تفسير سورة الكهف
[ من الآية (92) إلى الآية (98) ]
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {ثم أتبع سببا} [89] {ثم أتبع سببا} [92].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو مشددًا.
وقرأ الباقون مخففًا، وهما لغتان: أفعل يفعل أتبع يتبع، وافتعل يفتعل أتبع يتبع، وفرق قوم بينهما فقالوا: اتبعته: سرت في أثره، وأتبعته: لحقته كقوله تعالى: {فاتبعه شهاب ثاقب}. وروى حسين عن أبي عمرو {وأتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} وتفسيره كتفسير ما ذكرت. والسبب: الطريق هنا، والسبب في غير هذا الحبل، والسبب: القرابة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)
قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)، بفتح السين - وقرآ في يس (وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا) بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في كل ذلك.
ويعقوب في أربعة المواضع.
وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي (بين السّدّين)، بضم السين في هذه وحدها، ويفتحان (بينهم سدًّا) و(من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا).
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغسّاني عن سلمة أنه سمع أبا عبيدة قال: (السّدّين) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللّه، وإن كان من فعل الآدميين فهو (سدّة) مفتوح.
[معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال: وقال الكسائي: (السّدّين) ضم السين ونصبها سواء السّد والسّد، و(جعلنا من بين أيديهم سدًّا) و(سدًّا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/123] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يكادون يفقهون قولًا (93)
قرأ حمزة والكسائي (يفقهون) بضم الياء وكسر القاف، وقرأ الباقون (يفقهون)، بفتح الياء والقاف.
قال أبو منصور: من قرأ (لا يكادون يفقهون قولًا) فمعناه: لا يكادون يفقهون عنك.
ومن قرأ (يفقهون) فمعناه: لا يكادون يفهمون غيرهم إذا نطقوا، والفقيه معناه - العالم). [معاني القراءات وعللها: 2/123]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {بين السدين} [93] و{بينهم سدا} [94] {ومن خلفهم سدا}.
فقال أبو عمرو: السد في العين، والسد: الحاجز بينك وبين الشيء. وقال حجاج عن هارون عن أيوب عن عكرمة قال: كل ما كان من صنع الله فهو السد، وما كان من صنع بني آدم فهو سد. وكان ذو القرنين عمد إلى الحديد فجعله أطباقًا وجعل بينهما الفحم والحطب ووضع عليه الملاج، يعني: المفتاح {حتى إذا جعله نارا قال آتوني} أي: أعطوني {أفرغ عليه قطرا} [96]، والقطر: النحاس فصار جبل حديد مرتفعا {فما استطاعوا أن يظهروه} أي: يعلوه، {وما استطاعوا له نقبا} [97].
وروى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي {بين السدين} وفتحا الباقي.
وقرأ الباقون برفع ذلك كله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {لا يكادون يفقهون قولا} [93].
قرأ حمزة والكسائي {يفقهون} بضم الياء من أفقه يفقه.
وقرأ الباقون: {يفقهون} ومعناه: لا يفهمون، ومن ضم فمعناه: لا يبينون لغيرهم يقال: فقه يفقه وفقه يفقه وفقه يفقه مثل فهم يفهم. سمعت إبراهيم الطاهري يقول: المنافق إن فقه لم يفقه وإن نقه لم ينقه.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417]
وسمعت ابن مجاهد يقول: الاختيار الفتح؛ لأنك إذا ضممت الياء فقد حذفت مفعولاً والتقدير: لا يفقهون أحدًا قولاً). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/418]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله جل وعزّ: (بين السدين) [الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير: بين السدين بفتح السين، وبينهم سدا
[الحجة للقراء السبعة: 5/170]
[الكهف/ 94] بفتح السين أيضا، وقرأ في يس: (سدّا) و (سدّا) [9]، وأبو عمرو مثله. حفص عن عاصم بفتح ذلك كلّه.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر بضم السين في ذلك كلّه، وكذلك ابن عامر.
وقرأ حمزة والكسائي بضم (بين السّدين) وحدها، ويفتحان:
وبينهم سدا ومن بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا.
أبو عبيدة: كلّ شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سدّ، وما بناه الآدميون فهو سدّ، وقال غيره: هما لغتان بمعنى واحد، كالضّعف والضّعف، والفقر والفقر.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون السّد المصدر من سددته سدا، والسّد: المسدود في الأشياء التي يفصل فيها بين المصادر والأسماء نحو السّقي والسّقي، والطّحن والطّحن والشّرب والشّرب والقبض والقبض، فإذا كان ذلك كذلك، فالأشبه (بين السّدين) لأنه المسدود.
ويجوز فيمن فتح السّدين أن يجعله اسما للمسدود، نحو: نسج اليمن، وضرب الأمير تريد بهما: منسوجه ومضروبه، فأما ما في يس من قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا) [يس/ 9]، فمن ضم كان المعنى جعلنا بينهم مثل السّد والحاجز المانع من الرؤية، ومن فتح جعل السّد المسدود، قال أبو الحسن المفتوحة أكثر اللغتين). [الحجة للقراء السبعة: 5/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمها من قوله تعالى: يفقهون قولا [الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: (يفقهون قولا) بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي: يفقهون قولا بضم الياء، وكسر القاف.
لا يكادون يفقهون قولا أي: يعلمونه ولا يستنبطون من فحواه شيئا. ومن قال: (لا يكادون يفقهون) فإنّ فقهت فعل يتعدّى إلى مفعول واحد، تقول: فقهت السّنّة، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالمعنى فيمن ضم: لا يكادون يفقهون أحدا قولا، فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله: لينذر بأسا شديدا [الكهف/ 2] وكما حذف من قوله: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60]. وهذا النحو غير ضيّق). [الحجة للقراء السبعة: 5/172]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {بين السدين} و{وبينهم سدا} 94 بالفتح وفي يس {سدا} بالرّفع قال أبو عمرو السد الشّيء الحاجز بينك وبين الشّيء والسد في العين والعرب تقول بعينه سدة بالرّفع واستدلّ على ذلك بقوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}
[حجة القراءات: 430]
أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون طريق الهدى والحق
قرأ حمزة والكسائيّ {بين السدين} بالرّفع {وبينهم سدا} بالفتح وكذلك في يس
قال أبو عبيد كل شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سد بالضّمّ وما بناه الآدميون فهو سد بالفتح وكذا قال أيضا عكرمة فذهب حمزة والكسائيّ في قوله {أن تجعل بيننا وبينهم سدا} أنه من صنع النّاس وفي يس إلى المعنى وذلك أنه يجوز أن يكون الفتح فيهما على معنى المصدر الّذي صدر عن غير لفظ الفعل لأنّه لما قال {وجعلنا من بين أيديهم سدا} كأنّه قال وسددنا ثمّ أخرج المصدر على معنى الجعل إذا كان معلوما أنه لم يرد بقوله في يس {سدا} ما أريد به في قوله {بين السدين} لأنّهما جبلان وهي ها هنا عارض في العين
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر جميع ذلك بالرّفع وقرأ حفص جميع ذلك بالنّصب
وحجتهم أنّهما لغتان بمعنى واحد كالضعف والضعف والفقر والفقر
[حجة القراءات: 431]
قرأ حمزة والكسائيّ {لا يكادون يفقهون} بضم الياء أي لا يفقهون غيرهم إذا كلموهم تقول أفقهني ما تقول أي أفهمني
وقرأ الباقون {لا يكادون يفقهون} بالفتح أي لا يفهمون ما يقال لهم كما تقول كلمته ولم يفقه أي لم يفهم
واعلم أن فقهت فعل يتعدّى إلى مفعول تقول فقهت السّنة فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين فالمعنى فيمن ضم لا يكادون يفقهون أحدا قولا فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله {لينذر بأسا شديدا} ). [حجة القراءات: 432]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (59- قوله: {السدين}، و{سدا} قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر «سُدُا» بالضم، وفتح الباقون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {السدين} بالفتح، وضم الباقون، وقرأ حفص وحمزة والكسائي في يس: {سدا} «9» بالفتح في الموضعين، وضمهما الباقون، وهما لغتان كالضعف والضُعف، والفَقر والفُقر، وقال أبو عبيد: كل شيء من فعل الله جل ذكره كالجبال والشعاب، فهو «سُدّ» بالضم، وما بناه الآدميون فهو «سدّ» بالفتح، وهذا القول من قول عكرمة وقول أبي عبيدة وقطرب، وحكى الفراء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/75]
عن المشيخة نحوه، ويكون «السدين» بالضم؛ لأنه من فعل الله جل ذكره، ويكون {سدا} في هذه بالفتح، لأنه من فعل الآدميين، ويكون «سدا» في يس بالضم، لأنه من فعل الله جل ذكره على هذا التفسير، وقيل: السد بالفتح المصدر، والسد بضم السين الشيء المسدود. وقال اليزيدي: السد بالفتح، الحاجز بينك وبين الشيء، والسُّد بالضم في العين، وكان أبو عمرو يذهب إلى أن الضم والفتح بمعنى الحاجز، لغتان في هذه السورة، وذهب في يس إلى أن الضم بمعنى «سدة العين» تقول العرب: بعينيه سدة، وهما لغتان عند الكسائي بالزَّعم والزُّعم. وقيل: الفتح يُراد به المصدر، والضم يراد به الاسم كالغُرفة والغَرفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (60- قوله: {يفقهون قولا} قرأه حمزة والكسائي بضم الياء، وكسر القاف، وقرأ الباقون بفتح الياء والقاف.
وحجة من قرأ بالضم أنه جعل الفعل رباعيًا، فعدّاه إلى مفعولين، أحدهما محذوف، والتقدير: لا يكادون يفقهون الناس قولا، أو يفقهون أحدًا قولا، أي: لا يفهم كلامهم، فهم لا يفهمون الناس كلامهم، جعل الفعل لهم متعديا إلى غيرهم.
61- وحجة من قرأ بفتح الياء أنه جعله فعلًا ثلاثيًا، يتعدى إلى مفعول واحد، وهو القول، يُقال: فقهت الشيء، وأفقهت زيدا الشيء، فالمعنى أنهم في أنفسهم لا يفقهون كلام أحد، ومعنى القراءة الأخرى لا يكادون يفقهون أحدًا كلامهم لعجمته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40-{بَيْنَ السَّدَّيْنِ}[آية/ 93] بفتح السين:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو، وكذلك{بَيْنَهُمْ سَدًا}، وقرءا في يس{سَدًا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًا}بضم السين.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم- ياش- ويعقوب بضم السين في الأحرف الأربعة.
-ص – عن عاصم بفتح السين في الأحرف الأربعة.
وقرأ حمزة والكسائي{بَيْنَ السَّدَّيْنِ}بضم السين، وفتح السين في الثلاثة.
والوجه أن السَد والسُد لغتان بمعنى واحد كالضَعف والضُعف والفقر والفقر.
وقال أبو عبيدة: كل شيء وجد من فعل الله تعالى كالجبال والشعاب فهو سُد بضم السين، وما بناه الآدميون فهو سَد بالفتح.
[الموضح: 798]
وقال الأخفش: السد بالفتح أكثر استعمالاً من السد بالضم.
وقال أبو علي: السد مصدر سددته سداً، والسد المسدود، كالأَكل والأُكل). [الموضح: 799]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41-{يَفْقَهُونَ قَوْلاً}[آية/ 93] بضم الياء وكسر القاف:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه من أفقه الذي نقل بالهمزة من فقه، يقال فقهت الشيء: فهمته، وأفقهته إياه أفهمته، فهو بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والمعنى لا يفقهون أحدا قولا.
وقرأ الباقون{يَفْقَهُونَ}بفتح الياء والقاف جميعًا.
والوجه أنه من فقهت القول إذا فهمت معناه، وأراد لا يفهمون معنى القول). [الموضح: 799]
قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)، بفتح السين - وقرآ في يس (وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا) بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في كل ذلك.
ويعقوب في أربعة المواضع.
وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي (بين السّدّين)، بضم السين في هذه وحدها، ويفتحان (بينهم سدًّا) و(من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا).
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغسّاني عن سلمة أنه سمع أبا عبيدة قال: (السّدّين) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللّه، وإن كان من فعل الآدميين فهو (سدّة) مفتوح.
[معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال: وقال الكسائي: (السّدّين) ضم السين ونصبها سواء السّد والسّد، و(جعلنا من بين أيديهم سدًّا) و(سدًّا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/123] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يأجوج ومأجوج (94)
قرأ عاصم وحده، (يأجوج ومأجوج) مهموزين، وفي الأنبياء مثله، والأعشى عن أبي بكر بغير همز في السورتين، وكذلك الباقون لا يهمزون.
قال أبو منصور: هما اسمان أعجميان لا ينصرفان لأنهما معرفه - وقال هذا أهل اللغة - من همز فكأنه من أجّة الحر، ومن قوله (ملحٌ أجاجٌ) للماء الشديد الملوحة - وأجة الحر توقده، ومنه: أججت النار.
فكأن التقدير في (يأجوج) - يفعول وفي (مأجوج): مفعول وجائز أن يكون ترك الهمز على هذا المعنى، ويجوز أن يكون مأجوج فاعولاً، وكذا يأجوج.
[معاني القراءات وعللها: 2/123]
وهذا لو كان الاسمان عربيين لكان هذا اشتقاقهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية). [معاني القراءات وعللها: 2/124]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فهل نجعل لك خراجًا (94)
(أم تسألهم خراجًا فخراج ربّك خيرٌ)
قرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالألف، وقرأهن ابن عامر كلهن بغير ألف، وقرأ الباقون (خرجًا) بغير ألف، (فخراج ربّك) بألفٍ.
قال أبو إسحاق النحوي: من قرأ (خرجًا) فالخرج: الفيء - والخراج: الضريبة.
والخراج عند النحويين: الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال. والخرج: المصدر.
وقال الفراء: الخراج: الاسم الأول - والخرج كالمصدر (إن خرج رأسك) كأنه الجعل.
كأنه خاص، والخراج العام). [معاني القراءات وعللها: 2/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {بين السدين} [93] و{بينهم سدا} [94] {ومن خلفهم سدا}.
فقال أبو عمرو: السد في العين، والسد: الحاجز بينك وبين الشيء. وقال حجاج عن هارون عن أيوب عن عكرمة قال: كل ما كان من صنع الله فهو السد، وما كان من صنع بني آدم فهو سد. وكان ذو القرنين عمد إلى الحديد فجعله أطباقًا وجعل بينهما الفحم والحطب ووضع عليه الملاج، يعني: المفتاح {حتى إذا جعله نارا قال آتوني} أي: أعطوني {أفرغ عليه قطرا} [96]، والقطر: النحاس فصار جبل حديد مرتفعا {فما استطاعوا أن يظهروه} أي: يعلوه، {وما استطاعوا له نقبا} [97].
وروى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي {بين السدين} وفتحا الباقي.
وقرأ الباقون برفع ذلك كله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {إن يأجوج ومأجوج مفسدون} [94].
قرأ عاصم وحده {يأجوج ومأجوج} بالهمز.
وقرأ الباقون بغير همز، فقال النحويون: هو الاختيار؛ لأن الأسماء الأعجمية سوى هذا الحر فغير مهموز نحو طالوت وجالوت وهاروت وماروت. وحجة من همز أن يأخذه من أجيج النار، ومن لامح الأجاج فيكون يفعولاً منه، هذا فيمن جعله عربيا وترك صرفه للتعريف؛ لأنها قبيلة.
والاختيار أن تقول: لو كان عربيًا لكان هذا اشتقاقه ولكن الأعجمي لا يُشتق قال رؤبة:
لو كان يأجوج ومأجوج معا
وعاد عاد واستجاشوا تبعا
فترك الصرف في الشعر كما هو في التنزيل. وجمع يأجوج يآجيج مثل يعقوب ويعاقيب، واليعقوب: ذكر الفتخ، والأنثى: الحجلة. وولد الفتح: السلك، والأنثى: السلكة، ومن ذلك قولهم: سليك بن السلكة. وقال الخليل رضي الله عنه: الذعفوفة: ولد الفتح والقهبي أبوه. ذكره في كتاب «العين».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/418]
ومن جعل يأجوج ومأجوج فاعولاً جمعه يواجيج بالواو، مثل هارون وهوارين وطاغوت وطواغيت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {خرجا} [94].
قرأ ابن عامر {خرجا}. وكذلك في (قد أفلح) {فخرج ربك}.
وقرأ حمزة والكسائي {خرجا} {فخرج ربك} والأمر بينهما قريب، لأن الخرج: الجعل، والخراج: الإتاوة والضريبة التي يأخذها السلطان من الناس كل سنة.
ومن قرأ {خرج ربك} فحجته – أيضًا -: ما حدثني أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: رأيت في مصحف عثمان الذي يقال: إنه (الإمام) {أم تسئلهم خرجا} مكتوب بغير ألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز يأجوج ومأجوج [الكهف/ 94].
فقرأ عاصم وحده: يأجوج ومأجوج مهموز هاهنا، وفي سورة الأنبياء [96] أيضا. وقرأ الباقون بغير همز.
اعلم أنك إن جعلت (يأجوج) عربيّا فيمن همز فهو يفعول مثل يربوع، وهو من أجّ من قولك: هبّ له بأجّة، وليس من يأجج الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/172]
حكاه سيبويه، لأن الياء في يأجج فاء فالكلمة من ياء وهمزة وجيم وأظهر الجيم في يأجج لأنها للإلحاق كما أظهرت الدال في مهدد لذلك، ولو كان في العربية فعلول لأمكن أن يكون يأجوج فيمن همز فعلول من يأجوج، ومن لم يهمز فقال: يأجوج، أمكن أن يكون خفف الهمزة، فقلبها ألفا مثل رأس، فهو على قوله أيضا يفعول، فإن كانت الألف في يأجوج فيمن لم يهمز ليس على التخفيف، فإنه فاعول من ي ج ج، فإن جعلت الكلمة من هذا الأصل كانت الهمزة فيها كمن قال: سأق، ونحو ذلك مما جاء مهموزا ولم ينبغ أن يهمز، ويكون الامتناع من صرفه على هذا للتأنيث والتعريف، كأنه اسم للقبيلة كمجوس.
وأما (مأجوج) فيمن همز فمفعول من أجّ كما أن يأجوج يفعول منه، فالكلمتان على هذا من أصل واحد في الاشتقاق. ومن لم يهمز ماجوج كان ماجوج عنده فاعول من مجّ، كما كان يأجوج من يجّ، فالكلمتان على هذا من أصلين وليسا من أصل واحد، كما كانتا كذلك فيمن همزهما، ويكون ترك الصرف فيه أيضا للتأنيث والتعريف، وإن جعلتهما من العجمي فهذه التمثيلات لا تصح فيهما، وامتنعا من الصرف للعجمة والتعريف، وإنما تمثل هذه التمثيلات في العجمية ليعلم أنها لو كانت عربيّة لكانت على ما يذكرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جل وعز: خرجا [الكهف/ 94] فخراج ربك [المؤمنون/ 72].
[الحجة للقراء السبعة: 5/173]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: خرجا، وفي المؤمنين: خرجا بغير ألف. فخراج الأخير بألف.
وقرأ ابن عامر: خرجا بغير ألف، وفي المؤمنين خرجا بغير ألف، (فخرج ربّك) بغير ألف في الثلاثة.
وقرأ حمزة والكسائي ثلاثتهن بألف.
قال أبو علي: هل نجعل لك خرجا: أي: هل نجعل لك عطيّة نخرجها إليك من أموالنا، وكذلك قوله: أم تسألهم خرجا، أي: مالا يخرجونه إليك، فأما المضروب على الأرض فالخراج، وقد يجوز في غير ضرائب الأرض الخراج بدلالة قول العجاج:
يوم خراج يخرج الشمرّجا.
فهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين المفتتحة كأرض السواد، لأن ذلك لا يكاد يضاف إلى وقت من يوم وغيره، وإنما هو شيء مؤبد لا يتغير عما عليه من اللزوم للأرضين، ويدلّ على أن الخراج العطيّة منهم له، قوله في جوابه لهم: ما مكني فيه ربي خير [الكهف/ 95] كأن المعنى: ما مكنني فيه من الاتساع في الدنيا خيرٌ من خرجكم الذي بذلتموه لي، فأعينوني بقوّة دون الخراج الذي بذلتموه). [الحجة للقراء السبعة: 5/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا}
قرأ عاصم {إن يأجوج ومأجوج} بالهمز وفي الأنبياء مثله جعله من أجه الحر ومن قوله {ملح أجاج} وأجة الحر شدته وتوقده ومن هذا قولهم أججت النّار ويكون التّقدير في يأجوج
[حجة القراءات: 432]
يفعول نحو يربوع وفي مأجوج مفعول وامتنعا من الصّرف على هذا للتأنيث والتعريف كأنّه اسم القبيلة
وقرأ الباقون {يأجوج ومأجوج} ياجوج فاعول وماجوج فاعول أيضا الياء فاء الفعل
قال النحويون وهو الاختيار لأن الأسماء الأعجمية سوى هذا الحرف غير مهموزة نحو طالوت وجالوت وحاروت وماروت
قرأ حمزة والكسائيّ (فهل نجعل لك خراجا) بالألف وقرأ الباقون بغير ألف
قال الزّجاج الخرج الفيء والخراج الضريبة وقيل الجزية قال والخراج عند النّحويين الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال والخرج المصدر وقال غيره {خرجا} أي عطيّة نخرجه إليك من أموالنا وأما المضروب على الأرض فالخراج ويدل على العطيّة قوله في جوابه لهم {ما مكني فيه ربّي خير} ). [حجة القراءات: 433]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {أن يأجوج ومأجوج} همزها عاصم، ومثله في سورة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
الأنبياء، وقرأ ذلك كله الباقون بغير همز.
وحجة من همز أنه جعله عربيًا مشتقًا من «أجت النار» إذا استخرجت، أو من الأجاج، وهو المار المر، أو مِن الأجة، وهي شدة الحر، فيكون وزنه «يفعولا ومفعولا» كيربوع ومضروب.
63- وحجة من لم يهمز أنه يجوز أن يكون أصله الهمز على الاشتقاق الذي ذكرنا، ثم خفف همزه، ويجوز أن يكون لا أصل له في الهمز وهو عربي مشتق أيضًا، فإذا قدّر أن لا أصل له في الهمز كان «ياجوج» «فاعولا» من «يج» ذكره بعض أهل العلم، ولم يفسر «يج» ما هو، ويكون {مأجوج} إذا قدّرت أن لا أصل له في الهمز «فاعولا» أيضًا من «مج الماء» إذا ألقاه من فيه و«مج الشراب» كذلك، أو يكون مشتقًا من «مجاب العنب» وهو شرابه، ومن المجمجة وهي تخليط الكتاب، وامتنع صرفهما، وهما مشتقان للتأنيث والتعريف؛ لأنهما اسمان لقبيلتين كمجوس اسم للقبيلة، فإن جعلتهما في القراءتين أعجميين لم تقدر لهما اشتقاقًا، ويكون ممتنع الصرف فيهما للعجمة والتعريف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/77]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {خرجا} قرأ حمزة والكسائي «خراجا» بألف، وقرأ الباقون {خرجا} بغير ألف.
وحجة من قرأه بألف أنه جعله من «الخراج» الذي يُضرب على الأرض
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/77]
في كل عام، أي: فهل نجعل لك أجرة نؤديها إليك في كل وقت نتفق عليه، كالجزية على أن تبني بيننا وبينهم سدا، أي: حاجزا، فالخراج ما يؤدى في كل شهر أو في كل سنة.
65- وحجة من قرأ بغير ألف أنه جعله مصدر خرج، فهو الجُعل، كأنهم قالوا له: نجعل لك جُعْلا ندفعه إليك الساعة من أموالنا مرة واحدة، على أن تبني بيننا وبينهم سدا، فالخراج بألف ما يؤدى على النجوم كالأكرية والجزية، والخرج ما يؤدى في مرة واحدة، والاختيار ما عليه الجماعة، لأنهم إنما عرضوا عليه أن يعطوه أجرة وعطية من أموالهم مرة واحدة معروفة على بُنيانه، لم يعرضوا عليه أن يعطوه جزية على رؤوسهم منجمة في كل عام، واختار أبو عبيد «خراجا» بألف، وتعقّب عليه ابن قتيبة، فاختار {خرجا} بغير ألف، قال: لأن الخرج الجُعل، فهم إنما عرضوا عليه جُعلا من أموالهم يعطونه إياه على بنيانه السد في مرة واحدة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/78]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42-{يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ}[آية/ 94] بالهمز فيهما:
قرأها عاصم وحده، وكذلك في الأنبياء{فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ}بالهمز.
والوجه أنهما على هذه القراءة عربيتان، فيأجوج على هذا يفعول كيربوع،
ومأجوج مفعول، وهما جميعًا من أج الظليم إذا أسرع، فهما من أصل
[الموضح: 799]
واحد، وأنهما لا ينصرفان للتعريف والتأنيث، فإن كل واحد منهما علم لقبيلة كمجوس، قال الشاعر:
86- كنار مجوس تستعر استعارا
وقرأ الباقون{يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ}بغيرهمز في السورتين.
والوجه أنه يجوز أن يكون أصلهما الهمز، وهما على ما سبق، لكن الهمزة خففت بأن قلبت ألفا كراس، وأصله رأس بالهمز.
ويجوز أن يكون ياجوج فاعولا من ي ج ج، وماجوج فاعول أيضًا من م ج ج، فهما حينئذ من أصلين مختلفين، وترك صرفهما للتعريف والتأنيث أيضًا.
وأما إذا جُعِلا أعجميين فإنهما لا ينصرفان للعجمة والتعريف، والأظهر أن يكونا أعجميين، فلا يشتقان ولا يوزنان). [الموضح: 800]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43-{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا}[آية/ 94] بالألف:
[الموضح: 800]
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في المؤمنين{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا}.
والوجه أن الخارج هو الي يضرب على الأرضين، وقد يكون أيضًا للعطية يخرجها الإنسان من ماله فيجعلها لغيره، والخارج أيضًا الجزية.
وقرأ الباقون{خَرْجًا}بغير ألف في السورتين.
وكلهم قرأ في المؤمنين فَخَرَاجُ رَبِّكَ}بالألف، غير ابن عامر فإنه قرأ{فَخَرَجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}بغير ألف.
والوجه أن الخرج هو الجعل، وقيل العطية، وقيل الخراج الاسم، والخرج المصدر). [الموضح: 801]
قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما مكّنّي فيه (95)
[معاني القراءات وعللها: 2/124]
قرأ ابن كثير وحده (ما مكنني) بنونين، وقرأ الباقون (ما مكّنّي) بنون واحدة مشددة.
قال الفراء: (ما مكّنّي) أدغمت نونه في النون التي بعدها، وقد قرئ بإظهارها، وهو الأصل). [معاني القراءات وعللها: 2/125]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ردمًا (95) آتوني)
قرأ أبو بكر عن عاصم (ردمًا ائتوني) بكسر التنوين، ووصل الألف، على جيئوني، هذه رواية يحيى وحسين عن أبي بكر.
وروى الأعشى عن أبي بكر (ردمًا آتوني) وكذلك قرأ الباقون بالمد.
ومثله (قال آتوني أفرغ) بقطع الألف.
وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قال ائتوني) مقصورة، ونصبا (قطرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي: أعطوني.
إذا طولت الألف، "ومثله: (آتنا غداءنا).
قال: وإذا لم تطول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز.
قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين: يكون مثل قوله: أخذت بالخطام، وأخذت الخطام.
قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتوني)، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية). [معاني القراءات وعللها: 2/125] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {ما مكني يه ربي خير} [95].
قرأ ابن كثير وحده {ما مكنني} بنونين، لام الأولى لأم الفعل أصلية، والثانية مع الياء في موضع نصب فأظهرهما ابن كثير على الأصل.
وقرأ الباقون {ما مكني} مشددًا فأدغموا إرادة للاختصار والإيجاز، و{ما} بمعنى الذي وصلته {مكني} و{خير}. خبر الابتداء، ومعناه: الذي مكني فيه ربي خير، وليست جحدًا، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» بالرفع. والرافضة تقف به «ما تركنا صدقة». فأخطأوا الإعراب والدين جميعًا. وناظرني بعض الرافقة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
«ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه» فقال: ما الثانية جحد مثل الأولى، أي: لم ينفعني مال أبي بكر؟! فقلت له: إن قلة معرفتك بالعربية قد أدتك إلى الكفر، وإنما «ما» الثانية بمعنى «الذي» وتلخيصه لم ينفعني مال كما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه. وهذا واضح جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/420]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: ردما، آتوني [الكهف/ 95، 96] ممدودا غير عاصم فيما حدّثني به إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي عن أبيه عن
[الحجة للقراء السبعة: 5/174]
يحيى عن أبي بكر عن عاصم: (ردما ائتوني) بكسر النوين.
وحدّثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (ردما. ءاتوني) بكسر النوين على معنى جيئوني. وحدّثني.
موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم:
(ردما ءاتوني) مثله، على جيئوني.
وروى حفص عن عاصم: ردما آتوني مثل أبي عمرو.
حجة من قرأ ردما ءاتوني أن (ائتوني) أشبه بقوله: فأعينوني بقوة [الكهف/ 95] لأنه كلّفهم المعونة على عمل السد، ولم يقبل الخراج الذي بذلوه. فقوله: (ءاتوني) الذي معناه: جيئوني، إنما هو معونة على ما كلّفهم من قوله: فأعينوني بقوة.
وأما آتوني فمعناه: أعطوني، وأعطوني يجوز أن يكون على المشاركة، ويجوز أن يكون على الاتهاب.
أخبرنا أبو الحسن عبد الله بن الحسين، أن ابن سماعة روى عنه محمد في رجل كان عنده ثوب لرجل، فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك، قال: هو صدقة، فإن لم يكن الثوب عنده ولكن عند ربّ الثوب فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك قال: هو عارية.
وقولهم: آتوني مثل أعطوني في المعنى، وقد احتمل أعطوني الوجهين، وكذلك يحتملها آتوني. وائتوني لا يحتمل إلا جيئوني،
[الحجة للقراء السبعة: 5/175]
فائتوني المقصورة هاهنا أحسن لاختصاصه بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عين، والعطيّة قد تكون هبة، قال:
ومنّا الذي أعطى الرسول عطيّة... أسارى تميم والعيون دوامع
فالعطية تجري مجرى الهبة لهم والإنعام عليهم في فك الأسير، وقد يكون بمعنى المناولة.
ووجه قول من قرأ: آتونى أنه لم يرد بآتوني: العطيّة والهبة، ولكن تكليف المناولة بالأنفس، كما كان قراءة من قرأ: (ائتونى) لا يصرف إلى استدعاء تمليك عين بهبة ولا بغيرها، وأمّا انتصاب (زبر الحديد) فإنك تقول: أتيتك بدرهم، وقال:
أتيت بعبد الله في القد موثقا... فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر
فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بحرف الجر، ثم يجوز أن يحذف الحرف اتساعا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حدّ:
أمرتك الخير.. ونحوه). [الحجة للقراء السبعة: 5/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وحد: (ما مكنني) [الكهف/ 95] بنونين، وكذلك هي في مصاحف أهل مكّة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/176]
وقرأ الباقون ما مكني مدغم.
قال أبو زيد: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء، وقد مكن مكانة. قال أبو علي: مكن فعل غير متعد كشرف وعظم، فإذا ضعّفت العين عديته بذلك كقولك: شرّفته وعظمته، فقول ابن كثير: مكنني يكون منقولا من مكن، وكذلك قول الباقين، فأما إظهار المثلين في مكّنني فلأن الثاني منهما غير لازم، لأنك قد تقول: مكّنك ومكّنه فلا تلزم النون، فلما لم تلزم لم يعتد بها، كما أن التاء في اقتتلوا كذلك، ومن أدغم لم ينزله منزلة ما لا يلزم، فأدغم، كما أن من قرأ: قتّلوا في: اقتتلوا كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/177]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ما مكني فيه ربّي خير فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و96
قرأ ابن كثير (ما مكنني فيه ربّي خير) بنونين إنّما أظهر النونين لأنّهما من كلمتين الأولى لام الفعل أصليّة والثّانية تدخل مع الاسم لتسلم فتحة النّون الأولى والنّون الثّانية مع الياء في موضع نصب
[حجة القراءات: 433]
وقرأ الباقون {مكني} بالتّشديد أدغموا النّون في النّون لاجتماعهما وما بمعنى الّذي وصلته {مكني} و{خير} خبر الابتداء المعنى الّذي مكني فيه ربّي خير لي ما يجمعون لي من الخراج
قرأ أبو بكر (ردما ايتوني) بوصل الألف جعله من الإتيان أي جيئوني يقال أتيته أي جئته والعرب تقول خذ بالخطام وخذ الخطام وحجته في قوله (ردما ايتوني) لأن إيتوتي أشبه بقوله فأعينوني لأنّه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الّذي بذلوه له فقوله (إيتوني) معناه جيئوني بما هو معونة على ما يفهم من قوله {فأعينوني بقوّة}
وقرأ الباقون {آتوني} ممدودة أي أعطوني والأصل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين
قرأ أبو بكر {بين الصدفين} بإسكان الدّال وضم الصّاد كأنّه استثقل الضمتين وسكن الدّال
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصدفين} بضم الصّاد والدّال وقرأ الباقون بفتح الصّاد والدّال وهما لغتان
قرأ حمزة وأبو بكر (قال إيتوني قطرا) أي جيئوني به وقرأ الباقون {آتوني} أي أعطوني
[حجة القراءات: 434]
قال أبو عمرو كيف يقول لهم جيئوني وهم معه يكلمونه ويخاصمونه). [حجة القراءات: 435] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (66- قوله: {ما مكنني} قرأه ابن كثير بنونين ظاهرتين على أصله، وخف عليه ذلك لتحركهما، ولأن الثاني من المثلين غير لازم، فحسن الإظهار، كما قالوا: اقتتلوا، وهي في مصاحف المكيين بنونين في الخط، والفعل منه الثلاثي «مكن» غير متعد، فلما ثقل بالتضعيف تعدّى إلى مفعول، وهو الياء، وقرأ الباقون بنون مشددة على إدغام استخفافًا، لاجتماع مثلين متحركين في كلمة، وكذلك هي في أكثر المصاحف بنون واحدة، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/78]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44-{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ}[آية/ 95] بنونين:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه أجراه على الأصل وترك الإدغام، ولم يعتد باجتماع النونين؛ لأن الثانية غير لازمة، ألا ترى أنك تقول مكنه ومكنك، فلا تثبت هذه النون الثانية.
وقرأ الباقون{مَكَّنِّي}بنون واحدة مشددة.
والوجه أنه لما اجتمعت النونان في مكنني، أدغم إحداهما في الأخرى، كما أنه لما اجتمع المثلان في{اقْتَتَلُوا}وهما التاءان أدغم إحداهما في
[الموضح: 801]
الأخرى فقالوا{قُتِلُوا} ). [الموضح: 802]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45-{رَدْمًا * آتُونِي}[آية/ 95 و96] بكسر التنوين موصولة الألف:
قرأها عاصم- ياش-، واختلف عنه فيها.
والوجه أن معنى إئتوني جيئوني، والباء محذوف من المفعول به وهو{زُبَرَ الحَدِيدِ}.
والتقدير: جيئوني بزبر الحديد، كما تقول أمرتك الخير أي بالخير، وإنما اختار هذا عدولاً عن لفظ الايتاء الذي هو إعطاء؛ لأنه ما كلفهم إلا المعاونة بالنفوس ولم يطلب منهم المال حين قال{مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، فلهذا عدل عن لفظ الإيتاء إلى هذا اللفظ؛ لأن المجيء بالشيء لا يتضمن الإعطاء والهبة.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم{آتُونِي}بمد الألف.
والوجه أن المعنى أعطوني، و{زُبَرَ الحَدِيدِ}منصوب على أنه مفعول به، والإيتاء ههنا ينصرف إلى معنى المناولة لا إلى معنى الإعطاء والهبة، لما قدمنا من أنه لم يكلفهم العطية). [الموضح: 802] (م)
قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ردمًا (95) آتوني)
قرأ أبو بكر عن عاصم (ردمًا ائتوني) بكسر التنوين، ووصل الألف، على جيئوني، هذه رواية يحيى وحسين عن أبي بكر.
وروى الأعشى عن أبي بكر (ردمًا آتوني) وكذلك قرأ الباقون بالمد.
ومثله (قال آتوني أفرغ) بقطع الألف.
وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قال ائتوني) مقصورة، ونصبا (قطرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي: أعطوني.
إذا طولت الألف، "ومثله: (آتنا غداءنا).
قال: وإذا لم تطول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز.
قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين: يكون مثل قوله: أخذت بالخطام، وأخذت الخطام.
قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتوني)، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية). [معاني القراءات وعللها: 2/125] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (بين الصّدفين (96)
[معاني القراءات وعللها: 2/125]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي (بين الصّدفين) بضم الصاد والدال، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي (الصّدفين) بفتح الصاد والدال، وقرأ أبو بكر عن عاصم (الصّدفين) بضم الصاد وسكون الدال.
قال أبو منصور: من سكّن الدال خفف الضمتين، كما يقول: الصّحف والصّحف والرسل والرسل.
والصّدفان والصّدفان: ناحيتا جبلين بينهما طريق.
فناحيتاهما يتقابلان.
وصادفت فلانًا، إذا قابلته.
والصّدف والصّدفة: الجانب والناحية). [معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال آتوني)
قرأ حمزة (قال ائتوني) قصرًا.
وقد روي عن يحيى عن أبي بكر مثل قراءة حمزة.
وقرأ الباقون (قال آتوني). وكذلك قرئت على أصحاب عاصم بالمدّ). [معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {حتى إذا ساوى بين الصدفين} [96].
قرأ عاصم برواية ابن [ذكوان] {الصدفين} بإسكان الدال وضم الصاد ومعناه: بين الجبلين، قال الشاعر:
قد أخذت ما بين عرض الصدفين
ناحيتيها وأعالي الركنيين
وقرأ أبو عمرو وابن كثير: {الصدفين} بضمتين جعلهما لغتين مثل السُّحْتِ والسُّحُتِ والرُّعْبِ والرُّعُبِ.
وقرأ الباقون: {بين الصدفين} بفتح الصاد والدال، وأحدهما صدف. فمن قرأ بهذه القراءة فحجته: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي» وفي حديث آخر: «كان إذا مر بطربال مائل أسرع المشي» أي: حائط). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/420]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {ءاتوني أفرغ عليه} [96].
قرأ عاصم وحمزة: {قال إيتوني} قصرًا من غير مد جعلاه من باب جيئوني، يقال: أتيته: جئته، وآتيته: أعطيته، وكذلك قرأ الباقون: آتوني: أعطوني، والأصل أيتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/421]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: بين الصدفين [الكهف/ 96].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (الصدفين) بضم الصاد والدال.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الصدفين بفتح الصاد والدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (الصدفين) بضم الصاد وتسكين الدال. وروى حفص عن عاصم: الصدفين بفتحتين.
هذه لغات في الكلمة فاشية زعموا. وقال أبو عبيدة: الصدفان: جانبا الجبل). [الحجة للقراء السبعة: 5/177]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه [الكهف/ 96] فقرأ
[الحجة للقراء السبعة: 5/177]
ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي قال آتوني أفرغ ممدودا، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة (قال ائتوني) قصرا.
وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قال: آتوني ممدودة. حفص عن عاصم قال: آتوني ممدودة.
قال أبو على: أما قراءة من قرأ (ائتوني أفرغ عليه قطرا) فمعناه: جيئوني به، واللفظ على إيصال الفعل إلى المفعول الثاني بالحرف، كما كان قوله: (ائتوني زبر الحديد) كذلك، إلا أنه أعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لكان: (ائتوني أفرغه عليه قطرا)، إلا أن تقدير الفعل أن يصل إلى المفعول الثاني، بلا حرف كما كان كذلك في قوله: (ائتوني زبر الحديد)، وجميع ما مرّ بنا في التنزيل من هذا النحو إنما هو على إعمال الثاني كما يختاره سيبويه، فمنه قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء/ 176] ومنه قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19].
ووجه من قال: آتوني أفرغ عليه قطرا أن المعنى: ناولوني قطرا أفرغه عليه، إلا أنه أعمل الثاني من الفعلين كما أعمل الثاني في قصر ائتوني). [الحجة للقراء السبعة: 5/178]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ فما اسطاعوا [الكهف/ 96] بتخفيف الطاء غير حمزة فإنه قرأ (فما استطاعوا) يريد: فما استطاعوا، ثم يدغم التاء في الطاء، قال: وهذا غير جائز لأنه قد جمع بين السين وهي ساكنة والتاء المدغمة وهي ساكنة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/178]
قالوا: طاع يطوع، فلم يتعدّ الفعل منه، فإذا أريد تعديته ألحقت الهمزة فقالوا: أطعت زيدا، قال: وأطيعوا الله ورسوله [الأنفال/ 1] وقالوا أيضا: اسطاع يسطيع في معنى أطاع يطيع، وقولهم: أسطاع أفعل، وإنما ألحقت السين البناء لنقل الحركة إلى الفاء وتهيئة الكلمة بنقل الحركة فيها للحذف، ألا ترى أنها هيأت الكلمة للحذف منها في نحو لم يسطع، ومثل السين في ذلك الهاء في قول من قال: أهراق يهريق. فالهاء في أنها عوض مثل السين في اسطاع، وليس هذا العوض بلازم، ألا ترى أنّ ما كان نحوه لم يلزم هذا العوض. وقالوا أيضا: استطاع يستطيع، وفي التنزيل: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112] فهذا استفعل، وكأن استفعل في ذلك جاء في معنى أفعل، كما أنّ استجاب في معنى أجاب في نحو:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب وحذفوا من الكلمة التاء المزيدة مع السين فقالوا: اسطاع يسطيع، وفي التنزيل: فما استطاعوا أن يظهروه وهو قراءة الجمهور، لما اجتمعت المتقاربة أحبّوا التخفيف بالإدغام كما أحبّوا ذلك في الأمثال، فلمّا لم يسغ التخفيف بالإدغام لتحريك ما لم يتحرك في موضع عدل عنه إلى الحذف، كما أنه لما اجتمع المثلان في قولهم: علماء بنو فلان، يريدون: على الماء، ولم يسغ إدغام الأولى في الثانية وإن كانت تتحرك بحركة الهمزة في نحو قولهم: الحمر، حذفوا الأول من المثلين لما كان الإدغام يؤدي إلى تحريك ما تكره الحركة فيه فأما تحريكه بحركة الهمزة فهي في هذا التحريك في نية السكون
[الحجة للقراء السبعة: 5/179]
يدلّك على ذلك تقدير همزة الوصل مع تحرّك اللام، فقالوا: علماء بنو فلان، فحذفوا الأول من المثلين حيث لم يتجه الإدغام، وهذا أولى من قولهم، اسطاع، لأن هذه السين لم تتحرك في موضع من الحركات كما تحركت اللام، فهذا استفعل بمنزلة أفعل وأجروا المتقاربين في هذا مجرى المثلين، فقالوا: بلعنبر، لما كانت النون مقاربة اللام، وكانت تدغم فيها في نحو: من لك، أريد إدغامها في هذا الموضع أيضا، فلما لم يسغ ذلك عندهم خففوا بالحذف كما خففوا به في المثلين، ولغة أخرى خامسة في الكلمة، وهي أن بعضهم قال في:
يسطيع: يستيع، فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه أبدل من الطاء التي هي فاءٌ التاء ليقربها من الحرف الذي قبلها، فأبدل التاء لتوافق السين في الهمس، كما أبدل الدال من التاء في نحو: ازدان ليوافق ما قبله في الجهر، والآخر: أن يكون حذف الطاء لما لم يستقم إدغام ما قبلها في المتقارب منها، كما حذف المثل والمتقارب من: علماء بنو فلان، وبلعنبر، ويكون هذا في أنه حذف من الكلمة الأصل للتخفيف، بمنزلة قولهم: تقيت، ألا ترى أنه في الأصل: اتّقى، فحذف الفاء التي هي في الأصل واو، فلما حذفها سقطت همزة الوصل المجتلبة لسكون الفاء فبقي تقيت على فعلت، فإن قلت: فلم لا يكون على أنه أبدل من الفاء التي هي واو التاء، كما أبدل من تيقور وتولج ونحو ذلك، ولا يكون على ما ذكرت من حذفه الفاء من افتعلت، فالدليل
[الحجة للقراء السبعة: 5/180]
على أن الحذف من افتعلت وليس على حد ما ذكرت قولهم في المضارع: يتقي ولو كان على الحد الآخر لسكن ما بعد حرف المضارعة وأنشدنا:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة ومثل تقديره الفاء التي هي طاء من يستيع، تقدير حذف التاء من قولهم: استخد فلان ما لا، يجوز أن يكون: استتخد، فحذف الفاء لاجتماع حروف متماثلة، فحذفت التاء التي هي فاء، كما حذفت الفاء في يستيع، وإنما هو يستطيع، ويجوز أن يكون: استخذ اتخذ، فأبدل السين من التاء لاجتماعهما في الهمس ومقاربة المخرج، وأبدلت السين من التاء، كما أبدلت التاء من السين في قولهم: طست. قال العجاج:
أأن رأيت هامتي كالطّست والأصل السين، يدل على ذلك أن أبا عثمان أنشد:
لو عرضت لأيبليّ قسّ
أشعث في هيكله مندسّ... حنّ إليها كحنين الطسّ
فأمّا قول حمزة: فما اسطاعوا أن يظهروه فإنما هو على إدغام التاء في الطاء ولم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك، ولكن
[الحجة للقراء السبعة: 5/181]
أدغم مع أنّ الساكن الذي قبل المدغم ليس حرف مدّ، وقد قرأت القراء غير حرف من هذا النحو، وقد قدّمنا ذكر وجه هذا النحو، ومما يؤكّد ذلك أن سيبويه أنشد:
كأنّه بعد كلال الزاجر... ومسحي مرّ عقاب كاسر
والحذف في: ما استطاعوا، والإثبات في ما استطاعوا، كلّ واحد منهما أحسن من الإدغام على هذا الوجه). [الحجة للقراء السبعة: 5/182]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الماجشون: [الصَّدُفَيْنِ]، بفتح الصاد، وضم الدال.
قال أبو الفتح: فيها لغات: صَدَفَانِ، وصُدُفَانِ، وصُدْفَانِ، وصَدُفَانِ. وقد قرئ بجميعها، إلا أنهما الجبلان المتقابلان، فكأن أحدهما صادف صاحبه، ولذلك لا يقال ذلك لما انفرد بنفسه عن أن يلاقي مثله من الجبال). [المحتسب: 2/34]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ما مكني فيه ربّي خير فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و96
قرأ ابن كثير (ما مكنني فيه ربّي خير) بنونين إنّما أظهر النونين لأنّهما من كلمتين الأولى لام الفعل أصليّة والثّانية تدخل مع الاسم لتسلم فتحة النّون الأولى والنّون الثّانية مع الياء في موضع نصب
[حجة القراءات: 433]
وقرأ الباقون {مكني} بالتّشديد أدغموا النّون في النّون لاجتماعهما وما بمعنى الّذي وصلته {مكني} و{خير} خبر الابتداء المعنى الّذي مكني فيه ربّي خير لي ما يجمعون لي من الخراج
قرأ أبو بكر (ردما ايتوني) بوصل الألف جعله من الإتيان أي جيئوني يقال أتيته أي جئته والعرب تقول خذ بالخطام وخذ الخطام وحجته في قوله (ردما ايتوني) لأن إيتوتي أشبه بقوله فأعينوني لأنّه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الّذي بذلوه له فقوله (إيتوني) معناه جيئوني بما هو معونة على ما يفهم من قوله {فأعينوني بقوّة}
وقرأ الباقون {آتوني} ممدودة أي أعطوني والأصل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين
قرأ أبو بكر {بين الصدفين} بإسكان الدّال وضم الصّاد كأنّه استثقل الضمتين وسكن الدّال
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصدفين} بضم الصّاد والدّال وقرأ الباقون بفتح الصّاد والدّال وهما لغتان
قرأ حمزة وأبو بكر (قال إيتوني قطرا) أي جيئوني به وقرأ الباقون {آتوني} أي أعطوني
[حجة القراءات: 434]
قال أبو عمرو كيف يقول لهم جيئوني وهم معه يكلمونه ويخاصمونه). [حجة القراءات: 435] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {الصدفين} قرأ أبو بكر بإسكان الدال وضم الصاد، وقرأه أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بضم الصاد والدال، وقرأ الباقون بفتحهما جميعًا وكلها لغات مشهورة، والصدف الجبل والصدفان الجبلان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/79]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {ردمًا. آتوني} {وقال ائتوني} قرأ حمزة {قال ائتوني} بهمزة ساكنة من غير مد، وروي عن أبي بكر في {ردمًا آتوني}، وفي {قال آتوني} المد وترك المد، وبالوجهين قرأتُ له فيهما، والمد هو اختيار ابن مجاهد له، فإذا لم يمد في {ردمًا آتوني} كسر التنوين لسكونه وسكون الهمزة بعده، والألف في هذين الحرفين في قراءة حمزة، وأحد القولين عن أبي بكر، ألف وصل، تُبتدأ بالكسر، وقرأ الباقون في الحرفين بهمزة مفتوحة وبالمد، غير أن ورشًا يُلقي حركة الهمزة على التنوين في {ردمًا آتوني} على أصله.
وحجة من قرأ بغير مد فيهما أنه جعلهما من باب المجيء، فلم يُعدهما إلى مفعول، وهو ضمير المتكلم في {آتوني} ويكون {زبر الحديد} غير معدى إليه {آتوني} إلا بحرف جر مضمر، تقديره: آتوني بزبر الحديد، فلما حذف الحرف تعدّى، كما قال: أمرتك الخير على معنى: أمرتك بالخير، وفيه بعد قليل لأنه إنما أكثر ما يأتي هذا في الشعر.
69- وحجة من مد الكلمتين وفتح الهمزة أنه جعلهما من باب الإعطاء، فعدّى كل واحد إلى مفعولين: الأول ضمير المتكلم، والثاني {زبر الحديد} في {ردمًا آتوني}، والثاني في «قال آتوني أفرغ قطرا»، عدّاه إليه في المعنى لا في اللفظ، لأن الناصب لـ «قطر» في اللفظ {أفرغ} لأنه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/79]
أقرب إليه، ولو عدّى إليه {آتوني} لقال: قال آتوني أفرغه عليه قطرا، لأن تقديره: آتوني قطرا أفرغ عليه، وهو باب إعمال أحد الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر، فالاختيار فيه المد وهمزة مفتوحة، على معنى «أعطوني» لأن عليه الجماعة، ولأنه لو كان من باب المجيء لوجب أن تثبت الياء في الخط في {آتوني}، وليس في الخط فيه ياء في الموضعين، فدل على أنه من باب الإعطاء، وإنما يجب أن يكون فيه، في الخط ياء قبل التاء إذا كان من باب المجيء؛ لأن الخط مبني على لفظ الابتداء ولابد في الابتداء قبل التاء إذا كان من باب المجيء لأنها عوض عن الهمزة الساكنة، ألا ترى كيف تثبت الياء في {لقاءنا ائت} «يونس 15» في الخط وليس في اللفظ في الوصل ياء، وتثبت الواو في الخط في {الذي أؤتمن} «البقرة 283» وليس في اللفظ في الوصل واو، وإنما ذلك لأن الابتداء فيه ياء وواو لعلة يطول ذكرها، فافهمه، فإنه مشكل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/80]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45-{رَدْمًا * آتُونِي}[آية/ 95 و96] بكسر التنوين موصولة الألف:
قرأها عاصم- ياش-، واختلف عنه فيها.
والوجه أن معنى إئتوني جيئوني، والباء محذوف من المفعول به وهو{زُبَرَ الحَدِيدِ}.
والتقدير: جيئوني بزبر الحديد، كما تقول أمرتك الخير أي بالخير، وإنما اختار هذا عدولاً عن لفظ الايتاء الذي هو إعطاء؛ لأنه ما كلفهم إلا المعاونة بالنفوس ولم يطلب منهم المال حين قال{مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، فلهذا عدل عن لفظ الإيتاء إلى هذا اللفظ؛ لأن المجيء بالشيء لا يتضمن الإعطاء والهبة.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم{آتُونِي}بمد الألف.
والوجه أن المعنى أعطوني، و{زُبَرَ الحَدِيدِ}منصوب على أنه مفعول به، والإيتاء ههنا ينصرف إلى معنى المناولة لا إلى معنى الإعطاء والهبة، لما قدمنا من أنه لم يكلفهم العطية). [الموضح: 802] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46-{بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}[آية/ 96] بضم الصاد والدال:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
وقرأ عاصم- ياش- {الصَّدَفَيْنِ} بضم الصاد وسكون الدال.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم {الصَّدَفَيْنِ}بفتح الصاد والدال.
والوجه أن الصدفين والصدفين بالضم والفتح لغتان في الكلمة، وهما ناحيتا الجبل، تقول العرب: صدف وصدف، وقد يخفف الصدف فيقال صدف بإسكان الدال كالشغل والشغل، وقد ذكرنا مثله في غير موضع). [الموضح: 803]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {قَالَ ائْتُونِي}[آية/ 96] موصولة الألف:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أن المعنى جيئوني بقطر أفرغه عليه، فهو على تقدير الجار، والعمل إنما هو للفعل الثاني وهو}أُفْرِغْ}، وقوله {قِطْرًا}منصوب به.
وقرأ الباقون {آتُونِي}بقطع الألف ممدودة، إلا- ياش- عن عاصم فإنه روى بقصر الألف موصولة كحمزة، وقد اختلف عنه.
والوجه في {آتُونِي}بالقطعوالمد على ما قدمناه من أنه من الإيتاء، وهو ينصرف إلى معنى المناولة لا العطية، أي ناولوني قطرا أفرغه عليه،
[الموضح: 803]
والعمل أيضًا للفعل الثاني وهو {أُفْرِغْ}كما سبق، وهو اختيار سيبويه). [الموضح: 804]
قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فما اسطاعوا أن يظهروه (97)
قرأ حمزة وحده (فما اسطّاعوا) مشددة على معنى: استطاعوا، وفيه جمع بين ساكني، وهما: السين والتاء المدغمة في الطاء.
قال أبو إسحاق: (فما اسطاعوا) بغير تاء، أصلها: استطاعوا بالتاء، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد، فحذفت التاء لاجتماعهما، وليخفّ
اللفظ.
[معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال: ومن العرب من يقول: استاعوا. ولا يجوز القراءة بها - ومنهم من يقول: فما اسطاعوا، بقطع الألف، المعنى: فما أطاعوا، فزادوا السين. قاله الخليل وسيبويه عوضًا من ذهاب حركة الواو؛ لأن الأصل في أطاع: أطوع.
قال: فأمّا من قرأ (فما اسطّاعوا) بإدغام التاء في الطاء فهو لاحن مخطئ، قاله الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم، وحجتهم في ذلك أن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين قال: ومن قال: أطرح حركة التاء على السين فأقول: (فما اسطاعوا) فخطأ أيضًا؛ لأن سين (استفعل) لم تحرّك قط). [معاني القراءات وعللها: 2/127]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {فما اسطعوا أن يظهروه} [97].
قرأ حمزة وحده {فما اسطاعوا} بتشديد الطاء، أراد: فما استطاعوا فأدغم التاء في الطاء، لأنهما أختان، وجمع بين ساكنين السين والطاء المدغمة فقال النحويون جميعًا: إنه أخطأ لجمعه بين ساكنين.
وقال أبو عبد الله رضي الله عنه: وله عندي وجهان: لأن القراء قد قرؤوا {لا تعدوا في السبت} {أمن لا يهدي} {ونعمًا يعظكم}.
فإن قال قائل، فإن الأصل في الساكن الأول في جميع ما ذكرت الحركة، وسكونها عارض وقد يجوز حركتها في حال من الأحوال.
فالجواب في ذلك: أن العرب قد تشبه المسكن بالساكن؛ لاتفاقهما في
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/421]
اللفظ، ألا ترى أن الأمر موقوف والنهي مجزوم، وقد جعلت حكمهما سيين، فالسين في قوله {فم اسطاعوا} ساكنة لا يجوز حركتها كاللام التي للتعريف نحو الأحمر والأيكة، فمن العرب من يحرك هذه اللام فيقول: ليكة ولحمر فجاز تشبيه السين باللام.
والوجه الثاني: أن العرب تتوهم بالساكن الحركة والحركة السكون.
وحدثني ابن مجاهد عن السمر يعن الفراء قال عبد القيس يقولون: اسل زيدًا، فيدخلون ألف الوصل على سين متحركة؛ لأنهم توهموا إسال السكون في السين. وهذه الحجة وإن كانت قد أيدت قراءة حمزة فإن الاختيار ما قرأ الباقون {فما اسطاعوا} بتخفيف الطاء، أراد: استطاعوا أيضًا فحذفوا التاء اختصارًا كراهية الإدغام والجمع بين حرفين متقاربي المخرج، والعرب تقول: طاع يطوع وطوع يطوع من قوله: {فطوعت له نفسه} أي: تابعته وسولت له.
وحكى أبو زيد وسيبويه استطاع يستطيع بمعنى: أطاع يطيع. ومعنى قوله: {أن يظهروه} أي: يعلوه، يقال ظهرت على ظهر البيت، أي: علوته {وما اسطاعوا له نقبه} أي: لم يقدروا أن ينقبوا الحديد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/422]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} 97
قرأ حمزة {فما اسطاعوا} بتشديد الطّاء أراد فما استطاعوا فأدغم التّاء في الطّاء لأنّهما أختان
وحجته قراءة الأعمش {فما استطاعوا} بالتّاء
وقرأ الباقون {فما اسطاعوا} بتخفيف الطّاء والأصل فما استطاعوا فحذفوا التّاء كراهة الإدغام والجمع بين حرفين متقاربي المخرج). [حجة القراءات: 435]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: {فما اسطاعوا أن} قرأه حمزة بتشديد الطاء، وخففها الباقون، وحجة من شدد أنه أدغم التاء في الطاء، لقرب التاء من الطاء في المخرج، ولأنه أبدل من التاء، إذا أدغمها، حرفا أقوى منها، وهو الطاء، لكن في هذه القراءة بُعد وكراهة، لأنه جمع بين ساكنين، ليس الأول حرف لين، وهما السين وأول المشدد، وقد أجازه سيبويه في الشعر، وأنشد في إجازته:
كأنه بعد كلال الزاجر = ومسحي مر عقاب كاسر
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/80]
وكان أصله «ومسحه» فأدغم الحاء في الهاء، والسين ساكنة، فجمع بين ساكنين، ليس الأول حرف لين، وهو قليل بعيد.
71- وحجة من خففه أنه لما كان الإدغام في هذا يؤدي إلى جواز ما لا يجوز، إلا في شاذٍ من الشعر من التقاء الساكنين، ليس الأول حرف لين، ولم يمكن إثبات التاء، إذ ليست في الخط، ولم يمكن إلقاء حركتها على السين؛ لأنها زائدة، لا تتحرك، فلم يبق إلا الحذف، فحذفها للتخفيف، ولزيادتها، ولموافقة الخط، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {فَمَا اسْطَاعُوا}[آية/ 97] بتشديد الطاء على الإدغام:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أن أصله: استطاعوا، فأدغم التاء في الطاء لاجتماعهما وهما متقاربان، ولم تنقل حركة التاء إلى السين بعد الإدغام؛ لئلا يحرك ما لا يتحرك في موضع وهو سين استفعل فبقي {اسْطَاعُوا}بتشديد الطاء مع أن الساكن الذي قبل المدغم ليس بحرف مد، وقد جاء في قوله تعالى {فَنِعِمَّا هِيَ}عند من قرأ بسكون العين.
وقرأ الباقون {فَمَا اسْطَاعُوا}بتخفيف الطاء.
والوجه أن أصله أيضًا استطاعوا على وزن استفعلوا كما سبق، إلا أنهم كرهوا اجتماع المتقاربين وهما التاء والطاء، فحذف التاء ولم يدغم؛ لأنه كان يؤدي إدغامه إلى تحريك السين الذي لم يتحرك في موضع، أو إلى تبقيته
[الموضح: 804]
ساكنًا فيكون ما قبل المدغم ساكنًا غير مد، وكلاهما مكروهان عندهم). [الموضح: 805]
قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {دكاء وكان وعد ربي حقا} [98]. قرأ أهل الكوفة ممدودًا.
وقرأ الباقون: {دكا} بمعنى مدكوكة. قال: والعرب تجعل المصدر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/422]
بمعنى مفعول وفاعل فيقولون: هذا درهم ضرب الأمير أي: مضروب الأمير، قال الله تعالى: {إن أصبح ماؤكم غورا} أي غائرًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/423]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: (دكا) [الكهف/ 98]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (دكّا) منون غير مهموز ولا ممدود.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: دكاء ممدود مهموز بلا تنوين.
وهبيرة عن حفص (دكّا) منون غير ممدود، وقال غير هبيرة عن حفص عن عاصم: ممدود.
قال أبو علي: من قال: (جعله دكّا) احتمل أمرين: أحدهما:
أنه لمّا قال: جعله وكان بمنزلة خلق وعمل، فكأنه قد قال: دكّه دكّا، فحمله على الفعل الذي دلّ عليه قوله: جعله، والوجه الآخر: أن يكون جعله ذا دك، فحذف المضاف، ويمكن أن يكون حالا في هذا الوجه.
ومن قال: جعله دكاء فعلى حذف المضاف، كأنه جعله مثل دكّاء، قالوا: ناقة دكّاء، أي: لا سنام لها، ولا بدّ من تقدير الحذف،
[الحجة للقراء السبعة: 5/182]
لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء، لأنه من المؤنث وجعل مثل خلق، ويمكن أن يكون حالا). [الحجة للقراء السبعة: 5/183]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإذا جاء وعد ربّي جعله دكاء}
قرأ حمزة وعاصم والكسائيّ {جعله دكاء} بالمدّ والهمز أي جعله مثل دكاء ثمّ حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وتقول العرب ناقة دكاء أي لا سنام لها ولابد من تقدير الحذف لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء لأنّها من وصف المؤنّث وقال قطرب قوله {دكاء} صفة التّقدير جعله أرضًا دكاء أي ملساء فأقيمت الصّفة مقام الموصوف وحذف الموصوف كما قال سبحانه {وقولوا للنّاس حسنا} أي قولا حسنا
[حجة القراءات: 435]
وقرأ الباقون {دكا} منونا غير ممدود وفي هذه القراءة وجهان أحدهما أن تجعل دكا بمعنى مدكوكة دكا فمقام المصدر مقام المفعول والعرب تجعل المصدر بمعنى المفعول فيقولون هذا درهم ضرب الأمير أي مضروب الأمير والوجه الآخر أن يكون معناه دكه دكا فتجعل دكا مصدرا عن معنى الفعل لا عن لفظه). [حجة القراءات: 436]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (72- قوله: {جعله دكاء} قرأه الكوفيون بالمد، ولم يمده الباقون، وقد تقدّمت علته في الأعراف، وإن من قصره جعله مصدر دكة، ودل جعله على دكة، فعمل في «دكا» ويجوز أن يكون مفعولًا به، على تقدير حذف مضاف، أي: جعله ذا دك، ويجوز أن يكون نصبه على الحال، فيكون مصدرًا في موضع الحال، أي: جعله مدكوكا. ومن مده قدّر حذف مضاف، تقديره: جعله مثل دكاء، وإنما احتجت إلى هذا الإضمار لأن الجبل مذكر، فلا يحسن وصفه بدكاء، وهو مؤنث، والدكاء الناقة التي لا سنام لها، فالتقدير: فإذا جاء وعد ربي جعله مستويًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {جَعَلَهُ دَكَّاءَ}[آية/ 98] ممدودة مهموزة:
قرأها الكوفيون.
والوجه أنه على تقدير محذوف؛ لأن {دَكَّاءَ}على وزن فعلاء، يقال ناقة دكاء لا سنام لها، وهي على حذف المضاف، كأنه قال جعله مثل دكاء، أو على حذف الموصوف، كأنه قال جعله بقعة دكاء أو أرضًا دكاء وهي الملساء.
وقرأ الباقون {دَكَّاءَ}منونًا.
والوجه أن المعنى جعله ذا دك أي مدكوكًا يعني مكسوراً من قوله {دُكَّتِ الأَرْضُ}فهو على حذف المضاف، أو يكون التقدير دكه دكا، فهو على حقيقة المصدر؛ لأن جعل ههنا يتعدى إلى مفعول واحد مثل خلق). [الموضح: 805]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين