تفسير قوله تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه قال عمله ويخرج ذلك العمل كتابا يلقاه منشورا قال معمر وقال الحسن طائره عمله شقاوة أو سعادة). [تفسير عبد الرزاق: 1/374]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قوله: {وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله [الآية: 13]). [تفسير الثوري: 169]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا وكيعٌ، عن يزيد بن درهمٍ، قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول في قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: كتابه). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 239]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({طائره} [الإسراء: 13] : «حظّه»). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (طائره حظّه
أشار به إلى قوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} (الإسراء: 13) الآية وفسّر (طائره) بقوله: (حظه) ، وكذا فسره أبو عبيدة والقتبي، وقالا: أراد بالطائر حظه من الخير والشّر، من قولهم: طار بهم فلان بكذا، وإنّما خص عنقه دون سائر أعضائه لأن العنق موضع السمات وموضع القلادة وغير ذلك ممّا يزين أو يشين، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللّازمة إلى الأعناق، فيقولون: هذا الشّيء لك في عنقي حتّى أخرج منه، وعن ابن عبّاس: طائره عمله، وعن الكلبيّ ومقاتل: خيره وشره معه لا يفارقه حتّى يحاسب عليه، وعن الحسن: يمنه وشومه، وعن مجاهد: رزقه). [عمدة القاري: 19/22]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({طائره}) في قوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] هو (حظه) بالحاء المهملة والظاء المعجمة وقال ابن عباس خيره وشره مكتوب عليه لا يفارقه. وقال الحسن فيما رواه السمرقندي: عمله. زاد في الأنوار وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب، والمعنى أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه وخص العنق حيث قال في عنقه من بين سائر الأعضاء لأن الذي عليه إما أن يكون خيرًا يزينه أو شرًّا يثينه وما يزين يكون كالطوق والحلي وما يشين يكون كالغل). [إرشاد الساري: 7/200]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا}.
يقول تعالى ذكره: وكلّ إنسانٍ ألزمناه ما قضي له أنّه عامله، وما هو صائرٌ إليه من شقاءٍ أو سعادةٍ بعمله في عنقه لا يفارقه. وإنّما قوله {ألزمناه طائره} مثلٌ لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطّير وبوارحها، فأعلمهم جلّ ثناؤه أنّ كلّ إنسانٍ منهم قد ألزمه ربّه طائره في عنقه نحسًا كان ذلك الّذي ألزمه من الطّائر، وشقاءً يورده سعيرًا، أو كان سعدًا يورده جنّات عدنٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن جابر بن عبد اللّه، أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " لا عدوى ولا طيرة وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: الطّائر: عمله، قال: والطائر في أشياء كثيرةٍ، فمنه التّشاؤم الّذي يتشاءم به النّاس بعضهم من بعضٍ
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عطاءٌ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله وما قدر عليه، فهو ملازمه أينما كان، وزائلٌ معه أينما زال قال ابن جريجٍ: وقال: طائره: عمله
- قال: ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: عمله وما كتب اللّه له
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: طائره: عمله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو جميعًا عن منصورٍ، عن مجاهدٍ {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن الحسن بن عمرٍو الفقيميٍّ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: ما من مولودٍ يولد إلاّ وفي عنقه ورقةٌ مكتوبٌ فيها شقيّ أو سعيدٌ. قال: وسمعته يقول: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، قال: هو ما سبق
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} إي واللّه بسعادته وشقائه بعمله
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: طائره: عمله.
فإن قال قائلٌ: وكيف قال: ألزمناه طائره في عنقه إن كان الأمر على ما وصفت ولم يقل: ألزمناه في يديه ورجليه أو غير ذلك من أعضاء الجسد؟ قيل: لأنّ العنق هو موضع السّمات، وموضع القلائد والأطوقة، وغير ذلك ممّا يزيّن أو يشين، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللاّزمة بني آدم وغيرهم من ذلك إلى أعناقهم وكثر استعمالهم ذلك حتّى أضافوا الأشياء اللاّزمة سائر الأبدان إلى الأعناق، كما أضافوا جنايات أعضاء الأبدان إلى اليد، فقالوا: ذلك بما كسبت يداه، وإن كان الّذي جرّ عليه لسانه أو فرجه، فكذلك قوله {ألزمناه طائره في عنقه}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} فقرأه بعض أهل المدينة ومكّة، وهو نافعٌ وابن كثيرٍ وعامّة قرّاء العراق {ونخرج} بالنّون {له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} بفتح الياء من يلقاه وتخفيف القاف منه، بمعنًى: ونخرج له نحن يوم القيامة ردًّا على قوله {ألزمناه} ونحن نخرج له يوم القيامة كتاب عمله منشورًا. وكان بعض قرّاء أهل الشّام يوافق هؤلاء على قراءة قوله {ونخرج} ويخالفهم في قوله {يلقاه} فيقرؤه: " يلقاه " بضمّ الياء وتشديد القاف، بمعنى: ونخرج له نحن يوم القيامة كتابًا يلقاه، ثمّ يردّه إلى ما لم يسمّ فاعله، فيقول: يلقى الإنسان ذلك الكتاب منشورًا.
وذكر عن مجاهدٍ ما:
- حدّثنا أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا يزيد، عن جرير بن حازمٍ، عن حميدٍ، عن مجاهدٍ، أنّه قرأها ( ويخرج له يوم القيامة كتابًا ) قال: يزيد: يعني يخرج الطّائر كتابًا.
هكذا أحسبه قرأها بفتح الياء، وهي قراءة الحسن البصريّ، وابن محيصنٍ، وكأنّ من قرأ هذه القراءة وجّه تأويل الكلام إلى: ويخرج له الطّائر الّذي ألزمناه عنق الإنسان يوم القيامة فيصير كتابًا يقرؤه منشورًا. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة: ( ويخرج له ) بضمّ الياء على مذهب ما لم يسمّ فاعله، وكأنّه وجّه معنى الكلام إلى: ويخرج له الطّائر يوم القيامة كتابًا، يريد: ويخرج اللّه له ذلك الطّائر قد صيّره كتابًا، غيرأنه قال يخرج لأنّه نحّاه نحو ما لم يسمّ فاعله.
وأولى القراءات في ذلك بالصّواب، قراءة من قرأه: {ونخرج} بالنّون وضمّها {له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} بفتح الياء وتخفيف القاف، لأنّ الخبر جرى قبل ذلك عن اللّه تعالى أنّه الّذي ألزم خلقه ما ألزم من ذلك، فالصّواب أن يكون الّذي يليه خبرًا عنه، أنّه هو الّذي يخرجه لهم يوم القيامة، وأن يكون بالنّون كما كان الخبر الّذي قبله بالنّون. وأمّا قوله: {يلقاه} فإنّ في إجماع الحجّة من القرّاء على تصويب ما اخترنا من القراءة في ذلك، وشذوذ ما خالفه الحجّة الكافية لنا على تقارب معنى القراءتين: أعنّي ضمّ الياء وفتحها في ذلك، وتشديد القاف وتخفيفها فيه، فإذا كان الصّواب في القراءة هو ما اخترنا بالّذي عليه دلّلنا، فتأويل الكلام: وكلّ إنسانٍ منكم يا معشر بني آدم، ألزمناه نحسه وسعده وشقاءه وسعادته، بما سبق له في علمنا أنّه صائرٌ إليه، وعاملٌ من الخير والشّرّ في عنقه، فلا يجاوز في شيءٍ من أعماله ما قضينا عليه أنّه عامله، وما كتبنا له أنّه صائرٌ إليه، ونحن نخرج له إذا وافانا كتابًا يصادفه منشورًا بأعماله الّتي عملها في الدّنيا، وبطائره الّذي كتبنا له، وألزمناه إيّاه في عنقه، قد أحصى عليه ربّه فيه كلّ ما سلف في الدّنيا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} قال: هو عمله الّذي عمل أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل يقرؤه منشورًا
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} أي عمله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، {ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله {ونخرج له} قال: نخرج ذلك العمل {كتابًا يلقاه منشورا}
قال معمرٌ: وتلا الحسن: {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكّل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن يسارك. فأمّا الّذي عن يمينك فيحفظ حسناتك. وأمّا الّذي عن شمالك فيحفظ سيّئاتك، فأملل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتّى إذا متّ طويت صحيفتك، فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتّى تخرج يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} قد عدل واللّه عليك من جعلك حسيب نفسك
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: طائره: عمله، ويخرج له ذلك العمل كتابًا يلقاه منشورًا.
وقد كان بعض أهل العربيّة يتأوّل قوله {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه}: حظّه، من قولهم: طار سهم فلانٍ بكذا: إذا خرج سهمه على نصيبٍ من الأنصباء، وذلك وإن كان قولاً له وجهٌ، فإنّ تأويل أهل التّأويل على ما قد بيّنت، وغير جائزٍ أن يتجاوز في تأويل القرآن ما قالوه إلى غيره، على أنّ ما قاله هذا القائل، إن كان عنى بقوله حظّه من العمل والشّقاء والسّعادة، فلم يبعد معنى قوله من معنى قولهم). [جامع البيان: 14/518-524]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا شيبان وشريك عن منصور عن مجاهد في قوله ألزمناه طائره في عنقه قال عمله خيره وشره
- نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله). [تفسير مجاهد: 359]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال طائره عمله خيره وشره شقاوته وسعادته). [تفسير مجاهد: 359]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13].
- عن جابرٍ قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: " «طير كلّ عبدٍ في عنقه» ".
رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسنٌ وفيه ضعفٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/49]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير بسند حسن، عن جابر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طائر كل إنسان في عنقه). [الدر المنثور: 9/271]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن النطفة التي يخلق منها النسمة تطير في المرأة أربعين يوما وأربعين ليلة فلا يبقى منها شعر ولا بشر ولا عرق ولا عظم إلا دخله حتى أنها لتدخل بين الظفر واللحم فإذا مضى لها أربعون ليلة وأربعون يوما أهبطه الله إلى الرحم فكان علقة أربعين يوما وأربعين ليلة ثم يكون مضغة أربعين يوما وأربعين ليلة فإذا تمت لها أربعة أشهر بعث الله إليها ملك الأرحام فيخلق على يده لحمها ودمها وشعرها وبشرها ثم يقول: صور، فيقول: يا رب ما أصور أزائد أم ناقص أذكر أم أنثى أجميل أم ذميم أجعد أم سبط أقصير أم طويل أبيض أم آدم أسوي أم غير سوي فيكتب من ذلك ما يأمر به، ثم يقول الملك: يا رب أشقي أم سعيد فإن كان سعيدا نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله وإن كان شقيا: نفخ فيه الشقاوة في آخر أجله، ثم يقول: اكتب أثرها ورزقها ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية فيكتب من ذلك ما يأمره الله به ثم يقول الملك: يا رب ما أصنع بهذا الكتاب فيقول: علقه في عنقه إلى قضائي عليه، فذلك قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}). [الدر المنثور: 9/271-272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ألزمناه طائره في عنقه} قال: سعادته وشقاوته وما قدره الله له وعليه فهو لازمه أينما كان). [الدر المنثور: 9/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جوبير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {طائره في عنقه} قال: قال عبد الله رضي الله عنه الشقاء والسعادة والرزق والأجل). [الدر المنثور: 9/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أنس رضي الله عنه في قوله: {طائره في عنقه} قال: كتابه). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} أي عمله). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابو داود في كتاب القدر، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} قال: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن ابي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ألزمناه طائره} قال: عمله {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} قال: هو عمله الذي عمل أحصي عليه فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل فقرأه منشورا). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال: الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب فيقول: رب إنك قد قضيت، إنك لست بظلام للعبيد فاجعلني أحاسب نفسي، فيقال له: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} ). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن هرون قال: في قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} يقرؤه يوم القيامة {كتابا يلقاه منشورا} ). [الدر المنثور: 9/273-274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء يعني يخرج الطائر كتابا). [الدر المنثور: 9/274]
تفسير قوله تعالى: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا}.
يقول تعالى ذكره: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} فنقول له: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} فترك ذكر قوله: فنقول له، اكتفاءً بدلالة الكلام عليه. وعنى بقوله: {اقرأ كتابك} اقرأ كتاب عملك الّذي عملته في الدّنيا، الّذي كان كاتبانا يكتبانه، ونحصيه عليك {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} يقول: حسبك اليوم نفسك عليك حاسبًا يحسب عليك أعمالك، فيحصيها عليك، لا نبتغي عليك شاهدًا غيرها، ولا نطلب عليك محصيًا سواها
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئًا في الدّنيا). [جامع البيان: 14/525]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {اقرأ كتابك} قال: سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا). [الدر المنثور: 9/274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} حتى بلغ عليك {حسيبا}). [الدر المنثور: 9/274]
تفسير قوله تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار قال فيقولون كيف ولم يأتنا رسول قال وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قال ثم قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). [تفسير عبد الرزاق: 1/374]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً}.
يقول تعالى ذكره: من استقام على طريق الحقّ فاتّبعه، وذلك دين اللّه الّذي ابتعث به نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {فإنّما يهتدي لنفسه} يقول: فليس ينفع بلزومه الاستقامة وإيمانه باللّه ورسوله غير نفسه {ومن ضلّ} يقول: ومن جار عن قصد السّبيل، فأخذ على غير هدًى، وكفر باللّه وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به من عند اللّه من الحقّ، فليس يضرّ بضلاله وجوره عن الهدى غير نفسه، لأنّه يوجب لها بذلك غضب اللّه وأليم عذابه. وإنّما عنى بقوله {فإنّما يضلّ عليها} فإنّما يكسب إثم ضلاله عليها لا على غيرها.
وقوله: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} يعني تعالى ذكره: ولا تحمل حاملةٌ حمل أخرى غيرها من الآثام. وقال: {وازرةٌ وزر أخرى} لأنّ معناها: ولا تزر نفسٌ وازرةٌ وزر نفسٍ أخرى. يقال منه: وزرت كذا أزره وزرًا، والوزر: هو الإثم، يجمع أوزارًا، كما قال تعالى: {ولكنّا حملنا أوزارًا من زينة القوم} وكأنّ معنى الكلام: ولا تأثم آثمةٌ إثم أخرى، ولكن على كلّ نفسٍ إثمها دون إثم غيرها من الأنفس، كما:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} واللّه ما يحمل اللّه على عبدٍ ذنب غيره، ولا يؤاخذ إلاّ بعمله
وقوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً} يقول تعالى ذكره: وما كنّا مهلكي قومٍ إلاّ بعد الإعذار إليهم بالرّسل، وإقامة الحجّة عليهم بالآيات الّتي تقطع عذرهم. كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً} إنّ اللّه تبارك وتعالى ليس يعذّب أحدًا حتّى يسبق إليه من اللّه خبرًا، أو يأتيه من اللّه بيّنةٌ، وليس معذّبًا أحدًا إلاّ بذنبه
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، عن أبي هريرة، قال: إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه تبارك وتعالى النسم الّذين ماتوا في الفترة والمعتوه والأصمّ والأبكم، والشّيوخ الّذين جاء الإسلام وقد خرفوا، ثمّ أرسل رسولاً، أن ادخلوا النّار، فيقولون: كيف ولم يأتنا رسولٌ، وايم اللّه لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا، ثمّ يرسل إليهم، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن همّامٍ، عن أبي هريرة نحوه). [جامع البيان: 14/525-527]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف عن عائشة رضي الله عنها قال: سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فقال: هم على الفطرة أو قال: في الجنة). [الدر المنثور: 9/274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني قضيت في البنات من ذراري المشركين قال: هم منهم). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد وقاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن خنساء بنت معاوية الضمرية عن عمها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: النّبيّ في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن أنس رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال: هم خدم أهل الجنة). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عن سلمان رضي الله عنه قال: أطفال المشركين خدم أهل الجنة). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن عبد البر وضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المسلمين أين هم قال: في الجنة وسألته عن ولدان المشركين أين هم قال: في النار قلت: يا رسول الله لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم القلام قال: ربك أعلم بما كانوا عاملين والذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار). [الدر المنثور: 9/276]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم حتى حدثني رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنهم فقال: ربهم أعلم بهم وبما كانوا عاملين فأمسكت عن قولي). [الدر المنثور: 9/276-277]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين والله أعلم). [الدر المنثور: 9/277]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 15 - 17.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة: المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم تأتنا رسل قال: وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه، قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ). [الدر المنثور: 9/277]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن راهويه وأحمد، وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفطرة فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفطرة فيقول: رب ما آتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ويرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليها). [الدر المنثور: 9/277-278]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن راهويه وأحمد، وابن مردويه والبيهقي أبي هريرة رضي الله عنه مثله غير أنه قال في آخره: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليها). [الدر المنثور: 9/278]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى، وابن عبد البر في التمهيد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى يوم القيامة بأربعة: بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى: لعنق من جهنم أبرزي ويقول لكم: غني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم، فيقول لهم: ادخلوا هذه فيقول: من كتب عليه الشقاء يا رب أندخلها ومنها كنا نفر قال: وأما من كتب له السعادة فيمضي فيها فيقول الرب: قد عاينتموني فعصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار). [الدر المنثور: 9/278-279]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوخ عقلا: يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني ويقول الهالك في الفترة رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني ويقول الهالك صغيرا: يا رب لو آتيتني عمرا ما كان من أتيته عمرا بأسعد بعمره مني فيقول الرب تبارك وتعالى: فإني آمركم بأمر تطيعوني فيقولون: نعم وعزتك فيقول لهم: اذهبوا فادخلوا جهنم ولو دخلوها ما ضرتهم شيئا فخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ويقولون: يا ربنا خرجنا وعزتك نريد دخولها فخرجت علينا قوابص من نار ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء ثم يأمرهم ثانية فيرجعون كذلك ويقولون: كذلك فيقول الرب: خلقتكم على علمي وإلى علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم النار). [الدر المنثور: 9/279-280]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح رضي الله عنه قال: يحاسب يوم القيامة الذين أرسل إليهم الرسل فيدخل الله الجنة من أطاعه ويدخل النار من عصاه ويبقى قوم من الولدان والذين هلكوا في الفترة فيقول: وإني آمركم أن تدخلوا هذه النار فيخرج لهم عنق منها فمن دخلها كانت نجاته ومن نكص فلم يدخلها كانت هلكته). [الدر المنثور: 9/280-281]
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال مجاهد في قول الله: {أمرنا مترفيها}، قال: أكثرنا مترفيها). [الجامع في علوم القرآن: 1/21-22]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها قال أكثرنا). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن زينب بنت جحش قالت دخل النبي يوما على زينب وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق إبهامه والتي تليها قالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال معاذ بن جبل اخرجوا من اليمن قبل ثلاث قبل خروج النار وقبل انقطاع الحبل وقيل ألا يكون لأهلها زاد إلا الجراد). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال تخرج نار من اليمن تسوق الناس وتغدو وتروح وتدلج). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري قال تخرج نار بأرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة يرويه قال تخرج نار من مشارق الأرض تسوق الناس إلى مغاربها سوق البرق الكسير تقيل معهم إذا قالوا وتبيت معهم إذا باتوا وتأكل من تخلف). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش في قوله: {أمرنا مترفيها} أكثرنا مترفيها [الآية: 16].
قال سفيان [الثوري]: ذكر عن مجاهد مثله). [تفسير الثوري: 169-170]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حقّ: «وجب»). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حقّ وجب
أشار به إلى قوله تعالى: {فحق عليها القول فدمرناها تدميراً} (الإسراء: 16) وفسّر قوله: فحق، بقوله: (وجب) ، وكذا فسره ابن عبّاس، وفي التّفسير: أي وجب عليها العذاب، والضّمير يرجع إلى القرية المذكورة قبله). [عمدة القاري: 19/20]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({حق}) عليها القول أي (وجب) عليها كلمة العذاب السابقة). [إرشاد الساري: 7/199]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] الآية
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، أخبرنا منصورٌ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: " كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة: أمر بنو فلانٍ " حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان وقال: «أمر»). [صحيح البخاري: 6/84]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها الآية)
ذكر فيه حديث عبد الله وهو بن مسعودٍ كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة أمر بنو فلانٍ ثمّ ذكره عن شيخٍ آخر عن سفيان يعني بسنده قال أمر فالأولى بكسر الميم والثّانية بفتحها وكلاهما لغتان وأنكر بن التّين فتح الميم في أمر بمعنى كثر وغفل في ذلك ومن حفظه حجّةٌ عليه كما سأوضّحه وضبط الكرمانيّ أحدهما بضمّ الهمزة وهو غلطٌ منه وقراءة الجمهور بفتح الميم وحكى أبو جعفر عن بن عبّاسٍ أنّه قرأها بكسر الميم وأثبتها أبو زيدٍ لغةً وأنكرها الفرّاء وقرأ أبو رجاءٍ في آخرين بالمدّ وفتح الميم ورويت عن أبي عمرو وبن كثيرٍ وغيرهما واختارها يعقوب ووجّهها الفرّاء بما ورد من تفسير بن مسعودٍ وزعم أنّه لا يقال أمرنا بمعنى كثّرنا إلّا بالمدّ واعتذر عن حديث أفضل المال مهرةٌ مأمورةٌ فإنّها ذكرت للمزاوجة لقوله فيه أو سكّةٌ مأبورةٌ وقرأ أبو عثمان النّهديّ كالأوّل لكن بتشديد الميم بمعنى الإمارة واستشهد الطّبريّ بما أسنده من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله أمرنا مترفيها قال سلطنا شرارها ثمّ ساق عن أبي عثمان وأبي العالية ومجاهد أنهم قرؤوا بالتّشديد وقيل التّضعيف للتّعدية والأصل أمرنا بالتّخفيف أي كثّرنا كما وقع في هذا الحديث الصّحيح ومنه حديث خير المال مهرةٌ مأمورةٌ أي كثيرة النّتاج أخرجه أحمد ويقال أمر بنو فلانٍ أي كثروا وأمّرهم اللّه كثّرهم وأمروا أي كثروا وقد تقدّم قول أبي سفيان في أوّل هذا الشّرح في قصّة هرقل حيث قال لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أي عظم واختار الطّبريّ قراءة الجمهور واختار في تأويلها حملها على الظّاهر وقال المعنى أمرنا مترفيها بالطّاعة فعصوا ثمّ أسنده عن بن عبّاسٍ ثمّ سعيد بن جبيرٍ وقد أنكر الزّمخشريّ هذا التّأويل وبالغ كعادته وعمدة إنكاره أنّ حذف ما لا دليل عليه غير جائزٍ وتعقّب بأنّ السّياق يدلّ عليه وهو كقولك أمرته فعصاني أي أمرته بطاعتي فعصاني وكذا أمرته فامتثل). [فتح الباري: 8/394-395]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} (الإسراء: 16)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وإذا أردنا أن نهلك قرية} الآية. أي إذا أردنا إهلاك قرية أمرنا، بفتح الميم من: أمر، ضد نهى، وهي قراءة الجمهور، وفيه حذف تقديره {أمرنا مترفيها} بالطّاعة {ففسقوا} أي: فخرجوا عن الطّاعة {فحق عليها القول} أي: فوجب عليهم العذاب {فدمرنا تدميراً} أي: فخربنا تخريباً وأهلكنا من فيها إهلاكاً، وفسّر بعضهم: أمرنا: بكثرنا. وقال الزّمخشريّ: وقرىء (آمرنا) من أمر يعني بكسر الميم وأمره غيره وأمرنا بمعنى أمرنا أو من أمر إمارة وأمره الله أي: جعلناهم أمراء وسلطناهم. قوله: (مترفيها) جمع مترف وهو المتنعم المتوسع في ملاذ الدّنيا.
- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدّثنا سفيان أخبرنا منصورٌ عن أبي وائل عن عبد الله قال كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة أمر بنو فلانٍ.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: أمر، فإنّه بفتح الميم وكسرها كما جاءت القراءات المذكورة في الآية المذكورة مبنيّة على الاختلاف في معنى: أمر، الّذي هو الماضي، والاختلاف في بابه.
وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المدينيّ وسفيان هو ابن عيينة، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود.
قوله: (للحي) أي: للقبيلة. قوله: (أمر) ، بكسر الميم بمعنى كثر، وجاء بفتح الميم أيضا، وهما لغتان جاءتا بمعنى: كثر، وفيه رد على ابن التّين حيث أنكر الفتح في معنى كثر، وقال بعضهم: وضبط الكرماني أحدهما بضم الهمزة وهو غلط منه. قلت: لم يصرح الكرماني بذلك بل نسبه إلى الحميدي، وفيه المناقشة.
حدّثنا الحميدي حدّثنا سفيان وقال: أمر
أشار بذلك إلى أن سفيان بن عيينة روى عنه الحميدي: (أمر) ، بفتح الميم، وروى عنه عليّ بن عبد الله: أمر، بكسر الميم وهما لغتان كما ذكرنا في معنى: كثر والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده حميد، وقد مر غير مرّة، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/26]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16]
(باب قوله) جل وعلا: ({وإذا أردنا أن نهلك قرية}) أي أهلها ({أمرنا مترفيها}) [الإسراء: 16] (الآية). واختلف في متعلق الأمر هنا فعن ابن عباس وغيره أنه أمرنا متنعميها بالطاعة أي على لسان رسول بعثناه إليهم ففسقوا ورده في الكشاف ردًّا شديدًا وأنكره إنكارًا بليغًا في كلام طويل حاصله أنه حذف ما لا دليل عليه وهو غير جائز وقدّر هو متعلق الأمر الفسق أي أمرناهم بالفسق ففعلوا والأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم افسقوا وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازًا، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبًّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتّباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إبلاء النعمة فيه وإنما قولهم إياها ليشكروا فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليها القول وهي كلمة العذاب فدمرهم، وأجاب في البحر بأن قوله لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز تعليل لا يصح فيما نحن بسبيله، بل ثم ما يدل على حذفه لأن حذف الشيء تارة يكون لدلالة موافقه عليه ومنه ما مثل به هو في قوله في جملة هذا المبحث أمرته فقام وأمرته فقرأ وتارة يكون لدلالة خلافه أو ضده أو نقيضه فمن ذلك قوله تعالى: {وله ما سكن في الليل والنهار} [الأنعام: 13] أي ما سكن وما تحرّك. و {سرابيل تقيكم الحر} أي والبرد وتقول: أمرته فلم يحسن وهذه الآية من هذا القبيل يستدل على حذف النقيض بإثبات نقيضه ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير وهذا الباب مع ما ذكره من قوله: وإذا أردنا الخ. ثابت عن أبي ذر بهامش الفرع هنا وبعد قوله السابق مثبورًا ملعونًا ونبّه محرره ومقابله العلاّمة محمد المزي أنه وجد كذا في الموضعين من اليونينية.
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، أخبرنا منصورٌ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه قال: كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة أمر بنو فلانٍ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (أخبرنا منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نقول للحي) أي للقبيلة (إذا كثروا في الجاهلية أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم (بنو فلان).
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان وقال: أمر.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (وقال) أي الحميدي عن سفيان (أمر) بكسر الميم كالأول كذا في فرعين لليونينية كالأصل وقال الحافظ ابن حجر وغيره: إن الأولى بكسر الميم والثانية بفتحها وهما لغتان وبالفتح قرأ الجمهور الآية وقرأها ابن عباس بالكسر ويعقوب بمدّ الهمزة وفتح الميم ومجاهد بتشديد الميم من الإمارة والحاصل أن سياق المؤلّف لحديث ابن مسعود لينبه على أن معنى أمرنا في الآية كثرنا مترفيها
وهي لغة حكاها أبو حاتم ونقلها الواحدي عن أهل اللغة وقال أبو عبيدة من أنكرها لم يلتفت إليه لثبوتها في اللغة). [إرشاد الساري: 7/203-204]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرًا}.
اختلف القرّاء في قراءة قوله {أمرنا مترفيها} فقرأت ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق {أمرنا} بقصر الألف غير مدّها وتخفيف الميم وفتحها. وإذا قرئ ذلك كذلك، فإنّ الأغلب من تأويله: أمرنا مترفيها بالطّاعة، ففسقوا فيها بمعصيتهم اللّه، وخلافهم أمره، كذلك تأوّله كثيرٌ ممّن قرأه كذلك
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ {أمرنا مترفيها} قال: بطاعة اللّه، فعصوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سلمة، أو غيره، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: أمرنا بالطّاعة فعصوا.
وقد يحتمل أيضًا إذا قرئ كذلك أن يكون معناه: جعلناهم أمراء ففسقوا فيها؛ لأنّ العرب تقول: هو أميرٌ غير مأمورٍ.
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: قد يتوجّه معناه إذا قرئ كذلك إلى معنى أكثرنا مترفيها، ويحتجّ لتصحيحه ذلك بالخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: " خير المال مهرةٌ مأمورةٌ أو سكّةٌ مأبورةٌ " ويقول: إنّ معنى قوله: مأمورةٌ: كثيرة النّسل. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيّين ينكر ذلك من قيله، ولا يجيز أمرنا، بمعنى أكثرنا إلاّ بمدّ الألف من أمرنا. ويقول في قوله " مهرةٌ مأمورةٌ ": إنّما قيل ذلك على الاتّباع لمجيء مأبورةٌ بعدها، كما قيل: " ارجعن مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ " فهمز مأزوراتٍ لهمز مأجوراتٍ، وهي من وزرت إتباعًا لبعض الكلام بعضًا.
وقرأ ذلك أبو عثمان " أمّرنا " بتشديد الميم، بمعنى الإمارة.
- حدّثنا أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، أنّه قرأ " أمّرنا " مشدّدةً من الإمارة.
وقد تأوّل هذا الكلام على هذا التّأويل جماعةٌ من أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أمرنا مترفيها} يقول: سلّطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب، وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها}
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا القاسم، قال: سمعت الكسائيّ، يحدّث عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، أنّه قرأها: " أمّرنا " وقال: سلّطنا
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي حفصٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: " أمّرنا " مثقّلةً: جعلنا عليها مترفيها: مستكبريها
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى: {" أمرنا مترفيها "} قال: بعثنا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- وذكر عن الحسن البصريّ أنّه قرأ ذلك ( آمرنا ) بمدّ الألف من أمرنا، بمعنى: أكثرنا فسقتها. وقد وجّه تأويل هذا الحرف إلى هذا التّأويل جماعةٌ من أهل التّأويل، إلاّ أنّ الّذين حدّثونا لم يميّزوا لنا اختلاف القراءات في ذلك، وكيف قرأ ذلك المتأوّلون، إلاّ القليل منهم
ذكر من تأوّل ذلك كذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: " وإذا أردنا أن نهلك، قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " يقول: أكثرنا عددهم
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، قوله: " أمرنا مترفيها " قال: أكثرناهم
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله {أمرنا مترفيها} قال: أكثرناهم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {أمرنا مترفيها} يقول: أكثرنا مترفيها: أي كبراءها
- حدّثنا بشرٌ، قالا: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول} يقول: أكثرنا مترفيها: أي جبابرتها، ففسقوا فيها وعملوا بمعصية اللّه {فدمّرناها تدميرًا} وكان يقول: إذا أراد اللّه بقومٍ صلاحًا بعث عليهم مصلحًا. وإذا أراد بهم فسادًا بعث عليهم مفسدًا، وإذا أراد أن يهلكها أكثر مترفيها
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {أمرنا مترفيها} قال: أكثرناهم
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا على زينب وهو يقول: " لا إله إلاّ اللّه ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " وحلّق بين إبهامه والّتي تليها، قالت: يا رسول اللّه أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبث "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} قال: ذكر بعض أهل العلم أنّ أمرنا: أكثرنا.
قال: والعرب تقول للشّيء الكثير أمر لكثرته. فأمّا إذا وصف القوم بأنّهم كثروا، فإنّه يقال: أمر بنو فلانٍ، وأمر القوم يأمرون أمرًا، وذلك إذا كثروا وعظم أمرهم، كما قال لبيدٌ:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا = يومًا يصيروا للقلّ والنّفد
والأمر المصدر، والاسم الإمر، كما قال اللّه جلّ ثناؤه {لقد جئت شيئًا إمرًا} قال: عظيمًا، وحكي في مثل شرّ إمرٌ: أي كثيرٌ.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب قراءةً من قرأ {أمرنا مترفيها} بقصر الألف من أمرنا وتخفيف الميم منها، لإجماع الحجّة من القرّاء على تصويبها دون غيرها.
وإذا كان ذلك هو الأولى بالصّواب بالقراءة، فأولى التّأويلات به تأويل من تأوّله: أمرنا أهلها بالطّاعة فعصوا وفسقوا فيها فحقّ عليهم القول: لأنّ الأغلب من معنى أمرنا: الأمر الّذي هو خلاف النّهي دون غيره، وتوجيه معاني كلام اللّه جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه، أولى ما وجد إليه سبيلٌ من غيره.
ومعنى قوله: {ففسقوا فيها}: فخالفوا أمر اللّه فيها، وخرجوا عن طاعته {فحقّ عليها القول} يقول: فوجب عليهم بمعصيتهم اللّه وفسوقهم فيها، وعيد اللّه الّذي أوعد من كفر به وخالف رسله من الهلاك بعد الإعذار والإنذار بالرّسل والحجج {فدمّرناها تدميرًا} يقول: فخرّبناها عند ذلك تخريبًا، وأهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكًا، كما قال الفرزدق:
وكان لهم كبكر ثمود لمّا = رغا ظهرًا فدمّرهم دمارا). [جامع البيان: 14/527-533]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا المبارك بن فضالة عن الحسن أمرنا مترفيها ففسقوا فيها قال أكثرنا قال وكانت العرب تقول أمر بنو فلان أي كثر بنو فلان). [تفسير مجاهد: 359]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم ثنا ورقاء عن عبد الكريم عن مجاهد قال أكثرنا فساقها). [تفسير مجاهد: 359]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أمرنا مترفيها قال بعثنا). [تفسير مجاهد: 359]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -:في قوله عز وجل: {أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] قال: كنا نقول للحيّ في الجاهلية - إذا كثروا - قد أمر بنو فلانٍ. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(قد أمر بنو فلان) يقال: أمر بنو فلان، أي: كثروا وزادوا). [جامع الأصول: 2/212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغارا فوضع رأسه ساعة ثم قال: أين السائل فقال: ها أنا يا رسول الله فقال: إن الله تبارك وتعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار لم يبق غيرهم عجوا فقالوا: اللهم ربنا لم تأتنا رسلك ولم نعلم شيئا فأرسل إليهم ملكا والله أعلم بما كانوا عاملين فقال: إني رسول ربكم إليكم فانطلقوا فاتبعوا حتى أتوا النار فقال: إن الله يأمركم أن تقتحوا فيها فاقتحمت طائفة منهم ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم فجعلوا في السابقين المقربين ثم جاءهم الرسول فقال: إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار فاقتحمت طائفة أخرى ثم خرجوا من حيث لا يشعرون فجعلوا في أصحاب اليمين ثم جاء الرسول فقال: إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار فقالوا: ربنا لا طاقة لنا بعذابك فأمر بهم فجمعت نواصيهم وأقدامهم ثم ألقوا في النار والله أعلم). [الدر المنثور: 9/281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أمرنا مترفيها} قال أمروا بالطاعة فعصوا). [الدر المنثور: 9/282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية} الآية، قال: {أمرنا مترفيها} بحق فخالفوه فحق عليهم بذلك التدمير). [الدر المنثور: 9/282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} قال: سلطنا شرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب، وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها} الأنعام آية 123). [الدر المنثور: 9/282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله وجل: {أمرنا مترفيها} قال: سلطنا عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
إن يعطبوا يبرموا وإن أمروا * يوما يصيروا للهلك والفقد). [الدر المنثور: 9/282-283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه كان يقرأ {أمرنا مترفيها} مثقلة، يقول: أمرنا عليهم أمراء). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ آمرنا مترفيها يعني بالمد، قال: أكثرنا فساقها). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه أنه قرأ {أمرنا مترفيها} قال: أكثرناهم). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه {أمرنا مترفيها} قال: أكثرنا). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمروا بني فلان). [الدر المنثور: 9/283]
تفسير قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوحٍ وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا}.
وهذا وعيدٌ من اللّه تعالى ذكره مكذّبي رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من مشركي قريشٍ، وتهديده لهم بالعقاب، وإعلامٌ منه لهم أنّهم إن لم ينتهوا عمّا هم عليه مقيمون من تكذيبهمٍ رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه محلٌّ بهم سخطه، ومنزلٌ بهم من عقابه ما أنزل بمن قبلهم من الأمم الّذين سلكوا في الكفر باللّه وتكذيب رسله سبيلهم. يقول اللّه تعالى ذكره: وقد أهلكنا أيّها القوم من قبلكم من بعد نوحٍ إلى زمانكم قرونًا كثيرةً كانوا من جحود آيات اللّه والكفر به، وتكذيب رسله، على مثل الّذي أنتم عليه، ولستم بأكرم على اللّه تعالى منهم، لأنّه لا مناسبة بين أحدٍ وبين اللّه جلّ ثناؤه، فيعذّب قومًا بما لا يعذّب به آخرين، أو يعفو عن ذنوب ناسٍ فيعاقب عليها آخرين، يقول جلّ ثناؤه: فأنيبوا إلى طاعة اللّه ربّكم، فقد بعثنا إليكم رسولاً ينبّهكم على حججنا عليكم، ويوقظكم من غفلتكم، ولم نكن لنعذّب قومًا حتّى نبعث إليهم رسولاً منبّهًا لهم على حجج اللّه وأنتم على فسوقكم مقيمون وكفى بربّك يا محمّد بذنوب عباده خبيرًا، يقول: وحسبك يا محمّد باللّه خابرًا بذنوب خلقه عالمًا، فإنّه لا يخفى عليه شيءٌ من أفعال مشركي قومك هؤلاء، ولا أفعال غيرهم من خلقه هو بجميع ذلك عالمٌ خابرٌ بصيرٌ، يقول: يبصر ذلك كلّه فلا يغيب عنه منه شيءٌ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
وقد اختلف في مبلغ مدّة القرن:
- فحدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي محمّد عن زرارة ابن أوفى، قال: القرن: عشرون ومائة سنةٍ، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أوّل قرنٍ كان وآخرهم يزيد بن معاوية.
وقال آخرون: بل هو مائة سنةٍ
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا حسّان بن محمّد بن عبد الرّحمن الحمصيّ أبو الصّلت الطّائيّ، قال: حدّثنا سلامة بن جوّاسٍ، عن محمّد بن القاسم، عن عبد اللّه بن بسرٍ المازنيّ، قال: وضع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يده على رأسه وقال: " سيعيش هذا الغلام قرنًا " قلت: كم القرن؟ قال: " مائة سنةٍ ".
- حدّثنا حسّان بن محمّدٍ، قال: حدّثنا سلامة بن حوّاسٍ، عن محمّد بن القاسم، قال: ما زلنا نعدّ له حتّى تمّت مائة سنةٍ ثمّ مات قال أبو الصّلتٍ: أخبرني سلامة أنّ محمّد بن القاسم هذا كان ختن عبد اللّه بن بسرٍ.
وقال آخرون في ذلك بما؛
- حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاريّ، قال: أخبرنا عمر بن شاكرٍ، عن ابن سيرين، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " القرن أربعون سنةً "
وقوله: {وكفى بربّك} أدخلت الباء في قوله: {بربّك} وهو في محلّ رفعٍ، لأنّ معنى الكلام: وكفاك ربّك، وحسبك ربّك بذنوب عباده خبيرًا، دلالةٌ على المدح، وكذلك تفعل العرب في كلّ كلامٍ كان بمعنى المدح أو الذّمّ، تدخل في الاسم الباء والاسم المدخلة عليه الباء في موضع رفعٍ لتدلّ بدخولها على المدح أو الذّمّ كقولهم: أكرم به رجلاً، وناهيك به رجلاً، وجاد بثوبك ثوبًا، وطاب بطعامكم طعامًا، وما أشبه ذلك من الكلام، ولو أسقطت الباء ممّا دخلت فيه من هذه الأسماء رفعت، لأنّها في محلّ رفعٍ، كما قال الشّاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه = كفى الهدي عمّا غيّب المرء مخبرا
فأمّا إذا لم يكن في الكلام مدحٌ أو ذمٌّ فلا يدخلون في الاسم الباء، لا يجوز أن يقال: قام بأخيك، وأنت تريد: قام أخوك، إلاّ أن تريد: قام رجلٌ آخر به، وذلك معنى غير المعنى الأوّل). [جامع البيان: 14/533-535]