي رخصةٌ. يعني قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن حجّاجٍ، عن القاسم، عن مجاهدٍ، قال: خمسٌ في كتاب اللّه رخصةٌ، وليست بعزمةٍ، فذكر: {وإذا حللتم فاصطادوا} قال: من شاء فعل، ومن شاء لم يفعل.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ، عن حجّاجٍ، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن مجاهدٍ: {وإذا حللتم فاصطادوا} قال: إذا حلّ، فإن شاء اصطاد، وإن شاء لم يصطد.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ابن جريجٍ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ: أنّه كان لا يرى الأكل من هدي المتعة واجبًا، وكان يتأوّل هذه الآية: {وإذا حللتم فاصطادوا} {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض}). [جامع البيان: 8/42-43]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يجرمنّكم}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولا يجرمنّكم} ولا يحملنّكم. كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} يقول: لا يحملنّكم شنآن قومٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} أي لا يحملنّكم.
وأمّا أهل المعرفة باللّغة، فإنّهم اختلفوا في تأويلها، فقال بعض البصريّين: معنى قوله: {ولا يجرمنّكم}: لا يحقّنّ لكم؛ لأنّ قوله: {لا جرم أنّ لهم النّار} هو حقٌّ أنّ لهم النّار.
وقال بعض الكوفيّين: معناه: لا يحملنّكم. وقال: يقال: جرمني فلانٌ على أن صنعت كذا وكذا: أي حملني عليه.
واحتجّ جميعهم ببيت الشّاعر:.
ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
فتأوّل ذلك كلّ فريقٍ منهم على المعنى الّذي تأوّله من القرآن، فقال الّذين قالوا: {لا يجرمنّكم} لا يحقّنّ لكم معنى قول الشّاعر: جرمت فزارة: أحقّت الطّعنة لفزارة الغضب.
وقال الّذين قالوا معناه: لا يحملنّكم: معناه في البيت: جرمت فزارة أن يغضبوا: حملت فزارة على أن يغضبوا.
وقال آخر من الكوفيّين: معنى قوله: {لا يجرمنّكم} لا يكسبنّكم شنآن قومٍ. وتأويل قائل هذا القول قول الشّاعر في البيت: جرمت فزارة: كسبت فزارة أن يغضبوا. قال: وسمعت العرب تقول: فلانٌ جريمة أهله، بمعنى: كاسبهم، وخرج يجرمهم: يكسبهم.
وهذه الأقوال الّتي حكيناها عمّن حكيناها عنه متقاربة المعنى؛ وذلك أنّ من حمل رجلاً على بغض رجلٍ فقد أكسبه بغضه، ومن أكسبه بغضه فقد أحقّه له.
فإذا كان ذلك كذلك، فالّذي هو أحسن في الإبانة عن معنى الحرف، ما قاله ابن عبّاسٍ وقتادة، وذلك توجيههما معنى قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ}الى ولا يحملنّكم شنآن قومٍ على العدوان
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {ولا يجرمنّكم} بفتح الياء من جرمته أجرمه.
وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفيّين، وهو يحيى بن وثّابٍ والأعمش، ما:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، أنّه قرأ: ولا يجرمنّكم مرتفعة الياء من أجرمته أجرمه وهو يجرمني
والّذي هو أولى بالصّواب من القراءتين، قراءة من قرأ ذلك: {ولا يجرمنّكم} بفتح الياء، لاستفاضة القراءة بذلك في قرّاء الأمصار وشذوذ ما خالفها، وأنّها اللّغة المعروفة السّائرة في العرب، وإن كان مسموعًا من بعضها: أجرم يجرم، على شذوذه، وقراءة القرآن بأفصح اللّغات أولى وأحقّ منها بغير ذلك ومن لغة من قال: جرمت، قول الشّاعر:.
يا أيّها المشتكي عكلا وما جرمت = إلى القبائل من قتلٍ وإبآس). [جامع البيان: 8/44-46]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {شنآن قومٍ}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: {شنآن} بتحريك الشّين والنّون إلى الفتح، بمعنى: بغض قومٍ توجيهًا منهم ذلك إلى المصدر الّذي يأتي على فعلان نظير الطّيران، والنّسلان، والعسلان، والرّملان.
وقرأ ذلك آخرون: شنآن قومٍ بتسكين النّون وفتح الشّين، بمعنى الاسم؛ توجيهًا منهم معناه إلى: لا يحملنّكم بغض قومٍ، فيخرج شنآن على تقدير فعلان، لأنّ فعل منه على فعل، كما يقال: سكران من سكر، وعطشان من عطش، وما أشبه ذلك من الأسماء
والّذي هو أولى القراءتين في ذلك بالصّواب، قراءة من قرأ: {شنآن} بفتح النّون محرّكةً، لتتائع تأويل أهل التّأويل على أنّ معناه: بغض قومٍ، وتوجيههم ذلك إلى معنى المصدر دون معنى الاسم. وإذ كان ذلك موجّهًا إلى معنى المصدر، فالفصيح من كلام العرب فيما جاء من المصادر على الفعلان بفتح الفاء تحريك ثانيه دون تسكينه، كما وصفت من قولهم: الدّرجان، والرّملان من درج ورمل، فكذلك الشّنآن من شنئته أشنؤه شنآنًا. ومن العرب من يقول: شنانٌ على تقدير فعالٍ، ولا أعلم قارئًا قرأ ذلك كذلك، ومن ذلك قول الشّاعر:.
وما العيش إلاّ ما يلذّ ويشتهى = وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
وهذا في لغة من ترك الهمز من الشّنآن، فصار على تقدير فعالٍ وهو في الأصل فعلانٌ ذكر من قال من أهل التّأويل: {شنآن قومٍ} بغض قومٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن} قومٍ لا يحملنّكم بغض قومٍ.
- وحدّثني به المثنّى مرّةً أخرى بإسناده، عن ابن عبّاسٍ، فقال: لا يحملنّكم عداوة قومٍ أن تعتدوا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} لا يجرمنّكم بغض قومٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} قال: بغضاؤهم أن تعتدوا). [جامع البيان: 8/47-49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل المدينة وعامّة قرّاء الكوفيّين: {أن صدّوكم} بفتح الألف من أن بمعنى: لا يجرمنّكم بغض قومٍ بصدّهم إيّاكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا.
وكان بعض قرّاء الحجاز والبصرة يقرأ ذلك: ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ إن صدّوكم بكسر الألف من إن بمعنى: ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ إن هم أحدثوا لكم صدًّا عن المسجد الحرام، أن تعتدوا. فزعموا أنّها في قراءة ابن مسعودٍ: إن يصدّكم فقراءة ذلك كذلك اعتبارًا بقراءته.
والصّواب من القول في ذلك عندي، أنّهما قراءتان معروفتان مشهورتان في قراءة الأمصار، صحيحٌ معنى كلّ واحدةٍ منهما. وذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صدّ عن البيت هو وأصحابه يوم الحديبية، وأنزلت عليه سورة المائدة بعد ذلك. فمن قرأ: {أن صدّوكم} بفتح الألف من أن فمعناه: لا يحملنّكم بغض قومٍ أيّها النّاس من أجل أن صدّوكم يوم الحديبية عن المسجد الحرام، أن تعتدوا عليهم. ومن قرأ: إن صدّوكم بكسر الألف، فمعناه: لا يجرمنّكم شنآن قومٍ إن صدّوكم عن المسجد الحرام إذا أردتم دخوله، لأنّ الّذين حاربوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من قريشٍ يوم فتح مكّة قد حاولوا صدّهم عن المسجد الحرام قبل أن يكون ذلك من الصّادّين. غير أنّ الأمر وإن كان كما وصفت، فإنّ قراءة ذلك بفتح الألف أبين معنًى، لأنّ هذه السّورة لا تدافع بين أهل العلم في أنّها نزلت بعد يوم الحديبية. وإذ كان ذلك كذلك، فالصّدّ قد كان تقدّم من المشركين، فنهى اللّه المؤمنين عن الاعتداء على الصّادّين من أجل صدّهم إيّاهم عن المسجد الحرام.
وأمّا قوله: {أن تعتدوا} فإنّه يعني: أن تجاوزوا الحدّ الّذي حدّه اللّه لكم في أمرهم.
فتأويل الآية إذن: ولا يحملنّكم بغض قومٍ لأن صدّوكم عن المسجد الحرام أيّها المؤمنون أن تعتدوا حكم اللّه فيهم فتجاوزوه إلى ما نهاكم عنه، ولكن الزموا طاعة اللّه فيما أحببتم وكرهتم.
وذكر أنّها نزلت في النّهي عن الطّلب بذحول الجاهليّة.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أن تعتدوا} رجلٌ مؤمنٌ من حلفاء محمّدٍ، قتل حليفًا لأبي سفيان من هذيلٍ يوم الفتح بعرفة، لأنّه كان يقتل حلفاء محمّدٍ، فقال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: لعن اللّه من قتل بذحل الجاهليّة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- وقال آخرون: هذا منسوخٌ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن تعتدوا} قال: بغضاؤهم، حتّى تأتوا ما لا يحلّ لكم. وقرأ {أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا} وتعاونوا، قال: هذا كلّه قد نسخ، نسخه الجهاد.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول مجاهدٍ: إنّه غير منسوخٍ لاحتماله أن تعتدوا الحقّ فيما أمرتكم به. وإذا احتمل ذلك، لم يجز أن يقال: هو منسوخٌ، إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها). [جامع البيان: 8/49-52]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} وليعن بعضكم أيّها المؤمنون بعضًا على البرّ، وهو العمل بما أمر اللّه بالعمل به {والتّقوى} هو اتّقاء ما أمر اللّه باتّقائه واجتنابه من معاصيه.
وقوله: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} يعني: ولا يعن بعضكم بعضًا على الإثم، يعني: على ترك ما أمركم اللّه بفعله. {والعدوان} يقول: ولا على أن تتجاوزوا ما حدّ اللّه لكم في دينكم، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم.
وإنّما معنى الكلام: ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، ولكن ليعن بعضكم بعضًا بالأمر بالانتهاء إلى ما حدّه اللّه لكم في القوم الّذين صدّوكم عن المسجد الحرام وفي غيرهم، والانتهاء عمّا نهاكم اللّه أن تأتوا فيهم وفي غيرهم وفي سائر ما نهاكم عنه، ولا يعن بعضكم بعضًا على خلاف ذلك.
وبما قلنا في البرّ والتّقوى قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} البرّ: ما أمرت به، والتّقوى: ما نهيت عنه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} قال: البرّ: ما أمرت به، والتّقوى: ما نهيت عنه). [جامع البيان: 8/52-53]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب}
وهذا وعيدٌ من اللّه جلّ ثناؤه وتهددٌ لمن اعتدى حدّه وتجاوز أمره. يقول عزّ ذكره: {واتّقوا اللّه} يعني: واحذروا اللّه أيّها المؤمنون أن تلقوه في معادكم وقد اعتديتم حدّه فيما حدّ لكم وخالفتم أمره فيما أمركم به أو نهيه فيما نهاكم عنه، فتستوجبوا عقابه وتستحقّوا أليم عذابه ثمّ وصف عقابه بالشّدّة، فقال عزّ ذكره: إنّ اللّه شديدٌ عقابه لمن عاقبه من خلقه، لأنّها نارٌ لا يطفأ حرّها، ولا يخمد جمرها، ولا يسكن لهبها. نعوذ باللّه منها ومن عملٍ يقرّب إليها). [جامع البيان: 8/53]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال القلائد اللحاء في رقاب الناس والبهائم أمان لهم وهي من الشعائر والشعائر الهدي والقلائد والصفا والمروة والبدن هذا كله من شعائر الله وذلك لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون هذا من عمل الجاهلية فعله وإقامته وأحل ذلك كله بالإسلام إلا القلائد اللحاء فإنه ترك). [تفسير مجاهد: 183-184]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح في قوله ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم يعني التجارة ورضوانا يعني الأجر حرم الله على كل أحد إخافتهم). [تفسير مجاهد: 184]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أن تعتدوا قال ذلك لأن رجلا مؤمنا من حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم قتل حليفا لأبي سفيان من هذيل يوم الفتح بعرفة لأنه كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله من قتل بذحل الجاهلية). [تفسير مجاهد: 184-185]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {لا تحلوا شعائر الله} قال: كان المشركون يحجون البيت الحرام ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة المشاعر وينحرون في حجهم فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله {لا تحلوا شعائر الله} وفي قوله {ولا الشهر الحرام} يعني لا تستحلوا قتالا فيه {ولا آمين البيت الحرام} يعني من توجه قبل البيت فكان
المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعا فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا يحج البيت أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعد هذا {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} التوبة الآية 28 وفي قوله {يبتغون فضلا} يعني إنهم يترضون الله بحجهم {ولا يجرمنكم} يقول: لا يحملنكم {شنآن قوم} يقول: عداوة قوم {وتعاونوا على البر والتقوى} قال: البر، ما أمرت به {والتقوى} ما نهيت عنه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: شعائر الله ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم والهدى ما لم يقلدوا القلائد مقلدات الهدي {ولا آمين البيت الحرام} يقول: من توجه حاجا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {لا تحلوا شعائر الله} قال: مناسك الحج.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {لا تحلوا شعائر الله} قال: معالم الله في الحج.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عطاء انه سئل عن شعائر الحج فقال: حرمات الله اجتناب سخط الله واتباع طاعته فذلك شعائر الله.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير والنحاس في ناسخه عن قتادة في قوله {أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام} قال: منسوخ كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد وإذا تقلد بقلادة شعر لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فأمر الله أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولا عند البيت ثم نسخها قوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} التوبة الآية 5.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: نسخ منها {آمين البيت الحرام} نسختها الآية التي في براءة {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر}
التوبة الآية 17 وقال {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} التوبة الآية 28 وهو العام الذي حج فيه أبو بكر بالأذان.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله {لا تحلوا شعائر الله} الآية
قال: نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} التوبة الآية 5.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك، مثله.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم فنزلت {لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد}.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {لا تحلوا شعائر الله} قال: القلائد، اللحاء في رقاب الناس والبهائم أمانا لهم والصفا والمروة والهدي والبدن كل هذا من شعائر الله قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هذا كله عمل أهل الجاهلية فعله وإقامته فحرم الله ذلك كله بالإسلام إلا اللحاء القلائد ترك ذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في الآية قال: أما القلائد، فإن أهل الجاهلية كانوا ينزعون من لحاء السمر فيتخذون منها قلائد يأمنون بها في الناس فنهى الله عن ذلك أن ينزع من شجر الحرم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {ولا الشهر الحرام} قال: هو ذو القعدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم أناس من المشركون من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا فانزل الله {ولا يجرمنكم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال: إلام تدعو فأخبره وقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان فلما أخبره النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: انظروا لعلي أسلم ولي من أشاوره فخرج من عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر فمر بسرح من سرح المدينة فساقه ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد وأهدى فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه فنزلت هذه الآية حتى بلغ {ولا آمين البيت الحرام} فقال الناس من أصحابه: يا رسول الله خل بيننا وبينه فإنه صاحبنا، قال: انه قد قلد قالوا: إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية فأبى عليهم فنزلت هذه الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: قدم الحطم بن هند البكري المدينة في عير له تحمل طعاما فباعه ثم دخل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبايعه وأسلم فلما ولى خارجا نظر إليه فقال لمن عنده لقد دخل علي بوجه فاجر وولى بقفا غادر فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام وخرج في عير له تحمل الطعام في ذي القعدة يريد مكة فلما سمع به أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم تهيأ للخروج إليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه في عيره فانزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} الآية، فانتهى القوم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولا آمين البيت الحرام} قال: هذا يوم الفتح جاء الناس يؤمون البيت من المشركين يهلون بعمرة فقال المسلمون: يا رسول الله إنما هؤلاء مشركون فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم فنزل القرآن {ولا آمين البيت الحرام}.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} قال: يبتغون الأجر والتجارة حرم الله على كل أحد إخافتهم.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} قال: هي للمشركين يلتمسون فضل الله ورضوانا نماء يصلح لهم دنياهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: خمس آيات في كتاب الله رخصة وليست بعزمة {وإذا حللتم فاصطادوا} إن شاء اصطاد وإن شاء لم يصطد {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} الجمعة الآية 10، {أو على سفر فعدة من أيام أخر} البقرة الآية 184 {فكلوا منها وأطعموا} الحج الآية 28.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: خمس آيات من كتاب الله رخصة وليست بعزيمة {فكلوا منها وأطعموا} الحج الآية 28 فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل {وإذا حللتم فاصطادوا} فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل {ومن كان مريضا أو على سفر} البقرة الآية 184 فمن شاء صام ومن شاء افطر {فكاتبوهم إن علمتم} النور الآية 33 إن شاء كاتب وإن شاء لم يفعل {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} الجمعة الآية 10 إن شاء انتشر وإن شاء لم ينتشر.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ولا يجرمنكم شنآن قوم} قال: لا يحملنكم بغض قوم.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله {ولا آمين البيت الحرام} قال: الذين يريدون الحج {يبتغون فضلا من ربهم} قال: التجارة في الحج {ورضوانا} قال: الحج {ولا يجرمنكم شنآن قوم} قال: عداوة قوم {وتعاونوا على البر والتقوى} قال: البر، ما أمرت به والتقوى، ما نهيت عنه.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد في هذه الآية والبخاري في تاريخه عن وابصة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه فقال لي يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه أم تسأل قلت: يا رسول الله أخبرني قال: جئت لتسأل عن البر والإثم ثم جمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك استفت نفسك البر: ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والإثم: ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن النواس بن سمعان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال ما حاك في نفسك فدعه قال: فما الإيمان قال: من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن مسعود قال: الإثم حواز القلوب.
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: الإثم حواز القلوب فإذا حز في قلب أحدكم شيء فليدعه.
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإثم حواز القلوب وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع.
وأخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من رجل ينعش لسانه حقا يعمل به إلا أجرى عليه أجره إلى يوم القيامة ثم بوأه الله ثوابه يوم القيامة.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن داود عليه السلام قال فيما يخاطب ربه عز وجل: يا رب أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك قال: يا داود أحب عبادي إلي نقي القلب نقي الكفين لا يأتي إلى أحد سوءا ولا يمشي بالنميمة تزول الجبال ولا يزول أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي قال: يا رب إنك لتعلم إني أحبك وأحب من يجبك فكيف أحببك إلى عبادك قال: ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي يا داود إنه ليس من عبد يعين مظلوما أو يمشي معه في مظلمته إلا أثبت قدميه يوم تزل الأقدام.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة.
وأخرج ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله.
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقا فقد برئ من ذمة الله ورسوله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع.
وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن أوس ابن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم ولكنها الحسنات والسيئات ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال.
وأخرج البيهقي من طريق فسيلة، أنها سمعت أباها وهو واثلة بن الاسقع يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن المعصية أن يحب الرجل قومه قال لا ولكن من المعصية أن يعين الرجل قومه على الظلم
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشى مع قوم يرى أنه شاهد وليس بشاهد فهو شاهد زور ومن أعان على خصومة بغير علم كان في سخط الله حتى ينزع وقتال المسلم كفر وسبابه فسوق.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعان قوما على ظلم فهو كالبعير المتردي فهو ينزع بذنبه، ولفظ الحاكم: مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل البعير يتردى فهو يمد بذنبه). [الدر المنثور: 5/163-174]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (شعائر الله) (2) واحدتها شعيرة وهي الهدايا، ويدلك على ذلك قوله: (حتّى يبلغ الهدى محلّه) (2/196)، وأصلها من الإشعار وهو أن يقلّد، أو يحلل أو يطعن شقّ سنامها الأيمن بحديدة ليعلمها بذلك أنّها هدية، وقال الكميت:
نقتّلهم جيلاً فجيلاً تراهم=شعائر قربانٍ بها يتقرّب
الجيل والقرن واحد، ويقال: إن شعائر الله ها هنا المشاعر؛ الصّفا والمروة ونحو ذلك.
(ولا آمّين البيت الحرام) (2) ولا عامدين، ويقال: أممت. وتقديرها هممت خفيفة. وبعضهم يقول: يمّمت، وقال:
إنّي كذاك إذا ما ساءني بلدٌ=يمّمت صدر بعيري غيره بلدا
(ولا يجرمنّكم شنئان قومٍ) (2) مجازه: ولا يحملنّكم ولا يعدينّكم، وقال:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً=جمعت فزارة بعدما أن يغضبوا
ومجاز (شنئان قومٍ) أي بغضاء قوم، وبعضهم يحرّك حروفها، وبعضهم يسكّن النون الأولى كما قال الأحوص:
وما العيش إلاّ ما تلذّ وتشتهى=وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
وبعضهم يقول: (شنان قومٍ) تقديره (أبان)، ولا يهمزه، وهو مصدر شنيت، وله موضع آخر معناه: شنئت حقك أقررت به وأخرجته من عندي كما قال العجّاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم=وشنئوا الملك لملكٍ ذي قدم
شنئوا الملك: أخرجوه وأدّوه وسلّموا إليه. (وقدم). قال الله تبارك وتعالى: (أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم) (10/2) قدم: منزلة ورفعة، وقدم من القديم، وقدم إذا تقدم أمامه، وقال الفرزدق:
ولو كان في دينٍ سوى ذا شنئتم=لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه). [مجاز القرآن: 1/146-148]

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن وأبي عمرو وأهل مكة {ولا يجرمنكم} من جرم يجرم؛ أي لا يحملنكم شنآن.
الأعمش "يجرمنكم" من أجرم يجرم إجرامًا، قال الشاعر:
ألا لا يجرمنكم فطوري = وكفي عنكم أن تقصبوني.
أي تشتموني.
يقال: لا يفطر فلان عن شتم الناس؛ أي لا يكف.
الحسن وأبو عمرو {ولا يجرمنكم شنآن قوم} بالتحريك؛ وكذلك قراءة شيبة ونافع وأبي جعفر؛ وقد حكي عن أهل المدينة {شنآن قوم} بإسكان النون؛ وسنخبر عما فيها في الغريب؛ إن شاء الله.
الحسن {شنئان قوم إن صدوكم} بالكسر.
الأعرج {أن صدوكم} بالفتح؛ كأنه لأن صدوكم، والمكسور "إن" الجزاء). [معاني القرآن لقطرب: 476]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {آمين البيت الحرام} فالفعل أممت القوم، أأمهم أما؛ أي صليت بهم.
وأما قوله عز وجل {من ربهم ورضوانا}، ولغة أخرى "رضوانا" بضم الراء.
وأما قوله عز وجل {ولا يجرمنكم شنآن قوم} فالفعل فيه: شنئت الرجل شنئا وشنئا وشنوءًا وشنئانًا وشنئًا؛ كل هذا مصدر شنئت؛ وهو البغض له؛ وقالوا: رجل شنئان، وامرأة شنئان بغير هاء؛ وقال بعضهم: رجل شنئان، وامرأة شنئى، مثل سكران وسكرى، وقالوا رجل منشنأ، مقصور مهموز على مفعل). [معاني القرآن لقطرب: 489]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وأنتم حرم}: محرمون واحدها حرام.
2- {ولا آمين البيت الحرام}: عامدين إليه.
2- {يجرمنكم}: يحملنكم.
2- {والشنآن}: البغض).[غريب القرآن وتفسيره: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكذا {شعائر اللّه} ما جعله علما لطاعته. واحدها شعيرة مثل الحرم. يقول: لا تحلّوه فتصطادوا فيه، وأشباه ذلك.
{ولا الشّهر الحرام} فتقاتلوا فيه.
{ولا الهدي} وهو ما أهدي الى البيت. وهو من الشّعائر. وإشعاره أن يقلّد ويجلّل ويطعن في سنامه ليعلم بذلك أنه هدي. يقول: فلا تستحلوه قبل أن يبلغ محلّه.
{ولا القلائد} وكان الرجل يقلّد بعيره من لحاء شجر الحرم فيأمن بذلك حيث سلك.
{ولا آمّين البيت الحرام} يعني العامدين إلى البيت. واحدهم آمّ.
{يبتغون فضلًا من ربّهم} أي يريدون فضلا من اللّه أي رزقا بالتجارة.
{ورضواناً} بالحج {وإذا حللتم} أي خرجتم من إحرامكم {فاصطادوا} على الإباحة.
{ولا يجرمنّكم} أي لا يكسبنكم. يقال: فلان جارم أهله: أي كاسبهم. وكذلك جريمتهم. وقال الهذليّ ووصف عقابا:
جريمة ناهض في رأس نيق ترى لعظام ما جمعت صليبا
والناهض: فرخها. يقول هي تكسب له وتأتيه بقوته.
{شنآن قومٍ} أي: بعضهم يقال: شنأته أشنؤه: إذا أبغضته.
يقول: لا يحملنكم بغض قوم نازلين بالحرم على أن تعتدوا فتستحلوا حرمة الحرم). [تفسير غريب القرآن: 138-140]
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه...}
كانت عامّة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فأنزل الله تبارك وتعالى: لا تستحلّوا ترك ذلك.
وقوله: {ولا الشّهر الحرام}: ولا القتال في الشهر الحرام.
{ولا الهدي} وهو هدي المشركين: أن تعرضوا له ولا أن تخيفوا من قلّد بعيره. وكانت العرب إذا أرادت أن تسافر في غير أشهر الحرم قلّد أحدهم بعيره، فيأمن بذلك، فقال: لا تخيفوا من قلّد. وكان أهل مكّة يقلّدون بلحاء الشجر، وسائر العرب يقلّدون بالوبر والشعر.
وقوله: {ولا آمّين البيت} يقول: ولا تمنعوا من أمّ البيت الحرام أو أراده من المشركين. ثم نسخت هذه الآية التي في التوبة {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم} إلى آخر الآية.
وقوله: {ولا يجرمنّكم} قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش: ولا يجرمنّكم، من أجرمت، وكلام العرب وقراءة القرّاء {يجرمنكم} بفتح الياء. جاء التفسير: ولا يحملنّكم بغض قوم. قال الفرّاء: وسمعت العرب تقول: فلان جريمة أهله، يريدون: كاسب لأهله، وخرج يجرمهم: يكسب لهم. والمعنى فيها متقارب: لا يكسبنّكم بغض قوم أن تفعلوا شرّا. فـ (أن) في وضع تصب. فإذا جعلت في (أن) (على) ذهبت إلى معنى: لا يحملنّكم بغضهم على كذا وكذا، على أن لا تعدلوا، فيصلح طرح (على)؛ كما تقول: حملتني أن أسال وعلى أن أسأل.
{ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} وقد ثقّل الشنآن بعضهم، وأكثر القرّاء على تخفيفه. وقد روى تخفيفه وتثقيله عن الأعمش؛ وهو: لا يحملنكم بغض قوم، فالوجه إذا كان مصدرا أن يثقّل، وإذا أردت به بغيض قوم قلت: شنآن.
و{أن صدّوكم} في موضع نصب لصلاح الخافض فيها. ولو كسرت على معنى الجزاء لكان صوابا. وفي حرف عبد الله (إن يصدّوكم) فإن كسرت جعلت الفعل مستقبلا، وإن فتحت جعلته ماضيا. وإن جعلته جزاء بالكسر صلح ذلك كقوله: {أفنضرب عنكم الذّكر صفحاً إن كنتم} وأن، تفتح وتكسر. وكذلك {أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان} تكسر. ولو فتحت لكان صوابا، وقوله: {باخعٌ نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين} [فيه] الفتح والكسر.
وأمّا قوله: {بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان} فـ (أن) مفتوحة؛ لأنّ معناها ماضٍ؛ كأنك قلت: منّ عليكم أن هداكم. فلو نويت الاستقبال جاز الكسر فيها. والفتح الوجه لمضيّ أوّل الفعلين. فإذا قلت: أكرمتك أن أتيتني، لم يجز كسر أن؛ لأنّ الفعل ماضٍ.
وقوله: {وتعاونوا} هو في موضع جزم. لأنها أمر، وليست بمعطوفة على {تعتدوا}). [معاني القرآن للفراء: 1/298-300]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربّهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنئان قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)

الشعائر واحدتها شعيرة، ومعناه ما أشعر أي أعلم ليهدى إلى بيت اللّه الحرام.
وقال قوم: شعائر الله يعنى به جميع متعبدات اللّه التي أشعرها اللّه.
أي جعلها أعلاما لنا.
(ولا الهدي)
الهدي واحدته هدية مثل جدية وجدي يعني حدبة السّرج.
و (القلائد) كانوا يقلدون بلحاء الشجر ويعتصمون بذلك وهذا كله كان للمشركين، وكان قد أمر المسلمون بأن لا يحلوا هذه الأشياء التي يتقرب بها المشركون إلى الله وكذلك (ولا آمّين البيت الحرام) وهذا كله منسوخ.
وكذلك (ولا الشهر الحرام) وهو المحرم لأن القتال كان مرفوعا فيه، فنسخ جميع ذلك قوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد).
وقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا).
هذا اللفظ أمر ومعناه الإباحة، لأن اللّه عزّ وجل حرم الصيد على المحرم، وأباحه له إذا حلّ من إحرامه، ليس أنه واجب عليه إذا حلّ أن يصطاد، ومثله قوله: (فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه) تأويله أنه أبيح لكم بعد الفراغ من الصلاة، ومثل ذلك في الكلام: لا تدخلن هذه الدار حتى تودي ثمنها، فإذا أديت فادخلها، تأويله فإذا أديت فقد أبيح لك دخولها.
وقوله: (ولا يجرمنّكم شنئان قوم).
أي لا يحملنكم بغض قوم، يقال شنئته شنآنا معناه أبغضته إبغاضا.
والشنآن مصدر مثل غلى غليانا، ونزا نزوانا، فالمعنى لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا.
وموضع " أن " نصب، أي تعتدوا لأن صدوكم عن المسجد الحرام فموضع أن الأولى نصب مفعول له، وموضع أن الثانية نصب مفعول به.
المعنى لا يكسبنكم بغض قوم أي بغضكم قوما الاعتداء بصدهم إيّاكم عن المسجد الحرام يقال: فلان جريمة أهله أي هو كاسبهم.
وقيل في التفسير: لا يحملنكم بغض قوم، والمعنى واحد.
وقال الأخفش: لا يحقّنّ لكم بغض قوم.
وهذه ألفاظ مختلفة والمعنى واحد.
وقوله عزّ وجلّ: (وتعاونوا على البرّ والتّقوى).
وهذا كله منسوخ إلا التعاون من المسلمين على البر). [معاني القرآن: 2/142-144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله}
قال أبو عبيدة: الشعائر الهدايا الواحدة شعيرة وقال غيره شعيرة بمعنى مشعرة.
وقال الأصمعي: أشعرتها أعلمتها.
وروى الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: (إنما أشعرت ليعلم أنها بدنة).
وقال مجاهد: شعائر الله الصفا والمروة والحرم والمعنى على هذا القول لا تحلوا الصيد في الحرم والتقدير لا تحلوا لأنفسكم شعائر الله.
ومن قال بأنها: البدن فالآية عنده منسوخة.
قال الشعبي: ليس في المائدة آية منسوخة إلا {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} وكذلك قال قتادة وقال نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وكانوا قبل قد منعوا من قتالهم في الشهر إذا كانوا آمين البيت الحرام). [معاني القرآن: 2/250-251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا الشهر الحرام} وهو رجب). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا الهدي} واحد الهدي هدية). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا القلائد} قال الضحاك وعطاء كانوا يأخذون من شجر الحرم فلا يقربون إذا رئي عليهم). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا آمين البيت الحرام} الأم القصد أي لا تستحلوا منع القاصدين البيت الحرام ويجوز أن يكون المعنى لا تحلوا قصد الآمين ثم حذف). [معاني القرآن: 2/251-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا}
قال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: يبتغون الأجر والتجارة). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإذا حللتم فاصطادوا} وهذا إباحة بعد حظر وليس بحتم). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}
قال أبو عبيدة: ولا يجرمنكم لا يكسبنكم وأنشد:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة=جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وقال الأخفش: ولا يحقنكم.
وقال الفراء: ولا يحملنكم.
وهذه المعاني متقاربة؛ لأن من حمل رجلا على إبغاض رجل فقد أكسبه إبغاضه فإذا كان الأمر كذلك فالذي هو أحسن أن يقال ما قاله ابن عباس وقتادة قالا: أي لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان
وقرأ الأعمش (ولا يجرمنكم) بضم الياء.
قال الكسائي: جرم يجرم وأجرم يجرم بمعنى واحد الفتح في هذا أكثر والضم في الجناية أكثر والشنآن الإبغاض ويقرأ (شنئان) بإسكان النون وليس بالحسن لأن المصادر لا تكاد تكون على فعلان.
وقرأ أبو عمرو (إن صدوكم) بكسر الهمزة بمعنى الشرط.
وروي عن الأعمش أنه قرأ (إن يصدوكم) وهو لحن عند النحويين؛ لأن إن إذا جزمت لم يتقدم جوابها.
والمعنى على قراءة من فتح ولا يجرمنكم شنآن قوم؛ لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، ومن كسر فالمعنى عنده إن فعلوا هذا والمعنى على الفتح؛ لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 2/252-255]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (شَنئانُ قَوْمٍ) أي: عداوة قوم، ويسكن - أيضا). [ياقوتة الصراط: 207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولا آمِّينَ} أي عامدين، والواحد آمٌ، وأصله آمِمٌ.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} أي بغض قوم، أي لا يحملنكم بغضهم على العدوان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 67]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَعَائِرَ}: علامات.
2- {الْهَدْيَ}: الإبل الذي يهدى إلى البيت.
2- {الْقَلائِدَ}: أن يقلد البعير من ورق الشجر فلا يعرض له
2- {آمِّينَ}: قاصدين
2- {يَجْرِمَنَّكُمْ}: يكسبنكم
2- {شَنَانُ}: بغض). [العمدة في غريب القرآن: 117-118]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 11:00 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
كيف الزيارة والمخاوف دونكم = ولكم أمير شناءة لا يربع
قوله شناءة يعني بغضا يقال فلان يشنأ فلانا إذا أبغضه وشنآن قوم بغض قوم). [نقائض جرير والفرزدق: 964]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: شنئت الرجل أشنأه شنأ وشنأنا [وشنآنا]
وشنئا ومشنأة إذا أبغضته). [كتاب الهمز: 14-15]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

يوما طواعك في القياد وتارة = تلقاك تنكرها من الشنآن
...
والشنآن: البغض). [شرح ديوان كعب بن زهير: 215]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: عهدي به شاباً وإنه يومئذ يفخر، أي: وهذه حاله. ولو قلت: أنه جاز على بعد. كأنك قلت: عهدي به شاباً وبفخره. وكذلك لو قلت: رأيت زيداً عاقلاً فإذا إنه أحمق، وكنت أراه حراً فإذا إنه عبد، ولو قلت: أنه جاز. كأنك قلت: ظننته حراً فإذا العبودية أمره.
فأما قوله: {لا جرم أن لهم النار}. فـ أن مرتفعة بجرم، ومعناها: والله أعلم - حق أن لهم النار؛ كما قال عز وجل: {ولا يجرمنكم شنآن قوم} أي: لا يحقنكم.
قال الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طـعـنةً = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
).
[المقتضب: 2/350-351] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أنه قد يجوز لك أن تحذف النون والتنوين من التي تجري مجرى الفعل، ولا يكون الاسم إلا نكرة وإن كانا مضافاً إلى معرفة؛ لأنك إنما تحذف النون استخفافاً. فلما ذهب النون عاقبتها الإضافة، والمعنى معنى ثبات النون. فمن ذلك قول الله عز وجل: {هدياً بالغ الكعبة} فلو لم ترد التنوين لم يكن صفة لهدي وهو نكرة. ومن ذلك قوله تعالى: {هذا عارض ممطرنا} و{ثاني عطفه}؛ لأنه نصب على الحال، ولا تكون الحال إلا نكرة.
ومن ذلك قول الله عز وجل: {إنا مرسلو الناقة} فإنما هذه حكاية قول الله عز وجل قبل إرسالها.
وكذلك {إلا آتي الرحمن عبداً} و{كل نفس ذائقة الموت} ومن نون قال: (آتٍ الرحمن عبداً)، و(ذائقةٌ الموت)؛ كما قال عز وجل: {ولا آمين البيت الحرام}. وهذا هو الأصل، وذاك أخف وأكثر، إذ لم يكن ناقضاً لمعنى، وكلاهما في الجودة سواء). [المقتضب: 4/149-150] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والشنآن: البغض والعداوة وهو مصدر والشنآن اسم، وقد قرئ بهما جميعًا قال الله عز وجل: {ولا يجرمنكم شَنَآن قومٍ} وشَنْآن). [شرح المفضليات: 700]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 04:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 04:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه خطاب للمؤمنين حقا أن لا يتعدوا حدود الله
في أمر من الأمور. والشعائر جمع شعيرة أي قد أشعر الله أنها حده وطاعته فهي بمعنى معالم الله، واختلفت عبارة المفسرين في المقصود من الشعائر الذي بسببه نزل هذا العموم في الشعائر فقال السدي شعائر اللّه حرم الله، وقال ابن عباس شعائر اللّه مناسك الحج. وكان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون وينحرون ويعظمون مشاعر الحج فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله تعالى: لا تحلّوا شعائر اللّه وقال ابن عباس أيضا شعائر اللّه ما حد تحريمه في الإحرام. وقال عطاء بن أبي رباح: شعائر اللّه جميع ما أمر به أو نهى عنه، وهذا هو القول الراجح الذي تقدم. وقال ابن الكلبي كان عامة العرب لا يعدون الصفا والمروة من الشعائر وكانت قريش لا تقف بعرفات فنهوا بهذه الآية، وقوله تعالى: ولا الشّهر الحرام اسم مفرد يدل على الجنس في جميع الأشهر الحرم وهي كما قال النبي عليه السلام ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وإنما أضيف إلى مضر لأنها كانت تختص بتحريمه. وتزيل فيه السلاح، وتنزع الأسنة من الرماح، وتسميه منصل الأسنة وتسميه الأصم من حيث كان لا يسمع فيه صوت سلاح، وكانت العرب مجمعة على ذي القعدة وذي الحجة والمحرم وكانت تطول عليها الحرمة وتمتنع من الغارات ثلاثة أشهر فلذلك اتخذت النسيء وهو أن يحل لها ذلك المتكلم نعيم بن ثعلبة وغيره المحرم يحرم بدله صفرا فنهى الله عن ذلك بهذه الآية وبقوله: إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر [التوبة: 37] وجعل المحرم أول شهور السنة من حيث كان الحج والموسم غاية العام وثمرته فبذلك يكمل ثم يستأنف عام آخر ولذلك والله علم دوّن به عمر بن الخطاب الدواوين فمعنى قوله تعالى: ولا الشّهر الحرام أي لا تحلوه بقتال ولا غارة ولا تبديل فإن تبديله استحلال لحرمته..
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والأظهر عندي أن الشهر الحرام أريد به رجب ليشتد أمره لأنه إنما كان مختصا بقريش ثم فشا في مضر، ومما يدل على هذا قول عوف بن الأحوص:
وشهر بني أمية والهدايا = إذا حبست مضرجها الدماء
قال أبو عبيدة أراد رجبا لأنه شهر كانت مشايخ قريش تعظمه فنسبه إلى بني أمية ذكر هذا الأخفش في المفضليات وقد قال الطبري المراد في هذه الآية رجب مضر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فوجه هذا التخصيص هو كما قد ذكرت أن الله تعالى شدد أمر هذا الشهر إذ كانت العرب غير مجمعة عليه، وقال عكرمة: المراد في هذه الآية ذو القعدة من حيث كان أولها، وقولنا فيها «أول» تقريب وتجوز أن الشهور دائرة فالأول إنما يترتب بحسب نازلة أو قرينة ما مختصة بقوم.
وقوله تعالى: ولا الهدي ولا القلائد أما الهدي فلا خلاف أنه ما أهدي من النعم إلى بيت الله وقصدت به القربة فأمر الله أن لا يستحل ويغار عليه، واختلف الناس في القلائد فحكى الطبري عن ابن عباس أن القلائد هي الهدي المقلد وأن الهدي إنما يسمى هديا ما لم يقلد فكأنه قال ولا «الهدي» الذي يقلد والمقلد منه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الذي قال الطبري تحامل على ألفاظ ابن عباس وليس يلزم من كلام ابن عباس أن الهدي إنما يقال لما لم يقلد وإنما يقتضي أن الله نهى عن استحلال الهدي جملة ثم ذكر
المقلد منه تأكيدا ومبالغة في التنبيه على الحرمة في التقليد، وقال جمهور الناس: الهدي عام في أنواع ما أهدي قربة والقلائد ما كان الناس يتقلدونه أمنة لهم، قال قتادة: كان الرجل في الجاهلية إذا خرج يريد الحج تقلد من السمر قلادة فلم يعرض له أحد بسوء إذ كانت تلك علامة إحرامه وحجه وقال عطاء وغيره: بل كان الناس إذا خرجوا من الحرم في حوائج لهم تقلدوا من شجر الحرم ومن لحائه فيدل ذلك على أنهم من أهل الحرم أو من حجاجه فيأمنون بذلك فنهى الله تعالى عن استحلال من تحرم بشيء من هذه المعاني.
وقال مجاهد وعطاء: بل الآية نهي للمؤمنين عن أن يستحلوا أخذ القلائد من شجر الحرم كما كان أهل الجاهلية يفعلون، وقاله الربيع بن أنس عن مطرف بن الشخير وغيره، وقوله تعالى: ولا آمّين البيت الحرام معناه ولا تحلوهم فتغيروا عليهم ونهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن أن يعمدوا للكفار القاصدين البيت الحرام على جهة التعبد والقربة وكل ما في هذه الآية من نهي عن مشرك أو مراعاة حرمة له بقلادة أو أم البيت ونحوه فهو كله منسوخ بآية السيف في قوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] وروي أن هذه الآية نزلت بسبب الحطم بن هند البكري أخي بني ضبيعة بن ثعلبة وذلك أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه: «يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان» فجاء الحطم فخلف خيله خارجة من المدينة ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما عرض رسول الله عليه السلام ودعاه إلى الله قال: أنظر ولعلي أسلم وأرى في أمرك غلظة ولي من أشاوره.
فخرج فقال النبي عليه السلام «لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر»، فمر بسرح من سرح المدينة فساقه وانطلق به وهو يقول:
قد لفها الليل بسواق حطم = ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على ظهر وضم = باتوا نياما وابن هند لم ينم
بات يقاسيها غلام كالزلم = خدلج الساقين خفاق القدم
ثم أقبل الحطم من عام قابل حاجا وساق هديا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه.
وخف إليه ناس من أصحاب النبي عليه السلام، فنزلت هذه الآية، قال ابن جريج: هذه الآية نهي عن الحجاج أن تقطع سبلهم، ونزلت الآية بسبب الحطم فذكر نحوه، وقال ابن زيد: نزلت الآية عام الفتح ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، جاء أناس من المشركين يحجون ويعتمرون، فقال المسلمون يا رسول الله، إنما هؤلاء مشركون فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم، فنزل القرآن ولا آمّين البيت الحرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكل ما في هذه الآية مما يتصور في مسلم حاج فهو معكم، وكل ما كان منها في الكفار فهو منسوخ، وقرأ ابن مسعود وأصحابه «ولا آمي البيت» بالإضافة إلى البيت وقوله تعالى: يبتغون فضلًا من ربّهم ورضواناً قال فيه جمهور المفسرين معناه يبتغون الفضل في الأرباح في التجارة ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم، وقال قوم إنما الفضل والرضوان في الآية في معنى واحد وهو رضا الله وفضله بالرحمة والجزاء، فمن العرب من كان يعتقد جزاء بعد الموت، وأكثرهم إنما كانوا يرجون الجزاء والرضوان في الدنيا والكسب وكثرة الأولاد ويتقربون رجاء الزيادة في هذه المعاني وقرأ الأعمش «ورضوانا» بضم الراء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه الآية استئلاف من الله تعالى للعرب ولطف بهم لتنبسط النفوس ويتداخل الناس ويردون الموسم فيسمعون القرآن ويدخل الإيمان في قلوبهم وتقوم عندهم الحجة كالذي كان وهذه الآية نزلت عام الفتح ونسخ الله تعالى ذلك كله بعد عام سنة تسع إذ حج أبو بكر ونودي الناس بسورة براءة.
قوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)
جاءت إباحة الصيد عقب التشدد في حرم البشر حسنة في فصاحة القول، وقوله تعالى: فاصطادوا صيغة أمر ومعناه الإباحة بإجماع من الناس، واختلف العلماء في صيغة أفعل إذا وردت ولم يقترن بها بيان واضح في أحد المحتملات، فقال الفقهاء: هي على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك، وقال المتكلمون هي على الوقف حتى تطلق القرينة ولن يعرى أمر من قرينة، وقال قوم هي على الإباحة حتى يدل الدليل، وقال قوم: هي على الندب حتى يدل الدليل وقول الفقهاء أحوطها وقول المتكلمين أقيسها وغير ذلك ضعيف. ولفظة أفعل قد تجيء للوجوب كقوله أقيموا الصّلاة، وقد تجيء للندب كقوله: وافعلوا الخير [الحج: 77] وقد تجيء للإباحة كقوله فاصطادوا وابتغوا من فضل اللّه فانتشروا في الأرض [العنكبوت: 17]، ويحتمل الابتغاء من فضل الله أن يكون ندبا، وقد تجيء للوعيد كقوله اعملوا ما شئتم [فصلت: 40] وقد تجيء للتعجيز كقوله كونوا حجارةً [الإسراء: 50]
وقرأ أبو واقد والجراح ونبيح والحسن بن عمران «فاصطادوا» بكسر الفاء وهي قراءة مشكلة ومن توجيهها أن يكون راعى كسر ألف الوصل إذ بدأت فقلت: اصطادوا فكسر الفاء مراعاة وتذكرا لكسرة ألف الوصل، وقوله تعالى: ولا يجرمنّكم معناه ولا يكسبنكم وجرم الرجل معناه كسب ويتعدى إلى مفعولين كما يتعدى كسب، وفي الحديث: وتكسب المعدوم، قال أبو علي: وأجرم بالألف عرفه الكسب في الخطايا والذنوب، وقال الكسائي جرم وأجرم لغتان بمعنى واحد أي كسب وقال قوم يجرمنّكم معناه يحق لكم كما أن لا جرم أنّ لهم النّار [النحل: 62] معناه حق لهم أن لهم النار وقال ابن عباس يجرمنّكم معناه يحملنكم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه كلها أقوال تتقارب بالمعنى فالتفسير الذي يخص اللفظة هو معنى الكسب ومنه قول الشاعر: [أبو خراش الهذلي]:
جريمة ناهض في رأس نيق = ترى لعظام ما جمعت صليبا
معناه كاسب قوت ناهض، ويقال فلان جريمة قومه إذا كان الكاسب لهم، وقرأ ابن مسعود وغيره
«يجرمنكم» بضم الياء والمعنى أيضا لا يكسبنكم وأما قول الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
فمعناه كسبت فزارة بعدها الغضب وقد فسر بغير هذا مما هو قريب منه وقوله تعالى: شنآن قومٍ قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «شنآن» متحركة النون، وقرأ ابن عامر «شنآن» ساكنة النون، واختلف عن عاصم ونافع، يقال شنئت الرجل شنأ بفتح الشين وشنآنا بفتح النون وشنآنا بسكون النون والفتح أكثر كل ذلك إذا أبغضته، قال سيبويه: كل ما كان من المصادر على فعلان بفتح العين لم يتعد فعله إلا أن يشذ شيء كالشنآن وإنما عدي شنئت من حيث كان أبغضت كما عدي الرفث ب «إلى» من حيث كان بمعنى الإفضاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فأما من قرأ «شنآن» بفتح النون فالأظهر فيه أنه مصدر كأنه قال لا يكسبنكم بغض قوم من أجل أن صدوكم عدوانا عليهم وظلما لهم والمصادر على هذا الوزن كثيرة كالنزوان والغليان والطوفان والجريان وغيره، ويحتمل «الشنان» بفتح النون أن يكون وصفا فيجيء المعنى ولا يكسبنكم بغض قوم أو بغضاء قوم عدوانا ومما جاء على هذا الوزن صفة قولهم: حمار قطوان إذا لم يكن سهل السير وقولهم عدو وصمان أي ثقيل كعدو الشيخ ونحوه إلى غير هذا مما ليس في الكثرة كالمصادر ومنه ما أنشده أبو زيد:
وقبلك ما هاب الرجال ظلامتي = وفقأت عين الأشوس الأبيان
بفتح الباء وأما من قرأ «شنآن» بسكون النون فيحتمل أن يكون مصدرا وقد جاء المصدر على هذا الوزن في قولهم لويته دينه ليانا، وقول الأحوص:
... ... ... ... = وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
إنما هو تخفيف من «شنآن» الذي هو مصدر بسكون النون لأنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الساكن هذا هو التخفيف القياسي، قال أبو علي: من زعم أن فعلان إذا أسكنت علينه لم يك مصدرا فقد أخطأ، وتحتمل القراءة بسكون النون أن يكون وصفا فقد حكي: رجل شنآن وامرأة شنآنة وقياس هذا أنه من فعل غير متعد وقد يشتق من لفظ واحد فعل متعد وفعل واقف فيكون المعنى ولا يكسبنكم بغض قوم أو بغضاء قوم عدوانا وإذا قدرت اللفظة مصدرا فهو مصدر مضاف إلى المفعول، ومما جاء وصفا على فعلان ما حكاه سيبويه من قولهم خمصان ومن ذلك قولهم ندمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومنه رحمان وهذه الآية نزلت عام الفتح حين أراد المؤمنون أن يستطيلوا على قريش وألفافها من القبائل المتظاهرين على صد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية وذلك سنة ست من الهجرة فحصلت بذلك بغضة في قلوب المؤمنين وحسيكة للكفار فقيل للمؤمنين عام الفتح وهو سنة ثمان لا يحملنكم ذلك البغض أو أولئك البغضاء من أجل أن صدوكم على أن تعتدوا عليهم إذ لله فيهم إرادة خير وفي علمه أن منهم من يؤمن كالذي كان، وحكى المهدوي عن قوم أنها نزلت عام الحديبية لأنه لما صد المسلمون عن البيت مر بهم قوم من أهل نجد يريدون البيت فقالوا نصد هؤلاء كما صددنا فنزلت الآية، وقرأ أبو عمرو وابن كثير «إن صدوكم» بكسر الهمزة وقرأ الباقون «أن صدوكم» بفتح الهمزة إشارة إلى الصد الذي وقع وهذه قراءة الجمهور وهي أمكن في المعنى وكسر الهمزة معناه إن وقع مثل ذلك في المستقبل. وقرأ ابن مسعود «أن يصدوكم» وهذه تؤيد قراءة أبي عمرو وابن كثير.
ثم أمر الله تعالى الجميع بالتعاون على البرّ والتّقوى قال قوم: هما لفظان بمعنى وكرر باختلاف اللفظ تأكيدا ومبالغة إذ كل بر تقوى وكل تقوى بر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا تسامح ما والعرف في دلالة هذين اللفظين أن البر يتناول الواجب والمندوب إليه والتقوى رعاية الواجب فإن جعل أحدهما بدل الآخر فبتجوز ثم نهى تعالى عن التعاون على الإثم وهو الحكم اللاحق عن الجرائم وعن العدوان وهو ظلم الناس، ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجملا بشدة العقاب وروي أن هذه الآية نزلت نهيا عن الطلب بذحول الجاهلية إذ أراد قوم من المؤمنين ذلك، قاله مجاهد. وقد قتل بذلك حليف لأبي سفيان من هذيل). [المحرر الوجيز: 3/85-94]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه} قال ابن عبّاسٍ: يعني بذلك مناسك الحجّ.
وقال مجاهدٌ: الصّفا والمروة والهدي والبدن من شعائر اللّه.
وقيل: شعائر اللّه محارمه [الّتي حرّمها] أي: لا تحلّوا محارم اللّه الّتي حرّمها تعالى؛ ولهذا قال [تعالى] {ولا الشّهر الحرام} يعني بذلك تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى اللّه عن تعاطيه فيه من الابتداء بالقتال وتأكيد اجتناب المحارم، كما قال تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} [البقرة: 217]، وقال تعالى: {إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا [في كتاب اللّه يوم خلق السّماوات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم]} الآية. [التّوبة: 36].
وفي صحيح البخاريّ: عن أبي بكرة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض، السّنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حرم، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان".
وهذا يدلّ على استمرار تحريمها إلى آخر وقتٍ، كما هو مذهب طائفةٍ من السّلف.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ولا الشّهر الحرام} يعني: لا تستحلّوا قتالًا فيه. وكذا قال مقاتل بن حيّان، وعبد الكريم بن مالكٍ الجزريّ، واختاره ابن جريرٍ أيضًا، وقد ذهب الجمهور إلى أنّ ذلك منسوخٌ، وأنّه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم، واحتجّوا بقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التّوبة:5] قالوا: والمراد أشهر التّسيير الأربعة، [ {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}] قالوا: فلم يستثن شهرًا حرامًا من غيره.
وقد حكى الإمام أبو جعفرٍ [رحمه اللّه] الإجماع على أنّ اللّه قد أحلّ قتال أهل الشّرك في الأشهر الحرم، وغيرها من شهور السّنة، قال: وكذلك أجمعوا على أنّ المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم، لم يكن ذلك له أمانًا من القتل، إذا لم يكن تقدّم له عقد ذمّةٍ من المسلمين أو أمانٍ ولهذه المسألة بحثٌ آخر، له موضعٌ أبسط من هذا.
[و] قوله: {ولا الهدي ولا القلائد} يعني: لا تتركوا الإهداء إلى البيت؛ فإنّ فيه تعظيمًا لشعائر اللّه، ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميّز به عمّا عداها من الأنعام، وليعلم أنّها هديٌ إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوءٍ، وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها، فإنّ من دعا إلى هديٍ كان له من الأجر مثل أجور من اتّبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا؛ ولهذا لمّا حج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بات بذي الحليفة، وهو وادي العقيق، فلمّا أصبح طاف على نسائه، وكنّ تسعًا، ثمّ اغتسل وتطيّب وصلّى ركعتين، ثمّ أشعر هديه وقلّده، وأهلّ بالحجّ والعمرة وكان هديه إبلًا كثيرةً تنيف على السّتّين، من أحسن الأشكال والألوان، كما قال تعالى: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب} [الحجّ:32].
قال بعض السّلف: إعظامها: استحسانها واستسمانها.
وقال عليّ بن أبي طالبٍ: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نستشرف العين والأذن. رواه أهل السّنن
وقال مقاتل بن حيّان: {ولا القلائد} فلا تستحلّوا وكان أهل الجاهليّة إذا خرجوا من أوطانهم في غير الأشهر الحرم قلّدوا أنفسهم بالشّعر والوبر، وتقلّد مشركو الحرم من لحاء شجر الحرم، فيأمنون به.
رواه ابن أبي حاتمٍ، ثمّ قال: حدّثنا محمّد بن عمّار، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نسخ من هذه السّورة آيتان: آية القلائد، وقوله: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة:42].

وحدّثنا المنذر بن شاذّان، حدّثنا زكريّا بن عديّ، حدّثنا محمّد بن أبي عديّ، عن ابن عون قال: قلت للحسن: نسخ من المائدة شيءٌ؟ قال: لا.
وقال عطاءٌ: كانوا يتقلّدون من شجر الحرم، فيأمنون، فنهى اللّه عن قطع شجره. وكذا قال مطرّف بن عبد اللّه.
وقوله: {ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربّهم ورضوانًا} أي: ولا تستحلّوا قتال القاصدين إلى بيت اللّه الحرام، الّذي من دخله كان آمنًا، وكذا من قصده طالبًا فضل اللّه وراغبًا في رضوانه، فلا تصدّوه ولا تمنعوه ولا تهيّجوه.
قال مجاهدٌ، وعطاءٌ، وأبو العالية، ومطرّف بن عبد اللّه، وعبد اللّه بن عبيد بن عمير، والربيع بن أنسٍ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان في قوله: {يبتغون فضلا من ربّهم} يعني بذلك: التّجارة.
وهذا كما تقدّم في قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} [البقرة: 198]
وقوله: {ورضوانا} قال ابن عبّاسٍ: يترضّون اللّه بحجّهم.
وقد ذكر عكرمة، والسّدّي، وابن جريجٍ: أنّ هذه الآية نزلت في الحطم بن هندٍ البكريّ، كان قد أغار على سرح المدينة، فلمّا كان من العام المقبل اعتمر إلى البيت، فأراد بعض الصّحابة أن يعترضوا في طريقه إلى البيت، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربّهم ورضوانًا}.
وقد حكى ابن جريرٍ الإجماع على أنّ المشرك يجوز قتله، إذا لم يكن له أمانٌ، وإن أمّ البيت الحرام أو بيت المقدس؛ فإنّ هذا الحكم منسوخٌ في حقّهم، واللّه أعلم. فأمّا من قصده بالإلحاد فيه والشّرك عنده والكفر به، فهذا يمنع كما قال [تعالى] {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التّوبة: 28] ولهذا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عام تسعٍ -لمّا أمّر الصّدّيق على الحجيج-عليّا، وأمره أن ينادي على سبيل النّيابة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببراءةٍ، وألّا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوفنّ بالبيت عريان.
وقال [عليّ] بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} يعني من توجّه قبل البيت الحرام، فكان المؤمنون والمشركون يحجّون البيت الحرام، فنهى اللّه المؤمنين أن يمنعوا أحدًا يحجّ البيت أو يعرضوا له من مؤمنٍ أو كافرٍ، ثمّ أنزل اللّه بعدها: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التّوبة: 28] وقال تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه} [التّوبة: 17] وقال [تعالى]: {إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر} [التّوبة: 18] فنفى المشركين من المسجد الحرام.
وقال عبد الرّزّاق: حدّثنا معمر، عن قتادة في قوله: {ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام} قال: منسوخٌ، كان الرّجل في الجاهليّة إذا خرج من بيته يريد الحجّ تقلّد من الشّجر، فلم يعرض له أحدٌ، وإذا رجع تقلّد قلادةً من شعرٍ فلم يعرض له أحدٌ. وكان المشرك يومئذٍ لا يصدّ عن البيت، فأمروا ألّا يقاتلوا في الشّهر الحرام ولا عند البيت، فنسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التّوبة: 5]..
وقد اختار ابن جريرٍ أنّ المراد بقوله: {ولا القلائد} يعني: إن تقلدوا قلادةً من الحرم فأمّنوه، قال: ولم تزل العرب تعير من أخفر ذلك، قال الشّاعر:
ألم تقتلا الحرجين إذ أعورا لكم = يمرّان الأيدي اللّحاء المضفّرا
وقوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} أي: إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه، فقد أبحنا لكم ما كان محرّمًا عليكم في حال الإحرام من الصّيد. وهذا أمرٌ بعد الحظر، والصّحيح الّذي يثبت على السّبر: أنّه يردّ الحكم إلى ما كان عليه قبل النّهي، فإن كان واجبًا ردّه واجبًا، وإن كان مستحبًّا فمستحبٌّ، أو مباحًا فمباحٌ. ومن قال: إنّه على الوجوب، ينتقض عليه بآياتٍ كثيرةٍ، ومن قال: إنّه للإباحة، يردّ عليه آياتٌ أخر، والّذي ينتظم الأدلّة كلّها هذا الّذي ذكرناه، كما اختاره بعض علماء الأصول، واللّه أعلم.
وقوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا} ومن القرّاء من قرأ: "أن صدّوكم" بفتح الألف من "أن" ومعناها ظاهرٌ، أي: لا يحمّلنكم بغض قومٍ قد كانوا صدّوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية، على أن تعتدوا [في] حكم اللّه فيكم فتقتصّوا منهم ظلمًا وعدوانًا، بل احكموا بما أمركم اللّه به من العدل في كلّ أحدٍ. وهذه الآية كما سيأتي من قوله تعالى: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى} [المائدة: 8] أي: لا يحملنّكم بغض أقوامٍ على ترك العدل، فإنّ العدل واجبٌ على كلّ أحدٍ، في كلّ أحدٍ في كلّ حالٍ.
وقال بعض السّلف: ما عاملت من عصى اللّه فيك بمثل أن تطيع اللّه فيه، والعدل به قامت السّموات والأرض.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سهل بن عثمان حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحديبية وأصحابه حين صدّهم المشركون عن البيت، وقد اشتدّ ذلك عليهم، فمرّ بهم أناسٌ من المشركين من أهل المشرق، يريدون العمرة، فقال أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: نصدّ هؤلاء كما صدّنا أصحابهم. فأنزل اللّه هذه الآية.
والشّنآن هو: البغض. قاله ابن عبّاسٍ وغيره، وهو مصدرٌ من شنأته أشنؤه شنآنًا، بالتّحريك، مثل قولهم: جمزان، ودرجان ورفلان، من جمز، ودرج، ورفل. قال ابن جريرٍ: من العرب من يسقط التّحريك في شنآن، فيقول: شنّان. قال: ولم أعلم أحدًا قرأ بها، ومنه قول الشّاعر:
وما العيش إلّا ما تحبّ وتشتهى = وإن لام فيه ذو الشنّان وفنّدا
وقوله: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البرّ، وترك المنكرات وهو التّقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل.
والتّعاون على المآثم والمحارم.
قال ابن جريرٍ: الإثم: ترك ما أمر اللّه بفعله، والعدوان: مجاوزة ما حدّ اللّه في دينكم، ومجاوزة ما فرض عليكم في أنفسكم وفي غيركم.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم، حدّثنا عبيد اللّه بن أبي بكر بن أنسٍ، عن جدّه أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا". قيل: يا رسول اللّه، هذا نصرته مظلومًا، فكيف أنصره إذا كان ظالمًا؟ قال: "تحجزه تمنعه فإنّ ذلك نصره".
انفرد به البخاريّ من حديث هشيم به نحوه وأخرجاه من طريق ثابتٍ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا". قيل: يا رسول اللّه، هذا نصرته مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: "تمنعه من الظّلم، فذاك نصرك إيّاه".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا سفيان بن سعيدٍ، عن يحيى بن وثّاب، عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "المؤمن الّذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرًا من الّذي لا يخالط النّاس ولا يصبر على أذاهم".
وقد رواه أحمد أيضًا في مسند عبد اللّه بن عمر: حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا شعبة عن الأعمش، عن يحيى بن وثّابٍ، عن شيخٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، [قال الأعمش: هو ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم] أنّه قال:"المؤمن الّذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الّذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم".
وهكذا رواه التّرمذيّ من حديث شعبة، وابن ماجه من طريق إسحاق بن يوسف، كلاهما عن الأعمش، به.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن محمّدٍ أبو شيبة الكوفيّ، حدّثنا بكر بن عبد الرّحمن، حدّثنا عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى، عن فضيل بن عمرٍو، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الدّالّ على الخير كفاعله". ثمّ قال: لا نعلمه يروى إلّا بهذا الإسناد.
قلت: وله شاهدٌ في الصّحيح: "من دعا إلى هديٍ كان له من الأجر مثل أجور من اتّبعه إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من اتّبعه إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا".
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريقٍ الحمصيّ، حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن الحارث، عن عبد اللّه بن سالمٍ، عن الزّبيديّ، قال عبّاس بن يونس: إنّ أبا الحسن نمران بن مخمر حدّثه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من مشى مع ظالمٍ ليعينه، وهو يعلم أنّه ظالمٌ، فقد خرج من الإسلام"). [تفسير القرآن العظيم: 3/9-14]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة