سورة الجن
[ من الآية (19) إلى الآية (28) ]
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يكونون عليه لبدًا)
روى هشام بن عمار عن سويد، وأيوب عن يحيى بن الحارث عن ابن عامر (لبدًا) بضم اللام.
وقرأ سائر القراء (لبدًا) بكسر اللام.
قال أبو منصور: من قرأ (لبدًا) فهو جمع لبدة ولبدٍ.
ومن قرأ (لبدًا) فهو جمع لبدة.
وهما بمعنى واحد: يركب بعضهم بعضًا لحرصهم على استماع الوحي، حتى كادوا أن يسقطوا عليه صلى الله عليه.
وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقًا شديدًا فقد لبّدته وألبدته). [معاني القراءات وعللها: 3/98]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدًا} [19]
قرأ ابن عامر وحده برواية هشام {لبدا} على وزن غرف.
وقرأ الباقون: {لبدًا} مثل كسر، لبدة ولبد ولبدة ولبد.
وحدثني أحمد عن على عن أبي عبيد أن أبا جعفر قرأ {لبدا} بالتشديد، قال: هو جمع لابد ولبد مثل راكع وركع، ومعناه: أن الجن لشغفهم بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعجابهم أحسن ما سمعوا أرادوا أن يشتملوا عليه ويجتمعوا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/402]
قال أبو عبيدة: كادوا يكونون عليه لبدا أي: جماعات واحدها: لبدة، وكذلك يقال [للجراد] إذا كثر، قال عبد مناف:
صابوا بستة أبيات واربعة = حتى كأن عليهم [جابئا] لبدا
وقال الفراء: أراه {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} يريد: النبي عليه السلام ليلة أتاه الجن ببطن نخلة: {كادوا يكونون عليه لبدا} قال: يركبون النبي عليه السلام رغبة في القرآن وشهرة له.
وقرأ ابن محيصن وعام الجحدري: {لبدا} بضم اللام وفتح الباء.
وروي عن الجحدري {لبدا}.
وروي عن هارون {لبدا} بضمتين مثل ثمر. ففيه أربع قراءات على هذا، لبدًا، ولبدًا، ولبدًا، وقال بعضهم: لبدًا مثل أسد، وأسد ويقال: أسد ذو لبدة: إذ تلبد شعره بين كتفيه، وركب بعضه بعضًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/403]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير وأبو عمرو: قل أوحي إلي أنه [1]، وأن لو استقاموا [16] وأن المساجد لله [18]، وأنه لما قام عبد الله [19] أربعة أحرف بالفتح.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر كما قرأ إلّا قوله: وإنه لما قام عبد الله فإنهما كسراه. المفضل عن عاصم مثل أبي بكر.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي كلّ ذلك بالفتح إلا ما جاء بعد قول، أو بعد فاء جزاء. حفص عن عاصم مثل حمزة.
أما قوله: وأن لو استقاموا فإنّه يجوز فيه أمران: أحدهما: أن تكون المخفّفة من الثقيلة، فيكون محمولا على الوحي، كأنه: أوحي إليّ أن لو استقاموا، وفصل لو بينهما وبين الفعل كفصل السين، ولا في قوله: أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وعلم أن سيكون منكم مرضى [المزمّل/ 20].
[الحجة للقراء السبعة: 6/330]
والآخر: أن يكون قبل لو بمنزلة اللام في قوله: لئن لم ينته المنافقون لنغرينك بهم [الأحزاب/ 60]، وقوله: وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن [الأعراف/ 23] فتلحق مرّة، وتسقط أخرى، لأن لو* بمنزلة فعل الشرط، فكما لحقت اللام زائدة قبل إن الداخل على فعل الشرط، كذلك لحقت أن* هذه قبل لو*.
ومعنى وأن لو استقاموا على الطريقة قد قيل فيه قولان:
أحدهما: لو استقاموا على طريقة الهدى، والآخر: لو استقاموا على طريقة الكفر.
ويستدلّ على القول الأول بقوله: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل، وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم [المائدة/ 66]، وقوله: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا [الأعراف/ 96].
ويستدلّ على القول الآخر بقوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة [الزخرف/ 33].
وأما قوله: وأن المساجد لله [الجنّ/ 18]، فزعم سيبويه أن المفسّرين حملوه على: أوحي* كأنه: وأوحي إليّ أن المساجد لله، ومذهب الخليل أنه على قوله: ولأن المساجد لله فلا تدعوا، كما أن قوله: أن هذه أمتكم أمة واحدة* [الأنبياء/ 92] على قوله: ولأن هذه
[الحجة للقراء السبعة: 6/331]
أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون، أي: لهذا فاعبدوني، ومثله في قول الخليل: لإيلاف قريش [قريش/ 1] كأنه: لهذا فليعبدوا.
فأمّا المساجد فقيل فيها: إنها بيوت العبادة، أي: لا تشركوا فيها الأوثان مع الله في العبادة، وقيل: إن المساجد المواضع التي يسجد بها الساجد، فقال سيبويه: ولو قرئ: وإن المساجد لله لكان جيدا.
وأمّا قوله: وأنه لما قام عبد الله [الجن/ 19] فيكون على: أوحي إليّ، ويكون على أن يقطع من قوله: أوحي* ويستأنف به، كما جوز سيبويه القطع من أوحي في قوله: وأن المساجد لله فعلى هذا تحمل قراءة نافع وعاصم: وإنه لما قام عبد الله فكسرا همزة إن*، فأما قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي كلّ ذلك بالفتح، فإنه على الحمل على أوحي*، ويجوز أن يكون على غيره، كما حمل المفسرون:
وأن المساجد لله على الوحي، وحمله الخليل على ما ذكرناه عنه، فأما ما جاء من ذلك بعد قول أو حكاية، فكما حكي قوله: قال الله إني منزلها عليكم [المائدة/ 115] ويا مريم إن الله اصطفاك [آل عمران/ 42] وكذلك ما جاء بعد فاء الجزاء، لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء، فلذلك حمل سيبويه قوله: ومن عاد فينتقم الله منه [المائدة/ 95]، ومن كفر فأمتعه قليلا [البقرة/ 126]، من يؤمن بربه فلا يخاف [الجن/ 13] على أن المبتدأ فيها مضمر، ومثال ذلك في هذه السورة قوله: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم [الجنّ/ 23] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/332] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أبو علي: وجه من قال أن ذكر الغيبة قد تقدّم، وهو قوله: وأنه لما قام عبد الله [الجن/ 19] قال: إنما أدعوا على الغيبة التي قبلها.
ومن قال: قل فلأن بعده مثله وهو قوله: قل إنني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا [الجن/ 21]، قل إنني لن يجيرني من الله أحد [الجن/ 22]. قل إن أدري أقريب [الجن/ 25].
هشام بن عمّار عن ابن عامر: لبدا* [الجن/ 19] بضمّ اللام، ابن ذكوان عن ابن عامر: لبدا بكسر اللام، وكذلك الباقون.
أبو عبيدة: كادوا يكونون عليه لبدا أي: جماعات، واحدها
[الحجة للقراء السبعة: 6/333]
لبدة، قال: وكذلك يقال للجراد الكثير، قال عبد مناف بن ربع: صابوا بستّة أبيات وأربعة حتّى كأنّ عليهم جابيا لبدا قال: الجابي: الجراد، لأنه يجبي كلّ شيء يأكله، وقال قتادة في قوله: يكونون عليه لبدا تلبّد الجن والإنس على هذا الأم ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه. وقال غيره: كاد الجن لما سمعوا قراءة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يسقطون عليه. وما روي عن ابن عامر: لبدا* فإن اللّبد الكثير، من قوله: أهلكت مالا لبدا [البلد/ 6]، وكأنه قيل له: لبدا، لركوب بعضه على بعض، ولصوق بعضه ببعض لكثرته، فكأنه أراد: كادوا يلصقون به من شدّة دنوهم للإصغاء والاستماع مع كثرتهم، فيكون على هذا قريب المعنى من قوله: لبدا إلّا أن لبدا أعرف بهذا المعنى وأكثر). [الحجة للقراء السبعة: 6/334]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري والحسن، بخلاف: [لُبَّدًا]، مشددة.
قال أبو الفتح: هذا وصف على فعل: كالجباء، والزمل، واللبد: الكثير يركب بعضه بعضا، حتى يتبلد من كثرته.
ابن مجاهد: وروى عن عاصم الجحدري؛: [لُبُدًا]، بضم اللام والباء.
قال أبو الفتح: هذا من الأوصاف التي جاءت على فعل، كرجل طلق، ناقة سرح). [المحتسب: 2/334]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كادوا يكونون عليه لبدا}
قرأ هشام {لبدا} بضم اللّام جمع لبدة مثل غرفة وغرف
وقرأ الباقون لبدا وهو جمع لبدة مثل كسرة وكسر). [حجة القراءات: 729]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {لبدا} قرأه هشام بضم اللام، على معنى الكثرة، من قوله تعالى: {أهلكت مالًا لبدا} «البلد 6» فحمله على معنى: كادت الجن إذا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن يركب بعضهم بعضًا ويلصق بعضهم بعضا لشدة دنوهم منه للإصغاء والاستماع، فـ «لبد» بالضم واحد، يدل على الكثرة، وقرأ الباقون بكسر اللام جعلوه جمع «لبدة» وهي الجماعة، فالمعنى: كادوا يكونون عليه جماعات، وقد فسره قتادة على غير هذا المعنى، قال: تبلد الجن والإنس على هذا الأمر
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/342]
ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره، وروي أنها نزلت في اجتماع الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة، يستعمون القرآن، كادوا يسقطون عليه لتزاحمهم عليه، وقد قيل: إنما عنى به أن الجن أخبرت من غاب منهم، فقالوا: إن محمدًا لما قام يدعو الله كاد أصحابه يكونون عليه لبد، أي: يتراكبون عليه طوعًا له، فيكون ذلك إخبارًا عن قول الجن لأصحابهم تعجبًا مما رأوا من طاعة أصحاب محمد له واتباعهم له). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/343]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {لُبَدًا} [آية/ 19] بضم اللام:
قرأها ابن عامر –ث- برواية يحيى.
والوجه أن اللبد بضم اللام: الكثير، قال الله تعالى {أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا}، وإنما قيل للكثير لبد لركوب بعضه بعضًا ولصوقه به وهو من
[الموضح: 1306]
التلبد، كأنه أراد أن الجن لما سمعوا قراءة النبي (صلى الله عليه وسلم) كادوا يلصقون به لدنوهم منه للاستماع، أو يلصق بعضهم ببعض من الكثرة.
وقرأ الباقون {لِبَدًا} بكسر اللام.
والوجه أنه جمع لبدة وهي الجماعة، مأخوذة من التلبد أيضًا على ما سبق، والمعنى كالذي ذكرناه.
وقال قتادة: المعنى أن الجن والإنس تلبدوا أي اجتمعوا ليردوا هذا الأمر ويبطلوه فأبى الله إلا أن يمضيه ويظهره، والأول أشهر). [الموضح: 1307]
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل إنّما أدعو ربّي).
قرأ عاصم وحمزة (قل إنّما أدعو ربّي) بضم القاف، على الأمر.
وقرأ نافع وابن كثيرٍ ابن عامر وأبو عمرو والكسائي (قال إنّما أدعو ربّي). بفتح، القاف.
قال أبو منصور: من قرأ (قل) فهو أمر من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن قرأ (قال) فهو إخبار من الله عن الرسول أنه قال ذلك). [معاني القراءات وعللها: 3/98]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {قل إنما أدعوا ربي} [20].
قرأ عاصم وحمزة {قل} على الأمر.
وقرأ الباقون: {قال} على الخبر، والأمر بينهما قريب.
فحدثني ابن مجاهد عن سلمان البصري عن أبي حاتم عن يعقوب قال أبو عمرو: ما أبالي كيف قرأت (قل) أو (قال).
قال أبو عبد الله: لأن الله تعالى لما أمره فقال: (قل) ثم فعل المأمور ما أمر به أخبر عنه، فقيل: {قال إنما أدعو ربي} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/402]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ عاصم وحمزة: قل إنما أدعو ربي [الجن/ 20] بغير ألف، وقرأ الباقون: قال*. أبو الربيع عن أبي زيد عن أبي عمرو: قل بغير ألف مثل حمزة). [الحجة للقراء السبعة: 6/333]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل إنّما أدعو ربّي ولا أشرك به أحدا}
قرأ عاصم وحمزة {قل إنّما أدعو} على الأمر وحجتهما إجماع الجميع على ما بعده على الأمر وهو قوله {قل إنّي لا أملك لكم ضرا ولا رشدا} 21 و{قل إنّي لن يجيرني من الله أحد} 2 فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى
وقرأ الباقون (قال) على الخبر وحجتهم أن ذكر الغيبة قد تقدم
[حجة القراءات: 729]
وهو قوله {وأنه لما قام عبد الله} قال {إنّما أدعو} على الغيبة الّتي قبلها). [حجة القراءات: 730]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {قل إنما أدعو} قرأه عاصم وحمزة {قل} بغير ألف على الأمر، حملًا على ما أتى بعده من لفظ الأمر في قوله: {قل إني لا أملك} «21»، {قل إني لن يجيرني} «22»، {قل إن أدري} «25» فلما تتابع لفظ الأمر فيما بعده حملاه على ذلك، فردّا صدر الكلام على مثال أوسطه وآخره، وقرأ الباقون بألف على لفظ الخبر والغيبة حملًا على ما قبله من الخبر والغيبة من قوله: {وأنه لما قام عبد الله}، والتقدير: لما قام عبد الله قال إنما أدعو. وأيضًا فإن قبله شرطًا يحتاج إلى جواب، فـ «قال» جوابه، ولا يكون جوابه {قل}، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو} [آية/ 20] بغير ألف:-
قرأها عاصم وحمزة.
والوجه أنه على الأمر للنبي صلى الله عليه (وسلم) وفاقًا لما بعده من قوله {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ}.
وقرأ الباقون {قُلْ إِنَّمَا} بالألف.
والوجه أنه على الإخبار عن محمد صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم ذكره في قوله {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله} فهو محمول عليه). [الموضح: 1306]
قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)}
قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)}
قوله تعالى: {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)}
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)}
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {ربي أمدًا} [25].
أسكن الياء الكوفيون وابن عامر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/403]
وفتحها الباقون.
والأمد: الغاية، وقال الشاعر:
سبق الجواد إذا استولي على الأمد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/404]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ربي أمدا [الجن/ 25] وأسكن الباقون). [الحجة للقراء السبعة: 6/334]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مارواه يحيى عن ابن عامر: [أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ]، وهذا لا يجوز.
قال أبو الفتح: طريق هذا أنه شبه آخر فعل المتكلم بيائه، كقولك: هذا غلامي وصاحبي، وأنسخ بذلك أن للمتكلم في "أدري" حصة، وهي همزة المضارعة، كما أن له حصة في اللفظ، وهي ياؤه. وعلى كل حال فهذه شبهة السهو فيه، لا علة الصحة له، كما أن ياء مصيبة أشبهت في اللفظ ياء صحيفة، حتى قالوا: مصائب سهوا، كما قالوا صحائف). [المحتسب: 2/334]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- وكل القراء كسر «إن» في هذه السورة، إذا جاءت بعد فاء الجزاء، وبعد القول نحو: {فإن له نار جهنم} «23»، ونحو: {فقالوا إنا سمعنا} «1»، و{قل إنما أدعو} «20»، واختلفوا بعد ما ذكرنا في فتح «إن» وكسرها في هذه السورة في ثلاثة عشر موضعًا، وهي قوله تعالى: {وأنه تعالى} «3»، و{أنه كان يقول} «4»، و{أنا ظننا} «5»، و{أنه كان رجال} «6»، و{أنهم ظنوا} «7»، و{أنا لمسنا} «8»، و{أنا كنا نقعد} «9»، و{أنا لا ندري} «10»، و{أنا منا المسلمون} «14»، و{أنا منا الصالحون} «11»، و{أنا ظننا} «12»، و{أنا لما سمعنا} «13»، فهذه اثنا عشر موضعًا أولها: {وأنه تعالى} وآخرها على التوالي {وأنا منا المسلمون} والثالث عشر قوله: {وأنه لما قام عبد الله} «19» فقرأ جميع ذلك الحرميان، وأبو بكر وأبو عمرو بالكسر، غير أن أبا عمرو وابن كثير فسحًا {وأنه لما قام} هذا وحده، وقرأ الباقون بالفتح في جميعها.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/339]
وحجة إجماعهم على الفتح في الأربعة المواضع المذكورة أن «أن» في قوله: {قل أوحي إلي أنه} قد عمل فيها {أوحي}، فتعدى إلى «أن» فانفتحت، لتعدي الفعل إليها، فهي في موضع رفع مفعول لم يسم فاعله، و«أن» في قوله: {وأن لو استقاموا} فتحت لأنها مخففة من الثقيلة، معطوفة على {أنه استمع}، والتقدير: أوحي إلي أنه استمع وأنه لو استقاموا، ففتحت لأنها مخففة من الثقيلة معطوفة على {أنه تعالى}، ويجوز أن تكون «أن» زائدة كـ «أن» في قوله: {فلما أن جاء البشير} «يوسف 96»، و{لما أن جاءت رسلنا لوطًا} «العنكبوت 33» فإذا كانت زائدة فحقها الفتح، لأن المكسورة لا تكون زائدة. وقوله: {وأن المساجد لله} هو عطف على {أنه استمع} والتقدير: وأوحي إلي أن المساجد لله، وقيل: فتحت على تقدير اللام، أي: ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا، وهو مذهب الخليل في حكاية سيبويه عنه، والمعنى: لا تدعوا مع الله أحدًا لأن المساجد لله، وقوله: أن قد أبلغوا فتحت لتعدي «يعلم» إليها.
3- وحجة من كسر جميع الثلاثة عشر موضعًا المذكورة أنه قطعها مما قبلها، وابتدأ بقوله: {وإنه تعالى جد ربنا} عطف عليه ما بعده من «إن» فكسرها كلها كحال المعطوف.
4- وحجة من فتح الثلاثة عشر أنه عطفه كله على {قل أوحي إلي أنه} فلما عطف على ما عمل فيه الفعل فتحه كله، وقيل: فتحت «أن» في ذلك كله على العطف على الهاء في {آمنا به}، وفيه قبح للعطف على المضمر المخفوض بغير إعادة الخافض وهو في «أن» أجود منه مع غيرها، لكثرة حذف حرف الجر مع «أن»، وللمعنى في فتح «أن» على العطف على الهاء أتم وأبين منه،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/340]
إذا عطفت على {أوحي إلي أنه}، وقد بينا هذا في كتاب تفسير «مشكل الإعراب» بأبين من هذا.
5- وحجة من فتح {وأنه لما قام} أنه عطفه على ما قبله من قوله: {قل أوحي إلي أنه}، تقديره: وأوحي إلي أنه لما قام، ومن كسره استأنفه. فأما وجه الكسر فيما بعد القول وفاء الجزاء فإنما ذلك لأنه في موضع ابتداء، فكسرت «إن» لوقوعها موقع الابتداء، ولأن حقها إذا دخلت على الابتداء أن تكسر؛ لأنها حرف مبتدأ به للتأكيد، ولا يحسن فتح «إن» إذا ابتدأت بها، فتقول: أن زيدًا من منطلق، فتكسر، ولا يحسن فتحها فكذلك تكون مكسورة إذا وقعت موقع الابتداء، لأنه لو وقع موضعها اسم لم يكن إلا مرفوعًا بالابتداء، فصارت في وقوعها موضع الابتداء كأنها داخلة في الابتداء، وما بعد القول محكي برفع الابتداء، فكسرت «إن» بعد القول لوقوعها موقع الابتداء أيضًا، وقد يجوز الفتح في ذلك في غير القرآن على معانٍ يطول ذكرها، والكسر في ذلك الاختيار، ولصحة معناه في حمله على ما قبله، والفتح ينقص معناه، ويتغير إذا حمله كله على ما قبله من قوله: {قل أوحي إلي أنه}، ألا ترى أنه لا يحسن: وأوحي إلي أنه أنه لما قام عبد الله ولا يحسن وأوحي إلي أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا، وكذلك كثيرٌ منه لا يحسن عطفه على «أن» في قوله: {قل أوحي إلي أنه} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/341]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {رَبِّي أَمَدًا} [آية/ 25] بفتح الياء:-
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقرأ الباقون {رَبِّي أَمَدًا} بإسكان الياء.
وقد مضى الكلام في نحوه). [الموضح: 1307]
قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)}
قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)}
قوله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين