التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى:{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الّذي يعدكم إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرف كذّاب (28)}
جاء في التفسير : أن هذا الرجل أعني مؤمن آل فرعون، كان أن يسمى: سمعان، وقيل: كان اسمه حبيبا، ويكون {من آل فرعون} : صفة للرجل، ويكون {يكتم إيمانه} معه محذوف، ويكون المعنى يكتم إيمانه منهم، ويكون يكتم من صفة رجل، فيكون المعنى: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.
{أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه} : المعنى لأن يقول ربي اللّه.
{وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم}: أي: بما يدل على صدقه من آيات النبوة {وإن يك كاذبا فعليه كذبه} , أي: فلا يضركم.
{وإن يك صادقا يصبكم بعض الّذي يعدكم} : وهذا من لطيف المسائل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره، لم يقع بعضه، فالسؤال في هذا من أين جاز أن يقول: بعض الذي يعدكم؟، وحق اللفظ كل الذي يعدكم , فهذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى الزام الحجة بأيسر ما في الأمر، , وليس في هذا نفي إصابة الكل ومثل هذا قول الشاعر:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته = وقد يكون مع المستعجل الزّلل
إنما ذكر البعض ليوجب له الكل، لا أن البعض هو الكل ولكن للقائل إذا قال أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل الزلل، فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه.
وكان مؤمن آل فرعون قال لهم: أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وفي بعض ذلك هلاككم، فهذا تأويله , واللّه أعلم). [معاني القرآن: 4/371-372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}
يجوز أن يكون المعنى : وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون على التقديم والتأخير
ويجوز أن يكون المعنى : وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه :{ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله } أي: لأن يقول , وإن يك كاذبا فعليه كذبه , أي : لا يضركم منه شيء.
وقوله جل وعز: {وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم}: هذه آية مشكلة ؛ لأن كل ما وعد به نبي كان فهذا موضع كل , ففيها أجوبة:
-منها أن بعضا بمعنى كل , وهذا مذهب أبي عبيدة وأنشد:
=أو يرتبط بعض النفوس حمامها
وهذا قول مرغوب عنه ؛ لأن فيه بطلان البيان .
-قال أبو إسحاق : في هذا إلزام الحجة للمناظر , أن يقال: أرأيت إن أصابك بعض ما أعدك , أليس فيه هلاكك؟ , فالمعنى : إن لم يصبكم إلا بعض ما وعدكم موسى , هلكتم , قال ومثله قول الشاعر:
قد يدرك المتأني بعض حاجته = وقد يكون مع المستعجل الزلل
أي : أقل أحوال المتأني أن يدرك بعض حاجته .
-وقيل: ليس في قوله: {يصبكم بعض الذي يعدكم} : نفي للكل.
-وقيل: الأنبياء صلى الله عليهم يدعون على قومهم , فيقولون :اللهم اخسف بهم , اللهم أهلكهم في أنواع من الدعاء , فيصيبهم بعض ذلك .
-وفي الآية جواب خامس , وهو: أن موسى وعدهم بعذاب الدنيا معجلا إن كفروا , وبعذاب الآخرة , وإنما يلحقهم في الدنيا ما وعدهم به فيها , وعذاب الآخرة مؤخر , فعلى هذا يصيبهم بعض الذي يعدهم .
ثم قال جل وعز: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}
أي : كافر
وقال قتادة :أي: (أسرف على نفسه بالشرك)
وقال السدي : (وهو صاحب الدم).).[معاني القرآن: 6/216-218]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({يصبكم بعض الذي يعدكم}
قال ثعلب: وعدهم شيئين من العذاب: عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، فقال: يصبكم هذا العذاب في الدنيا، وهو بعض الوعيدين.). [ياقوتة الصراط: 450]
تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والبأس: الشدة بالعذاب، قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي عذابنا.
وقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} وقال: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} أي: يمنعنا من عذاب الله). [تأويل مشكل القرآن: 505] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلّا ما أرى وما أهديكم إلّا سبيل الرّشاد (29)}
هذه حكاية قول مؤمن آل فرعون, أعلمهم اللّه أن لهم الملك في حال ظهورهم على جميع الناس).[معاني القرآن: 4/372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}
روي , عن معاذ بن جبل أنه قرأ: {سبيل الرشاد} بتشديد الشين , وقال: (سبيل الله جل وعز)
قال أبو جعفر : وهذا عند أكثر أهل اللغة العربية لحن ؛ لأنها إنما يقال : أرشد يرشد, ولا يكون فعال من أفعل , إنما يكون من الثلاثي , وإن أردت التكثير من الرباعي قلت مفعال .
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد , لا على أنه مشتق منه , ولكن كما يقال: لأل من اللؤلؤ , فهو بمعناه , وليس جاريا عليه , ويجوز أن يكون رشاد من : رشد , يرشد , أي: صاحب رشاد كما قال:
=كليني لهم يا أميمة ناصب)[معاني القرآن: 6/219]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ثم أعلمهم أن بأس اللّه لا يدفعه داف, ع ولا ينصر منه ناصر فقال: {فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا}
{وقال الّذي آمن يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب (30)}:أي: مثل يوم حزب حزب، والأحزاب ههنا : قوم نوح , وعاد , وثمود , ومن أهلك بعدهم وقبلهم). [معاني القرآن: 4/372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب}
قال قتادة : هم قوم نوح , وعاد , وثمود.). [معاني القرآن: 6/219]
تفسير قوله تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ومعنى: {مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والّذين من بعدهم وما اللّه يريد ظلما للعباد (31)}
مثل عادة، وجاء في التفسير مثل : حال قوم نوح، أي أخاف عليكم أن تقيموا على كفركم, فينزل بكم ما نزل بالأمم السالفة المكذبة رسلهم). [معاني القرآن: 4/373]
تفسير قوله تعالى: {و َيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {[و] يا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد...}.
قرأها العوام على التناد بالتخفيف، وأثبت الحسن وحده فيه الياء، وهي من تنادى القوم...
- وحدثني حبان , عن الأجلح , عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: (تنزل الملائكة من السموات، فتحيط بأقطار الأرض، ويجاء بجهنم، فإذا رأوها هالتهم، فندّوا في الأرض كما تند الإبل، فلا يتوجهون قطراً إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا، وذلك قوله: {يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض} , وذلك قوله: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا، وجيء يومئذٍ بجهنّم} وذلك قوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلاً}).
قال الأجلح: وقرأها الضحاك: {التنادّ} مشددة الدال.
قال حبان: وكذلك فسّرها الكلبي , عن أبي صالح , عن ابن عباس...
ومن قرأها {التناد} خفيفة : أراد يوم يدعو أهل الجنة أهل النار، وأهل النار أهل الجنة، وأصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم).[معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يوم التّناد} :أي : يوم يتنادي الناس: ينادي بعضهم بعضا.
ومن قرأ: التّناد بالتشديد، فهو من «ند يند»: إذا مضي على وجهه , يقال: ندت الإبل، إذا شردت وذهبت). [تفسير غريب القرآن: 386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد (32)}
{التّناد}:بكسر الدال , وقرأ الحسن :يوم التنادي, بإثبات الياء , وأكثر القراءة: التناد، وقرأ ابن عباس يوم التنادّ , بتشديد الدال، والأصل التنادي , وإثبات الياء الوجه، وحذفها حسن جميل ؛ لأن الكسرة تدل عليها الياء , وهو رأس آية، وأواخر هذه الآيات على الدال.
ومعنى : يوم التنادي: يوم ينادي {أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا} , وينادي {أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء}.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون " يوم الئناد ": يوم يدعي كل أناس بإمامهم.
ومن قرأ يوم التنادّ , بتشديد الدال، فهو من قولهم ندّ فلان, وندّ البعير إذا هرب على وجهه، ومما يدل على هذا قوله:{يوم تولّون مدبرين}, وقوله :{يوم يفرّ المرء من أخيه (34) وأمّه وأبيه (35)}
وجاء في التفسير : أنهم يؤمر بهم إلى النار فيفرون , ولا يعصمهم من النار). [معاني القرآن: 4/373]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد}
وقرأ الضحاك : يوم التناد , بتشديد الدال
قال أهل العربية : هذا لحن , لأنه من: ند يند , إذا مر على وجهه هاربا , كما قال الشاعر:
وبرك هجود قد أثارت مخافتي = نواديها أسعى بعضب مجرد
قال : ولا معنى لهذا في القيامة.
قال أبو جعفر: هذا غلط , والقراءة به حسنة .
روى صفوان بن عمرو , عن عبد الله بن خالد قال : (يظهر للناس يوم القيامة عنق من نار , فيولون هاربين منها حتى تحيط بهم , فإذا أحاطت بهم , قالوا أين المفر ؟, ثم أخذوا في البكاء حتى تنفد الدموع , فيكون دما , ثم تشخص أبصار الكفار , فذلك قوله تعالى: {مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم}
ويروي : أنه إذا أمر بهم إلى النار , ولوا هاربين منها, ولو لم يكن في الاحتجاج بالقراءة إلا قوله تعالى: {يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم}لكفى) .
فأما معنى التخفيف , فقال قتادة في قوله: {إني أخاف عليكم يوم التناد} , قال : يوم ينادى كل قوم بأعمالهم , وينادي أهل الجنة أهل النار
وقال عبد الله بن خالد : (إذا حشر الناس يوم القيامة نادى بعضهم بعضا حتى يظهر لهم عنق من النار فيولون هاربين).).[معاني القرآن: 6/220-222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَوْمَ التَّنَادِ}: ينادي بعضهم بعضاً , ومن شدد الدال فهو من : ند البعير شرق , ومضى لوجهه, وتصديق هذه القراءة: {يوم يفر المرء من أخيه} ..الآية).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 216]
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ما لكم من الله من عاصم}
قال قتادة: (أي : من ناصر)). [معاني القرآن: 6/222]