تفسير قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني يحيى بن أيوب عن عمرو بن الحارث عن ربيعة في قول الله: {حتى إذا بلغ أشده}، قال: أشده الحلم.
قال: وحدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه مثله.
وقال مالك بن أنس مثله). [الجامع في علوم القرآن: 1/26-27]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم أنّه بلغه أنّ النّبيّ عليه السّلام قال: إنّ العبد إذا أسلم كتب له بكلّ حسنةٍ كان زلفها حسنةٌ وغفر له كلّ سيّئةٍ زلفها، فما عمل بعد ذلك من حسنةٍ كتب له بها عشر أمثالها، وما عمل من سيئةٍ كتب عليه سيّئةٌ مثلها؛
قال سعدٌ: فسألت زيد بن أسلم: هل تعرفه في القرآن، فقال: نعم، يقول اللّه: {حتّى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنةً قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت علي وعلى والداي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأصلح لي في ذرّيّتي إنّي تبت إليك وإنّي من [المسلمين] (15) أولئك الّذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب [الجنة]}، قال: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلا مثلها). [الجامع في علوم القرآن: 2/15-16]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول في هذه الآية: {حتى إذا بلغ أشده}، قال ربيعة: الأشد الحلم؛ وتلا هذه الآية: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}، قال ربيعة: وقال الله: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}؛ فكان ربيعة يرى أن الأشد الحلم [في هتين] الآيتين). [الجامع في علوم القرآن: 2/110]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى حملته أمه كرها ووضعته كرها قالا حملته من مشقة ووضعته من مشقة). [تفسير عبد الرزاق: 2/216]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى حتى إذا بلغ أشهده ثلاث وثلاثون سنة وتلا قتادة وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك حتى المسلمين قال وقد مضى من سني عمله ما مضى). [تفسير عبد الرزاق: 2/217]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ووصّينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمّه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا حتّى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنةً قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحًا ترضاه وأصلح لي في ذرّيّتي إنّي تبت إليك وإنّي من المسلمين}.
يقول تعالى ذكره: ووصّينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إيّاهما أيّام حياتهما، والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إحسانًا} فقرأته عامّة قرأة المدينة والبصرة (حسنًا) بضمّ الحاء على التّأويل الّذي وصفت وقرأ ذلك عامّة قرأة الكوفة {إحسانًا} بالألف، بمعنى: ووصّيناه بالإحسان إليهما، وبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ، لتقارب معاني ذلك، واستفاضة القراءة بكلّ واحدةٍ منهما في القرّاء.
وقوله: {حملته أمّه كرهًا ووضعته كرهًا} يقول تعالى ذكره: ووصّينا الإنسان بوالديه إحسانًا برًّا بهما، لما كان منهما إليه حملاً ووليدًا وناشئًا، ثمّ وصف جلّ ثناؤه ما لديه من نعمة أمّه، وما لاقت منه في حال حمله ووضعه، ونبّهه على الواجب لها عليه من البرّ، واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصّحبة، فقال: {حملته أمّه} يعني في بطنها كرهًا، يعني مشقّةً، {ووضعته كرهًا} يقول: وولدته كرهًا يعني مشقّةً.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {حملته أمّه كرهًا ووضعته كرهًا} يقول: حملته مشقّةً، ووضعته مشقّةً.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، والحسن، في قوله: {حملته أمّه كرهًا ووضعته كرهًا} قالا: حملته في مشقّةٍ، ووضعته في مشقّةٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {حملته أمّه كرهًا} قال: مشقّةً عليها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {كرهًا} [النساء: ] فقرأته عامّة قرأة المدينة والبصرة (كرهًا) بفتح الكاف، وقرأته عامّة قرأة الكوفة {كرهًا} [النساء: ] بضمّها، وقد بيّنت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح وإذا ضمّ في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان معروفتان، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
- وقوله: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} يقول تعالى ذكره: وحمل أمّه إيّاه جنينًا في بطنها، وفصالها إيّاه من الرّضاع، وفطمها إيّاه، شرب اللّبن ثلاثون شهرًا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وفصاله}، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار غير الحسن البصريّ: {وحمله وفصاله} بمعنى: فاصلته أمّه فصالاً ومفاصلةً وذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأه: (وحمله وفصله) بفتح الفاء بغير ألفٍ، بمعنى: وفصل أمّه إيّاه.
والصّواب من القول في ذلك عندنا، ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه.
- وقوله: {حتّى إذا بلغ أشدّه} اختلف أهل التّأويل في مبلغ حدّ ذلك من السّنين، فقال بعضهم: هو ثلاثٌ وثلاثون سنةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {أشدّه}: ثلاثٌ وثلاثون سنةً، واستواؤه أربعون سنةً، والعذر الّذي أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستّون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {حتّى إذا بلغ أشدّه} قال: ثلاثًا وثلاثين.
وقال آخرون: هو بلوغ الحلم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مجالدٌ، عن الشّعبيّ، قال: الأشدّ: الحلم إذا كتبت له الحسنات، وكتبت عليه السّيّئات.
وقد بيّنّا فيما مضى الأشدّ جمع شدٍّ، وأنّه تناهي قوّته واستوائه وإذا كان ذلك كذلك، كان الثّلاث والثّلاثون به أشبه من الحلم، لأنّ المرء لا يبلغ في حال حلمه كمال قواه، ونهاية شدّته، فإنّ العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام، فعطفت ببعضٍ على بعضٍ جعلت كلا الوقتين قريبًا أحدهما من صاحبه، كما قال جلّ ثناؤه: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل ونصفه} ولا تكاد تقول أنا أعلم أنّك تقوم قريبًا من ساعةٍ من اللّيل وكلّه، ولا أخذت قليلاً من مالٍ أو كلّه، ولكن تقول: أخذت عامّة مالي أو كلّه، فكذلك ذلك في قوله: {حتّى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنةً} لا شكّ أنّ نسق الأربعين على الثّلاث والثّلاثين أحسن وأشبه، إذ كان يراد بذلك تقريب أحدهما من الآخر من النّسق على الخمس عشرة أو الثّمان عشرة.
وقوله: {وبلغ أربعين سنةً} ذلك حين تكاملت حجّة اللّه عليه، وسرت عنه جهالة شبابه وعرف الواجب للّه من الحقّ في برّ والديه.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وبلغ أربعين سنةً} وقد مضى من سيّئ عمله.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {وبلغ أربعين سنةً قال ربّ أوزعني} حتّى بلغ {من المسلمين} وقد مضى من سيء عمله ما مضى.
وقوله: {قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ وعلى والديّ} يقول تعالى ذكره: قال هذا الإنسان الّذي هداه اللّه لرشده، وعرف حقّ اللّه عليه فيما ألزمه من برّ والديه {ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك} [النمل: ] يقول: أغرني بشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ في تعريفك إيّاي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك، والعمل بطاعتك {وعلى والديّ} من قبلي، وغير ذلك من نعمك علينا، وألهمني ذلك وأصله من وزعت الرّجل على كذا: إذا دفعته عليه.
وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك
- ما: حدّثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أوزعني أن أشكر نعمتك} قال: اجعلني أشكر نعمتك.
وهذا الّذي قاله ابن زيدٍ في قوله: {ربّ أوزعني} وإن كان يؤوّل إليه معنى الكلمة، فليس بمعنى الإيزاع على الصّحّة.
وقوله: {وأن أعمل صالحًا ترضاه} يقول تعالى ذكره: أوزعني أن أعمل صالحًا من الأعمال الّتي ترضاها، وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم
- وقوله: {وأصلح لي في ذرّيّتي} يقول: وأصلح لي أموري في ذرّيّتي الّذين وهبتهم، بأن تجعلهم هداةً للإيمان بك، واتّباع مرضاتك، والعمل بطاعتك، فوصّاه جلّ ثناؤه بالبرّ بالآباء والأمّهات والبنين والبنات وذكر أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه.
وقوله: {إنّي تبت إليك وإنّي من المسلمين} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هذا الإنسان {إنّي تبت إليك} يقول: تبت من ذنوبي الّتي سلفت منّي في سالف أيامى إليك. {وإنّي من المسلمين} يقول: وإنّي من الخاضعين لك بالطّاعة، المستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك). [جامع البيان: 21/136-141]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد حملته أمه كرها ووضعته كرها يعني حملته بمشقة ووضعته بمشقة). [تفسير مجاهد: 2/593-594]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {حتّى إذا بلغ أشدّه} [الأحقاف: 15].
- عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه - عزّ وجلّ - {حتّى إذا بلغ أشدّه} [الأحقاف: 15] قال: ثلاثةٌ وثلاثون، وهو الّذي رفع عيسى بن مريم - صلّى اللّه عليه وسلّم -.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه صدقة بن يزيد وثّقه أبو زرعة وأبو حاتمٍ وضعّفه أحمد وجماعةٌ، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/106]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 15 - 16.
أخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا} إلى قوله: {وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}). [الدر المنثور: 13/321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {حملته أمه كرها} قال: مشقة عليها). [الدر المنثور: 13/321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قال: وحمله وفصله بغير ألف). [الدر المنثور: 13/322]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن بعجة بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماما لستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان فأمر برجمها فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فأتاه فقال: ما تصنع قال: ولدت تماما لستة أشهر وهل يكون ذلك قال علي رضي الله عنه: أما سمعت الله تعالى يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال: (حولين كاملين) (البقرة الآية 233) فكم تجده بقي إلا ستة أشهر فقال عثمان رضي الله عنه: والله ما فطنت لهذا علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها، وكان من قولها لأختها: يا أخيه لا تحزني فو الله ما كشف فرجي أحد قط غيره، قال: فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به، قال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا على فراشه). [الدر المنثور: 13/322]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر من طريق قتادة عن أبي حرب ابن أبي الأسود الدؤلي قال: رفع إلى عمر رضي الله عنه امرأة ولدت لستة أشهر فسأل عنها أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال علي رضي الله عنه: لا رجم عليها ألا ترى أنه يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال: (وفصاله في عامين) (لقمان 14) وكان الحمل ههنا ستة أشهر، فتركها عمر رضي الله عنه، قال: ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر). [الدر المنثور: 13/322-323]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال: إني لصاحب المرأة التي أتي بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك فقلت لعمر: لا تظلم، قال: كيف قلت: اقرأ {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} البقرة الآية 233 كم الحول قال: سنة، قلت: كم السنة قال: اثنا عشر شهرا، قلت: فأربعة وعشرين شهرا حولان كاملان ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم، قال: فاستراح عمر رضي الله عنه إلى قولي). [الدر المنثور: 13/323]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف قال: رفعت امرأة إلى عثمان رضي الله عنه ولدت لستة أشهر فقال عثمان: إنها قد رفعت إلي امرأة ما أراها إلا جاءت بشر فقال ابن عباس: إذا كملت الرضاعة كان الحمل ستة أشهر وقرأ (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)، فدرأ عثمان عنها). [الدر المنثور: 13/323]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرا وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا وإذا وضعت لستة أشهر فحولين كاملين لأن الله تعالى يقول {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}). [الدر المنثور: 13/323-324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق رضي الله عنه: متى يؤخذ الرجل بذنوبه قال: إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك.
وأخرج ابن الجوزي في كتاب الحدائق بسند ضعيف عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله أمر الحافظين فقال لهما رفقا بعبدي في حداثته فإذا بلغ الأربعين فاحفظا وحققا). [الدر المنثور: 13/324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الفتح الأزدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا من أتى عليه الأربعون سنة فلم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار). [الدر المنثور: 13/324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن مغول قال شكا أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف فقال طلحة رضي الله عنه: استعن عليه بهذه الآية {رب أوزعني أن أشكر نعمتك} الآية). [الدر المنثور: 13/324-325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني} الآية فاستجاب الله له فأسلم والداه جميعا وإخوانه وولده كلهم ونزلت فيه أيضا {فأما من أعطى واتقى} الآية (الليل الآية 5) إلى آخر السورة). [الدر المنثور: 13/325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {وأصلح لي في ذريتي} قال: اجعلهم لي صالحين). [الدر المنثور: 13/325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح الأمين قال: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فيقتص بعضها من بعض فإن بقيت له حسنة وسع الله له بها إلى الجنة قال: فدخلت على يزدان فحدثت مثل هذا الحديث قلت: فإن ذهبت الحسنة، قال {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا} الآية). [الدر المنثور: 13/325]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال دعا أبو بكر عمر رضي الله عنهما فقال له: إني موصيك بوصية أن تحفظها إن لله في الليل حقا لا يقبله بالنهار وحقا بالنهار لا يقبله بالليل إنه ليس لأحد نافلة حتى يؤدي الفريضة إنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقل ذلك عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يثقل وخفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة لاتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، ألم تر أن الله ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم فيقول: أين يبلغ عملك من عمل هؤلاء وذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم حتى يقول القائل أنا خير من عمل هؤلاء وذلك بأن الله تعالى رد عليهم أحسن أعمالهم ألم تر أن الله أنزل آية الشدة عند آية الرخاء وآية الرخاء عند آية الشدة ليكون المؤمن راغبا راهبا لئلا يلقى بيده إلى التهلكة ولا يتمنى على الله أمنية يتمنى على الله فيها غير الحق). [الدر المنثور: 13/325-326]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم أنّه بلغه أنّ النّبيّ عليه السّلام قال: إنّ العبد إذا أسلم كتب له بكلّ حسنةٍ كان زلفها حسنةٌ وغفر له كلّ سيّئةٍ زلفها، فما عمل بعد ذلك من حسنةٍ كتب له بها عشر أمثالها، وما عمل من سيئةٍ كتب عليه سيّئةٌ مثلها؛
قال سعدٌ: فسألت زيد بن أسلم: هل تعرفه في القرآن، فقال: نعم، يقول اللّه: {حتّى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنةً قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت علي وعلى والداي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأصلح لي في ذرّيّتي إنّي تبت إليك وإنّي من [المسلمين] (15) أولئك الّذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب [الجنة]}، قال: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلا مثلها). [الجامع في علوم القرآن: 2/15-16] (م)
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن الحسن؛ في قول الله تعالى: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: قال الحسن: ذاك لمن أراد اللّه هوانه، فأمّا من أراد اللّه كرامته فإنّه يتجاوز عن سيّئاته في أصحاب الجنّة {وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 485]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيّئاتهم في أصحاب الجنّة وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون}.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين هذه الصّفة صفتهم، هم الّذين يتقبّل عنهم أحسن ما عملوا في الدّنيا من صالحات الأعمال، فيجازيهم به، ويثيبهم عليه {ويتجاوز عن سيّئاتهم} يقول: ويصفح لهم عن سيّئات أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا، فلا يعاقبهم عليها {في أصحاب الجنّة} يقول: نفعل ذلك بهم فعلنا مثل ذلك في أصحاب الجنّة وأهلها الّذين هم أهلها.
- كما: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن الغطريف، عن جابر بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّوح الأمين، قال: يؤتى بحسنات العبد وسيّئاته، فيقتصّ بعضها فإن بقيت حسنةٌ وسّع اللّه له في الجنّة قال: فدخلت على يزداد، فحدّث بمثل هذا الحديث، قال: قلت: فإن ذهبت الحسنة؟ قال: {أولئك الّذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيّئاتهم} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: دعا أبو بكرٍ عمر رضي اللّه عنهما، فقال له: إنّي أوصيك بوصيّةٍ أن تحفظها: إنّ للّه في اللّيل حقًّا لا يقبله بالنّهار، وبالنّهار حقًّا لا يقبله باللّيل، إنّه ليس لأحدٍ نافلةٌ حتّى يؤدّي الفريضة، إنّه إنّما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحقّ في الدّنيا، وثقل ذلك عليهم، وحقّ لميزانٍ لا يوضع فيه إلاّ الحقّ أن يثقل، وخفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة، لاتّباعهم الباطل في الدّنيا، وخفّته عليهم، وحقّ لميزانٍ لا يوضع فيه إلاّ الباطل أن يخفّ، ألم تر أنّ اللّه ذكر أهل الجنّة بأحسن أعمالهم، فيقول قائلٌ: أين يبلغ عملي من عمل هؤلاء، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ تجاوز عن أسوأ أعمالهم فلم يبده، ألم تر أنّ اللّه ذكر أهل النّار بأسوإ أعمالهم حتّى يقول قائلٌ: أنا خيرٌ عملاً من هؤلاء، وذلك بأنّ اللّه ردّ عليهم أحسن أعمالهم، ألم تر أنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل آية الشّدّة عند آية الرّخاء، وآية الرّخاء عند آية الشّدّة، ليكون المؤمن راغبًا راهبًا، لئلاّ يلقي بيده إلى التّهلكة، ولا يتمنّى على اللّه أمنيةً يتمنّى على اللّه فيها غير الحقّ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (يتقبّل). (ويتجاوز) بضمّ الياء منهما، على ما لم يسمّ فاعله، ورفع (أحسن) وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة {نتقبّل}، {ونتجاوز} بالنّون وفتحها، ونصب {أحسن} على معنى إخبار اللّه جلّ ثناؤه عن نفسه أنّه يفعل ذلك بهم، وردًّا للكلام على قوله: {ووصّينا الإنسان} ونحن نتقبّل منهم أحسن ما عملوا ونتجاوز، وهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقوله: {وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون} يقول: وعدهم اللّه هذا الوعد، وعد الحقّ لا شكّ فيه أنّه موفٍ لهم به، الّذي كانوا إيّاه في الدّنيا يعدهم اللّه تعالى.
ونصب قوله: {وعد الصّدق} لأنّه مصدرٌ خارجٌ من قوله: {يتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيّئاتهم}، وإنّما أخرج من هذا الكلام مصدر وعد وعدًا، لأنّ قوله: {يتقبّل عنهم ويتجاوز} وعدٌ من اللّه لهم، فقال: وعد الصّدق، على ذلك المعنى). [جامع البيان: 21/141-143]