العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 10:59 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (1) إلى الآية (4) ]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:48 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي، قال أبو صخرٍ: وحدّثني أبو معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ أنّ سعد بن أبي وقّاصٍ ورجلا من الأنصار خرجا يقتتلان وينتفلان نفلا فوجدا سيفًا ملقًى فخرّا عليه جميعًا، فقال سعدٌ: هو لي، فقال [الأنصاريّ]: بل، هو لي، فتنازعا في ذلك؛ فقال الأنصاريّ إن أيسر ما يكون لأن يكون [ .. .. ] جمعياً، وخررنا عليه جميعًا، فقال: لا أسلّمه إليك حتّى نأتي رسول [اللّه .... ] القصّة على رسول اللّه؛ قال رسول اللّه: ليس لك، يا سعد، ولا لك [ ....... ]: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول [فاتّقوا اللّه] وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله}، يقول: [ .......... ] لمحمدٍ {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه [وللرّسول ولذي القربى واليتامى] والمساكين وابن السبيل}). [الجامع في علوم القرآن: 2/67-68]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني ابن لهيعة قال: يقولون إن براءة من: {يسألونك عن الأنفال}، قالوا: وإنما ترك بسم الله الرحمن الرحيم أن يكتب في براءة لأنها من: {يسألونك}). [الجامع في علوم القرآن: 3/34]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة في قول الله: {يسألونك عن الأنفال}، قال: نسختها: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه}). [الجامع في علوم القرآن: 3/87]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد قال: قال ابن عباس كان عمر إذا سئل عن شيء قال لا آمرك ولا أنهاك قال ثم يقول ابن عباس والله ما بعث الله نبيه إلا زاجرا آمرا محلا محرما قال فسلط على ابن عباس رجل من أهل العراق فسأله عن الأنفال فقال ابن عباس كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلبه فأعاد عليه فقال مثل ذلك ثم أعاد عليه فقال ابن عباس أتدرون ما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر قال وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه أو قال على رجليه فقال أما الله فقد انتقم لعمر منك). [تفسير عبد الرزاق: 1/249]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال النبي من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا وكانوا قتلوا سبعين وأسروا سبعين فجاء أبو اليسر بن عمرو بأسيرين فقال يا رسول الله إنك وعدتنا من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا وقد جئت بأسيرين فقام سعد بن عبادة فقال يا رسول الله إنا لم تمنعنا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو ولكنا قمنا هذا المقام خشية أن يقتطعك المشركون وإنك إن تعط هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء قال فجعل هؤلاء يقولون وهؤلاء يقولون فنزلت {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} قال فسلموا الغنيمة لرسول لله قال نزلت {واعلموا أنما غنمتم من شيء} الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/249-250]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي قال لما كان يوم بدر قال النبي من جاء برأس فله كذا وكذا ومن جاء بأسير فله كذا وكذا فلما هزم المشركين تبعهم ناس من المسلمين وبقي مع النبي ناس فقال الذين بقوا مع النبي يا نبي الله والله ما منعنا أن نصنع كما صنع هؤلاء وأن نتبعهم ضعف بنا ولا تقصير ولكنا كرهنا أن نعريك وندعك وحدك قال فتدارءوا في ذلك فأنزل الله تعالى {يسألونك عن الأنفال} ثم أخبر الله تعالى بمواضعها فقال {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/250-251]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الكلبي عن أبي ضلح من ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ: ((من جاء بأسيرٍ فله كذى ومن جاء برأس فله كذى ومن جاء برأس فله كذى)) فجاء أبو اليسر بأسيرين فقال: يا رسول اللّه إنّك قلت من جاء بأسير فله كذى ومن جاء برأس فله كذى وقد جئت بهذين قال سعد بن عبادة: يا رسول اللّه قد رأينا مكان ما أخذوا وحرسناك مخافةً عليك فجعل أبو اليسر يتكلّم فإذا فرغ تكلّم سعد بن عبادة فنزلت {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرسول} [الآية: 1]). [تفسير الثوري: 115]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية : قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرّسول فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد اللّه بن جعفرٍ، عن عبد الرّحمن بن الحارث بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة، عن سليمان بن موسى الأشدق، عن مكحول، عن أبي سلّام الباهليّ، عن أبي أمامة الباهليّ، عن عبادة بن الصّامت، قال: خرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى بدرٍ، فلقي بها العدوّ، فلمّا هزمهم اللّه، اتّبعتهم طائفةٌ من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفةٌ برسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، واستولت طائفةٌ على النّهب والعسكر، فلمّا رجع الذين طلبوا العدوّ، قالوا: لنا النّفل؛ نحن طلبنا العدوّ، وبنا نفاهم اللّه عزّ وجلّ وهزمهم، وقال الّذين أحدقوا برسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ما أنتم بأحقّ به منّا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن يناله من العدوّ غرّة، وقال الّذين استولوا على النّهب والعسكر: ما أنتم بأحقّ به منّا، بل هو لنا، نحن استولينا عليه وأحرزناه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ على رسوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرّسول فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم... } الآية، فقسمها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بينهم عن فواق، وكان رسول اللّه ينفّلهم بادين الرّبع، فإذا قفلوا الثّلث، فأخذ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وبرةً من ظهر بعيره، فقال: ((ما يحلّ لي من الفيء قدر هذه الوبرة، إلّا الخمس، والخمس مردودٌ عليكم، فأدّوا الخياط والمخيط، وإيّاكم والغلول، فإنّه عارٌ على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد، فإنّه بابٌ من أبواب الجنّة يذهب اللّه به الغمّ والهمّ))، وكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يكره النّفل ويقول: ((يردّ (قويّ) القوم على ضعيفهم)).
- حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا أبو معاوية، عن الشّيباني، عن محمّد بن عبيد اللّه الثّقفي، عن سعد بن أبي وقّاصٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ قتلت سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، وكان يسمّى: ذا الكتيفة، فجئت إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال لي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((اذهب فاطرحه في القبض))، فذهبت وبي ما لا يعلمه إلّا اللّه عزّ وجلّ؛ من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزته إلّا قليلًا حتّى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((اذهب فخذ سيفك)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في أهل بدر). [سنن سعيد بن منصور: 5/187-200]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} قال: هذا تحريجٌ من الله على المؤمنين أن يتّقوا ويصلحوا ذات بينهم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 243]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {يسألونك عن الأنفال، قل: الأنفال للّه والرّسول، فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1].

قال ابن عبّاسٍ: " الأنفال: المغانم "). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال ابن عبّاس الأنفال المغانم وصله ابن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال الأنفال المغانم كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالصةً ليس لأحدٍ فيها شيء وروى أبو داود والنّسائيّ وبن حبّان من طريق داود بن أبي هندٍ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ قال لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من صنع كذا فله كذا الحديث فنزلت يسألونك عن الأنفال). [فتح الباري: 8/306]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
قال ابن عبّاس الأنفال المغانم وقال قتادة ريحكم الحرب
أما قول ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علّي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله الأنفال قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم خالصة ليس لأحد فيها شيء
وقال أبو الشّيخ ثنا محمّد بن العبّاس ثنا زياد بن أيّوب ثنا هشيم عن داود ابن أبي هند عن عكرمة عن ابن عبّاس به في حديث). [تغليق التعليق: 4/215]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرّسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} (الأنفال: 1)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال} إلى آخره، وليس في كثير من النّسخ لفظ: باب. قوله: (يسألونك) ، يعني: يسألك أصحابك يا محمّد عن الغنائم الّتي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر لمن هي، فقيل: هي لله ورسوله، وقيل: هي أنفال السّرايا، وقيل: هي ما شدّ من المشركين إلى المسلمين من عبد أو دابّة وما أشبه ذلك، وقيل: هي ما أخذ ممّا يسقط من المتاع بعد ما تقسم الغنائم فهو نفل لله ورسوله، وقيل: النّفل الخمس الّذي جعله الله تعالى لأهل الخمس، وقال النّحاس: في هذه الآية أقوال فأكثرهم على أنّها منسوخة بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه} (الأنفال: 41) وقال بعضهم: هي محكمة وللأئمة أن يعملوا بها فينفلوا من شاؤوا إذا كان ذلك صلاح المسلمين، وفي تفسيره مكي: أكثر النّاس على أنّها محكمة، وممّن قاله أيضا ابن عبّاس. قوله: (فاتّقوا الله) ، الآية أي: خافوا من الله بترك مخالفة رسوله. قوله: (وأصلحوا ذات بينكم) ، أي: أحوال بينكم حتّى تكون أحوال ألفة ومحبة، والبين: الوصل كقوله: لقد تقطع بينكم.
{قال ابن عبّاسٍ: الأنفال المغانم}
هذا التّعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، قال: الأنفال المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد فيها شيء). [عمدة القاري: 18/244]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1] قال ابن عبّاسٍ: الأنفال: المغانم، قال قتادة: ريحكم: الحرب. يقال: نافلةٌ: عطيّةٌ
(قوله) تعالى: ({يسألونك}) من حضر بدرًا ({عن الأنفال}) أي عن حكمها لاختلاف وقع بينهم فيها يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ({قل الأنفال لله والرسول}) يقسمها -صلّى اللّه عليه وسلّم- على ما يأمره الله تعالى ({فاتقوا الله}) في الاختلاف ({وأصلحوا ذات بينكم}) [الأنفال: 1] أي الحال التي بينكم إصلاحًا يحصل به الألفة والاتفاق وذلك بالمواساة والمساعدة في الغنائم، وسقط قوله {يسألونك} الخ لأبي ذر.
(قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله من طريق علي بن أبي طلحة عنه: (الأنفال) هي (المغانم) كانت لرسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- خالصة ليس لأحد فيها شيء، وقيل سميت الغنائم أنفالًا لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم وسمي التطوع نافلة لزيادته على الفرض، ويعقوب لكونه زيادة على ما سأل، وفي الاصطلاح ما شرطه الإمام لمن يباشر خطر التقدم طليعة وكشرط السلب للقاتل). [إرشاد الساري: 7/132]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال نافلةٌ عطيّةٌ»). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله نافلةٌ عطيّةٌ قال في رواية النّسفيّ يقال فذكره وقد قال أبو عبيدة في قوله ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك أي غنيمةً). [فتح الباري: 8/306]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يقال نافلةٌ عطيّةٌ
إنّما ذكر هذا استطرادًا لأن في معنى الأنفال الّتي هي المغانم معنى العطيّة. قال الجوهري: النّفل والنافلة عطيّة التّطوّع من حيث لا تجب، ومنه نافلة الصّلاة، وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ومن اللّيل فتهجد به نافلة} (الإسراء: 79) أي: غنيمة). [عمدة القاري: 18/244]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يقال نافلة) أي (عطية) ). [إرشاد الساري: 7/132]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله عز وجل: {يسألونك عن الأنفال} قال: الأنفال: الغنائم). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 101]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا هنّاد بن السّريّ، في حديثه، عن أبي بكرٍ، عن عاصمٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن أبيه، قال: جئت يوم بدرٍ بسيفٍ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ الله قد شفا صدري اليوم من العدوّ، فهب لي هذا السّيف، فقال: «إنّ هذا السّيف ليس لي ولا لك» فذهبت وأنا أقول: يعطي اليوم من لم يبل بلائي، فبينما أنا إذ جاءني الرّسول فقال: أجب، فظننت أنّه نزل فيّ شيءٌ لكلامي، فجئت فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك سألتني هذا السّيف، وليس هو لي ولا لك، وإنّ الله قد جعله لي، وهو لك» ثمّ قرأ {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} [الأنفال: 1] إلى آخر الآية "
- أخبرنا الهيثم بن أيّوب، حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود بن أبي هندٍ يحدّث عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أتى مكان كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا» فسارع إليه الشّبّان وثبت الشّيوخ تحت الرّايات، فلمّا فتح الله لهم جاء الشّباب يطلبون ما جعل لهم، فقال الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا، فإنّما كنّا ردءًا لكم فأنزل الله عزّ وجلّ {فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/104]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الأنفال الّتي ذكرها اللّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي الغنائم، وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك يا محمّد عن الغنائم الّتي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدرٍ لمن هي، فقل هي للّه ولرسوله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو، عن حمّاد بن زيدٍ، عن عكرمة: {يسألونك عن الأنفال} قال: الأنفال: الغنائم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يسألونك عن الأنفال} قال: الأنفال: الغنائم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الأنفال: المغنم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {يسألونك عن الأنفال} قال: الغنائم.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: الأنفال قال: يعني الغنائم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يسألونك عن الأنفال} قال: الأنفال: الغنائم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {يسألونك عن الأنفال} الأنفال: الغنائم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {يسألونك عن الأنفال} قال: الأنفال: الغنائم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الأنفال: الغنائم.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: {يسألونك عن الأنفال} قال: الغنائم.
وقال آخرون: هي أنفال السّرايا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا عليّ بن صالح بن حيٍّ، قال: بلغني في قوله: {يسألونك عن الأنفال} قال: السّرايا.
وقال آخرون: الأنفال ما شذّ من المشركين إلى المسلمين من عبدٍ أو دابّةٍ وما أشبه ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، في قوله: {يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال للّه والرّسول} قال: هو ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتالٍ دابّةٌ أو عبدٌ أو متاعٌ، ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصنع فيه ما شاء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {يسألونك عن الأنفال} قال: هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتالٍ من عبدٍ أو أمةٍ أو متاعٍ أو نفلٍ، فهو للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصنع فيه ما شاء.
- قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، أنّ ابن عبّاسٍ، سئل عن الأنفال، فقال: السّلب والفرس.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ ويقال: الأنفال: ما أخذ ممّا سقط من المتاع بعدما تقسم الغنائم، فهي نفلٌ للّه ولرسوله.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن محمّد بن شهابٍ، أنّ رجلاً، قال لابن عبّاسٍ: ما الأنفال؟ قال: الفرس والدّرع والرّمح.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: قال ابن جريجٍ، قال عطاءٌ: الأنفال: الفرس الشّاذّ، والدّرع، والثّوب.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان ينفّل الرّجل فرس الرّجل وسلبه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مالك بن أنسٍ، عن ابن شهابٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، قال: سمعت رجلاً، سأل ابن عبّاسٍ عن الأنفال؟ فقال ابن عبّاسٍ: الفرس من النّفل، والسّلب من النّفل. ثمّ عاد لمسألته، فقال ابن عبّاسٍ ذلك أيضًا، ثمّ قال الرّجل: الأنفال الّتي قال اللّه في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتّى كاد يحرّجه، فقال ابن عبّاسٍ: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغٍ الّذي ضربه عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن القاسم بن محمّدٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: كان عمر رضي اللّه عنه إذا سئل عن شيءٍ قال: لا آمرك ولا أنهاك ثمّ قال ابن عبّاسٍ: واللّه ما بعث اللّه نبيّه عليه السّلام إلاّ زاجرًا آمرًا محلّلاً محرّمًا قال القاسم: فسلّط على ابن عبّاسٍ رجلٌ يسأله عن الأنفال، فقال ابن عبّاسٍ: كان الرّجل ينفّل فرس الرّجل وسلاحه. فأعاد عليه الرّجل، فقال له مثل ذلك، ثمّ أعاد عليه حتّى أغضبه، فقال ابن عبّاسٍ: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغٍ الّذي ضربه عمر حتّى سالت الدّماء على عقبيه، أو على رجليه، فقال الرّجل: أمّا أنت فقد انتقم اللّه لعمر منك.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {يسألونك عن الأنفال} قال: يسألونك فيما شذّ من المشركين إلى المسلمين في غير قتالٍ من دابّةٍ أو عبدٍ، فهو نفلٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون: النّفل: الخمس الّذي جعله اللّه لأهل الخمس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يسألونك عن الأنفال} قال: هو الخمس. قال المهاجرون: لم يرفع عنّا هذا الخمس؟ لم يخرج منّا؟ فقال اللّه: هو للّه والرّسول.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن الحجّاج، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: أنّهم سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت: {يسألونك عن الأنفال}.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب في معنى الأنفال قول من قال: هي زياداتٌ يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم إمّا من سلبه على حقوقهم من القسمة، وإمّا ممّا وصل إليه بالنّفل، أو ببعض أسبابه، ترغيبًا له وتحريضًا لمن معه من جيشه على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين. وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عبّاسٍ من أنّه الفرس والدّرع ونحو ذلك، ويدخل فيه ما قاله عطاءٌ من أنّ ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبدٍ أو فرسٍ؛ لأنّ ذلك أمره إلى الإمام إذا لم يكن ما وصلوا إليه لغلبةٍ وقهرٍ، يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام، وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهرٍ.
وإنّما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصّواب لأنّ النّفل في كلام العرب إنّما هو الزّيادة على الشّيء، يقال منه: نفلتك كذا، وأنفلتك: إذا زدتك.
والأنفال: جمع نفلٍ ومنه قول لبيد بن ربيعة:
إنّ تقوى ربّنا خير نفل = وبإذن اللّه ريثي وعجل
فإذا كان معناه ما ذكرنا، فكلّ من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة إن كان ذلك لبلاءٍ أبلاه أو لغناءٍ كان منه عن المسلمين، بتنفيل الوالي ذلك إيّاه، فيصير حكم ذلك له كالسّلب الّذي يسلبه القاتل فهو منفّلٌ ما زيد من ذلك؛ لأنّ الزّيادة وإن كانت مستوجبةً في بعض الأحوال بحقٍّ، فليست من الغنيمة الّتي تقع فيها القسمة، وكذلك كلّ ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفلٌ؛ لأنّه وإن كان مغلوبًا عليه فليس ممّا وقعت عليه القسمة.
فالفصل إذ كان الأمر على ما وصفنا بين الغنيمة والنّفل، أنّ الغنيمة هي ما أفاء اللّه على المسلمين من أموال المشركين بغلبةٍ وقهرٍ نفل منه منفّلٌ أولم ينفّل والنّفل: هو ما أعطيه الرّجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمةٍ.
وإذ كان ذلك معنى النّفل، فتأويل الكلام: يسألك أصحابك يا محمّد عن الفضل من المال الّذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفّار قريشٍ الّذين قتلوا ببدرٍ لمن هو قل لهم يا محمّد: هو للّه ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء.
واختلف في السّبب الّذي من أجله نزلت هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في غنائم بدرٍ لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان نفل أقوامًا على بلاءٍ، فأبلى أقوامٌ وتخلّف آخرون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاختلفوا فيها بعد انقضاء الحرب، فأنزل اللّه هذه الآية على رسوله، يعلّمهم أنّ ما فعل فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فماضٍ جائزٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت داود بن أبي هندٍ، يحدّث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من أتى مكان كذا وكذا، فله كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا. فتسارع إليه الشّبّان، وبقي الشّيوخ عند الرّايات. فلمّا فتح اللّه عليهم، جاءوا يطلبون ما جعل لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا، فأنزل اللّه عليه الآية: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم}.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من صنع كذا وكذا، فله كذا وكذا قال: فتسارع في ذلك شبّان الرّجال، وبقيت الشّيوخ تحت الرّايات فلمّا كانت الغنائم، جاءوا يطلبون الّذي جعل لهم، فقالت الشّيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنّا كنّا ردءًا لكم، وكنّا تحت الرّايات، ولو انكشفتم لفئتم إلينا، فتنازعوا، فأنزل اللّه: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}.
- حدّثني إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا خالد بن عبد اللّه، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من فعل كذا فله كذا وكذا من النّفل قال: فتقدّم الفتيان ولزم المشيخة الرّايات، فلم يبرحوا، فلمّا فتح عليهم، قالت المشيخة: كنّا ردءًا لكم، فلو انهزمتم انحزتم إلينا، لا تذهبوا بالمغنم دوننا، فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لنا فأنزل اللّه: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} قال: فكان ذلك خيرًا لهم، وكذلك أيضًا: أطيعوني فإنّي أعلم.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، في هذه الآية: {يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال للّه والرّسول} قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من صنع كذا فله من النّفل كذا فخرج شبّانٌ من الرّجال فجعلوا يصنعونه، فلمّا كان عند القسمة، قال الشّيوخ: نحن أصحاب الرّايات، وقد كنّا ردءًا لكم، فأنزل اللّه في ذلك: {قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعقوب الزّبيريّ، قال: حدّثني المغيرة بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن سليمان بن موسى، عن مكحولٍ، مولى هذيلٍ، عن أبي سلاّمٍ، عن أبي أمامة الباهليّ، عن عبادة بن الصّامت، قال: أنزل اللّه حين اختلف القوم في الغنائم يوم بدرٍ: {يسألونك عن الأنفال} إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين} فقسمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم عن سواءٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّدٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا، عن سليمان بن موسى الأسديّ، عن مكحولٍ، عن أبي أمامة الباهليّ، قال: سألت عبادة بن الصّامت عن الأنفال، فقال: فينا معشر أصحاب بدرٍ نزلت حين اختلفنا في النّفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه اللّه من أيدينا، فجعله إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقسمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين المسلمين عن سواءٍ، يقول: على السّواء، فكان في ذلك تقوى اللّه وطاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وصلاح ذات البين.
وقال آخرون: إنّما نزلت هذه الآية؛ لأنّ بعض أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأله من المغنم شيئًا قبل قسمتها، فلم يعطه إيّاه؛ إذ كان شركًا بين الجيش، فجعل اللّه جميع ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسماعيل بن موسى السّدّيّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن عاصمٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن سعدٍ، قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ بسيفٍ، فقلت: يا رسول اللّه هذا السّيف قد شفى اللّه به من المشركين، فسألته إيّاه، فقال: ليس هذا لي ولا لك. قال: فلمّا ولّيت، قلت: أخاف أن يعطيه من لم يبل بلائي. فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خلفي، قال: فقلت: أخاف أن يكون نزل فيّ شيءٌ، قال: إنّ السّيف قد صار لي. قال: فأعطانيه، ونزلت: {يسألونك عن الأنفال}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، قال: حدّثنا عاصمٌ، عن مصعب بن سعدٍ، عن سعد بن مالكٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، جئت بسيفٍ، قال: فقلت: يا رسول اللّه، إنّ اللّه قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا، فهب لي هذا السّيف، فقال لي: هذا ليس لي ولا لك. فرجعت فقلت: عسى أن يعطي هذا من لم يبل بلائي، فجاءني الرّسول، فقلت: حدث فيّ حدثٌ: فلمّا انتهيت، قال: يا سعد إنّك سألتني السّيف وليس لي، وإنّه قد صار لي فهو لك. ونزلت: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حربٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن أبيه، قال: أصبت سيفًا يوم بدرٍ، فأعجبني، فقلت: يا رسول اللّه هبه لي، فأنزل اللّه: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول}.
- حدّثنا ابن المثنّى وابن وكيعٍ، قال ابن المثنّى، حدّثني أبو معاوية، وقال ابن وكيعٍ: حدّثنا أبو معاوية قال: حدّثنا الشّيبانيّ، عن محمّد بن عبيد اللّه، عن سعد بن أبي وقّاصٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ قتل أخي عميرٌ وقتلت سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، وكان يسمّى ذا الكتيفة، فجئت به إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اذهب فاطرحه في القبض، فطرحته ورجعت وبي ما لا يعلمه إلاّ اللّه من قتل أخي وأخذ سلبي، قال: فما جاوزت إلاّ قريبًا حتّى نزلت عليه سورة الأنفال، فقال: اذهب فخذ سيفك.
ولفظ الحديث لابن المثنّى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة جميعًا، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن قيس بن ساعدة، قال: سمعت أبا أسيد بن مالك بن ربيعة، يقول: أصبت سيف ابن عائدٍ يوم بدرٍ، وكان السّيف يدعى المرزبان فلمّا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يردّوا ما في أيديهم من النّفل، أقبلت به فألقيته في النّفل، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يمنع شيئًا يسأله، فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزوميّ، فسأله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأعطاه إيّاه.
- حدّثني يحيى بن جعفرٍ، قال: حدّثنا أحمد بن أبي بكرٍ، عن يحيى بن عمران، عن جدّه عثمان بن الأرقم، عن عمّه، عن جدّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ: ردّوا ما كان من الأنفال، فوضع أبو أسيدٍ السّاعديّ سيف ابن عائدٍ المرزبان، فعرفه الأرقم فقال. هبه لي يا رسول اللّه، قال: فأعطاه إيّاه.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماك بن حربٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن أبيه قال: أصبت سيفًا. قال: فأتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه نفّلنيه، فقال: ضعه ثمّ قام فقال: يا رسول اللّه نفّلنيه، قال: ضعه قال: ثمّ قام فقال: يا رسول اللّه نفّلنيه، أجعل كمن لا غناء له؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ضعه من حيث أخذته فنزلت هذه الآية {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول}.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن سعدٍ، قال: أخذت سيفًا من المغنم، فقلت: يا رسول اللّه هب لي هذا، فنزلت: {يسألونك عن الأنفال}.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يسألونك عن الأنفال} قال: قال سعدٌ: كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أميّة، فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: أعطني هذا السّيف يا رسول اللّه، فسكت، فنزلت: {يسألونك عن الأنفال} إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين} قال: فأعطانيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون: بل نزلت لأنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدرٍ فأعلمهم اللّه أنّ ذلك للّه ولرسوله دونهم ليس لهم فيه شيءٌ. وقالوا: معنى: عن في هذا الموضع من وإنّما معنى الكلام: يسألونك من الأنفال، وقالوا: قد كان ابن مسعودٍ يقرؤه: يسألونك الأنفال على هذا التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: يسألونك الأنفال.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: هي في قراءة ابن مسعودٍ يسألونك الأنفال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال للّه والرّسول} قال: الأنفال: المغانم كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالصةً ليس لأحدٍ منها شيءٌ، ما أصاب سرايا المسلمين من شيءٍ أتوه به، فمن حبس منه إبرةً أو سلكًا فهو غلولٌ. فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعطيهم منها، قال اللّه: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال} لي جعلتها لرسولي ليس لكم فيها شيءٌ {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}، ثمّ أنزل اللّه: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} ثمّ قسم ذلك الخمس لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولمن سمّي في الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {يسألونك عن الأنفال} قال: نزلت في المهاجرين والأنصار ممّن شهد بدرًا. قال: واختلفوا فكانوا أثلاثًا. قال: فنزلت: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} وملّكه اللّه رسوله، فقسمه كما أراه اللّه.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن الحجّاج، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه: أنّ النّاس سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الغنائم يوم بدرٍ، فنزلت: {يسألونك عن الأنفال}.
- قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {يسألونك عن الأنفال} قال: يسألونك أن تنفّلهم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، قال: حدّثنا أيّوب، عن عكرمة، في قوله: {يسألونك عن الأنفال} قال: يسألونك الأنفال.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر في هذه الآية عن قومٍ سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأنفال أن يعطيهموها، فأخبرهم اللّه أنّها للّه وأنّه جعلها لرسوله.
وإذا كان ذلك معناه جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها، وجائزٌ أن يكون كان من أجل مسألة من سأله السّيف الّذي ذكرنا عن سعدٍ أنّه سأله إيّاه، وجائزٌ أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش.
واختلفوا فيها، أمنسوخةٌ هي أم غير منسوخةٍ؟
فقال بعضهم: هي منسوخةٌ، وقالوا: نسخها قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، وعكرمة، قالا: كانت الأنفال للّه وللرّسول فنسختها: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يسألونك عن الأنفال} قال: أصاب سعد بن أبي وقّاصٍ يوم بدرٍ سيفًا، فاختصم فيه وناسٌ معه، فسألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم منهم، فقال اللّه: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} الآية، فكانت الغنائم يومئذٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً، فنسخها اللّه بالخمس.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني سليمٌ، مولى أمّ محمّدٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يسألونك عن الأنفال} قال: نسختها: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه}.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، وعكرمة، أو عكرمة وعامرٍ، قالا: نسخت الأنفال: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه}.
وقال آخرون: هي محكمةٌ وليست منسوخةً. وإنّما معنى ذلك: قل الأنفال للّه، وهي لا شكّ للّه مع الدّنيا بما فيها والآخرة، وللرّسول يضعها في مواضعها الّتي أمره اللّه بوضعها فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يسألونك عن الأنفال} فقرأ حتّى بلغ: {إن كنتم مؤمنين} فسلّموا للّه ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا ويضعانها حيث أرادا، فقالوا: نعم.
ثمّ جاء بعد الأربعين: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} الآية، ولكم أربعة أخماسٍ، وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم خيبر: وهذا الخمس مردودٌ على فقرائكم يصنع اللّه ورسوله في ذلك الخمس ما أحبّا، ويضعانه حيث أحبّا، ثمّ أخبرنا اللّه الّذي يجب من ذلك ثمّ قرأ الآية: {ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم}.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّه جعل الأنفال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينفّل من شاء، فنفّل القاتل السّلب، وجعل للجيش في البداءة الرّبع وفي الرّجعة الثّلث بعد الخمس، ونفّل قومًا بعد سهمانهم بعيرًا بعيرًا في بعض المغازي. فجعل اللّه تعالى ذكره حكم الأنفال إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينفّل على ما يرى ممّا فيه صلاح المسلمين، وعلى من بعده من الأئمّة أن يستنّوا بسنّته في ذلك، وليس في الآية دليلٌ على أنّ حكمها منسوخٌ لاحتمالها ما ذكرت من المعنى الّذي وصفت، وغير جائزٍ أن يحكم بحكمٍ قد نزل به القرآن أنّه منسوخٌ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها، فقد دللنا في غير موضعٍ من كتبنا على أن لا منسوخ إلاّ ما أبطل حكمه حادثٌ حكم بخلافه ينفيه من كلّ معانيه، أو يأتي خبرٌ يوجب الحجّة أنّ أحدهما ناسخٌ الآخر.
وقد ذكر عن سعيد بن المسيّب أنّه كان ينكر أن يكون التّنفيل لأحدٍ بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تأويلاً منه لقول اللّه تعالى: {قل الأنفال للّه والرّسول}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن محمّد بن عمرٍو، قال: أرسل سعيد بن المسيّب غلامه إلى قومٍ سألوه عن شيءٍ، فقال: إنّكم أرسلتم إليّ تسألوني عن الأنفال، فلا نفل بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد بيّنّا أنّ للأئمّة أن يتأسّوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مغازيهم بفعله، فينفّلوا على نحو ما كان ينفّل، إذا كان التّنفيل صلاحًا للمسلمين.

القول في تأويل قوله تعالى: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: فخافوا اللّه أيّها القوم، واتّقوه بطاعته واجتناب معاصيه، وأصلحوا الحال بينكم.
واختلف أهل التّأويل في الّذي عني بقوله: {وأصلحوا ذات بينكم} فقال بعضهم: هو أمرٌ من اللّه للّذين غنموا الغنيمة يوم بدرٍ وشهدوا الوقعة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا اختلفوا في الغنيمة أن يردّوا ما أصابوا منها بعضهم على بعضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} قال: كان نبيّ اللّه ينفّل الرّجل من المؤمنين سلب الرّجل من الكفّار إذا قتله، ثمّ أنزل اللّه: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} أمرهم أن يردّ بعضهم على بعضٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: بلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان ينفّل الرّجل على قدر جدّه وغنائه على ما رأى، حتّى إذا كان يوم بدرٍ وملأ النّاس أيديهم غنائم، قال أهل الضّعف من النّاس: ذهب أهل القوّة بالغنائم، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: {قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} ليردّ أهل القوّة على أهل الضّعف.
وقال آخرون: هذا تحريجٌ من اللّه على القوم، ونهيٌ لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا خالد بن يزيد، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قالا: حدّثنا أبو إسرائيل، عن فضيلٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} قال: حرّج عليهم.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} قال هذا تحريجٌ من اللّه على المؤمنين أن يتّقوا ويصلحوا ذات بينهم. قال عبّادٌ، قال سفيان: هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} أي: لا تستبّوا.
واختلف أهل العربيّة في وجه تأنيث البين، فقال بعض نحويّي البصرة: أضاف ذات إلى البين وجعله ذاتًا؛ لأنّ بعض الأشياء يوضع عليه اسمٌ مؤنّثٌ، وبعضًا يذكّر نحو الدّار، والحائط أنّث الدّار وذكّر الحائط.
وقال بعضهم: إنّما أراد بقوله: {ذات بينكم} الحال الّتي للبين فقال: وكذلك ذات العشاء يريد السّاعة الّتي فيها العشاء. قال: ولم يضعوا مذكّرًا لمؤنّثٍ ولا مؤنّثًا لمذكّرٍ إلاّ لمعنى.
قال أبو جعفرٍ: هذا القول أولى القولين بالصّواب للعلّة الّتي ذكرتها له.
وأمّا قوله: {وأطيعوا اللّه ورسوله} فإنّ معناه: وانتهوا أيّها القوم الطّالبون الأنفال إلى أمر اللّه وأمر رسوله فيما أفاء اللّه عليكم، فقد بيّن لكم وجوهه وسبله. {إن كنتم مؤمنين} يقول: إن كنتم مصدّقين رسول اللّه فيما آتاكم به من عند ربّكم.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين} فسلّموا للّه ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا، ويضعانها حيث أرادا). [جامع البيان: 11/5-27]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين (1)
قوله عز وجل يسئلونك
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو بكر النخعي عن جويبر عن الضحاك يسئلونك عن الأنفال قال: يقولون: أعطنا.
- حدّثنا أبي حدّثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: يسئلونك يعني: قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: الأنفال
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: يسألونك عن الأنفال قال: الأنفال: المغانم، كانت لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- خالصةً ليس لأحدٍ منها شيءٌ.
وروي عن مجاهدٍ والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ ومقاتل بن حيّان، أنّهم قالوا: المغانم.
قوله تعالى: قل الأنفال للّه والرّسول
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ الأصبهانيّ ثنا أبو داود أخبرنا شعبة أخبرني سماك بن حربٍ قال: سمعت مصعب بن سعدٍ يحدّث عن سعدٍ قال: نزلت فيّ أربع آياتٍ: أصبت سيفًا يوم بدرٍ، وربّما قال: أصاب ابني سيفًا يوم بدرٍ، قال: فأتيت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فقلت نفّلنيه، فقال: ضعه من حيث أخذته مرّتين، ثمّ عاودته فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم: ضعه من حيث أخذته، فنزلت هذه الآية يسئلونك عن الأنفال
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن سعيد بن الأصبهانيّ أنبأ أبو بكر بن عيّاشٍ عن عاصمٍ عن سعدٍ، قال جئت إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بسيفٍ فقلت: يا رسول اللّه، إنّ اللّه قد شفى نفسي اليوم من المشركين فهب لي هذ السّيف، فقال: إنّ هذا السّيف ليس لي ولا لك فاطرحه، فطرحته، فقلت، لعلّه يعطاه رجلٌ لم يبل مثل بلائي، قال: فبينا أنا إذ جاءني الرّسول، فقال: أجب، فظننت أنّه نزل فيّ شيءٌ لكلامي فجئت، فقال لي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّك سألتني هذا السّيف، وليس هو لي ولا لك، فإنّ اللّه قد جعله لي فهو لك.
- أخبرني عليّ بن عبد العزيز فيما كتب إليّ قال: قال أبو عبيدٍ في الأنفال إنّها المغانم وفي كلّ نيلٍ ناله المسلمون لقول الله عز وجل يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فقسمها يوم بدرٍ على ما أراه اللّه من غير أن يخمّسها على ما ذكرناه في حديث سعدٍ، ثمّ نزلت بعد ذاك آية الخمس فنسخت الأولى، وفي ذلك آثارٌ والأنفال: أصلها جماع الغنائم، إلا أنّ الخمس منها مخصوصٌ لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السّنّة.
ومعنى الأنفال في كلام العرب: كلّ إحسانٍ فعله فاعلٌ تفضّلاً من غير أن يجب ذلك عليه، فكذلك النّفل الّذي أحلّه اللّه للمؤمنين من أموال عدوّهم، إنّما هو شيءٌ خصّهم اللّه به تطوّلاً منه عليهم، بعد أن كانت الغنائم محرّمةً على الأمم قبلهم فنفلها اللّه هذه الأمّة، فهذا أصل النّفل، وبه سمّي ما جعل الإمام للمقاتلة نفلاً وهو تفضيله بعض الجيش على بعضٍ بشيءٍ سوى سهامهم، يفعل ذلك على قدر الغنى عن الإسلام، والنّكي في العدوّ. وفي النّفل الّذي ينفله الإمام سننٌ أربعٌ لكلّ واحدةٍ منهنّ موضعٌ غير موضع، الأخرى فإحداهنّ: في النّفل لا خمس فيه وذلك السّلب، والثّانية: النّفل الّذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس، وهو أن يوجّه الإمام السّرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم فيكون للسريّة ممّا جاءت به الرّبع والثّلث بعد الخمس، والثّالثة، في النّفل من الخمس نفسه وهو أن تحاز الغنيمة كلّها ثمّ تخمّس فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى، والرّابعة: في النّفل في جملة الغنيمة قبل أن يخمّس منها شيءٌ، وهو أن تعطى الإدلاء ورعاء الماشية والسّواق لها وفي كلّ ذلك اختلافٌ.
قال الرّبيع بن سليمان قال الشّافعيّ: الأنفال: أن لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيءٌ غير السّلب.
والوجه الثّاني
من النّفل: هو شيءٌ زيدوه غير الّذي كان لهم، وذلك من خمس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ له خمس الخمس من كلّ غنيمةٍ فينبغي للإمام أن يجتهد فإذا كثر العدوّ واشتدّت شوكتهم وقلّ من بإزائه من المسلمين نفل منه اتّباعًا لسنّة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- وإذا لم يكن ذلك لم ينفل.
والوجه الثّالث
من النّفل:
إذا بعث الإمام سريّةً أو جيشًا فقال لهم قبل اللّقاء: من غنم شيئًا فهو له بعد الخمس، فذلك لهم على ما شرط الإمام، لأنّهم على ذلك غزوا، وبه رضوا.
من فسّر الآية بأنّ السّلب الّذي يتقرّب الرّجل بقتل المشرك له من غير أن يخمّس أو يشركه فيه أحدٌ:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ أنّ مالكًا حدّثه عن يحيى بن سعيدٍ عن عمر بن كثير بن أفلحٍ عن أبي محمّدٍ مولى ابن قتادة عن ابن قتادة أنّه قال: خرجنا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- عام حنينٍ فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- من قتل قتيلاً له عليه بيّنةٌ فله سلبه، فقمت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما لك يا أبا قتادة؟ فقصصت عليه القصّة، إنّي ضربت رجلاً من المشركين بالسّيف على حبل عاتقه ثمّ أدركه الموت، فقال رجلٌ من القوم: صدق يا رسول اللّه، وسلب ذلك القتيل عندي، فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم: أعطه إيّاه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا معنٌ عن مالك بن أنسٍ عن الزّهريّ عن القاسم بن محمّدٍ قال: سأل رجلٌ ابن عبّاسٍ عن الأنفال فقال: الفرس من النّفل والسّلب من النفل.
[الوجه الرابع]
من فسّر الآية بأنّ النّفل يكون ما يخرج الخمس منه:
- حدّثنا أبي ثنا عون بن الحكم بن سنانٍ الباهليّ ومحمّد بن أبي نعيمٍ الواسطيّ وعبيد بن محمّد بن بحرٍ العبديّ قالوا: حدّثنا أبو عوانة عن عاصم بن كليبٍ حدّثني أبو الجويرية عن رجلٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- من بني سليمٍ يقال له: معن بن يزيد قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: لا نفل إلا بعد الخمس.
[الوجه الخامس]
من فسّر الآية على أنّ النّفل يكون من الخمس:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ أنّ مالكًا حدّثه عن أبي الزّناد عن ابن المسيّب أنّه قال: كان النّاس يعطون النّفل من الخمس.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن المبارك عن معمرٍ عن أيّوب عن ابن سيرين أنّ أنس بن مالكٍ كان مع عبيد اللّه بن أبي بكرة في غزاةٍ غزاها فأصابوا سبيًا، وأراد عبيد اللّه بن أبي بكرة أن يعطي أنسًا من السّبي قبل أن يقسّم، قال أنسٌ: لا، ولكن اقسم ثم اعطني من الخمس.
[الوجه السادس]
من فسّر الآية على أنّ النّفل من جميع الغنيمة قبل أن تخمّس:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ حدّثنا وكيعٌ عن عكرمة بن عمّارٍ عن أياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: غزونا مع أبي بكرٍ هوازن على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فنفّلني جاريةً من بني فزارة أجمل العرب، عليها قشعٌ لها، فما كشفت لها عن ثوبٍ حتّى أتيت المدينة، فلقيني النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- في السّوق، فقال: للّه أبوك هبها لي، فوهبتها له فبعث بها ففادى بها أسارى من المسلمين كانوا بمكة.
[الوجه السابع]
من فسّر الآية على أنّ النّفل قبل التقاء الزّحفان:
- حدّثنا أبي حدّثني الفضل بن دكينٍ ثنا شريكٌ عن جابرٍ عن القاسم بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن مسعودٍ عن أبيه عن عبد اللّه قال: النفل ما لم يلتقي الزّحفان، أو قال: صفّان، فإذا التقى الصّفّان، أو قال: الزّحفان، فالمغنم
وروي عن مسروقٍ أنه قال: لا نفل يوم الزحف.
[الوجه الثامن]
من فسّر الآية على أنّ النّفل ممّا تصيبه السّرايا:
- حدّثنا أبي ثنا أبو نعيمٍ حدّثنا الحسن بن صالحٍ عن أبيه عن الشّعبيّ يسألونك عن الأنفال قال: ما أصابت السرايا.
[الوجه التاسع]
من فسّر الآية أنّها منسوخةٌ، نسختها واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية [8766]
حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول قال: الأنفال: المغانم كانت لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- خالصةً ليس لأحدٍ منها شيءٌ ما أصاب سرايا المسلمين من شيءٍ أتوه به، فمن حبس منه إبرةً أو سلكًا فهو غلولٌ، فسألوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يعطيهم منها، قال اللّه تعالى: يسئلونك عن الأنفال يعني: قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم- قل الأنفال جعلتها لرسولي، ليس لكم منه شيءٌ فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم ثمّ أنزل واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى الآية.
قوله تعالى: فاتّقوا اللّه وأصلحوا
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمر بن صالحٍ الواسطيّ قالا: حدّثنا عبّاد بن العوّام عن سفيان بن حسينٍ عن الحكم عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم قال: هذا تحريجٌ من اللّه على المؤمنين أن يتّقوا اللّه، وأن يصلحوا ذات بينهم.
قوله تعالى: وأصلحوا ذات بينكم
- حدّثنا أبي حدّثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا أبو إسحاق عن سفيان عن عبد الرّحمن بن الحارث بن عيّاش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى عن مكحولٍ عن أبي سلامٍ عن أبي أمامة الباهليّ عن عبادة بن الصّامت قال: خرجنا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- وشهدت معه بدرًا. فلقينا المشركين فهزم اللّه العدوّ، فانطلقت طائفةٌ في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبّت طائفةٌ في العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفةٌ برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- لا يصيب العدوّ منه غرّةً.
قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناهم وجمعناها فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ، وقال الّذين خرجوا في طلب العدوّ: لستم بأحقّ بها منّا، نحن نفينا عنها العدوّ وهزمناهم، وقال الّذين أحدقوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم لستم بأحقّ بها منّا، أحدقنا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين فقسمها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بين المسلمين، وكان يقول: ليردّ قويّ المسلمين على ضعيفهم.
أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ حدّثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وأصلحوا ذات بينكم قال: لا تستبّوا.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا الوليد حدّثنا سعيد بن عبد العزيز أنّه سمع مكحولاً يحدّث: أنّ صلاح ذات بينهم كان أن ردّت الغنائم، فقسمت بين من ثبت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وبين من قاتل وغنم.
وروي عن قتادة ومطرٍ أنّهما قالا: أمرهم أن يردّ بعضهم على بعضٍ.
قوله تعالى: وأطيعوا الله ورسوله
[الوجه الأول]
- حدّثنا المنذر بن شاذان ثنا يعلى بن عبيدٍ ثنا عبد الملك عن عطاءٍ في قوله: أطيعوا اللّه ورسوله قال: طاعة الرّسول اتّباع الكتاب والسّنّة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين حدّثنا أبو الطّاهر أنبأ ابن وهبٍ، حدّثني أبو صخرٍ عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ قال: وأخبرنا أبو معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ وأطيعوا اللّه ورسوله أسلموا السّيف إليه ثمّ نسخت واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه
الوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين سلّموا للّه ورسوله، يحكمان فيها بما شاء ويضعانه حيث أرادا.
قوله تعالى: إن كنتم مؤمنين
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: مؤمنين قال: مصدّقين). [تفسير القرآن العظيم: 5/1649-1655]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يسألونك عن الأنفال قال يعني عن الغنائم). [تفسير مجاهد: 257]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن إسحاق، ثنا أبو المثنّى، ثنا مسدّدٌ، ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود بن أبي هندٍ، يحدّث عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من فعل كذا وكذا أو أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا» فتسارع الشّبّان إلى ذلك، وثبت الشّيوخ تحت الرّايات، فلمّا فتح اللّه عليهم، جاء الشّبّان يطلبون ما جعل لهم، وقال الشّيوخ: إنّا كنّا ردأً لكم وكنّا تحت الرّايات فأنزل اللّه عزّ وجلّ {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/356]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا عمر بن محمّدٍ الهمدانيّ حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى حدّثنا معتمرٌ قال سمعت داود بن أبي هندٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "من أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا" فتسارع الشّبّان وبقي الشّيوخ تحت الرّايات فلمّا فتح الله عليهم جاءوا يطلبون الّذي جعل لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم الأشياخ لا تذهبون به دوننا كنّا ردءًا لكم فأنزل اللّه هذه الآية {فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/431]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: أبنا عيسى بن يونس، ثنا واصل بن السّائب، عن عطاءٍ وأبي سورة عن أبي أيّوب الأنصاريّ قال: "بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً، فنصرها اللّه وفتح عليها، وكان من أتاه بشيءٍ نفله من بعد الخمس، فرجع رجاله وكانوا يستقدمون، ويأسرون، ويقتلون، وتركوا الغنائم خلفهم ولم ينالوا من الغنائم شيئًا، فقالوا: يا رسول اللّه، ما بال رجالٍ منّا يستقدمون ويأسرون، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال، فتنفلهم من الغنيمة. فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنزل جبريل- عليه السّلام-: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ردّوا ما أخذتم، واقتسموه بينكم بالعدل والسوية. فقالوا: يا رسول الله، قد أنفقنا وأكلنا قال: فاحتسبوا بذلك".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؟ لضعف واصل بن السّائب). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/212] (م)
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال إسحاق: أخبرنا عيسى بن يونس ثنا واصل (بن) السّائب، عن عطاءٍ، وأبي سورة، عن أبي أيّوب الأنصاريّ رضي الله عنه، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً، فنصرها اللّه تعالى، وفتح عليها، وكان من أتاه بشيءٍ نفله (من بعد الخمس) فرجع رجالٌ، وكانوا يستقدمون ويأسرون ويقتلون، وتركوا الغنائم خلفهم، ولم ينالوا من الغنائم خلفهم، ولم ينالوا من الغنائم شيئًا، فقالوا: يا رسول اللّه: ما بال رجالٍ منّا يستقدمون ويأسرون، وتخلّف رجالٌ لم يصلوا بالقتال، فنفلتهم من الغنيمة، فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزل جبريل (عليه السّلام): {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم}.
فدعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لهم: ردّوا ما أخذتم، واقسموه بينكم بالعدل والسّويّة، فقالوا: يا رسول اللّه، قد أنفقنا وأكلنا، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: فاحتسبوا بذلك.
- وقال مسدّدٌ: حدثنا يحيى، عن مالكٍ، عن الزّهريّ، عن القاسم، قال، قال: إنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، عن النّفل؟ فقال: الفرس من النّفل، والسّلب من النّفل، فأعاد عليه فقال: هذا مثل صنيع صبيغ الّذي ضربه عمر رضي الله عنه). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/672-674] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن جرير، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاصي وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيعة فأتيت به النّبيّ فقال اذهب فاطرحه في القبض، فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله: اذهب فخذ سيفك.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وابن جرير وابنالمنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن سعد قال: قلت:
يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهب لي هذا السيف قال: إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعه، فوضعته ثم رجعت قلت: عسى يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي إذا رجل يدعوني من ورائي قلت: قد أنزل الله في شيء قال: كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي وإني قد وهب لي فهو لك وأنزل الله هذه الآية {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول}.
وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت في أربع آيات، بر الوالدين والنفل والثلث وتحريم الخمر.
وأخرج الطيالسي والبخاري في الأدب المفرد ومسلم والنحاس في ناسخه، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت في أربع آيات من كتاب الله كانت أمي حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمدا صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) (لقمان الآية 15) والثانية أني كنت أخذت سيفا أعجبني فقلت: يا رسول الله هب لي هذا فنزلت {يسألونك عن الأنفال} والثالثة أني مرضت فأتاني رسول الله فقلت: يا رسول الله أني أريد أن أقسم مالي أفأوصي بالنصف قال: لا، فقلت: الثلث، فسكت فكان الثلث بعده جائزا والرابعة أني شربت الخمر مع قوم من الأنصار فضرب رجل منهم أنفي بلحيي جمل فأتيت النّبيّ فأنزل الله تحريم الخمر.
وأخرج عبد بن حميد والنحاس وأبو الشيخ، وابن مردويه عن سعد قال: أصاب رسول الله غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به رسول الله فقلت: نفلني هذا السيف فأنا من عملت، فقال رده من حيث أخذته فرجعت به حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت: أعطنيه، فشد لي صوته وقال: رده من حيث أخذته، فأنزل الله {يسألونك عن الأنفال}.
وأخرج ابن مردويه عن سعد قال: نفلني النّبيّ يوم بدر سيفا ونزل في النفل.
وأخرج الطيالسي وأبو نعيم في المعرفة من طريق مصعب بن سعد عن سعد قال: أصبت سيفا يوم بدر فأتيت به النّبيّ فقلت: يا رسول الله نفلنيه فقال ضعه من حيث أخذته فنزلت {يسألونك عن الأنفال} وهي قراءة عبد الله هكذا الأنفال.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم والبيهقي في "سننه" عن أبي أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل فساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله فقسمه رسول الله بين المسلمين عن براءة يقول: عن سواء
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي، وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال خرجنا مع رسول الله فشهدت معه بدر فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة في آثارهم منهزمون يقتلون وأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله: لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله وخفنا أن يصيب العدو منه غرة واشتغلنا به فنزلت {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} فقسمها رسول الله بين المسلمين وكان رسول الله إذا أغار في أرض العدو ونفل الربع وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول: ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم.
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال بعث رسول الله سرية فنصرها الله وفتح عليها فكان من أتاه بشيء نفله من الخمس فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلون ويأسرون ويقتلون وتركوا الغنائم خلفهم فلم ينالوا من الغنائم شيئا، فقالوا: يا يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم من الغنيمة فسكت رسول الله ونزل {يسألونك عن الأنفال} الآية، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: ردوا ما أخذتم واقتسموه بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك، قالوا: قد احتسبنا وأكلنا قال: احتسبوا ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الناس سألوا النّبيّ الغنائم يوم بدر فنزلت {يسألونك عن الأنفال}.
وأخرج ابن مردويه عن أبيه عن جده قال: لم ينفل النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد إذ أنزلت عليه {يسألونك عن الأنفال} إلا من الخمس فإنه نفل يوم خيبر من الخمس.
وأخرج ابن مردويه عن حبيب بن مسلمة الفهري قال: كان رسول الله ينفل الثلث بعد الخمس.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان: أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردأ ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا فاختصموا إلى النّبيّ فنزلت {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} فقسم الغنائم بينهم بالسوية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وعبد بن حميد، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا، فجاء أبو اليسر بن عمرو الأنصاري بأسيرين فقال: يا رسول الله إنك قد وعدتنا، فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك فتشاجروا فنزل القرآن {يسألونك عن الأنفال} وكان أصحاب عبد الله يقرأونها {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} فيما تشاجرتم به فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) (الأنفال الآية 41) إلى آخر الآية
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فمكث ضعفاء الناس في العسكر فأصاب أهل السرية غنائم فقسمها رسول الله بينهم كلهم فقال أهل السرية: يقاسمنا هؤلاء الضعفاء وكانوا في العسكر لم يشخصوا معنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تنصرون إلا بضعفائكم فأنزل الله {يسألونك عن الأنفال}.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما انصرف من بدر وقدم المدينة أنزل الله عليه سورة الأنفال فعاتبه في إحلال غنيمة بدر وذلك أن رسول الله قسمها بين أصحابه لما كان بينهم من الحاجة إليها واختلافهم في النفل يقول الله {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} فردها الله على رسوله فقسمها بينهم على السواء فكان في ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله وصلاح ذات البين.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنهم سألوا النّبيّ عن الخمس بعد الأربعة الأخماس فنزلت {يسألونك عن الأنفال}.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {يسألونك عن الأنفال} قال: كان هذا يوم بدر.
وأخرج النحاس في ناسخه عن سعيد بن جبير، أن سعدا ورجلا من الأنصار خرجا يتنفلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه جميعا فقال سعد: هو لي، وقال الأنصاري: هو لي، قال: لا أسلمه حتى آتي رسول الله فأتياه فقصا عليه القصة فقال رسول الله ليس لك يا سعد ولا للأنصاري ولكنه لي فنزلت {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله} يقول: سلما السيف إلى رسول الله ثم نسخت هذه الآية فقال (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين، وابن السبيل) (الأنفال الآية 41).
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنحاس في ناسخه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد فغنموا إبلا كثيرا فصارت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا.
وأخرج ابن عساكر من طريق مكحول عن الحجاج بن سهيل النصري وقيل أن له صحبة قال: لما كان يوم بدر قاتلت طائفة من المسلمين وثبتت طائفة عند رسول الله فجاءت الطائفة التي قاتلت بالأسلاب وأشياء أصابوها فقسمت الغنيمة بينهم ولم يقسم للطائفة التي لم تقاتل، فقالت الطائفة التي لم تقاتل: اقسموا لنا، فأبت وكان بينهم في ذلك كلام فأنزل الله {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} فكان صلاح ذان بينهم أن ردوا الذي كانوا أعطوا ما كانوا أخذوا
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} قال الأنفال: المغانم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها شيئأ، فأنزل الله {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال} لي جعلتها لرسولي ليس لكم منه شيء {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} إلى قوله {إن كنتم مؤمنين} ثم أنزل الله (واعلموا أنما غنمتم من شيء) (الأنفال الآية 41) الآية، ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله ولذي القربى واليتامى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء، لفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الأنفال} قال: هي الغنائم ثم نسخها (واعلموا أنما غنمتم من شيء) (الأنفال الآية 41) الآية.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة وأبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير والنحاس، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن الأنفال فقال: الفرس من النفل والسلب من النفل فأعاد المسألة فقال ابن عباس: ذلك أيضا ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابهما ما هي فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه فقال ابن عباس: هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر، وفي لفظ: فقال: ما أحوجك إلى من يضربك كما فعل عمر بصبيغ العراقي وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس قال: الأنفال: المغانم أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها فيرد القوي على الضعيف.
وأخرج عبد بن حميد والنحاس، وابن المنذر، وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء في قوله {يسألونك عن الأنفال} هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي يصنع به ما شاء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن محمد بن عمرو قال: أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال فقال: تسألوني عن الأنفال وأنه لا نفل بعد رسول الله.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن المسيب أن النّبيّ لم يكن ينفل إلا من الخمس.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن ابن المسيب قال: ما كانوا ينفلون إلا الخمس.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب قال: لا نفل في غنائم المسلمين إلا في خمس الخمس.
وأخرج عبد الرزاق عن أنس، أن أميرا من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: هي في قراءة ابن مسعود (يسألونك الأنفال).
وأخرج ابن مردويه من طريق شقيق عن ابن مسعود أنه قرأ (يسألونك عن الأنفال)
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {يسألونك عن الأنفال} قال: الفيء ما أصيب من أموال المشركين مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله {يسألونك عن الأنفال} قال: ما أصابت السرايا.
وأخرج ابن أبي شيبة والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن مجاهد وعكرمة قالا: كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس (واعلموا أنما غنمتم من شيء) (الأنفال الآية 41) الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يقرؤنها (يسألونك الأنفال).
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} قال: هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا في الأنفال
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وأصلحوا ذات بينكم} قال: لا تستبوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: كان صلاح ذات بينهم أن ردت الغنائم فقسمت بين من ثبت عند رسول الله وبين من قاتل وغنم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {وأطيعوا الله ورسوله} قال: طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة.
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله قال: رجلا جثيا من أمتي بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، قال الله: أعط أخاك مظلمته، قال: يا رب لم يبق من حسناتي شيء، قال: يا رب يحمل عني من أوزاري، وفاضت عينا رسول الله بالبكاء ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يوم تحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا قال: هذا لمن أعطى الثمن قال: يا رب من يملك ثمنه قال: أنت، قال: بماذا قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب قد عفوت عنه، قال: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أم هانئ أخت علي بن أبي طالب قالت: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرك أن الله تبارك وتعالى وتقدس يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد فمن يدري أي الطرفين فقالت: الله ورسوله أعلم، ثم ينادي مناد من تحت العرش يا أهل التوحيد، فيشرئبون ثم ينادي: يا أهل التوحيد، ثم ينادي الثالثة إن الله قد عفا عنكم فيقوم الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظلامات الدنيا ثم ينادي: يا أهل التوحيد يعفو بعضكم عن بعض وعلى الله الثواب.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا أهل التوحيد إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض وعلي الثواب). [الدر المنثور: 7/6-19]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (سمعت سفيان، قال: سمعت السدي يقول في قوله: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [سورة الأنفال: 2] قال: هو الرجل يريد أن يظلم، أو قال: يهم بمعصية، فيقال له: اتق الله، فيجل قلبه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 273-274]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن السّدّيّ في قول اللّه: {إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: إذا أراد أن يظلم مظلمةً فقيل له: اتّق اللّه كف ووجل قلبه [الآية: 2]). [تفسير الثوري: 115]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون}.
يقول تعالى ذكره: ليس المؤمن بالّذي يخالف اللّه ورسوله ويترك اتّباع ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه، والانقياد لحكمه، ولكنّ المؤمن هو الّذي إذا ذكر اللّه وجل قلبه وانقاد لأمره وخضع لذكره خوفًا منه وفرقًا من عقابه، وإذا قرئت عليه آيات كتابه صدّق بها وأيقن أنّها من عند اللّه، فازداد بتصديقه بذلك إلى تصديقه بما كان قد بلغه منه قبل ذلك تصديقًا وذلك هو زيادة ما تلي عليهم من آيات اللّه إيّاهم إيمانًا. {وعلى ربّهم يتوكّلون} يقول: وباللّه يوقنون في أنّ قضاءه فيهم ماضٍ فلا يرجون غيره ولا يرهبون سواه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيءٌ من ذكر اللّه عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيءٍ من آيات اللّه، ولا يتوكّلون على اللّه، ولا يصلّون إذا غابوا، ولا يؤدّون زكاة أموالهم. فأخبر اللّه سبحانه أنّهم ليسوا بمؤمنين، ثمّ وصف المؤمنين فقال: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} فأدّوا فرائضه، {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا} يقول: تصديقًا، {وعلى ربّهم يتوكّلون} يقول: لا يرجون غيره.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ: {الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: فرقت.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن السّدّيّ: {الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: إذا ذكر اللّه عند الشّيء وجل قلبه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} يقول: إذا ذكر اللّه وجل قلبه..
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وجلت قلوبهم} قال: فرقت.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وجلت قلوبهم} فرقت.
- قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، قال: سمعت السّدّيّ، يقول في قوله: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: هو الرّجل يريد أن يظلم أو قال: يهمّ بمعصيةٍ أحسبه قال: فينزع عنه.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن أبي الدّرداء، في قوله: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: الوجل في القلب كإحراق السّعفة، أما تجد له قشعريرةً؟ قال: بلى. قال: إذا وجدت ذلك في القلب فادع اللّه، فإنّ الدّعاء يذهب بذلك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: فرقًا من اللّه، ووجلاً من اللّه، وخوفًا من اللّه تبارك وتعالى.
وأمّا قوله: {زادتهم إيمانًا} فقد ذكرت قول ابن عبّاسٍ فيه.
وقال غيره فيه ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا} قال: خشيةً.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون} قال: هذا نعت أهل الإيمان، فأثبت نعتهم، ووصفهم فأثبت صفتهم). [جامع البيان: 11/27-30]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)
قوله تعالى: إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن السّدّيّ في قول اللّه: الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم قال: الّذي إذا ذكر اللّه عند الشّيء وجل قلبه.
قوله تعالى: وجلت قلوبهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم قال: فرقّت. وروي عن مجاهدٍ وقتادة: نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيءٌ من ذكر اللّه عند أداء فرائضه، فلا يؤمنون بشيءٍ من آيات اللّه، ولا يتوكّلون على اللّه، ولا يصلّون إذا غابوا، ولا يؤدّون زكاة أموالهم، فأخبر اللّه أنّهم ليسوا بمؤمنين، ثمّ وصف المؤمنين فقال: إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم فأدّوا فرائضه.
- حدّثنا أبي ثنا عبدة بن سليمان المروزيّ أنبأ ابن المبارك أنبأ سفيان قال سمعت السّدّيّ يقول في قوله: إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم قال: هو الرّجل يريد أن يظلم، أو قال: يهمّ بمعصيةٍ فيقال له: اتّق اللّه، فيجل قلبه.
قوله تعالى: وإذا تليت عليهم آياته
- حدّثنا أبو زرعة حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: آياته يعني: القرآن.
قوله تعالى: زادتهم إيمانًا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا يقول: تصديقًا.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا يقول: زادتهم خشيةٌ.
- حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ سفيان عمّن سمع مجاهدًا يقول في قوله: زادتهم إيماناً قال: الإيمان يزيد وينقص.
قوله تعالى: وعلى ربّهم يتوكّلون
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ وعلى ربّهم يتوكّلون يقول: لا يرجون غيره.
- حدّثنا أبي ثنا مالك بن إسماعيل قال هريمٌ: ثنا عن أبي سنانٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: التّوكّل على اللّه جماع الإيمان.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: وعلى ربّهم يتوكّلون قال: هذا نعت أهل الإيمان، نعتهم فأثبت نعتهم ووصفهم فأثبت صفتهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا ابن فضيلٍ ثنا ضرار بن مرّة عن سعيد بن جبيرٍ قال: التّوكّل على اللّه نصف الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 5/1655-1656]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وجلت قلوبهم يعني فرقت قلوبهم). [تفسير مجاهد: 257]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 2.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} قال: فرقت قلوبهم
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ولا يتوكلون على الله ولا يصلون إذا غابوا ولا يؤدون زكاة أموالهم فأخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين ثم وصف المؤمنين فقال {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} فأدوا فرائضه.
وأخرج الحكيم الترمذي، وابن جرير وأبو الشيخ من طريق شهر بن حوشب عن أبي الدرداء قال: إنما الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر أما تجد قشعريرة قلت: بلى، قال: فادع عندها فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.
وأخرج الحكيم الترمذي عن عائشة قال: ما الوجل في قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة فإذا وجد أحدكم فليدع عند ذلك.
وأخرج الحكيم الترمذي عن ثابت البناني قال: قال فلان: إني لأعلم متى يستجاب لي، قالوا: ومن أين يعلم ذاك قال: إذا اقشعر جلدي ووجل قلبي وفاضت عيناي فذاك حين يستجاب لي.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن السدي في قوله {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} قال: هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له: اتق الله، فيجل قلبه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {زادتهم إيمانا} قال: تصديقا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في قوله {زادتهم إيمانا} قال: زادتهم خشية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {زادتهم إيمانا} قال: الإيمان يزيد وينقص وهو قول وعمل.
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن عيينة قال: نطق القرآن بزيادة الإيمان ونقصانه قوله {زادتهم إيمانا} فهذه زيادة الإيمان وقوله: (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) فهذا نقصان الإيمان.
وأخرج ابن سعد عن عمير بن حبيب بن حباشة الصحابي قال: إن الإيمان يزيد وينقص . فقيل له: وما زيادته وما نقصانه ؟ قال: إذا ذكرنا الله وخشيناه فذلك زيادته . وإذا غفلنا ونيسنا وضيعنا فذلك نقصانه.
وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وعلى ربهم يتوكلون} يقول: لا يرجون غيره.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن جبير قال: التوكل على الله جماع الإيمان.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: التوكل جماع الإيمان.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: التوكل على الله نصف الإيمان). [الدر المنثور: 7/19-22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 3 – 4
أخرج أبو الشيخ عن حسان بن عطية قال: إن الإيمان في كتاب الله صار إلى العمل فقال {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} ثم صيرهم إلى العمل فقال {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا}). [الدر المنثور: 7/23]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3)}.
يقول تعالى ذكره: الّذين يؤدّون الصّلاة المفروضة بحدودها، وينفقون ممّا رزقهم اللّه من الأموال فيما أمرهم اللّه أن ينفقوها فيه من زكاةٍ وجهادٍ وحجٍّ وعمرةٍ ونفقةٍ على من تجب عليهم نفقته، فيؤدّون حقوقهم). [جامع البيان: 11/30]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين يقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3)
قوله تعالى: الّذين يقيمون الصّلاة
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ الّذين يقيمون الصّلاة قال: الصّلوات الخمس.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: فيما ثنا محمّد بن أبي محمّدٌ مولى زيد بن ثابتٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ يقول اللّه. سبحانه وبحمده الّذين يقيمون الصّلاة أي: يقيمون الصّلاة بفرضها.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا عبد الوهاب ابن عطاءٍ الخفّاف عن سعيدٍ عن قتادة يقيمون الصّلاة: إقامة الصّلاة: المحافظة على مواقيتها، ووضوئها وركوعها وسجودها.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ ثنا محمّد بن مزاحمٍ، أنبأ بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله يقيمون الصّلاة إقامتها: المحافظة على موقيتها، وإسباغ الطّهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القرآن فيها والتّشهّد، والصّلاة على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فهذا إقامتها.
قوله تعالى: وممّا رزقناهم ينفقون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وممّا رزقناهم ينفقون يقول: زكاة أموالهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وممّا رزقناهم ينفقون فهي نفقة الرّجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزّكاة.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة وممّا رزقناهم ينفقون فأنفقوا ممّا أعطاكم اللّه، فإنّما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها). [تفسير القرآن العظيم: 5/1656-1657]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 3 – 4
أخرج أبو الشيخ عن حسان بن عطية قال: إن الإيمان في كتاب الله صار إلى العمل فقال {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} ثم صيرهم إلى العمل فقال {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا}). [الدر المنثور: 7/23] (م)

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك هم المؤمنون حقًّا}.
{أولئك} يقول: هؤلاء الّذين يفعلون هذه الأفعال. {هم المؤمنون} لا الّذين يقولون بألسنتهم قد آمنّا وقلوبهم منطويةٌ على خلافه نفاقًا، لا يقيمون صلاةً ولا يؤدّون زكاةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {الّذين يقيمون الصّلاة} يقول: الصّلوات الخمس. {وممّا رزقناهم ينفقون} يقول: زكاة أموالهم. {أولئك هم المؤمنون حقًّا} يقول: برئوا من الكفر. ثمّ وصف اللّه النّفاق وأهله، فقال: {إنّ الّذين يكفرون باللّه ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين اللّه ورسله} إلى قوله: {أولئك هم الكافرون حقًّا} فجعل اللّه المؤمن مؤمنًا حقًّا، وجعل الكافر كافرًا حقًّا، وهو قوله: {هو الّذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أولئك هم المؤمنون حقًّا} قال: استحقّوا الإيمان بحقٍّ، فأحقّه اللّه لهم.

القول في تأويل قوله تعالى: {لهم درجاتٌ عند ربّهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {لهم درجاتٌ} لهؤلاء المؤمنين الّذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم درجاتٌ، وهي مراتب رفيعةٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في هذه الدّرجات الّتي ذكر اللّه أنّها لهم عنده ما هي، فقال بعضهم: هي أعمالٌ رفيعةٌ وفضائل قدّموها في أيّام حياتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتّات، عن مجاهدٍ: {لهم درجاتٌ عند ربّهم} قال: أعمالٌ رفيعةٌ.
وقال آخرون: بل ذلك مراتب في الجنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن هشام بن جبلة، عن عطيّة، عن ابن محيريزٍ: {لهم درجاتٌ عند ربّهم} قال: الدّرجات سبعون درجةً، كلّ درجةٍ حضر الفرس الجواد المضمّر سبعين سنةً.
وقوله: {ومغفرةٌ} يقول: وعفوٌ عن ذنوبهم وتغطيةٌ عليها. {ورزقٌ كريمٌ} قيل: الجنّة. وهو عندي ما أعدّ اللّه في الجنّة لهم من مزيد المآكل والمشارب وهنيء العيش.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، عن هشامٍ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادة: {ومغفرةٌ} قال: لذنوبهم. {ورزقٌ كريمٌ} قال: الجنّة). [جامع البيان: 11/30-32]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم درجاتٌ عند ربّهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ (4)
قوله تعالى: أولئك هم المؤمنون حقًّا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ أولئك هم المؤمنون حقًّا برئوا من الكفر.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة أولئك هم المؤمنون حقًّا قال: استحقّوا الإيمان بحقٍّ، فأحقّه اللّه لهم
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل عن يحيى الضّريس ثنا أبو سنانٍ قال: سئل عمرو بن مرّة عن قوله: أولئك هم المؤمنون حقًّا قال: إنّما أنزل القرآن بلسان العرب، كقولك: فلانٌ سيّدٌ حقًّا وفي القوم سادةٌ، وفلانٌ تاجرٌ حقًّا وفي القوم تجّارٌ، وفلانٌ شاعرٌ حقًّا وفي القوم شعراء.
قوله تعالى: لهم درجاتٌ عند ربّهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: درجات يعني: فضائل ورحمةً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه، أنبأ إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهدٍ لهم درجاتٌ عند ربّهم قال: أعمالٌ رفيعةٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو نعيمٍ ثنا سلمة بن نبيطٍ عن الضّحّاك في قوله: لهم درجاتٌ عند ربّهم قال: أهل الجنّة بعضهم فوق بعضٍ، فيرى الّذي هو فوق فضله على الّذي هو أسفل منه، ولا يرى الّذي هو أسفل أنّه فضل عليه أحدٌ.
قوله تعالى: ومغفرةٌ
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج، أنبأ عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه ومغفرةٌ بترك الذّنوب.
- حدّثنا أبي ثنا أبو عبيد اللّه ابن أخي ابن وهبٍ ثنا عمّي عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن سعيد بن عبد الرّحمن الجمحيّ قال: قال أبو حازمٍ: قال محمّد بن كعبٍ القرظيّ: إذا سمعت اللّه يقول: رزقٌ كريمٌ فهي الجنّة.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ، أنبأ عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ورزقٌ كريمٌ قال: الأعمال الصّالحة). [تفسير القرآن العظيم: 5/1657-1658]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أولئك هم المؤمنون حقا} قال: برئوا من الكفر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {أولئك هم المؤمنون حقا} قال: خالصا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {أولئك هم المؤمنون حقا} قال: استحقوا الإيمان بحق فأحقه الله لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن الضريس عن أبي سنان قال: سئل عمرو بن مرة عن قوله {أولئك هم المؤمنون حقا} قال: إنما نزل القرآن بلسان العرب كقولك: فلان سيد حقا وفي القوم سادة وفلان شاعر حقا وفي القوم شعراء
وأخرج أبو الشيخ عن أبي روق في قوله {أولئك هم المؤمنون حقا} قال: كان قوم يسرون الكفر ويظهرون الإيمان وقوم يسرون الإيمان ويظهرونه فأراد الله أن يميز بين هؤلاء وهؤلاء فقال {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} حتى انتهى إلى قوله {أولئك هم المؤمنون حقا} الذين يسرون الإيمان ويظهرونه لا هؤلاء الذين يسرون الكفر ويظهرون الإيمان.
وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن مرة في قوله {أولئك هم المؤمنون حقا} قال: فضل بعضهم على بعض وكل مؤمنون.
وأخرج الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري، أنه مر برسول الله فقال له كيف أصبحت يا حارث قال: أصبحت مؤمنا حقا، قال: انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، قال: يا حارث عرفت فالزم ثلاثا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {لهم درجات} يعني فضائل ورحمة
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {لهم درجات عند ربهم} قال: أعمال رفيعة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {لهم درجات} قال: أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ولا يرى الذي هو أسفل أنه فضل عليه أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ومغفرة قال: بترك الذنوب {ورزق كريم} قال الأعمال الصالحة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا سمعت الله يقول {ورزق كريم} فهي الجنة). [الدر المنثور: 7/23-25]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:21 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }


*تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}
:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الأنفال...}
نزلت في أنفال أهل بدر. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا رأى قلّة الناس وكراهيتهم للقتال قال: من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا. فلما فرغ من أهل بدر قام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله إن نفّلت هؤلاء ما سمّيت لهم بقي كثير من المسلمين بغير شيء، فأنزل الله تبارك وتعالى: {قل الأنفال للّه والرّسول}: يصنع فيها ما يشاء، فسكتوا وفي أنفسهم من ذلك كراهية). [معاني القرآن:1/403]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يسئلونك عن الأنفال} ومجازها الغنائم التي نفلها الله النبيّ صلى الله عليه وأصحابه، واحدها نفلٌ، متحرك بالفتحة، قال لبيد:
إنّ تقوى ربّنا خير نفل
{وجلت قلوبهم}أي خافت وفزعت، وقال معن بن أوس:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل... على أيّنا تعدو المنيّة أول
{كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} مجازها مجاز القسم، كقولك: والذي أخرجك ربك لأن ما في موضع الذي وفي آية أخرى {والسّماء وما بناها} [91 :5] أي والّذي بناها، وقال:
دعيني إنما خطأي وصوبي..=. علىّ وإن ما أهلكت مال
أي وإنّ الذي أهلكت مالٌ. وفي آية أخرى {إنّ ما صّنعوا كيد ساحرٍ} [20 :69]: إنّ الذي فعلوه كيد ساحر فلذلك رفعوه). [مجاز القرآن:141-1/240]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مّؤمنين}
الواحد من {الأنفال}: النفل").[معاني القرآن:2/23]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ندع ما مضى منه في صدر الكتاب.
قوله {يسألونك عن الأنفال} الواحد: نفل؛ وهو ما تنفلت به؛ ويقال: نفلتك وأنفلتك إنفالاً؛ أي زدتك، وقالوا: أنفله يمينًا ونفله؛ أي استحلفه.
قال لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل = وبإذن الله ريثي وعجل). [معاني القرآن لقطرب: 620]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ) : ({الأنفال}: الغنائم واحدها نفل). [غريب القرآن وتفسيره:157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت276هـ): ( {الأنفال}: الغنائم. واحدها نفل. قال لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن اللّه ريثي وعجل). [تفسير غريب القرآن:177]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وكقوله سبحانه: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النمل: 10، 11] لم يقع الاستثناء من المرسلين، وإنما وقع من معنى مضمر في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسلون، بل غيرهم الخائف، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف.
وهذا قول الفراء، وهو يبعد: لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام- على هذا التأويل- دليل على باطنه.
قال أبو محمد:
والذي عندي فيه، والله أعلم، أنّ موسى عليه السلام، لما خاف الثعبان وولّى ولم يعقّب، قال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10] وعلم أن موسى مستشعر خيفة أخرى من ذنبه في الرّجل الّذي وكزه فقضى عليه، فقال: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} [النمل: 11] أي توبة وندما، فإنه يخاف، وإني غفور رحيم.
وبعض النحويين يحمل {إلّا من ظلم}بمعنى: ولا من ظلم، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150]. على مذهب من تأول هذا في {إلّا}: كقوله في سورة الأنفال، بعد وصف المؤمنين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال: 5]. ولم يشبّه قصة المؤمنين بإخراج الله إيّاه، ولكن الكلام مردود إلى معنى في أول السورة ومحمول عليه، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم، رأى يوم بدر قلّة المسلمين وكراهة كثير منهم للقتال، فنفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، وجعل لكل من قتل قتيلا كذا، ولمن أتى بأسير كذا، فكره ذلك قوم فتنازعوا واختلفوا وحاجّوا النبي، صلّى الله عليه وسلم، وجادلوه، فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلها لمن يشاء {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. أي فرّقوها بينكم على السواء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]، ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] يزيد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك، كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر: ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن:221-219] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله جلّ وعزّ: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}
{الأنفال} الغنائم، واحدها نفل، قال لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل..=. وبإذن الله ريثي وعجل
وإنما يسألوا عنها لأنّها فيما روي كانت حراما على من كان قبلهم.
ويروى أن الناس في غزاة بدر كانوا قليلين، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن جاء بأسير غنما ومن جاء بأسيرين على حسب ذلك.
وقيل أيضا أنه نفل في السرايا فقال الله جلّ وعز: {الأنفال للّه والرسول} ). [معاني القرآن:2/399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قوله جل وعز: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} [آية:1]
قال ابن عباس نزلت في يوم بدر
وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه قال أصبت سيفا يوم بدر فاستحسنته فقلت يا رسول الله هبه لي فنزلت: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول}
قال أبو جعفر المعروف من قراءة سعد بن أبي وقاص يسألونك الأنفال بغير عن هكذا رواه شعبة عن سماك عن مصعب عن أبيه
قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا فلما فتح لهم جاءوا يطلبون ذلك فقام سعد والأشياخ فقالوا يا رسول الله إنما قمنا هذا المقام ردءا لكم لا جبنا فنزلت: {يسألونك عن الأنفال} فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزلت بعد واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه
فبين الله جل وعز في هذا أن الأنفال صارت من الخمس لا من الجملة
قال مجاهد وعكرمة هي منسوخة نسخها واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه إلى آخر الآية قال مجاهد والأنفال الغنائم
قال أبو جعفر والأنفال في اللغة ما يتطوع به الإمام مما لا يجب عليه نحو قوله من جاء بأسير فله كذا ومنه النافلة من الصلوات ثم قيل للغنيمة نفل لأنه يروى أن الغنائم لم تحل لأحد إلا لأمة محمد فكأنهم أعطوها نافلة
وقوله جل وعز: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [آية:1]
الذات الحقيقة والبين الوصل ومنه لقد تقطع بينكم). [معاني القرآن:129-3/127]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({الأنفال}: الغنائم والأنفال - أيضا: ما يدفع بعد قسمة الغنائم، والنافلة: ما يكون بعد الفريضة). [ياقوتة الصراط:235]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {الأَنْفَالُ} الغنائم، واحدها نفل). [تفسير المشكل من غريب القرآن:91]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأَنفَالُ}: الغنائم). [العمدة في غريب القرآن:142]

*تفسير قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( {وجلت قلوبهم}: خافت). [غريب القرآن وتفسيره:157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربّهم يتوكّلون})
تأويله: إذا ذكرت عظمة اللّه وقدرته، وما خوّف به من عصاه، وجلت قلوبهم أي فزعت لذلك قال الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل... على أيّنا تعدو المنية أول
يقال: وجل يوجل وجلا، ويقال في معنى يوجل ياجل ييجل وييجل، هذه أربع لغات حكاها سيبويه وأجودها يوجل، قال اللّه عزّ وجلّ: {لا توجل إنّا نبشّرك بغلام عليم (53)} ).
وقوله: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}
تأويل: الإيمان التصديق، وكل ما تلى عليهم من عند اللّه صدقوا به فزاد تصديقهم، بذلك زيادة إيمانهم). [معاني القرآن:401-2/400]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [آية:2]
قال ابن أبي نجيح أي فرقت وأنشد أهل اللغة:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل = على أينا تغدو المنية أول
وروى سفيان عن السدي في قوله جل وعز: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} قال إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له اتق الله كف ووجل قلبه
ثم قال جل وعز: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [آية:2]
أي صدقوا بها فازدادوا إيمانا
قال الحسن الذين يقيمون الصلاة الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وخشوعها
وقال مقاتل بن حيان إقامتها أن تحافظ على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إقامتها). [معاني القرآن:130/3، 129]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {وجلت قلوبهم} أي: اقشعرت، وخافت من الوعيد). [ياقوتة الصراط:235]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {وَجِلَتْ} خافت). [تفسير المشكل من غريب القرآن:91]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَجِلَتْ}: خافت). [العمدة في غريب القرآن:142]

*تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}

*تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، والكريم: الكثير الكرم، قال الله تعالى: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4، والحج: 50، والنور: 26، وسبأ: 4] أي: كثير). [تأويل مشكل القرآن:494]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أولئك هم المؤمنون حقّا لهم درجات عند ربّهم ومغفرة ورزق كريم}
{حقّا}منصوب بمعنى دلّت عليه الجملة.
والجملة هي {أولئك هم المؤمنون} حقا.
فالمعنى أحق ذلك حقا.
وقوله: {لهم درجات عند ربّهم}أي لهم منازل في الرفعة على قدر منازلهم). [معاني القرآن:2/401]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:04 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) }

قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فإنك تك أنثي من معد كريمة = علينا فقد أعطيت نافلة الفضل
أصل «النافلة» الفضل. أي أعطيت الفضل عليها، قال: «النافلة» التي هي من الفضل، مما تعد من الفضل، و(النافلة): الزيادة، و(النافلة): الغنيمة، قال لبيد:
لله نافلة الأجل الأفضل
ومنه: (إن فلانا يصلي نافلة)، أي فضلا على صلاته المكتوبة. و(النفل): الغنيمة، والجمع (أنفال) من قوله جل وعز: {يسألونك عن الأنفال} ). [شرح أشعار الهذليين: 1/88]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: نفل إي أقسم بينهم، والنفل: العطية التي تفضل، كذا كان الأصل، وإنما فضل الله عز وجل بالغنائم على عباده، قال لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل = وبإذن الله ريث وعجل
وقال جل جلاله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}, ويقال: نفلتك كذا وكذا. أي أعطيتك، ثم صار النفل لازمًا واجبًا). [الكامل: 3/1351]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) }

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين (1)
النفل والنفل والنافلة في كلام العرب الزيادة على الواجب، وسميت الغنيمة نفلا لأنها زيادة على القيام بالجهاد وحماية الدين والدعاء إلى الله عز وجل، ومنه قول لبيد: [الرمل]
إنّ تقوى ربّنا خير نفل = ... ... ... ...
أي خير غنيمة، وقول عنترة:
إنّا إذا احمرّ الوغى نروي القنا = ونعفّ عند مقاسم الأنفال
والسؤال في كلام العرب يجيء لاقتضاء معنى في نفس المسئول، وقد يجيء لاقتضاء مال أو نحوه، والأكثر في هذه الآية أن السؤال إنما هو عن حكم «الأنفال» فهو من الضرب الأول، وقالت فرقة إنما سألوه الأنفال نفسها أن يعطيهم إياها، واحتجوا في ذلك بقراءة سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعلي بن الحسين وأبي جعفر محمد بن علي وزيد بن علي وجعفر بن محمد وطلحة بن مصرف وعكرمة والضحاك وعطاء «يسألونك الأنفال»، وقالوا في قراءة من قرأ عن أنها بمعنى «من»، فهذا الضرب الثاني من السؤال واختلف الناس في المراد ب الأنفال في هذه الآية، فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وعطاء وابن زيد هي الغنائم مجملة، قالوا وذلك أن سبب الآية ما جرى يوم بدر وهو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقوا يوم بدر ثلاث فرق: فرقة أقامت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش
الذي صنع له وحمته وآنسته، وفرقة أحاطت بعسكر العدو وأسلابهم لما انكشفوا، وفرقة اتبعوا العدو فقتلوا وأسروا.
وقال ابن عباس في كتاب الطبري: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرض الناس قبل ذلك فقال: من قتل قتيلا أو أسر أسيرا فله كذا وله كذا، فسارع الشبان وبقي الشيوخ عند الرايات، فلما انجلت الحرب واجتمع الناس رأت كل فرقة الفضل لنفسها، وقالت نحن أولى بالمغنم، وساءت أخلاقهم في ذلك، فنزلت الآية بأن الغنائم لله وللرسول فكفوا، فقسمه حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السواء، وأسند الطبري وغيره عن أبي أمامة الباهلي، قال: سألت عبادة بن الصامت عن «الأنفال» فقال فينا أهل بدر نزلت حين اختلفنا وساءت أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمه عليه السلام عن بواء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد عن سواء، فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين، مما جرى أيضا يوم بدر فقيل إنه سبب ما أسنده الطبري عن سعد بن أبي وقاص، قال:
لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاصي وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكثيفة فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: هذا السيف قد شفى الله به من المشركين فأعطنيه، فقال: ليس هذا لي ولا لك، فاطرحه في القبض فطرحته فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، قال فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت عليه سورة الأنفال، فقال: اذهب فخذ سيفك فإنك سألتني السيف وليس لي، وإنه قد صار لي فهو لك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي بعض طرق هذا الحديث، قال سعد: فقلت لما قال لي ضعه في القبض إني أخاف أن تعطيه من لم يبل بلائي، قال: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلفي، قال فقلت أخاف أن يكون نزل فيّ شيء، فقال: إن السيف قد صار لي فأعطانيه ونزلت يسئلونك عن الأنفال وأسند الطبري أيضا عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال: أصبت سيف ابن عائد يوم بدر، وكان يسمى المرزبان، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما في أيديهم من النفل أقبلت به، فألقيته في النفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئا يسأله، فرآه الأرقم المخزومي فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فيجيء من مجموع هذه الآثار أن نفوس أهل بدر تنافرت ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة، لا سيما من أبلى، فأنزل الله عز وجل الآية، فرضي المسلمون وسلموا، فأصلح الله ذات بينهم ورد عليهم غنائمهم، وقال بعض أهل هذا التأويل عكرمة ومجاهد: كان هذا الحكم من الله لرفع الشغب، ثم نسخ بقوله واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ [الأنفال: 41] وقال ابن زيد: لم يقع في الآية نسخ، وإنما أخبر أن الغنائم لله من حيث هي ملكه ورزقه وللرسول من حيث هو مبين بها أحكام الله والصادع بها ليقع التسليم فيها من الناس، وحكم القسمة نازل خلال ذلك، ولا شك في أن الغنائم وغيرها والدنيا بأسرها هي لله وللرسول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقال ابن عباس أيضا الأنفال في الآية ما يعطيه الإمام لمن رآه من سيف أو فرس أو نحوه، وهذا أيضا يحسن مع الآية ومع ما ذكرناه من آثار يوم بدر. وقال علي بن صالح بن جني والحسن فيما حكى المهدوي: الأنفال في الآية ما تجيء به السرايا خاصة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول بعيد عن الآية غير ملتئم مع الأسباب المذكورة، بل يجيء خارجا عن يوم بدر، وقال مجاهد: الأنفال في الآية الخمس، قال المهاجرون: لم يخرج منا هذا الخمس، فقال الله تعالى هو لله وللرسول، وهذا أيضا قول قليل التناسب مع الآية،
وقال ابن عباس وعطاء أيضا: الأنفال في الآية ما شد من أموال المشركين إلى المسلمين كالفرس والغائر والعبد الآبق هو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء، وقال ابن عباس أيضا: الأنفال في الآية ما أصيب من أموال المشركين بعد قسمة الغنيمة هو لله ورسوله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان القولان لا تخرج بهما الآية عن الأسباب التي رويت في يوم بدر ولا تختص الآية بيوم بدر على هذا، وكأن هاتين المقالتين إنما هي فيما ناله الجيش دون قتال وبعد تمام الحرب وارتفاع الخوف، وأولى هذه الأقوال وأوضحها القول الأول الذي تظاهرت الروايات بأسبابه وناسبه الوقت الذي نزلت الآية فيه، وحكى النقاش عن الشعبي أنه قال: الأنفال الأسارى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إنما هو على جهة المثال فيعني كل ما يغنم، ويحسن في تفسير هذه الآية أن نذكر شيئا من اختلاف العلماء في تنفيل الإمام لمن رآه من أهل النجدة والغناء وما يجوز من ذلك وما يمتنع وما لهم في السلب من الاختلاف، فقالت فرقة لا نفل بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الجمهور: النفل باق إلى يوم القيامة، ينفل إمام الجيش ما رآه لمن رآه لكن بحسب الاجتهاد والمصلحة للمسلمين ليحض الناس على النجدة وينشطهم إلى مكافحة العدو والاجتهاد في الحرب، ثم اختلفوا فقال ابن القاسم عن مالك في المدونة: إنما ينفل الإمام من الخمس لا من جملة الغنيمة، وينفل في أول المغنم وفي آخره بحسب اجتهاده، وقالت فرقة: إنما ينفل الإمام قبل القتال، وأما إذا جمعت الغنائم فلا نفل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إنما يكون على هذا القول بأن يقول من قتل قتيلا فله كذا وكذا، أو يقول لسرية إن وصلتم إلى موضع كذا فلكم كذا، وقال الشافعي وابن حنبل: لا نفل إلا بعد الغنيمة قبل التخميس، وقال إبراهيم النخعي: ينفل الإمام متى شاء قبل التخميس، وقال أنس بن مالك ورجاء بن حيوة ومكحول والقاسم وجماعة منهم الأوزاعي وأحمد وإسحاق وعدي بن عدي: لا نفل إلا بعد إخراج الخمس ثم ينفل الإمام من أربعة الأخماس ثم يقسم الباقي بين الناس: وقال ابن المسيب: إنما ينفل الإمام من خمس الخمس، وقال مالك رحمه الله لا يجوز أن يقول الأمير من هدم كذا من الحصن فله كذا ومن بلغ إلى كذا فله كذا، ولا أحب لأحد أن يسفك دما على مثل هذا، قال سحنون: فإن نزل ذلك لزمه فإنه مبايعة.
وقال مالك رحمه الله: لا يجوز أن يقول الإمام لسرية: ما أخذتم فلكم ثلثه، قال سحنون: يريد ابتداء، فإن نزل مضى ولهم أنصباؤهم في الباقي، وقال سحنون: إذا قال الإمام لسرية: ما أخذتم فلا خمس عليكم فيه، فهذا لا يجوز فإن نزل رددته لأن هذا حكم شاذ لا يجوز ولا يمضى، ويستحب على مذهب مالك إن
نفل الإمام أن ينفل ما يظهر كالعمامة والفرس والسيف، وقد منع بعض العلماء أن ينفل الإمام ذهبا أو فضة أو لؤلؤا أو نحو هذا، وقال بعضهم: النفل جائز من كل شيء، وأما السلب فقال مالك رحمه الله: الأسلاب من المغنم تقسم على جميع الجيش إلا أن يشرط الإمام وقاله غيره، وقال الليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر: السلب حق للقاتل بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، قال الشافعي وأحمد وأبو عبيد وابن المنذر: قال الإمام أولم يقله، وقال مالك: إذا قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فذلك لازم، ولكنه على قدر اجتهاد الإمام وبسبب الأحوال والضيقات واستصراخ الأنجاد، وقال الشافعي وابن حنبل: تخرج الأسلاب من الغنيمة ثم تخمس بعد ذلك وتعطى الأسلاب للقتلة، وقال إسحاق بن راهويه: إن كان السلب يسيرا فهو للقاتل وإن كان كثيرا خمس، وفعله عمر بن الخطاب مع البراء بن مالك حين بارز المرزبان فقتله فكانت قيمة منطقته وسواريه ثلاثين ألفا، فخمس ذلك، وروي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو حديث عوف بن مالك في مصنف أبي داود، وقال مكحول: السلب مغنم وفيه الخمس، وروي نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد يخمس على القاتل وحده، وقال جمهور الفقهاء لا يعطى القاتل السلب إلا أن يقيم البينة على قتله قال أكثرهم: ويجزئ شاهد واحد بحكم حديث أبي قتادة، وقال الأوزاعي يعطاه بمجرد دعواه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وقال الشافعي: لا يعطى القاتل إلا إذا كان قتيله مقبلا مشيحا مبارزا، وأما من قتل منهزما فلا، وقال أبو ثور وابن المنذر صاحب الأشراف: للقاتل السلب منهزما كان القتيل أو غير منهزم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أصح لحديث سلمة بن الأكوع في اتباعه ربيئة الكفار في غزوة حنين وأخذه بخطام بعيره وقتله إياه وهو هارب فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه، وقال ابن حنبل: لا يكون السلب للقاتل إلا في المبارزة فقط، واختلفوا في السلب، فأما السلاح وكل ما يحتاج للقتال فلا أحفظ فيه خلافا أنه من السلب، وفرسه إن قاتل عليه وصرع عنه، وقال أحمد بن حنبل في الفرس: ليس من السلب، وكذلك إن كان في هميانه أو منطقته دنانير أو جوهر أو نحو هذا مما يعده فلا أحفظ خلافا أنه ليس من السلب، واختلف فيما يتزين به للحرب ويهول فيها كالتاج والسوارين والأقراط والمناطق المثقلة بالذهب والأحجار، فقال الأوزاعي ذلك كله من السلب، وقالت: فرقة: ليس من السلب، وهذا مروي عن سحنون رحمه الله إلا المنطقة فإنها عنده من السلب، قال ابن حبيب في الواضحة: والسوارين من السلب، ويرجح الشافعي هل هذه كلها من السلب أو لا؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإذا قال الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه فقتل ذمي قتيلا فالمشهور أن لا شيء له وعلى قول أشهب يرضخ أهل الذمة من الغنيمة يلزم أن يعطى السلب، وإن قتل الإمام بيده بعد هذه المقالة قتيلا فله سلبه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأما الصفي فكان خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله عز وجل: فاتّقوا اللّه معناها في الكلام، اجعل بينك وبين المحذور وقاية، وقوله وأصلحوا ذات بينكم تصريح بأنه شجر بينهم اختلاف ومالت النفوس إلى التشاح، وذات في هذا الموضع يراد بها نفس الشيء وحقيقته، والذي يفهم من بينكم هو معنى يعم جميع الوصل والالتحامات والمودات وذات ذلك هي المأمور بإصلاحها أي نفسه وعينه، فحض الله عز وجل على إصلاح تلك الأجزاء فإذا صلحت تلك حصل إصلاح ما يعمها وهو البين الذي لهم، وقد تستعمل لفظة الذات على أنها لزيمة ما تضاف إليه وإن لم تكن عينه أو نفسه، وذلك في قوله: عليمٌ بذات الصّدور [الأنفال: 43] وذات الشّوكة [الأنفال: 7] فإنها هاهنا مؤنثة قولهم: الذئب مغبوط بذي بطنه، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه إنما هو ذو بطن بنت خارجة، ويحتمل ذات البين أن تكون هذه، وقد تقال الذات أيضا بمعنى آخر وإن كان يقرب من هذا، وهو قولهم فعلت كذا ذات يوم، ومنه قول الشاعر: [البسيط].
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة = ذات العشاء ولا تسري أفاعيها
وذكر الطبري عن بعضهم أنه قال: ذات بينكم الحال التي لبينكم كما ذات العشاء الساعة التي فيها العشاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ورجحه الطبري وهو قول بين الانتقاض، وقال الزجاج البين هاهنا الوصل، ومثله قوله عز وجل: لقد تقطّع بينكم [الأنعام: 94].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا كله نظر، وقوله وأطيعوا اللّه ورسوله لفظ عام وسببه الأمر بالوقوف عند ما ينفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغنائم، وقوله: إن كنتم مؤمنين أي كاملي الإيمان كما تقول لرجل إن كنت رجلا فافعل كذا أي إن كنت كامل الرجولة وجواب الشرط في قوله المتقدم وأطيعوا هذا عند سيبويه، ومذهب أبي العباس أن الجواب محذوف متأخر يدل عليه المتقدم تقديره إن كنتم مؤمنين أطيعوا، ومذهبه في هذا أن لا يتقدم الجواب الشرط). [المحرر الوجيز: 4/ 126-135]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون (2) الّذين يقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم درجاتٌ عند ربّهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ (4)
إنّما لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر، فإذا دخل في قصة وساعد معناها على الانحصار صح ذلك وترتب كقوله أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ [الأنبياء: 108، فصلت: 6] وغير ذلك من الأمثلة، وإذا كانت القصة لا تتأتى للانحصار بقيت «إنما» للمبالغة والتأكيد فقط، كقوله عليه السلام «إنما الربا في النسيئة»، وكقوله «إنما الشجاع عنترة»، وأما من قال «إنما»، هي لبيان الموصوف فهي عبارة فاترة إذ بيان الموصوف يكون في مجرد الإخبار دون «إنما»، وقوله هاهنا إنّما المؤمنون ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون، وجلت معناه فزعت ورقت وخافت وبهذه المعاني فسرت العلماء، وقرأ ابن مسعود «فرقت»، وقرأ أبي بن كعب «فزعت»، يقال وجل يوجل ويأجل وييجل وهي شاذة وييجل بكسر الياء الأولى ووجه هذه أنهم لما أبدلوا الواو ياء لم يكن لذلك وجه قياس، فكسروا الياء الأولى ليجيء بدل الواو ياء لعلة، حكى هذه اللغات الأربع سيبويه رحمه الله، وتليت معناه سردت وقرئت، والآيات هنا القرآن المتلو، وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج عن نفس التصديق، منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكما من أحكام الله في القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه فآمن به، زاد إيمانا إلى سائر ما قد آمن به، إذ لكل حكم تصديق خاص، وهذا يترتب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة، وتترتب زيادة الإيمان بزيادة الدلائل، ولهذا قال مالك الإيمان يزيد ولا ينقص وتترتب بزيادة الأعمال البرة على قول من يرى لفظة الإيمان واقعة على التصديق والطاعات.
وهؤلاء يقولون يزيد وينقص، وقوله وعلى ربّهم يتوكّلون عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز، وينتظر بعد ما تكفل له به من نصر أو رزق أو غيره، وهذه أوصاف جميلة وصف الله بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل). [المحرر الوجيز: 4/ 135-136]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وهذه أوصاف جميلة وصف الله بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل، ثم أتبع ذلك وعدهم ووسمهم بإقامة الصلاة ومدحهم بها حضا على ذلك، وقوله وممّا رزقناهم ينفقون قال جماعة من المفسرين: هي الزكاة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما حملهم على ذلك اقتران الكلام بإقامة الصلاة وإلا فهو لفظ عام في الزكاة ونوافل الخير وصلاة المستحقين، ولفظ ابن عباس في هذا المعنى محتمل). [المحرر الوجيز: 4/ 136]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله «أولئك هم المؤمنين حقا» يريد كل المؤمنين، وحقًّا مصدر مؤكد كذا نص عليه سيبويه، وهو المصدر غير المتنقل، والعامل فيه أحق ذلك حقا. وقوله درجاتٌ ظاهره، وهو قول الجمهور، أن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجتها على قدر أعمالهم، وحكى الطبري عن مجاهد أنها درجات أعمال الدنيا، وقوله ورزقٌ كريمٌ يريد به مآكل الجنة ومشاربها، وكريمٌ صفة تقتضي رفع المذام كقولك ثوب كريم وحسب كريم). [المحرر الوجيز: 4/ 137]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:21 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:21 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين (1) }
قال البخاريّ: قال ابن عبّاسٍ الأنفال: الغنائم: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هشيم، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: سورة الأنفال؟ قال نزلت في بدرٍ.
أمّا ما علّقه عن ابن عبّاسٍ، فكذلك رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: "الأنفال": الغنائم، كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالصةً، ليس لأحدٍ منها شيءٌ. وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وعطاءٌ، والضّحّاك، وقتادة، وعطاءٌ الخراسانيّ، ومقاتل بن حيّان، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ إنّها الغنائم
وقال الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: الأنفال: الغنائم، قال فيها لبيد: إنّ تقوى ربّنا خير نفلوبإذن الله ريثي وعجل
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني مالك بن أنسٍ، عن ابن شهابٍ، عن القاسم بن محمّدٍ قال: سمعت رجلًا يسأل ابن عبّاسٍ عن "الأنفال"، فقال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: الفرس من النّفل، والسّلب من النّفل. ثمّ عاد لمسألته، فقال ابن عبّاسٍ ذلك أيضًا. ثمّ قال الرّجل: الأنفال الّتي قال اللّه في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتّى كاد يحرجه، فقال ابن عبّاسٍ: أتدرون ما مثل هذا، مثل صبيغٍ الّذي ضربه عمر بن الخطّاب
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن القاسم بن محمّدٍ قال: قال ابن عباس: كان عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، إذا سئل عن شيءٍ قال: لا آمرك ولا أنهاك. ثمّ قال ابن عبّاسٍ: واللّه ما بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا زاجرًا آمرًا محلًّا محرّمًا. قال القاسم: فسلّط على ابن عبّاسٍ رجلٌ يسأله عن الأنفال، فقال ابن عبّاسٍ: كان الرّجل ينفل فرس الرّجل وسلاحه. فأعاد عليه الرّجل، فقال له مثل ذلك، ثمّ أعاد عليه حتّى أغضبه، فقال ابن عبّاسٍ: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الّذي ضربه عمر بن الخطّاب، حتّى سالت الدّماء على عقبيه -أو على: رجليه فقال الرّجل: أمّا أنت فقد انتقم اللّه لعمر منك
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ: أنّه فسّر النّفل بما ينفله الإمام لبعض الأشخاص من سلبٍ أو نحوه، بعد قسم أصل المغنم، وهو المتبادر إلى فهم كثيرٍ من الفقهاء من لفظ النّفل، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: إنّهم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت: {يسألونك عن الأنفال}
وقال ابن مسعودٍ ومسروقٌ: لا نفل يوم الزّحف، إنّما النّفل قبل التقاء الصّفوف. رواه ابن أبي حاتمٍ عنهما.
وقال ابن المبارك وغير واحدٍ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباحٍ: {يسألونك عن الأنفال} قال: يسألونك فيما شذّ من المشركين إلى المسلمين في غير قتالٍ، من دابّةٍ أو عبدٍ أو أمةٍ أو متاعٍ، فهو نفلٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصنع به ما يشاء.
وهذا يقتضي أنّه فسّر الأنفال بالفيء، وهو ما أخذ من الكفّار من غير قتالٍ.
وقال ابن جريرٍ: وقال آخرون: هي أنفال السّرايا، حدّثني الحارث، حدّثنا عبد العزيز، حدثنا علي بن صالح بن حيي قال: بلغني في قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال} قال: السّرايا.
ويعني هذا: ما ينفله الإمام لبعض السّرايا زيادةً على قسمهم مع بقيّة الجيش، وقد صرّح بذلك الشّعبيّ، واختار ابن جريرٍ أنّها الزّيادات على القسم، ويشهد لذلك ما ورد في سبب نزول الآية، وهو ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا أبو إسحاق الشّيبانيّ، عن محمّد بن عبد اللّه الثّقفيّ، عن سعد بن أبي وقّاصٍ قال: لمّا كان يوم بدرٍ، وقتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمّى "ذا الكتيفة"، فأتيت به نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "اذهب فاطرحه في القبض". قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلّا اللّه من قتل أخي وأخذ سلبي. قال: فما جاوزت إلّا يسيرًا حتّى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "اذهب فخذ سيفك"
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أسود بن عامرٍ، أخبرنا أبو بكرٍ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن مصعب بن سعدٍ، عن سعد بن مالكٍ قال: قال: يا رسول اللّه، قد شفاني اللّه اليوم من المشركين، فهب لي هذا السّيف. فقال: "إنّ هذا السّيف لا لك ولا لي، ضعه" قال: فوضعته، ثمّ رجعت، قلت: عسى أن يعطى هذا السّيف اليوم من لا يبلي بلائي! قال: رجلٌ يدعوني من ورائي، قال: قلت: قد أنزل اللّه فيّ شيئًا؟ قال: "كنت سألتني السّيف، وليس هو لي وإنّه قد وهب لي، فهو لك" قال: وأنزل اللّه هذه الآية: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول}
ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من طرقٍ، عن أبي [بكر] بن عيّاشٍ، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وهكذا رواه أبو داود الطّيالسيّ: أخبرنا شعبة، أخبرنا سماك بن حربٍ، قال: سمعت مصعب بن سعدٍ، يحدّث عن سعدٍ قال: نزلت فيّ أربع آياتٍ: أصبت سيفًا يوم بدرٍ، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: نفّلنيه. فقال: "ضعه من حيث أخذته" مرّتين، ثمّ عاودته فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ضعه من حيث أخذته"، فنزلت هذه الآية: "يسألونك عن الأنفال:
وتمام الحديث في نزول: {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنًا} [العنكبوت: 8] وقوله تعالى: {إنّما الخمر والميسر} [المائدة: 90] وآية الوصيّة. وقد رواه مسلمٌ في صحيحه، من حديث شعبة، به
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيدٍ مالك بن ربيعة يقول: أصبت سيف ابن عائذٍ يوم بدرٍ، وكان السّيف يدعى بالمرزبان، فلمّا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس أن يردّوا ما في أيديهم من النّفل، أقبلت به فألقيته في النّفل، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يمنع شيئًا يسأله، فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزوميّ، فسأله رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] فأعطاه إيّاه
ورواه ابن جريرٍ من وجهٍ آخر.
[سببٌ آخر في نزول الآية]:
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الرّحمن، عن سليمان بن موسى، عن مكحولٍ، عن أبي أمامة قال: سألت عبادة عن الأنفال، فقال: فينا -أصحاب بدر- نزلت، حين اختلفنا في النّفل، وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه اللّه من أيدينا، وجعله إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقسمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين المسلمين عن بواءٍ -يقول: عن سواءٍ
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، أخبرنا أبو إسحاق، عن عبد الرّحمن بن الحارث بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة، عن سليمان بن موسى، عن أبي سلّامٍ، عن أبي أمامة، عن عبادة بن الصّامت قال: خرجنا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فشهدت معه بدرًا، فالتقى النّاس، فهزم اللّه [تعالى] العدوّ، فانطلقت طائفةٌ في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبّت طائفةٌ على العسكر يحوونه ويجمعونه. وأحدقت طائفةٌ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يصيب العدوّ منه غرّةً، حتّى إذا كان اللّيل، وفاء النّاس بعضهم إلى بعضٍ، قال الّذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها، فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ. وقال الّذين خرجوا في طلب العدوّ: لستم بأحقّ به منّا، نحن منعنا عنها العدوّ وهزمناهم. وقال الّذين أحدقوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لستم بأحقّ منّا، نحن أحدقنا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرّةً، فاشتغلنا به، فنزلت: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} فقسمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين المسلمين -وكان رسول اللّه إذا غار في أرض العدوّ نفّل الرّبع، فإذا أقبل وكلّ النّاس راجعًا، نفّل الثّلث، وكان يكره الأنفال ويقول: "ليردّ قويّ المؤمنين على ضعيفهم".
ورواه التّرمذيّ وابن ماجه، من حديث سفيان الثّوريّ، عن عبد الرّحمن بن الحارث به نحوه، وقال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ. ورواه ابن حبّان في صحيحه، والحاكم في مستدركه من حديث عبد الرّحمن بن الحارث وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه.
وروى أبو داود والنّسائيّ، وابن جريرٍ، وابن مردويه -واللّفظ له -وابن حبّان، والحاكم من طرقٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا، فتسارع في ذلك شبّان الرّجال، وبقي الشّيوخ تحت الرّايات، فلمّا كانت المغانم، جاءوا يطلبون الّذي جعل لهم، فقال الشّيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنّا كنّا ردءًا لكم، لو انكشفتم لفئتم إلينا. فتنازعوا فأنزل اللّه تعالى: {يسألونك عن الأنفال} إلى قوله: {وأطيعوااللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}
وقال الثّوريّ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عباس قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: "من قتل قتيلًا فله كذا وكذا، ومن أتى بأسيرٍ فله كذا وكذا". فجاء أبو اليسر بأسيرين، فقال: يا رسول اللّه، وعدتنا، فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول اللّه، إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيءٌ، وإنّه لم يمنعنا من هذا زهادةٌ في الأجر، ولا جبنٌ عن العدوّ، وإنّما قمنا هذا المقام محافظةً عليك، نخاف أن يأتوك من ورائك، فتشاجروا، ونزل القرآن: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} قال: ونزل القرآن: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ لله خمسه [وللرّسول]} إلى آخر الآية [الأنفال: 41]
وقال الإمام أبو عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ، رحمه اللّه، في كتاب "الأموال الشّرعيّة وبيان جهاتها ومصارفها": أمّا الأنفال: فهي المغانم، وكلّ نيلٍ ناله المسلمون من أموال أهل الحرب، فكانت الأنفال الأولى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول اللّه تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} فقسمها يوم بدرٍ على ما أراده اللّه من غير أن يخمّسها على ما ذكرناه في حديث سعدٍ، ثمّ نزلت بعد ذلك آية الخمس، فنسخت الأولى
قلت: هكذا روى عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، سواءً. وبه قال مجاهدٌ، وعكرمة والسّدّيّ.
وقال ابن زيدٍ: ليست منسوخةً، بل هي محكمةٌ.
قال أبو عبيدٍ: وفي ذلك آثارٌ، والأنفال أصلها جمع الغنائم، إلّا أنّ الخمس منها مخصوصٌ لأهله على ما نزل به الكتاب، وجرت به السّنّة. ومعنى الأنفال في كلام العرب: كلّ إحسانٍ فعله فاعلٌ تفضّلًا من غير أن يجب ذلك عليه، فذلك النّفل الّذي أحلّه اللّه للمؤمنين من أموال عدوّهم وإنّما هو شيءٌ خصّه اللّه به تطوّلًا منه عليهم بعد أن كانت المغانم محرّمةً على الأمم قبلهم، فنفلها اللّه هذه الأمّة فهذا أصل النّفل.
قلت: شاهد هذا في الصّحيحين عن جابرٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحدٌ قبلي" فذكر الحديث، إلى أن قال: "وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي"، وذكر تمام الحديث
ثمّ قال أبو عبيدٍ: ولهذا سمّي ما جعل الإمام للمقاتلة نفلًا وهو تفضيله بعض الجيش على بعضٍ بشيءٍ سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الغناء عن الإسلام والنّكاية في العدوّ. وفي النّفل الّذي ينفله الإمام سننٌ أربعٌ، لكلّ واحدةٍ منهنّ موضعٌ غير موضع الأخرى:
فإحداهنّ: في النّفل لا خمس فيه، وذلك السّلب.
والثّانية: في النّفل الّذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس، وهو أن يوجّه الإمام السّرايا في أرض الحرب، فتأتي بالغنائم فيكون للسّريّة ممّا جاءت به الرّبع أو الثّلث بعد الخمس.
والثّالثة: في النّفل من الخمس نفسه، وهو أن تحاز الغنيمة كلّها، ثمّ تخمّس، فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى.
والرّابعة: في النّفل في جملة الغنيمة قبل أن يخمّس منها شيءٌ، وهو أن يعطى الأدلّاء ورعاة الماشية والسّوّاق لها، وفي كلّ ذلك اختلافٌ.
قال الرّبيع: قال الشّافعيّ: الأنفال: ألّا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيءٌ غير السّلب.
قال أبو عبيدٍ: والوجه الثّاني من النّفل هو شيءٌ زيدوه غير الّذي كان لهم، وذلك من خمس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فإنّ له خمس الخمس من كلّ غنيمةٍ، فينبغي للإمام أن يجتهد، فإذا كثر العدوّ واشتدّت شوكتهم، وقلّ من بإزائه من المسلمين، نفل منه اتّباعًا لسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإذا لم يكن ذلك لم ينفل.
والوجه الثّالث من النّفل: إذا بعث الإمام سريّةً أو جيشًا، فقال لهم قبل اللّقاء: من غنم شيئًا فله بعد الخمس، فذلك لهم على ما شرط الإمام؛ لأنّهم على ذلك غزوا، وبه رضوا. انتهى كلامه
وفيما تقدّم من كلامه وهو قوله: "إنّ غنائم بدرٍ لم تخمّس"، نظرٌ. ويردّ عليه حديث عليّ بن أبي طالبٍ في شارفيه اللّذين حصلا له من الخمس يوم بدرٍ، وقد بيّنت ذلك في كتاب السّيرة بيانًا شافيًا وللّه الحمد [والمنّة]
وقوله تعالى: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} أي: اتّقوا اللّه في أموركم، وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا؛ فما آتاكم اللّه من الهدى والعلم خيرٌ ممّا تختصمون بسببه، {وأطيعوا اللّه ورسوله} أي: في قسمه بينكم على ما أراده اللّه، فإنّه قسّمه كما أمره اللّه من العدل والإنصاف.
وقال ابن عبّاسٍ: هذا تحريجٌ من اللّه على المؤمنين أن يتّقوا [اللّه] ويصلحوا ذات بينهم. وكذا قال مجاهدٌ.
وقال السّدّيّ: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} أي: لا تستبّوا. ونذكر هاهنا حديثًا أورده الحافظ أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى الموصليّ، رحمه اللّه، في مسنده، فإنّه قال: حدّثنا مجاهد بن موسى، حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ حدّثنا عبّاد بن شيبة الحبطيّ عن سعيد بن أنسٍ، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه، قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ، إذ رأيناه ضحك حتّى بدت ثناياه، فقال عمر: ما أضحكك يا رسول اللّه بأبي أنت وأمّي؟ فقال: "رجلان جثيا من أمّتي بين يدي ربّ العزّة، تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا ربّ، خذ لي مظلمتي من أخي. قال اللّه تعالى: أعط أخاك مظلمتك. قال: يا ربّ، لم يبق من حسناتي شيءٌ. قال: ربّ، فليحمل عنّي من أوزاري" قال: وفاضت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالبكاء، ثمّ قال: "إنّ ذلك ليومٌ عظيمٌ، يومٌ يحتاج النّاس إلى من يتحمّل عنهم من أوزارهم، فقال اللّه تعالى للطّالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا ربّ، أرى مدائن من فضّةٍ وقصورًا من ذهبٍ مكلّلةً باللّؤلؤ، لأيّ نبيٍّ هذا؟ لأيّ صدّيقٍ هذا؟ لأيّ شهيدٍ هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثّمن. قال: يا ربّ، ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: ماذا يا ربّ؟ قال: تعفو عن أخيك. قال: يا ربّ، فإنّي قد عفوت عنه. قال اللّه تعالى: خذ بيد أخيك فأدخله الجنّة". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم، فإنّ اللّه تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 5-11]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2) الّذين يقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم درجاتٌ عند ربّهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ (4) }
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيءٌ من ذكر اللّه عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيءٍ من آيات اللّه، ولا يتوكّلون، ولا يصلّون إذا غابوا، ولا يؤدّون زكاة أموالهم، فأخبر اللّه تعالى أنّهم ليسوا بمؤمنين، ثمّ وصف المؤمنين فقال: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} فأدّوا فرائضه. {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا} يقول: تصديقًا {وعلى ربّهم يتوكّلون} يقول: لا يرجون غيره.
وقال مجاهدٌ: {وجلت قلوبهم} فرقت، أي: فزعت وخافت. وكذا قال السّدّيّ وغير واحدٍ.
وهذه صفة المؤمن حقّ المؤمن، الّذي إذا ذكر اللّه وجل قلبه، أي: خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره. كقوله تعالى: {والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذّنوب إلا اللّه ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران: 135] وكقوله تعالى: {وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النّفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى} [النّازعات: 40، 41] ولهذا قال سفيان الثّوريّ: سمعت السّدّيّ يقول في قوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم}
قال: هو الرّجل يريد أن يظلم -أو قال: يهمّ بمعصيةٍ- فيقال له: اتّق اللّه فيجل قلبه.
وقال الثّوريّ أيضًا: عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن أمّ الدّرداء في قوله: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} قالت: الوجل في القلب إحراق السّعفة، أما تجد له قشعريرةً؟ قال: بلى. قالت لي: إذا وجدت ذلك فادع اللّه عند ذلك، فإنّ الدّعاء يذهب ذلك.
وقوله: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا [وعلى ربّهم يتوكّلون]} كقوله: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون} [التّوبة: 124]
وقد استدلّ البخاريّ وغيره من الأئمّة بهذه الآية وأشباهها، على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمّة، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحدٍ من الأئمّة، كالشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ، وأبي عبيدٍ، كما بيّنّا ذلك مستقصًى في أوّل الشّرح البخاريّ، وللّه الحمد والمنّة.
{وعلى ربّهم يتوكّلون} أي: لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلّا إيّاه، ولا يلوذون إلّا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلّا منه، ولا يرغبون إلّا إليه، ويعلمون أنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنّه المتصرّف في الملك، وحده لا شريك له، ولا معقّب لحكمه، وهو سريع الحساب؛ ولهذا قال سعيد بن جبيرٍ: التّوكّل على اللّه جماع الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 11-12]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله {الّذين يقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون} ينبّه بذلك على أعمالهم، بعد ما ذكر اعتقادهم، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلّها، وهو إقامة الصّلاة، وهو حقّ اللّه تعالى.
وقال قتادة: إقامة الصّلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها، وسجودها.
وقال مقاتل بن حيّان: إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطّهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتّشهّد والصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، هذا إقامتها.
والإنفاق ممّا رزقهم اللّه يشمل خراج الزّكاة، وسائر الحقوق للعباد من واجبٍ ومستحبٍّ، والخلق كلّهم عيال اللّه، فأحبّهم إلى اللّه أنفعهم لخلقه.
قال قتادة في قوله {وممّا رزقناهم ينفقون} فأنفقوا ممّا أعطاكم اللّه، فإنّما هذه الأموال عواريٌّ وودائع عندك يا ابن آدم، أوشكت أن تفارقها). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 12]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله {أولئك هم المؤمنون حقًّا} أي: المتّصفون بهذه الصّفات هم المؤمنون حق الإيمان.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الحضرميّ، حدّثنا أبو كريب، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد السّكسكيّ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن محمّد بن أبي الجهم، عن الحارث بن مالكٍ الأنصاريّ؛ أنّه مرّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له: "كيف أصبحت يا حارث؟ " قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا. قال: "انظر ماذا تقول، فإنّ لكلّ شيءٍ حقيقةً، فما حقيقة إيمانك؟ " فقال: عزفت نفسي عن الدّنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي بارزًا، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون فيها، وكأنّي أنظر إلى أهل النّار يتضاغون فيها، فقال: "يا حارث، عرفت فالزم" ثلاثًا
وقال عمرو بن مرّة في قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًّا} إنّما أنزل القرآن بلسان العرب، كقولك: فلانٌ سيّدٌ حقًّا، وفي القوم سادةٌ، وفلانٌ تاجرٌ حقًّا، وفي القوم تجّارٌ، وفلانٌ شاعرٌ حقًّا، وفي القوم شعراء.
وقوله: {لهم درجاتٌ عند ربّهم} أي: منازل ومقاماتٌ ودرجاتٌ في الجنّات، كما قال تعالى: {هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون} [آل عمران: 163]
{ومغفرةٌ} أي: يغفر لهم السّيّئات، ويشكر لهم الحسنات.
وقال الضّحّاك في قوله: {لهم درجاتٌ عند ربّهم} أهل الجنّة بعضهم فوق بعضٍ، فيرى الّذي هو فوق فضله على الّذي هو أسفل منه، ولا يرى الّذي هو أسفل أنّه فضّل عليه أحدٌ.
ولهذا جاء في الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ أهل علّيين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفقٍ من آفاق السّماء"، قالوا يا رسول اللّه، تلك منازل الأنبياء، لا ينالها غيرهم؟ فقال: "بلى، والّذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا باللّه وصدّقوا المرسلين"
وفي الحديث الآخر الّذي رواه الإمام أحمد [و] أهل السّنن من حديث عطية، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الدّرجات العلى كما ترون الكوكب الغابر في أفق السّماء، وإنّ أبا بكرٍ وعمر منهم وأنعما").[تفسير القرآن العظيم: 4/ 12-13]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة