سورة محمد
[ من الآية (25) إلى الآية (32) ]
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأملى لهم (25)
قرأ أبو عمرو (وأملي لهم) بضم الألف، وفتح الياء.
وقرأ يعقوب الحضرمي (وأملي لهم) بضم الألف، وسكون الياء.
وقرأ الباقون (وأملى لهم) بفتح الألف واللام، وسكون الياء.
قال أبو منصور: من قرأ (وأملي لهم) بفتح الياء، وضم الألف فهو على ما لم يسم فاعله، وهو فعل ماض مجهول؛ ولذلك فتحت الياء.
ومن قرأ (وأملي لهم) بسكون الياء وضم الألف، فالألف ألف المخبر على (أفعل) أي: طوّل لهم المدة، كما قال الله: (إنّما نملي لهم ليزدادوا إثمًا).
[معاني القراءات وعللها: 2/386]
والإملاء: إطالة المدة.
ومن قرأ (وأملى لهم) فالفعل للشيطان سوّل لهم الشيطان، أي: زيّن لهم ردّتهم، وأملى، أي: منّاهم طول البقاء في الدنيا.
والأصل فيه من قولك: أقمت عنده ملاوةً من الدهر، وملاوة، وملوة، أي: مدة طويلة). [معاني القراءات وعللها: 2/387]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {وأملي لهم} [25].
فيه ثلاث قراءات:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/324]
قرأ أبو عمرو وحده: {وأملي لهم} على ما لم يسم فاعله. قال أبو عمرو: وما قرأت حرفًا من كتاب الله عز وجل برأي إلا قوله: {واملي لهم}فوجدت الناس قد سبقوني إليه. وما زدت في شعر العرب إلا بيتًا واحدًا في أول قصيدة الأعشي:
فأنكرني وما كان الذي نكرت = من الحوادث إلا الشيب والصلعا
وقرأ الباقون: {وأملي لهم} بفتح الهمزة، ردًا على قوله الشيطان: أسول لهم {وأملي لهم}.
وقرأ مجاهد: {وأملي لهم} بضم الهمزة، وإسكان [الميم] الله تعالى يخبر عن نفسه، أي: أملي أنا؛ لأن الله تعالى قد ذكر في مواضع أخر: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} وفي (الأعراف) {وأملي لهم إن كيدي متين} وكل ذلك صواب بحمد الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/325]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ أبو عمرو: وأملي لهم* [محمد/ 25] بضمّ الألف، وكسر اللّام وفتح الياء.
والباقون: وأملى بفتح الألف واللّام.
قال أبو علي: انتظرته مليا من الدّهر، أي: متّسعا منه، فهو صفة استعمل استعمال الأسماء، وقالوا: تمليت حبيبا، أي: عشت معه ملاوة وملاوة من الدّهر، قال التّوّزيّ: ملاوة وملاوة وملاوة، والملا: المتّسع من الأرض قال:
[الحجة للقراء السبعة: 6/194]
ألا غنّياني وارفعا الصّوت بالملا وقال آخر:
وأنضو الملا بالشّاحب المتشلشل وقالوا: الملوان: يريدون بها تكرّر اللّيل والنّهار، وكثرة تردّدهما، وطول مدتهما، قال:
نهار وليل دائم ملواهما على كلّ حال المرء يختلفان فلو كان اللّيل والنّهار لم يضافا إلى ضميرهما من حيث لا يضاف الشيء إلى نفسه، ولكن كأنّه يراد تكرّر الدّهر والساعة بهما.
والملاءة، الهمزة فيها منقلبة عن حرف لين بدلالة سقوطها في التّحقير، روينا في تحقيرها مليّتين، ولو كانت الهمزة لاما لم تسقط، ويشبه أن تكون لزيادة عرضها على عرض الشّفة، والضمير في أملي لاسم الله عزّ وجلّ، كما قال في أخرى: وأملي لهم إن كيدي متين [الأعراف/ 183] وأنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] وإنما نملي لهم ليزدادوا إثما [آل عمران/ 178].
[الحجة للقراء السبعة: 6/195]
فأمّا قراءة أبي عمرو: وأملي لهم*، فبناء الفعل للمفعول به حسن في هذا الموضع للعلم بأنّه لا يؤخر أحد مدة أحد، ولا يوسع له فيها إلّا الله سبحانه.
قال أبو الحسن: هي حسنة في المعنى، وليس ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
فآليت لا أشريه حتّى يملّني بشيء ولا أملاه حتّى يفارقا من هذا الباب، ولكن لا أملاه: لا أمله، فأبدل من التضعيف حرف العلّة كما أبدل في قوله: وقد خاب من دساها [الشمس/ 10] ونحو ذلك، ممّا يكثر، وكذلك قوله: فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5] هو بدل من التضعيف، وفي موضع آخر: أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل [البقرة/ 282].
وليس من هذا الباب قولهم: رجل ملي، إنّما هو على تخفيف الهمزة، والهمزة الأصل، قالوا: ملؤ الرجل ملاءة إذا أيسر، ومن هذا اللّفظ: ملأت الإناء مل ءا، ومنه أيضا: رجل مملوء: للمزكوم، وبه ملاءة). [الحجة للقراء السبعة: 6/196]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج ومجاهد والجحدري والأعمش ويعقوب: [سَوَّلَ لَهُمْ وَأُمْلِي لَهُمْ]، بضم الألف، وسكون الياء.
قال أبو الفتح: تقديره الشيطان سول لهم، وأملي أنا لهم، أي: الشيطان يغويهم وأنا أنظرهم. ومعنى سول لهم، أي: دلاهم، وهو من السول، وهو استرخاء البطن. رجل أسول، وامرأة سولاء: إذا كانا مسترخين البطون. قال الهذلي:
كالسحل البيض جلا لونها ... سح نجاء الحمل الأسول
أي: السحاب المسترخى الأسافل، لثقله وغزر مائه. فهذا إذا كقول الله سبحانه: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}، وهذا اشتقاق حسن، أخذناه عن أبي علي). [المحتسب: 2/272]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم} 25
قرأ أبو عمرو {وأملي لهم} بضم الألف وكسر اللّام وفتح الياء
[حجة القراءات: 667]
على ما لم يسم فاعله قال أبو عمرو إن الشّيطان لا يملي لأحد وحجته قوله {ولا يحسبن الّذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم} فكأن أبا عمرو لما كان القارئ إذا قرأ {وأملي} بالفتح جاز أن يقع في الوهم أن الإملاء مسند إلى الشّيطان لأن ذكره قد تقدم الفعل ولم يجر لله قبل الفعل ذكر فقرأ {وأملي} ليزيل التّوهّم إن الإملاء إلى الله لا إلى الشّيطان كما قال جلّ وعز {فأمليت للكافرين} وأصل الإملاء الإطالة في العمر يقال تملى فلا منزله إذا طالت إقامته فيه
وقرأ الباقون (أملى لهم) بفتح الألف أي زين لهم الشّيطان كذا قال النّخعيّ وقال آخرون أملى الله لهم فالفعل مسند إلى إليه وإن لم يجر له ذكر وحجتهم في هذا قوله {لتؤمنوا باللّه ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه}
[حجة القراءات: 668]
هذه الهاء أعني {تسبحوه} عائدة على الله وقوله {وتعزروه وتوقروه} عائدة على النّبي صلى الله عليه فكذلك قوله {الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم} التسويل راجع إلى الشّيطان والإملاء إلى الله). [حجة القراءات: 669]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {وأملى لهم} قرأه أبو عمرو بضم الهمزة، وكسر اللام، وفتح الياء، جعله فعلًا ماضيًا لم يسم فاعله، والفاعل في المعنى هو الله جل ذكره،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/277]
كما قال: {وأملي لهم إن كيدي} «الأعراف 183»، وقال: {أنما نملي لهم} «آل عمران 178»، وقرأ الباقون بفتح الهمزة واللام، وبألف بعد اللام، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، فهو في قراءة الجماعة على معنى أنهم بنوه على الإخبار عن الله جل ذكره بذلك، فهو فعل سمي فاعله، والفاعل مضمر في «أملي»، وهو الله جل ذكره، مثل قوله: {أنما نملي لهم}، وقوله: {فأمليت للذين كفروا} «الرعد 32» فالمعنى: الشيطان يسول لهم، و«أملي الله لهم» أي: أخر في أعمالهم حتى اكتسبوا السيئات ولم يعالجهم بالعقوبة، فالابتداء بـ «أملي لهم» في القراءتين حسن، ليفرق بين فعل منسوب إلى الشيطان وفعل الله جل ذكره، وقد قيل: إن المضمر في {وأملي لهم} بفتح الهمزة للشيطان، كأنه الملعون وسوس لهم فبعدت آمالهم حتى ماتوا على كفرهم، فلا يبتدأ بـ {أملي لهم} على هذا التقدير، والأول أحسن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/278]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {وَأُمْلِي لَهُمْ} [آية/ 25] بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله:-
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أن الفعل بني للمفعول به؛ لأن إسناد الفعل فيما تقدم إلى الشيطان، والإملاء إنما هو من الله تعالى، فقطع الإسناد إلى الفاعل، وبنى الفعل للمفعول به لذلك.
وقرأ يعقوب {وَأُمْلِي لَهُمْ} بضم الهمزة وكسر اللام وإسكان الياء.
والوجه أنه مضارع أمليت له، أي أطلت له المدة، فأنا أملي، فهو على الإخبار عن النفس، والمخبر هو الله عز وجل.
وقرأ الباقون {وَأُمْلِي لَهُمْ} بفتح الهمزة على الماضي.
[الموضح: 1184]
والوجه أن الفعل لله تعالى، والمعنى: الشيطان سول لهم، وأملى الله لهم، أي أمهلهم ووسع في عمرهم، وإنما جاز؛ لأنه معلوم أن المملي هو الله عز وجل). [الموضح: 1185]
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه يعلم إسرارهم (26)
قرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، (واللّه يعلم أسرارهم) بفتح الألف.
وقرأ الحضرميّ بالفتح والكسر.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي (إسرارهم) بكسر الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (أسرارهم) فهو جمع: السر.
ومن قرأ (إسرارهم) فهو مصدر: أسر يسرّ إسرارًا). [معاني القراءات وعللها: 2/387]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {والله يعلم إسرارهم} [26].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {إسرارهم} بكسر الهمزة جعلاه مصدر أسر يسر إسرارًا.
والباقون بالفتح جمع سر، يقال: أسررت الشيء: اخفيته وأسررته: أظهرته. وسررت زيدًا: فرحته، وسررت الصبي: قطعت سرره والذي تبقي: السرة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/326]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله: والله يعلم أسرارهم [محمد/ 26] فقرأ حمزة والكسائي وحفص: إسرارهم بكسر الألف.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: أسرارهم، بفتح الألف
[الحجة للقراء السبعة: 6/196]
حجة من قال: إسرارهم أنّه لمّا كان مصدرا أفرده، ولم يجمع، ويقوّي الإفراد قوله: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم [التوبة/ 78] فكما أفرد السّر ولم يجمع، كذلك قال: إسرارهم، والدليل على الإسرار قوله: يعلم ما يسرون وما يعلنون [النحل/ 23] ويعلم ما يخفون وما يعلنون [النمل/ 25].
ومن قال: أسرارهم بفتح الهمزة، جعله جمع سرّ كقولهم:
عدل وأعدال، وكأنّه جمع لاختلاف ضروب السرّ، وجميع الأجناس يحسن جمعها مع الاختلاف، وجاء سرّهم في قوله: يعلم سرهم [التوبة/ 78] على ما عليه معظم المصادر، وأنّه يتناول جميع ضروبه، فأفرد مرة وجمع أخرى، وقد جمع في غير هذا وأفرد كقوله: الذين يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3] والغيب الذي يؤمنون به ضروب: كالبعث والنشور، وإتيان الساعة، فأوقع الغيب على هذه الأشياء وغيرها، وجمع أيضا في قوله: إن الله علام الغيوب [التوبة/ 78]، فكذلك السرّ أفرد في موضع، وجمع في آخر). [الحجة للقراء السبعة: 6/197]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والله يعلم إسرارهم}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {والله يعلم إسرارهم} بكسر الألف وقرأ الباقون {إسرارهم} بالفتح جمع سر وأسرار مثل حمل وأحمال فكأنهم جمعوا للاختلاف في ضروب السّرّ وجميع الأجناس يحسن جمعها مع الاختلاف وجاء سر في قوله {يعلم سرهم} على ما عليه جميع المصادر فأفرد مرّة وجمع أخرى وقد جمع في غير هذا وأفرد كقوله {يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة} فالغيب الّذي يؤمنون به ضروب البعث والنشور وإتيان السّاعة فأوقع على هذه الأشياء وغيرها وجمع أيضا في قوله {علام الغيوب} فكذلك السّرّ أفرد في موضع وجمع في آخر وقد قيل إنّه جمع فأخرج الأسرار بعددهم كما قال بعدها {والله يعلم أعمالكم} فجمع الأعمال لإضافته إيّاها إلى جمع ومن قرأ {إسرارهم} فهو مصدر أسررت إسرارا وحجتهم قوله {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم} فكما أفرد السّرّ ولم يجمع فكذلك قال {إسرارهم} ). [حجة القراءات: 669]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {والله يعلم إسرارهم} قرأه حفص وحمزة والكسائي بكسر الهمزة، جعلوه مصدر «أسر» ووحّد لأنه يدل بلفظه على الكثرة، وقرأ الباقون بفتح الهمزة، جعلوه جمع «سر» كعدل وأعدال، وحسن جمعه لاختلاف ضروب الإسرار من بني آدم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/278]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَالله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [آية/ 26] بكسر الألف:-
قرأها حمزة والكسائي و–ص- عن عاصم.
والوجه أنه مصدر أسر يسر إسرارًا، ولكونه مصدرًا أفرد ولم يجمع؛ لأدائه معنى الجنس.
وقرأ الباقون {أَسْرَارَهُمْ} بفتح الألف.
والوجه أنه جمع سر كعدل وأعدال وحمل وأحمال وسعر وأسعار، وسر مصدر أيضًا، وإنما جمع لاختلاف أنواعه). [الموضح: 1185]
قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)}
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)}
قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}
قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولنبلونّكم (31)
قرأ أبو بكر عن عاصم (وليبلونّكم) بالياء، (حتّى يعلم... ويبلو) ثلاثهن بالياء.
وقرأ الباقون ثلاثهنّ بالنون.
وقرأ يعقوب ثلاثهن بالنون، غير أنه أسكن الواو من قوله: (ونبلو أخباركم).
[معاني القراءات وعللها: 2/388]
ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم قال أبو منصور: من قرأ (لنبلونّكم) بالنون، (حتّى نعلم... ونبلو) فالمعنى: لنختبرنكم بالحرب حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين لأمر الله. والله - عزّ وجلّ - قد علم قبل أن خلقهم المجاهد والصابر منهم، ولكنه أراد العلم الذي يقع به الجزاء؛ لأنه إنما يجزيهم على أعمالهم، لا على ما علم منهم.
فتأويل قوله: حتى نعلم علم الشهادة لا علم الغيب.
ومن قرأ (ليبلونّكم) فالمعنى: ليبلونكم الله، أي ليختبرنّكم.
وأما قراءة يعقوب (ونبلوا) بإسكان الواو فهو استئناف، والمعنى: سنبلوا أخباركم). [معاني القراءات وعللها: 2/389]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {ولنبلونكم ... ونبلوا أخباركم} [31].
قرأ عاصم وحده بالياء أي: الله تعالى يبلوا ويختبر.
وقرأ الباقون بالنون، الله تعالى يخبر عن نفسه.
فإن قيل الله تعالى يعلم الأشياء قبل كونها، فلم قال: {حتى نعلم}؟
فالجواب في ذلك أن معناه: حتى تعلموا أنتم، وهذا تحسين في اللفظ، كما يجتمع عاقل وأحمق. فيقول الأحمق: الحطب يحرق النار، ويقول العاقل: بل النار تحرق الحطب، فيقول العاقل: نجمع بين النار والحطب لنعلم أيهما يحرق صاحبه. أي لتعلمه أنت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/326]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين... ويبلو [محمد/ 31] ثلاثتهنّ بالياء.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم ثلاثتهنّ بالنون.
وجه قراءة عاصم أنّ قبله: والله يعلم أعمالكم [محمد/ 30] واسم الغيبة أقرب إليه من لفظ الجمع، فحمل على الأقرب، ووجه النّون في ولنبلونكم حتى نعلم [محمد/ 31] أنّ قبله: ولو نشاء
[الحجة للقراء السبعة: 6/197]
لأريناكهم [محمد/ 30] فإمّا أن يكون جعل قوله عزّ وجلّ: والله يعلم أعمالكم كالاعتراض وحمل الكلام على ولو نشاء أو يكون عاد إلى لفظ الجمع بعد لفظ الإفراد فيكون كقوله: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2] بعد قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/198]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولنبلونكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم} 31
[حجة القراءات: 669]
قرأ أبو بكر (وليبلونكم حتّى يعلم المجاهدين ويبلو أخباركم) بالياء إخبارًا عن الله أي ليبلوكم الله
وحجته ما تقدم من ذكر الله وهو قوله {والله يعلم أعمالكم} وقرأ الباقون {ولنبلونكم حتّى نعلم} ونبلو كله بالنّون الله يخبر عن نفسه وحجتهم أن قبله {ولو نشاء لأريناكهم} فأخبر عن نفسه بلفظ الجمع). [حجة القراءات: 670]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {ولنبلونكم حتى نعلم}، {ونبلو} قرأه أبو بكر بالياء في الثلاث الكلمات، على الإخبار عن الله جل ذكره، حمل ذلك على لفظ الغيبة التي قبله في قوله: {والله يعلم}، وقرأهن الباقون بالنون، على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، لأن قبله إخبارًا أيضًا في قوله: {ولو نشاء لأريناكهم} «30»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/278]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَلَيَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَيَبْلُوَ} [آية/ 31] بالياء فيهن:-
قرأها عاصم وحده –ياش-.
والوجه أن ما قبله على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وهو قوله {وَالله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} فأسند هذا إليه لموافقة ما قبله ولقربه منه.
[الموضح: 1185]
وقرأ الباقون بالنون في الأحرف الثلاثة.
والوجه أنه على الإخبار عن النفس بلفظ الجمع تعظيمًا؛ لأن قبله {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ} فهذه المواضع محمولة عليه.
ويجوز أن يكون على الرجوع عن لفظ الإفراد إلى لفظ الجمع، كما قال تعالى {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} ثم قال {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}.
وروى –يس- عن يعقوب {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} بإسكان الواو.
والوجه أنه استئناف، والمعنى وسنبلوا أخباركم). [الموضح: 1186]
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين