قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) [17] في (ما) وجهان: إن شئت جعلتها توكيدًا للكلام، والخبر ما عاد من (يهجعون)، كأنه قال: كانوا يهجعون قليلاً من الليل. والوجه الثاني أن تجعل (قليلاً خبر «كان» وترفع (ما) بمعنى «قليل»، كأنه قال: كانوا قليلاً من الليل هجوعهم، فمن الوجهين جميعًا لا يحسن أن يوقف إلا على (يهجعون). وروي عن يعقوب الحضرمي أنه قال اختلفوا في تفسير هذه الآية فقال بعضهم: كانوا قليلا. معناه «كان عندهم يسيرا» ثم ابتدأ فقال: (من الليل ما يهجعون). قال أبو بكر: وهذا فاسد لأن الآية إنما تدل على قلة نومهم لا على قلة عددهم. وبعد فلو ابتدأنا (من الليل ما يهجعون) على معنى «من الليل يهجعون» لم يكن في هذا مدح لهم لأن الناس كلهم يهجعون من الليل إلا أن نجعل (ما) جحدا.
(حق للسائل والمحروم) [19] وقف حسن.
وكذلك: (في أنفسكم) [21].)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/905-906]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (وقال يعقوب: {كانوا قليلاً} تام. وهو قول الضحاك، والمعنى: كان عددهم قليلاً. وقال الضحاك: كانوا قليلاً من الناس، والآية دالة على قلة نومهم لا على قلة عددهم. والمعنى: كان هجوعهم أي: نومهم قليلاً، وبذلك جاء التفسير.
حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا يحيى بن سلام في قوله: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون}. قال: تفسير الحسن يقول: كانوا لا ينامون منه إلا قليلاً.
{والمحروم} كاف. ومثله {وفي أنفسكم}.
{تنطقون} تام. وكذا آخر كل قصة فيها.)[المكتفى: 536- 537]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): (وعيون- 15- لا} لأن {آخذين} حالهم.
{بهم- 16- ط} {محسنين- 16- ط} {للموقنين- 20- لا} للعطف.
{وفي أنفسكم- 21- ط}) [علل الوقوف: 3/968]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (وعيون ليس بوقف لأنَّ آخذين حال من الضمير في وعيون ولو قرئ آخذون بالرفع لساغ عربية وذلك أنَّ الظرف قد قام مقام الاستقرار والرفع على أنَّه خبر إنْ ويكون الظرف ملغى كقوله إنَّ المجرمين في عذاب جهنم خالدون قاله العبادي
ما آتاهم ربُّهم (كاف) ومثله محسنين وكذا ما يهجعون قيل ما مصدرية وقيل نافية فعلى أنَّها مصدرية فالوقف على يهجعون وفي الثاني على قليلاً والتقدير على أنَّها مصدرية كان هجوعهم من الليل قليلاً وعلى أنَّها نافية كان عددهم قليلاً ما يهجعون أي لا ينامون من الليل قال يعقوب الحضرمي اختلف في تفسيرها فقيل كانوا قليلاً أي كان عددهم يسيرًا ثم ابتدأ فقال من الليل ما يهجعون وهذا فاسد لأنَّ الآية إنَّما تدل على قلة نومهم لا على قلة عددهم وقال السمين نفي هجوعهم لا يظهر من حيث المعنى ولا من حيث الصناعة أما الأول فلابد أن يهجعوا ولا يتصور نفي هجوعهم وأما الصناعة فلأنَّ ما في حيز النفي لا يتقدم عليه لأنَّ مالا يعمل ما بعدها فيما قبلها عند البصريين تقول زيدًا لم أضرب ولا تقول زيدًا ما ضربت هذا إن جعلتها نافية وإن جعلتها نافية وإن جعلتها مصدرية صار التقدير كان هجوعهم من الليل قليلاً ولا فائدة فيه لأنَّ غيرهم من سائر الناس بهذه المثابة
يستغفرون (كاف) ومثله المحروم وكذا للموقنين
وفي أنفسكم (أكفى) منه
تبصرون (كاف) ومثله توعدون وقرأ ابن محيصن وفي السماء رازقكم اسم فاعل والله سبحانه وتعالى متعال عن الجهة ولا يوقف على رزقكم لأنَّ قوله وما توعدون موضعه رفع بالعطف كأنَّه قال وفي السماء رزقكم وما وموعدكم والموعود به الجنة لأنَّها فوق السماء السابعة أو هو الموت والرزق المطر وقيل وما توعدون مستأنف خبره فورب السماء والأرض وقوله إنَّه لحق جواب القسم وعليه فالوقف على رزقكم
توعدون (كاف)
فورب السماء والأرض إنَّه لحقٌّ ليس بوقف على قراءة من قرأ مثل بالرفع لأنَّ مثل نعت لحق كأنَّه قال حق مثل نطقكم وبهذه القراءة قرأ حمزة والكسائي وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص مثل ما بنصب مثل على الحال من الضمير في لحق أو حال من نفس حق أو هي حركة بناء لما أضيف إلى مبنى بنى كما بنيت غير في قوله
لم يمنع الشرب منها غير أنْ نطقت = حمامة في غصون ذات أوقال
تنطقون (تام))[منار الهدى: 370-371]
- أقوال المفسرين