التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من
[تفسير القرآن العظيم: 2/726]
قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 49] قال يحيى: إذا طلّق الرّجل المرأة قبل أن يدخل بها واحدةً فقد بانت منه بتلك الواحدة وهي أملك بنفسها، يخطبها مع الخطّاب وليس عليها عدّةٌ منه
ولا من غيره حتّى تزوّج إن شاءت من يومها الّذي طلّقها فيه لأنّه لم يطأها فتعتدّ من مائةٍ مخافة أن تكون حبلى، ولها نصف الصّداق، فإن أغلق عليها بابًا أو أرخى عليها سترًا، فقد وجب عليه الصّداق كاملا ووجبت عليها العدّة، وإن طلّقها ثلاثًا قبل أن يدخل بها لم يتزوّجها حتّى تنكح زوجًا غيره إلا أن يفرّق الطّلاق، فيقول: أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، أنت طالقٌ فإنّها
تبين بالأولى وليس ما طلّق بعدها بشيءٍ، وهو خاطبٌ من الخطّاب، فإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين، وأمّا قوله: {فمتّعوهنّ} [الأحزاب: 49] فهو منسوخٌ إذا كان قد سمّى لها صداقًا إلا أن يكون لم يسمّ لها صداقًا فيكون لها المتعة ولا صداق لها، فإن كان سمّى لها صداقًا ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فإنّ لها نصف الصّداق ولا متعة لها، نسختها الآية الّتي في البقرة: {لا جناح
عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين {236} وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} [البقرة: 236-237] ولا متاع لها إلى آخر الآية.
سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: جعلت لها المتعة في هذه الآية، فلمّا نزلت الآية الّتي في البقرة: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] جعل لها النّصف ولا متاع لها وهو قول قتادة، وبه يأخذ يحيى.
[تفسير القرآن العظيم: 2/727]
وقال الحسن: ليست بمنسوخةٍ لها المتاع.
وقد حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن أنّه كان يقول: لها المتاع، وليست بمنسوخةٍ.
والعامّة على أنّها منسوخةٌ.
وقوله عزّ وجلّ: {وسرّحوهنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 49] إلى أهلهنّ.
لا تكون المرأة والرّجل في بيتٍ وليس بينهما حرمةٌ، وإذا مات الرّجل قبل أن يدخل بامرأته توارثا ولها الصّداق كاملا، وإنّما يكون لها النّصف إذا طلّقها). [تفسير القرآن العظيم: 2/728]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحا جميلا (49)}
معنى {تمسّوهنّ}:تقربوهنّ.
{فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحا جميلا}
قال بعضهم: {فمتّعوهن} نسخها قوله تعالى :{وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم}
والنصف ينوب عن التمتيع، إلا أن يكون لم يسمّ لها مهراً، فلها نصف مهر مثلها، وأسقط الله العدة عن التي لم يدخل بها؛ لأنّّ العدة في الأصل استبراء.). [معاني القرآن: 4/232]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا}
قال سعيد بن المسيب : (هي منسوخة بالتي في البقرة , يعني قوله جل وعز: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة} : أي : فلم يذكر المتعة)). [معاني القرآن: 5/360]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجورهنّ} [الأحزاب: 50] صداقهنّ.
{وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك} [الأحزاب: 50]، أي: وأحللنا لك أيضًا بنات عمّك.
{وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللّاتي هاجرن معك} [الأحزاب: 50] إلى قوله: {لا يحلّ لك
[تفسير القرآن العظيم: 2/728]
النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] هؤلاء اللّاتي ذكر من أزواجه، ومن بنات عمّه ومن بنات عمّاته، وبنات خاله، وبنات خالاته.
{وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ} [الأحزاب: 50] قال يحيى فيما حدّثني حمّاد بن سلمة، عن داود بن أبي هندٍ، عن موسى بن عبد اللّه، عن أبيّ بن كعبٍ قال: {إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجورهنّ} [الأحزاب: 50] صداقهنّ {وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك} [الأحزاب: 50] حتّى انتهى إلى قوله: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] هؤلاء: العمّة، والخالة ونحوهنّ، وكان يقول: يتزوّج من بنات عمّاته وبنات خالاته اللّاتي هاجرن معه). [تفسير القرآن العظيم: 2/729]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ أن يستنكحها خالصةً لك} [الأحزاب: 50] يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] مقرأ العامّة على {إن وهبت نفسها للنّبيّ إن} [الأحزاب: 50] يقولون: كانت امرأةً واحدةً وأن مفتوحةٌ لما قد كان، وبعضهم يقرأها: {إن وهبت نفسها} [الأحزاب: 50] يقولون: في المستقبل على تلك الوجوه من قول
أبيٍّ وقول الحسن، وقول مجاهدٍ.
وقوله عزّ وجلّ: {خالصةً لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] لا تكون
[تفسير القرآن العظيم: 2/729]
الهبة بغير صداقٍ إلا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما حدّثني سليمان بن أرقم، عن الحسن.
- وحدّثني الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: لم تحلّ الهبة لأحدٍ بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وحدّثني اللّيث بن سعدٍ، عن يزيد بن قسيطٍ، عن سعيد بن المسيّب أنّه سئل عن رجلٍ وهبت له امرأةٌ فقال: الهبة لا تكون إلا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكن لو كان سمّى سوطًا كان صداقًا.
وفي تفسير الحسن أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد تطوّع على تلك المرأة الّتي وهبت نفسها له فأعطاها الصّداق.
نزل أمر المرأة الّتي وهبت نفسها للنّبيّ عليه السّلام في تفسير الحسن قبل أن ينزل: {ما كان على النّبيّ من حرجٍ فيما فرض اللّه له} [الأحزاب: 38] وهي بعدها في التّأليف). [تفسير القرآن العظيم: 2/730]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم} [الأحزاب: 50] يعني ما أوجبنا عليهم، تفسير السّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/730]
{وما ملكت أيمانهم} [الأحزاب: 50]
- حدّثني حمّاد بن سلمة، عن داود بن أبي هندٍ، عن موسى بن عبد اللّه، عن أبيّ بن كعبٍ قال: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} [الأحزاب: 50]، يعني: الأربع، يقول يتزوّج أربعًا إن شاء {وما ملكت أيمانهم} [الأحزاب: 50] ويطأ بملك يمينه كم شاء.
وتفسير سعيدٍ، عن قتادة: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} [الأحزاب: 50] أن لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي عدلٍ، وصداقٍ معلومٍ.
وقال قتادة في قوله: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} [النساء: 4] قال: فريضةً.
قال يحيى: فإن تزوّج الرّجل امرأةً ولم يسمّ لها صداقًا أو وهبها له الوليّ فرضيت، أو كانت بكرًا فزوّجها أبوها، فإنّ ذلك جائزٌ عليها، فلها ما اتّفقوا عليه من الصّداق، فإن اختلفوا فلها صداق مثلها، والنّكاح ثابتٌ.
قوله عزّ وجلّ: {لكيلا يكون عليك حرجٌ} [الأحزاب: 50] رجع إلى قصّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 50] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/731]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وبنات خالك وبنات خالاتك اللاّتي هاجرن معك...}
وفي قراءة عبد الله : {وبنات خالك وبنات خالاتك واللاّتي هاجرن معك}: فقد تكون المهاجرات من بنات الخال و الخالة، وإن كان فيه الواو، فقال: {واللاتي}, والعرب تنعت بالواو وبغير الواو , كما قال الشاعر:
فإنّ رشيداً وابن مروان لم يكن = ليفعل حتّى يصدر الأمر مصدرا
وأنت تقول في الكلام: إن زرتني زرت أخاك , وابن عمّك القريب لك، وإن قلت: والقريب لك كان صوابا.
وقوله: {وامرأةً مّؤمنةً} نصبتها بـ {أحللنا} .
وفي قراءة عبد الله : {وامرأةً مّؤمنةً وهبت} : ليس فيها (أن) , ومعناهما واحد؛ كقولك في الكلام: لا بأس أن تسترقّ عبداً وهب لك، وعبداً إن وهب لك، سواء.
وقرأ بعضهم : {أن وهبت} بالفتح على قوله: {لا جناح عليه أن ينكحها} في أن وهبت، لا جناح عليه في هبتها نفسها.
ومن كسر جعله جزاء, وهو مثل قوله: {لا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم}, و{إن صدّوكم} , {إن أراد النّبيّ} مكسورة لم يختلف فيها.
وقوله:{خالصةً لّك}: يقول: هذه الخصلة: خالصة لك, ورخصة دون المؤمنين، فليس للمؤمنين أن يتزوّجوا امرأة بغير مهر, ولو رفعت {خالصة لك} على الاستئناف كان صواباً؛ كما قال: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ} , أي : هذا بلاغ, وما كان من سنّة الله، وصبغة الله وشبهه فإنه منصوب لاتصاله بما قبله على مذهب حقّاً , وشبهه, والرفع جائز؛ لأنه كالجواب؛ ألا ترى أن الرجل يقول: قد قام عبد الله، فتقول: حقّا إذا وصلته. وإذا نويت الاستئناف رفعته , وقطعته ممّا قبله, وهذه محض القطع الذي تسمعه من النحويين.). [معاني القرآن: 2/345-346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اللاتي آتيت أجورهنّ}: أي : أ{ مّما أفاء اللّه عليك }:أي: مما فتح الله عليك من الفيء.
{وامرأةً مؤمنةٌ إن وهبت نفسها للنّبيّ }: مجازه: إن تهب , والموضع موضع مجازاة, والعرب قد تجازى بحرف , وتضمر الآخر معهما , قال ذو الرمة:
وإني متى أشرف على الجانب الذي= به أنت ما بين الجوانب ناظر
قال القطامي:
والناس من يلق خيراً قائلون له= ما يشتهي ولأمّ المخطئ الهبل
قال :{وامرأةً مؤمنةً إن وهبت للنّبيّ }: إن أراد النبي أن يستنكحها { خالصةً لك من دون المؤمنين }:وهبت في موضع " تهب " , والعرب تفعل ذلك قال:
إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً.= وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنوا
أي : يطيروا, والعرب قد تخاطب , فتخبر عن الغائب , والمعنى للشاهد , فترجع إلى الشاهد فتخاطبه , قال عنترة:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت= عسراً علىّ طلابك ابنة مخرم.). [مجاز القرآن: 2/139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {آتيت أجورهنّ}: أي: وعورهن.). [تفسير غريب القرآن: 351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} أي: ألزمناهم). [تأويل مشكل القرآن: 475]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ :{يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللّاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان اللّه غفورا رحيما (50)}
{أجورهن}: مهورهنّ.
{وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك}:وأصل الإملاك في الإماء والعبيد ما يجوز سبيه , وفيئه , فأما سبي الخبيثة , فلا يجوز وطئه , ولا ملكه.
يقال: هذا سبي طيبة , وسبي خبيثة , فسبي الطيبة سبي من يجوز حربه من أهل الكفر.
فأما من كان له عهد فلا يجوز سبيه , ولا ملك عبد منه ولا أمة .
وقوله عزّ وجلّ : {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}
وتقرأ: {أن وهبت}بالفتح, أي: أن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم حلّت له .
ومن قرأ " أن وهبت " بالفتح , فالمعنى : أحللناها لأن وهبت نفسها.
{وخالصة}:منصوب على الحال, المعنى : إنا أحللنا لك هؤلاء.
وأحللنا لك من وهبت نفسها لك , وإنما قيل للنبي ههنا , لأنه لو قيل: أن وهبت نفسها لك , كان يجوز أن يتوهم أن في الكلام دليلا أنه يجوز ذلك لغير النبي عليه السلام، كما جاز في قوله:{وبنات عمّك وبنات عمّاتك}, لأن بنات العمّ , وبنات الخال يحللن للناس.
وقوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم}:أي : إن التزويج لا ينعقد إلا بوليّ وشاهدين، وملك اليمين لا يكون إلا ممن يجوز سبيه.). [معاني القرآن: 4/232-233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها النبي إنا حللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}
قال مجاهد : (أي : صداقهن) .
وروى أبو صالح , عن أم هانئ قالت :(خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاعتذرت منه فعذرني , فأنزل الله جل وعز:{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}إلى قوله:{اللاتي هاجرن معك}, ولم أكن هاجرت, إنما كنت من الطلقاء , فكنت لا أحل له ).
ثم قال جل وعز: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي}
قال علي بن الحسين رضي الله عنه , وعروة والشعبي: (هي أم شريك) .
وقال الزهري , وعكرمة , ومحمد بن كعب: (هي ميمونة ابنة الحارث وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم).
قال الزهري : (ووهبت سودة يومها لعائشة) .
وقرأ الحسن : (أن وهبت).
وقرأ الأعمش : (وامرأة مؤمنة وهبت) .
وكسر إن أجمع للمعاني ؛ لأنه قيل : إنهن نساء , وإذا فتح كان المعنى على واحدة بعينها ؛ لأن الفتح على البدل من امرأة , وبمعنى لأن .
وقال مجاهد : (لم تهب نفسها) , فعلى هذا القول لا تكون إن إلا مكسورة .
وقيل : ومعنى : {وهبت نفسها} : إن تزوجت بلا صداق.
وقيل هو : أن تجعل الهبة صداقا , وأن هذا لا يحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو جعفر : والقول الأول أولى ؛ لأن معنى الهبة في اللغة دفع شيء بلا عوض .
وقوله جل وعز: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم}
أي : قد علمنا ما في ذلك من الصلاح , وهذه كلمة مستعملة , يقال: أنا أعلم مالك في ذا .
وروى زياد بن عبد الله , عن أبي بن كعب في قوله تعالى: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} , (قال: مثنى , وثلاث , ورباع) .
وقال قتادة : (فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي , وشاهدي عدل , وصداق , وأن لا يتزوج الرجل أكثر من أربع).
وقوله جل وعز: {لكيلا يكون عليك حرج}
متعلق بقوله: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيتهن أجورهن} .). [معاني القرآن: 5/361-364]
تفسير قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ترجي من تشاء منهنّ وتئوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك} [الأحزاب: 51] تفسير الحسن: {ترجي من تشاء منهنّ} [الأحزاب: 51] يذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المرأة للتّزوّج ثمّ يرجيها، أي: يتركها فلا يتزوّجها.
قال: {وتئوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] تتزوّج من تشاء، وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا ذكر امرأةً ليتزوّج لم يكن لأحدٍ أن يعرّض بذكرها حتّى يتزوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو يتركها.
وأمّا قوله: {ومن ابتغيت ممّن عزلت} [الأحزاب: 51] يقول: ليست عليك لهنّ قسمةٌ، ومن
[تفسير القرآن العظيم: 2/731]
ابتغيت من نسائك للحاجة ممّن عزلت فلم ترد منها الحاجة.
{فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ} [الأحزاب: 51] إذا علمن أنّه من قبل اللّه.
{ولا يحزنّ} [الأحزاب: 51] على أن تخصّ واحدةً منهنّ دون الأخرى.
{ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ} [الأحزاب: 51] من الحاجة الّتي تخصّ منهنّ لحاجتك وهذا تفسير الحسن.
وقال مجاهدٌ: {ترجي من تشاء} [الأحزاب: 51] تعزل {وتئوي} [الأحزاب: 51] تمسك.
وتفسير الكلبيّ: {ترجي من تشاء منهنّ} [الأحزاب: 51]، يعني: من اللّائي أحلّ له، إن شاء أن يتزوّج منهنّ {وتئوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] يتزوّج منهنّ من شاء {ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ} [الأحزاب: 51]، يعني: نساءه اللّائي عنده يومئذٍ، يعني: التّسع، {ولا يحزنّ} [الأحزاب: 51] إذا عرفن إلا تنكح عليهنّ.
{واللّه يعلم ما في قلوبكم وكان اللّه عليمًا حليمًا {51}). [تفسير القرآن العظيم: 2/732]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ترجي من تشاء منهنّ...}
بهمز وغير همز, وكلّ صواب .
{وتؤوي إليك من تشاء}: هذا أيضاً ممّا خصّ به النبي صلى الله عليه وسلم: أن يجعل لمن أحبّ منهنّ يوماً, أو أكثر , أو أقلّ، ويعطّل من شاء منهنّ فلا يأتيه, وقد كان قبل ذلك , لكلّ امرأة من نسائه يوم وليلة.
وقوله: {ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ}: يقول: إذا لم تجعل لواحدة منهنّ يوماً , وكنّ في ذلك سواء، كان أحرى أن تطيب أنفسهنّ , ولا يحزنّ. ويقال : إذا علمن أن الله قد أباح لك ذلك رضين إذ كان من عند الله, ويقال: إنه أدنى أن تقرّ أعينهنّ إذا لم يحلّ لك غيرهنّ من النساء , وكلّ حسن.
وقوله: {ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ} , رفع لا غير، لأن المعنى: وترضى كلّ واحدة, ولا يجوز أن تجعل {كلّهن} نعتاً للهاء في الإيتاء؛ لأنه لا معنى له؛ ألا ترى أنك تقول: لأكرمنّ القوم ما أكرموني أجمعين، وليس لقولك (أجمعون) معنىً. ولو كان له معنى لجاز نصبه.). [معاني القرآن: 2/346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ترجى من تشاء }:أي : تؤخر, {وتؤوى إليك من تشاء}: أي : تضم.). [مجاز القرآن: 2/139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ترجي من تشاء}: تؤخر.
{وتؤي}: تضم إليك). [غريب القرآن وتفسيره: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ترجي من تشاء منهنّ}: أي : تؤخر, يهمز ولا يهمز, يقال: أرجيت الأمر , وأرجأته, {وتؤوي إليك من تشاء}:أي : تضمّ.
قال الحسن: (كان النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا خطب امرأة، لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أو يتزوجها).
ويقال: هذا في قسمة الأيام بينهن، كان يسوّي بينهن قبل، ثم نزل, أي: تؤخر من شئت، فلا تقسم له, وتضمّ إليك من شئت، بغير قسمة.). [تفسير غريب القرآن: 351-352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ واللّه يعلم ما في قلوبكم وكان اللّه عليما حليما (51)}
ترجي بالهمز , وغير الهمز، والهمز أكثر وأجود، ومعنى : ترجي تؤخر بالهمز و, غير الهمز، المعنى واحد، وهذا مما خص اللّه به النبي عليه السلام , فكان له أن يؤخر من أحب من نسائه , ويؤوي إليه من أحب من نسائه , وليس ذلك لغيره من أمّته، وله أن يردّ من أخّر إلى فراشه عليه السلام.
{ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك}: أي: إن أردت ممن عزلت أن تؤوي إليك , فلا جناح عليك.
{ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ ويرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ)}:أي: ويرضين كلّهنّ بما آتيتهنّ من تقريب , وإرجاء , ويجوز النصب في (كلّهنّ) توكيدا للهاء والنون.). [معاني القرآن: 4/233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}
روى هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة في قوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن}, قال: (هذا في الواهبات أنفسهن) .
قال الشعبي : (هن الواهبات أنفسهن تزوج رسول الله منهن , وترك منهن).
وقال الزهري : (ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه , بل آواهن كلهن).
وقال قتادة : (أطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بينهن كيف شاء , ولم يقسم بينهن إلا بالقسط).
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع , حدثنا سلمة , حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا معمر , عن منصور , عن أبي رزين قال : (المرجآت: ميمونة , وسودة , وصفية, وجويرية , وأم حب, وكانت عائشة , وحفصة , وأم سلمة , وزينب سواء في قسم النبي صلى الله عليه وسلم , يساوي بينهن في القسم) .
وقال مجاهد : (هو أن يعتزلهن بلا طلاق) .
قال أبو جعفر : قول قتادة , وأبي رزين , ومجاهد : (يرجع إلى معنى واحد أن ذلك في القسم) .
وقد روى منصور , عن أبي رزين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يخلي اللواتي أرجأهن , فقلن له : اقسم لنا كيف شئت , واتركنا على حالنا , فتركهن).
وقال قتادة في قوله تعالى: {ذلك أدنى أن تقر أعينهن} (إذا علمن أن ذلك من الله جل وعز قرت أعينهن , ولم يحزن , ورضين).). [معاني القرآن: 5/364-366]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تُرْجِي}: تؤخر, {وتُؤْوِي}: تضم.). [العمدة في غريب القرآن: 243]
تفسير قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقيبًا (52)}ِ
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (عمّارٌ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن قتادة، عن الحسن، أنّ النّبيّ عليه السّلام لمّا خيّر نساءه، فاخترن اللّه ورسوله قصره عليهنّ، وقال: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] إلى آخر الآية.
حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن الحسن، قال: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52]، يعني: أزواجه التّسع {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ} [الأحزاب: 52] قال: قصره اللّه على أزواجه اللّاتي مات عنهنّ، فأخبرت به عليّ بن الحسن فقال: لو شاء لتزوّج عليهنّ.
وقال عليّ بن زيدٍ: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جريرًا يخطب عليه جميلة بنت فلانٍ بعد التّسع.
وحدّثني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] لا نصرانيّاتٍ، ولا يهوديّاتٍ، ولا كوافر، ولا أن تبدّل بهنّ من الأزواج المسلمات غيرهنّ {ولو أعجبك حسنهنّ إلا ما ملكت يمينك} [الأحزاب: 52] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/729]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير الكلبيّ في قوله: {لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ} [الأحزاب: 52] أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا تزوّج أسماء بنت النّعمان الكنديّة، وكانت من أحسن البشر، فقال نساء نبيّ اللّه: لئن تزوّج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغرائب ما له فينا حاجةٌ، فحبس اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على
أزواجه اللّائي عنده، وأحلّ له من بنات العمّ، والعمّة، والخال، والخالة ما شاء.
قال يحيى: وهذا موافقٌ لتفسير أبيّ بن كعبٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/730]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] وقد فسّرناه قبل هذا.
{ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ} [الأحزاب: 52] حسن نساء غير أزواجه وما أحلّ اللّه له ممّا سمّى في قول أبيّ بن كعبٍ، ومجاهدٍ، والكلبيّ، على وجه ما قالوا.
وفي قول الحسن: غير نسائه خاصّةً، هذا في أزواجه اللّائي عنده خاصّةً، لا يتزوّج مكانهنّ ولا يطلّقهنّ.
قال: {إلا ما ملكت يمينك} [الأحزاب: 52] يطأ بملك يمينه ما يشاء.
{وكان اللّه على كلّ شيءٍ رقيبًا} [الأحزاب: 52] حفيظًا.
وتفسير السّدّيّ حفيظًا لأعمالكم). [تفسير القرآن العظيم: 2/732]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ...}
(أن) في موضع رفع؛ كقولك: لا يحلّ لك النّساء والاستبدال ببهن, وقد اجتمعت القراء على {لاّ يحلّ} بالياء, وذلك أنّ المعنى: لا يحلّ لك شيء من النساء، فلذلك اختير تذكير الفعل, ولو كان المعنى : للنساء جميعاً , لكان التّأنيث أجود في العربيّة, والتاء جائزة لظهور النساء بغير من.).[معاني القرآن: 2/346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا يحل لك النساء من بعد }: إذا جعلت العرب من فعل المؤنث , وبينها شيئاً ذكروا فعلها ؛ وبعد مرفوعه بغير تنوين ؛ لأنه غاية لم تصف , وحرم على النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء، فإن قال قائل: إنهن لم يحرمن عليه , فإن الآية إذا منسوخة :{ على كلّ شيءٍ رقيباً }, أي: حفيظاً, قال أبو داود:
= كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم نواهد= .). [مجاز القرآن: 2/139-1400]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لاّ يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ إلاّ ما ملكت يمينك وكان اللّه على كلّ شيءٍ رّقيباً}
وقال: {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ} : فمعناه - والله أعلم - أن تبدّل بهنّ أزواجاً, وأدخلت {من} للتوكيد.). [معاني القرآن: 3/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ} : قصره على أزواجه، وحرم عليه ما سواهنّ، إلا ما ملكت يمينه من الإماء.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ إلّا ما ملكت يمينك وكان اللّه على كلّ شيء رقيبا (52)}
ويقرأ: لا تحل لك النساء بالتاء، فمن قرأ بالياء فلأن الياء في معنى جمع النساء، والنساء يدل على التأنيث , فيستغنى عن تأنيث يحل.
ويجوز لا تحل بالتاء على معنى : لا تحل لك جماعة النساء.
وقوله:{ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ إلّا ما ملكت يمينك}
موضع " ما " رفع , المعنى : لا يحل لك إلا ما ملكت يمينك.
جعل " ما " بدلا من النساء , ويجوز أن يكون موضع " ما " نصبا على معنى : لا يحل لك النساء , أستثني : ما ملكت يمينك.). [معاني القرآن: 4/234]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا يحل لك النساء من بعد}
في هذه الآية أقوال:-
فمنها: ما روى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن عائشة قالت : (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء).
وقال الحسن : (لما خير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه , فاخترنه , شكر الله جل وعز لهن ذلك , فحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج غيرهن , أي : فامتحنه بذلك كما امتحنهن) .
وقال علي بن الحسين : (قد كان له أن يتزوج) .
قال أبو جعفر : هذه الثلاثة الأقوال غير متناقضة
تقول عائشة :(ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء), إسناده جيد , ويتأول على أنه ناسخ للحظر , ويحتج به في أن السنة تنسخ القرآن , كما قال جل وعز: {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا وصية لوارث .)).
ومذهب الضحاك : أن الناسخ لها , قوله: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}
وهذا لا يصح , لأن بعده :{ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن}
وقول علي بن الحسين عليه السلام يجوز أن يكون يرجع إلى قول عائشة , وإن كان قد أنكر قول الحسن , فإن الحسن لم يذكر أن الآية منسوخة , فيجوز أن يكون أنكره من هذه الجهة وتكون الآية عنده منسوخة , وعوض الله جل وعز نساء النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أن جعلهن أزواجه في الجنة .
وفي الآية غير هذا : قال زياد بن عبد الله : سألت أبي بن كعب , عن قول الله جل وعز: {لا يحل لك النساء من بعد} , فقلت : أكان يحل له أن يتزوج ؟.
فقال : (نعم , ما بأس بذلك , قال الله جل وعز: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}إلى قوله:{وامرأة مؤمنة}ثم قال جل وعز: {لا يحل لك النساء من بعد}, أي : لا يحل لك الأمهات , ولا الأخوات , ولا البنات) فهذا قول آخر أي: لا يحل لك النساء من بعد من أحللنا إلا ما ملكت يمينك .
وقال مجاهد , وسعيد بن جبير , وعطاء , والحكم قولا آخر ., قالوا {لا يحل لك النساء من بعد}: (أي: لا يحل لك اليهوديات , ولا النصرانيات)
قال مجاهد : (أي : لا يحل أن تتزوج كافرة , فتكون أما للمؤمنين , ولو أعجبك حسنها إلا ما ملكت يمينك , فإن له أن يتسرى بها).). [معاني القرآن: 368-370]