تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّا نحن نزّلنا عليك القرآن تنزيلاً}. يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّا نحن نزّلنا عليك يا محمّد هذا القرآن تنزيلاً، ابتلاءً منّا واختبارًا). [جامع البيان: 23 / 572]
تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة أنه بلغه أن أبا جهل يقول لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه فأنزل الله عز و جل ولا تطع منهم آثما أو كفورا). [تفسير عبد الرزاق: 2/339]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({فاصبر لحكم ربّك} يقول: اصبر لما امتحنك به ربّك من فرائضه، وتبليغ رسالاته، والقيام بما ألزمك القيام به في تنزيله الّذي أوحاه إليك. {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا} يقول: ولا تطع في معصية اللّه من مشركي قومك آثمًا يريد بركوبه معاصيه، أو كفورًا: يعني جحودًا لنعمه عنده، وآلائه قبله، فهو يكفر به، ويعبد غيره.
وقيل: إنّ الّذي عني بهذا القول أبو جهلٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا}. قال: نزلت في عدوّ اللّه أبي جهلٍ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة أنّه بلغه أنّ أبا جهلٍ، قال: لئن رأيت محمّدًا يصلّي لأطأنّ عنقه، فأنزل اللّه: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا}. قال: الآثم: المذنب الظّالم والكفور، هذا كلّه واحدٌ وقيل: {أو كفورًا} والمعنى: ولا كفورًا.
قال الفرّاء: أو ههنا بمنزلة (لا) و(أو) في الجحد والاستفهام والجزاء تكون بمعنى لا، فهذا من ذلك مع الجحد؛ ومنه قول الشّاعر:
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا = وجد عجولٍ أضلّها ربع
أو وجد شيخٍ أضلّ ناقته = يوم توافى الحجيج فاندفعوا
أراد: ولا وجد شيخٍ، قال: وقد يكون في العربيّة: لا تطيعنّ منهم من أثم أو كفر، فيكون المعنى في أو قريبًا من معنى الواو، كقولك للرّجل: لأعطينّك سألت أو سكتّ، معناه: لأعطينّك على كلّ حالٍ). [جامع البيان: 23 / 572-573]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 24 - 31.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} قال: حدثنا أنها نزلت في عدو الله أبي جهل). [الدر المنثور: 15 / 168-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه أنه بلغه أن أبا جهل قال: لما فرضت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة وهو يومئذ بمكة: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه، فأنزل الله في ذلك {ولا تطع منهم آثما أو كفورا}). [الدر المنثور: 15 / 169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {آثما أو كفورا} قال: كان أبو جهل يقول: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على رقبته فنهاه أن يطيعه وفي قوله: {يوما ثقيلا} قال: عسرا شديدا). [الدر المنثور: 15 / 169]
تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({واذكر اسم ربّك بكرةً وأصيلاً (25) ومن اللّيل فاسجد له وسبّحه ليلاً طويلاً (26) إنّ هؤلاء يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلاً}.
يقول تعالى ذكره: {واذكر} يا محمّد {اسم ربّك} فادعه به بكرةً في صلاة الصّبح، وعشيًّا في صلاة الظّهر والعصر. {ومن اللّيل فاسجد له}. يقول: ومن اللّيل فاسجد له في صلاتك، فسبّحه ليلاً طويلاً، يعني: أكثر اللّيل، كما قال جلّ ثناؤه: {قم اللّيل إلاّ قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن اللّيل فاسجد له وسبّحه ليلاً طويلاً}. يعني: الصّلاة والتّسبيح.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {واذكر اسم ربّك بكرةً وأصيلاً}. قال: بكرةً: صلاة الصّبح وأصيلاً صلاة الظّهر، الأصيل). [جامع البيان: 23 / 573-574]
تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ومن اللّيل فاسجد له وسبّحه ليلاً طويلاً}. قال: كان هذا أوّل شيءٍ فرضه. وقرأ: {يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلاّ قليلاً نصفه} ثمّ قال: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل ونصفه وثلثه} إلى قوله: {فاقرءوا ما تيسّر من القرآن} إلى آخر الآية، ثمّ قال: محي هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعن النّاس، وجعله نافلةً فقال: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك} قال: فجعلها نافلةً). [جامع البيان: 23 / 574]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ هؤلاء يحبّون العاجلة}. يقول تعالى ذكره: إنّ هؤلاء المشركين باللّه يحبّون العاجلة، يعني الدّنيا، يقول: يحبّون البقاء فيها وتعجبهم زينتها. {ويذرون وراءهم يومًا ثقيلاً}. يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النّجاة من عذاب اللّه يومئذٍ؛ وقد تأوّله بعضهم بمعنى: ويذرون أمامهم يومًا ثقيلاً؛ وليس ذلك قولاً مدفوعًا، غير أنّ الّذي قلناه أشبه بمعنى الكلمة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، {ويذرون وراءهم يومًا ثقيلاً}. قال: الآخرة). [جامع البيان: 23 / 574-575]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {آثما أو كفورا} قال: كان أبو جهل يقول: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على رقبته فنهاه أن يطيعه وفي قوله: {يوما ثقيلا} قال: عسرا شديدا). [الدر المنثور: 15 / 169] (م)
تفسير قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت خلاد يقول: سمعت أبا سعيد وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال: ما قرأت القرآن إلا على أبي هريرة، هو أقرأني، قال في هذه الآية: {وشددنا أسرهم}، قال: هي المفاصل). [الجامع في علوم القرآن: 1/98]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وشددنا أسرهم قال أي خلقهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/339]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال معمرٌ: {أسرهم} [الإنسان: 28] : «شدّة الخلق، وكلّ شيءٍ شددته من قتبٍ وغبيطٍ فهو مأسورٌ»). [صحيح البخاري: 6 / 164]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال معمرٌ أسرهم شدّة الخلق وكلّ شيءٍ شددته من قتبٍ وغبيطٍ فهو مأسورٌ سقط هذا لأبي ذرٍّ عن المستمليّ وحده ومعمرٌ المذكور هو أبو عبيدة معمر بن المثنّى وظنّ بعضهم أنه بن راشدٍ فزعم أنّ عبد الرّزّاق أخرجه في تفسيره عنه ولفظ أبي عبيدة أسرهم شدّة خلقهم ويقال للفرس شديد الأسر أي شديد الخلق وكلّ شيءٍ إلى آخر كلامه وأمّا عبد الرّزّاق فإنّما أخرج عن معمر بن راشدٍ عن قتادة في قوله وشددنا أسرهم قال خلقهم وكذا أخرجه الطّبريّ من طريق محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ تنبيهٌ لم يورد في تفسير هل أتى حديثًا مرفوعًا ويدخل فيه حديث بن عبّاسٍ في قراءتها في صلاة الصّبح يوم الجمعة وقد تقدم في الصّلاة). [فتح الباري: 8 / 685]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله وقال معمر أسرهم شدّة الخلق
معمر هذا هو ابن المثنى أبو عبيدة اللّغويّ وهذا كلامه في مجاز القرآن له ولفظه أسرهم شدّة خلقهم ويقال للفرس شديد الأسر أي شديد الخلق وكل شيء شدد به فهو مأسور
وقد روي معناه عن معمر بن راشد لكن من روايته عن قتادة
قال عبد بن حميد أنا عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة في قوله 28 الإنسان {وشددنا أسرهم} قال خلقهم
ورواه ابن جرير عن محمّد بن عبد الأعلى عن محمّد بن ثور عن معمر عن قتادة مثله). [تغليق التعليق: 4 / 356]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال معمرٌ: أسرهم شدّة الخلق وكلّ شيءٍ شددته من قتبٍ أو غبيطٍ فهو مأسورٌ
أي: قال معمر بن المثنى أبو عبيدة أو معمر بن راشد في قوله تعالى: {ونحن خلقناهم وشددنا أسرهم} (الإنسان: 28) الآية. وسقط هذا لأبي ذر عن المستملي وحده، وفسّر الأسر شدّة الخلق، ويقال للفرس: شديد الأسر، أي: شديد الخلق. قوله: (أو غبيط) بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره طاء مهملة وهو رحل النّساء يشد عليه الهودج، والجمع غبط بضمّتين، وظن بعضهم بنه معمر بن راشد، وزعم أن عبد الرّزّاق أخرجه في تفسيره عنه. قلت يريد به شيخه صاحب التّوضيح فإنّه قال بعد قوله. وقال معمر آلى آخره. وأخرجه عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة وذكره عن مجاهد وغيره، والظّاهر أنه معمر بن رشاد لأنّه روى عن قتادة نحوه، وأيضًا فالبخاري أخرج في التّفسير عن أبي عبيدة معمر بن المثنى في مواضع كثيرة، ولم يصرح باسمه فما باله هنا صرح به؟ وأراد به ابن المثنى وليس إلاّ معمرا بن راشد). [عمدة القاري: 19 / 271]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال معمر): بسكون العين بين ميمين مفتوحتين آخره راء هو أبو عبيدة بن المثنى قال في الفتح: وليس هو ابن راشد ({أسرهم}) أي (شدة الخلق) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفي التفسير أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب (وكل شيء شددته من قتب) بفتح القاف والفوقية آخره موحدة ولأبي ذر وغبيط بغين معجمة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية ساكنة فطاء مهملة رحل للنساء يشد على الهودج وفي نسخة مأسور الغبيط شيء تركبه النساء يشبه المحفة (فهو مأسور) مربوط وسقط لأبي ذر عن المستملي من قوله معمر إلى هنا، وثبت له من روايته عن الحموي والكشميهني، وزاد في غير الفرع أصله قبله وعليه شرح في الفتح وقال: إنه ثبت للنسفي). [إرشاد الساري: 7 / 407]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلاً (28) إنّ هذه تذكرةٌ فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلاً}.
يقول تعالى ذكره: {نحن خلقناهم} هؤلاء المشركين باللّه المخالفين أمره ونهيه. {وشددنا أسرهم} وشددنا خلقهم، من قولهم: قد أسر هذا الرّجل فأحسن أسره، بمعنى: قد خلق فأحسن خلقه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {نحن خلقناهم وشددنا أسرهم}. يقول: شدّدنا خلقهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وشددنا أسرهم}. قال: خلقهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وشددنا أسرهم} خلقهم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: الأسر: المفاصل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، سمعته يعني خلاّدًا، يقول: سمعت أبا سعيدٍ وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال: ما قرأت القرآن إلاّ على أبي هريرة، هو أقرأني، وقال في هذه الآية {وشددنا أسرهم}. قال: هي المفاصل.
وقال آخرون: بل هو القوّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وشددنا أسرهم} قال: الأسر: القوّة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب القول الّذي اخترناه، وذلك أنّ الأسر، هو ما ذكرت عند العرب؛ ومنه قول الأخطل:
من كلّ مجتنبٍ شديدٍ أسره = سلس القياد تخاله مختالاً
ومنه قول العامّة: خذه بأسره: أي هو لك كلّه.
وقوله: {وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلاً}. يقول: وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق، مخالفين لهم في العمل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {بدّلنا أمثالهم تبديلاً}. قال: بني آدم الّذين خالفوا طاعة اللّه، قال: وأمثالهم من بني آدم). [جامع البيان: 23 / 575-577]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وشددنا أسرهم} قال: خلقهم). [الدر المنثور: 15 / 169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه {وشددنا أسرهم} قال: هي المفاصل). [الدر المنثور: 15 / 169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الربيع {وشددنا أسرهم} قال: مفاصلهم.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله). [الدر المنثور: 15 / 169-170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وشددنا أسرهم} قال: خلقهم وفي قوله: {إن هذه تذكرة} قال: هذه السورة تذكرة والله أعلم، قوله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}). [الدر المنثور: 15 / 170]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة إن هذه تذكرة قال إن هذه السورة تذكرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/339]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّ هذه تذكرةٌ}. يقول: إنّ هذه السّورة تذكرةٌ لمن تذكّر واتّعظ واعتبر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {إنّ هذه تذكرةٌ}. قال: إنّ هذه السّورة تذكرةٌ.
وقوله: {فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلاً}. يقول: فمن شاء أيّها النّاس اتّخذ إلى رضا ربّه بالعمل بطاعته، والانتهاء إلى أمره ونهيه). [جامع البيان: 23 / 577-578]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما تشاءون إلاّ أن يشاء اللّه إنّ اللّه كان عليمًا حكيمًا (30) يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذابًا أليمًا}.
يقول تعالى ذكره: {وما تشاءون} اتّخاذ السّبيل إلى ربّكم أيّها النّاس {إلاّ أن يشاء اللّه} ذلك لكم لأنّ الأمر إليه لا إليكم؛ وهو في قراءة عبد اللّه فيما ذكر: وما تشاءون إلاّ ما شاء اللّه.
وقوله: {إنّ اللّه كان عليمًا حكيمًا}. فلن يعدو منكم أحدٌ ما سبق له في علمه بتدبيركم). [جامع البيان: 23 / 578]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وشددنا أسرهم} قال: خلقهم وفي قوله: {إن هذه تذكرة} قال: هذه السورة تذكرة والله أعلم، قوله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}). [الدر المنثور: 15 / 170] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله القدرية وقد فعل لعن الله القدرية وقد فعل، لعن الله القدرية وقد فعل، ما قالوا كما قال الله ولا قالوا كما قالت الملائكة ولا قالوا كما قالت الأنبياء ولا قالوا كما قالت أهل الجنة ولا قالوا كما قالت أهل النار ولا قالوا كما قال الشيطان، قال الله {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} وقالت الملائكة: (لا علم لنا إلا ما علمتنا) (سورة البقرة الآية 32) وقالت الأنبياء في قصة نوح: (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) (سوره هود الآية 34) وقالت أهل الجنة: (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (سورة الأعراف الآية 43) وقال أهل النار (ربنا غلبت علينا شقوتنا) (سورة المؤمنون الآية 106) وقال الشيطان: (رب بما أغويتني) (سورة الحجر الآية 39) ). [الدر المنثور: 15 / 170-171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق ابن شهاب عن سالم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا خطب كل ما هو آت قريب لا بعد لما يأتي ولا يعجل الله لعجلة أحد ما شاء الله لا ما شاء الناس يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا ما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مباعد لما قرب الله ولا مقرب لما باعد الله لا يكون شيء إلا بإذن الله). [الدر المنثور: 15 / 171]
تفسير قوله تعالى: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {يدخل من يشاء في رحمته}. يقول: يدخل ربّكم من يشاء منكم في رحمته، فيتوب عليه حتّى يموت تائبًا من ضلالته، فيغفر له ذنوبه، ويدخله جنّته. {والظّالمين أعدّ لهم عذابًا أليمًا}. يقول: الّذين ظلموا أنفسهم، فماتوا على شركهم، أعدّ لهم في الآخرة عذابًا مؤلمًا موجعًا، وهو عذاب جهنّم. ونصب قوله: {والظّالمين} لأنّ الواو ظرفٌ لأعدّ، والمعنى: وأعدّ للظّالمين عذابًا أليمًا. وذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: (وللظّالمين أعدّ لهم) بتكرير اللاّم، وقد تفعل العرب ذلك، وينشد لبعضهم:
أقول لها إذا سألت طلاقًا = إلام تسارعين إلى فراقي
ولآخر: فأصبحن لا يسألنه عن بما به أصعّد في غاوي الهوى أم تصوّبا بتكرير الباء، وإنّما الكلام لا يسألنه عمّا به). [جامع البيان: 23 / 578-579]