{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) }
تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({من كان يريد حرث الآخرة}: أي , عمل الآخرة.
يقال: فلان يحرث للدنيا، أي يعمل لها ويجمع المال.
ومنه قول عبد اللّه بن عمرو : «احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».
ومن هذا سمي الرجل: «حارثا».
وإنما أراد: من كان يريد بحرثه الآخرة، أي بعمله, {نزد له في حرثه}, أي: نضاعف له الحسنات, {ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها}، أي أراد بعمله الدنيا آتيناه منها). [تفسير غريب القرآن: 392]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}
جاء في التفسير: أن معناه من كان يريد عمل الآخرة.
فالمعنى -واللّه أعلم- أنه من كان يريد جزاء عمل الآخرة, نزد له في حرثه، أي نوفقه، ونضاعف له الحسنات.
ومن كان يريد حرث الدنيا، أي من كان إنما يقصد إلى الحظّ من الدنيا, وهو غير مؤمن بالآخرة, نؤته من الدنيا, أي: نرزقه من الدنيا لا أنه يعطى كل ما يريده, وإذا لم يؤمن بالآخرة , فلا نصيب له في الخير الذي يصل إليه من عمل الآخرة). [معاني القرآن: 4/397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} الحرث العمل , ومنه قول عبد الله بن عمر: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا, واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومنه سمي الرجل "حارثا".
والمعنى: من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في حرثه, أي: نوفقه, ونضاعف له الحسنات
وقوله جل وعز: {ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها}
في معناه ثلاثة أقوال:
- منها أن المعنى نؤته منها ما نريد كما قال سبحانه: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد}.
- ومنها أن يكون المعنى ندفع عنه من آفات الدنيا.
- والقول الثالث: أن المعنى من كان يفعل الخير ليثنى عليه, تركناه وذلك, ولم يكن له في الآخرة نصيب). [معاني القرآن: 6/305-306]
تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({شرعوا لهم من الدّين}: ابتدعوا). [مجاز القرآن: 2/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({شرعوا لهم}: ابتدعوا لهم). [غريب القرآن وتفسيره: 330]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أم لهم شركاء}, وهم: الآلهة, جعلها شركاءهم: لأنهم جعلوها شركاء اللّه عز وجل، فأضافها إليهم: لا دعائهم فيها ما ادعوا.
وكذلك قوله: {هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيءٍ} أي: من الشركاء الذين ادعيتموهم لي.
{شرعوا لهم}: أي: ابتدعوا لهم.
{ولولا كلمة الفصل}: أي: القضاة السابق الفصل: بأن الجزاء يوم القيامة، {لقضي بينهم} في الدنيا). [تفسير غريب القرآن: 392]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({شرعوا لهم}: أي: أظهروا لهم). [ياقوتة الصراط: 457]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَرَعُوا}: ابتدعوا). [العمدة في غريب القرآن: 266]
تفسير قوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ترى الظّالمين مشفقين ممّا كسبوا وهو واقع بهم والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاءون عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير}
أي: تراهم مشفقين من ثواب ما كسبوا، وثواب ما كسبوا النار.
{وهو واقع بهم}: أي: وثواب كسبهم واقع بهم.
{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاءون عند ربّهم}: أي: والظالمون لهمالنار، والمؤمنون لهم الجنة). [معاني القرآن: 4/397-398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم} أي: من جزاء ما كسبوا, وهو العذاب, وهو واقع بهم). [معاني القرآن: 6/307]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لاّ أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى...}.
ذكر: أن الأنصار جمعت للنبي صلى الله عليه - نفقة يستعين بها على ما ينوبه في أصحابه، فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا: أن الله عز وجل قد هدانا بك، وأنت ابن اختنا , فاستعن بهذه النفقة على ما ينوبك. فلم يقبلها، وأنزل الله في ذلك: قل لهم لا أسألكم على الرسالة أجراً إلى المودة في قرابتي بكم.
وقال ابن عباس: {لاّ أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى}: في قرابتي من قريش). [معاني القرآن: 3/23]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ذلك الذي يبشر الله عباده}, معناها يبشر قال خفاف:
وقد غدوت إلى الحانوت أبشره
أي: أبشره). [مجاز القرآن: 2/200]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ذلك الّذي يبشّر اللّه عباده الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات قل لاّ أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنةً نّزد له فيها حسناً إنّ اللّه غفورٌ شكورٌ}
وقال: {إلاّ المودّة في القربى} استثناء خارج, يريد -والله أعلم- إلاّ أن أذكر مودة قرابتي.
وأما {يبشّر} فتقول "بشّرته", و"أبشرته", وقال بعضهم "أبشره" خفيفة, فذا من "بشرت" وهو في الشعر. قال الشاعر:
وقد أروح إلى الحانوت أبشره = بالرّحل فوق ذرى العيرانة الأجد
قال أبو الحسن: "أنشدني يونس هذا البيت هكذا .
وجعل {الّذي يبشّر} اسما للفعل, كأنه "التبشير".
كما قال: {فاصدع بما تؤمر}: أي: اصدع بالأمر. ولا يكون أن تضمر فيها الباء, وتحذفها؛ لأنك لا تقول "كلّم الذي مررت", وأنت تريد "به"). [معاني القرآن: 4/11]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ذلك الذي يبشر الله}: معناها ينصر من النصر.
وقال بعضهم: يبشر ويبشر معناها واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 330]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى}.
قال قتادة: لا أسألكم أجرا على هذا الذي جئتكم به، إلا أن تودوني في قرابتي منكم. وكلّ قريش بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلّم قرابة
قال مجاهد: لم يكن من قريش بطن، إلا ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال الحسن: إلا أن تتوددوا إلى اللّه عز وجل، بما يقربكم منه.
{ومن يقترف حسنةً}: أي: يكتسب). [تفسير غريب القرآن: 392-393]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
قال ابن عباس: يريد لا أسألكم على ما أتيتكم به من الهدى أجرا إلا أن تودّوني في القرابة منكم. وكانت لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ولادات كثيرة في بطون قريش. وقال الله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}.
قال ابن عباس: قالت قريش: يسألنا أن نودّه في القرابة وهو يشتم آلهتنا ويعيبها؟! فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 450](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:{ذلك الّذي يبشّر اللّه عباده الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إنّ اللّه غفور شكور}
يقرأ: يُبَشِّرُ, ويَبْشرُ، ويُبْشِرُ.
وقوله: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى}: أي: إلا أن تودوني في قرابتي.
وجاء في التفسير, عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: ليس حي من قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابة.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقريش: ((أنتم قرابتي , وأول من أجابني وأطاعني)).
وروي أن الأنصار أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: قد هدانا اللّه بك, وأنت ابن أختنا، وأتوه بنفقة يستعين بها على ما ينوبه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى}.
قال أبو إسحاق: ونصب {المودّة} أن يكون بمعنى استثناء ليس من الأول، لا على معنى: أسالكم عليه أجرا المودة في القربى، لأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا يسألون أجرا على تبليغ الرسالة، والمعنى واللّه أعلم: ولكنني أذكركم المودّة في القربى.
قوله: {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا} أي: من يعمل حسنة , نضاعفها له.
{إنّ اللّه غفور شكور}: غفور للذنوب قبول للتوبة, مثيب عليها). [معاني القرآن: 4/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}
في معناها أربعة أقوال:-
- روى قزعة بن سويد, عن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((قل لا أسألكم على ما أتيتكم به أجرا إلا أن تتوددوا لله, وتتقربوا إليه بطاعته)).
- وروى منصور, وعوف, عن الحسن: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}, قال: تتوددون إلى الله جل وعز, وتتقربون منه بطاعته, فهذا قول.
- وقال الشعبي, ومجاهد, وعكرمة, وقتادة: المعنى: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم فتحفظوني, ولا تكذبوني.
- قال عكرمة: وكانت قريش تصل أرحامها, فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم , قطعته، فقال: ((صلوني كما كنتم تفعلون)).
- قال أبو جعفر: والمعنى على هذا: قل لا أسألكم عليه أجرا, لكن أذكركم قرابتي, على أنه استثناء ليس من الأول, فهذان قولان.
- وقال الضحاك: هذه الآية منسوخة؛ نسخها قوله جل وعز: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم}, فالذي سألوه أن يودوه بقرابته, ثم رده الله إلى ما كان عليه الأنبياء كما قال نوح وهود :{قل لا أسألكم عليه أجرا } فهذه ثلاثة أقوال.
وروى قيس, عن الأعمش, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: لما نزلت: { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى }, قالوا: يا رسول الله, من هؤلاء الذين نودهم. قال: ((علي, وفاطمة, وولدها))
وقوله جل وعز: {ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا}: الاقتراف: الاكتساب, وهو مأخوذ من قولهم: رجل قرفة إذا كان محتالا). [معاني القرآن: 6/307-310]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ومن يقترف حسنة}
قال: الاقتراف: الاكتساب، يكون خيرا، ويكون شرا). [ياقوتة الصراط: 457]
تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويمح اللّه الباطل...}.
ليس بمردود على {يختم}، فيكون مجزوما، هو مستأنف في موضع رفع، وإن لم تكن فيه واو في الكتاب، ومثله مما حذفت منه الواو وهو في موضع رفع قوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ}, وقوله: {سندع الزّبانية}). [معاني القرآن: 3/23]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم يقولون افترى على اللّه كذبا فإن يشأ اللّه يختم على قلبك ويمح اللّه الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته إنّه عليم بذات الصّدور}
معناه: فإن يشأ اللّه ينسك ما أتاك، كذلك قال قتادة.
ويجوز: {فإن يشإ اللّه يختم على قلبك}: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم, وعلى قولهم {افترى على اللّه كذبا}
{ويمحو اللّه الباطل}: الوقوف عليها (ويمحوا) بواو وألف لأن المعنى, واللّه يمحو الباطل على كل حال، وكتبت في المصحف بغير واو لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء السّاكنين، فكتبت على الوصل, ولفظ الواو ثابت، والدليل عليه: {ويحق الحق بكلماته}, أي ويمحو اللّه الشرك, ويحق الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيّه عليه السلام). [معاني القرآن: 4/398-399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك}
قال قتادة: أي: إن شاء أنساك ما علمك.
وقيل المعنى: إن يشأ يزل تمييزك فاشكره إذ لم يفعل.
وقيل معنى: فإن يشأ الله يختم على قلبك, إن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم, وقولهم: {افترى على الله كذبا} تم الكلام.
ثم قال جل وعز: {ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته}, أي: يمحو الله الشرك ويزيله). [معاني القرآن: 6/310-311]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويعلم ما تفعلون...}: ذكر العباد، ثم قال: {ويعلم ما تفعلون}, كأنه خاطبهم، والعوام يقرءونها بالياء...
- حدثني قيس, عن رجل قد سماه, عن بكير بن الأخنس, عن أبيه قال: قرأت من الليل: {ويعلم ما تفعلون}, فلم أدر أأقول: يفعلون أم تفعلون؟, فغدوت إلى عبد الله بن مسعود؛ لأسأله عن ذلك، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، رجلٌ ألمّ بامرأة في شبيبة، ثم تفرقا وتابا، أيحل له أن يتزوجها؟
قال: فقال عبد الله رافعا صوته: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده ويعفوا عن السّيّئات ويعلم ما تفعلون...}.
وكذلك قرأها علقمة بن قيس؛ وإبراهيم؛ ويحيى بن وثاب؛ وذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ كذلك بالتاء). [معاني القرآن: 3/23]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («عن» مكان «من»
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}، أي من عباده.
وتقول: أخذت هذا عنك، أي منك). [تأويل مشكل القرآن: 577]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}
في الحديث: أن عبد الله بن مسعود سئل عن رجل زنى بامرأة, أيجوز له أن يتزوجها ؟, فقال: { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}). [معاني القرآن: 6/312]
تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ...}.
يكون {الذين} في موضع نصب بمعنى: ويجيب الله الذين آمنوا، وقد جاء في التنزيل: {فاستجاب لهم ربّهم}، والمعنى -والله أعلم-: فأجابهم ربهم، إلاّ أنك إذا قلت: استجاب, أدخلت اللام في المفعول به، وإذا قلت: أجاب حذفت اللام، ويكون استجابهم بمعنى: استجاب لهم، كما قال: {وإذا كالوهم أو وّزنوهم}: المعنى-والله أعلم-: وإذا كالوا لهم, أو وزنوا لهم، يخسرون؛ ويكون {الذين } في موضع رفع؛ يجعل الفعل لهم أي: الذين آمنوا يستجيبون لله؛ ويزيدهم الله على إجابتهم, والتصديق من فضله). [معاني القرآن: 3/24]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ويستجيب الذّين آمنوا}: أي: يجيب الذين آمنوا.). [مجاز القرآن: 2/200]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم مّن فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ}
وقوله: {ويستجيب الّذين آمنوا}: أي: استجاب, فجعلهم هم الفاعلين). [معاني القرآن: 4/11]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ويستجيب الّذين آمنوا}: أي: يجيبهم، كما قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب).
[تفسير غريب القرآن: 393]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد}
المعنى: ويجيب الذين آمنوا, وعملوا الصالحات). [معاني القرآن: 4/399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله}
الذين في موضع نصب: بمعنى: ويستجيب للذين آمنوا, كما قال سبحانه: {وإذا كالوهم} أي: كالوا لهم, يقال: استجبته, بمعنى أجبته, وأنشد الأصمعي:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
ويجوز أن يكون في موضع رفع ويكون: {ويستجيب الذين آمنوا}, بمعنى: يجيب الذين آمنوا, كما قال عز وجل: {فليستجيبوا لي}.
قال محمد بن يزيد: حقيقته فليستدعوا الإجابة, هكذا حقيقة معنى: استفعل). [معاني القرآن: 6/312-313]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا}: أي: يجيبهم , ويزيدهم من فضله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 219]
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء}
روى سعيد, عن قتادة قال: خير الرزق ما لا يطغي, ولا يلهي). [معاني القرآن: 6/313]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الوليّ الحميد (28)}
ويقرأ (قَنِطُوا) بكسر النون، يقال قَنط يقنِطُ، وقَنِطَ يَقْنَطُ إذا - يئس.
ويروى أن عمر قيل له: قد أجدبت الأرض, وقنط الناس, فقال: مطروا إذن، لهذه الآية). [معاني القرآن: 4/399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا}
قال مجاهد: {من بعد ما قنطوا}, أي: يئسوا.
قال أبو جعفر: يقال: قَنَطَ يَقْنِطُ, وقَنِطَ يَقْنَطُ: إذا اشتد يأسه من الشيء). [معاني القرآن: 6/313-314]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {خلق السّماوات والأرض وما بثّ فيهما من دآبّةٍ...}
أراد: وما بث في الأرض دون السماء، بذلك جاء في التفسير؛ ومثله مما ثنى ومعناه واحد قوله: {يخرج منهما الّلؤلؤ والمرجان}, وإنما يخرج من الملح دون العذب). [معاني القرآن: 3/24]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما بثّ فيهما من دابّةٍ} أي: نشر). [تفسير غريب القرآن: 393]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة}
قال الفراء: أراد بث في الأرض دون السماء كما قال سبحانه: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}, وإنما يخرج من الملح .
قال أبو جعفر: هذا غلط ,روى ورقاء , عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: {وما بث فيهما من دابة}, قال: الناس والملائكة.
وهذا قول حسن, يقال: لكل حي دابة من دب, فهو داب, والهاء للمبالغة, كما يقال رواية وعلامة, ثم قال جل وعز: {وهو على جمعهم}, أي: على إحيائهم {إذا يشاء قدير}). [معاني القرآن: 6/314-315]
تفسير قوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
{ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا...}
وهي في مصحف أهل المدينة {بما كسبت أيديكم} -بغير فاء-، وكذلك يقرأونها, خلا أبا جعفر, فإنه يثبت الفاء, وهي في مصاحف أهل العراق بالفاء, وكذلك قراءتهم، وهو في العربية أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط.
المعنى: ما تصبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم.
وقرئت: {ويعلم الّذين يجادلون}: والنصب على إضمار أن، لأن قبلها جزاء، تقول: ما تصنع أصنع مثله, وأكرمك، وإن شئت قلت: وأكرمك على, وأنا أكرمك، وإن شئت: وأكرمك جزما.
وروي عن علي رضي اللّه عنه, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن اللّه أكرم من أن يثني على عبده العقوبة، أي إذا أصابته في الدنيا مصيبة بما كسبت يداه لم يثن عليه العقوبة في الآخرة)).
وأما من قرأ: {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
أي: لا يجازى على كثير مما كسبت أيديكم في الدنيا، وجائز أن يكون {يعفو عن كثير}, فلا يجازى عليه في الدنيا , ولا في الآخرة.
ومعنى: {ما لهم من محيص}: ما لهم من معدل، ولا من منجى، يقال حاص عنه إذا تنحى، ويقال حاض عنه في معنى حاص، ولا يجوز أن يقرأ ما لهم من محيض، وأن كان المعنى واحدا.
فأمّا موضع {الذين} في قوله: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}, فيجوز أن يكون نصبا، ويجوز أن يكون رفعا.
فمن نصب فعلي معنى: ويجيب اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات, ومن رفع فعلى معنى: يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات للّه عزّ وجلّ , أي : لما يدعوهم اللّه إليه). [معاني القرآن: 4/399-400]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
يقال : قد تكون المصيبة بغير هذا, ففيه أجوبة
- روى معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}, قال: الحدود.
فالمعنى في هذا: إن الله جل وعز جعل الحدود بما يعمل من المعاصي
- وقيل: ما ههنا بمعنى الذي , وهو حسن, والدليل على هذا: أن أهل المدينة قرؤوا بما بغير فاء
فالمعنى على هذا: والذي كان أصابكم بذنوب عملتموها.
- وروى سفيان, عن إسماعيل بن مسلم, عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من خدش عود , ولا عثرة قدم , ولا اختلاج عرق إلا بذنب, وما يعفو الله عنه أكثر, ثم تلا : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير})).
قال أبو جعفر: فالمعنى على هذا: {وما أصابكم من مصيبة }: مقصود بها العقوبة {فبما كسبت أيديكم}.
قال أبو جعفر: وفي الآية قول رابع: وهو أن كل مصيبة تصيب, فإنما هي من اجل ذنب, إما أن يكون الإنسان عمله, وإما أن يكون تنبيها له لئلا يعمله, وإما أن يكون امتحانا له ليعتبر والداه , فقد صارت كل مصيبة على هذا من أجل الذنوب, وصارت القراءة بالفاء أحسن ؛ لأنه شرط وجوابه). [معاني القرآن: 6/315-317]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام }: أي: الجبال). [مجاز القرآن: 2/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الجواري في البحر كالأعلام}: الجوراي السفن
{والأعلام}: الجبال).[غريب القرآن وتفسيره: 330-331]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومن آياته الجوار في البحر} يعني: السفن، {كالأعلام}: أي: الجبال, واحدها: علم). [تفسير غريب القرآن: 393]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام}
قال مجاهد: {الجواري}: السفن, و{الأعلام}: الجبال).
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْجَوَارِي}: السفن, و{الْأَعْلَامِ}: كالجبال). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 219]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْجَوَاري}: السفن, {الْأَعْلَامِ}: الجبال). [العمدة في غريب القرآن: 266]
تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إن يشأ يسكن الرّيح فيظللن }: المعنى للجواري, {رواكد}: سواكن). [مجاز القرآن: 2/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({رواكد}: سواكن). [غريب القرآن وتفسيره: 331]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فيظللن رواكد}: على ظهره، أي: سواكن على ظهر البحر). [تفسير غريب القرآن: 393]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره}: أي: سواكن). [معاني القرآن: 6/318]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({رَوَاكِدَ}: سواكن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 219]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({رَوَاكِدَ}سواكن). [العمدة في غريب القرآن: 266]
تفسير قوله تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويعف عن كثيرٍ...}, ويعلم الذين مردودة على الجزم؛ إلا أنه صرف؛ والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب كقول الشاعر:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك = ربيع الناس والبلد الحرام
ونمسك بعده بذناب عيسٍ = أجبّ الظهر ليس له سنام
والرفع جائز في المنصوب على الصرف.
وقد قرأ بذلك قوم فرفعوا: {ويعلم الّذين يجادلون...}, ومثله مما استؤنف فرفع
قوله: {ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء} في براءة؛ ولو جزم , ويعلم - جازم كان مصيباً). [معاني القرآن: 3/24-25]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أو يوبقهنَّ}: يهلكهن). [مجاز القرآن: 2/200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أو يوبقهن}: يهلكهن). [غريب القرآن وتفسيره: 331]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أو يوبقهنّ}: يهلكهن, يقال: فلان قد أوبقته ذنوبه, وأراد: أهل السفن). [تفسير غريب القرآن: 393]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير}
قال مجاهد: {يوبقهن}: يهلكهن.
قال أبو جعفر: يقال: أوبقته ذنوبه , أي: أهلكته.
قال قتادة: {أو يوبقهن بما كسبوا}: يهلك من فيهن بذنوبهم.
قال أبو جعفر تقديره مثل: {واسأل القرية}). [معاني القرآن: 6/318-319]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُوبِقْهُنَّ}: يهلكهن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 219]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُوبِقْهُنَّ}: يهلكهن). [العمدة في غريب القرآن: 266]
تفسير قوله تعالى:{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
{ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا...}
وهي في مصحف أهل المدينة {بما كسبت أيديكم} غير فاء، وكذلك يقرأونها, خلا أبا جعفر فإنه يثبت الفاء, وهي في مصاحف أهل العراق بالفاء, وكذلك قراءتهم، وهو في العربية أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط.
المعنى: { ما تصبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}
وقرئت: {ويعلم الّذين يجادلون}, والنصب على إضمار أن، لأن قبلها جزاء، تقول: ما تصنع أصنع مثله, وأكرمك، وإن شئت قلت: وأكرمك علي, وأنا أكرمك، وإن شئت: وأكرمك جزما.
وروي عن علي رضي اللّه عنه, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن اللّه أكرم من أن يثني على عبده العقوبة، أي إذا أصابته في الدنيا مصيبة بما كسبت يداه لم يثن عليه العقوبة في الآخرة)).
وأما من قرأ: (وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)
أي: لا يجازى على كثير مما كسبت أيديكم في الدنيا، وجائز أن يكون {يعفو عن كثير} فلا يجازى عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
ومعنى: {ما لهم من محيص}: ما لهم من معدل، ولا من منجى، يقال حاص عنه إذا تنحى، ويقال حاض عنه في معنى حاص، ولا يجوز أن يقرأ ما لهم من محيض، وأن كان المعنى واحدا.
فأمّا موضع {الذين} في قوله: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}, فيجوز أن يكون نصبا، ويجوز أن يكون رفعا.
فمن نصب فعلي معنى ويجيب اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات, ومن رفع فعلى معنى: يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات للّه - عزّ وجلّ - أي: لما يدعوهم اللّه إليه). [معاني القرآن: 4/399-400](م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَّحِيصٍ}: مهرب). [العمدة في غريب القرآن: 266]
تفسير قوله تعالى: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) )