قوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((ومهلهم قليلا) [11] وقف حسن.
وقوله: (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا). (إن) من صلة (تتقون) و«اليوم» منصوب بـ«تتقون». والمعنى «فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم». وقال بعض المفسرين: وقف التمام على قوله: (إن كفرتم) والابتداء: (يوم يجعل الولدان شيبا) يذهب إلى أن «اليوم» منصوب بـ(يجعل) والفعل له، كأنه قال: يجعل الله الولدان شيبًا في يوم. وهذا لا يصح لأن اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله. ومنهم من ينصب «اليوم»
بـ(كفرتم) وهذا قبيح جدًا لأن اليوم إذا علق بـ(كفرتم) احتاج إلى صفة (كفرتم) لـ «يوم» فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف وينصب ما بعدها احتججنا عليه بقراءة عبد الله (فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم)
(السماء منفطر به) [18] تام. (مفعولاً) تام.
ومثله:(اتخذ إلى ربه سبيلا) [19].)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/953-954]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ({لا إله إلا هو} كاف. {وكيلاً} أكفى منه. ومثله {ومهلهم قليلاً}. وقال بعض المفسرين: {فكيف تتقون إن كفرتم} تام. وليس كما قال، لأن (تتقون) هو الناصب للـ (يوم)، والمعنى: فكيف تتقون يومًا يجعل الولدان شيبًا إن كفرتم، أي: إن كفرتم لم تتقوه.
وقال نافع: {الولدان شيبا} تام، وهو كاف.
{منفطرٌ به} تام. يعني بذلك اليوم لشدة هوله أي: منشق فيه.
حدثنا محمد بن أحمد بن قاسم قال: حدثنا أحمد بن الحسين الرازي قال: حدثنا محمد بن جعفر الإمام قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شريك بن عبد الله عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت خيثمة يقول في قوله عز وجل:
{يومًا يجعل الولدان شيبًا} قال: يؤمر آدم عليه السلام ببعث إلى النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فمن ثم يشيب المولود.
{مفعولا} تام. ومثله {سبيلا}.)[المكتفى: 591-593]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({أليمًا- 13- ز} قد قيل إنه يوصل على جعل {يوم} ظرفًا
لقوله: {إن لدينا أنكالاً...}، والوقف أجوز لأن كون الأنكال وغيرها لا يختص بيوم الرجفة بنفخة إسرافيل بل عامله محذوف، أي: اذكر يوم الرجفة أو: يوم يكون ذلك يرون ما يرون.
{رسولاً- 15- ط} {شيبًا- 17- ز} قد قيل، والأولى الوصل، لأن ما بعده صفة {يومًا} أيضًا، والضمير [في {به}] عائد إليه.
{منفطر به- 18- ط} {تذكرة- 19- ج} للابتداء بالشرط مع دخول الفاء فيه.)[علل الوقوف: 3/1057-1058]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (وكيلاً (كاف) وكذا جميلاً ومثله قليلاً
أليمًا (جائز) إن نصب يوم بمقدر مفعولاً به وكان من عطف الجمل وليس بوقف إن جعل ظرفًا لقوله إن لدينا أنكالاً والمعنى أن لدينا أنكالاً في هذا اليوم
و الجبال الأوّل (حسن)
مهيلاً (تام)
رسولاً الثاني (حسن) على استئناف ما بعده
وبيلاً (كاف) إن كفرتم قال نافع تام وغلطه في ذلك جماعة منهم أبو حاتم وجعلوا يومًا منصوبًا بتتفون نصب المفعول به على المجاز على حذف مضاف أي واتقوا عذاب الله يومًا واختاره أبو علي النحوي أو التقدير فكيف تتقون يومًا الذي من شدته كذا وكذا وليس ظرفًا لأنَّ الكفر لا يكون يوم القيامة أي كيف تقون أنفسكم عذاب يوم يجعل الولدان شيبًا وقال الأخفش الوقف كفرتم وجعل يومًا منصوبًا على الظرف وجعل الفعل لله تعالى والتقدير يجعل الله الولدان شيبًا في يوم وهذا ليس بمختار والأصح أنَّ الضمير في يجعل لليوم ولا يجوز نصبه على الظرف لأنَّهم لا يكفرون ذلك اليوم بل يؤمنون لا محالة إذا عاينوا تلك الأهوال لأنَّ اليوم هو الذي من شدة هوله يصير الولدان شيبًا ويصير الكهل كالسكران قال أمية بن أبي الصلت
كل عيش وإن تطاول دهرًا = صائر مرةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدالي = في قلال الجبال أرعى الوعولا
إنَّ يوم الحساب يوم عظيم = شاب فيه الصغير يومًا ثقيلاً
وقيل الوقف تتقون والابتداء بقوله يومًا بتقدير إحذروا يومًا يجعل الولدان شيبًا وقيل الوقف
شيبًا على أنَّ في الآية تقديمًا وتأخيرًا والمعنى فكيف تتقون يومًا يجعل الولدان شيبًا إن كفرتم في الدنيا والأجود أن لا يوقف عليه لأنَّ ما بعده صفة يومًا وقال أبو حاتم الوقف السماء منفطر به أي بذلك اليوم وقرأ العامة بتنوين يومًا والجملة بعده نعت له والعائد محذوف أي يجعل الولدان فيه وقرأ زيد بن عليّ يوم يجعل بإضافة الظرف للجملة والفاعل ضمير البارئ وشيبًا مفعول ثان ليجعل والأصل فيه أنَّ الهموم إذا تفاقمت أسرعت الشيب قال الشاعر
لعبن بنا شيبًا وشيبننا مردا
قال إسماعيل بن خالد سمعت خيثمة يقول في قوله يومًا يجعل الولدان شيبًا قال يؤمر آدم عليه السلام فيقال له قم فابعث بعث النار من ذريتك من كل ألف تسعمائة وتسعون فمن ثم يشيب المولود فنسأل الله النجاة من عذابه وغضبه وهذا غاية في بيان هذا الوقف ولله الحمد
منفطر به (تام) أي بذلك اليوم أو فيه ومثله مفعولاً
تذكرة (كاف) على استئناف ما بعده
سبيلاً (تام) )[منار الهدى: 407-408]
- تفسير