العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 05:41 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير سورة الجن [ من الآية (1) إلى الآية (10) ]

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 05:42 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: انطلق رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظٍ وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، قال: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث، فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها، ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء، قال: فانطلق الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بنخلة، «وهو عامدٌ إلى سوق عكاظٍ وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر فلمّا سمعوا القرآن تسمّعوا له» ، فقالوا: هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا (1) يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} [الجن: 2] " وأنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} [الجن: 1] وإنّما أوحي إليه قول الجنّ "). [صحيح البخاري: 6 / 160-161]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله عن أبي بشرٍ هو جعفر بن أبي وحشيّة قوله انطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كذا اختصره البخاريّ هنا وفي صفة الصّلاة وأخرجه أبو نعيمٍ في المستخرج عن الطّبرانيّ عن معاذ بن المثنّى عن مسدّدٍ شيخ البخاريّ فيه فزاد في أوّله ما قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الجنّ ولا رآهم انطلق إلخ وهكذا أخرجه مسلمٌ عن شيبان بن فرّوخ عن أبي عوانة بالسّند الّذي أخرجه به البخاريّ فكأنّ البخاريّ حذف هذه اللّفظة عمدًا لأنّ بن مسعودٍ أثبت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ على الجنّ فكان ذلك مقدّمًا على نفي بن عبّاسٍ وقد أشار إلى ذلك مسلمٌ فأخرج عقب حديث بن عبّاس هذا حديث بن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال أتاني داعي الجنّ فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن ويمكن الجمع بالتّعدّد كما سيأتي قوله في طائفةٍ من أصحابه تقدّم في أوائل المبعث في باب ذكر الجنّ أنّ بن إسحاق وبن سعد ذكرا أن ذلك كان في ذي القعدة سنة عشرٍ من المبعث لمّا خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الطّائف ثمّ رجع منها ويؤيّده قوله في هذا الحديث إنّ الجنّ رأوه يصلّي بأصحابه صلاة الفجر والصّلاة المفروضة إنّما شرعت ليلة الإسراء والإسراء كان على الرّاجح قبل الهجرة بسنتين أو ثلاثٍ فتكون القصّة بعد الإسراء لكنّه مشكلٌ من جهةٍ أخرى لأنّ محصّل ما في الصّحيح كما تقدّم في بدء الخلق وما ذكره بن إسحاق أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا خرج إلى الطّائف لم يكن معه من أصحابه إلّا زيد بن حارثة وهنا قال إنّه انطلق في طائفةٍ من أصحابه فلعلّها كانت وجهةً أخرى ويمكن الجمع بأنّه لمّا رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطّريق فرافقوه قوله عامدين أي قاصدين قوله إلى سوق عكاظٍ بضمّ المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاءٌ معجمةٌ بالصّرف وعدمه قال اللّحيانيّ الصّرف لأهل الحجاز وعدمه لغة تميمٍ وهو موسمٌ معروفٌ للعرب بل كان من أعظم مواسمهم وهو نخلٌ في وادٍ بين مكّة والطّائف وهو إلى الطّائف أقرب بينهما عشرة أميالٍ وهو وراء قرن المنازل بمرحلةٍ من طريق صنعاء اليمن وقال البكريّ أوّل ما أحدثت قبل الفيل بخمس عشرة سنةً ولم تزل سوقًا إلى سنة تسعٍ وعشرين ومائةٍ فخرج الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن وكانوا يقيمون به جميع شوّالٍ يتبايعون ويتفاخرون وتنشد الشّعراء ما تجدّد لهم وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسّان سأنشر إن حييت لكم كلامًا ينشر في المجامع من عكاظٍ وكان المكان الّذي يجتمعون به منه يقال له الابتداء وكانت هناك صخورٌ يطوفون حولها ثمّ يأتون مجنّة فيقيمون بها عشرين ليلةً من ذي القعدة ثمّ يأتون ذا المجاز وهو خلف عرفة فيقيمون به إلى وقت الحجّ وقد تقدّم في كتاب الحجّ شيءٌ من هذا وقال بن التّين سوق عكاظٍ من إضافة الشّيء إلى نفسه كذا قال وعلى ما تقدّم من أنّ السّوق كانت تقام بمكانٍ من عكاظٍ يقال له الابتداء لا يكون كذلك قوله وقد حيل بكسر الحاء المهملة وسكون التّحتانيّة بعدها لامٌ أي حجز ومنع على البناء للمجهول قوله بين الشّياطين وبين خبر السّماء وأرسلت عليهم الشّهب بضمّتين جمع شهابٍ وظاهر هذا أنّ الحيلولة وإرسال الشّهب وقع في هذا الزّمان المقدّم ذكره والّذي تضافرت به الأخبار أنّ ذلك وقع لهم من أوّل البعثة النّبويّة وهذا ممّا يؤيّد تغاير زمن القصّتين وأنّ مجيء الجنّ لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الطّائف بسنتين ولا يعكّر على ذلك إلّا قوله في هذا الخبر إنّهم رأوه يصلّي بأصحابه صلاة الفجر لأنّه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصّلوات ليلة الإسراء فإنّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان قبل الإسراء يصلّي قطعًا وكذلك أصحابه لكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيءٌ من الصّلاة أم لا فيصحّ على هذا قول من قال إنّ الفرض أوّلًا كان صلاةً قبل طلوع الشّمس وصلاةً قبل غروبها والحجّة فيه قوله تعالى فسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ونحوها من الآيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزّمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصّة الجنّ متقدّمةً من أوّل المبعث وهذا الموضع ممّا لم ينبّه عليه أحدٌ ممّن وقفت على كلامهم في شرح هذا الحديث وقد أخرج التّرمذيّ والطّبريّ حديث الباب بسياقٍ سالمٍ من الإشكال الّذي ذكرته من طريق أبي إسحاق السّبيعيّ عن سعيد بن جبير عن بن عبّاسٍ قال كانت الجنّ تصعد إلى السّماء الدّنيا يستمعون الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها أضعافًا فالكلمة تكون حقًّا وأمّا ما زادوا فيكون باطلًا فلمّا بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم منعوا مقاعدهم ولم تكن النّجوم يرمى بها قبل ذلك وأخرجه الطّبريّ أيضا وبن مردويه وغيررهما من طريق عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ مطوّلًا وأوّله كان للجنّ مقاعد في السّماء يستمعون الوحي الحديث فبينما هم كذلك إذ بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فدحرت الشّياطين من السّماء ورموا بالكواكب فجعل لا يصعد أحدٌ منهم إلّا احترق وفزع أهل الأرض لما رأوا من الكواكب ولم تكن قبل ذلك فقالوا هلك أهل السّماء وكان أهل الطّائف أوّل من تفطّن لذلك فعمدوا إلى أموالهم فسيّبوها وإلى عبيدهم فعتقوها فقال لهم رجلٌ ويلكم لا تهلكوا أموالكم فإنّ معالمكم من الكواكب الّتي تهتدون بها لم يسقط منها شيءٌ فأقلعوا وقال إبليس حدث في الأرض حدثٌ فأتى من كلّ أرضٍ بتربة فشمها فقال لتربة تهامة ها هنا حدث الحدث فصرف إليه نفرًا من الجنّ فهم الّذين استمعوا القرآن وعند أبي داود في كتاب المبعث من طريق الشّعبيّ أنّ الّذي قال لأهل الطّائف ما قال هو عبد يا ليل بن عمرٍو وكان قد عمي فقال لهم لا تعجلوا وانظروا فإن كانت النّجوم الّتي يرمى بها هي الّتي تعرف فهو عند فناء النّاس وإن كانت لا تعرف فهو من حدثٍ فنظروا فإذا هي نجومٌ لا تعرف فلم يلبثوا أن سمعوا بمبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقد أخرجه الطّبريّ من طريق السّديّ مطولا وذكر بن إسحاق نحوه مطوّلًا بغير إسنادٍ في مختصر بن هشامٍ زاد في رواية يونس بن بكيرٍ فساق سنده بذلك عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنّه حدّثه عن عبد اللّه بن عبد اللّه أنّه حدّثه أنّ رجلًا من ثقيفٍ يقال له عمرو بن أميّة كان من أدهى العرب وكان أوّل من فزع لمّا رمي بالنّجوم من النّاس فذكر نحوه وأخرجه بن سعدٍ من وجهٍ آخر عن يعقوب بن عتبة قال أوّل العرب فزع من رمي النّجوم ثقيفٌ فأتوا عمرو بن أميّة وذكر الزّبير بن بكّارٍ في النّسب نحوه بغير سياقه ونسب القول المنسوب لعبد يا ليل لعتبة بن ربيعة فلعلّهما تواردا على ذلك فهذه الأخبار تدلّ على أنّ القصّة وقعت أوّل البعثة وهو المعتمد وقد استشكل عياضٌ وتبعه القرطبيّ والنّوويّ وغيرهما من حديث الباب موضعًا آخر ولم يتعرّضوا لما ذكرته فقال عياضٌ ظاهر الحديث أنّ الرّمي بالشّهب لم يكن قبل مبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لإنكار الشّياطين له وطلبهم سببه ولهذا كانت الكهانة فاشيةً في العرب ومرجوعًا إليها في حكمهم حتّى قطع سببها بأن حيل بين الشّياطين وبين استراق السّمع كما قال تعالى في هذه السّورة وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وقوله تعالى أنهم عن السّمع لمعزولون وقد جاءت أشعار العرب باستغراب رميها وإنكاره إذ لم يعهدوه قبل المبعث وكان ذلك أحد دلائل نبوّته صلّى اللّه عليه وسلّم ويؤيّده ما ذكر في الحديث من إنكار الشّياطين قال وقال بعضهم لم تزل الشّهب يرمى بها مذ كانت الدّنيا واحتجّوا بما جاء في أشعار العرب من ذلك قال وهذا مرويّ عن بن عبّاس والزهريّ ورفع فيه بن عبّاسٍ حديثًا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال الزّهريّ لمن اعترض عليه بقوله فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا قال غلّظ أمرها وشدّد انتهى وهذا الحديث الّذي أشار إليه أخرجه مسلمٌ من طريق الزّهريّ عن عبيد الله عن بن عبّاسٍ عن رجالٍ من الأنصار قالوا كنّا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ رمي بنجمٍ فاستنار فقال ما كنتم تقولون لهذا إذا رمي به في الجاهليّة الحديث وأخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ قال سئل الزّهريّ عن النّجوم أكان يرمى بها في الجاهليّة قال نعم ولكنّه إذ جاء الإسلام غلظ وشدد وهذا جمع حسن ويحتمل أن يكون المراد بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رمي بها في الجاهليّة أي جاهليّة المخاطبين ولا يلزم أن يكون ذلك قبل المبعث فإنّ المخاطب بذلك الأنصار وكانوا قبل إسلامهم في جاهليّةٍ فإنّهم لم يسلموا إلّا بعد المبعث بثلاث عشرة سنةً وقال السّهيليّ لم يزل القذف بالنّجوم قديمًا وهو موجودٌ في أشعار قدماء الجاهليّة كأوس بن حجرٍ وبشر بن أبي حازمٍ وغيرهما وقال القرطبيّ يجمع بأنّها لم تكن يرمى بها قبل المبعث رميًا يقطع الشّياطين عن استراق السّمع ولكن كانت ترمى تارةً ولا ترمى أخرى وترمى من جانبٍ ولا ترمى من جميع الجوانب ولعلّ الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى ويقذفون من كلّ جانب دحورا انتهى ثمّ وجدت عن وهب بن منبّهٍ ما يرفع الإشكال ويجمع بين مختلف الأخبار قال كان إبليس يصعد إلى السّماوات كلّهنّ يتقلّب فيهنّ كيف شاء لا يمنع منذ أخرج آدم إلى أن رفع عيسى فحجب حينئذٍ من أربع سماواتٍ فلمّا بعث نبيّنا حجب من الثّلاث فصار يسترق السّمع هو وجنوده ويقذفون بالكواكب ويؤيّده ما روى الطّبريّ من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ قال لم تكن السّماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمّدٍ فلمّا بعث محمّدٌ حرست حرسًا شديدًا ورجمت الشّياطين فأنكروا ذلك ومن طريق السّدّيّ قال إنّ السّماء لم تكن تحرس إلّا أن يكون في الأرض نبيٌّ أو دينٌ ظاهرٌ وكانت الشّياطين قد اتّخذت مقاعد يسمعون فيها ما يحدث فلمّا بعث محمّدٌ رجموا وقال الزين بن المنير ظاهر الخبر أنّ الشّهب لم تكن يرمى بها وليس كذلك لما دلّ عليه حديث مسلمٍ وأمّا قوله تعالى فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا فمعناه أنّ الشّهب كانت ترمى فتصيب تارةً ولا تصيب أخرى وبعد البعثة أصابتهم إصابةً مستمرّةً فوصفوها لذلك بالرّصد لأنّ الّذي يرصد الشّيء لا يخطئه فيكون المتجدّد دوام الإصابة لا أصلها وأمّا قول السّهيليّ لولا أنّ الشّهاب قد يخطئ الشّيطان لم يتعرّض له مرّةً أخرى فجوابه أنّه يجوز أن يقع التّعرّض مع تحقّق الإصابة لرجاء اختطاف الكلمة وإلقائها قبل إصابة الشّهاب ثمّ لا يبالي المختطف بالإصابة لما طبع عليه من الشّرّ كما تقدم وأخرج العقيليّ وبن منده وغيرهما وذكره أبو عمر بغير سندٍ من طريق لهب بفتحتين ويقال بالتّصغير بن مالكٍ اللّيثيّ قال ذكرت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلم لكهانة فقلت نحن أوّل من عرف حراسة السّماء ورجم الشّياطين ومنعهم من استراق السّمع عند قذف النّجوم وذلك أنّا اجتمعنا عند كاهنٍ لنا يقال له خطر بن مالكٍ وكان شيخًا كبيرًا قد أتت عليه مائتان وستّةً وثمانون سنةً فقلنا يا خطر هل عندك علمٌ من هذه النّجوم الّتي يرمى بها فإنّا فزعنا منها وخفنا سوء عاقبتها الحديث وفيه فانقضّ نجمٌ عظيمٌ من السّماء فصرخ الكاهن رافعًا صوته أصابه أصابه خامره عذابه أحرقه شهابه الأبيات وفي الخبر أنّه قال أيضًا قد منع السّمع عتاة الجان بثاقبٍ يتلف ذي سلطانٍ من أجل مبعوثٍ عظيم الشّان وفيه أنّه قال أرى لقومي ما أرى لنفسي أن يتبعوا خير نبيّ الإنس الحديث بطوله قال أبو عمر سنده ضعيفٌ جدًّا ولولا فيه حكمٌ لما ذكرته لكونه علمًا من أعلام النّبوّة والأصول فإن قيل إذا كان الرّمي بها غلّظ وشدّد بسبب نزول الوحي فهلّا انقطع بانقطاع الوحي بموت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن نشاهدها الآن يرمى بها فالجواب يؤخذ من حديث الزّهريّ المتقدّم ففيه عند مسلمٍ قالوا كنّا نقول ولد اللّيلة رجلٌ عظيمٌ ومات رجلٌ عظيمٌ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإنّها لا ترمى لموت أحدٍ ولا لحياته ولكن ربّنا إذا قضى أمرًا أخبر أهل السّماوات بعضهم بعضًا حتّى يبلغ الخبر السّماء الدّنيا فيخطف الجنّ السّمع فيقذفون به إلى أوليائهم فيؤخذ من ذلك أنّ سبب التّغليظ والحفظ لم ينقطع لما يتجدّد من الحوادث الّتي تلقى بأمره إلى الملائكة فإنّ الشّياطين مع شدّة التّغليظ عليهم في ذلك بعد المبعث لم ينقطع طمعهم في استراق السّمع في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكيف بما بعده وقد قال عمر لغيلان بن سلمة لمّا طلّق نساءه إنّي أحسب أنّ الشّياطين فيما تسترق السّمع سمعت بأنّك ستموت فألقت إليك ذلك الحديث أخرجه عبد الرّزّاق وغيره فهذا ظاهرٌ في أنّ استراقهم السّمع استمرّ بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكانوا يقصدون استماع الشّيء ممّا يحدث فلا يصلون إلى ذلك إلّا إن اختطف أحدهم بخفّة حركته خطفةً فيتبعه الشّهاب فإن أصابه قبل أن يلقيها لأصحابه فاتت وإلّا سمعوها وتداولوها وهذا يردّ على قول السّهيلي المقدّم ذكره قوله قال ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا ما حدث الّذي قال لهم ذلك هو إبليس كما تقدّم في رواية أبي إسحاق المتقدّمة قريبًا قوله فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها أي سيروا فيها كلّها ومنه قوله تعالى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وفي رواية نافع بن جبير عن بن عبّاسٍ عند أحمد فشكوا ذلك إلى إبليس فبثّ جنوده فإذا هم بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي برحبةٍ في نخلةٍ قوله فانطلق الّذين توجّهوا قيل كان هؤلاء المذكورون من الجنّ على دين اليهود ولهذا قالوا انزل من بعد موسى وأخرج بن مردويه من طريق عمر بن قيسٍ عن سعيد بن جبير عن بن عبّاسٍ أنّهم كانوا تسعةً ومن طريق النّضر بن عربيّ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ كانوا سبعةً من أهل نصيبين وعند بن أبي حاتمٍ من طريق مجاهدٍ نحوه لكن قال كانوا أربعةً من نصيبين وثلاثةً من حرّان وهم حسًّا ونسا وشاصرٌ وماضرٌ والأدرس ووردان والأحقب ونقل السّهيليّ في التّعريف أنّ بن دريدٍ ذكر منهم خمسةً شاصر وماضر ومنشّى وناشي والأحقب قال وذكر يحيى بن سلّامٍ وغيره قصّة عمرو بن جابرٍ وقصّة سرّقٍ وقصّة زوبعة قال فإن كانوا سبعةً فالأحقب لقب أحدهم لا اسمه واستدرك عليه بن عسكرٍ ما تقدّم عن مجاهدٍ قال فإذا ضمّ إليهم عمرٌو وزوبعة وسرّقٌ وكان الأحقب لقبًا كانوا تسعةً قلت هو مطابقٌ لرواية عمر بن قيس المذكورة وقد روى بن مردويه أيضًا من طريق الحكم بن أبانٍ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ كانوا اثني عشر ألفًا من جزيرة الموصل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لابن مسعودٍ أنظرني حتّى آتيك وخطّ عليه خطًّا الحديث والجمع بين الرّوايتين تعدّد القصّة فإن الّذين جاؤوا أوّلًا كان سبب مجيئهم ما ذكر في الحديث من إرسال الشّهب وسبب مجيء الّذين في قصّة بن مسعود أنهم جاؤوا لقصد الإسلام وسماع القرآن والسّؤال عن أحكام الدّين وقد بيّنت ذلك في أوائل المبعث في الكلام على حديث أبي هريرة وهو من أقوى الأدلّة على تعدّد القصّة فإنّ أبا هريرة إنّما أسلم بعد الهجرة والقصّة الأولى كانت عقب المبعث ولعلّ من ذكر في القصص المفرّقة كانوا ممّن وفد بعد لأنّه ليس في كلّ قصّةٍ منها إلّا أنّه كان ممّن وفد وقد ثبت تعدّد وفودهم وتقدّم في بدء الخلق كثيرٌ ممّا يتعلّق بأحكام الجنّ واللّه المستعان قوله نحو تهامة بكسر المثنّاة اسمٌ لكلّ مكانٍ غير عالٍ من بلاد الحجاز سمّيت بذلك لشدّة حرّها اشتقاقًا من التّهم بفتحتين وهو شدّة الحرّ وسكون الرّيح وقيل من تهم الشّيء إذا تغيّر قيل لها ذلك لتغيّر هوائها قال البكريّ حدّها من جهة الشّرق ذات عرقٍ ومن قبل الحجاز السّرج بفتح المهملة وسكون الرّاء بعدها جيمٌ قريةٌ من عمل الفرع بينها وبين المدينة اثنان وسبعون ميلًا قوله إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في رواية أبي إسحاق فانطلقوا فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله وهو عامدٌ كذا هنا وتقدّم في صفة الصّلاة بلفظ عامدين ونصب على الحال من فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن كان معه أو ذكر بلفظ الجمع تعظيمًا له وهو أظهر لمناسبة الرّواية الّتي هنا قوله بنخلة بفتح النّون وسكون المعجمة موضعٌ بين مكّة والطّائف قال البكريّ على ليلةٍ من مكّة وهي الّتي ينسب إليها بطن نخلٍ ووقع في رواية مسلمٍ بنخلٍ بلا هاءٍ والصّواب إثباتها قوله يصلّي بأصحابه صلاة الفجر لم يختلف على بن عبّاسٍ في ذلك ووقع في رواية عبد الرّزّاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ قال قال الزبير أو بن الزّبير كان ذلك بنخلة والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم يقرأ في العشاء وأخرجه بن أبي شيبة عن بن عيينة عن عمرٍو عن عكرمة قال قال الزّبير فذكره وزاد فقرأ كادوا يكونون عليه لبدا وكذا أخرجه بن أبي حاتمٍ وهذا منقطعٌ والأوّل أصحّ قوله تسمّعوا له أي قصدوا لسماع القرآن وأصغوا إليه قوله فهنا لك هو ظرف مكانٍ والعامل فيه قالوا وفي روايةٍ فقالوا والعامل فيه رجعوا قوله رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا قال الماورديّ ظاهر هذا أنّهم آمنوا عند سماع القرآن قال والإيمان يقع بأحد أمرين إمّا بأن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرّسول أو يكون عنده علمٌ من الكتب الأولى فيها دلائل على أنّه النّبيّ المبشّر به وكلا الأمرين في الجنّ محتملٌ واللّه أعلم قوله وأنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ زاد التّرمذيّ قال بن عبّاسٍ وقول الجنّ لقومهم لمّا قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال لمّا رأوه يصلّي وأصحابه يصلّون بصلاته يسجدون بسجوده قال فتعجّبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم ذلك قوله وإنّما أوحي إليه قول الجنّ هذا كلام بن عبّاسٍ كأنّه تقرّر فيه ما ذهب إليه أوّلًا أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يجتمع بهم وإنّما أوحى اللّه إليه بأنّهم استمعوا ومثله قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا الآية ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك كما تقدّم تقريره وفي الحديث إثبات وجود الشّياطين والجنّ وأنّهما لمسمًّى واحدٍ وإنّما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان فلا يقال لمن آمن منهم إنّه شيطانٌ وفيه أنّ الصّلاة في الجماعة شرعت قبل الهجرة وفيه مشروعيّتها في السّفر والجهر بالقراءة في صلاة الصّبح وأنّ الاعتبار بما قضى اللّه للعبد من حسن الخاتمة لا بما يظهر منه من الشّرّ ولو بلغ ما بلغ لأنّ هؤلاء الّذين بادروا إلى الإيمان بمجرّد استماع القرآن لو لم يكونوا عند إبليس في أعلى مقامات الشّرّ ما اختارهم للتّوجّه إلى الجهة الّتي ظهر له أنّ الحدث الحادث من جهتها ومع ذلك فغلب عليهم ما قضي لهم من السّعادة بحسن الخاتمة ونحو ذلك قصّة سحرة فرعون وسيأتي مزيدٌ لذلك في كتاب القدر إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8 / 670-675]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظٍ وقد حيل بين الشيّاطين وبين خبر السّماء وأرسلت عليهم الشّهب فرجعت الشيّاطين فقالوا ما لكم فقالوا حيل بيننا وبين خبر السّماء وأرسلت علينا الشّهب قال ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلاّ ما حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء قال فانطلق الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلةً وهو عامدٌ إلى سوق عكاظٍ وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر فلمّا سمعوا القرآن تسمّعوا له فقالوا هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدا وأنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلى الله عليه وسلم: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} (الجنّ: 1) وإنّما أوحي إليه قول الجنّ.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ويوضح سبب النّزول أيضا وأبو عوانة بفتح العين المهملة: الوضاح اليشكري، وأبو بشر: بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطيّ البصريّ.
والحديث قد مضى في الصّلاة في: باب الجهر بقراءة الصّبح فإنّه أخرجه هناك عن مسدّد عن أبي عوانة إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه هناك. قوله: (انطلق) كان ذلك في ذي القعدة سنة عشر من البعثة. قوله: (عكاظ) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة: سوق العرب بناحية مكّة يصرف ولا يصرف وكانوا يقيمون به أيّامًا في الجاهليّة. قوله: (قد حيل) ، على بناء المجهول من حال إذا حجز. قوله: (تهامة) ، بكسر التّاء المثنّاة من فوق وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز. قوله: (بنخلة) ، موضع مشهور ثمّة وهو غير منصرف. قوله: (عامدًا) أي: قاصدا. قوله: (تسمعوا) ، أي: تكلفوا للسماع لأن باب التفعل للتكلف قوله: (حال) ، أي: حجز). [عمدة القاري: 19 / 263-264]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: انطلق رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظٍ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب فرجعت الشّياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، قال: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلاّ ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء؟ قال: فانطلق الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بنخلة وهو عامدٌ إلى سوق عكاظٍ وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن تسمّعوا له، فقالوا: هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا، إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به. ولن نشرك بربّنا أحدًا. وأنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} [الجن: 1] وإنّما أوحي إليه قول الجنّ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: انطلق رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- في طائفة من أصحابه عامدين) قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم العين المهملة وفتح الكاف المخففة وبعد الألف معجمة بالصرف وعدمه موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم وهو نخل في واد بين مكة والطائف يقيمون به شوّالًا كله يتبايعون ويتفاخرون وكان ذلك لما خرج عليه الصلاة والسلام إلى
الطائف، ورجع منها سنة عشر من المبعث لكن استشكل قوله في طائفة من أصحابه لأنه لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة وأجيب بالتعدد أو أنه لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق. (وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب) بضمتين جمع شهاب، والذي تظاهرت عليه الأخبار أن ذلك كان أول المبعث وهو يؤيد تغاير زمان القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف بسنتين ولا يعكر عليه قوله إنهم رأوه يصلّي بأصحابه صلاة الصبح لأنه كان عليه الصلاة والسلام يصلّي قبل الإسراء صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها.
(فرجعت الشياطين) إلى قومهم (فقالوا) لهم (ما لكم؟ قالوا) ولغير أبي ذر فقالوا: (حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قال) إبليس بعد أن حدّثوه بالذي وقع ولأبي ذر فقال: (ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث) لأن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر قاله السدي (فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها) أي سيروا فيها (فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء. قال: فانطلق) الشياطين (الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر الفوقية وكانوا من جن نصيبين (إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة غير منصرف للعلمية والتأنيث موضع على ليلة من مكة (وهو) عليه الصلاة والسلام (عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن) منه عليه الصلاة والسلام (تسمعوا له) بتشديد الميم أي تكلفوا سماعه (فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا) يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانيه (يهدي إلى الرشد) الإيمان والصواب (فآمنا به) بالقرآن (ولن نشرك) بعد اليوم (بربنا أحدًا. وأنزل عز وجل على نبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم- {قل أوحي إليّ أنه استمع}) لقراءتي ({نفرّ من الجن}) [الجن: 1] ما بين الثلاثة إلى العشرة. قال ابن عباس: (وإنما أوحي إليه) -صلّى اللّه عليه وسلّم- (قول الجن) لقومهم إنّا سمعنا الخ وزاد الترمذي. قال ابن عباس وقول الجن لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا قال: لما رأوه يصلّي وأصحابه يصلون بصلاته يسجدون بسجوده قال فعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم ذلك، وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام لم يرهم ولم يقرأ عليهم، وإنما اتفق حضورهم وهو يقرأ فسمعوه فأخبر الله بذلك رسوله.
وهذا الحديث سبق في باب الجهر بقراءة صلاة الفجر من كتاب الصلاة). [إرشاد الساري: 7 / 401-402]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (ما حال بينكم وبين خبر السماء الخ) قال القسطلاني. قال: أي إبليس الخ، ولا يخفى أن هذا الحديث يقتضي أن الشياطين ما علموا ببعثته صلى الله تعالى عليه وسلم إلى سنين، وقد، أسلم قبل ذلك ناس، وكان يدعو صلى الله تعالى عليه وسلم آخرين إلى الإسلام والشياطين ما عندهم علم بالأمر، وهذا مشكل بحديث كل أحد من الإنس معه شيطان حتى قال صلى الله تعالى عليه وسلم: معي شيطان أيضاً إلا أن الله تعالى أعانه على ذلك الشيطان، فأسلم أو نحو ذلك فأولئك الشياطين الذين كانوا مع أهل مكة كيف خفي عليهم خبره إلا أن يقال: الشياطين المسترقون السمع غير أولئك المصاحبين مع الناس وبعضهم لا يلقى بعضاً في سنين فخفي على مسترقي السمع الأمر لكن في بعض الأحاديث أن إبليس يضع عرشه على الماء، ويبعث سراياه كل يوم، أو نحو ذلك للإضلال فيسألهم، فانظر، والله تعالى أعلم). [حاشية السندي على البخاري: 3 / 77]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا عبد بن حميدٍ قال: حدّثني أبو الوليد، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ما قرأ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على الجنّ ولا رآهم، انطلق رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظٍ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب فقالوا: ما حال بيننا وبين خبر السّماء إلاّ أمرٌ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء؟ قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، يبتغون ما هذا الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء، فانصرف أولئك النّفر الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظٍ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا واللّه الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء. قال: فهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} فأنزل اللّه تبارك وتعالى على نبيّه: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} وإنّما أوحي إليه قول الجنّ. وبهذا الإسناد عن ابن عبّاسٍ قال: قول الجنّ لقومهم: {لمّا قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا} قال: لمّا رأوه يصلّي وأصحابه يصلّون بصلاته ويسجدون بسجوده، قال: تعجّبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم: {لمّا قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5 / 283-284]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرني أحمد بن منيعٍ، عن يحيى بن زكريّا، ثمّ ذكر كلمةً معناها: أخبرنا داود، عن عامرٍ، عن علقمة، قال: قلنا لعبد الله: هل صحب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منكم أحدٌ ليلة الجنّ؟، قال: لم يصحبه منّا أحدٌ إلّا أنا، بتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، إنّا افتقدناه، فقلنا: استطير أو اغتيل، فتفرّقنا في الشّعاب والأودية نطلبه، فلقيته مقبلًا من نحو حراء، فقلت: بأبي وأمّي، بتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، فقال: «إنّه أتاني داعي الجنّ فأجبتهم أقرئهم القرآن»، وأراني آثارهم وآثار نيرانهم
- أخبرنا أبو داود سليمان بن سيفٍ، حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا أبو عوانة، وأخبرنا عمرو بن منصورٍ، حدّثنا محمّد بن محبوبٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظٍ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم فقالوا: حيل بيننا وبين السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، فقال: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا شيءٌ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء؟، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، يبتغون ما هذا الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء، فانصرف أولئك النّفر الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظٍ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا والله الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فهناك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا: {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} [الجن: 2]، فأنزل الله {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} [الجن: 1] وإنّما أوحي إليه قول الجنّ، اللّفظ لعمرٍو
- أخبرنا أبو داود سليمان بن سيفٍ، حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ ولا رآهم»
- أخبرنا أبو داود، حدّثنا عبيد الله، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كانت الجنّ تصعد إلى السّماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعًا، فأمّا الكلمة فتكون حقًّا، وأمّا ما زادوا فيكون باطلًا، فلمّا بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النّجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلّا لأمرٍ حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائمًا يصلّي، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الّذي حدث في الأرض "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/313-315]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا (1) يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا (2) وأنّه تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد أوحى اللّه إليّ {أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} هذا القرآن فقالوا لقومهم لمّا سمعوه {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرّشد} يقول: يدلّ على الحقّ وسبيل الصّواب {فآمنّا به}. يقول: فصدّقنا به {ولن نشرك بربّنا أحدًا} من خلقه.
وكان سبب استماع هؤلاء النّفر من الجنّ القرآن:
- كما: حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا أبو هشامٍ، يعني المخزوميّ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الجنّ ولا رآهم؛ انطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في نفرٍ من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظٍ، قال: وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلاّ شيءٌ حدث، قال: فانطلقوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الّذي حدث، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، يتتبّعون ما هذا الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء؛ قال: فانطلق النّفر الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنخلة، وهو عامدٌ إلى سوق عكاظٍ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر؛ قال: فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللّه الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء؛ قال: فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} قال: فأنزل اللّه إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ}، وإنّما أوحي إليه قول الجنّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، قال: قدم رهط زوبعة وأصحابه مكّة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسمعوا قراءة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ انصرفوا، فذلك قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا}. قال: كانوا تسعةً فيهم زوبعة.
- حدّثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} هو قول اللّه {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ}.
لم تحرس السّماء في الفترة بين عيسى ومحمّدٍ؛ فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم حرست السّماء الدّنيا، ورميت الشّياطين بالشّهب، فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدثٌ، فأمر الجنّ فتفرّقت في الأرض لتأتيه بخبر ما حدث. وكان أوّل من بعث نفرٌ من أهل نصيبين وهي أرضٌ باليمن، وهم أشراف الجنّ، وسادتهم، فبعثهم إلى تهامة وما يلي اليمن، فمضى أولئك النّفر، فأتوا على الوادي وادي نخلة، وهو من الوادي مسيرة ليلتين، فوجدوا به نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي صلاة الغداة فسمعوه يتلو القرآن؛ فلمّا حضروه، قالوا: أنصتوا، فلمّا قضي، يعني فرغ من الصّلاة، {ولّوا إلى قومهم منذرين}. يقول: مؤمنين، لم يعلم بهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يشعر أنّه صرف إليه، حتّى أنزل اللّه عليه: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ}). [جامع البيان: 23 / 310-312]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا المسعودي عن قتادة عن أبي المليح بن أسامة قال كتبت إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أسئلة أين قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن فكتب إلي أنه قرأ عليهم بشعب يقال له الحجون). [تفسير مجاهد: 697]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا مكرم بن أحمد القاضي، ببغداد، ثنا عبد الملك بن محمّدٍ الرّقاشيّ، ثنا يحيى بن حمّادٍ، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " ما قرأ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ ولا رآهم ولكنّه انطلق مع طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء وأرسلت عليهم الشّهب فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: قد حيل بيننا وبين خبر السّماء وأرسلت علينا الشّهب، قالوا: ما هذا إلّا شيءٌ قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الّذي قد حدث، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الّذي قد حال بينهم وبين خبر السّماء فهناك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد} [الجن: 2] فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا فأنزل اللّه عزّ وجلّ {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} وإنّما أوحي إليه قول الجنّ «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه بهذه السّياقة» إنّما أخرج مسلمٌ وحده حديث داود بن أبي هندٍ عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، بطوله بغير هذه الألفاظ، وأخرج البخاريّ حديث شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: سألت علقمة هل كان عبد اللّه مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ، فذكر أحرفًا يسيرةً " وقد روي حديثٌ تداوله الأئمّة الثّقات عن رجلٍ مجهولٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه شهد مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ
- حدّثناه أبو الحسين عبيد اللّه بن محمّدٍ البلخيّ من أصل كتابه، ثنا أبو إسماعيل محمّد بن إسماعيل السّلميّ، ثنا أبو صالحٍ عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثني اللّيث بن سعدٍ، حدّثني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني أبو عثمان بن سنّة الخزاعيّ، وكان رجلًا من أهل الشّام، أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، يقول: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، قال لأصحابه وهو بمكّة: «من أحبّ منكم أن يحضر اللّيلة أمر الجنّ فليفعل» ، فلم يحضر منهم أحدٌ غيري فانطلقنا حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة خطّ لي برجله خطًّا، ثمّ أمرني أن أجلس فيه، ثمّ انطلق حتّى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودةٌ كثيرةٌ حالت بيني وبينه حتّى ما أسمع صوته، ثمّ انطلقوا وطفقوا ينقطعون مثل قطع السّحاب ذاهبين حتّى بقيت منهم رهطٌ، وفرغ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مع الفجر وانطلق فبرز، ثمّ أتاني فقال: «ما فعل الرّهط؟» فقلت: هم أولئك يا رسول اللّه، فأخذ عظمًا وروثًا فأعطاهم إيّاه زادًا، ثمّ نهى أن يستطيب أحدٌ بعظمٍ أو بروثٍ). [المستدرك: 2 / 546-547]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجنّ ولا رآهم، انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسل عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: مالكم؟ قيل: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: وما ذاك إلا من شيءٍ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بنخلٍ عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن، استمعوا له، وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: (يا قومنا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربنا أحداً) فأنزل الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - {قل أوحى إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجن} [الجن: 1].
زاد في رواية: وإنما أوحي إليه قول الجنّ.
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي). [جامع الأصول: 2 / 414-415] (م)
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا ابن قتيبة حدّثنا حرملة بن يحيى حدّثنا ابن وهبٍ حدّثنا يونس عن ابن شهابٍ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه أنّ ابن مسعودٍ قال سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: "أمرت اللّيلة أقرأ على الجنّ واقفًا بالحجون"). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1 / 438]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال إسحاق بن راهويه: أبنا عبد الرزاق، أبنا معمرٌ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو بن عبدان الثّقفيّ أنّه قال لابن مسعودٍ- رضي اللّه عنه-: "حدثت أنّك كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ. فقال: أجل ... " فذكر الحديث- يعني نحو حديث علقمة وقال: "خطّ عليّ خطّاً، وقال: لا تبرح. فلمّا جاء قال لي: لو خرجت من الخطّ لم آمن أن يتخطّفك بعضهم، وقال: الجنّ تشاجروا في قتيل بينهم. فقضى بينهم بالحقّ، فقال: رأيتهم مستثفرين بثياب بعض، وقال: هم من نصيبين حين سألوه الزاد".
- قال: وأبنا جريرٌ، ثنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ- رضي اللّه عنه- قال "انطلق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وانطلق بي معه حتّى انتهى إلى البرّاز، ثم خط لي خطّاً فقال: لا تبرح حتّى أرجع إليك. فما جاء حتّى جاء السّحر فقال: أرسلت إليّ الجنّ. فقلت: فما هذه الأصوات الّتي أسمعها؟ قال: هي أصواتهم حين ودّعوني وسلّموا عليّ". هذا إسناد ضعيف؟ لضعف قابوس بن أبي ظبيان.
- وقال محمّد بن يحيى بن أبي عمر: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن الزّبير بن العوّام- رضي اللّه عنه-: "في قول اللّه- عزّ وجل-: (كادوا يكونون عليه لبداً) قال: ذلك بنخلة، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي ويقرأ في العشاء، ركب بعضهم بعضًا يستمعون القرآن. قال سفيان: مثل اللّبد بعضهم فوق بعضٍ".
- رواه أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا بن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة "في قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ) قال الزّبير: ذلك بنخلة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في العشاء (كادوا يكونون علينا لبداً) ".
- ورواه أحمد بن حنبلٍ: ثنا سفيان قال عمرٌو: سمعت عكرمة يقول: " (وإذ صرفنا إليك) وقرئ على سفيان، عن الزبير: (نفراً من الجنّ يستمعون القرآن) قال: بنخلة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العشاء الآخرة (كادوا يكونون عليه لبداً) قال سفيان: اللّبد بعضهم على بعضٍ"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6 / 293-294]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال إسحاق: أخبرنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن يحيى ابن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن عمرو بن غيلان الثّقفيّ، أنّه قال لابن مسعودٍ رضي الله عنه: حدّثت أنّك كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ. فقال: أجل. فذكر الحديث نحوه، يعني نحو حديث علقمة. وقال: خطّ عليّ خطًّا، وقال: لا تبرح. فلمّا جاء قال لي: لو خرجت من الخطّ لم آمن أن يتخطّفك بعضهم. وقال: إنّ الجنّ تشاجروا في قتيلٍ بينهم فقضي بينهم بالحقّ.
وقال: رأيتهم مستثفرين بثياب بعضٍ. وقال: هم جنّ نصيبين سألوه الزّاد). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15 / 387]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (أخبرنا جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: انطلق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وانطلق بي معه، حتّى انتهى إلى البراز، ثمّ خطّ لي خطّةً، فقال: لا تبرح حتّى أرجع إليك، فما جاء صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى جاء السّحر. فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: أرسلت إلى الجنّ. فقلت: فما هذه الأصوات الّتي أسمعها. قال صلّى اللّه عليه وسلّم: هي أصواتهم حين ودّعوني، وسلّموا عليّ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15 / 388]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1 - 10.
أخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وبان المنذر والحاكم والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن عباس قال: انطلق النّبيّ صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم فقالوا: أحيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين ذهبوا نحو تهامة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا {إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} فأنزل الله على نبيه {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} وإنما أوحى إليه قول الجن). [الدر المنثور: 15 / 5-6]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عبد الملك قال: لم تحرس الجن في الفترة بين عيسى ومحمد فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا ورميت الجن بالشهب فاجتمعت إلى إبليس فقال: لقد حدث في الأرض حدث فتعرفوا فأخبرونا ما هذا الحدث فبعث هؤلاء النفر إلى تهامة وإلى جانب اليمن وهم أشراف الجن وسادتهم فوجدوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة بنخلة فسمعوه يتلوا القرآن فلما حضروه قال: أنصتوا فلما قضى يعني بذلك أنه فرغ من صلاة الصبح ولوا إلى قومهم منذرين مؤمنين لم يشعر بهم حتى نزل {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} يقال: سبعة من أهل نصيبين). [الدر المنثور: 15 / 6-7]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الجوزي في كتاب صفوة الصفوة بسنده عن سهل بن عبد الله قال: كنت في ناحية ديار عاد إذا رأيت مدينة من حجر منقورة في وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب وإنما يخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة لقيت بها عيسى ومحمدا عليهما السلام فآمنت بهما فقلت له: ومن أنت قال: أنا من الذين نزلت فيهم {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} قال: كانوا من جن نصيبين). [الدر المنثور: 15 / 7]

تفسير قوله تعالى: (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) )

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى جد ربنا أمر ربنا تعالت وعظمته). [تفسير عبد الرزاق: 2/321]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن التيمي عن أبيه عن الحسن قال في قوله تعالى جد ربنا قال غناء ربنا وقال عكرمة جلال ربنا). [تفسير عبد الرزاق: 2/321]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا}. اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: {فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} وآمنّا بأنّه تعالى أمر ربّنا وسلطانه وقدرته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا}. يقول: فعله وأمره وقدرته.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا}. يقول: تعالى أمر ربّنا.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، في هذه الآية: {تعالى جدّ ربّنا}. يقول: أمر ربّنا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن السّدّيّ: {تعالى جدّ ربّنا}. قال: أمر ربّنا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا}. قال: تعالى أمره أن يتّخذ ولا يكون الّذي قالوا: {صاحبةً ولا ولدًا} وقرأ: {قل هو اللّه أحدٌ اللّه الصّمد} حتّى ختمها قال: لا يكون ذلك منه.
وقال آخرون: عني بذلك جلال ربّنا وذكره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال عكرمة، في قوله: {جدّ ربّنا}. قال: جلال ربّنا.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثني خالد بن يزيد، قال: حدّثنا أبو إسرائيل، عن فضيلٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا}. قال: جلال ربّنا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التّيميّ قال: قال عكرمة: {تعالى جدّ ربّنا} جلال ربّنا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا}. أي: تعالى جلاله وعظمته وأمره.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله تعالى {جدّ ربّنا}. قال: تعالى أمر ربّنا تعالت عظمته.
وقال آخرون: معنى ذلك: غنى ربّنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، قال: قال الحسن، في قوله تعالى: {جدّ ربّنا}. قال: غنى ربّنا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التّيميّ، عن الحسن {تعالى جدّ ربّنا}. قال: غنى ربّنا.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: {تعالى جدّ ربّنا}. قال: غنى ربّنا.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن سليمان التّيميّ، عن الحسن وعكرمة، في قول اللّه: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا}. قال أحدهما: غناه، وقال الآخر: عظمته.
وقال آخرون: عني بذلك الجدّ الّذي هو أبو الأب، قالوا: ذلك كان من كلام جهلة الجنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثني أبو جعفرٍ محمّد بن عبد اللّه بن أبي سارّة، عن أبيه، عن أبي جعفرٍ: {تعالى جدّ ربّنا}. قال: كان كلامًا من جهلة الجنّ.
وقال آخرون: عني بذلك: ذكره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {تعالى جدّ ربّنا} قال: ذكره.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب قول من قال: عني بذلك: تعالت عظمة ربّنا وقدرته وسلطانه.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب لأنّ للجدّ في كلام العرب معنيين: أحدهما الجدّ الّذي هو أبو الأب، أو أبو الأمّ، وذلك غير جائزٍ أن يوصف به هؤلاء النّفر الّذين وصفهم اللّه بهذه الصّفة، وذلك أنّهم قد قالوا: {فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا}. ومن وصف اللّه بأنّ له والدًا أو جدًّا، وهو أبو أبٍ أو أبو أمٍّ، فلا شكّ أنّه من المشركين. والمعنى الآخر: الجدّ الّذي هو بمعنى الحظّ؛ يقال: فلانٌ ذو جدٍّ في هذا الأمر: إذا كان له حظٌّ فيه، وهو الّذي يقال له بالفارسيّة: البخت، وهذا المعنى الّذي قصده هؤلاء النّفر من الجنّ بقيلهم: وأنّه تعالى جدّ ربّنا إن شاء اللّه. وإنّما عنوا أنّ حظوته من الملك والسّلطان والقدرة والعظمة عاليةٌ، فلا يكون له صاحبةٌ ولا ولدٌ، لأنّ الصّاحبة إنّما تكون للضّعيف العاجز الّذي تضطرّه الشّهوة الباعثة إلى اتّخاذها له، وأنّ الولد إنّما يكون عن شهوةٍ أزعجته إلى البضاع الّذي يحدث منه الولد، فقال النّفر من الجنّ: علا ملك ربّنا وسلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفًا ضعف خلقه الّذين تضطرّهم الشّهوة إلى اتّخاذ صاحبةٍ، أو وقاع شيءٍ يكون منه ولدٌ.
وقد بيّن عن صحّة ما قلنا في ذلك إخبار اللّه عنهم أنّهم قلوا: { ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا }، فأخبر جلّ ثناؤه أنّهم إنّما نزّهوا اللّه عن اتّخاذ الصّاحبة والولد بقوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا}.
يقال منه: رجلٌ جدّيٌّ وجديدٌ ومجدودٌ: أي ذو حظٍّ فيما هو فيه؛ ومنه قول حاتمٍ الطّائيّ:
اغزوا بني ثعلٍ فالغزو جدّكم = عدّوا الرّوابي ولا تبكوا لمن قتلا
وقال آخر:
ترفّع جدّك إنّي امرؤٌ = سقتني إليك الأعادي سجالا.
وقوله: {ما اتّخذ صاحبةً} يعني زوجةً {ولا ولدًا}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وأنّه تعالى} فقرأه أبو جعفرٍ القارئ وستّة أحرفٍ أخر بالفتح، منها: {أنّه استمع نفرٌ} {وأنّ المساجد للّه} {وأنّه كان يقول سفيهنا} {وأنّه كان رجالٌ من الإنس} {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه} {وأن لو استقاموا على الطّريقة}. وكان نافعٌ يكسرها كلّها إلاّ ثلاثة أحرفٍ: أحدها: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ}، والثّانية {وألّو استقاموا}، والثّالثة {وأنّ المساجد للّه}. وأمّا قرّاء الكوفة غير عاصمٍ، فإنّهم يفتحون جميع ما في آخر سورة النّجم وأوّل سورة الجنّ، إلاّ قوله {فقالوا إنّا سمعنا} وقوله: (قال إنّما أدعو ربّي). وما بعده إلى آخر السّورة، وأنّهم يكسرون ذلك غير قوله: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم} وأمّا عاصمٌ فإنّه كان يكسر جميعها إلاّ قوله: {وأنّ المساجد للّه} فإنّه كان يفتحها، وأمّا أبو عمرٍو فإنّه كان يكسر جميعها من أوّلها إلى قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة}. فإنّه كان يفتح هذه وما بعدها؛ فأمّا الّذين فتحوا جميعها إلاّ في موضع القول، كقوله: {فقالوا إنّا سمعنا} وقوله: (قال إنّما أدعو ربّي)، ونحو ذلك، فإنّهم عطفوا (أنّ) في كلّ السّورة على قوله فآمنّا به وآمنّا بكلّ ذلك، ففتحوها بوقوع الإيمان عليها. وكان الفرّاء يقول: لا يمنعك أن تجد الإيمان يقبح في بعض ذلك من الفتح، وأنّ الّذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنّ كما قالت العرب:
إذا ما الغانيات برزن يومًا = وزجّجن الحواجب والعيونا
فنصب العيون لاتّباعها الحواجب، وهي لا تزجّج، وإنّما تكحّل، فأضمر لها الكحل، كذلك يضمر في الموضع الّذي لا يحسن فيه (آمنّا): (صدّقنا) و(ألهمنا)، و(شهدنا). قال: ويقوّي النّصب قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة}. فينبغي لمن كسر أن يحذف (أن) من (لو)، لأنّ (إنّ) إذا خفّفت لم تكن في حكايةً. ألا ترى أنّك تقول: أقول لو فعلت لفعلت، ولا تدخل (أن). وأمّا الّذين كسروا كلّها وهم في ذلك يقولون: {وألّو استقاموا} فكأنّهم أضمروا يمينًا مع لو وقطعوها عن النّسق على أوّل الكلام، فقالوا: واللّه أن لو استقاموا؛ قال: والعرب تدخل (أن) في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشّاعر:
فأقسم لو شيءٌ أتانا رسوله = سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
قال: وأنشدني آخر:
أما واللّه أن لو كنت حرًّا = وما بالحرّ أنت ولا العتيق
فأدخل أن من كسرها كلّها، ونصب {وأنّ المساجد للّه} فإنّه خصّ ذلك بالوحي، وجعل وأن لو مضمرةً فيها اليمين على ما وصفت. وأمّا نافعٌ فإنّ ما فتح من ذلك فإنّه ردّه على قوله: {أوحي إليّ} وما كسره فإنّه جعله من قول الجنّ. وأحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به الفتح فيما كان وحيًا، والكسر فيما كان من قول الجنّ، لأنّ ذلك أفصحها في العربيّة، وأبينها في المعنى، وإن كان للقراءات الأخر وجوهٌ غير مدفوعةٍ صحّتها). [جامع البيان: 23 / 312-320]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله تعالى جد ربنا قال غني ربنا). [تفسير مجاهد: 2/697]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {تعالى جد ربنا} قال: الأمر وعظمته). [الدر المنثور: 15 / 7]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا} قال: أمره وقدرته). [الدر المنثور: 15 / 8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {تعالى جد ربنا} قال: عظمته، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت الشاعر وهو يقول:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا = ولا شيء أعلى منك جدا وأمجدا). [الدر المنثور: 15 / 8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: لو علمت الجن أية يكون في الإنس ما قالوا {تعالى جد ربنا}). [الدر المنثور: 15 / 8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {تعالى جد ربنا} قال: غنى ربنا). [الدر المنثور: 15 / 8-9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {تعالى جد ربنا} قال: تعالت عظمته). [الدر المنثور: 15 / 9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: {تعالى جد ربنا} قال: جلال ربنا). [الدر المنثور: 15 / 9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا} قال: ذكره وفي قوله: {وأنه كان يقول سفيهنا} قال: هو إبليس). [الدر المنثور: 15 / 9]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وأنّه كان يقول سفيهنا على الله شططا} قال: هو إبليس قوله "سفيهنا"). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 63]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا (4) وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا (5) وأنّه كان رجالٌ مّن الإنس يعوذون برجالٍ مّن الجنّ فزادوهم رهقًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول عزّ وجلّ مخبرًا عن قيل النّفر من الجنّ الّذين استمعوا القرآن {وأنّه كان يقول سفيهنا}: وهو إبليس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا}: وهو إبليس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن رجلٍ من المكّيّين، عن مجاهدٍ، {سفيهنا على اللّه شططًا}. قال: إبليس، ثمّ قال سفيان: سمعت أنّ الرّجل إذا سجد جلس، إبليس يبكي يقول: يا ويله أمر بالسّجود فعصى، فله النّار، وأمر ابن آدم بالسّجود فسجد، فله الجنّة.
- حدّثني ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: تلا قتادة: {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا (4) وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا}. فقال: عصاه واللّه سفيه الجنّ، كما عصاه سفيه الإنس.
وأمّا الشّطط من القول، فإنّه ما كان تعدّيًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا} قال: ظلمًا كبيرًا). [جامع البيان: 23 / 320-321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا} قال: ذكره وفي قوله: {وأنه كان يقول سفيهنا} قال: هو إبليس). [الدر المنثور: 15 / 9] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والديلمي بسند واه عن أبي موسى الأشعري مرفوعا {وأنه كان يقول سفيهنا} قال: إبليس.
وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن حاضر مثله). [الدر المنثور: 15 / 9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} قال: عصاه سفيه الجن كما عصاه سفيه الإنس). [الدر المنثور: 15 / 9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن علقمة أنه كان يقرأ التي في الجن والتي في النجم وأن وأنه بالنصب). [الدر المنثور: 15 / 9-10]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وتلا قتادة أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا قال عصاه والله سفهة الجن كما عصاه سفهة الإنس). [تفسير عبد الرزاق: 2/321]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا} يقول: قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجنّ على اللّه كذبًا من القول؛ والظّنّ في هذا الموضع بمعنى الشّكّ، وإنّما أنكر هؤلاء النّفر من الجنّ أن تكون علمت أن يكون أحدٌ يجترئ على الكذب على اللّه لمّا سمعت القرآن، لأنّهم قبل أن يسمعوه، وقبل أن يعلموا تكذيب اللّه الزّاعمين أنّ للّه صاحبةً وولدًا، وغير ذلك من معاني الكفر كانوا يحسبون أنّ إبليس صادقٌ فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر؛ فلمّا سمعوا القرآن أيقنوا أنّه كان كاذبًا في كلّ ذلك، فلذلك قالوا: {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا} فسمّوه سفيهًا). [جامع البيان: 23 / 321-322]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يعوذون برجال من الجن قال كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلا قالوا نعوذ بأعز هذا المكان فزاودهم رهقا يقول خطيئة وإثما). [تفسير عبد الرزاق: 2/321]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ}. يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفر: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس} يستجيرون برجالٍ من الجنّ في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم.
- وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا، كالّذي: حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ} قال: كان رجالٌ من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهليّة فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثمًا.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن الحسن، في قوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ} قال: كان الرّجل منهم إذا نزل الوادي فبات به، قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، في قوله: وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا: نعوذ بسيّد هذا الوادي من شرّ ما فيه، فتقول الجنّ: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرًّا ولا نفعًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، في قوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ} قال: كانوا في الجاهليّة إذا نزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيّد هذا الوادي من شرّ ما فيه، فيقول الجنّيّون: تتعوّذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرًّا ولا نفعًا!
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يعوذون برجالٍ من الجنّ} قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديًا: نعوذ بعظماء هذا الوادي.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ} ذكر لنا أنّ هذا الحيّ من العرب كانوا إذا نزلوا بوادٍ قالوا: نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان؛ قال اللّه: {فزادوهم رهقًا} أي إثمًا، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءةً.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {يعوذون برجالٍ من الجنّ} كانوا في الجاهليّة إذا نزلوا منزلاً يقولون: نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ}. قال: كانوا يقولون: فلانٌ من الجنّ ربّ هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ بربّ ذلك الوادي من دون اللّه، قال: فيزيدهم بذلك رهقًا، وهو الفرق.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا} قال كان الرّجل في الجاهليّة إذا نزل بوادٍ قبل الإسلام قال: إنّي أعوذ بكبير هذا الوادي. فلمّا جاء الإسلام عاذوا باللّه وتركوهم.
وقوله: {فزادوهم رهقًا}. اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فزاد الإنس بالجنّ باستعاذتهم بعزيزهم، جراءةً عليهم، وازدادوا هم بذلك إثمًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {فزادوهم رهقًا}. فزادهم ذلك إثمًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: قال اللّه: {فزادوهم رهقًا}. أي: إثمًا، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءةً.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {فزادوهم رهقًا} يقول: خطيئةً.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، {فزادوهم رهقًا} قال: فيزدادون عليهم جراءةً.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم {فزادوهم رهقًا} قال: ازدادوا عليهم جراءةً.
وقال آخرون: بل عني بذلك أنّ الكفّار ازدادوا بذلك طغيانًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {فزادوهم رهقًا} قال: زاد الكفّار طغيانًا.
وقال آخرون: بل عني بذلك فزادوهم فرقًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، {فزادوهم رهقًا} قال: فيزيدهم ذلك رهقًا، وهو الفرق.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فزادوهم رهقًا} قال: زادهم الجنّ خوفًا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك إثمًا، وذلك أنّهم زادوهم استحلالاً لمحارم اللّه.
والرّهق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم؛ ومنه قول الأعشى:
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها = هل يشتفي وامقٌ ما لم يصب رهقًا
يقول: ما لم يغش محرمًا). [جامع البيان: 23 / 322-326]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ} [الجن: 6].
- عن كردوسٍ أبي السّائب قال: «خرجت مع أبي أريد مكّة، وذاك أوّل ما ذكر النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فآوينا إلى صاحب غنمٍ، فلمّا انتصف اللّيل جاء الذّئب فأخذ حملًا من غنمه، فوثب الرّاعي فقال: يا عامر الوادي جارك. فسمعنا صوتًا لا ندري صاحبه: يا سرحان أرسله. قال: فأتى الحمل يشتدّ ما به كدمةٌ حتّى دخل في الغنم. قال: وأنزل على النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - بالمدينة {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ} [الجن: 6] الآية».
رواه الطّبرانيّ، وفيه عبد الرّحمن بن إسحاق الكوفيّ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7 / 129]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء والطبراني وأبو الشيخ في العظمة، وابن عساكر عن كردم بن أبي السائب الأنصاري رضي الله عنه قال: خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي أنا جار دارك فنادى مناد لا تراه يا سرحان أرسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم وأنزل الله على رسوله بمكة {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} الآية). [الدر المنثور: 15 / 10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أبي رجاء العطاردي من بني تميم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رعيت على أهلي وكفيت مهنتهم فلما بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرجنا هرابا فأتينا على فلاة من الأرض وكنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا: إنا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة فقلنا ذاك فقيل لنا: إنما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن أقر بها أمن على دمه وماله فرجعنا فدخلنا في الإسلام قال أبو رجاء: إني لأرى هذه الآية نزلت في وفي أصحابي {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} ). [الدر المنثور: 15 / 11]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس أن رجلا من بني تميم كان جريئا على الليل والرجال وأنه سار ليلة فنزل في أرض مجنة فاستوحش فعقل راحلته ثم توسد ذراعيها وقال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر أهله فأجاره شيخ منهم وكان منهم شاب وكان سيدا في الجن فغضب الشاب لما أجاره الشيخ فأخذ حربة له قد سقاها السم لينحر ناقة الرجل بها فتلقاه الشيخ دون الناقة فقال:
... يا مالك بن مهلهل = مهلا فذلك محجري وإزاري
عن ناقة الإنسان لا تعرض لها = واختر إذا ورد المها أثواري
أني ضمنت له سلامة رحله = فاكفف يمينك راشدا عن جاري
ولقد أتيت إلى ما لم أحتسب = إلا رعيت قرابتي وجواري
تسعى إليه بحربة مسمومة = أف لقربك يا أبا اليقطاري
لولا الحياء وإن أهلك جيرة = لتمزقتك بقوة أظفاري
فقال له الفتى:
أتريد أن تعلوا وتخفض ذكرنا = في غير مزرية أبا العيزار
متنحلا أمرا لغيرك فضله = فارحل فإن المجد للمرار
من كان منكم سيدا فيما مضى = إن الخيار هم بنو الأخيار
فاقصد لقصدك يا معيكر إنما = كان المجير مهلهل بن وبار
فقال الشيخ: صدقت كان أبوك سيدنا وأفضلنا دع هذا الرجل لا أنازعك بعده أحدا فتركه فأتى الرجل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أصاب أحدا منكم وحشة أو نزل بأرض مجنة فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن فتن الليل ومن طوارق النهار إلا طارقا يطرق بخير فأنزل الله في ذلك {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} قال أبو نصر: غريب جدا لم نكتبه إلا من هذا الوجه). [الدر المنثور: 15 / 11-13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخرائطي في كتاب الهواتف عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أن رجلا من بني تميم يقال له: رافع بن عمير حدث عن بدء إسلامه قال: إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذا غلبني النوم فنزلت عن راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي فقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت رجلا في منامي بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي فانتبهت فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا فقلت: هذا حلم، ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أر شيئا فإذا ناقتي ترعد، ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فنتبهت فرأيت ناقتي تضطرب والتفت فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيته في المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى: قم فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الإنسي، فقام الفتى فأخذ منها ثورا عظيما وانصرف ثم التفت إلى الشيخ وقال: يا هذا إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي ولاتعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها، فقلت له: ومن محمد هذا قال: نبي عربي لاشرقي ولا غربي بعث يوم الأثنين، قلت: فأين مسكنه قال: يثرب ذات النخل، فركبت راحلتي حين برق الصبح وجددت السير حتى أتيت المدينة فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له منه شيئا ودعاني إلى الإسلام فأسلمت، قال سعيد بن جبير رضي الله عنه: وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}). [الدر المنثور: 15 / 13-14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم في الجاهلية بالوادي فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي {فزادوهم رهقا} قال: إثما). [الدر المنثور: 15 / 14-15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن في قوله: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} قال: كان أحدهم إذا نزل الوادي يقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيأمن في نفسه ليلته أو يومه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديا: نعوذ بعظيم هذا الوادي {فزادوهم رهقا} قال: زادوا الكفار طغيانا). [الدر المنثور: 15 / 15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} قال: كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلا قالوا: نعوذ بعزيز هذا المكان {فزادوهم رهقا} يقول: خطيئة وإثما). [الدر المنثور: 15 / 15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} قال: كان القوم إذا نزلوا واديا قالوا: نعوذ بسيد أهل هذا الوادي فقالوا: نحن لا نملك لنا ولا لكم ضرا ولا نفعا وهؤلاء يخافونا فاحتووا عليهم). [الدر المنثور: 15 / 15-16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} قال: كانوا يقولون: فلان رب هذا الوادي من الجن فكان أحدهم إذا دخل ذلك الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله فيزيده بذلك {رهقا} أي خوفا). [الدر المنثور: 15 / 16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن ناسا في الجاهلية كانوا إذا أتوا واديا للجن ناد منادي الإنس إلى خيار الجن أن احبسوا عنا سفهاءكم فلم يغنهم ما وعظوا به {فزادوهم رهقا}). [الدر المنثور: 15 / 16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان القوم في الجاهلية إذانزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادجي من شر ما فيه فلا يكونون بشيء أشد ولعا منهم بهم فذلك قوله: {فزادوهم رهقا}). [الدر المنثور: 15 / 16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق معاوية بن قرة عن أبيه قال: ذهبت لأسلم حين بعث الله حمدا مع رجلين أو ثلاثة في الإسلام فأتيت الماء حيث يجتمع الناس فإذا الناس براعي القرية الذي يرعى لهم أغنامهم فقال: لا أرعى لكم أغنامكم، قالوا: لم قال: يجيء الذئب كل ليلة يأخذ شاة وصنمكم هذا راقد لا يضر ولا ينفع ولا يقر ولا ينكر فذهبوا وأنا أرجوا أن يسلموا فلما أصبحنا جاء الراعي يشتد يقول: البشرى البشرى قد جيء بالذئب وهو مقموط بين يدي الصنم بغير قماط فذهبوا وذهبت معهم فقتلوه وسجدوا له وقالوا: هكذا فاصنع فدخلت على محمد صلى الله عليه وسلم فحدثته هذا الحديث فقال: لعب بهم الشيطان). [الدر المنثور: 15 / 16-17]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا (7) وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا}.
قال أبو جعفرٍ: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفرٍ من الجنّ {وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا} يعني أنّ الرّجال من الجنّ ظنّوا كما ظنّ الرّجال من الإنس {أن لن يبعث اللّه أحدًا} رسولاً إلى خلقه، يدعوهم إلى توحيده.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن الكلبيّ، {وأنّهم ظنّوا كما ظننتم} ظنّ كفّار الجنّ كما ظنّ كفرة الإنس أن لن يبعث اللّه رسولاً). [جامع البيان: 23 / 326]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأنّا لمسنا السّماء}. يقول عزّ وجلّ مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفرٍ: وأنّا طلبنا السّماء وأركانها {فوجدناها ملئت}. يقول: فوجدناها قد ملئت {حرسًا شديدًا}. يعني حفظةً، {وشهبًا}. وهي جمع شهابٍ، وهي النّجوم الّتي كانت ترجم بها الشّياطين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن زيادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: كانت الجنّ تستمع، فلمّا رجموا قالوا: إنّ هذا الّذي حدث في السّماء لشيءٍ حدث في الأرض؛ قال: فذهبوا يطلبون حتّى رأوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خارجًا من سوق عكاظٍ يصلّي بأصحابه الفجر، فذهبوا إلى قومهم منذرين). [جامع البيان: 23 / 327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد في قوله: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا} قال: كانت الجن تسمع سمع السماء فلما بعث الله محمدا حرست السماء منعوا ذلك فتفقدت الجن ذلك من أنفسها، قال: وذكر لنا أن أشراف الجن كانوا بنصيبين من أرض المموصل فطلبوا وصوبوا النظر حتى سقطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامدا إلى عطاظ). [الدر المنثور: 15 / 17-18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت الجن قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستمعون من السماء فلما بعث حرست فلم يستطيعوا فجاؤوا إلى قومهم يقولون للذين لم يستمعوا فقالوا: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا} وهم الملائكة {وشهبا} وهي الكواكب {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} يقول: نجما قد أوصد له يرمي به، قال: فلما رموا بالنجم قالوا لقومهم: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}). [الدر المنثور: 15 / 21]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس في قوله تعالى يجد له شهابا رصدا قال بينا النبي جالس في نفر من أصحابه من الأنصار رمي بنجم فاستنار فقال ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية قالوا كنا نقول يموت عظيم ويولد عظيم قال فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى هذه السماء ثم يستخبر أهل السماء السابعة حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ثم يستخبر أهل كل سماء أهل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء وتتخطف الجن ويرمون فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون قال معمر فقلت للزهري أو كان يرمى بها في الجاهلية قال نعم قلت أفرأيت قوله وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا قال غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي). [تفسير عبد الرزاق: 2/321-322]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا محمّد بن يوسف، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان الجنّ يصعدون إلى السّماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعًا، فأمّا الكلمة فتكون حقًّا، وأمّا ما زادوه فيكون باطلاً، فلمّا بعث رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النّجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلاّ من أمرٍ قد حدث في الأرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا يصلّي بين جبلين أراه قال: بمكّة، فلقوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الّذي حدث في الأرض.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5 / 285]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا (9) وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول عزّ وجلّ: {وأنّا كنّا} معشر الجنّ نقعد من السّماء مقاعد نستمع ما يحدث، وما يكون فيها {فمن يستمع الآن} فيها منّا {يجد له شهابًا رصدًا} يعني: شهاب نارٍ قد رصد له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنّا لمسنا السّماء} إلى قوله: {فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا}. كانت الجنّ تسمع سمع السّماء؛ فلمّا بعث اللّه نبيّه، حرست السّماء، ومنعوا ذلك، فتفقّدت الجنّ ذلك من أنفسها وذكر لنا أنّ أشراف الجنّ كانوا بنصيبين، فطلبوا ذلك، وضربوا إليه، حتّى سقطوا على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يصلّي بأصحابه عامدًا إلى عكاظٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا} حتّى بلغ {فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} فلمّا وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس، فقالوا: منع منّا السّمع، فقال لهم: إنّ السّماء لم تحرس قطّ إلاّ على أحد أمرين: إمّا لعذابٍ يريد اللّه أن ينزله على أهل الأرض بغتةً، وإمّا نبيٍّ مرشدٍ مرسلٍ؛ قال: فذلك قول اللّه: {وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا}). [جامع البيان: 23 / 327-328]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنه -: قال: كان الجنّ يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة، زادوا عليها تسعاً، فأمّا الكلمة فتكون حقّاً، وأمّا ما زادوا فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمرٍ قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً يصلي بين جبلين - أراه قال: بمكة - فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض.أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2 / 416]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي، وابن جرير والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: كان الشياطين لهم مقاعد في السماء يستمعون فيها الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا فأما الكلمة فتكون حقا وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يرمي بها قبل ذلك فقال لهم إبليس: ما هذا الأمر إلا لأمر حدث في الأرض فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي بين جبلي نخلة فأتوه فأخبروه فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض). [الدر المنثور: 15 / 18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي فبينما هم كذلك إذا بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدحرت الشياطين من السماء ورموا بالكواكب فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق وفزع أهل الأرض لما رأوا من الكواكب ولم يكن قبل ذلك وقال إبليس: حدث في الأرض حدث فأتى من كل أرض بتربة فشمها فقال لتربة تهامة: هنا حدث الحدث فصرف إليه نفرا من الجن فهم الذين استمعوا القرآن). [الدر المنثور: 15 / 19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواقدي وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عمرو قال: لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين من السماء ورموا بالشهب). [الدر المنثور: 15 / 20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواقدي وأبو نعيم عن أبي بن كعب قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بها). [الدر المنثور: 15 / 20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال: إن الله حجب الشياطين عن السمع بهذه النجوم انقطعت الكهنة فلا كهانة). [الدر المنثور: 15 / 20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع} قال: حرست به السماء حين بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم لكيلا يسترق السمع فأنكرت الجن ذلك فكان كل من استمع منهم قذف). [الدر المنثور: 15 / 20-21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت الجن قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستمعون من السماء فلما بعث حرست فلم يستطيعوا فجاؤوا إلى قومهم يقولون للذين لم يستمعوا فقالوا: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا} وهم الملائكة {وشهبا} وهي الكواكب {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} يقول: نجما قد أوصد له يرمي به، قال: فلما رموا بالنجم قالوا لقومهم: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}). [الدر المنثور: 15 / 21] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {يجد له شهابا} قال: من النجوم {رصدا} قال: من الملائكة وفي قوله: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض} قالوا: لا ندري لم بعث هذا النّبيّ لأن يؤمنوا به ويتبعوه فيرشدوا أو لأن يكفروا به ويكذبوه فيهلكوا كما هلك من قبلهم من الأمم والله أعلم). [الدر المنثور: 15 / 21]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} يقول عزّ وجلّ مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفر من الجنّ: {وأنّا لا ندري} أعذابًا أراد اللّه أن ينزله بأهل الأرض، بمنعه إيّانا السّمع من السّماء ورجمه من استمع منّا فيها بالشّهب {أم أراد بهم ربّهم رشدًا} يقول: {أم أراد بهم ربّهم} الهدى بأن يبعث فيهم رسولاً مرشدًا يرشدهم إلى الحقّ.
وهذا التّأويل على التّأويل الّذي ذكرناه عن ابن زيدٍ قبل.
- وذكر عن الكلبيّ في ذلك ما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن الكلبيّ، في قوله: {وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} أن يطيعوا هذا الرّسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم.
وإنّما قلنا القول الأوّل لأنّ قوله: {وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض} عقيب قوله: {وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع} الآية، فكان ذلك بأن يكون من تمام قصّة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد منه). [جامع البيان: 23 / 329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: لم تكن سماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام وكانوا يقعدون منها مقاعد للسمع فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم حرست السماء شديدا ورجمت الشياطين فانكروا ذلك فقالوا: {لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث فاجتمعت إليه الجن فقال: تفرقوا في الأرض فأخبروني ما هذا الحدث الذي حدث في السماء وكان أول بعث بعث ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وساداتهم فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا الوادي وادي نخلة فوجدوا نبي الله يصلي صلاة الغداة ولم يكن نبي الله صلى الله عليه وسلم علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن فلما قضى يقول: لما فرغ من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين يقول: مؤمنين). [الدر المنثور: 15 / 19-20]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 05:44 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: عز وجل: {قل أوحي إليّ...}. القراء مجتمعون على (أوحي) وقرأها جويّة الأسدي: "قل أحي إليّ" من وحيت، فهمز الواو؛ لأنها انضمت كما قال: {وإذا الرّسل أقّتت}). [معاني القرآن: 3/190]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {استمع نفرٌ مّن الجنّ...} ذكر: أن الشياطين لما رجمت وحرست منها السماء قال إبليس: هذا نبيّ قد حدث، فبث جنوده في الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكة، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخلة قائماً يصلي ويتلو القرآن، فأعجبهم ورقّوا له، وأسلموا، فكان من قولهم ما قد قصّه الله في هذه السورة.
وقد اجتمع القراء على كسر"إنا" في قوله: {فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً}، واختلفوا فيما بعد ذلك، فقرءوا: وإنّا، وأنّا إلى آخر السورة، وكسروا بعضاً، وفتحوا بعضاً.[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال]: حدثنا الفراء قال: فحدثني الحسن بن عياش أخو أبي بكر بن عياش، وقيس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أنه قرأ ما في الجنّ، والنجم: (وأنا)، بالفتح. قال الفراء: وكان يحيى وإبراهيم وأصحاب عبد الله كذلك يقرءون. وفتح نافع المدني، وكسر الحسن ومجاهد، وأكثر أهل المدينة إلا أنهم نصبوا: {وأنّ المساجد لله} [حدثنا محمد قال:] حدثنا الفراء قال: وحدثني حبّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أوحى إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد اقتصاص أمر الجن: {وأنّ المساجد لله فلا تدعوا} .وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن، ويفتح ما كان من الوحي. فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا "أنّ" في كل سورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت "أن" لوقوع الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح، ويقبح في بعض، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنّ كما قالت العرب:
إذا ما الغانيات برزن يوماً = وزجّجن الحواجب والعيونا
فنصب العيون باتباعها الحواجب، وهي لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل، وكذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّي النصب قوله: {وأن لّو استقاموا على الطّريقة} .فينبغي لمن كسر أن يحذف (أن) من (لو)؛ لأنّ (أن) إذا خففت لم تكن في حكايةٍ، ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلت لفعلت، ولا تدخل (أن).
وأمّا الذين كسروا كلها فهم في ذلك يقولون: {وأن لو استقاموا} فكأنهم أضمروا يميناً مع لو، وقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا: والله أن لو استقاموا. والعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك، ولكن لم نجد لك مدفعا
وأنشدني آخر:
أما والله أن لو كنت حرًّا = وما بالحرّ أنت ولا العتيق
ومن كسر كلها ونصب: {وأن المساجد لله} خصّه بالوحي، وجعل: وأن لو مضمرة فيها اليمين على ماوصفت لك). [معاني القرآن: 3/190-192]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ مّن الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً} [قال] {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ} فألف {أنه} مفتوحة لأنه اسم). [معاني القرآن: 4/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نفرٌ من الجنّ} يقال: «النفر» ما بين الثلاثة إلى العشرة). [تفسير غريب القرآن: 489]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال تعالى لنبيه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وكانوا استمعوا لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، وهو يقرأ: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا} يعني أنهم قالوا ذلك لقومهم حين رجعوا إليهم. واعتبار هذا قوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}). [تأويل مشكل القرآن: 426]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفر من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا (1)} القراءة (أوحي) بإثبات الواو. - قد قرئت: (قل أحي إليّ) - بغير واو. فمن قال: (أحي إليّ) فهو من وحيت إليه، والأكثر أوحيت إليه.والأصل وحي، ولكن الواو إذا انضمّت قد تبدل منها الهمزة نحو: (وإذا الرّسل أقّتت)، أصله وقّتت لأنه من الوقت.
وجاء في التفسير أن هؤلاء النفر الذين من الجن استمعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي الصبح ببطن نخلة، وهو قوله: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجنّيستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا) أي قال بعضهم لبعض أمسكوا عن الكلام واستمعوا.
وقيل إنهم كانوا من جن نصيبين، وقيل إنهم كانوا من اليمن، وقيل إنهم كانوا يهودا، وقيل إنهم كانوا مشركين.فأمّا قوله: (أنّه استمع نفر من الجنّ)، و (أنّ) مفتوحة لا غير.
وقوله: (إنّا سمعنا) وقوله: (فإنّ له)، وقوله: (فإنّه يسلك).فهذه الثلاث مكسورة لا غير.وقد اختلف القراء فيما في هذه السورة غير هذه الحروف الثلاث فقال بعضهم: (وأنّه، وأنّا) فأما عاصم فروى عنه أبو بكر بن عياش مثل قراءة نافع ومن تابعه، وروى حفص بن سليمان عن الفتح فيما قرأه أبو بكر بالكسر، والذي يختاره النحوّيون قراءة نافع ومن تابعه في هذه الآية عندهم ما كان محمولا على الوحي فهو (أنّه) بفتح (أنّ) وما كان من قول الجن فهو مكسور معطوف على قوله: {فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا}، وعلى هذه القراءة يكون المعنى، وقالوا إنه تعالى جدّ ربّنا، وقالوا إنه كان يقول سفيهنا.
ومن فتح فذكر بعض النحويين أنه معطوف على الهاء. المعنى عنده: فآمنا به وبأنه تعالى جدّ ربّنا، وكذلك ما بعد هذا عنده، وهذا رديء في القياس. لا يعطف على الهاء المكنية المخفوضة إلا بإظهار الخافض، ولكن وجهه أن يكون محمولا على معنى آمنا به، لأن معنى آمنا به صدقناه وعلمناه، ويكون المعنى: وصدقنا أنه تعالى جدّ ربّنا). [معاني القرآن: 5/233-234]

تفسير قوله تعالى: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)}
تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا...}...
- حدثني أبو إسرائيل عن الحكم عن مجاهد في قوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} قال: جلال ربنا). [معاني القرآن: 3/192]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({تعالى جدّ ربّنا} علا ملك ربنا وسلطانه). [مجاز القرآن: 2/272]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (ثم قال: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} على الابتداء إذا كان من كلام الجن فإن فتح جعله على الوحي وهو حسن). [معاني القرآن: 4/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({تعالى جد ربنا}: علا ملك ربنا وسلطانه). [غريب القرآن وتفسيره: 393]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأنّه تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ}... قال مجاهد: جلال ربنا.وقال قتادة: عظمته.وقال أبو عبيدة ملكه وسلطانه). [تفسير غريب القرآن: 489]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} يقال: جدّ فلان في قومه: إذا عظم عندهم). [تأويل مشكل القرآن: 426-427]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وأنّه تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ صاحبة ولا ولدا (3)} وتأويل (تعالى جدّ ربّنا) تعالى جلال ربّنا وعظمته عن أن يتخذ صاحبة أو ولدا). [معاني القرآن: 5/234]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَدُّ رَبِّنَا} أي جلاله، وقيل: عظمته، وقيل: ملكه وسلطانه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({جَدُّ رَبِّنَا}: عظمته). [العمدة في غريب القرآن: 318]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({[يقول] سفيهنا}: جاهلنا، {على اللّه شططاً} أي جورا في المقال). [تفسير غريب القرآن: 489]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} أي: جاهلنا يقول شططا، أي: غلوا في الكذب والجور). [تأويل مشكل القرآن: 427]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَطَطاً} أي جَوْراً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَفِيهُنَا}: جاهلنا. {شَطَطًا}: عظيماً من القول). [العمدة في غريب القرآن: 318]

تفسير قوله تعالى:{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله جل وعز: {وأنّا ظننّا أن لّن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذباً...}.
الظن ها هنا: شك). [معاني القرآن: 3/192-193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}
يقولون: كنا نتوهم أنّ أحدا لا يقول على الله باطلا. يريدون: إنّا كنا قبل اليوم نصدّقهم ونحن نظن أن أحدا لا يكذب على الله. وانقطع هاهنا قول الجن.
و(إن) في جميع هذا مكسورة إلا (أنّه استمع) ). [تأويل مشكل القرآن: 427]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({رهقاً} سفهاً وطغياناً). [مجاز القرآن: 2/272]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فزادوهم رهقاً} أي ضلالا. وأصل «الرّهق»: العيب. ومنه يقال: يرهّق في دينه). [تفسير غريب القرآن: 489]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} فإن شئت أن تنصب وأنّه وتردها إلى قوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ}، وأنه أوحى إليّ أنه كان رجال- نصبت. وإن شئت أن تكسرها وتجعلها مبتدأة من الله سبحانه، فعلت.
وكان الرجل في الجاهلية إذا سافر فصار إلى موضع مقفر موحش لا أنيس به، قال: أعوذ بسيّد هذا المكان من سفهائه. يعني سفهاء الجن ويعني بالسيد: رئيسهم.
يقول الله عز وجل: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} يريد أنهم يزدادون بهذا التعوّذ طغيانا وإثما فيقولون: سدنا الجن والإنس). [تأويل مشكل القرآن: 428]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {وأنّه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجنّ فزادوهم رهقا (6)}كان أهل الجاهلية إذا مرت جماعة منهم بواد يقولون: نعوذ بعزيز هذا الوادي من مردة الجن وسفهائهم.ومعنى (فزادوهم رهقا) فزادوهم ذلّة وضعفا.ويجوز - واللّه أعلم - أن الإنس الذين كانوا يستعيذون بالجن زادوا الجن رهقا، ويجوز أن يكون الجن زادوا الإنس رهقا). [معاني القرآن: 5/234]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({رَهَقاً} أي ضلالاً، وقيل: سَفَهاً وطغياناً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 281]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} يقول: ظن الجن كما ظننتم أيها الإنس أن لا بعث يوم القيامة. أي كانوا لا يؤمنون بالبعث كما أنكم لا تؤمنون به.
وانقطع هاهنا قول الله تعالى). [تأويل مشكل القرآن: 428]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً} وقال: {وشهباً} وواحدها: الشّهاب). [معاني القرآن: 4/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الشهب): جمع «شهاب»، وهو: النجم المضيء). [تفسير غريب القرآن: 489]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}.
و(إنّا) مكسورة نسق على ما تقدم من قولهم. يريدون: حرست بالنجوم من استماعنا وكنا قبل ذلك نقعد منها مقاعد للسمع.
وروى عبد الرّزّاق عن معمر أنه قال: قلت للزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ فقال: نعم). [تأويل مشكل القرآن: 429](م)


تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {فمن يستمع الآن...}. إذ بعث محمد صلى الله عليه يجد له شهاباً رصداً قد أرصد به له ليرجمه). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الشهاب الرصد): الذي قد أرصد به للرّجم). [تفسير غريب القرآن: 489]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}.
و(إنّا) مكسورة نسق على ما تقدم من قولهم. يريدون: حرست بالنجوم من استماعنا وكنا قبل ذلك نقعد منها مقاعد للسمع.
وروى عبد الرّزّاق عن معمر أنه قال: قلت للزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ فقال: نعم.
قلت: أفرأيت قوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}.
فقال: غلّظت وشدّد أمرها حين بعث النبي، صلّى الله عليه وسلم.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزّهري، عن علي بن حسين، عن ابن عباس أنه قال: بينا النبي، صلّى الله عليه وسلم، جالس في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار، فقال: ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟ فقالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم.
في حديث فيه طول اختصرناه وذكرنا هذا منه لندلّ على أن الرجم قد كان قبل مبعثه ولكنه لم يكن مثله الآن في شدة الحراسة قبل مبعثه، وكانت تسترق في بعض الأحوال، فلما بعث منعت من ذلك أصلا.
وعلى هذا وجدنا الشعراء القدماء قال بشر بن أبي خازم الأسدي وهو جاهلي:
والعير يرهقهما الغبار وجحشها ينقضّ خلفهما انقضاض الكوكب
وقال أوس بن حجر، وهو جاهلي:
وانقضّ كالدّرّيّ يتبعه = نقع يثور تخاله طنبا
وقال عوف بن الخرع، وهو جاهلي:
يردّ علينا العير من دون أنفه = أو الثّور كالدّرّيّ يتبعه الدّم
وفي أيدي الناس كتب من كتب الأعاجم وسيرهم: تنبئ عن انقضاض النجوم في كلّ عصر وكلّ زمان). [تأويل مشكل القرآن: 429-431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا (8) وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا (9)} أي كنا نستمع فالآن حين حاولنا الاستماع ورمينا بالشهب، وهي الكواكب.
و (رصدا) أي حفظة تمنع من الاستماع.وقيل إن الانقضاض الذي رميت به الشياطين حدث بعد مبعث النبي عليه السلام وهو أحد آياته). [معاني القرآن: 5/234]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):(الرَّصَد) الذي أُرصد به من الكواكب للرجم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 281]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض...} هذا من قول كفرة الجن قالوا: ما ندري ألخير يراد بهم فعل هذا أم لشر؟ يعني: رجم الشياطين بالكواكب). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قالت الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} حين اشتدت حراسة السماء من استراق السمع {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} أي خيرا). [تأويل مشكل القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وأنّا لا ندري أشرّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدا (10)} المعنى إنا لا ندري بحدوث رجم الكواكب ألصلاح في ذلك لأهل الأرض أو غيره). [معاني القرآن: 5/234]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 05:45 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( والناس حرف من الأضداد؛ يقال: ناس للناس، وناس من الجن.
قال الله عز وجل: {الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس}، أي الذي يوسوس في صدور الناس، جنتهم وناسهم. قال الفراء: حدث بعض العرب قوما، فقال: جاء قوم من الجن، فوقفوا، فقيل لهم: من أنتم؟ فقالوا: نحن ناس من الجن. وقال الله عز وجل: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن}، فأوقع النفر على الجن. وقال أيضا: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن}، فجعل من الجن رجالا يستحقون التسمية برجال، كما يستحق الناس). [كتاب الأضداد: 328] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفع ذا الجد منك الجد.
قال: حدثنيه هشيم، قال: أخبرناه مغيرة، ومجالد، عن الشعبي، عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال:
كتب معاوية إلى المغيرة أن اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه المغيرة أني سمعته يقول إذا انصرف من الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
قال هشيم: وأخبرنا عبد الملك بن عمير، قال: سمعت ورادا كاتب المغيرة بن شعبة يحدث بهذا الحديث عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: الجد بفتح الجيم لا غير، وهو الغنى والحظ في الرزق.
ومنه قيل: لفلان في هذا الأمر جد إذا كان مرزوقا منه.
فتأويل قوله: لا ينفع ذا الجد منك الجد أي: لا ينفع ذا الغنى منك غناه، إنما ينفعه العمل بطاعتك.
وهذا كقوله تبارك وتعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}
وكقوله: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا}.
ومثله كثير.
وكذلك حديثه الآخر:
قال: قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون يعني ذوي الحظ في الدنيا والغنى.
وقد روي عن الحسن وعكرمة في قوله تبارك وتعالى: {وأنه تعالى جد ربنا}
قال أحدهما: غناه، وقال الآخر: عظمته.
قال: وحدثني محمد بن عمر الواقدي، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس قال:
لو علمت الجن أن في الإنس جدا ما قالت: {تعالى جد ربنا}
يذهب ابن عباس إلى أن الجد إنما هو الغنى ولم يكن يرى أن أبا الأب جد إنما هو عنده أب.
ويقال منه للرجل إذا كان له جد في الشيء: رجل مجدود، ورجل محظوظ من الحظ قالهما أبو عمرو.
وقد زعم بعض الناس أنه إنما هو: «ولا ينفع ذا الجِد منك الجِد» بكسر الجيم.
والجد إنما هو الاجتهاد بالعمل.
وهذا التأويل خلاف ما دعا الله عز وجل إليه المؤمنين ووصفهم به لأنه قال في كتابه: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} فقد أمرهم بالجد والعمل الصالح.
وقال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}
وقال: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلواتهم خاشعون} إلى آخر الآيات.
وقال: {جزاء بما كانوا يعملون} في آيات كثيرة.
فكيف يحثهم على العمل وينعتهم به ويحمدهم عليه، ثم يقول: إنه لا ينفعهم). [غريب الحديث: 1/323-326]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والجد القطع والجد أبو الأب وأبو الأم والجد العظمة من قوله تعالى: {جد ربنا} أي عظمة ربنا والجد الحظ والبخت ومنه قوله: لا ينفع ذا الجد منك الجد أي من كان له حظ في الدنيا لم ينفعه ذلك عندك في الآخرة والجد بكسر الجيم

الانكماش في الأمر يقال جددت في الأمر فأنا أجد فيه جدا وأجد جدا أيضا). [إصلاح المنطق: 22-23]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والجد: الحظ، والجد والجدة، مفتوحان، فإذا أردت المصدر من جددت في الأمر، قلت: أجد جدًا مكسور الجيم، ويقال: جددت النخل أجده جدًا وجدادًا إذا صرمته. ويقال: جذذته جذًا. وتركت الشيء جذاذًا، إذا قطعته قعًا. ويروى هذا البيت لجرير على وجهين:
آل المهلب جذ الله دابرهم = أضحوا رمادًا فلا أصل ولا طرف
ويروى جد، وقرأ بعض القراء: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْدُودٍ) فأما قوله: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} فلم يقرأ بغيره. ويقال: كم جذاذ نخلك. أي كم تصرم منها. ويروى من قول الله جل وعز: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} عن أنس بن مالك: "غنى ربنا". وقرأ سعيد بن جبير: (جدًّا رَبُّنا). وهذا الشعر ينشد بالكسر:
أجدك لم تغتمض ليلة = فترقدها مع رقادها
ومثله:
أجدك لم تسمع وصاة محمد = رسول الإله حين أوصى وأشهدا
لأن معناه أجدًا منك، على التوقيف، وتقديره في النصب: أتجد جدًا، ويقال: امرأة جداء، إذا كانت لا ثدي لها، فكأنه قطع منها، لأن أصل الجد القطع، ويقال: بلدة جداء، إذا لم تكن بها مياه. قال الشاعر:
وجداء ما يرجى بها ذو هوادة = لعرف ولا يخشى السماة ربيبها
قال أبو الحسن: السماة هم الصادة نصف النهار، وروي عن بعض أصحابنا، عن المازني قال: إنما سمي ساميًا بالمسماة، وهو خف يلبسه لئلا يسمع الوحض وطأه، وهو عندي من سما للصيد.
ينشد هذا البيت:
أبى حبي سليمى أن يبيدا = وأصبح حبلها خلقًا جديد
يقول: أصبح خلقًا مقطوعًا، لأن جديدًا في معنى مجدود أي مقطوع، كما تقول: قتيل ومقتول وجريح ومجروح.
ويقال في غير هذا المعنى: رجل مجدود، إذا كان ذا خطر وحظ، وفي الدعاء "ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، أي من كان له حظ في دنياه لم يدفع ذلك عنه ما يريد الله به. ولو قال قائل: ولا ينفع ذا الجد منك الجد - يريد الاجتهاد - لكان وجهًا). [الكامل: 2/1040-1042] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
إربعي إنما يريبك مني = إرث مجدٍ وجد لبٍ أصيل
كذا أنشدنا أبو عكرمة وجد بفتح الجيم وأنشدينه أبو جعفر وجد لب بكسر الجيم إرث أصل الجد بالفتح أبو الأب وأبو الأم والحظ، و{تعالى جد ربنا} أي: عظمته والجد بالكسر الانكماش، قد جد الرجل في الأمر وأجد فهو جاد ومجد أي: انكمش، ولقد جددت يا رجل فأنت تجد أي: صرت ذا حظ). [شرح المفضليات: 508]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
جددت بحبها وهزلت حتى = كبرت وقيل إنك مستهام
قال الطوسي: يقال جد الرجل في الأمر يجد وأجد يجد فهو جاد ومجد والرجلان مختلفان جدًا هذه مكسورة لا غير، وجد النخل يجده جدًا إذا صرمه والجد في الانكماش مكسور والجد: الحظ والبخت والجدان أبو الأب وأبو الأم، والجد عظمة الله تعالى وقد جددت يا رجل تجد إذا صرت ذا جدٍ، قال: ولقد يجد المرء وهو مقصر، وهزلت أي لعبت والهزل ضد الجد، قال الكميت:
أرانا على حب الحياة وطولها = يجد بنا في كل يومٍ ونهزل
وقد هزل الرجل في بدنه هزلاً وهزالاً، وأهزل الرجل إذا هزل ماله وعياله وقد هزل ماله وعياله). [شرح المفضليات: 648-649]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقد جد الرجل في الأمر إذا انمكش فيه يجد وأجد يجد فهو جاد ومجد وجد يجد في الأمر إذا كان فيه ذا حظٍ. وتقول منه للرجل: لقد جددت يا رجل تجد، وجد النخلة يجدها إذا صرمها. والجد: العظمة {تعالى جد ربنا} أي: عظمته، والجد أبو الأب وأبو الأم. وقولهم في الدعاء: ولا ينفع ذا الجد منك الجد). [شرح المفضليات: 721]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والشطاط البعد). [الغريب المصنف: 3/815] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

ولا تخنوا علي ولا تشطوا = بقول الفخر إن الفخر حوب
....
و(الشطط) الجور). [شرح أشعار الهذليين: 1/111]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) }
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال: رهق فلان: خاف. والرَّهَق: الخوف والفزع؛ قد أرهقه، قد أخافه). [كتاب الجيم: 1/294] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والناس حرف من الأضداد؛ يقال: ناس للناس، وناس من الجن.

قال الله عز وجل: {الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس}، أي الذي يوسوس في صدور الناس، جنتهم وناسهم. قال الفراء: حدث بعض العرب قوما، فقال: جاء قوم من الجن، فوقفوا، فقيل لهم: من أنتم؟ فقالوا: نحن ناس من الجن. وقال الله عز وجل: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن}، فأوقع النفر على الجن. وقال أيضا: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن}، فجعل من الجن رجالا يستحقون التسمية برجال، كما يستحق الناس). [كتاب الأضداد: 328] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:13 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:13 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:13 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:13 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً (1) يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحداً (2) وأنّه تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ صاحبةً ولا ولداً (3) وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططاً (4) وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذباً (5)
قرأ جمهور الناس «قل أوحي إلي» من أوحى يوحي. وقرأ أبو أناس جوية بن عائذ: «قل أوحى إلي»، من وحي يحي ووحي وأوحى، بمعنى واحد، وقال العجاج: «وحي لها القرار فاستقرت». وقرأ أيضا جوية فيما روى عنه الكسائي، «قل أحي» أبدلت الواو همزة كما أبدلوها في وسادة وإسادة، وغير ذلك.
وكذلك قرأ ابن أبي عبلة، وحكى الطبري عن عاصم أنه كان يكسر كل ألف في السورة من «أن» و «إن» إلا قوله تعالى: وأنّ المساجد للّه [الجن: 18]. وحكي عن أبي عمرو أنه يكسر من أولها إلى قوله وأن لو استقاموا على الطّريقة [الجن: 16] فإنه كان يفتح همزة وما بعدها إلى آخر السورة. فعلى ما حكي يلزم أن تكون الهمزة مكسورة في قوله «إنه استمع»، وليس ما ذكر بثابت. وذكر أبو علي الفارسي أن ابن كثير وأبا عمرو فتحا أربعة أحرف من السورة وكسرا غير ذلك أنّه استمع، وأن لو استقاموا [الجن: 16]، وأنّ المساجد [الجن: 18]، وأنّه لمّا قام [الجن: 19]، وأن نافعا وعاصما في رواية أبي بكر والمفضل وافقا في الثلاثة وكسرا وأنّه لمّا قام [الجن: 19] مع سائر ما في السورة. وذكر أن ابن عامر وحمزة والكسائي كانوا يقرأون كل ما في السورة بالفتح إلا ما جاء بعد قول أو فاء جزاء، وكذلك حفص عن عاصم، فترتب إجماع القراء على فتح الألف من أنّه استمع و «أن لو استقاموا» «وأن المساجد». وذكر الزهراوي عن علقمة أنه كان يفتح الألف في السورة كلها. واختلف الناس في الفتح من هذه الألفات وفي الكسر اختلافا كثيرا يطول ذكره وحصره وتقصي معانيه. قال أبو حاتم: أما الفتح فعلى أوحي، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله. وأما الكسر فحكاية وابتداء وبعد القول. وهؤلاء النفر من الجن هم الذين صادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ببطن نخلة في صلاة الصبح وهو يريد عكاظ. وقد تقدم قصصهم في سورة الأحقاف في تفسير قوله تعالى: وإذ صرفنا إليك نفراً من الجنّ [الأحقاف: 29].
وقول الجن: إنّا سمعنا الآيات، هو خطاب منهم لقومهم الذين ولوا إليهم منذرين، وقرآناً عجباً معناه ذا عجب، لأن العجب مصدر يقع من سامع القرآن لبراعته وفصاحته ومضمناته، وليس نفس القرآن هو العجب). [المحرر الوجيز: 8/ 424-426]

تفسير قوله تعالى: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس «إلى الرّشد» بضم الراء وسكون الشين. وقرأ عيسى الثقفي «إلى الرّشد» بفتح الراء والشين. وقرأ عيسى «إلى الرّشد»). [المحرر الوجيز: 8/ 426]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومن كسر الألف من قوله «وإنه تعالى» فعلى القطع ويعطف الجملة على قوله إنّا سمعنا، ومن فتح الألف من قوله وأنّه تعالى اختلفوا في تأويل ذلك، فقال بعضهم هي عطف على أنّه استمع، فيجيء على هذا قوله تعالى مما أمر أن يقول إنه أوحي إليه وليس يكون من كلام الجن، وفي هذا قلق. وقال بعضهم بل هي عطف على الضمير في به فكأنه يقول فآمنا به وبأنه تعالى. وهذا القول ليس في المعنى، لكن فيه من جهة النحو العطف على الضمير المخفوض دون إعادة الخافض وذلك لا يحسن. وقرأ جمهور الناس «جدّ ربنا» بفتح الجيم وضم الدال وإضافته إلى الرب، وقال جمهور المفسرين معناه عظمته.
وروي عن أنس أنه قال: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران، جد في أعيننا أي عظم. وقال أنس بن مالك والحسن: جدّ ربّنا معناه، فهذا هو من الجد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد»، وقال مجاهد: ذكره كله متجه لأن الجد هو حظ المجدود من الخيرات والأوصاف الجميلة، فجد الله تعالى هو الحظ الأكمل من السلطان الباهر والصفات العلية والعظمة، ومن هذا قول اليهودي حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: «يا بني قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون» أي حظكم من الخيرات وبختكم. وقال علي بن الحسين رضي الله عنه وأبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن أنس ليس لله جد، وهذه مقالة قوم جهلة من الجن، جعلوا الله جدا أي أبا أب. قال كثير من المفسرين هذا قول ضعيف. وقوله: ولن نشرك بربّنا أحداً يدفعه، وكونهم فيما روي على شريعة متقدمة وفهمهم للقرآن. وقرأ محمد بن السميفع اليماني «جد ربنا» وهو من الجد والنفع. وقرأ عكرمة «جدّ ربّنا» بفتح الجيم وضم الدال وتنوينه ورفع الرب كأنه يقول تعالى عظيم هو ربنا ف «ربنا» بدل والجد العظيم في اللغة.
وقرأ حميد بن قيس «جد ربنا» بضم الجيم. ومعناه ربنا العظيم حكاه سيبويه وبإضافته إلى الرب فكأنه قال عظيم، وهذه إضافة تجديد يوقع النحاة هذا الاسم إذا أضيفت الصفة إلى الموصوف، كما تقول جاءني كريم زيد تريد زيدا الكريم ويجري مجرى هذا عند بعضهم.
قول المتنبي [البسيط]
... ... ... ... = عظيم الملك في المقل
أراد الملك العظيم قال بعض النحاة، وهذا المثال يعترض بأنه أضاف إلى جنس فيه العظيم والحقير، وقرأ عكرمة أيضا «جدا ربّنا» بفتح الجيم والدال وتنوينها ورفع الرب ونصب «جدا» على التمييز كما تقول تفقأت شحما وتصببت عرقا، وقرأ قتادة «جدا ربّنا» بكسر الجيم ورفع الباء وشد الدال، فنصب جدا على الحال ومعناه تعالى حقيقة ومتمكنا. وهذا معنى غير الأول، وقرأ أبو الدرداء «تعالى ذكر ربنا»، وروي عنه «تعالى جلال ربنا»). [المحرر الوجيز: 8/ 426-427]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وأنّه كان يقول لا خلاف أن هذا من قول الجن، وكسر الألف فيه أبين وفتحها لا وجه له إلا اتباع العطف على الضمير. كأنهم قالوا الآن بأن سفيهنا كان قوله شططاً. والسفيه المذكور قال جميع المفسرين هو إبليس لعنه الله. وقال آخرون هو اسم جنس لكل سفيه منهم. ولا محالة أن إبليس صدر في السفهاء وهذا القول أحسن. والشطط: التعدي وتجاوز الحد بقول أو فعل ومنه قول الأعشى: [البسيط]
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط = كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
). [المحرر الوجيز: 8/ 427-428]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وأنّا ظننّا هو كلام أولئك النفر لا يحتمل غير ذلك، وكسر الألف فيه أبين.
والمعنى: إنا كنا نظن قبل إيماننا أن الأقوال التي تسمع من إبليس وغواة الجن والإنس في جهة الآلهة وما يتعلق بذلك حق وليست بكذب، لأنا كنا نظن بهم أنهم لا يكذبون على الله ولا يرضون ذلك. وقرأ جمهور الناس «تقول». وقرأ الحسن والجحدري وابن أبي بكرة ويعقوب «تقوّل» بفتح القاف والواو وشد الواو، والتقول خاص بالكذب، والقول عام له وللصدق، ولكن قولهم كذباً يرد القول هنا معنى التقول). [المحرر الوجيز: 8/ 428]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقاً (6) وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحداً (7) وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً (8) وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً (9) وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً (10)
هذه الألف من أنّه كان مما اختلف في فتحها وكسرها والكسر أوجه. والمعنى في الآية ما كانت العرب تفعله في أسفارها وتعزبها في الرعي وغيره، فإن جمهور المفسرين رووا أن الرجل كان إذا أراد المبيت أو الحلول في واد، صاح بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادي إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك فيعتقد بذلك أن الجني الذي بالوادي يمنعه ويحميه، فروي أن الجن كانت عند ذلك تقول: ما نملك لكم ولأنفسنا من الله شيئا. قال مقاتل: أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا ذلك في العرب. وروي عن قتادة أن الجن لذلك كانت تحتقر بني آدم وتزدريهم لما ترى من جهلهم، فكانوا يزيدونهم مخافة ويتعرضون للتخيل لهم بمنتهى طاقاتهم ويغوونهم في إرادتهم لما رأوا رقة أحلامهم، فهذا هو الرهق الذي زادته الجن ببني آدم. وقال مجاهد والنخعي وعبيد بن عمير: بنو آدم زادوا الجن رهقاً وهي الجرأة والانتخاء عليهم والطغيان وغشيان المحارم والإعجاب، لأنهم قالوا سدنا الجن والإنس، وقد فسر قوم الرهق بالإثم وأنشد الطبري في ذلك بيت الأعشى: [البسيط]
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها = لا يشتفي وامق ما لم يصب رهقا
قال معناه ما لم يغش محرما فالمعنى زادت الإنس والجن مأثما لأنهم عظموهم فزادوهم استحلالا لمحارم الله). [المحرر الوجيز: 8/ 428-429]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وأنّهم ظنّوا كما ظننتم يريد به بني آدم الكفار. وقوله كما ظننتم، مخاطبة لقومهم من الجن. وقولهم أن لن يبعث اللّه أحداً، يحتمل معنيين أحدهما: بعث الحشر من القبور، والآخر بعث آدمي رسولا. وأن في قوله أن لن مخففة من «أن» الثقيلة وهي تسد مسد المفعولين.
وذكر المهدوي تأويلا أن المعنى وأن الجن ظنوا كما ظننتم أيها الإنس فهي مخاطبة من الله تعالى). [المحرر الوجيز: 8/ 429]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وذكر المهدوي تأويلا أن المعنى وأن الجن ظنوا كما ظننتم أيها الإنس فهي مخاطبة من الله تعالى.
وقولهم وأنّا لمسنا قال معناه التمسنا ويظهر بمقتضى كلام العرب أنها استعارة لتجربتهم أمرها وتعرضهم لها فسمي ذلك لمسا إذ كان اللمس غاية غرضهم ونحو هذا قول المتنبي: [الطويل]
تعد القرى والمس بنا الجيش لمسة = نبادر إلى ما تشتهي يدك اليمنى
فعبر عن صدم الجيش بالجيش وحربه باللمس، وهذا كما تقول المس فلانا في أمر كذا، أي جرب مذهبه فيه، وملئت إما أن يكون في موضع المفعول الثاني ل «وجدنا»، وإما أن يقصر الفعل على مفعول واحد ويكون ملئت في موضع الحال، وكان الأعرج يقرأ «مليت» لا يهمز، والشهب: كواكب الرجم، والحرس: يحتمل أن يريد الرمي بالشهب. وكرر المعنى بلفظ مختلف، ويحتمل أن يريد الملائكة). [المحرر الوجيز: 8/ 429-430]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومقاعد جمع مقعد، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحدا فوق واحد، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها ثم يزيد الكهان بالكلمة مائة كذبة، وقوله: فمن يستمع الآن الآية قطع على أن كل من استمع الآن أحرقه شهاب. فليس هنا بعد سمع، إنما الإحراق عند الاستماع، وهذا يقتضي أن الرجم كان في الجاهلية. ولكنه لم يكن يستأصل وكان الحرس ولكنه لم يكن شديدا، فلما جاء الإسلام اشتد الأمر حتى لم يكن فيه ولا يسير سماحة، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد رأى كوكبا راجما: «ماذا كنتم تقولون لهذا في الجاهلية؟ قالوا كنا نقول: ولد ملك، مات ملك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الأمر كذلك، ثم وصف صورة صعود الجن».
وقد قال عوف بن الجزع وهو جاهلي: [الكامل]
فانقض كالدري يتبعه = نقع يثور تخاله طنبا
وهذا في أشعارهم كثير، ورصداً نعت لشهاب ووصفه بالمصدر). [المحرر الوجيز: 8/ 430-431]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض الآية، معناه لا ندري أيؤمن الناس بهذا النبي فيرشدون، أم يكفرون به فينزل بهم الشر). [المحرر الوجيز: 8/ 431]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:13 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:14 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا (1) يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا (2) وأنّه تعالى جدّ ربّنا ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا (3) وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا (4) وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا (5) وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا (6) وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا (7)}
يقول تعالى آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخبر قومه: أنّ الجنّ استمعوا القرآن فآمنوا به وصدّقوه وانقادوا له، فقال تعالى: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 237]

تفسير قوله تعالى: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يهدي إلى الرّشد} أي: إلى السّداد والنّجاح، {فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29] وقد قدّمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 237]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {جدّ ربّنا} أي: فعله وأمره وقدرته.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: جدّ اللّه: آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه.
وروي عن مجاهدٍ وعكرمة: جلال ربّنا. وقال قتادة: تعالى جلاله وعظمته وأمره. وقال السّدّيّ: تعالى أمر ربّنا. وعن أبي الدّرداء، ومجاهدٌ أيضًا وابن جريجٍ: تعالى ذكره. وقال سعيد بن جبيرٍ: {تعالى جدّ ربّنا} أي: تعالى ربّنا.
فأمّا ما رواه ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الجدّ: أبٌ. ولو علمت الجنّ أنّ في الإنس جدًّا ما قالوا: تعالى جدّ ربّنا.
فهذا إسنادٌ جيّدٌ، ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام؛ ولعلّه قد سقط شيءٌ، واللّه أعلم. وقوله: {ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا} أي: تعالى عن اتّخاذ الصّاحبة والأولاد، أي: قالت الجنّ: تنزّه الرّبّ تعالى جلاله وعظمته، حين أسلموا وآمنوا بالقرآن، عن اتّخاذ الصّاحبة والولد). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 237-238]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قالوا: {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا} قال مجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، والسّدّيّ: {سفيهنا} يعنون: إبليس، {شططًا} قال السّدّي، عن أبي مالكٍ: {شططًا} أي: جورًا. وقال ابن زيدٍ: ظلمًا كبيرًا.
ويحتمل أن يكون المراد بقولهم: {سفيهنا} اسم جنسٍ لكلّ من زعم أنّ للّه صاحبةً أو ولدًا. ولهذا قالوا: {وأنّه كان يقول سفيهنا} أي: قبل إسلامه {على اللّه شططًا} أي: باطلًا وزورًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 238]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا} أي: ما حسبنا أنّ الإنس والجنّ يتمالئون على الكذب على اللّه في نسبة الصّاحبة والولد إليه. فلمّا سمعنا هذا القرآن وآمنّا به، علمنا أنّهم كانوا يكذبون على اللّه في ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 238]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا} أي: كنّا نرى أنّ لنا فضلًا على الإنس؛ لأنّهم كانوا يعوذون بنا، أي: إذا نزلوا واديًا أو مكانًا موحشًا من البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليّتها. يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجانّ، أن يصيبهم بشيءٍ يسوؤهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجلٍ كبيرٍ وذمامه وخفارته، فلمّا رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، {فزادوهم رهقًا} أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا، حتّى تبقوا أشدّ منهم مخافةً وأكثر تعوّذًا بهم، كما قال قتادة: {فزادوهم رهقًا} أي: إثمًا، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءةً.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ عن إبراهيم: {فزادوهم رهقًا} أي: ازدادت الجنّ عليهم جرأةً.
وقال السّدّيّ: كان الرّجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيّد هذا الوادي من الجنّ أن أضرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، قال: فإذا عاذ بهم من دون اللّه، رهقتهم الجنّ الأذى عند ذلك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيد يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا وهب بن جريرٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة قال: كان الجنّ يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشدّ، وكان الإنس إذا نزلوا واديًا هرب الجنّ، فيقول سيّد القوم: نعوذ بسيّد أهل هذا الوادي.
فقال الجنّ: نراهم يفرقون منّا كما نفرق منهم. فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون، فذلك قول اللّه: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا}
وقال أبو العالية، والرّبيع، وزيد بن أسلم: {رهقًا} أي: خوفًا. وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فزادوهم رهقًا} أي: إثمًا. وكذا قال قتادة. وقال مجاهد: زاد الكفار طغيانا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا فروة بن المغراء الكنديّ، حدّثنا القاسم بن مالكٍ -يعني المزنيّ-عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن أبيه، عن كردم بن أبي السّائب الأنصاريّ قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجةٍ، وذلك أوّل ما ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فآوانا المبيت إلى راعي غنمٍ. فلمّا انتصف اللّيل جاء ذئبٌ فأخذ حملًا من الغنم، فوثب الرّاعي فقال: يا عامر الوادي، جارك. فنادى منادٍ لا نراه، يقول: يا سرحان، أرسله. فأتى الحمل يشتدّ حتّى دخل في الغنم لم تصبه كدمةٌ. وأنزل اللّه تعالى على رسوله بمكّة {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا}
ثمّ قال: وروي عن عبيد بن عميرٍ، ومجاهدٍ، وأبي العالية، والحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم النّخعي، نحوه.
وقد يكون هذا الذّئب الّذي أخذ الحمل -وهو ولد الشّاة-وكان جنّيًّا حتّى يرهب الإنسيّ ويخاف منه، ثمّ ردّه عليه لمّا استجار به، ليضلّه ويهينه، ويخرجه عن دينه، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 239-240]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا} أي: لن يبعث اللّه بعد هذه المدّة رسولًا. قاله الكلبيّ، وابن جريرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 240]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا (8) وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا (9) وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا (10)}
يخبر تعالى عن الجنّ حين بعث اللّه رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أنّ السّماء ملئت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشّياطين عن مقاعدها الّتي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلّا يسترقوا شيئًا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصّادق. وهذا من لطف اللّه بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجنّ: {وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 240]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} أي: من يروم أن يسترق السّمع اليوم يجد له شهابًا مرصدًا له، لا يتخطّاه ولا يتعدّاه، بل يمحقه ويهلكه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 240]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} أي: ما ندري هذا الأمر الّذي قد حدث في السّماء، لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربّهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشّرّ إلى غير فاعلٍ، والخير أضافوه إلى اللّه عزّ وجلّ. وقد ورد في الصّحيح: "والشّرّ ليس إليك". وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، ولكن ليس بكثيرٍ بل في الأحيان بعد الأحيان، كما في حديث ابن عبّاسٍ بينما نحن جلوسٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رمي بنجمٍ فاستنار، فقال: "ما كنتم تقولون في هذا؟ فقلنا: كنّا نقول: يولد عظيمٌ، يموت عظيمٌ، فقال: "ليس كذلك، ولكنّ اللّه إذا قضى الأمر في السّماء"، وذكر تمام الحديث، وقد أوردناه في سورة "سبأٍ" بتمامه وهذا هو السّبب الّذي حملهم على تطلّب السّبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ بأصحابه في الصّلاة، فعرفوا أنّ هذا هو الّذي حفظت من أجله السّماء، فآمن من آمن منهم، وتمرّد في طغيانه من بقي، كما تقدّم حديث ابن عبّاسٍ في ذلك، عند قوله في سورة "الأحقاف": {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} الآية 29. ولا شكّ أنّه لمّا حدث هذا الأمر وهو كثرة الشّهب في السّماء والرّمي بها، هال ذلك الإنس والجنّ وانزعجوا له وارتاعوا لذلك، وظنّوا أنّ ذلك لخراب العالم -كما قال السّدّيّ: لم تكن السّماء تحرس إلّا أن يكون في الأرض نبيٌّ أو دينٌ للّه ظاهرٌ، فكانت الشّياطين قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قد اتّخذت المقاعد في السّماء الدّنيا، يستمعون ما يحدث في السّماء من أمرٍ. فلمّا بعث اللّه محمّدًا نبيًّا، رجموا ليلةً من اللّيالي، ففزع لذلك أهل الطّائف، فقالوا: هلك أهل السّماء، لمّا رأوا من شدّة النّار في السّماء واختلاف الشّهب. فجعلوا يعتقون أرقّاءهم ويسيّبون مواشيهم، فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو بن عميرٍ: ويحكم يا معشر أهل الطّائف. أمسكوا عن أموالكم، وانظروا إلى معالم النّجوم فإن رأيتموها مستقرّةً في أمكنتها فلم يهلك أهل السّماء، إنّما هذا من أجل ابن أبي كبشة -يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم-وإن أنتم لم تروها فقد هلك أهل السّماء. فنظروا فرأوها، فكفّوا عن أموالهم. وفزعت الشّياطين في تلك اللّيلة، فأتوا إبليس فحدّثوه بالّذي كان من أمرهم، فقال: ائتوني من كلّ أرضٍ بقبضةٍ من ترابٍ أشمّها. فأتوه فشم فقال: صاحبكم بمكّة. فبعث سبعة نفرٍ من جنّ نصيبين، فقدموا مكّة فوجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا يصلّي في المسجد الحرام يقرأ القرآن، فدنوا منه حرصًا على القرآن حتّى كادت كلاكلهم تصيبه، ثمّ أسلموا. فأنزل اللّه تعالى أمرهم على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصًى في أوّل البعث من (كتاب السّيرة) المطوّل، واللّه أعلم، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 240-241]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة