العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنبياء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:45 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير سورة الأنبياء [من الآية(78)إلى الآية(82)]

{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) }



روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الناسخ والمنسوخ الآية رقم (78)
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:45 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى نفشت فيه غنم القوم قال في حرث القوم). [تفسير عبد الرزاق: 2/25]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال الزهري النفش لا يكون إلا ليلا والهمل بالنهار
قال قتادة فقضى داود أن يأخذوا الغنم ففهمها الله سليمان فلما أخبر سليمان بقضاء داود قال لا ولكن خذوا الغنم فلكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلى الحول). [تفسير عبد الرزاق: 2/25-26]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وبلغني أن الحرث الذي نفشت فيه الغنم كان عنبا). [تفسير عبد الرزاق: 2/26]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الزهري عن ابن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته فقضى النبي على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل). [تفسير عبد الرزاق: 2/26]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة عن الشعبي أن شاة وقعت في غزل حواك فاختصموا إلى شريح فقال الشعبي انظروا فإنه سيسألهم ليلا كان أو نهارا فقال شريح ليلا كان أم نهارا قال إن كان نهارا فلا ضمان على صاحبها وإن كان ليلا ضمن قال وقرأ إذ نفشت فيه غنم القوم ثم قال النفش بالليل والهمل بالنهار). [تفسير عبد الرزاق: 2/26]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة بلغنا أن داود حكم بالغنم لأهل الزرع ففهمها الله سليمان قال فبلغ أن سليمان قضى أن الغنم تكون مع أهل الزرع فلهم ما يخرج من أصوافها وألبانها وأولادها عامها ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 2/26]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن أبي إسحاق عن مرة عن مسروق في قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم قال كان حرثهم عنبا فنفشت فيه الغنم ليلا فقضى بالغنم لهم فمروا على سليمان فأخبروه الخبر فقال أو غير ذلك فردهم إلى داود فقال ما قضيت بين هؤلاء فأخبروه قال ولكن اقض بينهم أن يأخذوا غنمهم فيكون لهم لبنها وصوفها وسمنها ومنفعتها ويقوم هؤلاء على عنبهم حتى إذا عاد كما كان ردوا عليهم غنمهم قال فذلك قوله ففهمنها سليمان). [تفسير عبد الرزاق: 2/26-27]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن مرّة عن مسروقٍ في قوله: {إذ يحكمان في الحرث} قال: الحرث عنبٌ {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: باللّيل قال: فحكم فيها داود عليه السّلام أن تدفع إليهم الغنم قال سليمان: ما قال داود قالوا دفع إليهم الغنم فقال: لو كنت أنا لم أدفعها ولكن كنت أجعلها لهم ينتفعون بأصوافها وألبانها وسمنها ويقوم أصحاب الغنم بالحرث حتّى يصيّرونه إلى مثل ما كان ثمّ تردّ عليهم الغنم ويردّون الحرث على أربابه فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ففهمناها سليمان} [الآية: 78]). [تفسير الثوري: 202-203]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {نفشت} [الأنبياء: 78] : «رعت ليلًا»). [صحيح البخاري: 6/96]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاسٍ نفشت رعت ليلًا سقط ليلًا لغير أبي ذر وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن ابن عبّاسٍ بهذا وهو قول أهل اللّغة نفشت إذا رعت ليلًا بلا راعٍ وإذا رعت نهارًا بلا راعٍ قيل هملت). [فتح الباري: 8/436]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما تفاسير ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله 78 الأنبياء {إذ نفشت فيه غنم القوم} يقول رعت). [تغليق التعليق: 4/258]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ نفشت رعت ليلاً
أي: قال ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى: {إذ نفشت فيه غنم القوم} (الأنبياء: 78) إن معنى نفشت رعت ليلًا، وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس، وهو قول أهل اللّغة: نفشت إذا رعت ليلًا بلا راع، وإذا رعت نهارا بلا راع أهملت، وعند ابن مردويه: كان كرماً أينع. قوله: ليلًا، لم يثبت إلاّ في رواية أبي ذر). [عمدة القاري: 19/63]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال ابن عباس): مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: إذ ({نقشت}) أي (رعت) ({فيه غنم القوم}) وزاد أبو ذر ليلًا). [إرشاد الساري: 7/240]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {نفشت فيه غنم القوم} قال: سرحت فيه غنم القوم). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 97]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين (78) ففهّمناها سليمان وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير وكنّا فاعلين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكر داود وسليمان يا محمّد إذ يحكمان في الحرث.
واختلف أهل التّأويل في ذلك الحرث ما كان؟ فقال بعضهم: كان نبتًا.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن إسحاق، عن مرّة، في قوله: {إذ يحكمان في الحرث} قال: كان الحرث نبتًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ غنم القوم وقعت في زرعٍ ليلاً.
وقال آخرون: بل كان ذلك الحرث كرمًا.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ، في قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} قال: كرمٌ قد أنبت عناقيده.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ، عن شريحٍ، قال: كان الحرث كرمًا.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب ما قال اللّه تبارك وتعالى: {إذ يحكمان في الحرث} والحرث: إنّما هو حرث الأرض. وجائزٌ أن يكون ذلك كان زرعًا، وجائزٌ أن يكون كان غرسًا، وغير ضائرٍ الجهل بأيّ ذلك كان.
وقوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم} يقول: حين دخلت في هذا الحرث غنم القوم الآخرين من غير أهل الحرث ليلاً، فرعته وأفسدته. {وكنّا لحكمهم شاهدين} يقول وكنّا لحكم داود وسليمان والقوم الّذين حكما بينهم فيما أفسدت غنم أهل الغنم من حرث أهل الحرث شاهدين لا يخفى علينا منه شيءٌ ولا يغيب عنّا علمه). [جامع البيان: 16/320-321]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا إسرائيل عن أبي إسحاق الهمذاني عن مرة بن شراحيل عن مسروق بن الأجدع قال نفشت فيه ليلا وكان الحرث كرما حين طلع فلم يصبح فيه ورقة ولا عود إلا أكلته الغنم فاختصموا إلى داود فقال داود عليه السلام لأصحاب الكرم لكم رقاب الغنم فقال له سليمان أو غير ذلك يا نبي الله تعطي لأصحاب الكرم الغنم فيصيبون من ألبانها ومنفعتها ويعالج أصحاب الغنم الكرم حتى إذا كان كهيئته حين نفشت فيه دفعت إلى هؤلاء غنمهم وإلى هؤلاء كرمهم فرضي بذلك داود فقال الله عز وجل ففهمناها سليمان). [تفسير مجاهد: 413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 78 - 82
أخرج الحاكم عن وهب قال: داود بن إيشا بن عويد بن عابر من ولد يهوذا بن يعقوب وكان قصيرا أزرق قليل الشعر طاهر القلب). [الدر المنثور: 10/318]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مرة رضي الله عنه في قوله: {إذ يحكمان في الحرث} قال: كان الحرث نبتا فنفشت فيه ليلا فاختصموا فيه إلى داود فقضى بالغنم لأصحاب الحرث فمروا على سليمان فذكروا ذلك له فقال: لا تدفع الغنم، فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم فإذا عاد كما كان ردوا عليهم فنزلت {ففهمناها سليمان} ). [الدر المنثور: 10/318-319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه والحاكم والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان: أغير هذا يا نبي الله قال: وما ذاك قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم لصاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله: {ففهمناها سليمان} ). [الدر المنثور: 10/319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مسروق قال: الحرث الذي {نفشت فيه غنم القوم} إنما كان كرما نفشت فيه غنم القوم فلم تدع فيه ورقة ولا عنقودا من عنب إلا أكلته فأتوا داود فأعطاهم رقابها فقال سليمان: إن صاحب الكرم قد بقي له أصل كرمه وأصل أرضه بل تؤخذ الغنم فيعطاها أهل الكرم فيكون لهم لبنها وصوفها ونفعها ويعطى أهل الغنم الكرم فيعمرونه ويصلحونه حتى يعود كالذي كان ليلة نفشت فيه الغنم ثم يعطى أهل الغنم غنمهم وأهل الكرم كرمهم). [الدر المنثور: 10/319-320]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وداود وسليمان} إلى قوله: {وكنا لحكمهم شاهدين} يقول: كنا لما حكما شاهدين وذلك أن رجلين دخلا على داود: أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الحرث: إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم تبق من حرثي شيئا، فقال له داود: اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود ومر صاحب الغنم بسليمان فأخبره بالذي قضى به داود فدخل سليمان على داود فقال: يا نبي الله إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال: كيف قال سليمان: إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام فله من صاحب الغنم أن ينتفع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث فإن الغنم لها نسل كل عام، فقال داود: قد أصبت القضاء كما قضيت، ففهمها الله سليمان). [الدر المنثور: 10/320]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق عن مجاهد في الآية قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث وحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث وعليهم رعاؤها ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون الحرث كهيئته يوم أكل ثم يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم). [الدر المنثور: 10/320-321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: النفش بالليل والهمل بالنهار، ذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلا فرفع ذلك إلى داود فقضى بالغنم لأصحاب الزرع فقال سليمان: ليس كذلك ولكن له نسلها ورسلها وعوارضها وجزازها حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل دفعت الغنم إلى أربابها وقبض صاحب الزرع زرعه، قال الله: {ففهمناها سليمان}). [الدر المنثور: 10/321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة والزهري في الآية قال: نفشت غنم في حرث قوم فقضى داود أن يأخذوا الغنم ففهمها الله سليمان فلما أخبر بقضاء داود قال: لا ولكن خذوا الغنم ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلى الحول). [الدر المنثور: 10/321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت امرأة عابدة من بني إسرائيل وكانت تبتلت المرأة وكان لها جاريتان جميلتان وقد تبتلت المرأة لا تريد الرجال فقالت إحدى الجاريتين للأخرى: قد طال علينا هذا البلاء أما هذه فلا تريد الرجال ولا نزال بشر ما كنا لها فلو أنا فضحناها فرجمت فصرنا إلى الرجال، فأتيا ماء البيض فأتياها وهي ساجدة فكشفتا عن ثوبها ونضحتا في دبرها ماء البيض وصرختا: إنها قد بغت، وكان من زنى فيهم حده الرجم فرفعت إلى داود وماء البيض في ثيابها فأراد رجمها فقال سليمان: ائتوا بنار فإنه إن كان ماء الرجال تفرق وإن كان ماء البيض اجتمع، فأتي بنار فوضعها عليه فاجتمع فدرأ عنها الرجم فعطف داود على سليمان فأحبه، ثم كان بعد ذلك أصحاب الحرث وأصحاب الشياه فقضى داود عليه السلام بالغنم لأصحاب الحرث فخرجوا وخرجت الرعاة معهم الكلاب فقال سليمان: كيف قضى بينكم فأخبروه فقال: لو وليت أمرهم لقضيت بغير هذا القضاء، فقيل لداود عليه السلام: إن سليمان يقول كذا وكذا، فدعاه فقال: كيف تقضي بينهم فقال: أدفع الغنم إلى أصحاب الحرث هذا العام فيكون لهم أولادها وسلالها وألبانها ومنافعها ويذر أصحاب الحرث الحرث هذا العام فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه أخذ هؤلاء الحرث ودفعوا إلى هؤلاء الغنم). [الدر المنثور: 10/321-322]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {نفشت} قال: رعت). [الدر المنثور: 10/323]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {نفشت} قال: النفش الرعي بالليل، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول لبيد:
بدلن بعد النفش الوجيفا * وبعد ول الحزن الصريفا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي شيبة وأحمد وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن حرام بن محيصة أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وإن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها). [الدر المنثور: 10/323-324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن ناقة البراء بن عازب رضي الله عنه دخلت حائطا لقوم فأفسدت عليهم فأتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: على أهل الحائط حفظ حائطهم بالنهار وعلى أهل المواشي حفظ مواشيهم بالليل ثم تلا هذه الآية {وداود وسليمان} الآية، ثم قال: نفشت ليلا). [الدر المنثور: 10/324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه أنه قرأ فأفهمناها سليمان). [الدر المنثور: 10/324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال: كان الحكم بما قضى به سليمان ولم يعب داود في حكمه). [الدر المنثور: 10/324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهون أهل النار عذابا رجل يطأ جمرة يغلي منها دماغه، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وما جرمه يا رسول الله قال: كانت له ماشية يغشى بها الزرع ويؤذيه وحرم الله الرزع وما حوله غلوة سهم فاحذروا أن لا يستحب الرجل ما له في الدنيا ويهلك نفسه في الآخرة). [الدر المنثور: 10/324-325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما إمرأتان معهما ابنان لهما جاء الذئب فأخذ أحد الابنين فتحاكما إلى داود فقضى له للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال: هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: يرحمك الله هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى). [الدر المنثور: 10/325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن امرأة حسناء من بني إسرائيل راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم فامتنعت على كل واحد منهم فاتفقوا فيما بينهم عليها فشهدوا عليها عند داود أنها مكنت من نفسها كلبا لها قد عودته ذلك منها فأمر برجمها، فلما كان عشية ذلك اليوم جلس سليمان واجتمع معه ولدان مثله فانتصب حاكما وتزيا أربعة منهم بزي أولئك وآخر بزي المرأة وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلبها، فقال سليمان: فرقوا بينهم، فسأل أولهم: ما كان لون الكلب فقال: أسود، فعزله واستدعى الآخر فسأله عن لونه فقال: أحمر وقال الآخر أغبش وقال الآخر أبيض، فأمر عند ذلك بقتلهم فحكي ذلك لداود فاستدعى من فوره أولئك الأربعة فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب فاختلفوا فيه فأمر بقتلهم). [الدر المنثور: 10/325-326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن ابن أبي نجيح قال: قال سليمان عليه السلام: أوتينا ما أوتي الناس ولم يؤتوا وعلمنا ما علم الناس ولم يعلموا، فلم يجد شيئا أفضل من ثلاث كلمات: الحلم في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية). [الدر المنثور: 10/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان عليه السلام لابنه: يا بني إياك وغضب الملك الظلوم فإن غضبه كغضب ملك الموت). [الدر المنثور: 10/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خيثمة قال: قال سليمان عليه السلام: جربنا العيش لينه وشديده فوجدناه يكفي منه أدناه). [الدر المنثور: 10/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأمد عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان لابنه: يا بني لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك وإن كانت بريئة، يا بني إن من الحياء صمتا ومنه وقارا يا بني إن أحببت أن تغيظ عدوك فلا ترفع العصا عن ابنك، يا بني كما يدخل الوتد بين الحجرين وكما تدخل الحية بين الحجرين كذلك تدخل الخطيئة بين البيعين). [الدر المنثور: 10/326-327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال: بلغنا أن سليمان قال لابنه: امش وراء الأسد ولا تمش وراء امرأة). [الدر المنثور: 10/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان لابنه: يا بني إن من سوء العيش نقلا من بيت إلى بيت، وقال لابنه: عليك بخشية الله فإنها غلبت كل شيء). [الدر المنثور: 10/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن بكر بن عبد الله أن داود عليه السلام قال لابنه سليمان: أي شيء أبرد وأي شيء أحلى وأي شيء أقرب وأي شيء أقل وأي شيء أكثر وأي شيء آنس وأي شيء أوحش قال: أحلى شيء روح الله من عباده وأبرد شيء عفو الله عن عباده وعفو العباد بعضهم عن بعض، وآنس شيء الروح تكون في الجسد وأوحش شيء الجسد تنزع منه الروح وأقل شيء اليقين وأكثر شيء الشك وأقرب شيء الآخرة من الدنيا وأبعد شيء الدنيا من الآخرة). [الدر المنثور: 10/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان لابنه: لا تقطعن أمرا حتى تؤامر مرشدا فإذا فعلت ذلك فلا تحزن عليه، وقال: يا بني ما أقبح الخطيئة مع المسكنة وأقبح الضلالة بعد الهدى وأقبح من ذلك رجل كان عابدا فترك عبادة ربه). [الدر المنثور: 10/328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن قتادة قال: قال سليمان عليه السلام: عجبا للتاجر: كيف يخلص يحلف بالنهار وينام بالليل). [الدر المنثور: 10/328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان لابنه: يا بني إياك والنميمة فإنها كحد السيف). [الدر المنثور: 10/328]

تفسير قوله تعالى: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني مالك عن زيد بن أسلم في قول الله: {وكلا آتينا حكما وعلما}، قال زيد: إن الحكمة العقل؛ قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله، وأمرٌ يدخله الله القلوب برحمته وفضله). [الجامع في علوم القرآن: 2/130]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن أبي إسحاق عن مرة عن مسروق في قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم قال كان حرثهم عنبا فنفشت فيه الغنم ليلا فقضى بالغنم لهم فمروا على سليمان فأخبروه الخبر فقال أو غير ذلك فردهم إلى داود فقال ما قضيت بين هؤلاء فأخبروه قال ولكن اقض بينهم أن يأخذوا غنمهم فيكون لهم لبنها وصوفها وسمنها ومنفعتها ويقوم هؤلاء على عنبهم حتى إذا عاد كما كان ردوا عليهم غنمهم قال فذلك قوله ففهمنها سليمان). [تفسير عبد الرزاق: 2/26-27] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله {ففهّمناها} يقول ففهمنا القضيّة في ذلك {سليمان} دون داود {وكلاًّ آتينا حكمًا وعلمًا} يقول وكلّهم من داود وسليمان والرّسل الّذين ذكرهم في أوّل هذه السّورة آتينا حكمًا وهو النّبوّة وعلمًا يعني وعلمًا بأحكام اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، وهارون بن إدريس الأصمّ، قالا: حدّثنا المحاربيّ، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ، في قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: كرمٌ قد أنبت عناقيده، فأفسدته. قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: غير هذا يا نبيّ اللّه قال: وما ذاك؟ قال: يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتّى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتّى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها. فذلك قوله: {ففهّمناها سليمان}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} إلى قوله: {وكنّا لحكمهم شاهدين} يقول: كنّا لما حكما شاهدين. وذلك أنّ رجلين دخلا على داود، أحدهما صاحب حرثٍ، والآخر صاحب غنمٍ، فقال صاحب الحرث: إنّ هذا أرسل غنمه في حرثي، فلم يبق من حرثي شيئًا. فقال له داود: اذهب، فإنّ الغنم كلّها لك فقضى بذلك داود. ومرّ صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالّذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود فقال: يا نبيّ اللّه، إنّ القضاء سوى الّذي قضيت. فقال: كيف؟ قال سليمان: إنّ الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كلّ عامٍ، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتّى يستوفي ثمن الحرث، فإنّ الغنم لها نسلٌ في كلّ عامٍ. فقال داود: قد أصبت، القضاء كما قضيت. ففهّمها اللّه سليمان.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عليّ بن زيدٍ قال: حدّثني خليفة، عن ابن عبّاسٍ قال: قضى داود بالغنم لأصحاب الحرث، فخرج الرّعاء معهم الكلاب، فقال سليمان: كيف قضى بينكم؟ فأخبروه، فقال: لو وافيت أمركم لقضيت بغير هذا. فأخبر بذلك داود، فدعاه فقال: كيف تقضي بينهم؟ قال: أدفع الغنم إلى أصحاب الحرث، فيكون لهم أولادها وألبانها وسلاؤها ومنافعها، ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم، فإذا بلغ الحرث الّذي كان عليه، أخذ أصحاب الحرث الحرث وردّوا الغنم إلى أصحابها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث، وحكم سليمان بجزّة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعليهم رعايتها على أهل الحرث، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون الحرث كهيئته يوم أكل، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم.
- حدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثني ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ بنحوه، إلاّ أنّه قال: وعليهم رعيها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبى إسحاق، عن مرّة، في قوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: كان الحرث نبتًا، فنفشت فيه ليلاً، فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث. فمرّوا على سليمان، فذكروا ذلك له، فقال: لا، تدفع الغنم فيصيبون منها يعني أصحاب الحرث ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم. فنزلت: {ففهّمناها سليمان}.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ، عن شريحٍ، في قوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: كان النّفش ليلاً، وكان الحرث كرمًا، قال: فجعل داود الغنم لصاحب الكرم قال: فقال سليمان: إنّ صاحب الكرم قد بقي له أصل أرضه وأصل كرمه، فاجعل له أصوافها وألبانها، قال: فهو قول اللّه: {ففهّمناها سليمان}.
- حدّثنا ابن أبي زيادٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيل، عن عامرٍ، قال: جاء رجلان إلى شريحٍ، فقال أحدهما: إنّ شاه هذا قطعت غزلاً لي، فقال شريحٌ: نهارًا أم ليلاً؟ قال: إن كان نهارًا فقد برئ صاحب الشّياه، وإن كان ليلاً فقد ضمن. ثمّ قرأ: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: كان النّفش ليلاً.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن عامرٍ، عن شريحٍ بنحوه.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن شريحٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} الآية، النّفش باللّيل، والهمل بالنّهار. وذكر لنا أنّ غنم القوم وقعت في زرعٍ ليلاً، فرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزّرع، فقال سليمان: ليس كذلك، ولكن له نسلها ورسلها وعوارضها وجزازها، حتّى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل دفعت الغنم إلى ربّها، وقبض صاحب الزّرع زرعه. فقال اللّه: {ففهّمناها سليمان}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، والزّهريّ: {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: نفشت غنمٌ في حرث قومٍ. قال الزّهريّ: والنّفش لا يكون إلاّ ليلاً، فقضى داود أن يأخذ الغنم، ففهّمها اللّه سليمان، قال: فلمّا أخبر بقضاء داود قال: لا، ولكن خذوا الغنم، ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلى الحول.
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: في حرث قومٍ قال معمرٌ: قال الزّهريّ: النّفش لا يكون إلاّ باللّيل، والهمل بالنّهار. قال قتادة: مضى أن يأخذوا الغنم، ففهّمها اللّه سليمان. ثمّ ذكر باقي الحديث نحو حديث عبد الأعلى.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} الآيتين قال: انفلت غنم رجلٍ على حرث رجلٍ فأكلته، فجاء إلى داود، فقضى فيها بالغنم لصاحب الحرث بما أكلت، وكأنّه رأى أنّه وجه ذلك. فمرّوا بسليمان، فقال: ما قضى بينكم نبيّ اللّه؟ فأخبروه، فقال: ألا أقضي بينكما بقضاء عسى أن ترضيا به؟ فقالا: نعم. فقال: أمّا أنت يا صاحب الحرث، فخذ غنم هذا الرّجل فكن فيها كما كان صاحبها، أصب من لبنها، وعارضتها وكذا وكذا، ما كان يصيب، واحرث أنت يا صاحب الغنم حرث هذا الرّجل، حتّى إذا كان حرثه مثله ليلة نفشت فيه غنمك فأعطه حرثه، وخذ غنمك، فذلك قول اللّه تبارك وتعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم}. وقرأ حتّى بلغ قوله: {وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: رعت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: النّفش. الرّعيّة تحت اللّيل.
- قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن حرام بن محيّصة بن مسعودٍ، قال: دخلت ناقةٌ للبراء بن عازبٍ حائطًا لبعض الأنصار فأفسدته، فرفع ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال ": {إذ نفشت فيه غنم القوم} فقضى على البراء بما أفسدته النّاقة، وقال: " على أصحاب الماشية حفظ الماشية باللّيل، وعلى أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم بالنّهار ".
قال الزّهريّ: وكان قضاء داود وسليمان في ذلك أنّ رجلاً دخلت ماشيته زرعًا لرجلٍ فأفسدته، ولا يكون النّفوش إلاّ باللّيل، فارتفعا إلى داود، فقضى بغنم صاحب الغنم لصاحب الزّرع، فانصرفا، فمرّا بسليمان، فقال: بماذا قضى بينكما نبيّ اللّه؟ فقالا: قضى بالغنم لصاحب الزّرع. فقال: إنّ الحكم لعلى غير هذا، انصرفا معي فأتى أباه داود، فقال: يا نبيّ اللّه، قضيت على هذا بغنمه لصاحب الزّرع؟ قال نعم. قال: يا نبيّ اللّه، إنّ الحكم لعلى غير هذا. قال: وكيف يا بنيّ؟ قال: تدفع الغنم إلى صاحب الزّرع فيصيب من ألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الزّرع إلى صاحب الغنم يقوم عليه، فإذا عاد الزّرع إلى حاله الّتي أصابته الغنم عليها ردّت الغنم على صاحب الغنم، وردّ الزّرع إلى صاحب الزّرع.
فقال داود: لا يقطع اللّه فمك فقضى بما قضى سليمان. قال الزّهريّ: فذلك قوله. {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث}، إلى قوله: {حكمًا وعلمًا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، وعليّ بن مجاهدٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: فحدّثني من، سمع الحسن، يقول: كان الحكم بما قضى به سليمان، ولم يعنّف اللّه داود في حكمه.
وقوله: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير} يقول تعالى ذكره: وسخّرنا مع داود الجبال والطّير يسبّحن معه إذا سبّح.
وكان قتادة يقول في معنى قوله: {يسبّحن} في هذا الموضع ما؛
- حدّثنا به، بشرٌ قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن} والطّير أي يصلّين مع داود إذا صلّى.
وقوله: {وكنّا فاعلين} يقول: وكنّا قد قضينا أنّا فاعلو ذلك، ومسخّرو الجبال والطّير في أمّ الكتاب مع داود عليه الصّلاة والسّلام). [جامع البيان: 16/321-328]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا إسرائيل عن أبي إسحاق الهمذاني عن مرة بن شراحيل عن مسروق بن الأجدع قال نفشت فيه ليلا وكان الحرث كرما حين طلع فلم يصبح فيه ورقة ولا عود إلا أكلته الغنم فاختصموا إلى داود فقال داود عليه السلام لأصحاب الكرم لكم رقاب الغنم فقال له سليمان أو غير ذلك يا نبي الله تعطي لأصحاب الكرم الغنم فيصيبون من ألبانها ومنفعتها ويعالج أصحاب الغنم الكرم حتى إذا كان كهيئته حين نفشت فيه دفعت إلى هؤلاء غنمهم وإلى هؤلاء كرمهم فرضي بذلك داود فقال الله عز وجل ففهمناها سليمان). [تفسير مجاهد: 413] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل: أن إياس بن معاوية لما استقضى آتاه الحسن فرآه حزينا فبكى إياس فقال: ما يبكيك فقال: يا أبا سعيد بلغني أن القضاة ثلاثة: رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ورجل مال به الهوى فهو في النار ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة، فقال الحسن: إن فيما قص الله من نبأ داود ما يرد ذلك، ثم قرأ {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} حتى بلغ {وكلا آتينا حكما وعلما} فأثنى على سليمان ولم يذم داود، ثم قال: أخذ الله على الحكام ثلاثة: أن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا ولا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس، ثم تلا هذه الآية (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) (ص آية 26) الآية وقال (فلا تخشوا الناس واخشون) (المائدة آية 44) وقال (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) (المائدة آية 44) ). [الدر المنثور: 10/328-329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله: {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير} قال: يصلين مع داود إذا صلى {وعلمناه صنعة لبوس لكم} قال: كانت صفائح فأول من مدها وحلقها داود عليه السلام). [الدر المنثور: 10/329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي عن سليمان بن حيان قال: كان داود إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق). [الدر المنثور: 10/330]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كان عمر آدم ألف سنة وكان عمر داود ستين سنة، فقال آدم: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة). [الدر المنثور: 10/330]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي الدنيا في ذكر الموت والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: مات داود عليه السلام يوم الست فجأة فعكفت الطير عليه تظله). [الدر المنثور: 10/330]

تفسير قوله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم قال كانت صفائح فأول من سردها وحلقها داود). [تفسير عبد الرزاق: 2/27]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({صنعة لبوسٍ} [الأنبياء: 80] : «الدّروع»). [صحيح البخاري: 6/97]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله صنعة لبوسٍ الدّروع قال أبو عبيدة اللّبوس السّلاح كلّه من درعٍ إلى رمحٍ وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة اللّبوس الدّروع كانت صفائح وأوّل من سردها وحلّقها داود وقال الفرّاء من قرأ لتحصنكم بالمثنّاة فلتأنيث الدّروع ومن قرأ بالتّحتانيّة فلتذكير اللّبوس). [فتح الباري: 8/437]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (صنعة لبوسٍ الدّروع
أشار به إلى قوله تعالى: {وعلمناه صنعة لبوس لكن لتحصنكم من بأسكم} (الأنبياء: 80) وفسّر: (صنعة لبوس: بالدروع) قال أبو عبيدة: اللبوس السّلاح كله من درع إلى رمح، وروى عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة: اللبوس الدروع كانت صفائح، وأول من سردها وحلقها داود عليه السّلام. وقال الثّعلبيّ: اللبوس عند العرب السّلاح كله درعاً كان أو جوشناً أو سيفا أو رمحاً، وإنّما عنى الله تعالى به في هذا الموضع الدرع، وهو بمعنى الملبوس كالحلوب والرّكوب). [عمدة القاري: 19/64]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({صنعة لبوس}) هي (الدروع) لأنها تلبس وهو بمعنى الملبوس كالحلوب والركوب). [إرشاد الساري: 7/241]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}.
يقول تعالى ذكره: وعلّمنا داود صنعة لبوسٍ لكم.
واللّبوس عند العرب: السّلاح كلّه، درعًا كان، أو جوشنًا، أو سيفًا، أو رمحًا، يدلّ على ذلك قول الهذليّ:
ومعي لبوسٌ للّبيس كأنّه = روقٌ بجبهة ذي نعاجٍ مجفل
وإنّما يصف بذلك رمحًا. وأمّا في هذا الموضع فإنّ أهل التّأويل قالوا: عني الدّروع
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم} الآية قال: كانت قبل داود صفائح قال: وكان أوّل من صنع هذا الحلق وسرد داود.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم} قال: " كانت صفائح، فأوّل من سردها وحلّقها داود عليه السّلام ".
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {لتحصنكم} فقرأ ذلك أكثر قرّاء الأمصار: ( ليحصنكم ) بالياء، بمعنى: ليحصنكم اللّبوس من بأسكم، ذكّروه لتذكير اللّبوس. وقرأ ذلك أبو جعفرٍ يزيد بن القعقاع: {" لتحصنكم "} بالتّاء، بمعنى: لتحصنكم الصّنعة، فأنّث لتأنيث الصّنعة. وقرأ شيبة بن نصّاحٍ، وعاصم بن أبي النّجود: ( لنحصنكم ) بالنّون، بمعنى: لنحصنكم نحن من بأسكم.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءات في ذلك بالصّواب عندي قراءة من قرأه بالياء، لأنّها القراءة الّتي عليها الحجّة من قرّاء الأمصار، وإن كانت القراءات الثّلاث الّتي ذكرناها متقاربات المعاني، وذلك أنّ الصّنعة هي اللّبوس، واللّبوس هي الصّنعة، واللّه هو المحصن به من البأس، وهو المحصن بتصيير اللّه إيّاه كذلك. ومعنى قوله: ( ليحصنكم ) ليحرزكم، وهو من قوله: قد أحصن فلانٌ جاريته. وقد بيّنّا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل.
والبأس: القتال، وعلّمنا داود صنعة سلاحٍ لكم ليحرزكم إذا لبستموه ولقيتم فيه أعداءكم من القتل.
وقوله: {فهل أنتم شاكرون} يقول: فهل أنتم أيّها النّاس شاكرو اللّه على نعمته عليكم بما علّمكم من صنعة اللّبوس المحصن في الحرب وغير ذلك من نعمه عليكم، يقول: فاشكروني على ذلك). [جامع البيان: 16/329-330]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله: {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير} قال: يصلين مع داود إذا صلى {وعلمناه صنعة لبوس لكم} قال: كانت صفائح فأول من مدها وحلقها داود عليه السلام). [الدر المنثور: 10/329] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج السدي في قوله: {وعلمناه صنعة لبوس لكم} قال: هي دروع الحديد {لتحصنكم من بأسكم} قال: من رتع السلاح فيكم). [الدر المنثور: 10/329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ لنحصنكم بالنون). [الدر المنثور: 10/329]

تفسير قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولسليمان الرّيح عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها وكنّا بكلّ شيءٍ عالمين}.
يقول تعالى ذكره: وسخّرنا لسليمان بن داود {الرّيح عاصفةً} وعصوفها: شدّة هبوبها {تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها} يقول: تجري الرّيح بأمر سليمان {إلى الأرض الّتي باركنا فيها} يعني: إلى الشّام، وذلك أنّها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثمّ تعود به إلى منزله بالشّام، فلذلك قيل: {إلى الأرض الّتي باركنا فيها}. كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطّير، وقام له الجنّ والإنس حتّى يجلس إلى سريره. وكان امرأً غزّاءً، قلّما يقعد عن الغزو، ولا يسمع في ناحيةٍ من الأرض بملكٍ إلاّ أتاه حتّى يذلّه. وكان فيما يزعمون إذا أراد الغزو، أمر بعسكره فضرب له بخشبٍ، ثمّ نصب له على الخشب، ثمّ حمل عليه النّاس والدّوابّ وآلة الحرب كلّها، حتّى إذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الرّيح، فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته، حتّى إذا استقلّت أمر الرّخاء، فمدّته شهرًا في روحته، وشهرًا في غدوته إلى حيث أراد، يقول اللّه عزّ وجلّ: {فسخّرنا له الرّيح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب} قال: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ}. قال: فذكر لي أنّ منزلاً بناحية دجلة مكتوبٌ فيه كتابٌ كتبه بعض صحابة سليمان، إمّا من الجنّ، وإمّا من الإنس: نحن نزلناه وما بنيناه، ومبنيًّا وجدناه، غدونا من إصطخر فقلناه، ونحن راحلون منه إن شاء اللّه قائلون الشّام.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولسليمان الرّيح عاصفةً}. إلى قوله: {وكنّا لهم حافظين} قال: ورّث اللّه سليمان داود، فورّثه نبوّته وملكه وزاده على ذلك أن سخّر له الرّيح والشّياطين.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولسليمان الرّيح عاصفةً تجري بأمره} قال: عاصفةً: شديدةٌ {تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها} قال: الشّام.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولسليمان الرّيح} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار {الرّيح} بالنّصب على المعنى الّذي ذكرناه. وقرأ ذلك عبد الرّحمن الأعرج: " الرّيح " رفعًا باللام في سليمان على ابتداء الخبر عن أنّ لسليمان الرّيح.
قال أبو جعفرٍ: والقراءة الّتي لا أستجيز القراءة بغيرها في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.
وقوله: {وكنّا بكلّ شيءٍ عالمين} يقول: وكنّا عالمين بأنّ فى فعلنا ما فعلنا لسليمان من تسخيرنا له، وإعطائنا ما أعطيناه من الملك، صلاح الخلق، فعلى علمٍ منّا بموضع ما فعلنا به من ذلك فعلنا، ونحن عالمون بكلّ شيءٍ، لا يخفى علينا منه شيءٌ). [جامع البيان: 16/331-332]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كان سليمان عليه السلام يوضع له ستمائة ألف كرسي ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون مما يليه ثم يجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعو الطير فتظلهم ثم يدعو الريح فتحملهم فيسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة). [الدر المنثور: 10/330-331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن محمد بن كعب قال: بلغنا أن سليمان عليه السلام كان عسكره مائة فرسخ خمسة وعشرون منها للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلثمائة حرة وسبعمائة سرية فأمر الريح العاصف فرفعته فأمر الريح فسارت به فأوحى الله إليه أني أزيد في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء إلا جاءت الريح فأخبرتك). [الدر المنثور: 10/331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان سليمان يأمر الريح فتجتمع كالطود العظيم ثم يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها ثم يدعو بفرس من ذوات الأجنحة فترتفع حتى تصعد على فراشه ثم يأمر الريح فترتفع به كل شرف دون السماء فهو يطأطئ رأسه ما يلتفت يمينا ولا شمالا تعظيما لله وشكرا لما يعلم من صغر ما هو فيه في ملك الله يضعه الريح حيث يشاء أن يضعه). [الدر المنثور: 10/331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: كان لسليمان مركب من خشب وكان فيه ألف ركن في كل ركن ألف بيت يركب معه فيه الجن والإنس تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك المركب فإذا ارتفع جاءت الريح الرخاء فسارت به وساروا معه فلا يدري القوم إلا قد أظلهم من الجيوش والجنود). [الدر المنثور: 10/331-332]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن السدي في قوله: {ولسليمان الريح عاصفة} قال: الريح الشديدة {تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} قال: أرض الشام). [الدر المنثور: 10/332]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولسليمان الريح} الآية، قال: ورث الله لسليمان داود فورثه نبوته وملكه وزاده على ذلك أنه سخر له الرياح والشياطين). [الدر المنثور: 10/332]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قرأ {ولسليمان الريح} يقول: سخرنا له الريح). [الدر المنثور: 10/332]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنّا لهم حافظين}.
يقول تعالى ذكره: وسخّرنا أيضًا لسليمان من الشّياطين من يغوصون له في البحر، ويعملون عملاً دون ذلك من البنيان والتّماثيل والمحاريب. {وكنّا لهم حافظين} يقول: وكنّا لأعمالهم، ولأعدادهم حافظين، لا يئودنا حفظ ذلك كلّه). [جامع البيان: 16/333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن الشياطين من يغوصون له} قال: يغوصون في الماء). [الدر المنثور: 10/332]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني والديلمي عن ابن مسعود قال: ذكر عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم رقية الحية فقال: اعرضها علي، فعرضها عليه بسم الله شجنية قرنية ملحة بحر قفطا، فقال: هذه مواثيق أخذها سليمان على الهوام ولا أرى بها باسا). [الدر المنثور: 10/332-333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن الشعبي قال: أرخ بنو إسحاق من مبعث موسى إلى ملك سليمان). [الدر المنثور: 10/333]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:48 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] وقعت فيه غنم القوم ليلًا فأفسدته.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: النّفش باللّيل والهمل بالنّهار.
قال قتادة: وذكر لنا أنّ غنم القوم وقعت في زرعٍ ليلًا، فرفع ذلك إلى داود فقضى بالغنم لصاحب الزّرع.
فقال سليمان: ليس كذلك، ولكن له نسلها ورسلها، وعوارضها، وجزازها، ويزرع له مثل ذلك الزّرع، حتّى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربّها، يعني صاحبها وقبض صاحب الزّرع زرعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] وفي تفسير الكلبيّ: أنّ أصحاب الحرث استعدوا على أصحاب
[تفسير القرآن العظيم: 1/327]
الغنم فنظر داود ثمن الحرث فإذا هو قريبٌ من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث.
فمرّوا بسليمان فقال: كيف قضى فيكم نبيّ اللّه؟ فأخبروه.
فقال: نعم ما قضى، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما.
فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه.
فأرسل إلى سليمان فدخل عليه، فعزم عليه داود بحقّ النّبوّة وبحقّ الملك، وحقّ الوالد لما حدّثتني كيف رأيت فيما قضيت.
فقال سليمان: قد عدل النّبيّ وأحسن، وغيره كان أرفق.
قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها، ولبنها، وأصوافها، وأولادها عامهم هذا وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الّذي أفسدت غنمهم، فإذا كان مثله حين أفسدوه قبضوا غنمهم.
قال له داود: نعم ما قضيت.
نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ قال: كان عنبًا.
وقال الكلبيّ: وكان الحرث عنبًا.
وتفسير مجاهدٍ: أنّ داود أعطى صاحب الحرث رقاب الغنم بأكلها الحرث.
وحكم سليمان بجزّة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعلى أهل الحرث رعيتها، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون كهيئته يوم أكل، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكنّا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] يعني داود وسليمان، لقضائهم شاهدين). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وحدّثني بحرٌ السّقّاء، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب وحرام بن محيّصة، عن البراء بن عازبٍ أنّ ناقةً له وقعت في حائط قومٍ فأفسدت فيه.
فاختصموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «ما أجد لكم إلا قضاء سليمان بن داود.
إنّه قضى على أهل المواشي حفظ مواشيهم باللّيل وقضى على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنّهار».
قال يحيى: إنّما في هذا الحديث أنّه يضمن ما يكون من الماشية باللّيل، وليس فيه كيف القضاء في ذلك الفساد اليوم.
وإنّما القضاء اليوم في ذلك الفساد ما بلغ الفساد من النّقصان.
وحدّثني عاصم بن حكيمٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ أنّ شاةً أكلت غزل حائكٍ قال: فأتوا شريحًا: قال: فقرأ شريحٌ هذه الآية: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] وقال: والنّفش لا يكون إلا باللّيل.
إن كان ليلًا ضمن، وإن كان نهارًا لم يضمن.
- قال: وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن زيادٍ، وحدّثني عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة كلاهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الدّابّة العجماء جبارٌ، والبئر جبارٌ، والمعدن جبارٌ، وفي الرّكاز الخمس».
[تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال يحيى: هي عندنا في حديث النّبيّ عليه السّلام في ناقة البراء بن عازبٍ أنّه بالنّهار، وأمّا إذا أفسدت باللّيل فصاحبها ضامنٌ.
واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم...}

النفش بالليل، وكانت غنماً لقوم وقعت في كرم آخرين؛ فارتفعوا إلى داود، فقضى لأهل الكرم بالغنم، ودفع الكرم إلى أهل الغنم فبلغ ذلك سليمان ابنه، فقال: غير هذا كان أرفق بالفريقين. فعزم عليه داود ليحكمنّ. فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الكرم فينتفعوا بألبانها وأولادها وأصوافها، ويدفع الكرم إلى أرباب الشاء فيقوموا عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد، فذكر أن القيمتين كانتا في هذا الحكم مستويتين: قيمة ما نالوا من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم. فذلك قوله: {ففهّمناها سليمان}. وقوله: {وكنّا لحكمهم}.
وفي بعض القراءة: (وكنّا لحكمهما شاهدين) وهو مثل قوله: {فإن كان له إخوةٌ} يريد: أخوين فما زاد. فهذا كقوله: {لحكمهم شاهدين} إذ جمع اثنين). [معاني القرآن: 2/208]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ نفشت فيه غنم القوم} النّفش أن تدخل في زرع ليلاً فتأكله وقالت: نفشت في جدادي، الجداد من نسج الثوب تعنى الغنم). [مجاز القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إذا نفشت فيه غنم القوم}: النفش أن تدخل بالليل في زرع أو غيره فتأكله وهي نافشة. والنشر بالنهار).[غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نفشت فيه غنم القوم}: رعت ليلا. يقال: نفشت الغنم بالليل، وهي إبل، نفش ونفّش ونفّاش. والواحد نافش. وسرحت.وسربت بالنهار). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين }
على معنى واذكر داوود وسليمان {إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم}النفش بالليل، والهمل بالنهار.
وجاء في التفسير أن غنما على عهد داوود وسليمان مرت بحرث لقوم فأفسدته، وروي أن الحرث كان حنطة، وروي أنه كان كرما، فأفسدت ذلك الحرث فحكم داود بدفع الغنم إلى أصحاب الكرم وحكم سليمان بأن يدفع الغنم إلى أصحاب الكرم فيأخذوا منافعها من ألبانها وأصوافها وعوارضها إلى أن يعود الكرم كهيئته وقت أفسد فإذا عاد الكرم إلى هيئته ردّت الغنم إلى أربابها ويدفع الكرم إلى صاحب الكرم.
قال أبو إسحاق: يجوز أن تكون عوارضها من أحد وجهين، إما أن يكون جمع عريض وعرضان، وهو اسم للحمل، وأكثر ذلك في الجدي، ويجوز أن يكون بما يعرض من منافعها حتى يعود الكرم كما كان، وهذا - واللّه أعلم - يدل على أن سليمان علم أن قيمة ما أفسدت الغنم من الكرم بمقدار نفع الغنم). [معاني القرآن: 3/399]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَفَشَتْ فِيهِ غنم القوم}: أي رعت ليلاً، يقال: نفشت بالليل، وسرحت بالنهار ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَفَشَتْ}: رعت ليلاً). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] وفي تفسير الكلبيّ: أنّ أصحاب الحرث استعدوا على أصحاب
[تفسير القرآن العظيم: 1/327]
الغنم فنظر داود ثمن الحرث فإذا هو قريبٌ من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث.
فمرّوا بسليمان فقال: كيف قضى فيكم نبيّ اللّه؟ فأخبروه.
فقال: نعم ما قضى، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما.
فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه.
فأرسل إلى سليمان فدخل عليه، فعزم عليه داود بحقّ النّبوّة وبحقّ الملك، وحقّ الوالد لما حدّثتني كيف رأيت فيما قضيت.
فقال سليمان: قد عدل النّبيّ وأحسن، وغيره كان أرفق.
قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها، ولبنها، وأصوافها، وأولادها عامهم هذا وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الّذي أفسدت غنمهم، فإذا كان مثله حين أفسدوه قبضوا غنمهم.
قال له داود: نعم ما قضيت.
نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ قال: كان عنبًا.
وقال الكلبيّ: وكان الحرث عنبًا.
وتفسير مجاهدٍ: أنّ داود أعطى صاحب الحرث رقاب الغنم بأكلها الحرث.
وحكم سليمان بجزّة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعلى أهل الحرث رعيتها، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون كهيئته يوم أكل، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/328] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] قال يحيى: كان هذا القضاء يومئذٍ، وقد تكون لأمّةٍ شريعةٌ ولأمّةٍ أخرى شريعةٌ غيرها، وقضاءٌ غير قضاء الأمّة الأخرى). [تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 79] يعني: أعطينا حكمًا وعلمًا، يعني: وعقلًا.
تفسير السّدّيّ، يعني بذلك: داود وسليمان.
قال: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير} [الأنبياء: 79] كانت جميع الجبال وجميع الطّير تسبح مع داود بالغداة والعشيّ ويفقه تسبيحها.
نا سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {يسبّحن} [الأنبياء: 79] قال: يصلّين، يفقه ذلك داود.
قوله: {وكنّا فاعلين} [الأنبياء: 79] أي: قد فعلنا ذلك بداود). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(قال اللّه عزّ وجلّ: {ففهّمناها سليمان وكلّا آتينا حكما وعلما وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير وكنّا فاعلين}

أي فهمناه القضية، والحكومة.
{وكلّا آتينا حكما وعلما}.
وقوله عزّ وجلّ: {وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير}.
ويجوز والطّير، على العطف على ما في يسبحن، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
{وكنّا فاعلين} أي وكنا نقدر على ما نريده، ونصب " الطير " من جهتين "
إحداهما على معنى وسخرنا الطير.
والأخرى على معنى يسبحن مع الطير). [معاني القرآن: 3/400-399]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم} [الأنبياء: 80] يعني دروع الحديد.
{لتحصنكم} [الأنبياء: 80] به، يعني: تجنّبكم.
{من بأسكم} [الأنبياء: 80] والبأس: القتال.
{فهل أنتم شاكرون} [الأنبياء: 80] فكان داود أوّل من عمل الدّروع، وكانت قبل ذلك صفائح). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لّكم لتحصنكم...}

و(ليحصنكم) و(لنحصنكم) فمن قال: (ليحصنكم) بالياء كان لتذكير اللّبوس. ومن قال: (لتحصنكم) بالتاء ذهب إلى تأنيث الصنعة. وإن شئت جعلته لتأنيث الدروع لأنها هي اللبوس.
ومن قرأ: (لنحصنكم)، بالنون يقول: لنحصنكم نحن: وعلى هذا المعنى يجوز (ليحصنكم) بالياء الله من بأسكم أيضاً). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعلّمناه صنعة لبوس لّكم} واللبوس: السلاح كلما من درع إلى رمح وقال الهذلي:
[مجاز القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {علّمناه صنعة لبوسٍ لكم} يعني الدّروع.
{لتحصنكم من بأسكم} أي من الحرب). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعلّمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}
وقرئت (لنحصنكم من بأسكم) بالنون، ويجوز (ليحصنكم) بالياء.
فمن قرأ بالياء أراد ليحصنكم هذا اللبوس، ويجوز على معنى ليحصنكم بالياء، فمن قرأ بالياء أراد ليحصنكم هذا اللبوس، ويجوز على معنى ليحصنكم اللّه من باسكم وهي مثل لنحصنكم – بالنون ومن قرأ بالتاء أراد لتحصنكم الصنعة.
فهذه الثلاثة الأوجه قد قرئ بهنّ، ويجوز فيها ثلاث لم يقرأ بهن، ولا ينبغي أن يقرأ بهن لأن القراءة سنة.
يجوز لنحصّنكم بالنون والتشديد، ولتحصّنكم بالتاء والتشديد.
وليحصّنكم بالياء مشددة الصاد في هذه الثلاث.
وعلّم الله داوود صنعة الدروع من الزرد، ولم تكن قبل داوود عليه السلام فجمعت الخفة والتحصين، كذا روي). [معاني القرآن: 3/400]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولسليمان الرّيح} [الأنبياء: 81] أي: وسخّرنا لسليمان الرّيح.
{عاصفةً} [الأنبياء: 81] لا تؤذيه.
{تجري بأمره} [الأنبياء: 81] مسخّرةً.
قوله: {تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها} [الأنبياء: 81] وهي أرض الشّام وأفضلها فلسطين.
قال: {وكنّا بكلّ شيءٍ عالمين} [الأنبياء: 81]
قال: حدّثني عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن عمر بن موسى، عن عقبة بن وسّاجٍ قال: ما ينقص من الأرض يزاد في الشّام، وما ينقص من الشّام يزاد بفلسطين.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: ما نقص من الأرض زيد في الشّام، وما نقص من الشّام زيد في فلسطين.
وذلك أنّه يقال: إنّها أرض المحشر والمنشر، وبها يجتمع النّاس.
- قال قتادة: وحدّث أبو قلابة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «رأيت فيما يرى النّائم كأنّ الملائكة حملت عمود الكتاب فوضعته بالشّام، فأوّلتها فضل الشّام، إنّ الفتن إذا وقعت كان الإيمان بالشّام».
الصّلت بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن نوفٍ البكاليّ قال: تخرب الأمصار قبل الشّام بأربعين عامًا، وإنّما ضمنت لأهلها برًّا وزيتًا حتّى تقوم السّاعة وإنّ بها قبر اثنين وسبعين نبيًّا، وإنّ إليها المحشر والمنشر، وإنّ بها الميزان، وإنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/331]
الصّخرة تخرج من تحتها أربعة أنهارٍ: سيحون، وجيحون، والنّيل، والفرات). [تفسير القرآن العظيم: 1/332]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {تجري بأمره إلى الأرض...}

كانت تجري بسليمان إلى كلّ موضع؛ ثم تعود به من يومه إلى منزله. فذلك قوله: {تجري بأمره إلى الأرض} ). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {عاصفةً} شديدة الحر.
وقال في موضع آخر: {فسخّرنا له الرّيح تجري بأمره رخاءً}، أي لينة. كأنها كانت تشتدّ إذا أراد، وتلين إذا أراد). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولسليمان الرّيح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها وكنّا بكلّ شيء عالمين}
وقرئت الرياح عاصفة، وقرئت الريح عاصفة - برفع الريح.
فمن قرأ الريح عاصفة بالنصب فهي عطف على الجبال.
والمعنى وسخرنا مع داود الجبال، وسخرنا لسليمان الريح، وعاصفة منصوب على الحال ومن قرأ الريح رفع كما تقول: لزيد المال، وهذا داخل في معنى التسخير،
لأنه إذا قال {تجري بأمره إلى الأرض} ففي الكلام دليل على أن اللّه جل ثناؤه - سخّرها). [معاني القرآن: 3/401-400]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن الشّياطين من يغوصون له} [الأنبياء: 82] وهذا على الجماعة.
{ويعملون عملا دون ذلك} [الأنبياء: 82] دون الغوص.
وكانوا يغوصون في البحر فيخرجون له اللّؤلؤ.
وقال في آيةٍ أخرى: {كلّ بنّاءٍ وغوّاصٍ} [ص: 37].
وقال قتادة: ورّث اللّه سليمان داود نبوّته، وملكه، وزاد سليمان على ذلك أنّ اللّه تبارك وتعالى سخّر له الرّيح والشّياطين.
قوله: {وكنّا لهم حافظين} [الأنبياء: 82] حفظهم اللّه عليه ألا يذهبوا ويتركوه، فكانوا مسخّرين له.
وقال الحسن: لم يسخّر له في هذه الأعمال وفيما يصفّد، يجعلهم في السّلاسل من الجنّ، إلا الكفّار منهم.
واسم الشّيطان لا يقع إلا على الكافر من الجنّ.
حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ قال: أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فقالوا له: زوبعة الشّيطان له عينٌ في جزيرةٍ في البحر، يردها كلّ سبعةٍ أيّامٍ يومًا.
فأتوها، فنزحوها ثمّ صبّوا فيها خمرًا.
فجاء لورده، فلمّا أبصر الخمر قال في كلامٍ له: ما علمت أنّك إذا شربك صاحبك لممًا يظهر عليه عدوّه، في أساجع.
لا أذوقك اليوم.
فذهب ثمّ رجع لظمأٍ آخر.
فلمّا رآها قال كما قال أوّل مرّةٍ.
ثمّ ذهب فلم يشرب.
ثمّ جاء لظمأٍ آخر لإحدى وعشرين ليلةً، قال: ما علمت أنّك لتذهبين الهمّ، في سجعٍ له.
فشرب منها، فسكر.
فجاءوا إليه، فأروه خاتم السّخرة فانطلق معهم إلى سليمان.
فأمرهم بالبناء، فقال زوبعة: دلّوني على بيض الهدهد.
فدلّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/332]
على عشّه.
فأكبّ عليه جمجمةً، يعني زجاجةً.
فجاء الهدهد فجعل لا يصل إليه، فانطلق، فجاء بالماس الّذي يثقب به الياقوت، فوضعه عليها، فقطّ الزّجاجة نصفين، ثمّ ذهب ليأخذه فأعجزه، فجاءوا بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون الجبال كأنّما يخطّون في نواحيها في طينٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/333]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويعملون عملاً دون ذلك...}

دون الغوص. يريد سوى الغوص. من البناء.
وقوله: {وكنّا لهم حافظين} للشياطين. وذلك أنهم كانوا يحفظون من إفساد ما يعملون فكان سليمان إذا فرغ بعض الشياطين من عمله وكّله بالعمل الآخر،
لأنه كان إذا فرغ ممّا يعمل فلم يكن له شغل كرّ على تهديم ما بنى فذلك قوله: {وكنّا لهم حافظين} ). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومن الشّياطين من يغوصون له} " ومن " يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث.
قال الفرزدق:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني=نكن مثل من يا دئب يصطحبان
وكذلك يقع على المؤنث كقوله " ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً "، وقد يجوز أن يخرج لفظ فعل: " من " على لفظ الواحد والمعنى على الجميع؛
كقولك: من يفعل ذلك، وأنت تسأل عن الجميع). [مجاز القرآن: 2/41]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنّا لهم حافظين}
وقال: {ومن الشّياطين من يغوصون له} فذكر الشياطين وليسوا من الإنس إلاّ أنّهم مثلهم في الطاعة والمعصية. ألا ترى أنك تقول "الشياطين يعصون" ولا تقول: "يعصين" ،
وإنما جمع {يغوصون} و{من} في اللفظ واحد لأن {من} في المعنى لجماعة.
قال الشاعر:
لسنا كمن جعلت إيادٍ دارها = تكريت تنظر حبّها أن يحصدا
وقال:
أطوف بها لا أرى غيرها = كما طاف بالبيعة الرّاهب
فجعل "الراهب" بدلا من {ما} كأنه قال "كالذي طاف" وتقول العرب: "إنّ الحقّ من صدّق الله" أي: "الحقّ حقّ من صدّق الله"). [معاني القرآن: 3/8-7]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنّا لهم حافظين}
يجوز أن يكون موضع " من " نصبا عطفا على الريح، ويجوز أن يكون " من " - في موضع رفع من جهتين:
إحداهما العطف على الريح، المعنى ولسليمان الريح وله من يغوصون من الشياطين، ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء، ويكون " له " الخبر.
وقوله: {ويعملون عملا دون ذلك}معناه سوى ذلك، أي سوى الغوص.
{وكنّا لهم حافظين}كان اللّه يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا). [معاني القرآن: 3/401]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 08:50 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
Post


التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والنفش مصدر نفشت القطن والصوف والنفش أن تنتشر الإبل بالليل فترعى وقد أنفشتها إذا أرسلتها بالليل ترعى بلا راع وهي إبل نفاش قال الله عز وجل: {إذ نفشت فيه غنم القوم} ). [إصلاح المنطق: 41]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال أنفشت الإبل والغنم إنفاشا إذا أرسلتها ترعى بالليل بلا راع وهي إبل نفاش ونفش ونفش وقد نفشت الصوف أنفشه نفشا). [إصلاح المنطق: 260]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول قد هملت الإبل فهي هاملة وهوامل وقد أهملتها أنا إذا أرسلتها ترعى ليلا ونهارا بلا راع فالهمل يكون ليلا ونهارا فأما النفش فلا يكون إلا ليلا تقول نفشت تنفش نفوشا وهي إبل نفش ونوافش ونفاش
وقد أنفشتها أنا وكذلك نفشت الغنم ولا يقال هملت الغنم). [إصلاح المنطق: 327-328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (حدّثنا الرياشيّ قال: لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم: إنك قد هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركهم فإن كان حقًا فقد أخطا أبوك، وإن كان باطلاّ فقد خالفته. فكتب إليه الوليد: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث} إلى آخر القصة). [عيون الأخبار: 2/199]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويروى لقد نفشت شول: رواه أحمد بن عبيد: أي: سرحت قال: ويقال النفش لا يكون إلا بالليل بغير راع فإذا كان معها راع يصرفها فليست بنافشة: قال الله عز وجل: {إذ نفشت فيه غنم القوم}: نفشت هي وأنفشها راعيها: وأنشد للراجز:
أجرس يا ابن أبي كباش = فما لها الليلة من إنفاش).
[شرح المفضليات:627- 628]

تفسير قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) }

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«اللبوس» إذا نويت بها درع الحديد خاصة أنثت، فإذا كان اسما عاما للباس ذكرت). [المذكور والمؤنث: 83]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (واللبوس ما يلبس قال الله جل وعز: {وعلمناه صنعة لبوس لكم} وقال آخر:
(البس لكل عيشة لبوسها = إما نعيمها وإما بوسها) ).
[إصلاح المنطق: 333]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) }
قال عليُّ بنُ حَمزةَ الكِسَائِيُّ (189هـ): ( ويقال: امرأة طالق، وطاهر، وحائض، وطامث، وريح عاصف. كل هذه الأحرف، بغير هاء.
فإذا قال لك قائل: قد قال الله تعالى: {ولسليمان الريح عاصفة} فأثبت الهاء!
قيل: هذا على مبالغة المدح والذم. قال الأعشى:
أيا جارتي بيني وبينك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وللعرب أحرف كثيرة من المذكر بالهاء على مبالغة المدح والذم؛ كقولهم: رجل شتامة، وعلامة، وطلابة، وجماعة، وبذارة، وسيارة في البلاد، وجوالة. ورجل راوية، وباقعة، وداهية. ورجل لجوجة، وصرورة، وهو الذي لم يحج قط. قال النابغة الذبياني:

لو أنها عرضت لأشمط راهب = يخشى الإله صرورة متعبد
لرنا لبهجتها وحسن حديثها = ولخاله رشدا وإن لم يرشد
ويقال: رجل هيابة، وهو الذي تأخذه الرعدة، عند الخصومة، فلا
يقدر على الكلام. ومثله: جثامة، قال الشاعر:

تنبئك أنى لا هيابة ورع = عند الخطوب ولا جثامة حرض
ورجل فحاشة. وكذلك: وقاعة، وبسامة، وهلباجة. قال الشاعر:
قد زعم الحيدر أني هالك
وإنما الهالك ثم الهالك
هلباجة ضاقت به المسالك). [ما تلحن فيه العامة: 125-126]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
أبقى العواصف من معالم رسمها = شذب الخيام ومربط الأمهار
والعواصف الرياح الشديدة الهبوب). [نقائض جرير والفرزدق: 333-334]


تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قال الله عز وجل: {أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا إنا خلقناهم مما يعلمون}، معناه: من أجل ما يعلمون من الثواب والعقاب والجزاء بالأعمال التي تكون منهم، فحذف (أجل) وقامت (ما) مقامه.
ويقال: معنى الآية: إنا خلقناهم من الجنس الذي يعلمون ويفهمون وتقوم عليهم الحجة، ولم نخلقهم من البهائم التي لا تعقل ولا يلزمها ثواب ولا عقاب، فتجعل (ما) في موضع (الناس)؛ لأن المكان مكان إبهام، وليس بموضع تخصيص ولا تحصيل، كما يقول الرجل للرجل: ما أنت وما أبوك؟ فيستفهم بـ (ما) إذا كان الموضع غير محصل ولا مخصص، وجمع يعلمون بمعنى (ما) كما قال: {ومنهم من يستمعون إليك}، {ومن الشياطين من يغوصون له}: قال الفرزدق:
تعش فإن عاهدتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فثنى، (يصطحبان) لمعنى (من)، وأنشد الفراء:
ألما بسلمى لمة إذ وقفتما = وقولا لها عوجي على من تخلفوا
فجمع الفعل لما وصفنا). [كتاب الأضداد: 329-330] (م)






رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 03:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 03:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 04:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين}
المعنى: واذكر داود وسليمان، هكذا قدره جماعة من المفسرين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل عندي ويقوى أن يكون المعنى: "وآتينا داود" عطفا على قوله: "ونوحا"، وذلك عطف على قوله: {ولوطا آتيناه حكما وعلما}، والمعنى على هذا التأويل متسق.
وسليمان هو ابن داود عليهما السلام من بني إسرائيل، وكان ملكا عدلا نبيا يحكم بين الناس فوقعت بين يديه هذه النازلة، وكان ابنه إذ ذاك قد كبر، وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وكانوا يدخلون إلى داود عليه السلام من باب آخر، فتخاصم إلى داود عليه السلام رجل له زرع، وقيل: كرم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
و "الحرث" يقال فيهما، وهو في الزرع أبعد عن الاستعارة، دخلت حرثه غنم رجل
[المحرر الوجيز: 6/183]
آخر فأفسدت، فرأى داود عليه السلام أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فقالت فرقة: على أن يبقى كرمه بيده، وقالت فرقة: بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث والحرث إلى صاحب الغنم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فيشبه على هذا القول الواحد أنه رأى الغنم تقاوم الغلة التي أفسدت، وعلى القول الثاني رآها تقاوم الحرث وغلته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا يظن بداود عليه السلام إلا أن حكمه بنظر متوجه.
فلما خرج الخصمان على سليمان عليه السلام تشكى له صاحب الغنم، فجاء سليمان إلى داود فقال: يا نبي الله، إنك حكمت بكذا، وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع، قال: وما هو؟ قال: أن يأخذ صاحب الغنم الحرث يقوم عليه ويصلحه حتى يعود كما كان، ويأخذ صاحب الحرث الغنم في تلك المدة ينتفع بمرافقها من لبن وصوف ونسل وغير ذلك، فإذا كمل الحرث وعاد إلى حاله صرف كل واحد مال صاحبه، فرجعت الغنم إلى ربها والحرث إلى ربه، فقال داود عليه السلام: وفقت يا بني، وقضى بينهما بذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا شك أن سليمان عليه السلام رأى ما يتحمله صاحب الغنم من فقد مرافق غنمه تلك المدة، ومن مؤونة إصلاح الحرث، يوازي ما فسد في الحرث، وفضل حكمه حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقي ملك كل واحد منهما على متاعه، وتبقى نفسه بذلك طيبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذهبت فرقة إلى أن هذه النازلة لم يكن الحكم فيها باجتهاد، وإنما حكم داود بوحي، وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود، وجعلت فرقة - ومنها ابن فورك - قوله تعالى: {ففهمناها سليمان} أي فقهناه القضاء الفاصل الناسخ الذي أراد الله تبارك وتعالى أن يستقر في النازلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحتاج هذه الفرقة في هذه اللفظة إلى هذا التعب ويبقى لها المعنى قلقا.
[المحرر الوجيز: 6/184]
وقال جمهور الأمة: إن حكمهما كان باجتهاد، وأدخل العلماء هذه الآية في كتبهم على مسألة اجتهاد العالمين، فينبغي أن يذكر هنا تلخيص مسألة الاجتهاد، واختلف أهل السنة في العالمين - فما زاد - يفتيان من الفروع والأحكام في المسألة فيختلفان، فقالت فرقة: الحق في مسائل الفروع في طرف واحد عند الله تعالى، وقد نصب على ذلك أدلة وحمل المجتهدين على البحث عنها والنظر فيها، فمن صادف العين المطلوبة في المسألة فهو المصيب على الإطلاق، وله أجران، أجر في الاجتهاد وأجر في الإصابة، ومن لم يصادفها فهو مصيب في اجتهاده مخطئ في أن لم يصب العين، فله أجر وهو غير معذور، وهذا هو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد العالم فأخطأ فله أجر، وكذلك أيضا يدخل في قوله صلى الله عليه: إذا اجتهد العالم فأخطأ، العالم يجتهد فيخالف نصا لم يمر به، كقول سعيد بن المسيب في النكاح: إنه العقد في مسألة التحليل للزوج المطلق ونحوه، وهذا يجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد العالم فأخطأ وبين قوله: كل مجتهد مصيب أي أخطأ العين المطلوبة وأصاب في اجتهاده، ورأت هذه الفرقة أن العالم المخطئ لا إثم عليه في خطئه وإن كان غير معذور. وقالت فرقة: الحق في طرف واحد ولم ينصب الله تعالى عليه دليلا، بل وكل الأمر إلى نظر المجتهدين، فمن أصابه أصاب، ومن أخطأه فهو معذور ومأجور، ولم نتعبد بإصابة العين بل تعبدنا بالاجتهاد فقط. وقال جمهور أهل السنة - وهو المحفوظ عن مالك وأصحابه -: الحق في مسائل الفروع في الطرفين، وكل مجتهد مصيب، والمطلوب إنما هو الأفضل في الظن، فكل مجتهد قد أداه نظره إلى الأفضل في نظره، والدليل على هذه المقالة أن الصحابة فمن بعدهم قرر بعضهم خلاف بعض ولم ير أحد منهم أن يقع الاعتماد على قوله دون قول مخالفه، ومنه رد مالك رحمه الله للمنصور أبي جعفر عن
[المحرر الوجيز: 6/185]
حمل الناس على الموطأ إلى كثير من هذا المعنى، وإذا قال العالم في أمر ما: حلال، فذلك هو الحق فيما يختص بذلك العالم عند الله تعالى وبكل من أخذ بقوله، وإذا قال آخر: حرام وكل ذلك باجتهاد، فذلك أيضا حق عند الله تعالى فما يختص بذلك العالم وبكل من أخذ بقوله، فأما من قال إن الحق في طرف فرأى مسألة داود وسليمان عليهما السلام مطردة على قوله، وأن سليمان عليه السلام صادف العين المطلوبة وهي التي فهم، ومن رأى الحق في الطرفين رأى أن سليمان عليه السلام فهم القضية المثلى والتي هي أرجح، لا أن الأولى خطأ، وعلى هذا يحملون قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد العالم فأخطأ أي: أخطأ الأفضل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكثيرا ما يكون بين الأقوال في هذه المسائل قليل تباين إلا أن ذلك الشفوف يشرف القول وكثيرا ما يتبين الفضل بين القولين بأدنى نظر، ومسائل الفروع تخالف مسائل الأصول في هذا، ومسألة المجتهدين في نفسها مسألة أصل، والفرق بين مسائل الفروع ومسائل الأصول أن مسائل الأصول الكلام فيها إنما هو في وجود شيء ما، كيف هو؟ كقولنا: "يرى الله يوم القيامة" فقالت المعتزلة: "لا يرى"، وكقولنا: "الله واحد"، وقالت النصارى: "ثلاثة"، وهكذا هل للمسائل عين مطلوبة؟ ومسائل الفروع إنما الكلام فيها على شيء متقرر الوجود، كيف حكمه من تحليل أو تحريم ونحو هذا؟ والأحكام خارجة عن ذاته ووجوده، وإنما هي بمقاييس واستدلالات، وتعتبر مسائل الفروع بأنها كل ما يمكن أن ينسخ بعضه بعضا، ومسائل الأصول ما لو تقرر الوجه الواحد لم يصح أن يطرأ عليه الآخر ناسخا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومسألة الاجتهاد طويلة ومتشعبة، إلا أن هذه النبذة تليق بالآية وتقتضيها حرصا على الإيجاز.
ويتعلق بالآية فصل آخر لا بد من ذكره وهو رجوع الحاكم بعد قضائه من اجتهاد إلى اجتهاد آخر أرجح من الأول، فإن داود عليه السلام فعل ذلك في هذه النازلة، واختلف فقهاء المذهب المالكي في القاضي يحكم في قضية، ثم يرى بعد ذلك أن غير ما حكم به أصوب، فيريد أن ينقض الأول ويقضي بالثاني، فقال عبد الملك، ومطرف في
[المحرر الوجيز: 6/186]
(الواضحة): ذلك له ما دام في ولايته، فأما إن كانت ولاية أخرى فليس ذلك له، وهو بمنزلة غيره من القضاة، وهذا هو ظاهر قول مالك رحمه الله في "المدونة". وقال سحنون في رجوعه من اجتهاد فيه قول إلى غيره مما رآه أصوب: ليس له ذلك. وقال ابن عبد الحكم، ويستأنف الحكم بما قوي عنده آخرا، قال سحنون: إلا أن يكون نسي الأقوى عنده أو وهم فحكم بغيره فله نقضه، وأما إن حكم بحكم وهو الأقوى عنده في ذلك الوقت ثم توجه عنده غير ذلك فلا سبيل له إلى نقض الأول، [قال سحنون في كتاب ابنه. وقال أشهب في كتاب ابن المواز: إن كان رجوعه إلى الأصوب في مال فله نقض الأول]، وإن كان في طلاق أو نكاح أو عتق فليس له نقضه، وقد تقدم القول في الحرث، روت فرقة أنه كان زرعا، وروت فرقة أنه كان كرما.
و "النفش": تسرب البهائم في الزرع وغيرها بالليل، و"الهمل": تسربها في ذلك بالنهار والليل، قال ابن سيده: لا يقال الهمل في الغنم، وإنما هو في الإبل، ومضى الحكم في الإسلام بتضمين أرباب النعم ما أفسدت بالليل لأن على أهلها أن يثقفوها، وعلى أهل الزروع وغيرها حفظها بالنهار، هذا هو مقتضى الحديث في ناقة البراء بن عازب، وهو مذهب مالك وجمهور الأمة، ووقع في كتاب ابن
[المحرر الوجيز: 6/187]
سحنون أن الحديث إنما جاء في أمثال المدينة التي هي حيطان محدقة، وأما البلاد التي هي زروع متصلة غير محظرة وبساتين كذلك فيضمن أرباب الغنم ما أفسدت من ليل أو نهار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
كأنه ذهب إلى أن ترك تثقيف الحيوان في مثل هذه البلاد تعد لأنها لا بد تفسد. وقال أبو حنيفة في ذلك: لا ضمان، وأدخله في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: جرح العجماء جبار، فقاس جميع أفعالها على جروحها). [المحرر الوجيز: 6/188]

تفسير قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكلا آتينا حكما وعلما} تأول قوم منهم أن داود عليه السلام لم يخطئ في هذه النازلة، بل فيها أوتي الحكم والعلم، وقالت فرقة: بل لأنه لم يصب العين المطلوبة في هذه النازلة مدحه الله تعالى بأن له حكما وعلما يرجع إليه في غير هذه النازلة.
وقوله تعالى: {وكنا فاعلين} مبالغة في الخير وتحقيق له، وفي اللفظ معنى: وكان ذلك في حقه وعند مستوجبه منا، فكأنه قال: وكنا فاعلين لأجل استجابة ذلك وحذف اختصارا لدلالة ظاهر القول عليه على ما حذف منه، وقوله: "لحكمهم" يريد داود وسليمان والخصمين، لأن الحكم ينضاف إلى جميعهم وإن اختلفت جهات الإضافة، وقرأت فرقة: "لحكمهما".
واختلف الناس في قوله تعالى: "يسبحن" فذهبت فرقة - وهي الأكثر - إلى أنه قوله "سبحان الله"، وذهبت فرقة منها منذر بن سعيد إلى أنه بمعنى: يصلين معه بصلاته). [المحرر الوجيز: 6/188]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين}
عدد الله تعالى على البشر أن علم داود عليه السلام صنعة الدروع وألان له الحديد فكان يصنعها أحكم صنعة لتكون وقاية من الحرب وسبب نجاة من العدو، و"اللبوس" في اللغة: السلاح، فمنه الدرع والسيف والرمح وغير ذلك، ومنه قول الشاعر:
ومعي لبوس للبئيس كأنه روق بجبهة ذي نعاج مجفل
يعني الرمح.
وقرأ نافع والجمهور: "ليحصنكم" بالياء على معنى: ليحصنكم داود عليه السلام أو اللبوس، وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: "لتحصنكم" بالتاء على معنى: لتحصنكم الصنعة أو الدروع التي أوقع عليها اللبوس، وقرأ أبو بكر عن عاصم: "لنحصنكم" بالنون على معنى رد الفعل إلى الله تعالى، ويروى أنه كان الناس يتخذ القوي منهم لباسا من صفائح الحديد، فكان ثقله يقطع بأكثر الناس). [المحرر الوجيز: 6/189]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأت فرقة: "الريح" بالنصب على معنى: وسخرنا الريح، وقرأت فرقة: "الريح" بالرفع على الابتداء والخبر في المجرور قبله. ويروى أن الريح العاصفة كانت تهب على سرير سليمان عليه السلام الذي فيه بساطه، وقد مد حول البساط بالخشب والألواح حتى صنع سريرا يحمل جميع عسكره وأقواته، فتقله من الأرض في الهواء ثم تتولاه الريح الرخاء بعد ذلك فتحمله إلى حيث أراد سليمان عليه السلام.
[المحرر الوجيز: 6/189]
وقوله: {إلى الأرض التي باركنا فيها}، اختلف الناس فيها، فقالت فرقة: هي أرض الشام وكانت مسكنه وموضع ملكه، وخصص في هذه الآية انصرافه في سفراته إلى أرضه لأن ذلك يقتضي سفره إلى المواضع التي سافر إليها، و"البركة" في أرض الشام بينة الوجوه، وقد قال بعضهم: إن العاصفة هي في القبول على عادة البشر والدواب في الإسراع إلى الوطن، والرخاء كانت في البدأة حيث أصاب، أي حيث يقصده؛ لأن ذلك وقت تأن وتدبير وتقلب رأي، وقال منذر بن سعيد: في الآية تقديم وتأخير، والكلام تام عند قوله: "إلى الأرض"، وقوله: "التي باركنا فيها" صفة للريح.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يريد الأرض التي يسير إليها سليمان عليه السلام كائنة ما كانت، وذلك أنه لم يكن يسير إلى أرض إلا أصلحها، وقتل كفارها، وأثبت فيها الإيمان، وبث فيها العدل، ولا بركة أعظم من هذا، فكأنه قال: إلى أي أرض باركنا فيها فبعثنا سليمان إليها). [المحرر الوجيز: 6/190]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين}
يحتمل أن يكون قوله: "يغوصون له" في موضع نصب على معنى: وسخرنا من الشياطين، ويحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء، ويتناسب هذا مع القراءتين المتقدمتين في قوله سبحانه: "ولسليمان الريح" بالنصب والرفع. وقوله تعالى: "يغوصون" جمع على معنى "من" لا على لفظها، و"الغوص": الدخول في الماء والأرض، والعمل دون ذلك البنيان وغيره من الصنائع والخدمة ونحوه، وقوله: {وكنا لهم حافظين}، قيل: معناه: من إفسادهم ما صنعوه، فإنهم كان له حرص على ذلك لولا ما حال الله تعالى بينهم وبين ذلك، وقيل: معناه: عادلين وحاضرين، أي لا يشذ عن علمنا وتسخيرنا أحد منهم). [المحرر الوجيز: 6/190]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 03:18 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 03:39 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين (78) ففهّمناها سليمان وكلا آتينا حكمًا وعلمًا وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير وكنّا فاعلين (79) وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون (80) ولسليمان الرّيح عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها وكنّا بكلّ شيءٍ عالمين (81) ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنّا لهم حافظين (82)}.
قال ابن إسحاق، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ: كان ذلك الحرث كرمًا قد نبتت عناقيده. وكذا قال شريح.
قال ابن عبّاسٍ: النّفش: الرّعي.
وقال شريح، والزّهريّ، وقتادة: النّفش باللّيل. زاد قتادة: والهمل بالنّهار.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصمّ قالا حدثنا المحاربي، عن أشعت، عن أبي إسحاق، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ في قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: كرمٌ قد أنبتت عناقيده، فأفسدته. قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: غير هذا يا نبيّ اللّه! قال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتّى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتّى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله: {ففهّمناها سليمان}.
وهكذا روى العوفي، عن ابن عبّاسٍ.
وقال حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، حدّثنا خليفة، عن ابن عبّاسٍ قال: فحكم داود بالغنم لأصحاب الحرث، فخرج الرّعاء معهم الكلاب، فقال لهم سليمان: كيف قضى بينكم؟
فأخبروه، فقال: لو وليت أمركم لقضيت بغير هذا! فأخبر بذلك داود، فدعاه فقال: كيف تقضي بينهم؟ قال أدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فيكون له أولادها وألبانها وسلاؤها ومنافعها ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم، فإذا بلغ الحرث الّذي كان عليه أخذ أصحاب الحرث الحرث وردّوا الغنم إلى أصحابها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا خديج، عن أبي إسحاق، عن مرّة، عن مسروقٍ قال: الحرث الّذي نفشت فيه الغنم إنّما كان كرمًا نفشت فيه الغنم، فلم تدع فيه ورقةً ولا عنقودًا من عنبٍ إلّا أكلته، فأتوا داود، فأعطاهم رقابها، فقال سليمان: لا بل تؤخذ الغنم فيعطاها أهل الكرم، فيكون لهم لبنها ونفعها، ويعطى أهل الغنم الكرم فيصلحوه ويعمّروه حتّى يعود كالّذي كان ليلة نفشت فيه الغنم، ثمّ يعطى أهل الغنم غنمهم، وأهل الكرم كرمهم.
وهكذا قال شريح، ومرّة، ومجاهدٌ، وقتادة، وابن زيدٍ وغير واحدٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن أبي زيادٍ، حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا إسماعيل، عن عامرٍ، قال: جاء رجلان إلى شريح، فقال أحدهما: إنّ شاة هذا قطعت غزلًا لي، فقال شريحٌ: نهارًا أم ليلًا؟ فإن كان نهارًا فقد برئ صاحب الشّاة، وإن كان ليلًا ضمن، ثمّ قرأ: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه} الآية.
وهذا الّذي قاله شريح شبيهٌ بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث اللّيث بن سعدٍ، عن الزّهريّ، عن حرام بن محيصة ؛ أنّ ناقة البراء بن عازبٍ دخلت حائطًا، فأفسدت فيه، فقضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أهل الحوائط حفظها بالنّهار، وما أفسدت المواشي باللّيل ضامنٌ على أهلها. وقد علّل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في كتاب "الأحكام" وباللّه التّوفيق.
وقوله: {ففهّمناها سليمان وكلا آتينا حكمًا وعلمًا} قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّادٌ، عن حميدٍ؛ أنّ إياس بن معاوية لمّا استقضى أتاه الحسن فبكى، قال ما يبكيك؟ قال يا أبا سعيدٍ، بلغني أنّ القضاة: رجلٌ اجتهد فأخطأ، فهو في النّار، ورجلٌ مال به الهوى فهو في النّار، ورجلٌ اجتهد فأصاب فهو في الجنّة. فقال الحسن البصريّ: إنّ فيما قصّ اللّه من نبأ داود وسليمان، عليهما السّلام، والأنبياء حكمًا يردّ قول هؤلاء النّاس عن قولهم، قال اللّه تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين} فأثنى اللّه على سليمان ولم يذمّ داود. ثمّ قال -يعني: الحسن-: إنّ اللّه اتّخذ على الحكماء ثلاثًا: لا يشترون به ثمنًا قليلًا ولا يتّبعون فيه الهوى، ولا يخشون فيه أحدًا، ثمّ تلا {يا داود إنّا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللّه]} [ص:26] وقال: {فلا تخشوا النّاس واخشون} [المائدة:44]، وقال {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا} [المائدة:44].
قلت: أمّا الأنبياء، عليهم السّلام، فكلّهم معصومون مؤيّدون من اللّه عزّ وجلّ. وهذا ممّا لا خلاف فيه بين العلماء المحقّقين من السّلف والخلف، وأمّا من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاريّ، عن عمرو بن العاص أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ" فهذا الحديث يردّ نصًّا ما توهّمه "إياسٌ" من أنّ القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النّار، واللّه أعلم.
وفي السّنن: "القضاة ثلاثةٌ: قاضٍ في الجنّة، وقاضيان في النّار: رجلٌ علم الحقّ وقضى به فهو في الجنّة، ورجلٌ حكم بين النّاس على جهلٍ فهو في النّار، ورجلٌ علم الحقّ وقضى بخلافه، فهو في النّار.
وقريبٌ من هذه القصّة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد في مسنده، حيث قال: حدّثنا عليّ بن حفص، أخبرنا ورقاء عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بينما امرأتان معهما ابنان لهما، جاء الذّئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا. فدعاهما سليمان فقال: هاتوا السّكّين أشقّه بينهما، فقالت الصّغرى: يرحمك اللّه هو ابنها، لا تشقه، فقضى به للصّغرى".
وأخرجه البخاريّ ومسلمٌ في صحيحهما وبوّب عليه النّسائيّ في كتاب القضاء: (باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحقّ).
وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة "سليمان عليه السّلام" من تاريخه، من طريق الحسن بن سفيان، عن صفوان بن صالحٍ، عن الوليد بن مسلمٍ، عن سعيد بن بشرٍ، عن قتادة، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ -فذكر قصّةً مطوّلةً ملخّصها-: أنّ امرأةً حسناء في زمان بني إسرائيل، راودها عن نفسها أربعةٌ من رؤسائهم، فامتنعت على كلٍّ منهم، فاتّفقوا فيما بينهم عليها، فشهدوا عليها عند داود، عليه السّلام، أنّها مكّنت من نفسها كلبًا لها، قد عوّدته ذلك منها، فأمر برجمها. فلمّا كان عشيّة ذلك اليوم، جلس سليمان، واجتمع معه ولدانٌ، مثله، فانتصب حاكمًا وتزيّا أربعةٌ منهم بزيّ أولئك، وآخر بزيّ المرأة، وشهدوا عليها بأنّها مكنت من نفسها كلبًا، فقال سليمان: فرّقوا بينهم. فقال لأوّلهم: ما كان لون الكلب؟ فقال: أسود. فعزله، واستدعى الآخر فسأله عن لونه، فقال: أحمر. وقال الآخر: أغبش. وقال الآخر: أبيض. فأمر بقتلهم، فحكي ذلك لداود، فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة، فسألهم متفرّقين عن لون ذلك الكلب، فاختلفوا عليه، فأمر بقتلهم.
وقوله: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير وكنّا فاعلين}: وذلك لطيب صوته بتلاوة كتابه الزّبور، وكان إذا ترنّم به تقف الطّير في الهواء، فتجاوبه، وترد عليه الجبال تأويبًا؛ ولهذا لمّا مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أبي موسى الأشعريّ، وهو يتلو القرآن من اللّيل، وكان له صوتٌ طيّبٌ [جدًا]. فوقف واستمع لقراءته، وقال: "لقد أوتي هذا مزامير آل داود". قال يا رسول اللّه، لو علمت أنّك تسمع لحبّرته لك تحبيرًا.
وقال أبو عثمان النّهديّ: ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمارٍ مثل صوت أبي موسى رضي اللّه عنه، ومع هذا قال: لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود). [تفسير ابن كثير: 5/ 355-358]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم ليحصنكم من بأسكم} يعني صنعة الدّروع.
قال قتادة: إنّما كانت الدّروع قبله صفائح، وهو أوّل من سردها حلقًا. كما قال تعالى: {وألنّا له الحديد. أن اعمل سابغاتٍ وقدّر في السّرد} [سبأٍ:10، 11] أي: لا توسّع الحلقة فتقلق المسمار، ولا تغلظ المسمار فتقدّ الحلقة؛ ولهذا قال: {ليحصنكم من بأسكم} يعني: في القتال، {فهل أنتم شاكرون} أي: نعم اللّه عليكم، لما ألهم به عبده داود، فعلّمه ذلك من أجلكم). [تفسير ابن كثير: 5/ 358]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولسليمان الرّيح عاصفةً} أي: وسخّرنا لسليمان الرّيح العاصفة، {تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها} يعني أرض الشّام، {وكنّا بكلّ شيءٍ عالمين} وذلك أنّه كان له بساطٌ من خشبٍ، يوضع عليه كلّ ما يحتاج إليه من أمور المملكة، والخيل والجمال والخيام والجند، ثمّ يأمر الرّيح أن تحمله فتدخل تحته، ثمّ تحمله فترفعه وتسير به، وتظلّه الطّير من الحرّ، إلى حيث يشاء من الأرض، فينزل وتوضع آلاته وخشبه، قال اللّه تعالى: {فسخّرنا له الرّيح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب} [ص:36]، وقال {غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} [سبأٍ:12].
قال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كان يوضع لسليمان ستّمائة ألف كرسيٍّ، فيجلس ممّا يليه مؤمنو الإنس، ثمّ يجلس من ورائهم مؤمنو الجنّ، ثمّ يأمر الطّير فتظلّهم، ثمّ يأمر الرّيح فتحمله صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ: كان سليمان يأمر الرّيح، فتجتمع كالطّود العظيم، كالجبل، ثمّ يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكانٍ منها، ثمّ يدعو بفرس من ذوات الأجنحة، فترتفع حتّى تصعد على فراشه، ثمّ يأمر الرّيح فترتفع به كل شرف دون السّماء، وهو مطأطئٌ رأسه، ما يلتفت يمينًا ولا شمالًا تعظيمًا للّه عزّ وجلّ، وشكرًا لما يعلم من صغر ما هو فيه في ملك الله تعالى حتّى تضعه الرّيح حيث شاء أن تضعه). [تفسير ابن كثير: 5/ 358-359]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن الشّياطين من يغوصون له} أي: في الماء يستخرجون اللّآلئ [وغير ذلك. {ويعملون عملا دون ذلك} أي: غير ذلك، كما قال تعالى: {والشّياطين كلّ بنّاءٍ وغوّاصٍ *] وآخرين مقرّنين في الأصفاد}. [ص: 37، 38].
وقوله: {وكنّا لهم حافظين} أي: يحرسه اللّه أن يناله أحدٌ من الشّياطين بسوءٍ، بل كلٌّ في قبضته وتحت قهره لا يتجاسر أحدٌ منهم على الدّنوّ إليه والقرب منه، بل هو محكّم فيهم، إن شاء أطلق، وإن شاء حبس منهم من يشاء؛ ولهذا قال: {وآخرين مقرّنين في الأصفاد}). [تفسير ابن كثير: 5/ 359]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة