تفسير قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا ثعلبة بن مسلم، عن أيوب بن بشير، عن شفي الأصبحي، قال: إن في جهنم جبلًا يدعى صعودًا، يطلع فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يرقاه، قال الله: {سأرهقه صعودًا} [سورة المدثر:17] قال: وإن في جهنم قصرًا، يقال له: هوى، يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفًا قبل أن يبلغ أصله، قال الله: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} [سورة طه: 81]، وإن في جهنم واديًا يدعى أثامًا، فيه حيات وعقارب، في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة سم، والعقرب منهن مثل البغلة المؤكفة، تلدغ الرجل فلا تلهيه عما يجد من حر جهنم حمة لدغتها فهو لما خلق له، وإن في جهنم سبعين داءً لأهلها، كل داء مثلٍ جزءٍ من أجزاء جهنم، وإن في جهنم واديًا يدعى غيًا يسيل قيحًا ودمًا، فهو لما خلق له، قال الله: {فسوف يلقون غيًا} [سورة مريم:59] ). [الزهد لابن المبارك: 2/601]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث، عن غالب، عن مجاهد في قوله: {فخلف من بعدهم خلفٌ}، قال: النصارى). [الجامع في علوم القرآن: 1/45]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أزهر، عن عاصم بن عمر، عن محمّد بن طلحة، عن أبي عبيدة، عن عائشة زوج النّبيّ عليه السّلام أنّها سئلت عن قول اللّه: {فسوف يلقون غياً}، قالت: نهرٌ في جهنّم). [الجامع في علوم القرآن: 1/120]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أبو صخر عن القرظي أنه قال في هذه الآية: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}، يقول: ترك الصلاة). [الجامع في علوم القرآن: 2/72]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إبراهيم بن المهاجر عن مجاهدٍ في قوله: {فخلف من بعدهم خلف} قال: من هذه الأمة [الآية: 59].
سفيان [الثوري] عن جابرٍ عن مجاهدٍ مثله). [تفسير الثوري: 186]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأوزاعيّ عن القسم بن مخيمرة في قوله: {أضاعوا الصّلاة واتبعوا الشهوات} قال: تأخيرها عن مواقيتها ولو تركوها لكفروا [الآية: 59]). [تفسير الثوري: 186-187]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله {فسوف يلقون غيا} قال: وادٍ في جهنّم أو نهر في جهنم [الآية: 59]). [تفسير الثوري: 187]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : («غيًّا خسرانًا» ). [صحيح البخاري: 6/93]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله غيًّا خسرانًا ثبت لغير أبي ذرٍّ وقد وصله الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس وقال بن مسعودٍ الغيّ وادٍ في جهنّم بعيد القعر أخرجه الحاكم والطّبريّ ومن طريق عبد اللّه بن عمرو بن العاص مثله ومن طريق أبي أمامة مرفوعًا مثله وأتمّ منه). [فتح الباري: 8/427]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (غيًّا خسراناً
أشار به إلى قوله تعالى: {واتبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيا} . وفسّر (غياً) بقوله: (خسراناً) لم يثبت هذا لأبي ذر، وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس مثله، وعن ابن مسعود: الغي وادٍ في جهنّم بعيد القعر، أخرجه الحاكم، وعنه: الغي نهر في جهنّم، وعن عطاء: الغي واد في جهنّم يسيل قيحا ودماً، وعن كعب: هو واد في جهنّم أبعدها قعراً وأشدها حرا فيه بئر يسمى الهيم، كلما خبت جهنّم فتح الله تلك البئر فتسعر بها جهنّم). [عمدة القاري: 19/51]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال غيره) أي غير ابن عباس وسقط ذا لغير أبي ذر ({غيًا}) في قوله تعالى: {فسوف يلقون غيًا} [مريم: 59] أي (خسرانًا) وقيل واد في جهنم تستعيذ منه أوديتها وقيل شرًّا وكل خسران وهذا ساقط لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/232]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا}.
يقول تعالى ذكره: فحدث من بعد هؤلاء الّذين ذكرت من الأنبياء الّذين أنعمت عليهم، ووصفت صفتهم في هذه السّورة، خلف سوءٍ خلفوهم في الأرض أضاعوا الصّلاة.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة إضاعتهم الصّلاة، فقال بعضهم: كانت إضاعتهموها تأخيرهم إيّاها عن مواقيتها، وتضييعهم أوقاتها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، قال: حدّثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعيّ، عن موسى بن سليمان، عن القاسم بن مخيمرة، في قوله: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة} قال: إنّما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركًا كان كفرًا.
- حدّثنا إسحاق بن زيدٍ الخطّابيّ، قال: حدّثنا الفريابيّ، عن الأوزاعيّ، عن القاسم بن مخيمرة، نحوه.
- حدّثنا عبد الكريم بن أبي عميرٍ، قال: حدّثني الوليد بن مسلمٍ، عن أبي عمرٍو، عن القاسم بن مخيمرة، قال: أضاعوا المواقيت، ولو تركوها لصاروا بتركها كفّارًا.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعيّ، عن القاسم، بن مخيمرة فى قوله: {أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات} قال: لم يتركوا الصلوات ولو تركوها لصاروا كفاراً، ولكنهم أضاعوا المواقيت وصلوا الصلوات لغير وقتها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا عيسى، عن الأوزاعيّ، عن إبراهيم بن يزيد، أنّ عمر بن عبد العزيز، بعث رجلاً إلى مصر فى أمرٍ عجله للمسلمين، فخرج إلى حرسه، وقد كان تقدّم إليهم أن لا يقوموا إذا رأوه، قال: فأوسعوا له، فجلس بينهم فقال: أيّكم يعرف الرّجل الّذي بعثناه إلى مصر؟ فقالوا: كلّنا نعرفه، قال: فليقم أحدثكم سنًّا، فليدعه، فأتاه الرّسول فقال: لا تعجلني أشدّ عليّ ثيابي، فأتاه فقال: إنّ اليوم الجمعة، فلا تبرحنّ حتّى تصلّي، وإنّا بعثناك في أمرٍ أعجله للمسلمين، فلا يعجلنّك ما بعثناك له أن تؤخّر الصّلاة عن ميقاتها، فإنّك مصلّيها لا محالة، ثمّ قرأ: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا} ثمّ قال: لم يكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا الوقت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن المسعوديّ، عن القاسم بن عبد الرّحمن، والحسن بن سعدٍ، عن ابن مسعودٍ، أنّه قيل له: إنّ اللّه يكثر ذكر الصّلاة في القرآن {الّذين هم عن صلاتهم ساهون} و{على صلاتهم دائمون} و{على صلاتهم يحافظون} فقال ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه: على مواقيتها، قالوا: ما كنّا نرى ذلك إلاّ على التّرك، قال: ذاك الكفر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا عمر أبو حفصٍ الأبّار، عن منصور بن المعتمر، قال: قال مسروقٌ: لا يحافظ أحدٌ على الصّلوات الخمس، فيكتب من الغافلين، وفي إفراطهنّ الهلكة، وإفراطهنّ: إضاعتهنّ عن وقتهنّ.
وقال آخرون: بل كانت إضاعتهموها: تركها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا أبو صخرٍ، عن القرظيّ، أنّه قال في هذه الآية {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات} يقول: تركوا الصّلاة.
وأولى التّأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية، قول من قال: كانت إضاعتهموها تركهم إيّاها لدلالة قول اللّه تعالى ذكره بعده على أنّ ذلك كذلك، وذلك قوله جلّ ثناؤه: {إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحًا} فلو كان الّذين وصفهم بأنّهم ضيّعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن، وهم مؤمنون ولكنّهم كانوا كفّارًا لا يعملون للّه، ولا يؤدّون إليه فريضةً، فسقةً قد آثروا شهوات أنفسهم على طاعة اللّه.
وقد قيل: إنّ الّذين وصفهم اللّه بهذه الصّفّة قومٌ من هذه الأمّة يكونون في آخر الزّمان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا} قال: عند قيام السّاعة، وذهاب صالحي أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ينزو بعضهم على بعضٍ في الأزقّة قال محمّد بن عمرٍو: زنًا. وقال الحارث: زناةٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله، وقال: زنًا، كما قال ابن عمرو.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن عكرمة، ومجاهدٍ، وعطاء بن أبي رباحٍ، {فخلف من بعدهم خلفٌ}.. الآية، قال: هم أمّة محمّدٍ.
- وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الأشيب، قال: حدّثنا شريكٌ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهد، في قول اللّه: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة} قال: هم في هذه الأمّة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطّرق، لا يخافون اللّه في السّماء، ولا يستحيون من النّاس في الأرض.
وأمّا قوله: {فسوف يلقون غيًّا} فإنّه يعني أنّ هؤلاء الخلف الّذين خلفوا بعد أولئك الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين سيدخلون غيًّا، وهو اسم وادٍ من أودية جهنّم، أو اسم بئرٍ من آبارها.
- كما: حدّثني عبّاس بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا محمّد بن زياد بن زبار، قال: حدّثنا شرقيّ بن قطاميٍّ، عن لقمان بن عامرٍ الخزاعيّ، قال: جئت أبا أمامة صديّ بن عجلان الباهليّ، فقلت: حدّثنا حديثًا، سمعته من، رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فدعا بطعامٍ، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لو أنّ صخرةً زنة عشرة عشروات قذف بها من شفير جهنّم ما بلغت قعرها خمسين خريفًا، ثمّ تنتهي إلى غيّ وأثامٍ " قال: قلت وما غيّ وما أثامٌ؟ قال: " بئران في أسفل جهنّم يسيل فيهما صديد أهل النّار، وهما اللّتان ذكر اللّه في كتابه {أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا} وقوله في الفرقان: {ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا}.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عمرو بن عاصمٍ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي أيّوب، عن عبد اللّه بن عمرٍو، {فسوف يلقون غيًّا} قال: واديًا في جهنّم.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه {فسوف يلقون غيًّا} قال: واديًا في النّار.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، أنّه قال في هذه الآية {فسوف يلقون غيًّا} قال: نهرٌ في جهنّم خبيث الطّعم بعيد القعر.
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه، في قوله: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا} قال: الغيّ: نهر جهنّم في النّار، يعذّب فيه الّذين اتّبعوا الشّهوات.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه {أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا} قال: نهرٌ في النّار يقذف فيه الّذين اتّبعوا الشّهوات.
وقال آخرون: بل عنى بالغيّ في هذا الموضع: الخسران.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فسوف يلقون غيًّا} يقول: خسرانًا.
وقال آخرون: بل عنى به الشّرّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فسوف يلقون غيًّا} قال: الغيّ: الشّرّ.
ومنه قول الشّاعر:
فمن يلق خيرًا يحمد النّاس أمره = ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما
وكلّ هذه الأقوال متقاربات المعني، وذلك أنّ من ورد البئرين اللّتين ذكرهما النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، والوادي الّذي ذكره ابن مسعودٍ في جهنّم، فدخل ذلك، فقد لاقى خسرانًا وشرًّا، حسبه به شرًّا). [جامع البيان: 15/567-574]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات قال هم عند قيام الساعة وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زناة). [تفسير مجاهد: 387]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو محمّدٍ عبد اللّه بن إسحاق الخزاعيّ، بمكّة، ثنا عبد اللّه بن أحمد بن زكريّا بن أبي مسرّة، ثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا حيوة بن شريحٍ، أخبرني بشير بن أبي عمرٍو الخولانيّ، أنّ الوليد بن قيسٍ التّجيبيّ، حدّثه أنّه، سمع أبا سعيدٍ الخدريّ، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وتلا هذه الآية {فخلف من بعدهم خلفٌ} [الأعراف: 169] فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يكون خلفٌ من بعد ستّين سنةً أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا، ثمّ يكون خلفٌ يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثةٌ مؤمنٌ ومنافقٌ وفاجرٌ» قال بشيرٌ: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثّلاثة؟ فقال: المنافق كافرٌ، والفاجر يتأكّل به، والمؤمن يؤمن به «هذا حديثٌ صحيحٌ رواته حجازيّون وشاميّون أثباتٌ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/406]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو بكرٍ إسماعيل بن محمّدٍ الفقيه بالرّيّ، ثنا أبو حاتمٍ الرّازيّ، حدّثني أبو أيّوب سليمان بن عبد الرّحمن الدّمشقيّ، حدّثني عبد اللّه بن وهبٍ، حدّثنا مالك بن خيرٍ الزّياديّ، عن أبي قبيلٍ، عن عقبة بن عامرٍ رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «سيهلك من أمّتي أهل الكتاب وأهل اللّبن» قال عقبة: ما أهل الكتاب يا رسول اللّه؟ قال: «قومٌ يتعلّمون كتاب اللّه يجادلون به الّذين آمنوا» قال: فقلت: ما أهل اللّبن يا رسول اللّه؟ " قال: «قومٌ يتّبعون الشّهوات ويضيعون الصّلوات» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/406]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني عبد الرّحمن بن الحسن القاضي، بهمدان، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، في قوله عزّ وجلّ: {فسوف يلقون غيًّا} [مريم: 59] قال: «نهرٌ في جهنّم بعيد القعر خبيث الطّعم» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/406]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فسوف يلقون غيًّا} [مريم: 59].
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ -: فسوف يلقون غيًّا قال: وادٍ في جهنّم من قيحٍ
- وفي روايةٍ: الغيّ نهرٌ في جهنّم، يقذف فيه الّذين يتّبعون الشّهوات.
رواه الطّبرانيّ بأسانيد، ورجال بعضها ثقاتٌ، إلّا أنّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه). [مجمع الزوائد: 7/55]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 59 - 65
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فخلف من بعدهم خلف} قال: هم اليهود والنصارى). [الدر المنثور: 10/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف} قال: من هذه الأمة يتراكبون في الطرق كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس ولا يخافون من الله في السماء). [الدر المنثور: 10/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} قال: عند قيام الساعة - ذهاب صالح أمة محمد - ينزو بعضهم إلى بعض في الآزقة زناة). [الدر المنثور: 10/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ابي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {أضاعوا الصلاة} يقول: تركوا الصلاة). [الدر المنثور: 10/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في قوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} قال: ليس إضاعتها تركها قد يضيع الإنسان الشيء ولا يتركه ولكن إضاعتها إذا لم يصلها لوقتها). [الدر المنثور: 10/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم في قوله: {أضاعوا الصلاة} قال: صلوها لغير وقتها). [الدر المنثور: 10/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن القاسم بن مخيمرة في قوله: {أضاعوا الصلاة} قال: أخروا الصلاة عن ميقاتها ولو تركوها كفروا). [الدر المنثور: 10/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق عن عمر بن عبد العزيز في قوله: {أضاعوا الصلاة} قال: لم يكن إضاعتها تركها ولكن أضاعوا المواقيت). [الدر المنثور: 10/97-98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال: والله إني لأجد صفة المنافقين في التوراة: شرابين للقهوات: تباعين للشهوات لعانين للكعبات رقادين عن العتمات مفرطين في الغدوات تراكين للصلوات تراكين للجمعات ثم تلا هذه الآية {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} ). [الدر المنثور: 10/98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن الأشعث قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: أن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عني محجوبة). [الدر المنثور: 10/98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: اغتسلت أنا وآخر فرآنا عمر بن الخطاب وأحدنا ينظر إلى صاحبه فقال: إني لأخشى أن تكونا من الخلف الذين قال الله فيهم: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} ). [الدر المنثور: 10/98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية {فخلف من بعدهم خلف} فقال: يكون خلف من عبد ستين سنة {أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} ثم يكون خلف: يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر). [الدر المنثور: 10/98-99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللين قلت يا رسول الله: ما أهل الكتاب قال: قوم يتعلمون الكتاب يجادلون به الذين آمنوا فقلت: ما أهل اللين قال: قوم يتبعون الشهوات ويضيعون الصلوات). [الدر المنثور: 10/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والحكم وصححه عن عائشة أنها كانت ترسل بالصدقة لأهل الصدقة وتقول: لا تعطوا منها بربريا ولا بربرية فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هم الخلف الذين قال الله: {فخلف من بعدهم خلف} ). [الدر المنثور: 10/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي من يقتل على الغضب ويرتشي في الحكم ويضيع الصلوات ويتبع الشهوات ولا ترد له راية قيل: يا رسول الله أمؤمنون هم قال: بالإيمان يقرؤون). [الدر المنثور: 10/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فسوف يلقون غيا} قال: خسرا). [الدر المنثور: 10/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث من طرق عن ابن مسعود في قوله: {فسوف يلقون غيا} قال: الغي نهر أو واد من جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات). [الدر المنثور: 10/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في الآية قال: الغي واد في جهنم بعيد القعر منتن الريح). [الدر المنثور: 10/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن صخرة زنة عشرة أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ثم تنتهي إلى غي وأثام قلت: ما غي وأثام قال: نهران في أسفل جهنم يسيل فيها صديد أهل النار وهم اللذان ذكر الله في كتابه {فسوف يلقون غيا} {ومن يفعل ذلك يلق أثاما} الفرقان آية 68). [الدر المنثور: 10/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الغي واد في جهنم). [الدر المنثور: 10/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في تاريخه عن عائشة في قوله: {غيا} قالت: نهر في جهنم). [الدر المنثور: 10/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن شقي بن ماتع قال: إن في جهنم واديا يسمى {غيا} يسيل دما وقيحا فهو لمن خلق له). [الدر المنثور: 10/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يلقون غيا} قال: سوءا {إلا من تاب} قال: من ذنبه {وآمن} قال: بربه {وعمل صالحا} قال: بينه وبين الله). [الدر المنثور: 10/101-102]
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحًا فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون شيئًا}.
يقول تعالى ذكره: فسوف يلقى هؤلاء الخلف السّوء الّذين وصف صفتهم غيًّا، إلاّ الّذين تابوا منهم فراجعوا أمر اللّه والإيمان به وبرسوله {وعمل صالحًا} يقول: وأطاع اللّه فيما أمره ونهاه عنه، وأدّى فرائضه، واجتنب محارمه {فأولئك يدخلون الجنّة} يقول: فإنّ أولئك منهم خاصّةً يدخلون الجنّة دون من هلك منهم على كفره، وإضاعته الصّلاة واتّباعه الشّهوات.
وقوله: {ولا يظلمون شيئًا} يقول: ولا يبخسون من جزاء أعمالهم شيئًا، ولا يجمع بينهم وبين الّذين هلكوا من الخلف السّوء منهم قبل توبتهم من ضلالتهم، وقبل إنابتهم إلى طاعة ربّهم في جهنّم، ولكنّهم يدخلون مدخل أهل الإيمان). [جامع البيان: 15/574]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يلقون غيا} قال: سوءا {إلا من تاب} قال: من ذنبه {وآمن} قال: بربه {وعمل صالحا} قال: بينه وبين الله). [الدر المنثور: 10/101-102] (م)
تفسير قوله تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {جنّات عدنٍ الّتي وعد الرّحمن عباده بالغيب إنّه كان وعده مأتيًّا}.
يقول تعالى ذكره: فأولئك يدخلون الجنّة {جنّات عدنٍ}.
وقوله: {جنّات عدنٍ} نصب ترجمةً عن الجنّة. ويعني بقوله: {جنّات عدنٍ} بساتين إقامةٍ. وقد بيّنت ذلك فيما مضى قبل بشواهده المغنية عن إعادته.
وقوله: {الّتي وعد الرّحمن عباده بالغيب} يقول: هذه الجنّات هي الجنّات الّتي وعد الرّحمن عباده المؤمنين أن يدخلوها بالغيب، لأنّهم لم يروها ولم يعاينوها، فهي غيبٌ لهم.
وقوله: {إنّه كان وعده مأتيًّا} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه كان وعده، ووعده في هذا الموضع موعوده، وهو الجنّة مأتيًّا يأتيه أولياؤه وأهل طاعته الّذين يدخلهموها اللّه.
وقال بعض نحويّي الكوفة: خرج الخبر على أنّ الوعد هو المأتيّ، ومعناه: أنّه هو الّذي يأتي، ولم يقل: وكان وعده آتيًا، لأنّ كلّ ما أتاك فأنت تأتيه، وقال: ألا ترى أنّك تقول: أتيت على خمسين سنةً، وأتت عليّ خمسون سنةً، وكلّ ذلك صوابٌ، وقد بيّنت القول فيه.
والهاء في قوله {إنّه} من ذكر الرّحمن). [جامع البيان: 15/575-576]
تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظللٍ من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في القرآن {سلامٌ قولا من ربٍ رحيمٍ}، فيقول: سلوني، فيقولون: ماذا نسألك أي رب، قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي رب رضاك، قال: رضائي أدخلكم دار كرامتي، قالوا: يا رب، وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لا ينقصنا من ذلك شيئا؛ قال: إن لدي مزيدا؛ قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه؛ قال: ثم تأتيهم التحف من الله تحمله إليهم الملائكة، قال: وليس في الآخرة ليل ولا نصف نهارٍ، إنما هو بكرة وعشيا، وذلك في القرآن، في آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا}، وكذلك قال لأهل الجنة: {لهم زرقهم فيها بكرة وعشيا}، قال: وقال: والله، الذي لا إله إلا هو، لو أن امرأة من حور العين أطلعت سوارها لأطفأ نور سوارها الشمس والقمر، فكيف المسورة وإن خلق الله شيئاً يلبسه إلا عليه مثلما عليها من ثياب أو حلي). [الجامع في علوم القرآن: 1/83-84] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا قال كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء عجب له فأخبرهم الله أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيا قدر ذلك الغداء والعشاء). [تفسير عبد الرزاق: 2/9]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا قال ليس بكرة ولا عشي ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا). [تفسير عبد الرزاق: 2/9]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {بكرة وعشيا} قال: ليس في الجنّة بكرةٌ ولا عشيٌّ ولكن يؤتون على ما كانوا يشتهون [الآية: 62].
سفيان [الثوري] عن سعيد بن سنانٍ عن الضحاك عن ابن عبّاسٍ قال: ليس فيها بكرةٌ ولا عشيٌّ ولكن يؤتون على مقدار ذلك بالليل والنهار). [تفسير الثوري: 187]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يسمعون فيها لغوًا إلاّ سلامًا ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيًّا}.
يقول تعالى ذكره: لا يسمع هؤلاء الّذين يدخلون الجنّة فيها لغوًا، وهو الهذر والباطل من القول والكلام {إلاّ سلامًا} وهذا من الاستثناء المنقطع، ومعناه: ولكن يسمعون سلامًا، وهو تحيّة الملائكة إيّاهم.
وقوله: {ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيًّا} يقول: ولهم طعامهم وما يشتهون من المطاعم والمشارب في قدر وقت البكرة من وقت العشيّ من نهار أيّام الدّنيا، وفى قدر وقت العشى من وقت البكره من نهار أيام الدنيا وإنّما يعني أنّ الّذي بين غدائهم وعشائهم في الجنّة قدر ما بين غداء أحدنا في الدّنيا وعشائه، وكذلك ما بين العشاء والغداء وذلك لأنّه لا ليل في الجنّة ولا نهارٌ، وذلك كقوله: {خلق الأرض في يومين} و{خلق السّموات والأرض في ستّة أيّامٍ} يعني به: من أيّام الدّنيا.
- كما: حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سألت زهير بن محمّدٍ، عن قول اللّه: {ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيًّا} قال: ليس في الجنّة ليلٌ، هم في نورٍ أبدًا، ولهم مقدار اللّيل والنّهار، يعرفون مقدار اللّيل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النّهار برفع الحجب، وفتح الأبواب.
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا الوليد، عن خليدٍ، عن الحسن، وذكر، أبواب الجنّة، فقال: أبوابٌ يرى ظاهرها من باطنها، فتكلّم وتكلّم، فتفهمهم انفتحي انغلقي، فتفعل.
- حدّثني ابن حربٍ، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا عامر بن يسافٍ، عن يحيى، قال: كانت العرب في زمانهم من وجد منهم عشاءً وغداءً، فذاك النّاعم في أنفسهم، فأنزل اللّه {ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيًّا} قدر ما بين غدائكم في الدّنيا إلى عشائكم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيًّا} قال: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء عجب له، فأخبرهم اللّه أنّ لهم في الجنّة بكرةً وعشيًّا، قدر ذلك الغداء والعشاء.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: ليس بكرةٌ ولا عشيّ، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدّنيا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيًّا} فيها ساعتان بكرةٌ وعشيّ، فإنّ ذلك لهم ليس ثمّ ليلٌ، إنّما هو ضوءٌ ونورٌ). [جامع البيان: 15/576-578]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لا يسمعون فيها لغوا} قال باطلا). [الدر المنثور: 10/102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وهناد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لا يسمعون فيها لغوا} قال: لا يستبون، وفي قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} قال: ليس فيها بكرة ولا عشي يؤتون به على النحو الذي يحبون من البكرة والعشي). [الدر المنثور: 10/102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} قال: يؤتون به في الآخرة على مقدار ما كانوا يؤتون به في الدنيا). [الدر المنثور: 10/102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد عن قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} قال: ليس في الجنة ليل ولا شمس ولا قمر هم في نور أبدا ولهم مقدار الليل والنهار يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب). [الدر المنثور: 10/102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا: قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة من ليل قال: وما هيجك على هذا قال: سمعت الله يذكر في الكتاب {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} فقلت الليل من البكرة والعشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك ليل وإنما هو ضوء نور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو وتأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلوات التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة). [الدر المنثور: 10/102-103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير قال: كانت العرب في زمانها إنما لها أكلة واحدة فمن أصاب اثنتين سمي فلانا الناعم، فأنزل الله تعالى يرغب عباده فيما عنده {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} ). [الدر المنثور: 10/103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: كانوا يعدون النعيم أن يتغدى الرجل ثم يتعشى، قال الله لأهل الجنة: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا}). [الدر المنثور: 10/103]
تفسير قوله تعالى: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك الجنّة الّتي نورث من عبادنا من كان تقيًّا}.
يقول تعالى ذكره: هذه الجنّة الّتي وصفت لكم أيّها النّاس صفتها، هي الجنّة الّتي نورثها، يقول: نورث مساكن أهل النّار فيها {من عبادنا من كان تقيًّا} يقول: من كان ذا اتّقاء عذاب اللّه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه). [جامع البيان: 15/578]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من غداة من غدوات الجنة كل الجنة غدوات إلا أن يزف إلى ولي الله تعالى فيها زوجة من الحور العين أدناهن التي خلقت من زعفران). [الدر المنثور: 10/103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {تلك الجنة التي نورث} بالنون مخففة). [الدر المنثور: 10/103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شودب في قوله: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا} قال: ليس من أحد إلا وله في الجنة منزل وأزواج فإذا كان يوم القيامة ورث الله المؤمن كذا وكذا منزلا من منازل الكفار، فذلك قوله: {من عبادنا} ). [الدر المنثور: 10/103-104]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن داود بن أبي هند في قوله: {من كان تقيا} قال: موحدا). [الدر المنثور: 10/104]