العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (87) إلى الآية (89) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (87) إلى الآية (89) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم قال نزلت في أناس من أصحاب رسول الله أرادوا أن يتخلوا من الدنيا ويتركوا النساء منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون). [تفسير عبد الرزاق: 1/191-192]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال أراد ناس من أصحاب رسول الله أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا فقام رسول الله فغلظ فيهم المقالة ثم قال إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا فشدد عليهم فأولئك بقاياهم الديار والصوامع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا فاستقيموا يستقم لكم قال ونزلت فيهم {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}). [تفسير عبد الرزاق: 1/192]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق قال كنا عند عبد الله بن مسعود فأتى عبد الله بضرع فتنحى رجل فقال عبد الله ادن فقال إني كنت حرمت الضرع قال فتلا عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم كل وكفر). [تفسير عبد الرزاق: 1/198-199]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن حصين، عن أبي مالكٍ - في قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم} - قال: نزلت في عثمان بن مظعون وأصحابه، حرّموا عليهم كثيرًا من الطّيّبات والنّساء، فهمّ بعضهم أن يقطع ذكره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ بن عبد الحميد، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: أتي عبد اللّه بضرعٍ، فأخذ يأكل منه، فقال للقوم: ادنوا، فدنا القوم، وتنحّى رجلٌ منهم، فقال له عبد اللّه: ما شأنك؟ قال: إنّي حرّمت الضّرع، قال: هذا من خطوات الشّيطان، ادن وكل، وكفّر عن يمينك، ثمّ تلا: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم} إلى قوله {لمعتدين}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن همّامٍ، عن عمرو بن شرحبيل، أنّ معقل بن مقرّن، أتى عبد اللّه، فقال: إنّه حرّم الفراش، فقال له عبد اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} إلى قوله: {المعتدين}، أعتق رقبة، قال: إنما قرأت الآية البارحة، فأتيتك، قال: عبدي سرق من عندي قباء، قال: مالك سرق بعضه في بعضٍ. قال: أظنّه ذكر (أمتي) زنت، قال: اجلدها، قال: إنّها لم تحصن، قال: إحصانها إسلامها.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن همّام، أن معقل سأل ابن مسعودٍ، فقال: إنّي حلفت أن لا أنام على فراشي سنة، فتلا عبد اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم... } الآية، ثمّ قال: كفّر عن يمينك، قال: أيّة الأيمان أزكى؟ قال: عتق رقبةٍ، قال: عبدي سرق قبائي، أقطعه؟ قال عبد اللّه: لا، مالك بعضه في بعضٍ. (قال) : جاريتي زنت، فأجلدها؟ قال: اجلدها، قال عبد اللّه: اجلدها خمسين، قال: فإن عادت؟ قال: اجلدها خمسين). [سنن سعيد بن منصور: 4/1515-1524]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} [المائدة: 87]
- حدّثنا عمرو بن عونٍ، حدّثنا خالدٌ، عن إسماعيل، عن قيسٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: " كنّا نغزو مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وليس معنا نساءٌ، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثّوب " ثمّ قرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} [المائدة: 87]). [صحيح البخاري: 6/53]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله تعالى يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم)
سقط باب قوله لغير أبي ذرٍّ قوله خالد هو بن عبد الله الطّحّان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعودٍ وسيأتي شرح الحديث في كتاب النّكاح وفي التّرمذيّ محسنا من حديث بن عبّاسٍ أنّ رجلًا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه إذا أكلت من هذا اللّحم انتشرت وإنّي حرّمت على اللّحم فنزلت وروى بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عبّاسٍ أنّها نزلت في ناسٍ قالوا نترك شهوات الدّنيا ونسيح في الأرض الحديث وسيأتي ما يتعلّق به أيضًا في كتاب النّكاح إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/276]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم} (المائدة: 87)

أي: هذا في قوله تعالى: {لا تحرموا} وليس لغير أبي ذر، باب قوله: وإنّما المرويّ عن غيره. {لا تحرموا طيّبات ما أحل الله لكم} بدون لفظ: باب قوله: وروى ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، رضي الله تعالى عنهما، نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدّنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان، فبلغ ذلك النّبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم فقال النّبي صلى الله عليه وسلم، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأنكح النّساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني، وروى ابن مردويه من طريق العوفيّ عن ابن عبّاس نحو ذلك.
- حدّثنا عمرو بن عونٍ حدّثنا خالدٌ عن إسماعيل عن قيسٍ عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال كنّا نغزوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساءٌ فقلنا ألا نختصي فنهانا عن ذلك فرخّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثّوب ثمّ قرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم} (المائدة: 87) .

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعمرو بن عون بن أوس السّلميّ الواسطيّ نزل البصرة، وخالد هو ابن عبد الله الطّحّان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاريّ أيضا في النّكاح عن محمّد بن المثني وعن قتيبة وأخرجه مسلم في النّكاح عن محمّد بن عبد الله بن نمير وغيره. وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن إسحاق بن إبراهيم وغيره.
قوله: (ألا نختصي)، من خصاه إذا نزع خصيته يخصيه خصاءً. قوله: (فنهانا عن ذلك)، يعني: عن الاختصاء، وفيه تحريم الاختصاء لما فيه من تغيير خلق الله تعالى، ولما فيه من قطع النّسل وتعذيب الحيوان. قوله: (بالثّوب) ليس بقيد أي: بالثّوب وغيره ممّا يتراضيان به. قوله: (ثمّ قرأ) أي: عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، وقال النوري: فيه إشارة إلى أن عبد الله كان يعتقد إباحة المتعة، كقول ابن عبّاس، وأنه لم يبلغهما نسخها وقال القاضي عياض: روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصّحابة، فذكره مسلم في رواية ابن مسعود وابن عبّاس، وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهنيّ، رضي الله تعالى عنهم، وليس في أحاديثهم أنّها كانت في الحضر، وإنّما كانت في أسفارهم في الغزو وعند ضرورتهم وعدم النّساء مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر في حديث ابن عمر: أنّها كانت رخصة في أول الإسلام إن اضطروا إليها كالميتة ونحوها، وعن ابن عبّاس نحوه، وقال المازريّ: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثمّ ثبت بالأحاديث الصّحيحة أنه نسخ وانعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلاّ طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث المنسوخة فلا دلالة لهم فيها، وتعلقوا بقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهنّ فأتوهن أجورهنّ} (النّساء: 24) وفي قراءة ابن مسعود: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل. وقراءة ابن مسعود هذه شاذّة لا يحتج بها قرآنًا ولا خبرا). [عمدة القاري: 18/207-208]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} [المائدة: 87]
(باب قوله) عز وجل: ({يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم}) [المائدة: 87] أي ما طاب ولذ منه، وقد كان النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-، يأكل الدجاج ويحب الحلو أو العسل، وحكي عن الحسن أنه قال لبعض الأولياء لما منع نفسه أكل الدجاج والفالوذج: أترى لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم ولما نقل له عن بعضهم أنه لا يأكل الفالوذج ويقول لا أؤدّي شكره قال: أيشرب الماء البارد؟ قيل: نعم. قال: إنه جاهل أن نعمة الله تعالى فيه أكثر من الفالوذخ اهـ.
نعم من ترك لذات الدنيا وشهواتها وانقطع إلى الله تعالى متفرغًا لعبادته من غير ضرر نفس ولا تفويت حق ففضيلة لا منع منها بل هو مأمور بها وقد سقط ({يا أيها الذين آمنوا}) لأبي ذر وثبت لفظ باب له.
- حدّثنا عمرو بن عونٍ، حدّثنا خالدٌ عن إسماعيل، عن قيسٍ عن عبد اللّه رضي الله عنه قال: كنّا نغزو مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وليس معنا نساءٌ فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك فرخّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثّوب، ثمّ قرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} [الحديث 4615 - طرفاه في: 5071 - 5075].
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما السلمي الواسطي نزيل البصرة قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن عبد الله) هو ابن مسعود (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: كنا نغزو مع النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وليس معنا نساء فقلنا: ألا نختصي) بالخاء المعجمة والصاد المهملة أي ألا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا والخصاء الشق على الأنثيين وانتزاعهما (فنهانا عن ذلك) نهي تحريم لما فيه من تغيير خلق الله وقطع النسل وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلًا من النعم العظيمة وقد يفضي ذلك بفاعله إلى الهلاك، (فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثوب) أي إلى أجل وهو نكاح المتعة وليس قوله بالثوب قيدًا فيجوز بغيره مما يتراضيان عليه (ثم قرأ) ابن مسعود ({يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}) قال النووي: في استشهاد ابن مسعود بالآية أنه كان يعتقد إباحة المتعة كابن عباس، ولعله لم يكن حينئذٍ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع بعد.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وكذا مسلم وأخرجه النسائي في التفسير). [إرشاد الساري: 7/107]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عمرو بن عليٍّ أبو حفصٍ الفلاّس، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعدٍ، قال: حدّثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رجلاً أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّي إذا أصبت اللّحم انتشرت للنّساء وأخذتني شهوتي، فحرّمت عليّ اللّحم. فأنزل اللّه {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (87) وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالاً طيّبًا}.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
ورواه بعضهم من غير حديث عثمان بن سعدٍ مرسلاً، ليس فيه عن ابن عبّاسٍ.
ورواه خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، مرسلاً). [سنن الترمذي: 5/105]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جريرٌ، ووكيعٌ، عن إسماعيل، عن قيسٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس معنا نساءٌ، فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخّص لنا أن ننكح المرأة بالثّوب إلى أجلٍ، ثمّ قرأ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم} [المائدة: 87]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/85]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}
يقول تعالى ذكره: يا أيّها الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا بما جاءهم به نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه حقٌّ من عند اللّه {، لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}، يعني بالطّيّبات: اللّذيذات الّتي تشتهيها النّفوس وتميل إليها القلوب، فتمنعوها إيّاها، كالّذي فعله القسّيسون والرّهبان، فحرّموا على أنفسهم النّساء والمطاعم الطّيّبة والمشارب اللّذيذة، وحبس في الصّوامع بعضهم أنفسهم، وساح في الأرض بعضهم. يقول تعالى ذكره: فلا تفعلوا أيّها المؤمنون كما فعل أولئك، ولا تعتدوا حدّ اللّه الّذي حدّ لكم فيما أحلّ لكم وفيما حرّم عليكم، فتجاوزوا حدّه الّذي حدّه، فتخالفوا بذلك طاعته، فإنّ اللّه لا يحبّ من اعتدى حدّه الّذي حدّه لخلقه فيما أحلّ لهم وحرّم عليهم
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني أبو حصينٍ عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدّثنا عبثرٌ أبو زبيدٍ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، في هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} الآية، قال: عثمان بن مظعونٍ وأناسٌ من المسلمين حرّموا عليهم النّساء، وامتنعوا من الطّعام الطّيّب، وأراد بعضهم أن يقطع ذكره، فنزلت هذه الآية.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثني خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، قال: كان أناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم همّوا بالخصاء وترك اللّحم والنّساء، فنزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن خالدٍ، عن عكرمة، أنّ رجالاً، أرادوا كذا وكذا، وأرادوا كذا وكذا، وأن يختصوا، فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} إلى قوله: {الّذي أنتم به مؤمنون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} قال: كانوا حرّموا الطّيّب واللّحم، فأنزل اللّه تعالى هذا فيهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ قال: حدّثنا خالدٌ، عن عكرمة: أنّ أناسًا قالوا: لا نتزوّج، ولا نأكل، ولا نفعل كذا وكذا. فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، قال: أراد أناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يرفضوا الدّنيا ويتركوا النّساء ويترهّبوا، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فغلّظ فيهم المقالة، ثمّ قال: إنّما هلك من كان قبلكم بالتّشديد، شدّدوا على أنفسهم فشدّد اللّه عليهم، فأولئك بقاياهم في الدّيار والصّوامع، اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا، وحجّوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم قال: ونزلت فيهم: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} الآية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}، قال: نزلت في أناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أرادوا أن يتخلّوا من اللّباس ويتركوا النّساء ويتزهّدوا، منهم عليّ بن أبي طالبٍ وعثمان بن مظعونٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن زياد بن فيّاضٍ، عن أبي عبد الرّحمن، قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهبانًا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا جامع بن حمّادٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} الآية، ذكر لنا أنّ رجالاً من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رفضوا النّساء واللّحم وأرادوا أن يتّخذوا الصّوامع، فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ليس في ديني ترك النّساء واللّحم، ولا اتّخاذ الصّوامع وخبّرنا أنّ ثلاثة نفرٍ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اتّفقوا، فقال أحدهم: أمّا أنا فأقوم اللّيل لا أنام، وقال أحدهم: أمّا أنا فأصوم النّهار فلا أفطر، وقال الآخر: أمّا أنا فلا آتي النّساء. فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم، فقال: ألم أنبّأ أنّكم اتّفقتم على كذا؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، وما أردنا إلاّ الخير. قال: لكنّي أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآتي النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. وكان في بعض القراءة: من رغب عن سنّتك فليس من أمّتك، وقد ضلّ عن سواء السّبيل. وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأناسٍ من أصحابه: إنّ من قبلكم شدّدوا على أنفسهم فشدّد اللّه عليهم، فهؤلاء إخوانهم في الدّور والصّوامع، اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وصوموا رمضان، وحجّوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جلس يومًا، فذكّر النّاس، ثمّ قام ولم يزدهم على التّخويف، فقال أناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا عشرةً، منهم عليّ بن أبي طالبٍ، وعثمان بن مظعونٍ: ما حفّنا إن لم نحدث عملاً، فإنّ النّصارى قد حرّموا على أنفسهم، فنحن نحرّم. فحرّم بعضهم أكل اللّحم والودك، وأن يأكل بالنّهار، وحرّم بعضهم النّوم، وحرّم بعضهم النّساء، فكان عثمان بن مظعونٍ ممّن حرّم النّساء، وكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه، فأتت امرأته عائشة، وكان يقال لها: الحولاء، فقالت لها عائشة ومن عندها من نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما بالك يا حولاء متغيّرة اللّون، لا تمتشطين ولا تطيّبين؟ فقالت: وكيف أتطيّب وأمتشط وما وقع عليّ زوجي ولا رفع عنّي ثوبًا منذ كذا وكذا، فجعلن يضحكن من كلامها، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهنّ يضحكن، فقال: وما يضحككنّ؟ قالت: يا رسول اللّه، الحولاء سألتها عن أمرها، فقالت: ما رفع عنّي زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا. فأرسل إليه فدعاه فقال: ما بالك يا عثمان؟ قال: إنّي تركته للّه لكي أتخلّى للعبادة. وقصّ عليه أمره، وكان عثمان قد أراد أن يجبّ نفسه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أقسمت عليك إلاّ رجعت فواقعت أهلك، فقال: يا رسول اللّه إنّي صائمٌ. قال: أفطر، فأفطر وأتى أهله فرجعت الحولاء إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتطيّبت. فضحكت عائشة فقالت: ما بالك يا حولاء؟ فقالت: إنّه أتاها أمس. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما بال أقوامٍ حرّموا النّساء والطّعام والنّوم؟ ألا إنّي أنام وأقوم، وأفطر وأصوم، وأنكح النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا}، يقول لعثمان: لا تجبّ نفسك، فإنّ هذا هو الاعتداء، وأمرهم أن يكفّروا أيمانهم، فقال: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} قال: همّ رهطٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدّنيا. ونسيح في الأرض كما تفعل الرّهبان. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليهم فذكر ذلك لهم. فقالوا: نعم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأنكح النّساء، فمن أخذ بسنّتي فهو منّي، ومن لم يأخذ بسنّتي فليس منّي.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثنا أبي قال حدّثنا عمّي قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}، وذلك أنّ رجالاً من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم منهم عثمان بن مظعونٍ حرّموا النّساء واللّحم على أنفسهم، وأخذوا الشّفار ليقطعوا مذاكيرهم لكي تنقطع الشّهوة ويتفرّغوا لعبادة ربّهم. فأخبر بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما أردتم؟ فقالوا: أردنا أن تنقطع الشّهوة عنّا ونتفرّغ لعبادة ربّنا، ونلهو عن النّساء. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لم أومر بذلك، ولكنّي أمرت في ديني أن أتزوّج النّساء. فقالوا: نطيع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم، ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} إلى قوله: {الّذي أنتم به مؤمنون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: أراد رجالٌ منهم عثمان بن مظعونٍ وعبد اللّه بن عمرٍو أن يتبتّلوا، ويخصوا، أنفسهم، ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون}.
قال ابن جريجٍ عن عكرمة: إنّ عثمان بن مظعونٍ، وعليّ بن أبي طالبٍ، وابن مسعودٍ، والمقداد بن الأسود، وسالمًا مولى أبي حذيفة، في أصحابٍ تبتّلوا، فجلسوا في البيوت واعتزلوا النّساء ولبسوا المسوح وحرّموا طيّبات الطّعام واللّباس، إلاّ ما أكل ولبس أهل السّياحة من بني إسرائيل، وهمّوا بالاخصاء، وأجمعوا لقيام اللّيل وصيام النّهار، فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}، يقول: لا تستنّوا بغير سنّة المسلمين، يريد ما حرّموا من النّساء والطّعام واللّباس، وما أجمعوا له من صيام النّهار وقيام اللّيل، وما همّوا له من الإخصاء. فلمّا نزلت فيهم بعث إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ لأنفسكم حقًّا، وإنّ لأعينكم حقًّا، صوموا وأفطروا، وصلّوا وناموا، فليس منّا من ترك سنّتنا قالوا: اللّهمّ أسلمنا واتّبعنا ما أنزلت.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}، قال: قال أبيّ: ضاف عبد اللّه بن رواحة ضيفٌ، فانقلب ابن رواحة ولم يتعشّ، فقال لأهله: ما عشّيته؟ فقالت: كان الطّعام قليلاً فانتظرت أن تأتي. قال: فحبست ضيفي من أجلي؟ فطعامك عليّ حرامٌ إن ذقته، فقالت هي: وهو عليّ حرامٌ إن ذقته إن لم تذقه، وقال الضّيف: هو عليّ حرامٌ إن ذقته إن لم تذوقوه. فلمّا رأى ذلك، قال ابن رواحة: قرّبي طعامك، كلوا بسم اللّه، وغدا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد أحسنت، فنزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} وقرأ حتّى بلغ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} إذا قلت: واللّه لا أذوقه، فذلك العقد.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رجلاً أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي إذا أصبت من اللّحم انتشرت وأخذتني شهوتي، فحرّمت اللّحم. فأنزل اللّه تعالى ذكره: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، قال: همّ أناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بترك النّساء والخصاء، فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} الآية.
واختلفوا في معنى الاعتداء الّذي قال تعالى ذكره: {ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}، فقال بعضهم: الاعتداء الّذي نهى اللّه عنه في هذا الموضع هو ما كان عثمان بن مظعونٍ همّ به من جبّ نفسه، فنهي عن ذلك، وقيل له: هذا هو الاعتداء وممّن قال ذلك السّدّيّ.
حدّثنا محمّد بن الحسين قال: حدّثني أحمد بن المفضّل قال: حدّثنا أسباطٌ عنه به.
وقال آخرون: بل ذلك هو ما كان الجماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم همّوا به من تحريم النّساء والطّعام واللّباس والنّوم، فنهوا أن يفعلوا ذلك وأن يستنّوا بغير سنّة نبيّهم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وممّن قال ذلك عكرمة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عنه به.
وقال بعضهم: بل ذلك نهي من اللّه تعالى ذكره أن يتجاوز الحلال إلى الحرام.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن عاصمٍ، عن الحسن، {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا}، قال: لا تعتدوا إلى ما حرّم عليكم.
وقد بيّنّا أنّ معنى الاعتداء: تجاوز المرء ماله إلى ما ليس له في كلّ شيءٍ، فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان اللّه تعالى ذكره قد عمّ بقوله: {لا تعتدوا} النّهي عن العدوان كلّه، كان الواجب أن يكون محكومًا لما عمّه بالعموم حتّى يخصّه ما يجب التّسليم له. وليس لأحدٍ أن يتعدّى حدّ اللّه تعالى في شيءٍ من الأشياء ممّا أحلّ أو حرّم، فمن تعدّاه فهو داخلٌ في جملة من قال تعالى ذكره: {إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
وغير مستحيلٌ أن تكون الآية نزلت في أمر عثمان بن مظعونٍ والرّهط الّذين همّوا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما همّوا به من تحريم بعض ما أحلّ اللّه لهم على أنفسهم، ويكون مرادًا بحكمها كلّ من كان في مثل معناهم ممّن حرّم على نفسه ما أحلّ اللّه له، أو أحلّ ما حرّم اللّه عليه، أو تجاوز حدًّا حدّه اللّه له، وذلك أنّ الّذين همّوا بما همّوا به من تحريم بعض ما أحلّ لهم على أنفسهم إنّما عوتبوا على ما همّوا به من تجاوزهم ما سنّ لهم وحّد إلى غيره). [جامع البيان: 8/606-615]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (87)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عطاءٍ الأنصاريّ، ثنا أبو عاصمٍ الضّحّاك بن مخلدٍ عن عثمان بن سعيدٍ أخبرني عكرمة عن ابن عبّاسٍ أنّ رجلا أتى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّي إذا أكلت من هذا اللّحم انتشرت للنّساء وإنّي حرّمت عليّ اللّحم، فنزلت يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن قيسٍ عن عبد اللّه قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن شبابٌ فقلنا يا رسول اللّه ألا نستخصي فنهانا ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة في الثّوب ثمّ قرأ عبد اللّه يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم
- وحدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم قال هم رهطٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدّنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرّهبان. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر لهم فقالوا: نعم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لكنّي أصوم وأفطر وأصلّي وأنام وأنكح النّساء، فمن أخذ بسنّتي فهو منّي ومن لم يأخذ بسنّتي فليس منّي
-
وروي عن أبي مالكٍ الغفاريّ أنّ هذه الآية نزلت في عثمان بن مظعونٍ وذكر نحوه.
- حدّثنا أحمد بن عفّان، ثنا أبو معاوية بن نهرٍ عن الأعمش عن إبراهيم عن همّام بن الحارث عن عمرو بن شرحبيل قال: جاء معقل بن مقرّنٍ إلى عبد اللّه قال: إنّي حرّمت فراشين، فتلا هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم إلى آخر الآية.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان عن منصورٍ عن أبي الضّحى عن مسروقٍ قال: كنّا عند عبد اللّه نجيء فنتخيّر رجلا فقال له عبد اللّه ادنوا فأخذوا قال له: حرّمت أن آكله فقال عبد اللّه إذن فأطعم وكفّر عن يمينك ثمّ تلا هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم
الوجه الثّالث:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني بن وهبٍ أخبرني هشام بن سعيدٍ أنّ زيد بن أسلم حدّثه أنّ عبد اللّه بن رواحة أضافه ضيفٌ من أهله، وهو عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارًا له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي هو عليّ حرامٌ فقالت امرأته: هو عليّ حرامٌ قال: الضّيف هو عليّ حرامٌ. فلمّا أولى ذلك وضع يده وقال: كلوا بسم اللّه، ثمّ ذهب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر الّذي كان منهم ثمّ أنزل اللّه عزّ وجلّ يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم
قوله تعالى: ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين
- حدّثنا سعيد بن أبي زيدونٍ كاتب الفريابيّ عن الفريابيّ عن سفيان عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازمٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال كنّا نغزوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وليس معنا نساءٌ فقلنا ألا نستخصي فنهى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك وخص لنا أن ننكح المرأة بالثّوب إلى أجلٍ ثمّ قرأ عبد اللّه ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن عثمان الأحمقيّ، ثنا قال: سمعت قتادة قرأ هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين قال: من حرّم حلال اللّه فقد أحلّ حرامه ليس بينهما فرقٌ.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا يقول: لعثمان بن مظعونٍ لا تجبّ نفسك فإنّ هذا الأعتداء.
- أخبرنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد العنبريّ فيما كتب إليّ، ثنا حبّان بن هلالٍ، ثنا ثابتٌ أبو زيدٍ ثنا عاصمٌ الأحول عن الحسن ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين قال: لا تعتدوا إلى ما حرّم اللّه عليكم.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، ثنا الفريابيّ عن سفيان عن عاصمٍ عن الحسن في قوله: ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين قال: لا تأتوا ما نهاكم اللّه عنه.
قوله تعالى: إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين يقول: هو اعتداءٌ منكم أن تحرّموا ما أحللت لكم واللّه لا يحبّ ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1186-1189]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: أتي عبد اللّه رضي اللّه عنه، بضرعٍ، فقال للقوم: ادنو فأخذوا يطعمونه، وكان رجلٌ منهم في ناحيةٍ، فقال عبد اللّه: ادن. فقال: إنّي لا أريده. فقال: لم؟ قال: لأنّي حرّمت الضّرع فقال عبد اللّه: هذا من خطوات الشّيطان فقال عبد اللّه " {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم، ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} [المائدة: 87] ادن فكل، وكفّر عن يمينك، فإنّ هذا من خطوات الشّيطان «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/343]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء، وأخذتني شهوتي فحرّمت عليّ اللّحم، فأنزل الله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين (87) وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً} [المائدة: 87، 88]. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/119]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون}
- أخرج الترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عدي في الكامل والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس أن رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي واني حرمت علي اللحم فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} قال: نزلت هذه الآية في رهط من الصحابة قالوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان قالوا: فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل اليهم فذكر لهم ذلك فقالوا: نعم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لكني أصوم أفطر وأصلي وأنام وأنكح النساء فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في مراسليه، وابن جرير عن أبي مالك في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} قال: نزلت في عثمان بن مظعون وأصحابه كانوا حرموا على أنفسهم كثيرا من الشهوات والنساء وهم بعضهم أن يقطع ذكره فنزلت هذه الآية
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن ناسا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا آكل اللحم قال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على الفراش فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وأخرج البخاري ومسلم، وابن أبي شيبة والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن حبان والبيهقي في "سننه" وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان أناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم هموا بالخصاء وترك اللحم والنساء فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة، أن عثمان بن مظعون في نفر من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا آكل اللحم وقال الآخر: لا أنام على فراش وقال الآخر: لا أتزوج النساء وقال الآخر: أصوم ولا أفطر فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} قال: كانوا حرموا الطيب واللحم فأنزل الله هذا فيهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي قلابة قال أراد أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة ثم قال: إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم، قال: ونزلت فيهم {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الآية.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في قوله {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}
قال: نزلت في أناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يتخلوا من الدنيا ويتركوا النساء وتزهدوا منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الآية، قال ذكر لنا أن رجالا من اصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم رفضوا النساء واللحم وأرادوا أن يتخذوا الصوامع فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس في ديني ترك النساء واللحم ولا اتخاذ الصوامع وخبرنا أن ثلاثة نفر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا فقال أحدهم أما أنا فأقوم الليل لا أنام وقال أحدهم: أما أنا فأصوم النهار فلا أفطر وقال الآخر: اما أنا فلا آتي النساء فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ألم أنبأ انكم اتفقتم على كذا وكذا قالوا: بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير، قال: لكني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني وكان في بعض القراءة في الحرف الأول: من رغب عن سنتك فليس من أمتك وقد ضل سواء السبيل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي عبد الرحمن قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما فذكر الناس ثم قام ولم يزدهم على التخويف فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عشرة منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون: ما حقنا أن لم نحدث عملا فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم فحرم بعضهم أكل اللحم والودك وإن يأكل منها وحرم بعضهم النوم وحرم بعضهم النساء فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء وكان لا يدنو من اهله ولا يدنون منه فأتت امرأته عائشة - وكان يقال لها الحولاء - فقالت لها عائشة ومن حولها من نساء النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون لا تمتشطين ولا تتطيبين فقالت: وكيف أتطيب وأمتشط وما وقع علي زوجي ولا رفع عني ثوبا منذ كذا وكذا فجعلن يضحكن من كلامها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن فقال: ما يضحككن قالت: يا رسول الله الحولاء سالتها عن أمرها فقالت: ما رفع عني زوجي ثوبا منذ كذا وكذا فأرسل إليه فدعاه فقال: ما بالك يا عثمان قال: إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة وقص عليه أمره وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك فقال: يا رسول الله إني صائم قال: أفطر، قال: فأفطر وأتى أهله فرجعت الحولاء إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتطيبت فضحكت عائشة فقالت: مالك يا حولاء فقالت: انه أتاها أمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم إلا اني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} يقول لعثمان: لا تجب نفسك فإن هذا هو الاعتداء وأمرهم أن يكفروا أيمانهم فقال {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} المائدة الآية 89 الآية.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} والآية التي بعدها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة، أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالما مولى أبي حذيفة وقدامة تبتلوا فجلسوا في البيوت واعتزلوا النساء ولبسوا المسوح وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس السياحة من بني إسرائيل وهموا بالاختصاء وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الآية، فلما نزلت بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أن لأنفسكم حقا ولأعينكم حقا وإن لأهلكم حقا فصلوا وناموا وأفطروا فليس منا من ترك سنتنا، فقالوا: اللهم صدقنا واتبعنا ما أنزلت على الرسول.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال إن رجالا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم منهم عثمان بن مظعون حرموا اللحم والنساء على أنفسهم وأخذوا الشفار ليقطعوا مذاكيرهم لكي تنقطع الشهوة عنهم ويتفرغوا لعبادة ربهم فأخبر بذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردتم قالوا: أردنا أن نقطع الشهوة عنا ونتفرغ لعبادة ربنا ونلهو عن الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أؤمر بذلك ولكني أمرت في ديني أن أتزوج النساء فقالوا: نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}
إلى قوله {واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} فقالوا: يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها فأنزل الله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} المائدة الآية 89.
وأخرج ابن مردويه عن الحسن العرني قال: كان علي في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الآية.
وأخرج أبو الشيخ من طريق ابن جريج عن المغيرة بن عثمان قال كان عثمان بن مظعون وعلي، وابن مسعود والمقداد وعمار أرادوا الاختصاء وتحريم اللحم ولبس المسوح في أصحاب لهم فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون فسأله عن ذلك فقال: قد كان بعض ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنكح النساء وآكل اللحم وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وألبس الثياب لم آت بالتبتل ولا بالرهبانية ولكن جئت بالحنيفية السمحة ومن رغب عن سنتي فليس مني قال ابن جريج: فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله وهو عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي، فقالت امرأته: هو علي حرام، قال الضيف: هو علي حرام فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا بسم الله ثم ذهب إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قد أصبت، فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} إلى ما حرم الله عليكم.
وأخرج عبد بن حميد عن المغيرة قال: قلت: لإبراهيم في هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} هوالرجل يحرم الشيء مما أحل الله قال: نعم.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في الآية قال: هو الرجل يحلف لا يصل أهله أو يحرم عليه بعض ما أحل الله له فيأتيه ويكفر عن يمينه.
وأخرج ابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني من طرق عن ابن مسعود، أن معقل بن مقرن قال له: إني حرمت فراشي علي سنة، فقال: نم على فراشك وكفر عن يمينك ثم تلا {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} إلى آخر الآية.
وأخرج البخاري والترمذي والدار قطني عن أبي جحيفة قال آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك، قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال: كل فاني صائم قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال: نم فنام ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا فقال له سلمان: أن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: صدق سلمان.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل قلت: بلى يا رسول الله قال: فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فاذن ذلك صيام الدهر كله، قلت: إني أجد قوة، قال: فصم صيام نبي الله داود لا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبي الله داود قال: نصف الدهر.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن سعيد بن المسيب أن نفرا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو لما تبتلوا وجلسوا في البيوت واعتزلوا وهما بالخصاء وأجمعوا على قيام الليل وصيام النهار فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعاهم فقال: أما أنا فاني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وأخرج عبد الرزاق والطبراني عن عائشة قالت دخلت امرأة عثمان بن مظعون واسمها خولة بنت حكيم علي وهي باذة الهيئة فسألتها ما شأنك فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار فدخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فلقي النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان أن الرهبانية لم تكتب علينا اما لك في أسوة فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من: تبتل فليس منا.
وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس لك في أسوة فاني آتي النساء وآكل اللحم وأصوم وأفطر أن خصاء أمتي الصيام وليس من أمتي من خصى أو اختصى.
وأخرج ابن سعد عن أبي بردة قال دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فرأينها سيئة الهيئة فقلن لها: مالك فقالت: مالنا منه شيء أما ليله فقائم وأما نهاره فصائم فدخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرن ذلك له فلقيه فقال يا عثمان بن مظعون أما لك في أسوة قال: وما ذاك قال: تصوم النهار وتقوم الليل، قال: إني لأفعل، قال: لا تفعل أن لعينك عليك حقا أن لجسدك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فصل ونم وصم وأفطر قال: فاتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس فقلن لها مه قالت: أصابنا ما أصاب الناس.
وأخرج ابن سعد عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون اتخذ بيتا فقعد يتعبد فيه فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأتاه فأخذ بعضادتي باب البيت الذي هو فيه فقال: يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانية مرتين أوثلاثة وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة.
وأخرج الطبراني عن أبي امامة قال كانت امرأة عثمان بن مظعون امرأة جميلة عطرة تحب اللباس والهيئة لزوجها فزارتها عائشة وهي تفلة قالت: ما حالك هذه قالت: أن نفرا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وعثمان بن مظعون قد تخلوا للعبادة وامتنعوا من النساء وأكل اللحم وصاموا النهار وقاموا الليل فكرهت أن أريه من حالي ما يدعوه إلى ما
عندي لما تخلى له فلما دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة فأخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نعله فحمله بالسبابة من اصبعه اليسرى ثم انطلق سريعا حتى دخل عليهم فسألهم عن حالهم قالوا: أردنا الخير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني إنما بعثت بالحنيفية السمحة وإني لم أبعث بالرهبانية البدعة إلا وإن أقواما ابتدعوا الرهبانية فكتبت عليهم فما رعوها حق رعايتها إلا فكلوا اللحم وأتوا النساء وصوموا وأفطروا وصلوا وناموا فإني بذلك أمرت.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن ابن مسعود قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
وأخرج عبد الرزاق عن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بفتية فقال: من كان منكم ذا طول فلينزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأحببت أن يكون لي فيه زوجة.
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب، أنه قال لرجل: أتزوجت قال: لا، قال: إما أن تكون أحمق وإما أن تكون فاجرا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاووس: لتنكحن أو لأقول لك ما قال عمر لأبي الزوائد ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور
وأخرج عبد الرزاق عن وهب بن منبه قال: مثل الأعزب كمثل شجرة في فلاة تقلبها الرياح هكذا وهكذا.
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن هلال أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن سعد بن أبي وقاص قال لقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له في ذلك لاختصينا.
وأخرج ابن سعد والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عائشة بنت قدامة بن مظعون عن أبيها عن أخيه عثمان بن مظعون أنه قال: يا رسول الله إني رجل تشق علي هذه العزبة في المغازي فتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي، قال: لا ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفر
وأخرج أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سمرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم وقال بعضهم: لا أنام على فراش وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في "سننه" عن عبيد الله بن سعد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن ميمون أبي المغلس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من كان موسرا لأن ينكح فلم ينكح فليس منا
وأخرج عبد الرزاق عن أيوب، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من استن بسنتي فهو مني ومن سنتي النكاح.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد عن أبي ذر قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له عكاف بن بشير التميمي فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هل لك من زوجة قال: لا، قال: ولا جارية قال: ولا جارية، قال: وأنت موسر بخير قال: نعم، قال: أنت إذا من إخوان الشياطين لو كنت من النصارى كنت من رهبانهم أن من سنتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم أبالشيطان تتمرسون ما للشيطان من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجين أولئك المطهرون المبرأون من الخنا ويحك يا عكاف إنهن صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف فقال له بشير بن عطية: ومن كرسف يا رسول الله قال: رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلثمائة عام يصوم النهار ويقوم الليل ثم انه كفر بعد ذلك بالله العظيم في سبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة ربه ثم
استدركه الله ببعض ما كان منه فتاب عليه ويحك يا عكاف تزوج والا فأنت من المذبذبين.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عطية بن بسر المازني قال جاء عكاف بن وداعة الهلالي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عكاف ألك زوجة قال: لا، قال: ولا جارية قال: لا، قال: وأنت صحيح موسر قال: نعم والحمد لله، قال: فأنت إذا من الشياطين إما أن تكون من رهبانية النصارى فأنت منهم وإما أن تكون منا فتصنع كما نصنع فإن من ستنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم أبالشيطان تتمرسون ماله في نفسه سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجون المطهرون المبرأون من الخنا ويحك يا عكاف، تزوج إنهن صواحب داود وصواحب أيوب وصواحب يوسف وصواحب كرسف فقال عطية من كرسف يا رسول الله فقال: رجل من بني إسرائيل على ساحل من سواحل البحر يصوم النهار ويقوم الليل لا يفتر من صلاة ولا صيام ثم كفر من بعد ذلك بالله العظيم في سبب امرأة عشقها فترك ما كان عليه من عبادة ربه عز وجل فتداركه الله بما سلف منه فتاب الله عليه ويحك، تزوج وإلا فإنك من المذبذبين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي نجيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان موسرا لأن ينكح فلم ينكح فليس مني.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أبي نجيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مسكين مسكين مسكين رجل ليست له امرأة، قيل يا رسول الله وإن كان غنيا ذا مال قال: وإن كان غنيا من المال، قال: ومسكينة مسكينة مسكينة امرأة ليس زوج قيل: يا رسول الله وإن كانت غنية ومكثرة من المال قال: وإن كانت، قال البيهقي: أبو نجيح اسمه يسار وهو والد عبد الله بن أبي نجيح والحديث مرسل.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبيهقي عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالباءة وينهانا عن التبتل نهيا شديدا ويقول: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة.
وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل رجل عابد وكان معتزلا في كهف له فكان بنو إسرائيل قد اعجبوا بعبادته فبينما هم عند نبيهم إذ ذكروه فأثنوا عليه فقال النّبيّ: إنه لكما تقولون لولا أنه تارك لشيء من السنة وهو التزوج.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة عن شداد بن أوس أنه قال: زوجوني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن لا ألقى الله عزبا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال معاذ في مرضه الذي مات فيه: زوجوني إني أكره أن ألقى الله عزبا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب لا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين). [الدر المنثور: 5/419-439]

تفسير قوله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالاً طيّبًا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المؤمنين الّذين نهاهم أن يحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لهم: {كلوا} أيّها المؤمنون من رزق اللّه الّذي رزقكم وأحلّه لكم حلالاً طيّبًا.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالاً طيّبًا} يعني: ما أحلّ اللّه لهم من الطّعام.
وأمّا قوله: {واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون} فإنّه يقول: وخافوا أيّها المؤمنون أن تعتدوا في حدوده، فتحلّوا ما حرّم عليكم، وتحرّموا ما أحلّ لكم، واحذروه في ذلك أن تخالفوه فينزل بكم سخطه، أو تستوجبوا به عقوبته. {الّذي أنتم به مؤمنون} يقول: الّذي أنتم بوحدانيّته مقرّون، وبربوبيّته مصدّقون). [جامع البيان: 8/615-616]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالًا طيّبًا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون (88)
قوله تعالى: وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالا طيّبًا
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالا طيّبًا فبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عثمان بن مظعون ورهط من أصحابه فقال إنّ في ديني التّزويج وأكل الطّعام وشرب الشّراب فخذوا بما افترض اللّه عليكم من الصّيام والصّلاة.
قوله تعالى: واتّقوا اللّه
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق واتّقوا اللّه: أي أطيعوا اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1189]

تفسير قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني بكر بن مضر عمن حدثه عن زيد ابن أسلم [ .... ] في لغو اليمين هو قول الرجل: حربني الله من مالي، لا ردني الله إلى أهلي [ ........ .. ]، وأشباه هذا؛ فأما إذا قال: والله، ثم حنث فعليه الكفارة). [الجامع في علوم القرآن: 2/110-111] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن زيد بن ثابت في قوله {إطعام عشرة مساكين} قال مدا لكل مسكين). [تفسير عبد الرزاق: 1/192]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن سليمان العبسي عن سعيد بن جبير من أوسط ما تطعمون قال قوتهم.
عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن الأشعري كسا ثوبا ثوبا المساكين.
عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر كان إذا حلف على شيء لم يأثم حتى نزلت كفارة اليمين.
عن معمر عن قتادة في رجل حلف كاذبا لم يكن قال هو أعظم من الكفارة.
عن معمر وأنا أرى فيه الكفارة ويتوب). [تفسير عبد الرزاق: 1/193]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أبي إسحاق الهمذاني قال في حرف ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) قال أبو إسحاق فكذلك نقرؤها). [تفسير عبد الرزاق: 1/193]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه من أوسط ما تطعمون أهليكم كما تطعم المرء من أهلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/193]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتّم الأيمان} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم قال: نا مغيرة، عن إبراهيم – في قوله عزّ وجلّ: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} - قال: هو الرّجل يحلف على الأمر يرى أنّه كما حلف، فلا يكون كذلك، قال: يكفّر عن يمينه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا أبو بشر، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: اللّغو: أن يحلف الرّجل على المعصية، فلا يؤاخذه اللّه إن تركها، ولكن يؤاخذه إن عمل بها. فقلت لأبي بشرٍ: كيف يصنع؟ قال: يكفّر عن يمينه، ويترك المعصية.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: هو الرّجل يحلف على الشّيء، ثمّ يرى أنّه كذلك، وليس كذلك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالدٌ، عن حصين، عن أبي مالك، مثله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد، عن مغيرة، عن عامرٍ الشّعبي، قال: هو قول النّاس: لا واللّه، وبلى واللّه، لا يعتقد على اليمين.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد (عن) عبد الملك، عن عطاءٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، أنّ عبيد بن عمير سألها عن لغو اليمين، (فقالت) مثل قول الشعبي.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: هو قول الرّجل: لا والله، وبلى والله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد، عن عطاء بن السّائب، عن وسيم، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لغو اليمين: أن تحلف وأنت غضبان.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: هو: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا حصين، عن أبي مالكٍ قال: الأيمان ثلاثةٌ: يمينٌ تكفّر، ويمينٌ لا تكفّر، ويمينٌ لا يؤاخذ بها صاحبها. فأمّا اليمين الّتي تكفّر: فرجلٌ يعاهد أن لا يفعل كذا وكذا، فيفعله، فعليه الكفّارة، (وأمّا اليمين الّتي لا تكفّر: فالرّجل يحلف على الأمر يتعمّد فيه الكذب، فليس فيه كفّارةٌ. وأمّا اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها) : (فرجلٌ) يحلف على أمرٍ يرى أنّه كما حلف عليه، فلا يكون كذلك، فهذا ما لا كفّارة فيه، وهو اللّغو). [سنن سعيد بن منصور: 4/1524–1535]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن منصورٍ، عن أبي وائل، عن يسار بن نمير، قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: إنّ الرّجل ليأتيني، فيسألني، فأحلف أن لا أعطيه، ثمّ يبدو لي فأعطيه، فإذا أمرتك أن تكفّر عنّي، فأطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكينٍ نصف صاعٍ من قمح، أو صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن منصورٍ، عن أبي وائل، عن يسار بن نمير قال: قال لي عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: إذا أمرتك أن تكفّر عنّي، فأعط لكلّ مسكين نصف صاع حنطةٍ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، قال: نا الأعمش، عن شقيق، عن يسار بن نمير قال: قال لي عمر بن الخطّاب: إنّي أحلف أن لا أعطي أقوامًا، ثمّ يبدو لي أن أعطيهم، فإذا رأيتني فعلت ذلك، فأطعم عنّي عشرة مساكين، بين كلّ مسكينين صاعٌ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن اليرفا قال: قال لي عمر بن الخطّاب: إنّي أنزلت نفسي من مال اللّه عزّ وجلّ بمنزلة وليّ اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، وإن استغنيت استعففت، (وإنّي) وليت من أمر المسلمين أمرًا عظيمًا، فإذا أنت سمعتني حلفت عن يمينٍ فلم أمضها، فأطعم عنّي عشرة مساكين خمسة آصع برٍّ، بين كل (مسكينين صاع).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسارٍ قال: أدركت النّاس وهم يعطون في طعام المسكين مدًّا مدًّا، ويرون أنّ ذلك يجزئ عنهم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن أبي حازمٍ، قال: أخبرني أبو جعفرٍ مولى ابن عيّاش، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، أنّه قال - في كفّارة اليمين -: مدّ بيضاء لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يعقوب بن عبد الرّحمن، عن أبي حازمٍ، عن أبي جعفرٍ مولى ابن عيّاش، عن عبد اللّه بن عباس، مثله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عبد الكريم بن أبي أميّة، عن مجاهدٍ قال: كلّ طعامٍ في القرآن فهو نصف صاع.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، قال: نا خصيف، عن عطاءٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة - في كفّارة اليمين - قالوا: لكلّ مسكينٍ مدّان، مدٍّ في إدامه، ومدٌّ يأكله في غدائه وعشائه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن يونس، عن الحسن - في كفّارة اليمين - قال: مكّوكًا من تمرٍ، ومكّوكًا من برّ، وإن دعاهم فأطعمهم خبزًا ولحمًا، أو خبزًا وزيتًا، أو خبزًا وسمنًا، أو خبزًا ولبنًا، أجزأ ذلك عنه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن حجّاج بن أرطأة، عن حصين الحارثيّ، عن الشّعبي، عن الحارث، عن عليٍّ رضي اللّه عنه أنّه قال - في كفّارة اليمين-: يغدّيهم، ويعشّيهم خبزًا ولحمًا، خبزًا وزيتًا، خبزًا وسمنًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس بن عبيدٍ قال: حدّثت عن إبراهيم أنّه كان يقول: يغدّيهم ويعشّيهم، وكان الحسن يقول: وجبةٌ واحدةٌ تجزئ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا يونس، عن الحسن أنّه كان يقول - في طعام المساكين: وجبة، فإن أعطاهم في أيديهم، فمكّوك برّ، ومكّوك تمرٍ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن سليمان بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ - في قوله عزّ وجلّ: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} -، قال: كان يكون للكبير أفضل من الصّغير، وللحرّ أفضل من المملوك، فأمروا بوسطٍ من ذلك ليس بأرفعه، ولا بأوضعه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا سلمة بن علقمة، عن محمّد بن سيرين، أنّ أبا موسى الأشعريّ، حلف على يمينٍ، فكفّر، فأمر المساكين، فأدخلوا بيت المال، فأمر بجفنةٍ من ثريد فقدّمت إليهم، فأكلوا، ثمّ كسا كلّ إنسانٍ منهم ثوبًا، إمّا معقّدًا، وإمّا ظهرانيًّا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيّب، قال: سمعته وسئل عن قول اللّه عزّ وجلّ: {أو كسوتهم} - في كفّارة اليمين - قال: لكلّ مسكينٍ عباءة وعمامة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالدٌ، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، مثله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم قال: ثوبًا ثوبًا، لكلّ مسكينٍ ثوب جامع.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، قال: نا خصيف، عن عطاءٍ، (ومجاهدٍ)، وعكرمة قالوا: لكلّ مسكينٍ ثوب: قميصٍ، أو إزار، أو رداء، فقلت لخصيف: أرأيت إن كان موسرًا؟ قال: أيّ ذلك فعل فحسنٌ، فمن لم يجد من هذه الخصال، فصيام ثلاثة أيّامٍ، وذكر أنّها في قراءة أبيّ: (متتابعة).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن ابن عون، عن إبراهيم قال: في قراءتنا - في كفّارة اليمين – (ثلاثة أيّامٍ متتابعات).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: (أخبرني) حجّاج، قال: سألت عطاءً عن الصّيام في كفّارة اليمين، قال: إن شاء فرّق. قلت: فإنّها في قراءة عبد اللّه: (متتابعةً)، قال: إذًا ننقاد لكتاب الله عز وجل.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن طاوسٍ، قال: إن شاء فرّق. فقال له مجاهدٌ: في قراءة عبد اللّه: (متتابعةً)، قال: فهي متتابعة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، أنّ رجلًا أتى عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه من أهل المغرب، فقال: واللّه يا أمير المؤمنين لتحملنّي، فنظر عمر إلى أدناهم إليه، فقال: واللّه إن كان بك ما إن تنبّئني حاجتك دون أن تقسم عليّ، وأنا أحلف باللّه لا أحملك، فأظنّه قد ردّدها ثلاثين أو قريبًا من ثلاثين مرّةً، فقال رجلٌ يقال له: عتيك بن بلالٍ الأنصاريّ : أيّ شيءٍ تريد؟ ألا ترى أمير المؤمنين قد حلف أيمانًا لا أحصيها أن لا يحملك؟ واللّه إن تريد إلّا الشّرّ، فقال الرّجل: واللّه إنّه لمال اللّه، واللّه إنّي لمن عيال اللّه، واللّه إنّك لأمير المؤمنين، ولقد (أدّت) بي راحلتي، واللّه إنّي لابن السّبيل أقطع بي، واللّه لتحملنّي، فقال له عمر: كيف قلت؟ فأعادها عليه، فقال عمر: واللّه إنّ المال لمال اللّه، وإنّك لمن عيال اللّه، وإنّي لأمير المؤمنين، وإن كانت راحلتك (أدّت) بك لا أتركك للتّهلكة، واللّه لأحملنّك، فأعادها حتّى حلف ثلاثين يمينًا، أو يمينين، ثمّ قال: لا أحلف على يمينٍ أبدًا، فأرى غيرها خيرًا منها، إلّا اتّبعت خير اليمينين). [سنن سعيد بن منصور: 4/1535-1567]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} [المائدة: 89]
- حدّثنا عليّ بن سلمة، حدّثنا مالك بن سعيرٍ، حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها: " أنزلت هذه الآية: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} [المائدة: 89] في قول الرّجل: لا واللّه وبلى واللّه "
- حدّثنا أحمد ابن أبي رجاءٍ، حدّثنا النّضر، عن هشامٍ، قال: أخبرني أبي، عن عائشة رضي اللّه عنها: أنّ أباها كان لا يحنث في يمينٍ حتّى أنزل اللّه كفّارة اليمين، قال أبو بكرٍ: «لا أرى يمينًا أرى غيرها خيرًا منها، إلّا قبلت رخصة اللّه وفعلت الّذي هو خيرٌ»). [صحيح البخاري: 6/52-53]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}
سقط باب قوله لغير أبي ذرٍّ وفسّرت عائشة لغو اليمين بما يجري على لسان المكلّف من غير قصدٍ وقيل هو الحلف على غلبة الظّنّ وقيل في الغضب وقيل في المعصية وفيه خلافٌ آخر سيأتي بيانه في الأيمان والنّذور إن شاء اللّه تعالى وقولها لا واللّه وبلى واللّه أي كلّ واحدٍ منهما إذا قالها لغوٌ فلو أنّ رجلًا قال الكلمتين معًا فالأولى لغوٌ والثّانية منعقدةٌ لأنّها استدراكٌ مقصودةٌ قاله الماورديّ قوله حدّثنا عليّ بن عبد اللّه كذا لأبي ذرٍّ عن الكشميهنيّ والحمويّ وله عن المستملي حدّثنا عليّ بن سلمة وهي رواية الباقين إلّا النّسفيّ فقال حدّثنا عليٌّ فلم ينسبه وعليّ بن سلمة هذا يقال له اللّبقيّ بفتح اللّام والموحّدة الخفيفة بعدها قافٌ خفيفةٌ وهو ثقةٌ من صغار شيوخ البخاريّ ولم يقع له عنده ذكرٌ إلّا في هذا الموضع وقد نبّهت على موضعٍ آخر في الشّفعة ويأتي آخر في الدّعوات

[4613] قوله حدّثنا مالك بن سعيرٍ بمهملتين مصغّرٌ ضعّفه أبو داود وقال أبو حاتمٍ وأبو زرعة والدّارقطنيّ صدوقٌ وليس له في البخاريّ سوى هذا الحديث وآخر في الدّعوات وأبوه هو بن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم وآخره مهملةٌ قوله في قول الرّجل لا واللّه وبلى واللّه وسيأتي البحث فيه في الأيمان والنّذور وكذلك الحديث الّذي بعده وقوله كان أبو بكر الخ أخرجه بن حبّان من طريق محمّد بن عبد الرّحمن الطّفاويّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حلف على يمينٍ لم يحنث إلخ والمحفوظ ما وقع في الصّحيحين أنّ ذلك فعل أبي بكرٍ وقوله والله أعلم وحكى بن التّين عن الدّاوديّ أنّ الحديث الثّاني يفسّر الأوّل وتعقّبه والحقّ أنّ الأوّل في تفسير لغو اليمين والثّاني في تفسير عقد اليمين
[4614] قوله قال أبو بكرٍ لا أرى يمينًا أرى غيرها خيرًا منها بفتح الهمزة في الموضعين من الرّؤية بمعنى الاعتقاد وفي الثّاني بالضّمّ بمعنى الظّنّ وقد أخرجه في أوّل الأيمان والنّذور من رواية عبد اللّه بن المبارك عن هشامٍ بلفظ لا أحلف على يمينٍ فرأيت غيرها خيرًا منها قوله إلّا قبلت رخصة اللّه أي في كفّارة اليمين وفي رواية بن المبارك إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ منه). [فتح الباري: 8/275-276]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم} (البقرة: 225)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم} وليس لفظ: باب، إلاّ في رواية أبي ذر واللغو في اليمين هو قولك: لا والله، ويلي والله، وقيل: معنى اللّغو الإثم، والمعنى لا يؤاخذكم الله بالإثم في الحلف إذا كفرتم، وقال ابن جبير: هو الرجل يحلف على المعصية، وقال إبراهيم: هو أن ينسى، وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل: أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا ونحوه، وقال ابن عبّاس: هو أن يحرم ما أحل الله له فليس عليه كفّارة، وقال طاوس والقاضي إسماعيل: هو أن يحلف وهو غضبان، وعند الشّافعي، هو سبق اللّسان من غير قصد، وقال أبو الوليد بن رشيد، ذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنّها اليمين على شيء يظنّ الرجل أنه على يقين منه فيخرج الشّيء على خلاف ما حلف عليه. وقال الشّافعي: لغو اليمين ما لم تنعقد النّيّة عليه مثل ما جرت به العادة من قول الرجل في أثناء المخاطبة، لا والله وبلى والله من غير أن يعتقد لزومه انتهى، يقال: لغا في القول يلغو ويلغى لغوا ولغى لغا ولغاة، اخطأ، وكلمة لاغية فاحشة، ولغا يلغو لغوا، تكلم، وقال الجوهري: لغا يلغو، لغوا: أي قال باطلا يقال: لغوت باليمين، ونباح الكلب لغو أيضا، ولغى: بالكسر يلغى لغى مثله، واللغي الصّوت مثل الوغي، ويقال أيضا: لغى به يلغى لغا أي: لهج به، واللغة أصلها لغى ولغو، والهاء عوض وجمعها ولغات، وفي (تفسير الجوزيّ) لما نزلت: {لا تحرموا طيّبات ما أحل الله لكم} (المائدة: 87) قالوا: يا رسول الله! كيف نصنع بأيماننا؟ يعني: حلفهم على ما اتّفقوا عليه. فنزلت: {لا يؤاخذكم الله} الآية. قال الثّعلبيّ: قال ابن عبّاس: اتّفاقهم كان على الصّوم نهارا والقيام ليلًا. وقال مقاتل: كانوا عشرة حلفوا على ذلك أبو بكر وعمر وعلي والمقداد وعثمان بن مظعون وأبو ذر وسلمان وابن مسعود وعمار وحذيفة، وزاد بعضهم سالما مولى أبي حذيفة وقدامة، وزاد أبو أحمد إسحاق بن إبراهيم البستي عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم.

- حدّثنا عليّ بن سلمة حدّثنا مالك بن سعيرٍ حدّثنا هشامٌ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنزلت هذه الآية {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم} (البقرة: 225) في قول الرّجل لا والله وبلى والله.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعلي بن سلمة هو الّذي يقال له اللبقي، بكسر اللّام وتخفيف الباء الموحدة وبالقاف، النّيسابوري من صغار مشايخ البخاريّ ولم يقع له ذكر عند البخاريّ إلاّ في هذا الموضع وآخر في الشّفعة وآخر في الدّعوات، وهكذا في الأصول عليّ بن سلمة، وبه صرح أبو مسعود وغيره، وبه صرح أبو ذر عن المستملي، حدثّنا عليّ بن سلمة، وروي عن الكشميهني والحموي، حدثنا عليّ بن عبد الله، قيل: إنّه خطأ، وفي رواية النّسفيّ: حدثنا عليّ، ولم ينسبه، وقال الكلاباذي، هو غير منسوب، ومالك بن سعير، بضم السّين المهملة وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء التّيميّ الكوفي، ضعفه أبو داود، وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدّارقطنيّ: صدوق وليس له في البخاريّ إلاّ هذا الحديث وآخر في الدّعوات، واسم جده الحسن، بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم وسين مهملة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير. والحديث من أفراده، وأخرجه أبو داود مرفوعا وصححه ابن حبان.

- حدّثنا أحمد بن أبي رجاء حدّثنا النضر عن هشامٍ قال أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أنّ أباها كان لا يحنث في يمينٍ حتّى أنزل الله كفّارة اليمين قال أبو بكرٍ لا أرى يمينا أري غيرها خيرا منها إلاّ قبلت رخصة الله وفعلت الّذي هو خيرٌ.

هذا أيضا عن عائشة نفسها، وقال الدّاوديّ: هذا الحديث تفسير للحديث الأول، وقال ابن التّين: الحق أن الحديث الأول في تفسير لغو اليمين، والثّاني: في تفسير عقد اليمين وأخرجه عن أحمد بن أبي رجاء بالجيم ضد الخوف، واسمه عبد الله بن أيّوب أبي الوليد الحنفيّ الهرويّ، عن النّضر، بفتح النّون وسكون الضّاد المعجمة ابن شميل المازني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن أبيها أبي بكر الصّديق، رضي الله تعالى عنه، وأخرجه ابن حبان من طريق محمّد بن عبد الرّحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف على يمين لم يحنث إلى آخره، قيل: المحفوظ ما وقع في (الصّحيح) أن ذلك فعل أبي بكر رضي الله تعالى عنه). [عمدة القاري: 18/206-207]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} [المائدة: 89]
(باب قوله) عز وجل ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}) [المائدة: 89] هو قول المرء بلا قصد لا والله وبلى والله، وهذا مذهب الشافعي، وقيل الحلف على غلبة الظن وهو مذهب أبي حنيفة، وقيل اليمين في الغضب، وقيل في النسيان، وقيل الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس، والصحيح أنه اليمين من غير قصد.
- حدّثنا عليّ بن سلمة، حدّثنا مالك بن سعيرٍ، حدّثنا هشامٌ عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنزلت هذه الآية {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} في قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه. [الحديث 4613 - طرفه في: 6663].
وبه قال: (حدّثنا علي بن سلمة) بفتح اللام اللبقي بفتح اللام والموحدة المخففة وبعد القاف تحتية وللحموي والكشميهني علي بن عبد الله قيل وهو خطأ قال: (حدّثنا مالك بن سعير) بسين مضمومة فعين مفتوحة مهملتين مصغرًا ابن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها سين مهملة الكوفي صدوق وضعفه أبو داود، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الدعوات وكلاهما قد توبع عليه عنده، وروى له أصحاب السنن قال (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (أنزلت هذه الآية {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} في قول الرجل لا والله وبلى والله) أي كل واحدة منهما إذا قالها مفردة لغو فلو قالهما معًا فالأولى لغو والثانية منعقدة لأنها استدراك مقصود قاله الماوردي فيما نقله عنه في الفتح ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الإيمان.
- حدّثنا أحمد بن أبي رجاءٍ، حدّثنا النّضر، عن هشامٍ قال: أخبرني أبي عن عائشة -رضي الله عنها- أنّ أباها كان لا يحنث في يمينٍ حتّى أنزل اللّه كفّارة اليمين قال أبو بكرٍ: لا أرى يمينًا أرى غيرها خيرًا منها إلاّ قبلت رخصة اللّه وفعلت الّذي هو خيرٌ. [الحديث 4614 - أطرافه في: 6621].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) ضد الخوف واسمه عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل المازني (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن أباها) أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه (كان لا يحنث في يمين). وعند ابن حبان كان رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- إذا حلف على يمين لم يحنث وما في البخاري هو الصحيح كما في الفتح (حتى أنزل الله كفارة اليمين) في القرآن فكفارته إطعام عشرة مساكين الخ (قال أبو بكر: لا أرى) بفتح الهمزة أي لا أعلم (يمينًا أرى) بضم الهمزة أي أظن (غيرها) ولأبي ذر عن الكشميهني أن غيرها (خيرًا منها إلا قبلت رخصة الله وفعلت الذي هو خير) أي وكفرت عن يميني، وعن ابن جريج مما نقله الثعلبي في تفسيره أنها نزلت في أبي بكر حلف أن لا ينفق على مسطح لخوضه في الإفك فعاد إلى مسطح بما كان ينفقه وسقط لغير أبي ذر باب قوله وثبت له والله أعلم). [إرشاد الساري: 7/106-107]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتّم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون}.
يقول تعالى ذكره للّذين كانوا حرّموا على أنفسهم الطّيّبات من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانوا حرّموا ذلك بأيمانٍ حلفوا بها، فنهاهم عن تحريمها، وقال لهم: لا يؤاخذكم ربّكم باللّغو في أيمانكم.
- كما حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} في القوم الّذين كانوا حرّموا النّساء واللّحم على أنفسهم، قالوا: يا رسول اللّه، كيف نصنع بأيماننا الّتي حلفنا عليها؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} الآية.
فهذا يدلّ على ما قلنا من أنّ القوم كانوا حرّموا على أنفسهم بأيمانٍ حلفوا بها، فنزلت هذه الآية بسببهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز وبعض البصريّين: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} بتشديد القاف، بمعنى: وكّدتم الأيمان وردّدتموها.
وقرّأة عامة الكوفيّين: (بما عقدتم الأيمان) بتخفيف القاف، بمعنى: أوجبتموها على أنفسكم، وعزمت عليها قلوبكم.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك قراءة من قرأ بتخفيف القاف، وذلك أنّ العرب لا تكاد تستعمل فعّلت في الكلام، إلاّ فيما يكون فيه تردّدٌ مرّةً بعد مرّةٍ، مثل قولهم: شدّدت على فلانٍ في كذا إذا كرّر عليه الشّدّ مرّةً بعد أخرى، فإذا أرادوا الخبر عن فعل مرّةً واحدةً قيل: شددت عليه بالتّخفيف. وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم أنّ اليمين الّتي تجب بالحنث فيها الكفّارة تلزم بالحنث في حلف مرّةٍ واحدةٍ وإن لم يكرّرها الحالف مرّاتٍ، وكان معلومًا بذلك أنّ اللّه مؤاخذٌ الحالف العاقد قلبه على حلفه وإن لم يكرّره ولم يردّده، وإذا كان ذلك كذلك لم يكن لتشديد القاف من عقّدتم وجهٌ مفهومٌ.
فتأويل الكلام إذن: لا يؤاخذكم اللّه أيّها المؤمنون من أيمانكم بما لغوتم فيه، ولكن يؤاخذكم بما أوجبتموه على أنفسكم منها وعقدت عليه قلوبكم.
وقد بيّنّا اليمين الّتي هي لغوٌ والّتي اللّه مؤاخذٌ العبد بها، والّتي فيها الحنث والّتي لا حنث فيها فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع.
وأمّا قوله: {بما عقّدتم الأيمان} فإنّ:.
- هنّادًا حدّثنا قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} قال: بما تعمّدتم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} يقول: ما تعمّدت فيه المأثم، فعليك فيه الكفّارة). [جامع البيان: 8/616-618]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى. {فكفّارته إطعام عشرة مساكين}.
اختلف أهل التّأويل في الهاء الّتي في قوله: {فكفّارته} على ما هي عائدةٌ، ومن ذكر ما؟ فقال بعضهم: هي عائدةٌ على ما الّتي في قوله: {بما عقّدتم الأيمان}.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن، في هذه الآية: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو أن تحلف على الشّيء وأنت يخيّل إليك أنّه كما حلفت وليس كذلك، فلا يؤاخذكم اللّه، فلا كفّارة، ولكنّ المؤاخذة والكفّارة فيما حلفت عليه على علمٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: اللّغو ليس فيه كفّارةٌ {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} قال: ما عقّد فيه يمينه فعليه الكفّارة.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، قال: الأيمان ثلاثٌ: يمينٌ تكفّر، ويمينٌ لا تكفّر، ويمينٌ لا يؤاخذ بها صاحبها. فأمّا اليمين الّتي تكفّر، فالرّجل يحلف على الأمر لا يفعله ثمّ يفعله، فعليه الكفّارة وأمّا اليمين الّتي لا تكفّر: فالرّجل يحلف على الأمر يتعمّد فيه الكذب، فليس فيه كفّارةٌ. وأمّا اليمين الّتي لا يؤاخذ بها صاحبها: فالرّجل يحلف على الأمر يرى أنّه كما حلف عليه فلا يكون كذلك، فليس عليه فيه كفّارةٌ، وهو اللّغو.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا ابن أبى ليلى، عن عطاءٍ، قال: قالت عائشة: لغو اليمين ما لم يعقد عليه الحالف قلبه.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا هشامٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن إبراهيم، قال: ليس في لغو اليمين كفّارةٌ.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، أنّ عروة، حدّثه، أنّ عائشة قالت: أيمان الكفّارة كلّ يمينٍ حلف فيها الرّجل على جدٍّ من الأمور في غضبٍ أو غيره ليفعلنّ ليتركنّ، فذلك عقد الأيمان الّتي فرض اللّه فيها الكفّارة، وقال تعالى ذكره: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني معاوية بن صالحٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، وعن عليّ بن أبي طلحة، قالا: ليس في لغو اليمين كفّارةٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا جامع بن حمّادٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} يقول: ما تعمّدت فيه المأثم فعليك فيه الكفّارة. قال: وقال قتادة: أمّا اللّغو فلا كفّارة فيه.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا عبدة، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن قال: لا كفّارة في لغو اليمين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمرٌو العنقزيّ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: ليس في لغو اليمين كفّارةٌ.
فمعنى الكلام على هذا التّأويل: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان، فكفّارة ما عقّدتم منها: إطعام عشرة مساكين.
وقال آخرون: الهاء في قوله: {فكفّارته} عائدةٌ على اللّغو، وهي كنايةٌ عنه.
قالوا: وإنّما معنى الكلام: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم إذا كفّرتموه، ولكن يؤاخذكم إذا عقّدتم الأيمان فأقمتم على المضيّ عليه بترك الحنث والكفّارة فيه، والإقامة على المضيّ عليه غير جائزةٍ لكم، فكفّارة اللّغو منها إذا حنثتم فيه: إطعام عشرة مساكين.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على أمرٍ ضرارٍ أن يفعله فلا يفعله، فيرى الّذي هو خيرٌ منه، فأمره اللّه أن يكفّر عن يمينه ويأتي هو خيرٌ وقال مرّةً أخرى قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} إلى قوله: {بما عقّدتم الأيمان} قال: واللّغو من الايمان هي الّتي تكفّر، لا يؤاخذ اللّه بها، ولكن من أقام على تحريم ما أحلّ اللّه له ولم يتحوّل عنه ولم يكفّر عن يمينه، فتلك الّتي يؤاخذ بها.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الّذي يحلف على المعصية فلا يفي، فيكفّر.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن سعيد بن جبيرٍ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه اللّه تعالى، يكفّر عن يمينه ويأتي الّذي هو خيرٌ، {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان}: الرّجل يحلف على المعصية ثمّ يقيم عليها، فكفّارته إطعام عشرة مساكين.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا داود، عن سعيد بن جبيرٍ، قال في لغو اليمين: هي اليمين في المعصية، فقال: أو لا تقرأ فتفهم؟ قال: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان}، قال: فلا يؤاخذه بالإلغاء، ولكن يؤاخذه بالتمام عليها. قال: وقال: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم}.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}قال: هو الرّجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه اللّه بتركها إن تركها. قلت: وكيف يصنع؟ قال: يكفّر يمينه، ويترك المعصية.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: اللّغو: يمينٌ لا يؤاخذ بها صاحبها، وفيها كفّارةٌ.
- حدّثني يحيى بن جعفرٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: اليمين المكفّرة.
والّذي هو أولى عندي بالصّواب في ذلك، أن تكون الهاء في قوله: {فكفّارته} عائدةٌ على ما الّتي في قوله: {بما عقّدتم الأيمان} لما قدّمنا فيما مضى قبل، أنّ من لزمته في يمينه كفّارةٌ ووأخذ بها، وغير جائزٍ أن يقال لمن قد أوخذ: لا يؤاخذه اللّه باللّغو، وفي قوله تعالى: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} دليلٌ واضحٌ أنّه لا يكون مؤاخذًا بوجهٍ من الوجوه من أخبرنا تعالى ذكره أنّه غير مؤاخذٍ.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّه إنّما عنى تعالى ذكره بقوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} بالعقوبة عليها في الآخرة إذا حنثتم وكفّرتم، لا أنّه لا يؤاخذهم بها في الدّنيا بتكفيرٍ فإنّ إخبار اللّه تعالى ذكره وأمره ونهيه في كتابه على الظّاهر العامّ عندنا بما قد دلّلنا على صحّة القول به في غير هذا الموضع فأغنى عن إعادته، دون الباطن العامّ الّذي لا دلالة على خصوصه في عقلٍ ولا خبرٍ، ولا دلالة من عقلٍ ولا خبرٍ أنّه عنى تعالى ذكره بقوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} بعض معاني المؤاخذة دون جميعها.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان من لزمته كفّارةٌ في يمينٍ حنث فيها مؤاخذًا بها بعقوبةٍ في ماله عاجلةٍ، كان معلومًا أنّه غير الّذي أخبرنا تعالى ذكره أنّه لا يؤاخذه بها.
وإذا كان الصّحيح من التّأويل في ذلك ما قلنا بالّذي عليه دلّلنا، فمعنى الكلام إذن: لا يؤاخذكم اللّه أيّها النّاس بلغو من القول والأيمان إذا لم تتعمّدوا بها معصية اللّه تعالى ولا خلاف أمره، ولم تقصدوا بها إثمًا، ولكن يؤاخذكم بما تعمّدتم به الإثم وأوجبتموه على أنفسكم وعزمت عليه قلوبكم، ويكفّر ذلك عنكم، فيغطّي على سيّئ ما كان منكم من كذبٍ وزور قولٍ، ويمحوه عنكم فلا يتّبعكم به ربّكم، إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم). [جامع البيان: 8/616-623]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} أعدله.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: سمعت عطاءً، يقول في هذه الآية: {من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم} قال عطاءٌ: أوسطه: أعدله.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}، فقال بعضهم: معناه: من أوسط ما يطعم من أجناس الطّعام الّذي يقتاته أهل بلد المكفّر أهاليهم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: أخبرنا شريكٌ، عن عبد اللّه بن حنشٍ، عن الأسود، قال: سألته عن {أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: الخبز والتّمر والزّيت والسّمن، وأفضله اللّحم.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن عبد اللّه بن حنشٍ قال: سألت الأسود بن يزيد عن ذلك، فقال: الخبز والتّمر زاد هنّادٌ في حديثه: الزّيت، قال: وأحسبه الخلّ.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو الأحوص، عن عاصمٍ الأحول، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من أوسط ما يطعم أهله الخبز والتّمر، والخبز والسّمن والخبز والزّيت، ومن أفضل ما يطعمهم: الخبز واللّحم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن ليثٍ، عن ابن سيرين، عن ابن عمر: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} الخبز واللّحم، والخبز والسّمن، والخبز والجبن، والخبز والخلّ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن عبد اللّه بن حنشٍ قال: سألت الأسود بن يزيد عن أوسط ما تطعمون أهليكم، قال: الخبز والتّمر.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا يحيى قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا عبد اللّه بن حنشٍ قال: سألت الأسود بن يزيد، فذكر مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سعيد بن عبد الرّحمن، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة السّلمانيّ: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: الخبز والسّمن
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سعيد بن عبد الرّحمن، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن ذلك، فذكر مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا أزهر قال: أخبرنا ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} الخبز والسّمن.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، قال: كانوا يقولون: أفضله الخبز واللّحم، وأوسطه: الخبز والسّمن، وأخشّه: الخبز والتّمر.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الرّبيع، عن الحسن قال: خبزٌ ولحمٌ، أو خبزٌ وسمنٌ، أو خبزٌ ولبنٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا عمر بن هارون، عن أبي مصلحٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: الخبز واللّحم والمرقة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زائدة، عن يحيى بن حيان الطّائيّ، قال: كنت عند شريحٍ، فأتاه رجلٌ فقال: إنّي حلفت على يمينٍ فأثمت، قال شريحٌ: ما حملك على ذلك؟ قال: قدّر عليّ، فما أوسط ما أطعم أهلي؟ قال له شريحٌ: الخبز والزّيت والخلّ طيّبٌ. قال: فأعاد عليه، فقال له شريحٌ ذلك ثلاث مرارٍ لا يزيده شريحٌ على ذلك. فقال له: أرأيت إن أطعمت الخبز واللّحم؟ قال: ذاك أرفع طعام أهلك وطعام النّاس.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن حجّاجٍ، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن عليٍّ، قال في كفّارة اليمين: يغدّيهم ويعشّيهم خبزًا وزيتًا، أو خبزًا وسمنًا، أو خلًّا وزيتًا.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو أسامة، عن زبرقان، عن أبي رزينٍ: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} خبزٌ وزيتٌ وخلٌّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن هشام عن محمّدٍ، قال: أكلةٌ واحدةٌ خبزٌ ولحمٌ. قال: وهو من أوسط ما تطعمون أهليكم، وإنّكم لتأكلون الخبيص والفاكهة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، وحدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن هشامٍ، عن الحسن، قال في كفّارة اليمين: يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكلةً واحدةً خبزًا ولحمًا، فإن لم تجد فخبزًا وسمنًا ولبنًا، فإن لم تجد فخبزًا وخلًّا وزيتًا حتّى يشبعوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن زبرقان قال: سألت أبا رزينٍ عن كفّارة اليمين، ما يطعم؟ قال: خبزًا وخلًّا وزيتًا من أوسط ما تطعمون أهليكم، وذلك قدر قوتهم يومًا واحدًا.
ثمّ اختلف قائلو ذلك في مبلغه، فقال بعضهم: مبلغ ذلك نصف صاعٍ من حنطةٍ، أو صاعٌ من سائر الحبوب غيرها.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن أبيه، عن إبراهيم، عن عمر، قال: إنّي أحلف على اليمين ثمّ يبدو لي، فإذا رأيتني قد فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكينٍ مدّان من حنطةٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، ويعلى، عن الأعمش، عن شقيقٍ، عن يسار بن نميرٍ، قال: قال عمر: إنّي أحلف أن لا أعطي أقوامًا ثمّ يبدو لي أن أعطيهم، فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عنّي عشرة مساكين بين كلّ مسكينين صاعٌ من برٍّ أو صاعٌ من تمرٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، ومحمّد بن العلاء، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلمة، عن عليٍّ، قال: كفّارة اليمين إطعام عشرة مساكين، لكلّ مسكينٍ نصف صاعٍ من حنطةٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} نصف صاع برٍّ كلّ مسكينٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، قال: قلت لسعيد بن جبيرٍ: أجمعهم؟ قال: لا أعطهم مدّين من حنطةٍ، مدًّا لطعامه ومدًّا لإدامه.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الكريم الجزريّ قال: قلت لسعيدٍ، فذكر نحوه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو زبيدٍ، عن حصينٍ، قال: سألت الشّعبيّ عن كفّارة اليمين، فقال: مكّوكين: مكّوكًا لطعامه، ومكّوكًا لإدامه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا هشامٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لكلّ مسكينٍ مدّين.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن هشامٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لكلّ مسكينٍ مدّين من برٍّ في كفّارة اليمين.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: مدّان من طعامٍ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا سعد بن يزيد أبو مسلمة، قال: سألت جابر بن زيدٍ عن إطعام المسكين في كفّارة اليمين، فقال: أكلةٌ. قلت: فإنّ الحسن يقول: مكّوك برٍّ، ومكّوك تمرٍ، فما ترى في مكّوك برٍّ؟ فقال: إنّ مكّوك برٍّ لا، أو مكّوك تمرٍ لا قال يعقوب: قال ابن عليّة: وقال أبو مسلمة بيده، كأنّه يراه حسنًا، وقلب أبو بشر يده.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن هشامٍ، عن الحسن، أنّه كان يقول في كفّارة اليمين فيما وجب فيه الطّعام: مكّوك تمرٍ، ومكّوك برٍّ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا أبي، عن الرّبيع، عن الحسن قال: إن جمعهم أشبعهم إشباعةً واحدةً، وإن أعطاهم أعطاهم مكّوكًا مكّوكًا.
- حدّثنا يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس قال: كان الحسن يقول:وجبه فإن أعطاهم في أيديهم فمكّوك برٍّ ومكّوك تمرٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، في كفّارة اليمين: نصف صاعٍ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبيه، عن الحكم، في قوله: {إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: إطعام نصف صاعٍ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زائدة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: {أوسط ما تطعمون أهليكم} نصف صاعٍ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول في قوله: {فكفّارته إطعام عشرة مساكين} قال: الطّعام لكلّ مسكينٍ: نصف صاعٍ من تمرٍ أو برٍّ.
وقال آخرون: بل مبلغ ذلك من كلّ شيءٍ من الحبوب مدٌّ واحدٌ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن هشامٍ الدّستوائيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن زيد بن ثابتٍ، أنّه قال في كفّارة اليمين: مدٌّ من حنطةٍ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال في كفّارة اليمين: مدٌّ من حنطةٍ لكلّ مسكينٍ ربعه إدامه.
- حدّثنا هنّادٌ وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ابن عجلان، عن نافعٍ، عن ابن عمر: إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكينٍ مدٌّ.
- حدّثنا هنّادٌ وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ قال: حدّثنا العمريّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: مدٌّ من حنطةٍ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن يحيى بن سعيدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه كان يكفّر اليمين بعشرة أمدادٍ بالمدّ الأصغر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبيد اللّه، عن القاسم، وسالمٍ، في كفّارة اليمين: ما يطعم؟ قالا: مدٌّ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسارٍ، قال: كان النّاس إذا كفّر أحدهم كفّر بعشرة أمدادٍ بالمدّ الأصغر.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عمر بن هارون، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، في قوله: {إطعام عشرة مساكين} قال: عشرة أمدادٍ لعشرة مساكين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا جامع بن حمّادٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: {إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: كان يقال: البرّ والتّمر، لكلّ مسكينٍ مدٌّ من تمرٍ، ومدٌّ من برٍّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وهنّادٌ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مالك بن مغولٍ، عن عطاءٍ، قال: مدٌّ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من أوسط ما تعولونهم. قال: وكان المسلمون رأوا أوسط ذلك مدًّا بمدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حنطةٍ. قال ابن زيدٍ: هو الوسط ممّا يقوت به أهله، ليس بأدناه ولا بأرفعه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يحيى بن عبد اللّه بن سالمٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: مدٌّ.
وقال آخرون: بل ذلك غداءٌ وعشاءٌ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن حجّاجٍ، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن عليٍّ، قال في كفّارة اليمين: يغدّيهم ويعشّيهم.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عمر بن هارون، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، في كفّارة اليمين قال: غداءٌ وعشاءٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن، قال: يغدّيهم ويعشّيهم.
وقال آخرون: إنّما عنى بقوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} من أوسط ما يطعم المكفّر أهله. قال: إن كان ممّن يشبع أهله أشبع المساكين العشرة، وإن كان ممّن لا يشبعهم لعجزه عن ذلك أطعم المساكين على قدر ما يفعل من ذلك بأهله في عسره ويسره.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين، وإلاّ فعلى ما تطعم أهلك بقدره.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} وهو أن تطعم كلّ مسكينٍ من نحو ما تطعم أهلك من الشّبع، أو نصف صاعٍ من برٍّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: من عسرهم ويسرهم.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، قال: من عسرهم ويسرهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن سليمان بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: قوتهم.
- حدّثنا هنّادٌ وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن سليمان العبسيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: قوتهم.
- حدّثنا أبو حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، قال: حدّثنا عنبسة، عن سليمان بن عبيدٍ العبسيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: كانوا يفضّلون الحرّ على العبد والكبير على الصّغير، فنزلت: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
- حدّثنا الحارث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كانوا يطعمون الكبير ما لا يطعمون الصّغير، ويطعمون الحرّ ما لا يطعمون العبد، فقال: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبعهم، وإن كنت لا تشبعهم فعلى قدر ذلك.
- حدّثني الحارث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا شيبان النّحويّ، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من عسرهم ويسرهم.
- حدّثنا يونس، قال: حدّثنا سفيان، عن سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: كان الرّجل يقوت بعض أهله قوتًا دونًا، وبعضهم قوتًا فيه سعةٌ، فقال اللّه: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} الخبز والزّيت.
وأولى الأقوال في تأويل قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} عندنا قول من قال: من أوسط ما تطعمون أهليكم في القلّة والكثرة. وذلك أنّ أحكام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الكفّارات كلّها بذلك وردت، وذلك كحكمه صلّى اللّه عليه وسلّم في كفّارة الحلق من الأذى بفرقٍ من طعامٍ بين ستّة مساكين لكلّ مسكينٍ نصف صاعٍ، وكحكمه في كفّارة الوطء في شهر رمضان بخمسة عشر صاعًا بين ستّين مسكينًا لكلّ مسكينٍ ربع صاعٍ. ولا يعرف له صلّى اللّه عليه وسلّم شيءٌ من الكفّارات أمر بإطعام خبزٍ وإدامٍ ولا بغداءٍ وعشاءٍ.
فإذ كان ذلك كذلك، وكانت كفّارة اليمين إحدى الكفّارات الّتي تلزم من لزمته، كان سبيلها سبيل ما تولّى الحكم فيه صلّى اللّه عليه وسلّم من أنّ الواجب على مكفّرها من الطّعام مقدارٌ للمساكين العشرة محدودٌا بكيلٍ دون جمعهم على غداءٍ أو عشاءٍ مخبوزٍ مأدومٍ، إذ كانت سنّته صلّى اللّه عليه وسلّم في سائر الكفّارات كذلك.
فإذ كان صحيحًا ما قلنا بما به استشهدنا فبيّنٌ أنّ تأويل الكلام: ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان، فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهليكم، وأنّ ما الّتي في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} بمعنى المصدر، لا بمعنى الأسماء.
وإذا كان ذلك كذلك، فأعدل أقوات الموسع على أهله مدّان، وذلك نصف صاعٍ في ربعه إدامه، وذلك أعلى ما حكم به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في كفّارةٍ في إطعام مساكين، وأعدل أقوات المقتر على أهله مدٌّ وذلك ربع صاعٍ، وهو أدنى ما حكم به في كفّارةٍ في إطعام مساكين.
وأمّا الّذين رأوا إطعام المساكين في كفّارة اليمين الخبز واللّحم وما ذكرنا عنهم قبل، والّذين رأوا أن يغدّوا أو يعشّوا، والّذين رأوا أن يغدّوا ويعشّوا، فإنّهم ذهبوا إلى تأويل قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}: من أوسط الطّعام الّذي تطعمونه أهليكم، فجعلوا ما الّتي في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} اسمًا لا مصدرًا، فأوجبوا على المكفّر إطعام المساكين من أعدل ما يطعم أهله من الأغذية. وذلك مذهبٌ لولا ما ذكرنا من سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الكفّارات غيرها الّتي يجب إلحاق أشكالها بها، وأنّ كفّارة اليمين لها نظيرةٌ وشبيهةٌ يجب إلحاقها بها). [جامع البيان: 8/623-638]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو كسوتهم}
يعني تعالى ذكره بذلك: فكفّارة ما عقّدتم من الأيمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. يقول إمّا أن تطعموهم أو تكسوهم، والخيار في ذلك إلى المكفّر.
واختلف أهل التّأويل في الكسوة الّتي عنى اللّه بقوله: {أو كسوتهم}، فقال بعضهم: عنى بذلك كسوة ثوبٍ واحدٍ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في كسوة المساكين في كفّارة اليمين: أدناه ثوبٌ.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: أدناه ثوبٌ، وأعلاه ما شئت.
- حدّثنا هنّادٌ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن الرّبيع، عن الحسن، قال في كفّارة اليمين في قوله: {أو كسوتهم}: ثوبٌ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن وهيبٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه: {أو كسوتهم} قال: ثوبٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبيدة، وحدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، جميعًا عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أو كسوتهم} قال: ثوبٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أو كسوتهم} قال: ثوبٌ ثوبٌ قال منصورٌ: القميص، أو الرّداء، أو الإزار.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وهنّادٌ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، في قوله: {أو كسوتهم} قال: كسوة الشّتاء والصّيف ثوبٌ ثوبٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: قال حدّثنا عمر بن هارون، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، في قوله: {أو كسوتهم} قال: ثوبٌ ثوبٌ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، في قوله: {أو كسوتهم} قال: إذا كساهم ثوبًا ثوبًا أجزأ عنه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان الرّازيّ، عن ابن سنانٍ، عن حمّادٍ، قال: ثوبٌ أو ثوبان، وثوبٌ لا بدّ منه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ثوبٌ ثوبٌ لكلّ إنسانٍ، وقد كانت العباءة تقضي يومئذٍ من الكسوة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أو كسوتهم} قال: الكسوة: عباءةٌ لكلّ مسكينٍ أو شملةٌ.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال. حدّثنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قال: ثوبٌ، أو قميصٌ، أو رداءٌ، أو إزارٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: إن اختار صاحب اليمين الكسوة، كسا عشرة أناسيٍّ كلّ إنسانٍ عباءةً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: سمعت عطاءً، يقول في قوله: {أو كسوتهم}، الكسوة: ثوبٌ ثوبٌ.
وقال بعضهم: عنى بذلك: الكسوة ثوبين ثوبين.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبيدة، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، جميعًا عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن المسيّب، في قوله: {أو كسوتهم}، قال: عباءةٌ وعمامةٌ.
- حدّثنا هنّادٌ وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ قال. حدّثنا أبي، عن سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: عمامةٌ يلفّ بها رأسه، وعباءةٌ يلتحف بها.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، عن أشعث، عن الحسن، وابن سيرين، قالا: ثوبين ثوبين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن، قال: ثوبين
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وهنّادٌ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن، قال: ثوبان ثوبان لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن عاصمٍ الأحول، عن ابن سيرين، عن أبي موسى، أنّه حلف على يمينٍ، فكسا ثوبين من معقّدة البحرين.
- حدّثنا هنّادٌ وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين: أنّ أبا موسى كسا ثوبين من معقّدة البحرين.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن هشامٍ، عن محمّد بن عبد الأعلى: أنّ أبا موسى الأشعريّ حلف على يمينٍ، فرأى أن يكفّر ففعل، وكسا عشرة ثوبين ثوبين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن هشامٍ، عن محمّدٍ، أنّ أبا موسى حلف على يمينٍ فكفّر، فكسا عشرة مساكين ثوبين ثوبين.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا هشيمٌ، عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: عباءةٌ وعمامةٌ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، قال: قال رجلٌ عند سعيد بن المسيّب: (أو كأسوتهم)، فقال سعيدٌ: لا إنّما هي: {أو كسوتهم}. قال: فقلت: يا أبا محمّدٍ، ما كسوتهم؟ قال: لكلّ مسكينٍ عباءةٌ وعمامةٌ، عباءةٌ يلتحف بها، وعمامةٌ يشدّ بها رأسه.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أو كسوتهم} قال: الكسوة لكلّ مسكينٍ: رداءٌ وإزارٌ، كنحو ما يجد من الميسرة والفاقة.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: كسوتهم: ثوبٌ جامعٌ، كالملحفة والكساء والشّيء الّذي يصلح للّبس والنّوم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، قال: الكسوة: ثوبٌ جامعٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {أو كسوتهم} قال: ثوبٌ جامعٌ. قال: وقال مغيرة: والثّوب الجامع الملحفة أو الكساء أو نحوه، ولا نرى الدّرع والقميص والخمار ونحوه جامعًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: ثوبٌ جامعٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: ثوبٌ جامعٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {أو كسوتهم} قال: ثوبٌ جامعٌ لكلّ مسكينٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان وشعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: {أو كسوتهم} قال: ثوبٌ جامعٌ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن المغيرة، مثله.
وقال آخرون: عنى بذلك كسوة إزارٍ ورداءٍ وقميصٍ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن بردٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال في الكسوة في الكفّارة: إزارٌ، ورداءٌ، وقميصٌ.
وقال آخرون: كلّ ما كسا فيجزي، والآية على عمومها.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: يجزي في كفّارة اليمين كلّ شيءٍ إلا التّبّان.
- حدّثنا هنّادٌ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أشعث، عن الحسن، قال: يجزئ عمامةٌ في كفّارة اليمين.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أويسٍ الصّيرفيّ، عن أبي الهيثم، قال: قال سلمان: نعم الثّوب التّبّان.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن الشّيبانيّ، عن الحكم، قال: عمامةٌ يلفّ بها رأسه.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّحّة وأشبهها بتأويل القرآن قول من قال: عنى بقوله: {أو كسوتهم} ما وقع عليه اسم كسوةٍ ممّا يكون ثوبًا فصاعدًا، لأنّ ما دون الثّوب لا خلاف بين جميع الحجّة أنّه ليس ممّا دخل في حكم الآية، فكان ما دون قدر ذلك خارجًا من أن يكون اللّه تعالى عناه بالنّقل المستفيض، والثّوب وما فوقه داخلٌ في حكم الآية، إذ لم يأت من اللّه تعالى وحي، ولا من رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم خبرٌ، ولم يكن من الأمّة إجماعٌ بأنّه غير داخلٍ في حكمها، وغير جائزٍ إخراج ما كان ظاهر الآية محتمله من حكم الآية إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها، ولا حجّة بذلك). [جامع البيان: 8/638-645]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تحرير رقبةٍ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: أو فكّ عبدٍ من أسر العبودة وذلّها. وأصل التّحرير: الفكّ من الأسر، ومنه قول الفرزدق بن غالبٍ:.
أبني غدانة إنّني حرّرتكم = فوهبتكم لعطية بن جعال
يعني بقوله: حرّرتكم: فككت رقابكم من ذلّ الهجاء ولزوم العار.
وقيل: تحرير رقبةٍ، والمحرّر صاحب الرّقبة، لأنّ العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرًا أن تجمع يديه إلى عنقه بقدٍ أو حبلٍ أو غير ذلك، وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلّتهما ممّا كانتا به مشدودتين إلى الرّقبة. فجرى الكلام عند إطلاقهم الأسير، بالخبر عن فكّ يديه عن رقبته، وهم يريدون الخبر عن إطلاقه من أسره، كما يقال: قبض فلانٌ يده عن فلانٍ: إذا أمسك يده عن نواله، وبسط فيه لسانه: إذا قال فيه سوءًا، فيضاف الفعل إلى الجارحة الّتي يكون بها ذلك الفعل دون فاعله، لاستعمال النّاس ذلك بينهم وعلمهم بمعنى ذلك.
فكذلك ذلك في قول اللّه تعالى ذكره: {أو تحرير رقبةٍ} أضيف التّحرير إلى الرّقبة وإن لم يكن هناك غلٌّ في رقبته ولا شدّ يدٍ إليها، وكان المراد بالتّحرير نفس العبد بما وصفنا من جرّا استعمال النّاس ذلك بينهم لمعرفتهم بمعناه.
فإن قال قائلٌ: أفكلّ الرّقاب معنيّ بذلك أو بعضها؟
قيل: بل معنيّ بذلك كلّ رقبةٍ كانت سليمةً من الإقعاد والعمى والخرس وقطع اليدين أو شللهما والجنون المطبق ونظائر ذلك، فإنّ من كان به ذلك أو شيءٌ منه من الرّقاب، فلا خلاف بين الجميع من الحجّة أنّه لا يجزي في كفّارة اليمين. فكان معلومًا بذلك أنّ اللّه تعالى ذكره لم يعنه بالتّحرير في هذه الآية. فأمّا الصّغير والكبير والمسلم والكافر، فإنّهم معنيّون به
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل العلم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا هشيم عن مغيرة، عن إبراهيم، أنّه كان يقول: من كانت عليه رقبةٌ واجبةٌ، فاشترى نسمةً، قال: إذا أنقذها من عملٍ أجزأته، ولا يجوز عتق من لا يعمل. فأمّا الّذي يعمل كالأعور ونحوه. وأمّا الّذي لا يعمل فلا يجزي كالأعمى والمقعد.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن يونس، عن الحسن، قال: كان يكره عتق المخبّل في شيءٍ من الكفّارات.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنّه كان لا يرى عتق المغلوب على عقله يجزئ في شيءٍ من الكفّارات.
وقال بعضهم: لا يجزئ في الكفّارة من الرّقاب إلاّ صحيحٌ، ويجزئ الصّغير فيها.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: لا يجزئ في الرّقبة إلاّ صحيحٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: يجزئ المولود في الإسلام من رقبةٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: ما كان في القرآن من رقبةٍ مؤمنةٍ فلا يجزئ إلاّ ما صام وصلّى، وما كان ليس بمؤمنةٍ فالصّبيّ يجزئ
وقال بعضهم: لا يقال للمولود رقبةٌ إلاّ بعد مدّةٍ تأتي عليه.
ذكر من ذلك
- حدّثني محمّد بن يزيد الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن محمّد بن شعيب بن شابور، عن النّعمان بن المنذر، عن سليمان، قال: إذا ولد الصّبيّ فهو نسمةٌ، وإذا انقلب ظهرًا لبطنٍ فهو رقبةٌ، وإذا صلّى فهو مؤمنةٌ.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه تعالى عمّ بذكر الرّقبة كلّ رقبةٍ، فأيّ رقبةٍ حرّرها المكفّر يمينه في كفّارته فقد أدّى ما كلّف، إلاّ ما ذكرنا أنّ الحجّة مجمعةٌ على أنّ اللّه تعالى لم يعنه بالتّحرير، فذلك خارجٌ من حكم الآية، وما عدا ذلك فجائزٌ تحريره في الكفّارة بظاهر التّنزيل.
والمكفّر مخيّرٌ في تكفير يمينه الّتي حنث فيها بإحدى هذه الحالات الثّلاث الّتي سمّاها اللّه في كتابه، وذلك: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، أو تحرير رقبةٍ، بإجماعٍ من الجميع لا خلاف بينهم في ذلك.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ما قلنا من أنّ ذلك إجماعٌ من الجميع ليس كما قلنا.
- لما حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا سليمان الشّيبانيّ، قال: حدّثنا أبو الضّحى، عن مسروقٍ، قال: جاء معقل بن مقرّنٍ إلى عبد اللّه فقال: إنّي آليت من النّساء والفراش، فقرأ عبد اللّه هذه الآية: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}، قال: فقال معقل: إنّما سألتك لكوني أن أتيت على هذه الآية، فقال عبد اللّه: ائت النّساء ونم وأعتق رقبةً، فإنّك موسرٌ.
- حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ قال: حدّثني جرير بن حازمٍ، أنّ سليمان الأعمش حدّثه، عن إبراهيم بن يزيد النّخعيّ، عن همّام بن الحارث،عن غمرو ابن شرحبيل أنّ معقل بن مقرّنٍ سأل عبد اللّه بن مسعودٍ فقال: إنّي حلفت أن لا أنام على فراشي سنةً، فقال ابن مسعودٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}، كفّر عن يمينك ونم على فراشك، قال: بم أكفّر عن يميني؟ قال: أعتق رقبةً فإنّك موسرٌ.
ونحو هذا من الأخبار الّتي رويت عن ابن مسعودٍ وابن عمر وغيرهما، فإنّ ذلك منهم كان على وجه الاستحباب لمن أمروه بالتّكفير بما أمروه بالتّكفير به من الرّقاب، لا على أنّه كان لا يجزي عندهم التّكفير للموسر إلاّ بالرّقبة، لأنّه لم ينقل أحدٌ عن أحدٍ منهم أنّه قال لا يجزي الموسر التّكفير إلاّ بالرّقبة. والجميع من علماء الأمصار قديمهم وحديثهم مجمعون على أنّ التّكفير بغير الرّقاب جائزٌ للموسر، ففي ذلك مكتفًى عن الاستشهاد على صحّة ما قلنا في ذلك بغيره). [جامع البيان: 8/645-649]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ}
يقول تعالى ذكره: فمن لم يجد لكفّارة يمينه الّتي لزمه تكفيرها من الطّعام والكسوة والرّقاب ما يكفّرها به على ما فرضنا عليه وأوجبناه في كتابنا وعلى لسان رسولنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {فصيام ثلاثة أيّامٍ} يقول: فعليه صيام ثلاثة أيّامٍ.
ثمّ اختلف أهل العلم في معنى قوله: {فمن لم يجد} ومتى يستحقّ الحانث في يمينه الّذي قد لزمته الكفّارة اسم غير واجدٍ حتّى يكون ممّن له الصّيام في ذلك؟ فقال بعضهم: إذا لم يكن للحانث في وقت تكفيره عن يمينه إلاّ قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته، فإنّ له أن يكفّر بالصّيام، فإن كان عنده في ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه وليلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم، لزمه التّكفير بالإطعام أو الكسوة ولم يجزه الصّيام حينئذٍ. وممّن قال ذلك الشّافعيّ، حدّثنا بذلك عنه الرّبيع.
وهذا القول قصد إن شاء اللّه من أوجب الطّعام على من كان عنده درهمان من أوجبه على من عنده ثلاثة دراهم.
وبنحو ذلك
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إذا لم يكن له إلاّ ثلاثة دراهم أطعم. قال: يعني في الكفّارة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني معتمر بن سليمان، قال: قلت لعمر بن راشدٍ: الرّجل يحلف ولا يكون عنده من الطّعام إلاّ بقدر ما يكفّر؟ قال: كان قتادة يقول: يصوم ثلاثة أيّامٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: حدّثنا يونس بن عبيدٍ، عن الحسن، قال: إذا كان عنده درهمان.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن حمّادٍ، عن عبد الكريم ابن أبي أميّة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: ثلاثة دراهم.
وقال آخرون: جائزٌ لمن لم يكن عنده مئتا درهمٍ أن يصوم وهو ممّن لا يجد.
وقال آخرون: جائزٌ لمن لم يكن عنده فضلٌ عن رأس ماله يتصرّف به لمعاشه ما يكفّر به بالإطعام أن يصوم، إلاّ أن يكون له كفايةٌ من المال ما يتصرّف به لمعاشه ومن الفضل عن ذلك ما يكفّر به عن يمينه وهذا قولٌ كان يقوله بعض متأخّري المتفقّهة.
والصّواب من القول في ذلك عندنا، أنّ من لم يكن عنده في حال حنثه في يمينه إلاّ قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته لا فضل له عن ذلك، يصوم ثلاثة أيّامٍ، وهو ممّن دخل في جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق. وإن كان عنده في ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين أو يعتق رقبةً، فلا يجزيه حينئذٍ الصّوم، لأنّ إحدى الحالات الثّلاث حينئذٍ من إطعامٍ أو كسوةٍ أو عتقٍ حقٌّ قد أوجبه اللّه تعالى في ماله وجوب الدّين، وقد قامت الحجّة بأنّ المفلس إذا فرّق ماله بين غرمائه أنّه لا يترك ذلك اليوم إلاّ ما لا بدّ له من قوته وقوت عياله يومه وليلته، فكذلك حكم المعدم بالدّين الّذي أوجبه اللّه تعالى في ماله بسبب الكفّارة الّتي لزمت ماله.
واختلف أهل العلم في صفة الصّوم الّذي أوجبه اللّه في كفّارة اليمين، فقال بعضهم: صفته أن يكون مواصلاً بين الأيّام الثّلاثة غير مفرّقها.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: كلّ صومٍ في القرآن فهو متتابعٌ إلاّ قضاء رمضان، فإنّه عدّةٌ من أيّامٍ أخر.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وهنّادٌ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: كان أبيّ بن كعبٍ يقرأ: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ).
- حدّثنا عبد الأعلى بن واصلٍ الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّه كان يقرأ: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ).
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن قزعة بن سويدٍ، عن سيف بن سليمان، عن مجاهدٍ، قال: في قراءة عبد اللّه: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ).
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن عونٍ، عن إبراهيم، قال: في قراءتنا: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ).
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: في قراءة أصحاب عبد اللّه فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن جابرٍ، عن عامرٍ، قال: في قراءة عبد اللّه: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ).
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن حميدٍ، عن معمرٍ، عن أبي إسحاق: في قراءة عبد اللّه: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ).
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن حميدٍ، عن معمرٍ، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءون: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ).
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: سمعت سفيان، يقول: إذا فرّق صيام ثلاثة أيّامٍ لم يجزه. قال: وسمعته يقول في رجلٍ صام في كفّارة يمينٍ ثمّ أفطر، قال: يستقبل الصّوم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا جامع بن حمّادٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فصيام ثلاثة أيّامٍ}، قال: إذا لم يجد طعامًا وكان في بعض القراءة: (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ)، وبه كان يأخذ قتادة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: هو بالخيار في هؤلاء الثّلاثة الأوّل فالأوّل، فإن لم يجد من ذلك شيئًا فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ.
وقال آخرون: جائزٌ لمن صامهنّ أن يصومهنّ كيف شاء مجتمعاتٍ ومفترقاتٍ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: قال مالكٌ: كلّ ما ذكر اللّه في القرآن من الصّيام، فأن يصام تباعًا أعجب، فإن فرّقها رجوت أن تجزي عنه.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه تعالى أوجب على من لزمته كفّارة يمينٍ إذا لم يجد إلى تكفيرها بالإطعام أو الكسوة أو العتق سبيلاً، أن يكفّرها بصيام ثلاثة أيّامٍ، ولم يشرط في ذلك متتابعةً، فكيفما صامهنّ المكفّر مفرقةً ومتتابعةً أجزأه، لأنّ اللّه تعالى إنّما أوجب عليه صيام ثلاثة أيّامٍ، فكيفما أتى بصومهنّ أجزأ.
فأمّا ما روي عن أبيٍّ وابن مسعودٍ من قراءتهما (فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ) فذلك خلاف ما في مصاحفنا، وغير جائزٍ لنا أن نشهد بشيءٍ ليس في مصاحفنا من الكلام أنّه من كتاب اللّه. غير أنّي أختار للصّائم في كفّارة اليمين أن يتابع بين الأيّام الثّلاثة ولا يفرّق، لأنّه لا خلاف بين الجميع أنّه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفّارته. وهم في غير ذلك مختلفون، ففعل ما لا يختلف في جوازه أحبّ إليّ وإن كان الآخر جائزًا). [جامع البيان: 8/649-654]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ذلك} هذا الّذي ذكرت لكم أنّه {كفّارة أيمانكم} من إطعام العشرة المساكين أو كسوتهم أو تحرير الرّقبة، وصيام الثّلاثة الأيّام إذا لم تجدوا من ذلك شيئًا، هو كفّارة أيمانكم الّتي عقّدتموها {إذا حلفتم واحفظوا} أيّها الّذين آمنوا {أيمانكم}أن تحنثوا فيها ثمّ تضيّعوا الكفّارة فيها بما وصفته لكم {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته} كما بين لكم كفّارة أيمانكم، كذلك يبيّن اللّه لكم جميع آياته، يعني: أعلام دينه، فيوضّحها لكم، لئلاّ يقول المضيّع المفرّط فيما ألزمه اللّه: لم أعلم حكم اللّه في ذلك {لعلّكم تشكرون} يقول: لتشكروا اللّه على هدايته إيّاكم وتوفيقه لكم). [جامع البيان: 8/654-655]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون (89)
قوله تعالى: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم
[الوجه الأول]
- حدثنا هارون بن، ثنا إسحاق الهمدانيّ، ثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قول اللّه: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قالت: هو قول الرّجل لا واللّه وبلى واللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزّبير قال: كانت عائشة تقول، إنّما اللّغو في المزاحة والهزل وهو قول الرّجل لا واللّه، وبلى واللّه فذلك لا كفّارة فيه إنّما الكفّارة فيما عقد عليه قلبه مثل أن يفعله ثمّ لا يفعله [6703] وروي عن ابن عمر وابن عبّاسٍ في أحد أقواله والشّعبيّ وعكرمة في أحد قوليه وعطاءٍ والقاسم بن محمّدٍ ومجاهدٍ في أحد قوليه وعروة بن الزّبير وابن صالحٍ والضّحّاك في أحد قوليه وأبي قلابة والزّهريّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني: وهو أحد قولي عائشة.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، أخبرني الثّقة عن ابن شهابٍ عن عروة بن الزّبير عن عائشة أنّها كانت تأوّل هذه الآية يعني قوله: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم وتقول: هو الشّيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصّدق، فيكون على غير ما حلف عليه- وروي عن أبي هريرة وابن عبّاسٍ في أحد قوليه وسليمان بن يسارٍ وسعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ وإبراهيم النّخعيّ في أحد قوليه والحسن وزرارة بن أوفى وأبي مالكٍ وعطاءٍ الخراسانيّ وبكر بن عبد اللّه وأحد قولي عكرمة وحبيب ابن أبي ثابتٍ والسّدّيّ ومكحولٍ وطاوسٍ وقتادة ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ وربيعة ويحيى بن سعيدٍ نحو ذلك.
وقد روي عن عائشة القولين جميعًا في حديثٍ واحدٍ.
- حدّثنا به عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا شيبان عن جابرٍ عن عطاء بن أبي رباحٍ عن عائشة قالت: هو قوله: لا واللّه وبلى واللّه، وهو يرى أنّه صادقٌ فلا يكون كذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثني عقبة بن خالدٍ عن عقبة عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قال: هو الرّجل يحلف على المعصية يعني: ألا يصلّي ولا يصنع الخير.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق قال: هشيمٌ أخبرني المغيرة عن إبراهيم قال: هو الرّجل يحلف على شيءٍ ثمّ ينسى.
والوجه الخامس:
- أخبرنا أبي قال: بلغني عن يحيى.. عن ابن عجلان وعمرو بن الحارث عن زيد بن أسلم لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قال: هو قول الرّجل أعمى اللّه بصري إن لم أفعل كذا وكذا. أخرجني اللّه من مالي إن لم آتك هذا فهو هذا.
والوجه السّادس:
- أخبرني أبي، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، حدّثني أبو مبشّرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لغو اليمين أن تحرّم ما أحلّ اللّه لك فذلك ما ليس عليك فيه كفّارةٌ- وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحوه.
والوجه السّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ ثنا مسدّدٌ ثنا خالد بن عبد اللّه الواسطيّ ثنا عطا بن الشايب عن طاوسٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبانٌ.
قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم
- حدّثنا عليّ بن الحسن، حدّثنا مسدّدٌ، ثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قلت: هو قول الرّجل لا واللّه وبلى واللّه، قال: لا ولكنّه تحريمك ما أحلّ اللّه لك فذلك الّذي لا يؤاخذك اللّه بتركه، وكفّر عن يمينك.
قوله تعالى: بما عقّدتم الأيمان
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ: ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان قال: ما تعمّدتم- وروي عن عطاءٍ نحو ذلك.
- وحدّثنا العبّاس بن الوليد، أخبرني ابن شعيبٍ يعني محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عن عطاء بن أبي مسلمٍ أنّه قال: أمّا ما عقّدتم الأيمان، فيقال: ما عزمتم على وفائه- قال أبو محمد يعني: أن لا تحنثوا
قوله تعالى: فكفّارته
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فكفارته يعني اليمين العمد الكذب. إطعام عشرة مساكين.
قوله تعالى: إطعام عشرة مساكين
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرّة عن عبد اللّه بن سلمة عن عليٍّ قال: في كفّارة اليمين: إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكينٍ صاعً من حنطةٍ- وروي عن عمرٍو وعائشة ومنصور بن عمران ومجاهدٍ وإبراهيم النّخعيّ والشّعبيّ وسعيد بن جبيرٍ والحكم وأبي مالكٍ والضّحّاك ومقاتل بن حيّان ومكحولٍ وأبي قلابة نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال فدًا من برٍّ يعني لكلّ مسكينٍ وريعه إدامه- وروي عن ابن عمر وزيد بن ثابتٍ وسليمان بن يسارٍ وأبي سلمة وسعيد بن المسيّب والقاسم وسالمٍ ومجاهدٍ وعطاءٍ وعكرمة والزّهريّ والحسن وجابر بن زيدٍ ومحمّد بن سيرين نحو ذلك
قوله تعالى: من أوسط
[الوجه الأول]
- حدثنا أبو زرعة يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن يسارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: من أوسط يعني: من أعدل- وروي عن ابن عبّاسٍ وعكرمة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
أخبرنا العبّاس بن الوليد ابن مزيدٍ قراءةً، أخبرني ابن شعيبٍ، أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عطاء قوله: من أوسط قال: من أمثل.
قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر عن حجّاجٍ عن حصينٍ الحارثيّ عن الشّعبيّ عن الحارث عن عليٍّ قوله: من أوسط ما تطعمون أهليكم قال: تغدّيهم وتعشّيهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن حجّاجٍ عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ قال: تمرٌ وزيتٌ ولبنٌ وخبزٌ وسمنٌ.
- حدّثنا عبد الرّحمن بن خلفٍ الحمصيّ، ثنا محمّد بن شعيب بن شأبور ثنا شيبان بن عبد الرّحمن التّميميّ عن ليث بن أبى سليم عن عاصم الأحوال عن رجلٍ يقال له عبد الرّحمن عن ابن عمر أنّه قال من أوسط ما تطعمون أهليكم قال:
الخبز واللّحم، والخبز والسّمن، والخبز واللّبن والزيت، والخبز والخل.
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا أبو معاوية عن عاصمٍ عن ابن سيرين عن ابن عمر في قوله: من أوسط ما تطعمون أهليكم قال: الخبز والسّمن والخبز والزّيت والتّمر، ومن أفضل ما تطعمهم الخبز واللّحم، وروي عن مكحولٍ نحو ذلك.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قرأه، ثنا سفيان بن عيينة عن سليمان بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبيرٍ قال: ابن عبّاسٍ كان الرّجل يقوت بعض أهله دون بعضهم قوتًا فيه سعةٌ، فقال اللّه تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والزّيت.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ عن سليمان بن المغيرة قال:
سألت سعيد بن جبيرٍ من أوسط ما تطعمون أهليكم قال: كان أهل المدينة يقولون: الصّغير على قدره، والكبير على قدره، ويأمرون بالوسط.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ عن وكيعٍ عن إسرائيل عن جابرٍ عن عامرٍ عن بن عبّاسٍ من أوسط ما تطعمون أهليكم قال: من عسرهم ويسرهم.
قوله تعالى: أو كسوتهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمّار بن خالدٍ الواسطي قال: ثنا القسم بن مالكٍ عن محمّد بن الزّبير عن أبيه قال: سألت عمران بن حصينٍ عن قوله: أو كسوتهم قال: لو أنّ وفدًا قدموا على أميركم فكساهم قلنسوةً قلنسوةً قلتم قد كسوا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع ومروان بن جعفر بن سعيد بن سمرة قال: ثنا عمر عن برّة عن نافعٍ عن ابن عمر في الكسوة ثوبٌ أو إزارٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ أو كسوتهم والكسوة عباءةٌ لكلّ مسكينٍ أو شملةٌ.
وروي عن سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبيرٍ وإبراهيم وجابر بن زيدٍ وطاوسٍ والحسن في إحدى الرّوايات وعطاءٍ وعكرمة ومجاهدٍ والسّدّيّ ومكحولٍ وأبي جعفرٍ ومقاتل بن حيّان والحكم وعبدة بن أبي لبابة قالوا ثوب.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ عن يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين أنّ أبا موسى كتب ثوبين من معقد البحرين- وروي عن سعيد بن المسيّب في أحد قوليه والحسن في أحد قوليه نحو ذلك. قالا: ثوبين.
قوله تعالى: أو تحرير رقبةٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني، عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: أو تحرير رقبةٍ يعني ما كان صغيرًا أو كبيرًا من أهل الكتاب فهو جائزٌ.
قوله تعالى: أو... أو
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفصٌ بن غياثٍ عن ليثٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال ما كان في القرآن أو... أو فهو فيه بالخيار.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ ثنا الحسين بن حفصٍ ثنا سفيان عن ليثٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال كلّ شيءٍ في القرآن أو... أو فهو مخيّرٌ فإنما كان فمن لم يجد فهو الأوّل.
وروي عن عكرمة ومجاهدٍ وعطاءٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: فمن لم يجد
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فمن لم يجد يعني من لم يجد شيئًا من هذه الثّلاثة.
قوله تعالى: فصيام ثلاثة أيام
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ عن حجّاجٍ عن أبي إسحاق عن أبي الأخوص عن عبد اللّه أنّه كان يقرأ كلّ شيءٍ في القرآن متتابعاتٍ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن يعلى بن عطاءٍ عمّن سمع أبا هريرة يقول: إنّما الصّوم على من لم يجد.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فصيام ثلاثة أيّامٍ يعني فليصم ثلاثة أيّامٍ في قراءة ابن مسعودٍ متتابعاتٍ- وروي عن أبيّ بن كعبٍ والنّخعيّ نحو ذلك
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عيسى بن الطّبّاع، ثنا هشيمٌ عن حجّاجٍ قال:
سألت عطاء بن أبي رباحٍ عن تفريق قضاء الثّلاثة أيّامٍ في كفّارة اليمين فلم ير به بأسًا
قوله تعالى: ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيدٍ قوله: ذلك يعني الذين ذكر من الكفّارة
وبه عن سعيدٍ قوله: ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم يعني اليمين العمد إذا حلفتم.
قوله تعالى: واحفظوا أيمانكم
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: واحفظوا أيمانكم يعني لا تتعمّدوا الأيمان الكاذبة.
قوله تعالى: كذلك
- وبه عن سعيدٍ قوله: كذلك يعني هكذا يبيّن اللّه لكم.
قوله تعالى: يبين الله لكم..... الآية
- وبه عن سعيدٍ قوله: يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون يعني ما ذكر من الكفّارة لعلّكم تشكرون
-
وبه عن سعيدٍ قوله: لعلكم يعني: لكي.
قوله تعالى: تشكرون
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق لعلّكم تشكرون أي فاتّقون فإنّه شكر نعمتي). [تفسير القرآن العظيم: 4/1189-1196]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن المغيرة عن إبراهيم أو تحرير رقبة قال يجزي في الرقبة الصغير الذي لم يصل ما لم يفرض فيه رقبة مؤمنة). [تفسير مجاهد: 202-203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلم تشكرون.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} المائدة الآية 87 في القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم على أنفسهم قالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها فأنزل الله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}.
وأخرج أبو الشيخ عن يعلى بن مسلم قال: سألت سعيد ابن جبير عن هذه الآية {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: اقرأ ما قبلها فقرأت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} إلى قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: اللغو أن تحرم هذا الذي أحل الله لك وأشباهه تكفرعن يمينك ولا تحرمه فهذا اللغو الذي لا يؤاخذكم {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} فإن مت عليه أخذت به.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على الحلال أن يحرمه فقال الله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} أن تتركه وتكفرعن يمينك {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: ما أقمت عليه.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: هما الرجلان يتبايعان، يقول أحدهما: والله لا أبيعك بكذا ويقول الآخر: والله لا أشتريه بكذا.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: اللغو، أن يصل الرجل كلامه بالحلف والله لتجيئن والله لتأكلن والله لتشربن ونحو هذا لا يريد به يمينا ولا يتعمد به حلفا فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك قال: الأيمان ثلاثة، يمين تكفر ويمين لا تكفر ويمين لا يؤاخذ بها فأما التي تكفر فالرجل يحلف على قطيعة رحم أو معصية الله فيكفر يمينه والتي لا تكفر الرجل يحلف على الكذب متعمدا ولا تكفر والتي لا يؤاخذ بها فالرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق فهو اللغو لا يؤاخذ به.
قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال: اللغو، الخطأ أن تحلف على الشيء وأنت ترى كما حلفت عليه فلا يكون كذلك تجوز لك عنه ولا كفارة عليك فيه {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: ما تعمدت فيه المآثم فعليك فيه الكفارة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير عن مجاهد {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} قال: بما تعمدتم.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}
قال: الرجل يحلف على الشيء وهو يعلمه.
وأخرج أبو الشيخ عن عائشة قالت: إنما اللغو في المراء والهزل والمزاحة في الحديث الذي لا يعقد عليه القلب وإنما الكفارة في كل يمين حلف عليها في جد من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن فذاك عقد الأيمان الذي فرض الله فيه الكفارة.
قوله تعالى {فكفارته إطعام عشرة مساكين}.
أخرج ابن ماجة، وابن مردويه عن ابن عباس قال كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس به ومن لم يجد فنصف صاع من بر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم كفارة اليمين مدا من حنطة بمد الأول.
وأخرج أبو الشيخ عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنا نعطي في كفارة اليمين بالمد الذي يقتات به.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال: أني أحلف لا أعطي أقواما ثم يبدو لي أن أعطيهم فأطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو نصف صاع من قمح.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس: في كفارة اليمين نصف صاع من حنطة.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد قال: كل طعام في القرأن فهو نصف صاع في كفارة اليمين وغيرها.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس قال: في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن زيد بن ثابت، أنه قال: في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عمر، في كفارة اليمين قال: إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: ثلاث فيهن مد مد كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الصيام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله {فكفارته إطعام عشرة مساكين} قال: يغديهم ويعشيهم إن شئت خبزا ولحما أو خبزا وزيتا أو خبزا وسمنا أو خبزا وتمرا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين، في كفارة اليمين قال: أكلة واحدة
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن كفارة اليمين فقال: رغيفين وعرق لكل مسكين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سفيان الثوري، عن جابر قال: قيل للشعبي أردد على مسكين واحد، قال: لا يجزيك إلا عشرة مساكين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن، أنه كان لا يرى بأسا أن يطعم مسكينا واحدا عشر مرات في كفارة اليمين.
قوله تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من عسركم ويسركم.
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة
وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة فنزلت {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه فضل وبعضهم يقوت قوتا دون ذلك فقال الله {من أوسط ما تطعمون أهليكم} ليس بأرفعه ولا أدناه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمر {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من أوسط ما نطعم أهلينا الخبز والتمر والخبز والزيت والخبز والسمن ومن أفضل ما نطعمهم الخبز واللحم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال: كانوا يقولون: أفضله الخبز واللحم وأوسطه الخبز والسمن وأخسه الخبز والتمر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: كان أهل المدينة يفضلون الحر على العبد والكبير على الصغير يقولون: الصغير على قدره والكبير على قدره فنزلت {من أوسط ما تطعمون أهليكم} فأمروا بأوسط من ذلك ليس بأرفعه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {من أوسط} يعني من أعدل
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {من أوسط} قال: من أمثل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن جبير {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: قوتهم والطعام صاع من كل شيء إلا الحنطة.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: كل شيء فيه إطعام مسكين فهو مد بمد أهل مكة.
قوله تعالى: {أو كسوتهم}
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {أو كسوتهم} قال عباءة لكل مسكين.
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال قلنا يا رسول الله {أو كسوتهم} ما هو قال: عباءة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {أو كسوتهم} قال: عباءة لكل مسكين أو شملة.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس {أو كسوتهم} قال: ثوب ثوب لكل إنسان وقد كانت العباءة تقضي يومئذ من الكسوة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: الكسوة ثوب أو إزار.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {أو كسوتهم} قال: القميص أو الرداء أو الإزار، قال: ويجزي في كفارة اليمين كل ثوب إلا التبان أو القلنسوة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد {أو كسوتهم} قال: أدناه ثوب وأعلاه ما شئت.
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب {أو كسوتهم} قال: إزار وعمامة.
وأخرج أبو الشيخ عن الزهري قال: السراويل لا يجزي والقلنسوة لا تجزي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين، أنه سئل عن قوله {أو كسوتهم} قال: لو أن وفدا قدموا على أميركم فكساهم قلنسوة قلنسوة قلتم قد كسوا.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء، في الرجل يكون عليه الكفارة من اليمين فيكسو خمس مساكين ويطعم خمسة أن ذلك جائز.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه قرأ (إطعام عشرة مساكين أو كاسوتهم) ثم قال سعيد: أو كاسوتهم في الطعام.
قوله تعالى: {أو تحرير رقبة}.
وأخرج ابن أبو شيبة وأبو الشيخ عن الحسن قال: لا يجزي الأعمى ولا المقعد في الرقبة.
وأخرج أبو الشيخ عن فضالة بن عبيد قال: يجزي ولد الزنا في الرقبة الواجبة.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء بن أبي رياح قال: تجزي الرقبة لصغيرة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن: أنه كان لا يرى عتق الكافر في شيء من الكفارات.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن طاووس قال: لا يجزي ولد الزنا في الرقبة ويجزئ اليهودي والنصراني في كفارة اليمين.
قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام}
أخرج ابن جرير والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس، في آية كفارة اليمين قال: هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأول فالأول فإن لم يجد شيئا من ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة: يا رسول الله نحن بالخيار قال أنت بالخيار إن شئت أعتقت وإن شئت كسوت وإن شئت أطعمت فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: من كان عنده درهمان فعليه أن يطعم في الكفارة.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: إذا كان عنده خمسون درهما فهو ممن يجد ويجب عليه الإطعام وإن كانت أقل فهو ممن لا يجد ويصوم.
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي قال: إذا كان عنده عشرون درهما فعليه أن يطعم في الكفارة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي داود في المصاحف، وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي بن كعب، أنه كان يقرأها (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)
وأخرج مالك والبيهقي عن حميد بن قيس المكي قال: كنت أطوف مع مجاهد فجاءه إنسان يسأله عن صيام الكفارة أيتابع قال حميد: فقلت: لا، فضرب مجاهد في صدري ثم قال: إنها في قراءة أبي بن كعب (متتابعات).
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري وأبو الشيخ والبيهقي من طرق عن ابن مسعود، أنه كان يقرأها (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) قال سفيان: ونظرت في مصحف ربيع بن خيثم فرأيت فيه (فمن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات).
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ كل شيء في القرأن متتابعات.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأها (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال: كل صوم في القرآن فهو متتابع إلا قضاء رمضان فإنه عدة من أيام أخر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي، أنه كان لا يفرق في صيام اليمين ثلاثة أيام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن، أنه كان يقول في صوم كفارة اليمين: يصومه متتابعات فإن أفطر من عذر يقضي يوما مكان يوم.
قوله تعالى: {ذلك كفارة أيمانكم} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {ذلك} يعني الذي ذكر من الكفارة {كفارة أيمانكم إذا حلفتم} يعني اليمين العمد {واحفظوا أيمانكم} يعني لا تعمدوا الأيمان الكاذبة {كذلك} يعني هكذا {يبين الله لكم آياته} يعني ما ذكر من الكفارة {لعلكم تشكرون} فمن صام من كفارة اليمين يوما أو يومين ثم وجد ما يطعم فليطعم ويجعل صومه تطوعا.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري، وابن أبي شيبة، وابن مردويه عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا حلف لم يحنث حتى نزلت آية الكفارة فكان بعد ذلك يقول: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وقبلت رخصة الله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: من حلف على ملك يمين ليضربه فكفارته تركه ومع الكفارة حسنة.
وأخرج أبو الشيخ عن جبير بن مطعم، أنه افتدى يمينه بعشرة آلاف درهم وقال: ورب هذه القبلة لو حلفت لحلفت صادقا وإنما هو شيء افتديت به يميني.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي نجيح، أن ناسا من أهل البيت حلفوا عند البيت خمسين رجلا قسامة فكأنهم حلفوا على باطل ثم خرجوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق قالوا تحت صخرة فبينما هم قائلون تحتها إذ انقبلت الصخرة عليهم فخرجوا يشتدون من تحتها فانفلقت خمسين فلقة فقتلت كل فلقة رجلا). [الدر المنثور: 5/439-453]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:08 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا...}
هم نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يرفضوا الدنيا، ويحبّوا أنفسهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا} أي لا تجبّوا أنفسكم). [معاني القرآن: 1/318]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (87)
هذه قيل: نزلت؛ لأن جماعة من أصحاب النبي كانوا همّوا بأن يرفضوا الدنيا ويجتنبوا الطيبات ويخصوا أنفسهم، فأعلم الله أن شريعة نبيه عليه السلام غير ذلك، والطيبات لا ينبغي أن تجتنب ألبتّة، وسمي الخصاء اعتداء، فقال عزّ وجلّ: (ولا تعتدوا)، أي لا تجبّوا أنفسكم فإن ذلك اعتداء). [معاني القرآن: 2/201]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}
قال الضحاك: هؤلاء قوم من المسلمين، قالوا: نقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح.
وقال قتادة: نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون، قالوا: نخصي أنفسنا ونترهب.
وقال مجاهد: نزلت في عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما، قالوا: نترهب ونلبس المسوح). [معاني القرآن: 2/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} الاعتداء في اللغة: تجاوز ما له إلى ما ليس له.
قال الحسن: معناه: ألا تأتوا ما نهيتم عنه). [معاني القرآن: 2/350]

تفسير قوله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) )

تفسير قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فصيام ثلاثة أيّامٍ...}
في حرف عبد الله "ثلاثة أيام متتابعات" ولو نوّنت في الصيام نصبت الثلاثة؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ. يتيما} نصبت (يتيما) بإيقاع الإطعام عليه. ومثله قوله: {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتا}: تكفتهم أحياء وأمواتا.
وكذلك قوله: {فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم} ولو نصبت (مثل) كانت صوابا.
وهي في قراءة عبد الله: "فجزاؤه مثل ما قتل".
وقرأها بعض أهل المدينة: "فجزاء مثل ما قتل" وكلّ ذلك صواب.
وأما قوله: {ولا نكتم شهادة اللّه} لو نوّنت في الشهادة جاز النصب في إعراب (اللّه) على: ولا نكتم اللّه شهادةً. وأمّا من استفهم بالله فقال (اللّه) فإنما يخفض (اللّه) في الإعراب كما يخفض القسم، لا على إضافة الشهادة إليه). [معاني القرآن: 1/318-319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بالّلغو) (89) أي بالذي هو فضل: لا والله، وبلى والله، ما لم تحلفوا على حّقٍ تذهبون به، وما لم تعقدوا عليه أي توجبوا على أنفسكم.
(فكفّارته (89) أي فمحوه). [مجاز القرآن: 1/175]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أهل مكة وأهل المدينة وأبو عمرو {بما عقدتم الأيمان}؛ المعنى وكدتم توكيدًا، عقدتم تعقيدًا، وقد فسرناها في صدر الكتاب.
وقراءة أخرى {بما عقدتم الأيمان} مخففة). [معاني القرآن لقطرب: 484]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {باللغو في أيمانكم} و{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} "والغوا فيه" أيضًا لغة؛ فإنهم يقولون: لغا الرجل علي، لغى هو المصدر، مثل عمي عمى؛ وقالوا: لغا يلغو علي؛ و"الغوا فيه" لغوا؛ وقالوا رجل لغى يا هذا، مقصور؛ ولغيت الكلمية، تلغا لغى، وهي كلمة لغى؛ أي لا تحسب في العدد، وتلغى منه؛ وقالوا: لغا الرجل في صلاته يلغا). [معاني القرآن لقطرب: 499]
89 قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {أو كسوتهم}، ولغة أخرى "أو كسوتهم" بضم الكاف). [معاني القرآن لقطرب: 499]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((أو): تأتي للشك، تقول: رأيت عبد الله أو محمدا.
وتكون للتخيير بين شيئين، كقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أنت في جميع هذا مخيّر أيّة فعلت أجزأ عنك). [تأويل مشكل القرآن: 544] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون (89)}
اللغو في كلام العرب ما اطرح ولم يعقد عليه أمر، ويسمّى ما ليس معتدّا به - وإن كان موجودا - لغوا.
قال الشاعر:
أو مائة تجعل أولادها=لغوا وعرض المائة الجلمد
(الذي يعارضها في قوة الجلمد)، يعني بذلك نوقا، يقول: مائة لا تجعل أولادها من عددها.
أعلم اللّه عزّ وجلّ أن اليمين التي يؤاخذ بها العبد وتجب في بعضها الكفارة ما جرى على عقد، ومعنى فكفارته إطعام عشرة مساكين، أي فكفارة المؤاخذة فيه إذا حنث أن يطعم عشرة مساكين إن كانوا ذكورا أو إناثا وذكورا أجزأه ذلك، ولكن وقع لفظ التذكير؛ لأنه المغلّب في الكلام.
ومعنى (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
قال بعضهم: أعدله كما قال جلّ وعزّ: (وكذلك جعلناكم أمّة وسطا) أي عدلا.
و (أوسط ما تطعمون أهليكم) على ضربين أحدهما:
أوسطه في القدر والقيمة.
والآخر أوسطه في الشبع لا يكون المأكول يفرط في أكله فيؤكل منه فوق القصد وقدر الحاجة، ولا يكون دون المعنى عن الجوع.
(أو كسوتهم).
والكسوة أن يكسوهم نحو الإزار والعمامة أو ما أشبه ذلك.
(أو تحرير رقبة).
فخير الحالف أحد هذه الثلاثة، وأفضلها عند الله أكثرها نفعا، وأحسنها موقعا من المساكين، أو من المعتق، فإن كان الناس في جدب لا يقدرون على المأكول إلا بما هو أشد تكلفا من الكسوة أو الإعتاق، فالإطعام أفضل.
لأن به قوام الحياة وإلا فالإعتاق أو الكسوة أفضل.
(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام).
أي من كان لا يقدر على شيء مما حذدّ في الكفارة، فعليه صيام ثلاثة أيام، وصيام ثلاثة مرتفع بالابتداء، وخبره كفارته أو فكفارته صيام ثلاثة أيام.
ويجوز فصيام ثلاثة أيام كما قال عزّ وجلّ: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) ). [معاني القرآن: 2/201-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
فيه قولان:
أحدهما أنه قول الرجل لا والله وبلى والله وروي هذا القول عن عائشة، قال الشافعي: وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة.
والقول الآخر أن يحلف الرجل على الشيء هو عنده على ما حلف ثم يكون على خلاف ذلك يروى هذا القول عن ابن عباس وأبي هريرة.
واللغو في اللغة المطرح فقيل: لما لا حقيقة له من الأيمان لغو.
قال الكسائي: يقال: لغا يلغو لغوا أو لغي يلغى لغا). [معاني القرآن: 2/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}.
قال الكسائي: معنى {عقدتم} أوجبتم
قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما معنى عقدتم؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو.
وقرأ أبو عمرو (عقدتم) قال: معناه: وكدتم
وروى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا فإذا وكد اليمين أعتق رقبة.
قيل لنافع: ما معنى وكد اليمين قال: أن يحلف على الشيء مرارا). [معاني القرآن: 2/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} المعنى فكفارة إثمه أي الذي يغطي على إثمه.
قال أبو جعفر: والهاء التي في فكفارته عائدة على ما التي في بما عقدتم الإيمان
وهذا مذهب الحسن والشعبي؛ لأن المعنى عندهما فكفارة ما عقدتم منها.
وقيل: الهاء عائدة على اللغو والأول أولى). [معاني القرآن: 2/353]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
قال عبد الله بن عمر: من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر والخبز والزيت وأفضل ما تطعمونهم الخبز واللحم.
وقال الأسود: أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر.
قال أبو إسحاق يحتمل هذا ثلاثة معان في اللغة:
يجوز أن يكون معنى من أوسط ما تطعمون أهليكم من أعدل ما تطعمونهم قال عز وجل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي عدلا
ويحتمل أن يكون في القيمة.
ويحتمل أن يكون في الشبع.
وقرأ سعيد بن جبير: (من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كإسوتهم) أي كإسوة أهليكم.
وروي أن رجلا قرأ على مجاهد (أو كإسوتهم) فقال له: لا تقرأ إلا {أو كسوتهم}، وقال: أرى ذلك ثوبا.
وفي قراءة عبد الله بن أبي بن كعب: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات). [معاني القرآن: 2/354]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} أي ذلك كفارة إثم أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ثم حذف.
قال أبو جعفر: وكان محمد بن جرير يختار في أوسط أن تكون بمعنى أعدل في القلة والكثرة قال: فأعدل أقوات الموسع مدان وذلك أعلاه وأعدل أقوات المقتر مد وذلك ربع صاع وما مصدر.
فأما الكسوة فقال الحسن وطاووس وعطاء: ثوب ثوب
وقال سعيد بن المسيب: عباءة وعمامة.
وقال مجاهد: كل ما كسا فهو مجزئ، وهذا أشبه باللغة أن يكون كل ما وقع اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا لأن ما دون الثوب لا خلاف في أنه لا يجوز). [معاني القرآن: 2/354-355]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (باللغو) أي: ما كان بلا نية من الأيمان، واللغو: الهذيان من الكلام، لا في الأيمان، واللغو: ما لا يحسب من الحيوان في الصدقة، واللغا واللغو واحد). [ياقوتة الصراط: 211-212]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:34 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) }

تفسير قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) }

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم الآية قال أبو مالك وعكرمة وإبراهيم النخعي وأبو قلابة وقتادة والسدي وعبد الله بن عباس رضي الله عنه وغيرهم: إنها نزلت بسبب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بلغت منهم المواعظ وخوف الله إلى أن حرم بعضهم النساء وبعضهم النوم بالليل والطيب وهمّ بعضهم بالاختصاء وكان منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون، قال عكرمة: ومنهم ابن مسعود والمقداد وسالم مولى أبي حذيفة، وقال قتادة رفضوا النساء واللحم وأرادوا أن يتخذوا الصوامع، وقال ابن عباس أخذوا الشفار ليقطعوا مذاكرهم، وطول السدي في قصة الحولاء امرأة عثمان بن مظعون مع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإخبارها بأنه لم يلم بها، فلما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحالهم قال: «أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء وأنال الطيب، فمن رغب عن سنتي فليس مني» قال الطبري: وكان فيما يتلى من رغب عن سنتك فليس من أمتك، وقد ضل سواء السبيل، وقال ابن زيد: سبب هذه الآية أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف فانقلب ابن رواحة وضيفه لم يعشّ فقال لزوجه ما عشيته؟ قالت: كان الطعام قليلا فانتظرتك، فقال: حبست ضيفي من أجلي، طعامك علي حرام إن ذقته، فقالت هي: وهو علي حرام إن ذقته وإن لم تذقه، وقال الضيف وهو عليّ حرام إن ذقته إن لم تذوقوه، فلما رأى ذلك ابن رواحة قال: قربي طعامك كلوا باسم الله فأكلوا جميعا. ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له رسول الله أحسنت ونزلت هذه الآية وأسند الطبري إلى ابن عباس أن الآية نزلت بسبب رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني إذا أصبت من اللحم انتشرت وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم فأنزل الله هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: و «الطيبات» في هذه الآية المستلذات بدليل إضافتها إلى ما أحل وبقرينة ما ذكر من سبب الآية، واختلف المتأولون في معنى قوله ولا تعتدوا فقال السدي وعكرمة وغيرهما. وهو نهي عن هذه الأمور المذكورة من تحريم ما أحل الله وشرع ما لم يأذن به، فقوله ولا تعتدوا تأكيد لقوله لا تحرّموا وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى ولا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله، فالنهيان على هذا تضمنا الطرفين كأنه لا تشددوا فتحرموا حلالا ولا تترخصوا فتحلوا حراما وقد تقدم القول في معنى لا يحب المعتدين غير مرة). [المحرر الوجيز: 3/237-238]

تفسير قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالاً طيّباً واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون (88) لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون (89)
كلوا في هذه الآية عبارة عن تمتعوا بالأكل والشرب واللباس والركوب. ونحو ذلك، وخص الأكل بالذكر لأنه عظم المقصود وأخص الانتفاعات بالإنسان، والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به، وقالت المعتزلة: الرزق كل ما صح تملكه والحرام ليس برزق لأنه لا يصح تملكه. ويرد عليهم بأنه يلزمهم أن آكل الحرام ليس بمرزوق من الله تعالى وقد خرج بعض النبلاء أن الحرام رزق من قوله تعالى كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ [سبأ: 15] قال فذكر المغفرة مشيرا إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام ورد أبو المعالي في الإرشاد على المعتزلة مشيرا إلى أن الرزق ما تملك يلزمهم أن ما ملك فهو الرزق، وملك الله تعالى الأشياء لا يصح أن يقال فيه إنه رزق له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الذي ألزم غير لازم، فتأمله، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 3/238-239]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقد تقدم القول في سورة البقرة في نظير قوله تعالى لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم وقوله تعالى: بما عقّدتم معناه شددتم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «عقّدتم» مشددة القاف، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي «عقدتم» خفيفة القاف، وقرأ ابن عامر «عاقدتم» بألف على وزن فاعلتم، قال أبو علي من شدد القاف احتمل أمرين أحدهما أن يكون لتكثير الفعل لأنه خاطب جماعة والآخر يكون عقد مثل ضعف لا يراد به التكثير كما أن ضاعف لا يراد به فعل من اثنين. ومن قرأ «عقدتم» فخفف القاف جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل، وعقد اليمين كعقد الحبل والعهد، وقال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم = شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
ومن قرأ «عاقدتم» فيحتمل ضربين أحدهما أن يكون كطارقت النعل وعاقبت اللص، والآخر أن يراد به فاعلت الذي يقتضي فاعلين كأن المعنى يؤاخذكم بما عاقدتم عليه الإيمان، ويعدى عاقد ب «على» لما هو في معنى عاهد، قال الله تعالى: ومن أوفى بما عاهد عليه اللّه [الفتح: 10] وهذا كما عديت ناديتم إلى الصّلاة [المائدة: 58] ب «إلى» وبابها أن تقول ناديت زيدا وناديناه من جانب الطّور الأيمن [مريم: 52] لكن لما كانت بمعنى دعوت إلى كذا كقوله تعالى ومن أحسن قولًا ممّن دعا إلى اللّه [فصلت: 33] عديت نادى ب «إلى»، ثم يتسع في قوله تعالى «عاقدتم» عليه الإيمان فيحذف الجار، ويصل الفعل إلى المفعول، ثم يحذف من الصلة الضمير الذي يعود على الموصول، وتقديره يؤاخذكم بما عقدتموه الأيمان. كما حذف من قوله تعالى فاصدع بما تؤمر [الحجر: 94] والأيمان جمع يمين وهي الألية سميت يمينا لما كان عرفهم أن يصفقوا بأيمان بعضهم على بعض عند الألية. وقوله تعالى: فكفّارته معناه فالشيء الساتر على إثم الحنث في اليمين إطعام، والضمير على الصناعة النحوية عائد على ما، ويحتمل ما في هذا الموضع أن تكون بمعنى الذي، وتحتمل أن تكون مصدرية وهو عائد مع المعنى الذي ذكرناه على إثم الحنث، ولم يجر له ذكر صريح لكن المعنى يقتضيه وإطعام عشرة مساكين معناه إشباعهم مرة، قال الحسن بن أبي الحسن إن جمعهم أشبعهم إشباعة واحدة، وإن أعطاهم أعطاهم مكوكا مكوكا، وحكم هؤلاء أن لا يتكرر واحد منهم في كفارة يمين واحدة، وسواء أطعموا أفرادا أو جماعة في حين واحد ولا يجزئ في شيء من ذلك ذمي وإن أطعم صبي فيعطى حظ كبير، ولا يجوز أن يطعم عبد ولا ذو رحم تلزم نفقته، فإن كان ممن لا تلزم المكفر نفقته فقد قال مالك لا يعجبني أن يطعمه، ولكن إن فعل وكان فقيرا أجزأه، ولا يجوز أن يطعم منها غني، وإن أطعم جهلا بغناه ففي المدونة وغير كتاب أنه لا يجزئ وفي الأسدية أنه يجزئ واختلف الناس في معنى قوله من أوسط فرأى مالك رحمه الله وجماعة معه هذا التوسط في القدر، ورأى ذلك جماعة في الصنف، والوجه أن يعم بلفظ الوسط القدر والصنف.
فرأى مالك أن يطعم المسكين بالمدينة مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك رطل وثلث من دقيق، وهذا لضيق المعيشة بالمدينة، ورأى في غيرها أن يتوسع ولذلك استحسن الغداء والعشاء. وأفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث، قال ابن المواز: ومد وثلث وسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء، قال ابن حبيب: ولا يجزئ الخبز قفارا ولكن بأدام زيت أو لبن أو لحم أو نحوه، وفي شرح ابن مزين أن الخبز القفار يجزئ، ورأى من يقول إن التوسط إنما هو في الصنف أن يكون الرجل المكفر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد وينحط عن الأعلى ويكفر بالوسط من ذلك، ومذهب المدونة أن يراعي المكفر عيش البلد، وفي كتاب ابن المواز أن المراعى عيشه في أهله الخاص به، وكأن الآية على التأويل الأول معناها من أوسط ما تطعمون أيها الناس أهليكم في الجملة من مدينة أو صقع، وعلى التأويل الثاني معناها من أوسط ما يطعم شخص أهله. وقرأ الجمهور «أهليكم» وهو جمع أهل على السلامة وقرأ جعفر بن محمد «من أوسط ما تطعمون أهاليكم»، وهذا جمع مكسر قال أبو الفتح «أهال» بمنزلة ليال، كأن واحدها أهلاة وليلاة، والعرب تقول أهل وأهلة ومنه قول الشاعر:
وأهلة ود قد تبريت ودهم = ... ... ... ...
ويقال ليلة وليلاة وأنشد ابن الأعرابي:
في كل ما يوم وكل ليلاه = حتى يقول من رآه إذ رآه
يا ويحه من جمل ما أشقاه
وقرأ الجمهور «أو كسوتهم» بكسر الكاف يراد به كسوة الثياب وقرأ سعيد بن المسيب وأبو عبد الرحمن وإبراهيم النخعي «أو كسوتهم» بضم الكاف، وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميفع اليماني «أو كأسوتهم» من الأسوة قال أبو الفتح كأنه قال أو بما يكفي مثلهم فهو على حذف المضاف بتقدير أو ككفاية أسوتهم، قال وإن شئت جعلت الأسوة هي الكفاية فلم تحتج إلى حذف مضاف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا نظر، والقراءة مخالفة لخط المصحف، ومعناها على خلاف ما تأول أهل العلم من أن الحانث في اليمين بالله مخير في الإطعام أو الكسوة أو العتق، والعلماء على أن العتق أفضل ذلك ثم الكسوة ثم الإطعام وبدأ الله تعالى عباده بالأيسر فالأيسر، ورب مدة ومسغبة يكون فيها الإطعام أفضل من العتق لكن ذلك شاذ وغير معهود والحكم للأغلب، واختلف العلماء في حد الكسوة فراعى على قوم نفس اللفظ فإذا كان الحانث المكفر كاسيا والمسكين مكسوا حصل الإجزاء، وهذه رتبة تتحصل بثوب واحد أي ثوب كان بعد إجماع الناس أن القلنسوة بانفرادها لا تجزئ في كفارة اليمين، قال مجاهد: يجزئ في كفارة اليمين ثوب واحد فما زاد، وقال الحسن: الكسوة ثوب لكل مسكين وقاله طاوس، وقال منصور: الكسوة ثوب قميص أو رداء أو إزار قاله أبو جعفر وعطاء وابن عباس، وقال قد تجزئ العباءة في الكفارة وكذلك الشملة، وقال الحسن بن أبي الحسن: تجزئ العمامة في كفارة اليمين، وقال مجاهد:
يجزئ كل شيء إلا التبان، وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: نعم الثوب التبان، أسنده الطبري وقال الحكم بن عتيبة: تجزئ عمامة يلف بها رأسه وراعى قوم معهود الزي والكسوة المتعارفة، فقال بعضهم لا يجزئ الثوب الواحد إلا إذا كان جامعا مما قد يتزيى به كالكساء والملحفة، قال إبراهيم النخعي: يجزئ الثوب الجامع وليس القميص والدرع والخمار ثوبا جامعا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: قد يكون القميص الكامل جامعا وزيا، وقال بعضهم: الكسوة في الكفارة إزار وقميص ورداء قاله ابن عمر رضي الله عنه، وروي عن الحسن وابن سيرين وأبي موسى الأشعري أن الكسوة في الكفارة ثوبان لكل مسكين، وعلق مالك رحمه الله الحكم بما يجزئ في الصلاة، وهذا أحسن نظر، فقال: يجزئ في الرجل ثوب واحد، وقال ابن حبيب يكسى قميصا أو إزارا يبلغ أن يلتف به مشتملا، وكلام ابن حبيب تفسير، قال مالك: تكسى المرأة درعا وخمارا، وقال ابن القاسم في العتبية: وإن كسا صغير الإناث فدرع وخمار كالكبيرة، والكفارة واحدة لا ينقص منها لصغير، قال عنه ابن المواز ولا تعجبني كسوة المراضع بحال، فأما من أمر بالصلاة فيكسوه قميصا ويجزئه، قال ابن المواز من رأيه: بل كسوة رجل كبير وإلا لم يجزئ، قال أشهب، تعطى الأنثى إذا لم تبلغ الصلاة ثوب رجل ويجزئ وقاله ابن الماجشون، وقوله أو تحرير رقبةٍ التحرير الإخراج من الرق، ويستعمل في الأسر والمشقات وتعب الدنيا ونحوها، فمنه قوله تعالى عن أم مريم: إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً [آل عمران: 35] أي من شغوب الدنيا، ومن ذلك قول الفرزدق:
ابني غدانة إنني حررتكم = فوهبتكم لعطية بن جعال
أي حررتكم من الهجاء، وخص الرقبة من الإنسان إذ هو العضو الذي فيه يكون الغل والتوثق غالبا من الحيوان، فهو موضع الملك فأضيف التحرير إليها، واختلف الناس في صفة المعتق في الكفارة كيف ينبغي أن يكون، فقالت جماعة من العلماء: هذه رقبة مطلقة لم تقيد بأيمان فيجوز في كفارة اليمين عتق الكافر، وهذا مذهب الطبري وجماعة من العلماء، وقالت فرقة كل مطلق في القرآن من هذا فهو راجع إلى المقيد في عتق الرقبة في القتل الخطأ فلا يجزئ في شيء من الكفارات كافر، وهذا قول مالك رحمه الله وجماعة معه، وقال مالك رحمه الله: لا يجزئ أعمى ولا أبرص ولا مجنون، وقال ابن شهاب وجماعة، وفي الأعور قولان في المذهب، وكذلك في الأصم وفي الخصي، وفي العلماء من رأى أن جميع هذا يجزئ وفرق النخعي فجوز عتق من يعمل أشغاله وخدمته ومنع عتق من لا يعمل كالأعمى والمقعد والأشل اليدين، قال مالك رحمه الله: والأعجمي عندي يجزئ من قصر النفقة وغيره أحب إليّ، قال سحنون يريد بعد أن يجيب إلى الإسلام، فإن كان الأعجمي لم يجب إلا أنه ممن يجبر على الإسلام كالكبير من المجوس والصغير من الحربيين الكتابيين فقال ابن القاسم يجزئ عتقه وإن لم يسلم وقال أشهب لا يجزئ حتى يسلم، ولا يجزئ عند مالك من فيه شعبة حرية كالمدبر وأم الولد ونحوه.
وقوله تعالى فمن لم يجد معناه لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة من الإطعام أو الكسوة أو عتق الرقبة واختلف العلماء في حد هذا العادم الوجد حتى يصح له الصيام، فقال الشافعي رحمه الله وجماعة من العلماء إذا كان المكفر لا يملك إلا قوته وقوت عياله يومه وليلته فله أن يصوم، فإن كان عنده زائدا على ذلك ما يطعم عشرة مساكين لزمه الإطعام، وهذا أيضا هو مذهب مالك وأصحابه قال مالك في المدونة: لا يجزئه سيام وهو يقدر على أحد الوجوه الثلاثة، وروي عن ابن القاسم أن من تفضل له نفقة يوم فإنه لا يصوم، وقال ابن المواز: ولا يصوم الحانث حتى لا يجد إلا قوته أو يكون في البلد لا يعطف عليه فيه، وقال ابن القاسم في كتاب ابن مزين: إن كان لحانث فضل عن قوت يومه أطعم إلا أن يخاف الجوع أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيه، وقال سعيد بن جبير: إن لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم وقال قتادة: إذا لم يكن له إلا قدر ما يكفر به صام، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا كان له درهمان أطعم، قال الطبري: وقال آخرون: جائز لمن لم تكن عنده مائتا درهم أن يصوم وهو ممن لا يجد، وقال آخرون: جائز لمن لم يكن عنده فضل على رأس ماله الذي يتصرف به في معاشه أن يصوم، وقرأ أبي بن كعب فصيام ثلاثة أيام متتابعات، وكذلك عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي، وقال بذلك جماعة من العلماء منهم مجاهد وغيره، وقال مالك رحمه الله وغيره: إن تابع فحسن وإن فرق أجزأ، وقوله تعالى: ذلك كفّارة أيمانكم إشارة إلى ما ذكر من الأشياء الثلاثة وقوله إذا حلفتم معناه ثم أردتم الحنث أو وقعتم فيه وباقي الآية وصاة وتوقيف على النعمة والإيمان). [المحرر الوجيز: 3/239-246]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (87) وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالا طيّبًا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون (88)}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدّنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرّهبان. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك: فقالوا: نعم فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأنكح النّساء، فمن أخذ بسنّتي فهو منّي، ومن لم يأخذ بسنّتي فليس منّي". رواه ابن أبي حاتمٍ.
وروى ابن مردويه من طريق العوفي، عن ابن عبّاسٍ نحو ذلك.
وفي الصّحيحين، عن عائشة، رضي اللّه عنها؛ أنّ ناسًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن عمله في السّرّ، فقال بعضهم: لا آكل اللّحم. وقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء. وقال بعضهم: لا أنام على فراشٍ. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "ما بال أقوامٍ يقول أحدهم كذا وكذا، لكنّي أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللّحم، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، حدّثنا أبو عاصمٍ الضّحّاك بن مخلّد، عن عثمان -يعني ابن سعدٍ-أخبرني عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رجلًا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي إذا أكلت اللّحم انتشرت للنّساء، وإنّي حرّمت عليّ اللّحم، فنزلت {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}
وكذا رواه التّرمذيّ وابن جريرٍ جميعًا، عن عمرو بن عليٍّ الفلاس، عن أبي عاصمٍ النّبيل، به.
وقال: حسنٌ غريبٌ وقد روي من وجهٍ آخر مرسلًا وروي موقوفًا على ابن عبّاسٍ، فاللّه أعلم.
وقال سفيان الثّوريّ ووكيع، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن قيس بن أبي حازمٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وليس معنا نساءٌ، فقلنا: ألّا نستخصي؟ فنهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، ورخّص لنا أن ننكح المرأة بالثّوب إلى أجلٍ، ثمّ قرأ عبد اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم [ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين]}.
أخرجاه من حديث إسماعيل. وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة، واللّه أعلم.
وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن همّام بن الحارث، عن عمرو بن شرحبيل قال: جاء معقل بن مقرّن إلى عبد اللّه بن مسعودٍ فقال: إنّي حرّمت فراشي. فتلا هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم [ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين]}.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: كنّا عند عبد اللّه بن مسعودٍ، فجيء بضرع، فتنحّى رجلٌ، فقال [له] عبد اللّه: ادن. فقال: إنّي حرّمت أن آكله. فقال عبد اللّه: ادن فاطعم، وكفّر عن يمينك وتلا هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} الآية.
رواهنّ ابن أبي حاتمٍ. وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه، من طريق إسحاق بن راهويه، عن جريرٍ، عن منصورٍ، به. ثمّ قال: على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني هشام بن سعدٍ، أنّ زيد بن أسلم حدّثه: أنّ عبد اللّه بن رواحة ضافه ضيفٌ من أهله، وهو عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارًا له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي، هو عليّ حرامٌ. فقالت امرأته: هو عليّ حرامٌ. وقال الضّيف: هو عليّ حرامٌ. فلمّا رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا باسم اللّه. ثمّ ذهب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر الّذي كان منهم، ثمّ أنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} وهذا أثرٌ منقطعٌ.
وفي صحيح البخاريّ في قصّة الصّدّيق [رضي اللّه عنه] مع أضيافه شبيه بهذا وفيه، وفي هذه القصّة دلالةٌ لمن ذهب من العلماء كالشّافعيّ وغيره إلى أنّ من حرّم مأكلًا أو ملبسًا أو شيئًا ما عدا النّساء أنّه لا يحرم عليه، ولا كفّارة عليه أيضًا؛ ولقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}؛ ولأنّ الّذي حرّم اللّحم على نفسه -كما في الحديث المتقدّم-لم يأمره النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بكفّارةٍ. وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبلٍ إلى أنّ من حرم مأكلا أو مشربًا أو أو شيئًا من الأشياء فإنّه يجب عليه بذلك كفّارة يمينٍ، كما إذا التزم تركه باليمين فكذلك يؤاخذ بمجرّد تحريمه على نفسه إلزامًا له بما التزمه، كما أفتى بذلك ابن عبّاسٍ، وكما في قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ لم تحرّم ما أحلّ اللّه لك تبتغي مرضاة أزواجك واللّه غفورٌ رحيمٌ} [التّحريم:1]. ثمّ قال {قد فرض اللّه لكم تحلّة أيمانكم} الآية [التّحريم:2]. وكذلك هاهنا لمّا ذكر هذا الحكم عقّبه بالآية المبيّنة لتكفير اليمين، فدلّ على أنّ هذا منزّلٌ منزلة اليمين في اقتضاء التّكفير، واللّه أعلم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريج، عن مجاهدٍ قال: أراد رجالٌ، منهم عثمان بن مظعونٍ وعبد اللّه بن عمرٍو، أنّ يتبتّلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون} قال ابن جريجٍ، عن عكرمة: أنّ عثمان بن مظعونٍ، وعليّ بن أبي طالبٍ، وابن مسعودٍ، والمقداد بن الأسود، وسالمًا مولى أبي حذيفة في أصحابٍ تبتّلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النّساء، ولبسوا المسوح، وحرّموا طيّبات الطّعام واللّباس إلّا ما يأكل ويلبس أهل السّياحة من بني إسرائيل، وهمّوا بالإخصاء وأجمعوا لقيام اللّيل وصيام النّهار، فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} يقول: لا تسيروا بغير سنّة المسلمين يريد: ما حرّموا من النّساء والطّعام واللّباس، وما أجمعوا عليه من قيام اللّيل وصيام النّهار، وما همّوا به من الإخصاء، فلمّا نزلت فيهم بعث إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ لأنفسكم حقًّا، وإنّ لأعينكم حقًّا، صوموا وأفطروا، وصلّوا وناموا، فليس منّا من ترك سنّتنا". فقالوا: اللّهمّ سلّمنا واتّبعنا ما أنزلت.
وقد ذكر هذه القصّة غير واحدٍ من التّابعين مرسلةً، ولها شاهدٌ في الصّحيحين من رواية عائشة أمّ المؤمنين، كما تقدّم ذلك، وللّه الحمد والمنّة.
وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جلس يومًا فذكّر النّاس، ثمّ قام ولم يزدهم على التّخويف، فقال ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كانوا عشرةً منهم عليّ بن أبي طالبٍ، وعثمان بن مظعونٍ: ما خفنا إن لم نحدث عملًا فإنّ النّصارى قد حرّموا على أنفسهم، فنحن نحرم. فحرم بعضهم أن يأكل اللّحم والودك، وأن يأكل بنهار، وحرّم بعضهم النّوم، وحرّم بعضهم النّساء، فكان عثمان بن مظعونٍ ممّن حرم النّساء وكان لا يدنو من أهله ولا تدنو منه. فأتت امرأته عائشة، رضي اللّه عنها، وكان يقال لها: الحولاء، فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما بالك يا حولاء متغيّرة اللّون، لا تمتشطين، لا تتطيّبين؟ قالت: وكيف أمتشط وأتطيّب وما وقع عليّ زوجي وما رفع عنّي ثوبًا، منذ كذا وكذا. قال: فجعلن يضحكن من كلامها، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهنّ يضحكن، فقال: "ما يضحككنّ؟ " قالت: يا رسول اللّه، إنّ الحولاء سألتها عن أمرها، فقالت: ما رفع عنّي زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا. فأرسل إليه فدعاه، فقال: "ما لك يا عثمان؟ " قال: إنّي تركته للّه، لكي أتخلّى للعبادة، وقصّ عليه أمره، وكان عثمان قد أراد أن يجبّ نفسه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أقسمت عليك إلّا رجعت فواقعت أهلك". فقال: يا رسول اللّه، إنّي صائمٌ. فقال: "أفطر". فأفطر، وأتى أهله، فرجعت الحولاء إلى عائشة [زوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم] وقد امتشطت واكتحلت وتطيّبت، فضحكت عائشة وقالت: ما لك يا حولاء؟ فقالت: إنّه أتاها أمس، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما بال أقوامٍ حرّموا النّساء والطّعام والنّوم؟ ألّا إنّي أنام وأقوم، وأفطر وأصوم، وأنكح النّساء، فمن رغب عنّي فليس منّي". فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا} يقول لعثمان "لا تجبّ نفسك، فإنّ هذا هو الاعتداء". وأمرهم أن يكفّروا عن أيمانهم، فقال: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} رواه ابن جريرٍ.
وقوله: {ولا تعتدوا} يحتمل أن يكون المراد منه: ولا تبالغوا في التّضييق على أنفسكم في تحريم المباحات عليكم، كما قاله من قاله من السّلف. ويحتمل أن يكون المراد: كما لا تحرّموا الحلال فلا تعتدّوا في تناول الحلال، بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم، ولا تجاوزوا الحدّ فيه، كما قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا [إنّه لا يحبّ المسرفين] [آل عمران: 31]} وقال: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: 67] فشرع اللّه عدل بين الغالي فيه والجافي عنه، لا إفراط ولا تفريط؛ ولهذا قال: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/196-172]


تفسير قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {وكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالا} أي: في حال كونه حلالًا طيّبًا، {واتّقوا اللّه} أي: في جميع أموركم، واتّبعوا طاعته ورضوانه، واتركوا مخالفته وعصيانه، {الّذي أنتم به مؤمنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/172]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون (89)}
قد تقدّم في سورة البقرة الكلام على لغو اليمين، وإنّه قول الرّجل في الكلام من غير قصدٍ: لا واللّه، بلى واللّه، وهذا مذهب الشّافعيّ وقيل: هو في الهزل. وقيل: في المعصية. وقيل: على غلبة الظّنّ وهو قول أبي حنيفة وأحمد. وقيل: اليمين في الغضب. وقيل: في النّسيان. وقيل: هو الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك، واستدلّوا بقوله: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم}
والصّحيح أنّه اليمين من غير قصدٍ؛ بدليل قوله: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} أي: بما صمّمتم عليه من الأيمان وقصدتموها، فكفّارته إطعام عشرة مساكين يعني: محاويج من الفقراء، ومن لا يجد ما يكفيه.
وقوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة: أي من أعدل ما تطعمون أهليكم.
وقال عطاءٌ الخراسانيّ: من أمثل ما تطعمون أهليكم. قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن حجّاجٍ، عن أبي إسحاق السّبيعي، عن الحارث، عن عليٍّ قال: خبزٌ ولبنٌ، خبزٌ وسمنٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن سليمان -يعني ابن أبي المغيرة-عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان الرّجل يقوت بعض أهله قوت دونٍ وبعضهم قوتًا فيه سعة، فقال اللّه تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} أي: من الخبز والزّيت.
وحدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيع عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من عسرهم ويسرهم.
وحدّثنا عبد الرّحمن بن خلف الحمصي، حدّثنا محمّد بن شعيب -يعني ابن شابور-حدّثنا شيبان بن عبد الرّحمن التّميميّ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن عاصمٍ الأحول، عن رجلٍ يقال له: عبد الرّحمن، عن ابن عمر أنّه قال: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: الخبز واللّحم، والخبز والسّمن، والخبز واللّبن، والخبز والزّيت، والخبز والخلّ.
وحدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن ابن سيرين، عن ابن عمر في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: الخبز والسمن، والخبزوالزيت، والخبز والتّمر، ومن أفضل ما تطعمون أهليكم: الخبز واللّحم.
ورواه ابن جريرٍ عن هنّاد وابن وكيع كلاهما عن أبي معاوية. ثمّ روى ابن جريرٍ عن عبيدة والأسود، وشريح القاضي، ومحمّد بن سيرين، والحسن، والضّحّاك، وأبي رزين: أنّهم قالوا نحو ذلك، وحكاه ابن أبي حاتمٍ عن مكحولٍ أيضًا.
واختار ابن جريرٍ أنّ المراد بقوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} أي: في القلّة والكثرة.
ثمّ اختلف العلماء في مقدار ما يطعمهم، فقال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو سعيدٍ حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن حجّاجٍ، عن حصين الحارثيّ، عن الشّعبيّ، عن الحارث، عن عليٍّ [رضي اللّه عنه] في قوله: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: يغذّيهم ويعشّيهم.
وقال الحسن ومحمّد بن سيرين: يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلةً واحدةً خبزًا ولحمًا، زاد الحسن: فإن لم يجد فخبزًا وسمنًا ولبنًا، فإن لم يجد فخبزًا وزيتًا وخلًّا حتّى يشبعوا.
وقال آخرون: يطعم كلّ واحدٍ من العشرة نصف صاعٍ من برّ أو تمرٍ، ونحوهما. هذا قول عمر، وعليٍّ، وعائشة، ومجاهدٍ، والشّعبيّ، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم النّخعي، وميمون بن مهران، وأبي مالكٍ، والضّحّاك، والحاكم ومكحولٍ، وأبي قلابة، ومقاتل بن حيّان.
وقال أبو حنيفة: نصف صاعٍ [من] برٍّ، وصاعٌ ممّا عداه.
وقد قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسن الثّقفيّ، حدّثنا عبيد بن الحسن بن يوسف، حدّثنا محمّد بن معاوية، حدّثنا زياد بن عبد الله بن الطّفيل بن سخبرة بن أخي عائشة لأمّه، حدّثنا عمر بن يعلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كفّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بصاعٍ من تمرٍ، وأمر النّاس به، ومن لم يجد فنصف صاعٍ من برٍّ.
ورواه ابن ماجه، عن العبّاس بن يزيد، عن زياد بن عبد اللّه البكّائيّ، عن عمر بن عبد اللّه بن يعلى الثّقفيّ، عن المنهال بن عمرٍو، به.
لا يصحّ هذا الحديث لحال عمر بن عبد اللّه هذا فإنّه مجمعٌ على ضعفه، وذكروا أنّه كان يشرب الخمر. وقال الدارقطني: متروك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا ابن إدريس، عن داود -يعني ابن أبي هندٍ-عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: مدٌّ من برٍّ -يعني لكلّ مسكين-ومعه إدامه.
ثمّ قال: وروي عن ابن عمر، وزيد بن ثابتٍ، وسعيد بن المسيّب، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وعكرمة، وأبي الشّعثاء، والقاسم وسالمٍ، وأبي سلمة بن عبد الرّحمن، وسليمان بن يسارٍ، والحسن، ومحمّد بن سيرين، والزّهريّ، نحو ذلك.
وقال الشّافعيّ: الواجب في كفّارة اليمين مدٌّ بمدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لكلّ مسكينٍ. ولم يتعرّض للأدم -واحتجّ بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للّذي جامع في رمضان بأن يطعم ستّين مسكينًا من مكيلٍ يسع خمسة عشر صاعًا لكلّ واحدٍ منهم مدٌّ.
وقد ورد حديثٌ آخر صريحٌ في ذلك، فقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا أحمد بن عليّ بن الحسن المقري، حدّثنا محمّد بن إسحاق السّرّاج، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا النضر بن زرارة الكوفيّ، عن عبد اللّه بن عمر العمري، عن نافعٍ، عن ابن عمر؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقيم كفّارة اليمين مدًّا من حنطةٍ بالمدّ الأوّل.
إسناده ضعيفٌ، لحال النّضر بن زرارة بن عبد الأكرم الذّهليّ الكوفيّ نزيل بلخ، قال فيه أبو حاتمٍ الرّازيّ: هو مجهولٌ مع أنّه قد روى عنه غير واحدٍ. وذكره ابن حبّان في الثّقات وقال: روى عنه قتيبة بن سعيدٍ أشياء مستقيمةً، فاللّه أعلم. ثمّ إنّ شيخه العمري ضعيفٌ أيضًا.
وقال أحمد بن حنبلٍ: الواجب مدّ من برٍّ، أو مدّان من غيره. واللّه أعلم.
وقوله: {أو كسوتهم} قال الشّافعيّ، رحمه اللّه: لو دفع إلى كلّ واحدٍ من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة من قميصٍ أو سراويل أو إزارٍ أو عمامةٍ أو مقنعة أجزأه ذلك. واختلف أصحابه في القلنسوة: هل تجزئ أم لا؟ على وجهين، فمنهم من ذهب إلى الجواز، احتجاجًا بما رواه ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، وعمّار بن خالدٍ الواسطيّ قالا حدّثنا القاسم بن مالكٍ، عن محمّد بن الزّبير، عن أبيه قال: سألت عمران بن حصينٍ عن قوله: {أو كسوتهم} قال: لو أنّ وفدًا قدموا على أميركم وكساهم قلنسوةً قلنسوةً، قلتم: قد كسوا.
ولكنّ هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لحال محمّد بن الزّبير هذا، واللّه أعلم. وهكذا حكى الشّيخ أبو حامدٍ الاسفراينيّ في الخفّ وجهين أيضًا، والصّحيح عدم الإجزاء.
وقال مالكٌ وأحمد بن حنبلٍ: لا بدّ أن يدفع إلى كلٍّ واحدٍ منهم من الكسوة ما يصحّ أن يصلّي فيه، إن كان رجلًا أو امرأةً، كلٌّ بحسبه. واللّه أعلم.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: عباءةٌ لكلّ مسكينٍ، أو ثملة.
وقال مجاهدٌ: أدناه ثوبٌ، وأعلاه ما شئت.
وقال ليث، عن مجاهدٍ: يجزئ في كفّارة اليمين كلّ شيءٍ إلّا التّبّان.
وقال الحسن، وأبو جعفرٍ الباقر، وعطاءٌ، وطاوسٌ، وإبراهيم النّخعي، وحمّاد بن أبى سليمان، وأبو مالكٍ: ثوبٌ ثوبٌ.
وعن إبراهيم النّخعيّ أيضًا: ثوبٌ جامعٌ كالملحفة والرّداء، ولا يرى الدّرع والقميص والخمار ونحوه جامعًا.
وقال الأنصاريّ، عن أشعث، عن ابن سيرين، والحسن: ثوبان.
وقال الثّوريّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن المسيّب: عمامةٌ يلفّ بها رأسه، وعباءةٌ يلتحف بها.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا هنّاد، حدّثنا ابن المبارك، عن عاصمٍ الأحول، عن ابن سيرين، عن أبي موسى؛ أنّه حلف على يمينٍ، فكسا ثوبين من معقّدة البحرين.
وقال ابن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن المعلّى، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن مقاتل بن سليمان، عن أبي عثمان، عن أبي عياضٍ، عن عائشة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {أو كسوتهم} قال: "عباءةٌ لكلّ مسكينٍ". حديثٌ غريبٌ.
وقوله: {أو تحرير رقبةٍ} أخذ أبو حنيفة بإطلاقها، فقال: تجزئ الكافرة كما تجزئ المؤمنة. وقال الشّافعيّ وآخرون: لا بدّ أن تكون مؤمنةً. وأخذ تقييدها بالإيمان من كفّارة القتل؛ لاتّحاد الموجب وإن اختلف السّبب ولحديث معاوية بن الحكم السّلميّ، الّذي هو في موطّأ مالكٍ ومسند الشّافعيّ وصحيح مسلمٍ: أنّه ذكر أنّ عليه عتق رقبةٍ، وجاء معه بجاريةٍ سوداء، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أين اللّه؟ " قالت: في السّماء. قال: "من أنا؟ " قالت: رسول اللّه. قال: "أعتقها فإنّها مؤمنةٌ". الحديث بطوله.
فهذه خصالٌ ثلاثٌ في كفّارة اليمين، أيّها فعل الحانث أجزأ عنه بالإجماع. وقد بدأ بالأسهل فالأسهل، فالإطعام أيسر من الكسوة، كما أنّ الكسوة أيسر من العتق، فرقى فيها من الأدنى إلى الأعلى. فإن لم يقدر المكلّف على واحدةٍ من هذه الخصال الثّلاث كفّر بصيام ثلاثة أيّامٍ، كما قال تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ}
وروى ابن جريرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ والحسن البصريّ أنّهما قالا من وجد ثلاثة دراهم لزمه الإطعام وإلّا صام.
وقال ابن جريرٍ، حاكيًا عن بعض متأخّري متفقّهة زمانه أنّه قال: جائزٌ لمن لم يكن له فضل عن رأس مالٍ يتصرّف به لمعاشه ما يكفّر به بالإطعام، أن يصوم إلّا أن يكون له كفايةٌ، ومن المال ما يتصرّف به لمعاشه، ومن الفضل عن ذلك ما يكفّر به عن يمينه.
ثمّ اختار ابن جريرٍ: أنّه الّذي لا يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه ذلك ما يخرج به كفّارة اليمين.
واختلف العلماء: هل يجب فيها التّتابع، أو يستحبّ ولا يجب ويجزئ التّفريق؟ على قولين: أحدهما أنّه لا يجب التّتابع، هذا منصوص الشّافعيّ في كتاب "الأيمان"، وهو قول مالكٍ، لإطلاق قوله: {فصيام ثلاثة أيّامٍ} وهو صادقٌ على المجموعة والمفرّقة، كما في قضاء رمضان؛ لقوله: {فعدّةٌ من أيّامٍ أخر} [البقرة: 184].
ونصّ الشّافعيّ في موضعٍ آخر في "الأمّ" على وجوب التّتابع، كما هو قول الحنفيّة والحنابلة؛ لأنّه قد روي عن أبيّ بن كعبٍ وغيرهم أنّهم كانوا يقرءونها: "فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ".
قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ أنّه كان يقرؤها: "فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ".
وحكاها مجاهدٌ، والشّعبيّ، وأبو إسحاق عن عبد اللّه بن مسعودٍ.
وقال إبراهيم: في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: "فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ".
وقال الأعمش: كان أصحاب ابن مسعود يقرؤونها كذلك.
وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنًا متواترًا، فلا أقلّ أن يكون خبرًا واحدًا، أو تفسيرًا من الصّحابيّ، وهو في حكم المرفوع.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن عليٍّ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأشعريّ، حدّثنا الهيثم بن خالدٍ القرشيّ، حدّثنا يزيد بن قيسٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت آية الكفّارات قال حذيفة: يا رسول اللّه، نحن بالخيار؟ قال: "أنت بالخيار، إن شئت أعتقت، وإن شئت كسوت، وإن شئت أطعمت، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ".
وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا.
وقوله: {ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم} قال ابن جريرٍ: معناه لا تتركوها بغير تكفيرٍ. {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته} أي: يوضّحها وينشرها {لعلّكم تشكرون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/173-177]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة