تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه ...
وسبب نزول قوله تعالى: يسئلونك ماذا أحلّ لهم أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد في البيت كلبا فلم يدخل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ادخل فقال أنا لا أدخل بيتا فيه كلب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فقتلت حتى بلغت العوالي فجاء عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا يا رسول الله، ماذا يحل لنا من هذه الكلاب؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وروى هذا السبب أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كان المتولي لقتل الكلاب، وحكاه أيضا عكرمة ومحمد بن كعب القرظي موقوفا عليهما وظاهر الآية أن سائلا سأل عما أحل للناس من المطاعم لأن قوله تعالى: قل أحلّ لكم الطّيّبات ليس الجواب على ما يحل لنا من اتخاذ الكلاب اللهم إلا أن يكون هذا من إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه وهذا موجود كثيرا من النبي صلى الله عليه وسلم كجوابه في لباس المحرم وغير ذلك وهو صلى الله عليه وسلم مبين الشرع فإنما يجاوب مادّا أطناب التعليم لأمته، والطّيّبات الحلال هذا هو المعنى عند مالك وغيره ولا يراغى مستلذا كان أم لا، وقال الشافعي: الطّيّبات الحلال المستلذ وكل مستقذر كالوزغ والخنافس وغيرها فهي من الخبائث حرام.
وقوله تعالى: وما علّمتم من الجوارح تقديره وصيد ما علمتم أو فاتخاذ ما علمتم وأعلى مراتب التعليم أن يشلى الحيوان فينشلي ويدعى فيجيب ويزجر بعد ظفره بالصيد فينزجر وأن يكون لا يأكل من صيده فإذا كان كلب بهذه الصفات ولم يكن أسود بهيما فأجمعت الأمة على صحة الصيد به بشرط أن يكون تعليم مسلم ويصيد به مسلم، هنا انعقد الإجماع فإذا انخرم شيء مما ذكرنا دخل الخلاف، فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد تعليم فهو جارح أي كاسب يقال: جرح فلان واجترح إذا كسب ومنه قوله تعالى: ويعلم ما جرحتم بالنّهار [الأنعام: 60] أي كسبتم من حسنة وسيئة وكان ابن عمر يقول إنما يصاد بالكلاب فأما ما صيد به من البزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو حلال لك وإلا فلا تطعمه هكذا حكى ابن المنذر قال: وسئل أبو جعفر عن البازي والصقر أيحل صيده قال: لا إلا أن تدرك ذكاته قال واستثنى قوم البزاة فجوزوا صيدها لحديث عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال إذا أمسك عليك فكل، وقال الضحاك والسدي: وما علّمتم من الجوارح مكلّبين هي الكلاب خاصة فإن كان الكلب أسود بهيما فكره صيده الحسن بن أبي الحسن وقتادة وإبراهيم النخعي. وقال أحمد بن حنبل ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما وبه قال ابن راهويه، فأما عوام أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم.
وأما أكل الكلب من الصيد فقال ابن عباس وأبو هريرة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وقتادة وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان وأصحابه، لا يؤكل ما بقي لأنه إنما أمسك على نفسه ولم يمسك على ربه ويعضد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في الكلب المعلم وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وتأول هؤلاء قوله تعالى: فكلوا ممّا أمسكن عليكم أي الإمساك التام ومتى أكل فلم يمسك على الصائد، وقال سعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن عمر وأبو هريرة أيضا وسلمان الفارسي رضي الله عنهم: إذا أكل الجارح أكل ما بقي وإن لم تبق إلا بضعة. وهذا قول مالك وجميع أصحابه فيما علمت وتأولوا قوله تعالى: ممّا أمسكن عليكم [المائدة: 4] على عموم الإمساك فمتى حصل إمساك ولو في بضعة حل أكلها وروي عن النخعي وأصحاب الرأي والثوري وحماد بن أبي سليمان أنهم رخصوا فيما أكل البازي منه خاصة في البازي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنه لا يمكن فيه أكثر من ذلك لأن حد تعليمه أن يدعى فيجيب، وأن يشلى
فينشلي، وإذا كان الجارح يشرب من دم الصيد فجمهور الناس على أن ذلك الصيد يؤكل، وقال عطاء:
ليس شرب الدم بأكل. وكره أكل ذلك الصيد الشعبي وسفيان الثوري.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس في الحيوان شيء يقبل التعليم التام إلا الكلب شاذا وأكثرها يأكل من الصيد ولذلك لم ير مالك ذلك من شروط التعليم. وأما الطير فقال ربيعة: ما أجاب منها إذا دعي فهو المعلم الضاري.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأن أكثر الحيوان بطبعه ينشلي، وقال أصحاب أبي حنيفة: إذا صاد الكلب وأمسك ثلاث مرات ولاء فقد حصل منه التعليم، قال ابن المنذر: وكان النعمان لا يحد في ذلك عددا، وقال غيرهم: إذا فعل ذلك مرة واحدة فقد حصل معلما وإذا كان الكلب تعليم يهودي أو نصراني فكره الصيد به الحسن البصري، فأما كلب المجوسي وبازه وصقره فكره الصيد بها جابر بن عبد الله والحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري وإسحاق بن راهويه، ومالك رحمه الله والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على إباحة الصيد بكلابهم إذا كان الصائد مسلما قالوا: وذلك مثل شفرته، وأما إن كان الصائد من أهل الكتاب فجمهور الأمة على جواز صيده غير مالك رحمه الله فإنه لم يجوز صيد اليهودي والنصراني وفرق بين ذلك وبين ذبيحته وتلا قول الله تعالى: تناله أيديكم ورماحكم قال فلم يذكر الله بهذا اليهود ولا النصارى، وقال ابن وهب وأشهب: صيد اليهودي والنصراني حلال كذبيحته، وفي كتاب محمد لا يجوز صيد الصابئ ولا ذبيحته وهم قوم بين اليهود والنصارى لا دين لهم وأما إن كان الصائد مجوسيا فمنع من أكل صيده مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وعطاء وابن جبير والنخعي والليث بن سعد وجمهور الناس، وقال أبو ثور فيها قولين: أحدهما كقول هؤلاء، والآخر أن المجوس أهل كتاب وأن صيدهم جائز، وقرأ جمهور الناس «وما علمتم» بفتح العين واللام وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية «علّمتم» بضم العين وكسر اللام أي أمر الجوارح والصيد بها، والجوارح الكواسر على ما تقدم، وحكى ابن المنذر عن قوم أنهم قالوا الجوارح مأخوذ من الجارح أي الحيوان الذي له ناب وظفر أو مخلب يجرح به صيده.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف أهل اللغة على خلافه وقرأ جمهور الناس «مكلّبين» بفتح الكاف وشد اللام والمكلب معلم الكلاب ومضريها ويقال لمن يعلم غير كلب مكلب لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب، وقرأ الحسن وأبو زيد «مكلبين» بسكون الكاف وتخفيف اللام ومعناه أصحاب كلاب يقال: أمشى الرجل كثرت ماشيته وأكلب كثرت كلابه، وقال بعض المفسرين: المكلب بفتح الكاف وشد اللام صاحب الكلاب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس هذا بمحرر.
أي يعلمونهن من الحيلة في الاصطياد والتأتي لتحصيل الحيوان وهذا جزء مما علمه الله الإنسان ف «من» للتبعيض، ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية وأنث الضمير في تعلّمونهنّ مراعاة للفظ الجوارح إذ هو جمع جارحة.
قوله عز وجل: فكلوا ممّا أمسكن عليكم واذكروا اسم اللّه عليه واتّقوا اللّه إنّ اللّه سريع الحساب (4)
قوله تعالى: فكلوا ممّا أمسكن عليكم يحتمل أن يريد مما أمسكن فلم يأكلن منه شيئا.
ويحتمل أن يريد مما «أمسكن» وإن أكلن بعض الصيد وبحسب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل منه الجارح وقد تقدم ذلك، وقوله تعالى: واذكروا اسم اللّه عليه أمر بالتسمية عند الإرسال على الصيد وفقه الصيد والذبح في معنى التسمية واحد فقال بعض العلماء هذا الأمر على الوجوب ومتى ترك المرسل أو الذابح التسمية عمدا أو نسيانا لم تؤكل وممن رويت عنه كراهية ما لم يسم عليه الله نسيانا الشعبي وابن سيرين ونافع وأبو ثور، ورأى بعض العلماء هذا الأمر بالتسمية على الندب وإلى ذلك ينحو أشهب في قوله إن ترك التسمية مستخفا لم تؤكل وإن تركها عامدا لا يدري قدر ذلك لكنه غير متهاون بأمر الشريعة فإنها تؤكل ومذهب مالك وجمهور أهل العلم: أن التسمية واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان فمن تركها عامدا فقد أفسد الذبيحة والصيد ومن تركها ناسيا سمى عند الأكل وكانت الذبيحة جائزة، واستحب أكثر أهل العلم أن لا يذكر في التسمية غير الله تعالى وأن لفظها بسم الله والله كبر، وقال قوم: إن صلى مع ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فجائز، ثم أمر تعالى بالتقوى على الجملة والإشارة الغريبة هي إلى ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر وسرعة الحساب هي من أنه تبارك وتعالى قد أحاط بكل شيء علما فلا يحتاج إلى محاولة عد ويحاسب جميع الخلائق دفعة واحدة، وتحتمل الآية أن تكون وعيدا بيوم القيامة كأنه قال إن حساب الله لكم سريع إتيانه إذ يوم القيامة قريب، ويحتمل أن يريد ب الحساب المجازاة فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتق الله). [المحرر الوجيز: 3/105-110]
تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين ولا متّخذي أخدانٍ ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين (5)
وقوله تعالى: اليوم أحلّ لكم الطّيّبات إشارة إلى الزمن والأوان، والخطاب للمؤمنين، وتقدم القول في الطّيّبات وقوله تعالى: وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم ابتداء وخبر، وحلٌّ معناه حلال، والطعام في هذه الآية الذبائح كذا قال أهل التفسير، وذلك أن الطعام الذي لا محاولة فيه كالبر والفاكهة ونحوه لا يضر فيه ويحرم عينه تملك أحد، والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين فمنه ما محاولته صنعة لا تعلق للدين بها كخبز الدقيق وتعصير الزيت ونحوه فهذا إن جنب من الذمي فعلى جهة التقزز، والضرب الثاني هي التزكية التي هي محتاجة إلى الدين والنية فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم كما تقول: إنهم لا صلاة لهم ولا صوم ولا عبادة مقبولة رخص الله تعالى في ذبائحهم على هذه الأمة وأخرجها بالنص عن القياس، ثم إن العلماء اختلفوا في لفظ طعام فقال الجمهور: وهي الذبيحة كلها وتذكية الذمي عاملة لنا في كل الذبيحة ما حل له منها وما حرم عليه لأنه مذك. وقالت جماعة من أهل العلم إنما أحل لنا طعامهم من الذبيحة أي الحلال لهم لأن ما لا يحل لهم لا تعمل فيه تذكيتهم فمنعت هذه الطائفة الطريف والشحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب، وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك رحمه الله، واختلف العلماء في لفظة أوتوا فقالت فرقة إنما أحلت لنا ذبائح بني إسرائيل والنصارى الصرحاء الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل، فمنعت هذه الفرقة ذبائح نصارى بني تغلب من العرب وذبائح كل دخيل في هذين الدينين وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب ويقول لأنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا ليس بنهي عن ذبائح النصارى المحققين منهم، وقال جمهور الأمة ابن عباس والحسن وعكرمة وابن المسيب والشعبي وعطاء وابن شهاب والحكم وحماد وقتادة ومالك رحمه الله وغيرهم: إن ذبيحة كل نصراني حلال سواء كان من بني تغلب أو غيرهم، وكذلك اليهود وتأولوا قول الله تعالى: ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم [المائدة: 51] وقوله تعالى: وطعامكم حلٌّ لهم أي ذبائحكم، فهذه رخصة للمسلمين لا لأهل الكتاب لما كان الأمر يقتضي أن شيئا قد تشرعنا فيه بالتذكية ينبغي لنا أن نحميه منهم ورخص الله تعالى في ذلك رفعا للمشقة بحسب التجاوز، وقوله تعالى: والمحصنات عطف على الطعام المحلل، والإحصان في كلام العرب وفي تصريف الشرع مأخوذ من المنعة ومنه الحصن، وهو مترتب بأربعة أشياء: الإسلام والعفة والنكاح والحرية، فيمتنع في هذا الموضع أن يكون الإسلام لأنه قد نص أنهن من أهل الكتاب ويمتنع أن يكون النكاح لأن ذات الزوج لا تحل، ولم يبق إلا الحرية والعفة فاللفظة تحتملهما، واختلف أهل العلم بحسب هذا الاحتمال فقال مالك رحمه الله ومجاهد وعمر بن الخطاب وجماعة من أهل العلم «المحصنات» في هذه الآية الحرائر فمنعوا نكاح الأمة الكتابية، وقالت جماعة من أهل العلم: «المحصنات» في هذه الآية العفائف، منهم مجاهد أيضا والشعبي وغيرهم فجوزوا نكاح الأمة الكتابية وبه قال سفيان والسدي، وقال الشعبي: إحصان الذمية ألا تزني وأن تغتسل من الجنابة، وقال أبو ميسرة: مملوكات أهل الكتاب بمنزلة حرائرهن العفائف منهن حلال نكاحهن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومنع بعض العلماء زواج غير العفيفة بهذه الآية، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا اطلع الرجل من امرأته على فاحشة فليفارقها. وفرق ابن عباس بين نساء أهل الحرب ونساء أهل الذمة فقال: من أهل الكتاب من يحل لنا وهم كل من أعطى الجزية، ومنهم من لا يحل لنا وهم أهل الحرب، وكره مالك رحمه الله نكاح نساء أهل الحرب مخافة ضياع الولد أو تغير دينه، والأجور في هذه الآية المهور، وانتزع أهل العلم لفظة آتيتموهنّ أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل من المهر ما يستحلها به، ومن جوز أن يدخل دون أن يبذل ذلك فرأى أنه بحكم الارتباط والالتزام في حكم الموتى، ومحصنين معناه متزوجين على السنة، والإحصان في هذا الموضع هو بالنكاح، والمسافح المزاني، والسفاح الزنى، والمسافحة هي المرأة التي لا ترد يد لامس وتزني مع كل أحد وهن أصحاب الرايات في الجاهلية، والمخادنة أن يكون الزانيان قد وقف كل واحد نفسه على صاحبه، وقد تقدم نظير هذه الآية وفسر بأوعب من هذا، وقوله تعالى: ومن يكفر بالإيمان يحتمل أن يكون المعنى على أن الكفر هو بنفس الإيمان، وفي هذا مجاز واستعارة لأن الإيمان لا يتصور كفر به إنما الكفر بالأمور التي حقها أن يقع الإيمان بها، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 3/110-112]