قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)}
قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأصّدّق وأكن من الصّالحين).
قرأ أبو عمرو وحده (وأكون) نصبًا، وقرأ الباقون "وأكن " جزما، بحذف الواو.
[معاني القراءات وعللها: 3/71]
قال أبو منصور: من قرأ (وأكون) عطفه على قوله (فأصّدّق وأكون).
ومن قرأ (وأكن) عطفه على موضع (أصدّق) ولو لم يكن فيه الفاء.
ومثله قول الشاعر:
فأبلوني بليّتكم لعلّي... أصالحكم وأستدرج نويّا
قال أبو منصور: قوله (نويّا)، أي: نواي.
وهذه لغة طييء، مثل (قفيّ)، أي: قفاي و، (هدىّ)، أي: هداي و(بشرى) مثل بشراي.
قال الله (يا بشراي).
فجزم قوله (وأستدرج)؛ لأنه عطفه على موضع الجزم لو لم يكن فيه (لعلي)، كأنه قال: فأبلوني بليتكم أصالحكم). [معاني القراءات وعللها: 3/72]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {فأصدق وأكن من الصالحين} [10].
وقرأ أبو عمرو وحده: {وأكون} بالواو، والنصب جعله نسقًا على {فأصدق} وذلك: أن «لولا» معناه «هلا» وجواب الاستفهام، والتخصيص بالفاء يكون منصوبًا، واحتج بأن في حرف عبد الله وأيي {أكون} بالواو مكتوبًا. قال: إنما حذفوا الواو في الكتابة كما حذفت من كلمون، وكما حذفت الألف من سليمن.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء. قال: في بعض مصاحف عبد الله {فقلا له قولا لينًا} بغير واو، وهو خطأ، والقراءة {فقولا}.
وقرأ الباقون بالجزم: {وأكن} وحذفوا الواو واحتجوا بأنها كتبت في مصحف عثمان الذي يقال له: (الإمام) بغير واو، فأما جزمه فبالنسق على موضع الفاء قبل دخولها والأصل: هلا أخرتني أصدق وأكن، أنشد:
فأبلوني بليتكم لعلي = أصالحكم وأستدرج نويا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/369]
فجزم «استدرج» عطفًا على الموضع في «أصالحكم» قبل دخول، والأصل: فأبلوني بليتكم أصالحكم، واستدرج ومثله قول الآخر:
معاوي إننا بشر فأسجح = فلسنا بالجبال ولا الحديدا
ولم يختلف القراء في إثبات الياء في {أخرتني} في وصل ولا وقف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/370]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأكون [المنافقين/ 10] بواو.
وقرأ الباقون: وأكن بغير واو.
من قال: فأصدق وأكن عطف على موضع قوله: فأصدق، لأن فأصدق في موضع فعل مجزوم، ألا ترى أنك إذا قلت: أخّرني أصدّق، كان جزما بأنه جواب الجزاء، وقد أغنى السؤال عن ذكر الشرط، والتقدير: أخّرني، فإن تؤخرني أصدّق، فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم، بأنه جزاء الشرط، حمل قوله: وأكن عليه، ومثل ذلك قراءة من قرأ: من يضلل الله فلا هادي له، ويذرهم [الأعراف/ 186]، لما كان لا هادي في موضع فعل مجزوم حمل يذرهم عليه، ومثل ذلك قول الشاعر:
فأبلوني بليّتكم لعلّي أصالحكم وأستدرج نويّا حمل: وأستدرج على موضع الفاء المحذوفة، وما بعدها من
[الحجة للقراء السبعة: 6/293]
لعلّي، وكذلك قوله:
أيّا سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد حمل وأزدد على موضع الفاء وما بعدها، وأما قول أبي عمرو:
وأكون فإنه حمله على اللفظ دون الموضع، وكان الحمل على اللفظ أولا لظهوره في اللفظ وقربه ولأن ما لا يظهر إلى اللفظ لانتفاء ظهوره قد يكون في بعض المواضع بمنزلة ما لا حكم له، وزعموا أن في بعض حرف أبي فأتصدق وأكون). [الحجة للقراء السبعة: 6/294]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصّالحين} 10
قرأ أبو عمرو (فأصدق وأكون من الصّالحين) وقرا الباقون {وأكن} قوله {فأصدق} {وأكن} كأنّه جواب معنى الاستفها المعنى لئن أخرتني وجزم وأكن عطفا على موضعه ألا ترى أنّك إذا قلت أخرني أصدق كان جزما بأنّه جواب الجزاء وقد أغنى السّؤال عن ذلك الشّرط والتّقدير أخرني فإن تؤخرني أصدق فلمّا كان الفعل المنصوب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم بانه جزاء الشّرط حمل قوله {وأكن} عليه ومثل ذلك قراءة من قرأ {من يضلل الله فلا هادي له} ويذرهم لما كان فلا هادي في موضع فعل مجزوم حمل يذرهم عليه
[حجة القراءات: 710]
وأما قول أبي عمرو وأكون فنه حمله على لفظ فأصد وأكون وذلك أن لولا معناه هلا وجواب الاستفهام بالفاء يكون منصوبًا وكان الحمل على اللّفظ أولى لظهوره في اللّفظ وقربه ممّا لا لفظ له في الحال). [حجة القراءات: 711]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {فأصدَّق وأكن} قرأه أبو عمرو بالنصب، وإثبات الواو قبل النون، وقرأ الباقون بالجزم، وحذف الواو.
وحجة من صب أنه عطفه على لفظ {فأصدّق}؛ لأن {فأصدَّق} منصوب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/322]
بإضمار «أن» لأنه جواب التمني، فهو محمول على مصدر {أخرتني} على ما ذكرنا في سورة البقرة في قوله: {فيضاعفه} على قراءة من نصبه، فهو مثله في العلة والشرح، فلو عطفته على لفظ {أخرتني} لاستحال المعنى، ولصرت تتمنى أن تكون من الصالحين، وليس المعنى على ذلك، إنما المعنى أنه التزم الكون من الصالحين إن أُخر.
4- وحجة من جزم أنه عطفه على موضع {فأصدق} لأن موضعه قبل دخول الفاء فيه جزم؛ لأنه جواب التمني، وجواب التمني إذا كان بغير فاء ولا واو مجزوم؛ لأنه غير واجب، ففيه مضارعة للشرط وجوابه، فلذلك كان مجزومًا، كما يجزم جواب الشرط؛ لأنه غير واجب إذ يجوز أن يقع، ويجوز أن لا يقع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/323]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَأَكُونَ} [آية/ 10] بالواو ونصب النون:-
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أنه معطوف على قوله {فَأَصَّدَّقَ} وهو منصوبٌ؛ لأن ما عطف عليه أيضًا منصوبٌ، وإنما نُصب {فَأَصَّدَّقَ}؛ لأنه جوابٌ بالفاء لما هو أمر في المعنى؛ لأن قوله {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي} بمعنى: أخرني، فكأنه قال: أخرني فأصدق، فأجاب عن الأمر بالفاء على إضمار أن بعده، والتقدير فأن أصدق، كما تقول زرني فأزورك، أي فأن أزورك، فلما عُطف الفعل على المنصوب نُصب حملاً على اللفظ دون الموضع.
وقرأ الباقون {وَأَكُنْ} بالجزم من غير واوٍ.
والوجه أنه معطوفٌ على موضع الفاء وما بعده، وهو قوله {فَأَصَّدَّقَ}؛ لأن موضعه جزمٌ بأنه جواب الشرط، فإن تقدير قوله {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} أخرني أصدق بالجزم؛ لأنه جواب المجازاة، فإن الشرط مقدر، والتقدير أخرني فإنك إن تؤخرني أصدق، كما تقول زرني أزرك،
[الموضح: 1271]
والتقدير: زرني فإنك إن تزرني أزرك، فلما كان موضع {فَأَصَّدَّقَ} جزمًا بأنه جواب شرط، عُطف الفعل على موضعه فجزم، فقولوه {وَأَكُنْ} عطف على موضع {فَأَصَّدَّقَ} دون اللفظ، كأنه قال أخرني أصدق وأكن). [الموضح: 1272]
قوله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه خبيرٌ بما تعملون (11).
قرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يحيى "بما يعملون " بالياء.
وقرأ سائر القراء بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة.
ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 3/72]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {والله خبير بما تعملون} في آخر السورة [11].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر بالياء إخبارًا عن غيب.
والباقون بالتاء أي: أنتم وهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/370]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: والله خبير بما يعملون بالياء [المنافقون/ 11].
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء.
قال أبو علي: يجوز أن تكون الياء على قوله: ولن يؤخر الله نفسا [المنافقون/ 11] لأن النفس، وإن كان واحدا في اللفظ، فالمراد به الكثرة، فحمل على المعنى، ومن قرأ بالتاء كان خطابا شائعا). [الحجة للقراء السبعة: 6/294]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والله خبير بما تعملون}
قرأ أبو بكر (والله خبير بما يعملون) بالياء خبر غائبين
وقرأ الباقون {بما تعملون} بالتّاء على الخطاب). [حجة القراءات: 711]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {والله خبيرٌ بما تعملون} قرأه أبو بكر بالياء، حمله على لفظ الغيبة التي قبله في قوله: {ولن يؤخر الله نفسًا}، و«النفس» بمعنى الجماعة، فلذلك قال: بما يعملون، وقرأ الباقون بالتاء، جعلوه خطابًا شائعًا لكل الخلق). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/323]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آية/ 11] بالياء:-
قرأها عاصم وحده –ياش-.
والوجه أنه على الغيبة؛ لأن ما قبله أيضًا كذلك، وهو قوله تعالى {وَلَنْ يُؤَخِّرَ الله نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}، والمعنى: لن يؤخر الله نفوس الخلق إذا جاء آجالهم؛ لأن النكرة إذا كانت في النفي فلا شك في عمومه، فقال الله تعالى {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، فأخبر عنهم حملاً على معنى النكرة التي تفيد الكثرة والعموم.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} بالتاء.
والوجه أنه على الخطاب، فهو شائعٌ يعم المخاطبين والغيب). [الموضح: 1272]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين