تفسير قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب تحرك أواخر الكلم الساكنة
إذا حذفت ألف الوصل لالتقاء الساكنين
وإنما حذفوا ألف الوصل هاهنا بعد الساكن لأن من كلامهم أن يحذف وهو بعد غير الساكن فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها ههنا وجعلوا التحرك للساكنة الأولى حيث لم يكن ليلتقي ساكنان وجعلوا هذا سبيلها ليفرقوا بينها وبين الألف المقطوعة فجملة هذا الباب في التحرك أن يكون الساكن الأول مكسوراً وذلك قولك اضرب ابنك وأكرم الرجل واذهب اذهب و: {قل هو الله أحد الله} لأن التنوين ساكن وقع بعده حرف ساكن فصار بمنزلة باء اضرب ونحو ذلك.
ومن ذلك إن الله عافاني فعلت وعن الرجل وقط الرجل ولو استطعنا.
ونظير الكسر هاهنا قولهم حذار وبداد ونظار ألزموها الكسر في كلامهم فجعلوا سبيل هذا الكسر في كلامهم فاستقام هذا الضرب على هذا ما لم يكن اسماً نحو حذام لئلا يلتقي ساكنان ونحوه جير يا فتى وغاق غاق كسروا هذا إذ كان من كلامهم أن يكسروا إذا التقى الساكنان.
وقال الله تبارك وتعالى: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}
فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء وكرهوا الكسر ههنا كما كرهوه في الألف فخالفت سائر السواكن كما خالفت الألف سائر الألفات يعني ألفات الوصل.
وقد كسر قومٌ فقالوا: {قل انظروا} وأجروه على الباب الأول ولم يجعلوها كالألف ولكنهم جعلوها كآخر جير.
وأما الذين يضمون فإنهم يضمون في كل ساكن يكسر في غير الألف المضمومة فمن ذلك قوله عز وجل: {وقالت اخرج عليهن}: {وعذاب اركض برجلك} ومنه: {أو انقص منه قليلا} وهذا كله عربي قد قرئ به.
ومن قال قل انظروا كسر جميع هذا.
والفتح في حرفين أحدهما قوله عز وجل: {الم الله} لما كان من كلامهم أن يفتحوا لالتقاء الساكنين فتحوا هذا وفرقوا بينه وبين ما ليس بهجاءٍ.
ونظير ذلك قولهم من الله ومن الرسول ومن المؤمنين لما
كثرت في كلامهم ولم تكن فعلا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا وشبهوها بأين وكيف.
وزعموا أن ناساً من العرب يقولون من الله فيكسرونه ويجرونه على القياس.
فأما: {الم} فلا يكسر لأنهم لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين ونحو ذلك لم يلده واعلمن ذلك لأن للهجاء حالاً قد تبين). [الكتاب: 4/152-154]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال للقرح وللجدري إذا يبس وتقرف وللجرب في الإبل إذا قفل قد توسف جلده وتقشقش جلده قال الأصمعي: وكان يقال لـ: {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} المقشقشتان أي إنهما تبرئان من النفاق). [إصلاح المنطق: 415] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: هذا زيدٌ ابن أبي عمرو، وأبو عمرو غير كنية، ولكنك أردت أن أباه أبو آخر يقال له عمرو لم يكن في زيد إلا التنوين، إلا في قول من قرأ (قل هو الله أحدُ الله الصمد) وقد مضى تفسيره. ومن قال بالبدل قال: يا زيد ابن عبد الله؛ لأنه دعا زيداً، ثم أبدل منه. فهذا كقوله: يا زيد أخا عبد الله. فعلى هذا يجري هذا الباب.
فأما القراءة فعلى ضربين: قرأ قوم {وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله}؛ لأنه ابتداء وخبر، فلا يكون في عزير إلا التنوين.
ومن قرأ (عزيرُ ابن الله) فإنما أراد خبر ابتداء كأنهم قالوا: هو عزير بن الله، ونحو هذا مما يضمر. ويكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهو يريد الابتداء والخبر. فيصير كقولك: زيد الذي في الدار. فهذا وجه ضعيف جداً؛ لأن حق التنوين أن يحرك لالتقاء الساكنين إلا أن يضطر شاعر على ما ذكرت لك فيكون كقوله:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه = ورجال مكة مسنتون عجاف ).
[المقتضب: 2/314-315]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "أو من بني خلف الخضر"، فإنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
وليس بالوجه، وإنما يحذف من الحرف لالتقاء الساكنين حروف المد واللين، وهي الألف، والياء المكسور ما قبلها، والواو المضموم ما قبلها، نحو قولك: هذا قفا الرجل، وقاضي الرجل، ويغزو القوم، فأما التنوين فجاز هذا فيه. لأنه نون في اللفظ، والنون تدغم في الياء والواو، وتزاد كما تزاد حروف المد واللين، ويبدل بعضها من بعض، فتقول: رأيت زيداٌ فتبدل الألف من التنوين، وتقول في النسب إلى صنعاء وبهراء صنعاني وبهراني، فتبدل النون من ألف التأنيث، وهذه جملة وتفسيرها كثير، فلذلك حذف، ومثل هذا من الشعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه = ورجال مكة مسنتون عجاف
وقال آخر:
حميد الذي أمجٌ داره = أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع
وقرأ بعض القراء: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ) وسمعت عمارة بن عقيل يقرأ: (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ)، فقلت: ما تريد? فقال: "سابقٌ النهار"). [الكامل: 1/327-328]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال : قال الكسائي وسيبويه {هُوَ} من: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عماد. فقال الفراء: هذا خطأ. من قبل أن العماد لا يدخل إلا على الموضع الذي يلي الأفعال، ويكون وقاية للفعل مثل إنه قام زيد، ثم يستعمل بعد فيتقدم ويتأخر، والأصل " في " هذا إنما قام زيد. فالعماد كـ " ما " . وكل موضع فعلى هذا جاء يقي الفعل، وليس مع {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} شيء يقيه). [مجالس ثعلب: 354]
تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ (2) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والصمد: الغليظ من الأرض المرتفع والجمع صماد والصمد: السيد الذي يصمد إليه في الحوائج قال الشاعر:
(ألا بكر الناعي بخير بني أسد = بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد) ).
[إصلاح المنطق: 49]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (تفسير قوله تعالى: {الصّمد} [الإخلاص: 2]
وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: في قوله عز وجل: {الصّمد} [الإخلاص: 2] ثلاثة أقوال، قال جماعة من اللغويين: الصّمد: السيّد الذي ليس فوقه أحد لأنه يصمد إليه الناس في أمورهم، قال: وأنشدنا:
سيروا جميعًا بنصف اللّيل واعتمدوا = ولا رهينة إلا سيدٌ صمد
وقال الآخر:
علوته بحسام ثم قلت له = خذها حذيف فأنت السيّد الصّمد
يعني حذيفة بن بدر، وقال الآخر:
ألا بكر النّاعي بخيري بني أسد = بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
قوله يصمد أي يقصد قال طرفة:
وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني = إلى ذروة البيت الكريم المصمد
وهذا القول الذي يصح في الاشتقاق واللغة قال: وحكى أبو بكرٍ، عن الأعمش أنه، قال: الصّمد الذي لا يطعم، وحكى عن السّدّي، أنه قال: الصّمد: الذي لا جوف له.
قال: وحدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن القاسم، قال: حدّثنا محمّد بن يونس الكديميّ، قال: حدّثنا سعيد بن سفيان الجحدريّ، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل» قال أبو بكرٍ: تفسير فبها فبالرّخصة أخذ، ويقال: بالسّنّة أخذ، ومعنى قوله ونعمت أي الخصلة الوضوء، ولا يجوز ونعمه بالهاء لأن مجرى التاء التي في نعمت مجرى التاء التي في قامت وقعدت). [الأمالي: 2/288]
تفسير قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) }
تفسير قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال مرداس بن حصين من بني عبد الله بن كلاب، وهو جاهلي:
فإن نزرأهم فلقد تركنا = كفاءهم لدى الدبر المضاع
...
...
يقول: إن قتلوا فقد تركنا كفاءهم، أي أمثالهم، لدى دبر جيشهم إذا انهزموا فهم يحمونهم حتى يبلغوا مأمنهم، يقول: فإن مات هؤلاء وقتلوا، فثم أمثالهم، ومنه الكفء، وقوم أكفاء أي بعضهم مثل بعض). [النوادر في اللغة:149-151]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده)).
حدثناه يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما قوله: تتكافأ دماؤهم، فإنه يريد: تتساوى في القصاص والديات، فليس لشريف على رضيع فضل في ذلك.
ومن هذا قيل في العقيقة عن الغلام شاتان مكافئتان، قال: والمحدثون يقولون: شاتان مكافأتان يقول: متساويتان وكل شيء ساوى شيئا حتى يكون مثله فهو مكافئ له والمكافأة بين الناس من هذا.
يقال: كافأت الرجل أي فعلت به مثل ما فعل بي. ومنه الكفء من الرجال للمرأة، -كفء وكفيء- يقال: إنه مثلها في حسبها. قال الله تبارك وتعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} ). [غريب الحديث: 4/53-55]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قلت: فقد تقول في النفي: ما كان أحد مثلك، وما كان أحد مجترئاً عليك، فقد خبرت عن النكرة.
فإنما جاز ذلك لأن أحداً في موضع الناس، فإنما أردت أن تعلمه أنه ليس في الناس واحد فما فوقه يجترئ عليه، فقد صار فيه معنىً بما دخله من هذا العموم.
ومن ذلك قول الله عز وجل: {ولم يكن له كفواً أحد} فلم يكن الخبر إلا نكرة كما وصفت لك). [المقتضب: 4/90]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدً على من سواهم، والمرء كثير بأخيه"
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تتكافأ دماؤهم"، من قولك: فلان كفء لفلان، أي عديله، وموضوع بحذائه، قال الله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ويقال: فلان كفاء فلان، وكفيء فلان، وكفء فلان.
ويروى أن الفرزق بلغه أن رجلاً من الحبطات بن عمرو بن تميم خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فقال الفرزدق:
بنو دارم أكفاؤهم آل مسمعٍ = وتنكح في أكفائها الحبطات
فآل مسمع بيت بكر بن وائل في الإسلام، وهم ممن بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والحبطات هم بنو الحارث بن عمرو بن تميم فقوله: " أكفاؤهم" إنما هو جمع كفء يا فتى، فقال رجل من الحبطات يجيبه:
أما كان عباد كفيئًا لدارم = بلى ولأبيات بها الحجرات
يعني بني هاشم من قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} ). [الكامل: 1/88-89]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "لا في كفاء" يقال: هو كفؤك وكفؤك وكفيئك وكفاؤك، وإذا كان عديلك في شرف أو ما أشبه، كما قال الفرزدق:
............ = وتنكح في أكفانها الحبطات
وقال الله عزّ وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لأمنعنّ النساء إلا من الأكفاء، وتحدّث أصحابنا عن الأصمعي عن إسحاق بن عيسى. قال: قلت لأمير المؤمنين الرّشيد أو المهديّ: يا أمير المؤمنين، من أكفاؤنا? قال: أعداؤنا، يعني بنى أميّة، وزيادٌ الذي ذكر كان أخاها"). [الكامل: 2/586-587]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويقال فلان كفؤ فلانٍ وكفيؤه إذا كان نظيره. وأنشد: لكفيءٍ ولجارٍ وابن عم). [شرح المفضليات: 689]