جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {كَلاَّ} مَا الأمرُ كما تَفْعَلُ يا مُحَمَّدُ، مِنْ أنْ تَعْبَسَ في وَجْهِ مَنْ جاءَكَ يَسْعَى وهوَ يَخْشَى، وتَتَصَدَّى لِمَن اسْتَغْنَى. {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}، يقولُ: إنَّ هذهِ العِظَةَ وهذهِ السورةَ {تَذْكِرَةٌ}، يَقُولُ: عِظَةٌ وعِبْرَةٌ). [جامع البيان: 24/ 107]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والهاءُ في قَوْلِهِ: {إِنَّهَا} للسورةِ، وفي قَوْلِهِ: {ذَكَرَهُ} للتنزيلِ والوَحْيِ). [جامع البيان: 24/ 108] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {فَمَنْ شَاء ذَكَرَهُ}؛ يقولُ: فمَنْ شاءَ مِنْ عبادِ اللَّهِ ذَكَرَهُ، يقولُ: ذَكَرَ تَنْزِيلَ اللَّهِ وَوَحْيَهُ. والهاءُ في قَوْلِهِ: {إِنَّهَا} للسورةِ، وفي قَوْلِهِ: {ذَكَرَهُ} للتنزيلِ والوَحْيِ). [جامع البيان: 24/ 108]
تفسير قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)}
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، حدّثنا خالدٌ يعني ابن الحارث، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشامٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة، والّذي يتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ فله أجران اثنان»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 324]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {فِي صُحُفٍ} يقولُ: إِنَّها تَذْكِرَةٌ {في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}، يعني: في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وهوَ المرفوعُ المُطَهَّرُ عندَ اللَّهِ). [جامع البيان: 24/ 108]
تفسير قوله تعالى: {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {مطهّرةٍ} [البقرة: 25] : " لا يمسّها إلّا المطهّرون، وهم الملائكة، وهذا مثل قوله: {فالمدبّرات أمرًا} [النازعات: 5] : جعل الملائكة والصّحف مطهّرةً، لأنّ الصّحف يقع عليها التّطهير، فجعل التّطهير لمن حملها أيضًا). [صحيح البخاري: 6/ 166]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قَولُهُ: {مُطَهَّرَةٍ}؛ لا يَمَسُّها إلا المُطَهَّرُونَ وهُمُ المَلائِكَةُ في رِوَايَة غيرِ أَبِي ذَرٍّ.
وقَالَ غَيرُهُ: مُطَهَّرَةٌ إلخ. وكذا للنَّسَفِيِّ وكان قَالَ قَبْلَ ذلك: وقَالَ مُجَاهِدٌ فذكرَ الأثرَ الآتِيَ، ثُم قَالَ: وقَالَ غَيرُهُ.
قولُهُ: وهذا مِثلُ قَولِهِ: {فَالمُدَبِّرَاتِ أَمرًا} هو قَولُ الفَرَّاءِ قَالَ في قَولِهِ تَعَالَى:{في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}: لا يَمَسُّهُ إلا المُطًهَّرونَ وهمُ المَلائِكَةُ وهذا مِثلُ قَولِهِ تَعَالَى:{فالمُدَبِّراتِ أَمرًا}.
قَولُهُ: جَعَلَ الملائِكَةَ والصُّحُفَ مُطَهَّرَةً؛ لأنَّ الصُّحُفَ يقَعُ عليها التَّطهِيرُ فجَعَلَ التَّطهِيرَ لمن حَمَلَهَا أيضًا) هو قَولُ الفَرَّاءِ أيضًا). [فتح الباري: 8 / 692]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {مُطَهَّرَةٍ}: لاَ يَمَسُّهَا إِلاَّ المُطَهَّرُونَ، وَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {فَالْمُدَبِّراتِ أمْرًا} جَعَلَ المَلائِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً؛ لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ فَجَعَلَ التَّطْهِيرَ لِمَنْ حَمَلَهَا أيْضًا.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمٍة (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} وَفَسَّرَ الْمُطَهَّرَةَ بِقَوْلِهِ: لاَ يَمَسُّهَا إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ، وَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَعْنِي: لَمَّا كَانَتِ الصُّحُفُ تَتَّصِفُ بِالتَّطِهيرِ وَصَفَ أَيْضًا حَامِلَهَا أَيِ الْمَلاَئِكَةَ فَقِيلَ: لاَيَمَسُّهَا إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ، وَهَذَا كَمَا فِي {الْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} فَإِنَّ التَّدْبِيرَ لِمَحْمُولِ خُيُولِ الْغُزَاةِ، فَوَصَفَ الْحَامِلَ يَعْنِي الْخُيُولَ بِهِ فَقِيلَ: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لا يَقَعُ بِزِيَادَةِ لا، وَفِي تَوْجِيهِهِ تَكَلُّفٌ قُلْتُ: وَجْهُهُ أَنَّ الصُّحُفَ لا يُطْلَقُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ الَّذِي هُوَ خِلاَفُ التَّنْجِيسِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا مُطَهَّرةٌ عَنْ أَنْ يَنَالَهَا أَيْدِي الْكُفَّارِ، وَقِيلَ: مُطَهَّرَةٌ عَمَّا لَيْسَ بِكَلاَمِ اللهِ فَهُوَ الْوَحْيُ الْخَالِصُ وَالْحَقُّ الْمَحْضُ، وَقَولُهُ: مُطَهَّرَةٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مُطَهَّرَةٌ وَهَذَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ أَحَدٍ قَبْلَهُ حَتَّى يَصِحَّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ عَبَسَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَبَسَ: كَلَحَ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ: غَيْرُ مُجَاهِدٍ). [عمدة القاري: 19/ 278-279]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وَقَالَ غَيْرُهُ) سَقَطَ هذا لأَبِي ذَرٍّ وهو الصَّوَابُ كما لا يَخْفَى {مُطَهَّرَةٍ} من قَوْلِهِ: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} لا يَمَسُّهَا إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ وهم الملائكَةُ وهذا مثْلُ قَوْلِهِ) عَزَّ وَجَلَّ: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}؛ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لأنَّ التَّدْبِيرَ لمحمولِ خُيُولِ الْغُزَاةِ فَوَصَفَ الْحَامِلَ يَعْنِي الخيولَ به فَقِيلَ: {فَالْمُدَبِّرَاتِ} جَعَلَ الملائكَةَ والصُّحُفَ مُطَهَّرَةً بفتْحِ الهاءِ الْمُشَدَّدَةِ؛ لأن الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لمن حَمَلَهَا أَيْضًا بضَمِّ جِيمِ جُعِلَ مَبْنِيًّا للمفعولِ، وهذا قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقِيلَ: {مُطَهَّرَةٍ} مُنَزَّهَةٍ عن أَيْدِي الشَّيَاطِينِ). [إرشاد الساري: 7 / 411]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {فِي صُحُفٍ}؛ يقولُ: إِنَّها تَذْكِرَةٌ {في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}، يعني: في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وهوَ المرفوعُ المُطَهَّرُ عندَ اللَّهِ). [جامع البيان: 24/ 108] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}؛ قَالَ: هي عندَ اللَّهِ, {بأَيْدِي سَفَرَةٍ}. قَالَ: هم القُرَّاءُ). [الدر المنثور: 15 / 244]
تفسير قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {بأيدي سفرة}؛ قال: بأيدي كتبة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 348]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({سفرةٍ} : الملائكة واحدهم سافرٌ، سفرت: أصلحت بينهم، وجعلت الملائكة - إذا نزلت بوحي اللّه وتأديته - كالسّفير الّذي يصلح بين القوم "). [صحيح البخاري: 6 / 166]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: {سَفَرَةٍ} :المَلائِكَةُ وَاحِدُهُم سَافِرٌ سَفَرتُ أَصلَحتُ بينَهُم، وجُعِلتِ المَلائِكَةُ إذا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللهِ وتَأدِيَتِه كالسَّفِيرِ الذي يُصلِحُ بينَ القومِ) هُو قَولُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِ، وَزَادَ: قَالَ الشَّاعِرُ:
ومَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بينَ قَومِي ....... ومَا أَمشِي بِغِشٍ إِنْ مَشَيْتُ.
وقد تمسَّكَ به من قَالَ: إن جَميعَ المَلائِكَةِ رُسُلُ اللهِ، وللعُلَمَاءِ في ذلك قَولانِ: الصَّحيحُ أن فِيهِمُ الرُّسُلَ وغَيرَ الرُّسُلِ، وقد ثَبَتَ أنَّ مِنهُمُ السَّاجِدَ فلا يَقُومُ، والرَّاكِعَ فلا يَعتَدِلُ... الحَدِيثَ.
واحتَجَّ الأوَّلُ بقَولِه تَعَالَى: {جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً} وأُجيبَ بِقَولِ اللهِ تَعَالَى: {اللهُ يَصطَفِي منَ المَلائِكَةِ رُسُلاً ومنَ النَّاسِ} ). [فتح الباري: 8 / 692]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {سفَرَةٌ}: المَلائِكَةُ، وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ؛ سَفَرْتُ: أصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَجُعِلَتِ المَلائِكَةُ إذَا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللهِ وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ القَوْمِ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}؛ أَيْ: بِأَيْدِي الْمَلاَئِكَةِ. قَوْلُهُ: وَاحِدُهُمْ أَيْ: وَاحِدُ السَّفَرَةِ سَافِرٌ، وَعَنْ قَتَادَةَ: وَاحِدُهُمْ سَفِيرٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِوَاوِ الْجَمَاعَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَلاَئِكَةِ.
قَوْلُهُ: سَفَرْتُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَعْنَى سَافِرٍ مِنْ سَفَرْتُ بِمَعْنَى أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهُ السَّفِيرُ، وَهُوَ الرَّسُولُ، وَسَفِيرُ الْقَوْمِ هُوَ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمْ بِالصُّلْحِ، وَسَفَرْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ إِذَا أَصْلَحْتَ بَيْنَهَمْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٍ: سَفَرَةٌ: كَتَبَةٌ، وَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْكِتَابِ: سِفْرٌ، وَجَمْعُهُ أَسْفَارٌ، ويُقَالُ لِلْوَرَّاقِ: سِفْرٌ بِلُغَةِ الْعِبْرَانِيَةِ. قَوْلُهُ: وَتَأْدِيَتُهُ مِنَ الأَدَاءِ أَيْ: وَتَبْلِيغُهُ، وَيُرْوَى وَتَأْدِيبُهُ مِنَ الأَدَبِ لاَ مِنَ الأَدَاءِ، قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ. وَفِيهِ مَا فِيهِ). [عمدة القاري: 19 / 279]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {سَفَرٍة}؛ بالخفْضِ، ولأَبِي ذَرٍّ بالرَّفْعِ، والأوَّلُ مُوَافِقٌ للتَّنْزِيلِ، (الْمَلاَئِكَةُ وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ سَفَرْتُ) أي بَيْنَ الْقَوْمِ: (أَصْلَحْتُ بينهم، وَجُعِلَتِ الملائكَةُ إذا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَأْدِيَتِهِ) إلى أَنْبِيَائِهِ (كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بين الْقَوْمِ) ومنه قَوْلُهُ:
فَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي ....... وَلاَ أَمْشِي بِغِشٍّ إِنْ مَشَيْتُ
وَقِيلَ: السَّفَرَةُ جمعُ سافرٍ وهو الْكَاتِبُ، ومثلُهُ: كاتِبٌ وكَتَبَةٌ، ولأَبِي ذَرٍّ: وَتَأْدِيبُهُ بالمُوَحَّدَةِ بعد التَّحْتِيَّةِ مِنَ الأدَبِ. فَلْيُتَأَمَّلْ). [إرشاد الساري: 7 / 411-412]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: {سفرة} أي: بين القوم، ومعناه أصلحت بينهم كما قاله). [حاشية السندي على البخاري: 3 / 78]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({بأيدي سفرةٍ} وقال ابن عبّاسٍ: " كتبةٍ أسفارًا، كتبًا). [صحيح البخاري: 6 / 166]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: {بأَيدِي سَفَرَةٍ}؛ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ، أَسفَارًا: كُتُبًا). وصَلَهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ من طَرِيقِ عليِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَولِهِ: {بِأَيدِي سَفَرَةٍ} قَالَ: كَتَبَةٍ، وَاحِدُهَا سَافِرٌ وهِي كَقَولِهِ: {كمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارًا} قَالَ: كُتُبًا. وقد ذَكَرَ عَبدُ الرَّزَّاقِ من طَرِيقِ مَعْمَرٍ عن قَتَادَةَ في قَولِهِ: {بِأَيدِي سَفَرَةٍ} قَالَ: كَتَبَةٍ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ في قَولِهِ: {بِأَيدِي سَفَرَةٍ} أي: كَتَبَةٍ واحِدُهَا سَافِرٌ). [فتح الباري: 8 / 693]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول ابن عبّاس: فقال ابن أبي حاتم، ثنا أبي ثنا أبو صالح، ثنا معاوية، عن علّي، عن ابن عبّاس، في قوله: {ترهقها قترة}[عبس: 40] قال: تغشاها شدّة
وبه في قوله: {مسفرة}[عبس: 38] يقول: مشرقة
وبه في قوله: {بأيدي سفرة} يقول: كتبة
وبه في قوله: {يحمل أسفارا} [الجمعة: 5] قال: كتبا
وقال ...............). [تغليق التعليق: 4 / 360-361]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {بأيْدِي سَفَرَةٍ}؛ وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ، أسْفَارًا: كُتُبًا).
قَدْ مَرَّ الْكَلاَمُ فِيهِ عَنْ قَرِيبٍ، وهو مِنْ وَجْهٍ مُكَرَّرٍ). [عمدة القاري: 19/ 279]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وفي نُسْخَةٍ بإِسْقَاطِ الْوَاوِ وهو الأَوْجَهُ في مَعْنَى {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}: (كَتَبَةٍ) أي: من الملائكَةِ يَنْسَخُونَ من اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أو الْوَحْيِ (أَسْفَارًا) أي (كُتُبًا) ذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا). [إرشاد الساري: 7 / 412]
- قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال: واحد الأسفار سفرٌ ). [صحيح البخاري: 6 / 166]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: يُقَالُ: واحِدُ الأسفَارِ سِفرٌ سَقَطَ هَذَا لأبِي ذَرٍّ وهُو قَوْلُ الفَرَّاءِ، قَالَ في قَولِهِ تَعَالَى: {كمثلِ الحِمَارِ يحمِلُ أسفَارًا}: الأسفَارُ واحِدُها سِفرٌ وهِي الكُتُبُ العِظَامُ). [فتح الباري: 8 / 693]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يُقَالُ: وَاحِدُ الأسْفَارِ سِفْرٌ.
سَقَطَ هَذَا لأَبِي ذَرٍّ، وَالأَسْفَارُ جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا، وَهُوَ جَمْعُ سِفْرٍ بِكَسْرِ السِّينِ، وَهُوَ الْكِتَابُ وَقَدْ مَرَّ عَنْ قَرِيبٍ). [عمدة القاري: 19 / 279-280]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( يُقَالُ: واحدُ الأسفارِ سِفْرٌ وهي الْكُتُبُ الْعِظَامُ. وَسَقَطَ: يُقَالُ لأَبِي ذَرٍّ). [إرشاد الساري: 7 / 412]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، حدّثنا قتادة، قال: سمعت زرارة بن أوفى، يحدّث عن سعد بن هشامٍ، عن عائشة، عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «مثل الّذي يقرأ القرآن، وهو حافظٌ له مع السّفرة الكرام البررة، ومثل الّذي يقرأ، وهو يتعاهده، وهو عليه شديدٌ فله أجران»). [صحيح البخاري: 6 / 166]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قَولُهُ: عَن سَعْدِ بنِ هِشَامٍ أي: ابنِ عَامِرٍ الأنصَارِيِّ، لأبِيهِ صُحبَةٌ، ولَيس لَه في البُخَارِيِّ سِوَى هَذَا المَوضِعِ، وآخَرَ مُعَلَّقٌ في المَنَاقِبِ.
قولُهُ: (مَثَلُ) بفَتْحَتَينِ أي: صِفَتُهُ وهو كقَولِه تَعَالَى: {مَثَلُ الجَنَّةِ}.
قولُهُ: (وهو حَافِظٌ لَه مع السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ) قَالَ ابنُ التِّينِ: معنَاهُ كأنَّه معَ السَّفَرَةِ فِيمَا يَستَحِقُّهُ منَ الثَّوابِ. قُلتُ: أَرَادَ بِذَلِكَ تَصحِيحَ التَّركِيبِ، وإلا فظَاهِرُهُ أنَّه لا رَبْطَ بَينَ المُبتَدَأِ الذي هو: مَثَلُ، والخَبَرِ الذي هُو: مَعَ السَّفَرَةِ، فكأنُهَ قَالَ: المَثَلُ بمعنى الشَّبِيهِ، فيَصِيرُ كأنَّه قَالَ: شَبِيهُ الذي يَحفَظُ كَائِنٌ مَعَ السَّفَرةِ فكَيفَ بِه.
وقَالَ الخَطَّابِيُّ: كأنَّه قَالَ: صِفَتُهُ وهُو حَافِظٌ لَه كأنه مَعَ السَّفَرَةِ، وصِفَتُهُ وهُو عَلَيه شَدِيدٌ أن يَستَحِقَّ أَجرَينِ.
قولُهُ: (ومثلُ الذي يقْرَأُ القُرآنَ وهُو يتَعَاهَدَهُ وهُو عَلَيه شَدِيدٌ فلَه أَجرَانِ) قَالَ ابنُ التِّينِ: اختُلِفَ هل لَه ضِعْفُ أَجرِ الذي يَقرَأُ القُرآنَ حَافِظًا أو يُضَاعَفُ لَه أَجرُهُ، وأجرُ الأوَّلِ أعظمُ؟ قَالَ: وهذا أظْهَرُ، ولمن رَجَّحَ الأوَّلَ أن يَقُولَ: الأجرُ علَى قَدرِ المَشَقَّةِ). [فتح الباري: 8 / 693]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بنِ هِشامٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ:«مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَؤهُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أجْرَانِ»
مُطَابَقَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} وَسَعْيدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ، وَلأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلاَّ هَذَا الْمَوْضِعُ، وَآخَرُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَنَاقِبِ.
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِيهِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلاَنَ، وأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِيهِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، وَفِي التَّفْسِيِر عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، وأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي ثَوَابِ الْقُرْآنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ.
قَوْلُهُ: «مَثَلُ الَّذِي» بَفَتْحَتَيْنِ أَيْ: صِفَتُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} قَوْلُهُ: «وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ» أَيْ: لِلْقُرْآنِ وَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ قَوْلُهُ: «مَعَ السَّفَرَةِ» ويُرْوَى: مِثْلُ السَّفَرَةِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: كَأَنَّهُ مَعَ السَّفَرَةِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الثَّوَابِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَفْظُ مَثَلُ زَائِدٌ، وَإِلاَّ فَلاَ رَابِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّفَرَةِ؛ لأَنَّهُمَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ أَيْ كَائِنٌ مَعَهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ: مَثَلُ بِمَعْنَى مَثِيلٍ بِمَعْنَى شَبِيهٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: شَبِيهُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، قَوْلُهُ: (وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ) أَيْ: يَضْبِطُهُ وَيَتَفَقَّدُهُ قَوْلُهُ: «وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ» أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ التَّعَاهُدَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ قَوْلُهُ: «فَلَهُ أَجْرَانِ» مِنْ حَيْثُ التِّلاَوَةُ، ومِنْ حَيْثُ الْمَشَقَّةُ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى كَوْنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ؟ قُلْتُ: لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنَازِلُ فَيَكُونُ فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلاَئِكَةِ؛ لاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِهِمْ مِنْ حَمْلِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَالآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَامِلٌ بِعَمَلِ السَّفَرَةِ وَسَالِكٌ مَسْلَكَهُمْ). [عمدة القاري: 19 / 280]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وبه قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى -بفَتْحِ الْفَاءِ والْهَمْزَةِ- يُحَدِّثُ عن سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الأَنْصَارِيِّ عن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنها-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» بِفَتْحِ الْمِيمِ والمُثَلَّثَةِ صِفَتُهُ، «وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ» لا يَتَوَقَّفُ فيه ولا يَشُقُّ عليه لجوْدَةِ حِفْظِهِ وإِتْقَانِهِ كَوْنُهُ «مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ» جمعُ سَافِرٍ ككَاتِبٍ وكَتَبَةٍ، وهُمُ الرُّسُلُ؛ لأَنَّهُمْ يَسْفِرُونَ إلى النَّاسِ برسالاتِ اللَّهِ. ولأَبِي ذَرٍّ زِيَادَةُ الْبَرَرَةِ أي: المطِيعِينَ، أو المرادُ أن يَكُونَ رَفِيقًا للملائكةِ السَّفَرَةِ؛ لاتِّصَافِ بَعْضِهِمْ بِحَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ، أو المرَادُ أَنَّهُ عَامِلٌ بِعَمَلِهِمْ وَسَالِكٌ مَسَالِكَهُمْ من كَوْنِ أَنَّهُمْ يَحْفَظُونَهُ وَيُؤَدُّونَهُ إلى المؤْمِنِينَ، وَيَكْشِفُونَ لهم ما يَلْتَبِسُ عَلَيْهِمْ. «وَمَثَلُ الَّذِي»أي وَصِفَةُ الَّذِي «يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُه وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ» لضَعْفِ حِفْظِهِ مِثْلَ مَنْ يُحَاوِلُ عِبَادَةً شَاقَّةً يَقُومَ بِأَعْبَائِهَا مَعَ شِدَّتِهَا وَصُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ «فَلَهُ أَجْرَانِ» أَجْرُ الْقِرَاءَةِ وَأَجْرُ التَّعَبِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَجْرَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ الْمَاهِرِ، بَلِ الأَوَّلُ أَكْثَرُ، ولِذَا كَانَ مع السَّفَرَةِ، ولمن رَجَّحَ ذلك أنْ يَقُولَ: الأجْرُ على قَدْرِ المَشََقَّةِ لكن لا نُسَلِّمُ أنَّ الحافظَ الماهِرَ خَالٍ عن مَشَقَّةٍ؛ لأنَّهُ لا يَصِيرُ كذلك إِلاَّ بعد عَناءٍ كثيرٍ وَمَشَقَّةٍ شديدةٍ غالبًا، والْوَاوُ في قَوْلِهِ: «وَهُوَ حَافِظٌ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ» ولاحِقِهِ؛ الثَّلاَثَةُ لِلْحَالِ، وَجَوابُ المُبتدَأِ الَّذِي هو مَثَلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: كَوْنُهُ في الأوَّلِ، وَمَثَلُ مَنْ يُحَاوِلُ في الثَّانِي، كما مَرَّ). [إرشاد الساري: 7 / 412]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: «وهو حافظ له» أي: ماهر فيه لا يشق عليه. قوله: (فله أجران) أي: أجر القراءة وأجر التعب، وليس المراد أن أجره أكثر من أجر الماهر بل الماهر أكثر، ولذا كان مع السفرة). [حاشية السندي على البخاري: 3 / 78]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}، يقولُ: الصحُفُ المُكَرَّمَةُ بأيدِي سَفَرَةٍ، وهُوَ جَمْعُ سَافِرٍ.
واخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ فيهم ما هُم؛ فقالَ بعضُهم: همْ كَتَبَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قالَ: ثَنَا أبو صالِحٍ قالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عنْ عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}، يقولُ: كَتَبَةٍ.
- حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ في قَوْلِهِ: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}، قالَ: الكَتَبَةُ.
وقالَ آخَرُونَ: هم القُرَّاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قولُهُ: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}، قالَ: هم القُرَّاءُ.
وقالَ آخَرُونَ: هم الملائِكَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
- حَدَثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ قالَ: ثَنِي أَبِي قالَ: ثَنِي عَمِّي قالَ: ثَنِي أَبِي، عنْ أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، يعنِي: الملائِكَةَ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، قالَ: السَّفَرَةُ الذينَ يُحْصُونَ الأَعْمَالَ.
وَأَوْلَى الأقوالِ في ذلكَ بالصَّوَابِ قوْلُ مَن قالَ: هم الملائكةُ الذينَ يَسْفِرُونَ بينَ اللَّهِ ورُسُلِهِ بالوَحْيِ. وسَفِيرُ القَوْمِ: الذي يَسْعَى بينَهم بالصُّلْحِ، يُقالُ: سَفَرْتُ بينَ القوْمِ، إذا أَصْلَحْتَ بينَهم، ومِنهُ قوْلُ الشاعِرِ:
وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي ....... وَمَا أَمْشِي بِغِشٍّ إِنْ مَشَيْتُ
وإذا وُجِّهَ التأويلُ إلى ما قُلْنَا، احْتَمَلَ الوجهَ الذي قالَهُ القائِلُونَ: هم الكَتَبَةُ، والذي قالَهُ القائِلونَ: هم القُرَّاءُ؛ لأنَّ الملائكةَ هيَ التي تَقْرَأُ الكُتُبَ، وتَسْفِرُ بينَ اللَّهِ وبينَ رُسُلِهِ). [جامع البيان: 24/ 108-109]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}؛ قَالَ: هي عندَ اللَّهِ، {بأَيْدِي سَفَرَةٍ}. قَالَ: هم القُرَّاءُ). [الدر المنثور: 15 / 244] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عَنْ قَتَادَةَ: {بأَيْدِي سَفَرَةٍ}؛ قَالَ: كَتَبَةٍ). [الدر المنثور: 15 / 244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, عن وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ: {بأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ}؛ قَالَ: هم أصحابُ محمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ). [الدر المنثور: 15/ 244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: السَّفَرةُ: الكَتَبَةُ الملائكةُ). [الدر المنثور: 15 / 244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ من طريقِ عَلِيٍّ, عن ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {بأَيْدِي سَفَرَةٍ}؛ قَالَ: كَتَبَةٍ.
- وأخْرَجَ الخَطِيبُ في تاريخِه عن عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ مثلَه). [الدر المنثور: 15 / 245]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ وَابنُ أبي حَاتِمٍ, عن ابنِ عَبَّاسٍ: {سَفَرَةٍ}؛ قَالَ: بالنَّبَطَيَّةِ: القُرَّاءُ). [الدر المنثور: 15 / 245]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ أحمدُ والبُخارِيُّ ومُسلمٌ وأَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَهْ, عن عائشةَ قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ:«الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ, والَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ»). [الدر المنثور: 15/ 245]
تفسير قوله تعالى: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، والبَرَرَةُ: جَمْعُ بَارٍّ، كما الكَفَرَةُ جَمْعُ كَافِرٍ، والسَّحَرَةُ جمعُ سَاحِرٍ، غيرَ أنَّ المعروفَ مِنْ كلامِ العَرَبِ إذا نَطَقُوا بواحِدِهِ أنْ يَقُولُوا: رَجُلٌ بَرٌّ، وامْرَأَةٌ بَرَّةٌ، وإذَا جَمَعُوا رَدُّوهُ إلى جَمْعِ فاعِلٍ، كما قَالُوا: رَجُلٌ سَرِيٌّ، ثمَّ قالُوا في جَمْعِهِ: قَوْمٌ سَرَاةٌ، وكانَ القِياسُ في واحِدِهِ أنْ يكونَ سَارِياً. وقدْ حُكِيَ سَمَاعاً مِنْ بعضِ العَرَبِ: قَوْمٌ خِيَرَةٌ بَرَرَةٌ، وواحِدُ الخِيَرَةِ: خَيْرٌ، والبَرَرَةُ: بَرٌّ). [جامع البيان: 24 / 109-110]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عن ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}؛ قَالَ: الملائكةُ). [الدر المنثور: 15 / 245]
تفسير قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}، يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لُعِنَ الإنسانُ الكافرُ ما أَكْفَرَهُ!
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلك قالَ مُجَاهِدٌ.
حَدَّثَنِي مُوسَى بنُ عبدِ الرحمنِ المَسْرُوقِيُّ قالَ: ثَنَا عبدُ الحميدِ الحِمَّانِيُّ، عن الأَعْمَشِ، عنْ مُجَاهِدٍ قالَ: ما كانَ في القرآنِ: {قُتِلَ الإِنْسَانُ} أوْ فُعِلَ بالإنسانِ، فإِنَّما عُنِيَ بهِ الكافِرُ.
حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}، بَلَغَنِي أَنَّهُ الكافِرُ.
وفي قَوْلِهِ: {أَكْفَرَهُ} وجْهَانِ:
أحدُهما: التَّعَجُّبُ مِنْ كُفْرِهِ، معَ إحسانِ اللَّهِ إليهِ، وأيَادِيهِ عندَهُ.
والآخَرُ: ما الذي أَكْفَرَهُ؟ أيْ: أيُّ شَيْءٍ أَكْفَرَهُ؟ ). [جامع البيان: 24 / 110]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}؛ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ حِينَ قَالَ: كَفَرْتُ برَبِّ النَّجْمِ إِذَا هَوَى، فدَعا عليهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ فأَخَذَهُ الأَسَدُ بِطَرِيقِ الشَّامِ). [الدر المنثور: 15 / 245-246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ما كانَ في القرآنِ: {قُتِلَ الإِنْسَانُ} إِنَّمَا عَنَى بِهِ الكَافِرَ). [الدر المنثور: 15 / 246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن ابنِ جُرَيْجٍ: {مَا أَكْفَرَهُ}؛ قَالَ: مَا أَشَدَّ كُفْرَهُ. وفي قَوْلِهِ: {خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}. قَالَ: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ كَذَا ثُمَّ كذا ، ثم انْتَهَى خَلْقُه). [الدر المنثور: 15 / 246]
تفسير قوله تعالى: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مِنْ أيِّ شيءٍ خَلَقَ الإنسانَ الكافِرَ رَبُّهُ حِينَ يَتَكَبَّرُ ويَتَعَظَّمُ عنْ طاعةِ ربِّهِ، والإقرارِ بتوحيدِهِ). [جامع البيان: 24 / 111]
تفسير قوله تعالى: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثم بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الذي مِنهُ خَلَقَهُ، فقالَ: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} أحوالاً: نُطْفَةً تارَةً، ثمَّ عَلَقَةً أُخْرَى، ثمَّ مُضْغَةً، إلى أنْ أتَتْ عليهِ أحوالُهُ، وهوَ في رَحِمِ أُمِّهِ). [جامع البيان: 24 / 111]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن ابنِ جُرَيْجٍ: {مَا أَكْفَرَهُ}؛ قَالَ: مَا أَشَدَّ كُفْرَهُ، وفي قَوْلِهِ: {خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}؛ قَالَ: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ كَذَا ثُمَّ كذا ، ثم انْتَهَى خَلْقُه). [الدر المنثور: 15 / 246] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: {خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}؛ قَالَ: قَدَّرَهُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ كَيْفَ شَاءَ). [الدر المنثور: 15 / 246]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {ثم السبيل يسره}؛ قال: خروجه من بطن أمه). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 348]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال ابن جريج: عن مجاهد، في قوله تعالى: {ثم السبيل يسره}؛ قال: الشقاء والسعادة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 348]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر، وقال الحسن: سبيل الخير). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 348]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، يقولُ: ثمَّ يَسَّرَهُ للسَّبِيلِ، يعنِي: للطريقِ.
واخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في السبيلِ الذي يَسَّرَهُ لها، فقالَ بعضُهم: هوَ خُروجُهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
- حَدَثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ قالَ: ثَنِي أَبِي قالَ: ثَنِي عَمِّي قالَ: ثَنِي أَبِي، عنْ أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} يعنِي بذلكَ: خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَسَّرَهُ لَهُ.
- حَدَّثَنِي ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ إسماعيلَ، عنْ أبي صالِحٍ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، قالَ: سَبِيلَ الرَّحِمِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عن السُّدِّيِّ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، قالَ: خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِ أمِّهِ.
- حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} قالَ: خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، قالَ: أَخْرَجَهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ معنَى ذلكَ: طَرِيقُ الحَقِّ والباطِلِ، بَيَّنَّاهُ لَهُ وأَعْلَمْنَاهُ، وسَهَّلْنَا لهُ العَمَلَ بهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ منصورٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، قالَ: هُو كَقَوْلِهِ: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قالَ: ثَنَا عِيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: قولُهُ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، قالَ: على نَحْوِ: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ قالَ: سَبِيلَ الشَّقَاءِ والسعادَةِ، وهوَ كقولِهِ: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}.
- حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ قالَ: قالَ الحَسَنُ في قَوْلِهِ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، قالَ: سَبِيلَ الخَيْرِ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، قالَ: هدَاهُ للإِسْلامِ والدِّينِ يَسَّرَهُ لَهُ، وأَعْلَمَهُ بهِ، و{السَّبِيلَ}: سبيلَ الإسلامِ.
وأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ في ذلكَ عِندي بالصوابِ قولُ مَن قالَ: ثُمَّ لطريقِ -وهوَ الخُرُوجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ- يَسَّرَهُ.
وإنَّما قُلْنَا ذلكَ أَوْلَى التأويليْنِ بالصوابِ؛ لأنَّهُ أَشْبَهَهُما بظاهِرِ الآيَةِ، وذلكَ أنَّ الخبَرَ مِن اللَّهِ قَبْلَها وبعدَها عنْ صِفَةِ خَلْقِهِ، وتدْبِيرِهِ جِسْمَهُ، وتَصْرِيفِهِ إِيَّاهُ في الأحوالِ، فالأَوْلَى أنْ يكونَ أوْسَطُ ذلكَ نَظِيرَ ما قبلَهُ وبعدَهُ). [جامع البيان: 24/ 111-113]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (حدثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {ثم السبيل يسره} قال: هو مثل قوله: {إنا هديناه السبيل}). [تفسير مجاهد: 2/ 730]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ , عن ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}؛ يعني بذلك خُرُوجَهُ مِن بَطْنِ أُمِّهِ, يَسَّرَهُ لَهُ). [الدر المنثور: 15 / 246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عَنْ عِكْرِمَةَ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}؛ قَالَ: خُرُوجُهُ مِنَ الرَّحِمِ). [الدر المنثور: 15 / 246]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عَنْ قَتَادَةَ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}؛ قَالَ: خُرُوجُه مِن بَطْنِ أُمِّه وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ). [الدر المنثور: 15 / 246-247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن أبي صالِحٍ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}؛ قَالَ: خُرُوجُه مِنَ الرَّحِمِ). [الدر المنثور: 15 / 247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}؛ قَالَ: هو كقَوْلِه: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}: الشَّقَاءُ والسَّعَادَةُ). [الدر المنثور: 15 / 247]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ, عن محمدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قَالَ: قرَأْتُ في التوراةِ -أو قَالَ: في صُحُفِ إبراهيمَ- فوَجَدْتُ فيها: يَقُولُ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي، خَلَقْتُكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً، وجَعَلْتُكَ بَشَراً سَوِيًّا، خَلَقْتُكَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْتُكَ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْتُ النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فخَلَقْتُ العَلَقَةَ مُضْغَةً، فخَلَقْتُ المُضْغَةَ عِظَاماً، فكَسَوْتُ العِظَامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْتُكَ خَلْقاً آخَرَ؛ يَا ابْنَ آدَمَ, هَلْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرِي؟ ثُمَّ خَفَّفْتُ ثِقَلَكَ علَى أُمِّكَ؛ حَتَّى لا تَتَبَرَّمَ بِكَ ولا تَتَأَذَّى، ثُمَّ أَوْحَيْتُ إِلَى الأَمْعَاءِ أَنِ اتَّسِعِي، وإِلَى الجَوَارِحِ أَنْ تَفَرَّقِي؛ فَاتَّسَعَتِ الأَمْعَاءُ مِن بَعْدِ ضِيقِهَا، وتَفَرَّقَتِ الجَوَارِحُ مِنْ بَعْدِ تَشْبِيكِهَا، ثُمَّ أَوْحَيْتُ إِلَى المَلَكِ المُوَكَّلِ بالأَرْحَامِ أَنْ يُخْرِجَكَ مِن بَطْنِ أُمِّكَ فاسْتَخْلَصَكَ علَى رِيشَةٍ مِن جَنَاحِهِ، فاطَّلَعْتُ عَلَيْكَ فإِذَا أَنْتَ خَلْقٌ ضَعِيفٌ، لَيْسَ لَكَ سِنٌّ يَقْطَعُ, ولا ضِرْسٌ يَطْحَنُ، فاسْتَخْلَصْتُ لَكَ فِي صَدْرِ أُمِّكَ عِرْقاً يَدِرُّ لَكَ لَبَناً بَارِداً في الصَّيْفِ، حَارًّا في الشِّتَاءِ، واسْتَخْلَصْتُهُ لَكَ مِنْ بَيْنِ جِلْدٍ ولَحْمٍ ودَمٍ وعُرُوقٍ، ثُمَّ قَذَفْتُ لَكَ فِي قَلْبِ وَالِدَتِكَ الرَّحْمَةَ، وفي قَلْبِ أَبِيكَ التَّحَنُّنَ، فهما يَكُدَّانِ ويَجْهَدانِ ويُرَبِّيانِكَ ويُغَذِّيانِكَ, ولا يَنَامَانِ حَتَّى يُنَوِّمَاكَ؛ ابنَ آدَمَ, أَنَا فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ لا لِشَيْءٍ اسْتَأْهَلْتَهُ بِهِ مِنِّي أو لحَاجَةٍ اسْتَعَنْتُ عَلَى قَضَائِهَا؛ ابنَ آدَمَ, فلَمَّا قَطَعَ سِنُّكَ وَطَحَنَ ضِرْسُكَ أَطْعَمْتُكَ فَاكِهَةَ الصَّيْفِ في أَوَانِهَا وفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي أَوَانِهَا، فَلَمَّا أَنْ عَرَفْتَ أَنِّي رَبُّكَ عَصَيْتَنِي، فالآنَ إِذْ عَصَيْتَنِي فَادْعُنِي؛ فإِنِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ, وَادْعُنِي فإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ). [الدر المنثور: 15 / 247-248]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)}
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: {فَأَقْبَرَهُ} يُقَالُ: أَقبَرتُ الرَّجُلَ جَعَلتُ له قَبْرًا وقَبَرتُهُ دَفَنتُهُ.
قَالَ الفَرَّاءُ في قَولِهِ تَعَالَى: {ثم أَمَاتَهُ فَأَقبَرَهُ}: جَعَلَهُ مَقبُورًا، ولم يَقُلْ: قَبَرَهُ؛ لأنَّ القَابِرَ هو الدَّافِنُ. وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ في قَولِهِ: فأَقبَرَهُ: أَمَرَ بأنْ يُقبَرَ، جَعَلَ له قَبرًا، والذي يَدفِنُ بِيَدِهِ هو القَابِرُ). [فتح الباري: 8 / 693]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {فَأقْبَرَهُ}؛ يُقالُ: أقْبَرْتُ الرَّجُلَ جَعَلْتُ لَهُ قَبْرًا، قَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ.
أَشَارَ به إِلَى قِوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}؛ قَوْلُهُ: يُقَالُ إِلَى آخِرِهِ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: جَعَلْتُهُ مَقْبُورًا، وَلَمْ يَقُلْ: قَبَرَهُ؛ لأَنَّ الْقَابِرَ هُوَ الدَّافِنُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَأَقْبَرَهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا وَالَّذِي يَدْفِنُ بِيَدِهِ هُوَ الْقَابِرُ). [عمدة القاري: 19 / 280]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}، يقولُ: ثُمَّ قَبَضَ رُوحَهُ، فأَمَاتَهُ بعدَ ذَلكَ. يعنِي بقولِهِ: {فَأَقْبَرَهُ}: صَيَّرَهُ ذَا قَبْرٍ، والقابِرُ: هوَ الدافِنُ المَيِّتَ بيدِهِ، كما قالَ الأعشَى:
لَوْ أَسْنَدْتَ مَيْتاً إِلَى نَحْرِهَا ....... عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَى قَابِرِ
والمُقْبِرُ: هوَ اللَّهُ، الذي أَمَرَ عِبادَهُ أنْ يُقْبِرُوهُ بعدَ وَفَاتِهِ، فصَيَّرَهُ ذا قَبْرٍ. والعرَبُ تقولُ فيما ذُكِرَ لي: بَتَرْتُ ذَنَبَ البَعِيرِ واللَّهُ أَبْتَرَهُ، وعَضَبْتُ قَرْنَ الثوْرِ واللَّهُ أَعْضَبَهُ، وطَرَدْتُ عَنِّي فُلاناً واللَّهُ أَطْرَدَهُ، صَيَّرَهُ طَرِيداً). [جامع البيان: 24 / 113]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}، يقولُ: ثُمَّ إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْشَرَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَأَحْيَاهُ، يُقالُ: أَنْشَرَ اللَّهُ المَيِّتَ، بِمَعْنَى: أَحْيَاهُ، ونَشَرَ المَيِّتُ بمعنَى حَيِيَ هوَ بنَفْسِهِ، ومِنهُ قوْلُ الأعشَى:
حَتَّى يَقُولَ الناسُ مِمَّا رَأَوْا ....... يَا عَجَباً لِلمَيِّتِ النَّاشِرِ).
[جامع البيان: 24/ 114]
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {لمّا يقض} : «لا يقضي أحدٌ ما أمر به»). [صحيح البخاري: 6 / 166]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: وقَالَ مُجَاهِد:{ لَمَّا يِقْضِ}: لا يَقْضِي أَحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ من طَرِيقِ ابنِ أَبِي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ بِلَفظِ: لا يَقْضِي أحَدٌ أَبَدًا مَا افتُرِضَ عليه). [فتح الباري: 8 / 692]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد: {لما يقض}؛ لا يقضي أحد ما أمر به
وقال ابن عبّاس: ترهقها قترة تغشاها شدّة مسفرة مشرقة بأيدي سفرة قال ابن عبّاس كتبة أسفارا كتبا تلهى تشاغل انتهى
أما قول مجاهد: فقال الفريابيّ، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {كلا لما يقض ما أمره} قال: لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه). [تغليق التعليق: 4 / 360]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا يَقْضِ: لاَ يَقْضِي أحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ.
أي قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} وَتَفْسِيرُهُ ظَاهِرٌ، وَأُمِرَ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَرَوَاهُ عَبْدٌ عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَلَفْظُهُ: لاَ يَقْضِ أَحَدٌ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ). [عمدة القاري: 19 / 279]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فيما وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ {لَمَّا يَقْضِ} أي: لا يَقْضِي أَحَدٌ مِن لَدُنْ آدَمَ إلى هذه الغايَةِ مَا أُمِرَ بِهِ -بضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا للمَفْعُولِ-؛ إِذْ لم يخْلُ أَحَدٌ من تقصيرٍ ما). [إرشاد الساري: 7 / 412]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}، يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كلاَّ لَيْسَ الأَمْرُ كمَا يَقُولُ هذا الإنسانُ الكافِرُ مِنْ أنَّهُ قَدْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ عليهِ في نفسِهِ ومالِهِ، {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}: لَمْ يُؤَدِّ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ مِن الْفَرَائِضِ رَبُّهُ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قالَ: ثَنَا عيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: قولُهُ: {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}، قالَ: لا يَقْضِي أَحَدٌ أَبَداً مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ. وقالَ الحارِثُ: كُلَّ ما افْتُرِضَ عليهِ). [جامع البيان: 24 / 114]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {كلا لما يقض ما أمره}؛ يقول: لا يقضي أحد أبدا كل ما فرض عليه). [تفسير مجاهد: 2/ 730-731]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}؛ قَالَ: لا يَقْضِي أَحَدٌ أَبَداً كُلَّ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ). [الدر المنثور: 15 / 248]