شرح ابن القيم (ت:751هـ)[الشرح المطول]
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( (الطَّيِّبُ ):
([اللهُ] سُبْحَانَهُ طَيِّبٌ، وكلامُهُ طَيِّبٌ، وَفِعْلُهُ كلُّهُ طَيِّبٌ، ولا يَصْدُرُ منهُ إلاَّ الطَّيِّبُ، ولا يُضَافُ إليهِ إلاَّ الطَّيِّبُ، ولا يَصْعَدُ إليهِ إلاَّ الطَّيِّبُ، فالطَّيِّبَاتُ لهُ وصفاً وفعلاً وقولاً ونسبةً، وكلُّ طَيِّبٍ مُضَافٌ إليهِ، وكلُّ مُضَافٍ إليهِ طَيِّبٌ، فلهُ الكلماتُ الطيِّبَاتُ والأفعالُ الطيِّبَاتُ، وكلُّ مضافٍ إليهِ كَـ " بَيْتِهِ " و " عَبْدِهِ " و " رُوحِهِ " و " نَاقَتِهِ " و " جَنَّتِهِ "، فهيَ طَيِّبَاتٌ.
وأيضاً فمعاني الكلماتِ الطيِّبَاتِ للهِ وحدَهُ؛ فإنَّ الكلماتِ الطَّيِّبَاتِ تَتَضَمَّنُ تَسْبِيحَهُ وتحميدَهُ وتكبيرَهُ وتمجيدَهُ والثناءَ عليهِ بآلائِهِ وأوصافِهِ، فهذهِ الكلماتُ الطيِّبَاتُ التي يُثْنَى عليهِ بها وَمَعَانِيهَا لهُ وحدَهُ لا يَشْرَكُهُ فيها غيرُهُ، كَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وتَعَالَى جَدُّكَ وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ، وَنَحْوَ: سُبْحَانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، ونحوَ: سُبحانَ اللهِ وبحمدِهِ سبحانَ اللهِ العظيمِ.
فكلُّ طَيِّبٍ فَلَهُ وعندَهُ ومنهُ وإليهِ، وهوَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً، وهوَ إِلَهُ الطَّيِّبِينَ، وَجِيرَانُهُ في دارِ كرامتِهِ هم الطَّيِّبُونَ.
فتَأَمَّلْ أَطْيَبَ الكلماتِ بعدَ القرآنِ كيفَ لا تَنْبَغِي إلاَّ للهِ، وهيَ: ((سُبْحَانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ)).
فإنَّ (( سُبْحَانَ اللهِ )) تَتَضَمَّنُ تَنْـزِيهَهُ عنْ كلِّ نقصٍ وعَيْبٍ وسُوءٍ، وعنْ خصائصِ المخلوقِينَ وَشَبَهِهِم.
و (( الحَمْدُ للهِ )) تَتَضَمَّنُ إثباتَ كلِّ كمالٍ لهُ قولاً وفعلاً ووصفاً على أتمِّ الوجوهِ وأكملِهَا أَزَلاً وأبداً.
و (( لا إلهَ إلاَّ اللهُ )) تَتَضَمَّنُ انفرادَهُ بالإِلهيَّةِ، وأنَّ كلَّ معبودٍ سواهُ فباطلٌ، وأنَّهُ وحدَهُ الإلهُ الحقُّ، وأنَّهُ مَنْ تَأَلَّهَ غيرَهُ فهوَ بمنـزلةِ مَن اتَّخَذَ بَيْتاً منْ بُيُوتِ العَنْكَبوتِ يَأْوِي إليهِ وَيَسْكُنُهُ.
و (( اللهُ أَكْبَرُ )) تَتَضَمَّنُ أنَّهُ أكبرُ منْ كلِّ شيءٍ وَأَجَلُّ وأعظمُ وأعزُّ وَأَقْوَى وَأَقْدَرُ وأَعْلَمُ وأَحْكَمُ، فهذهِ الكلماتُ الطَّيِّبَاتُ لا تَصْلُحُ هيَ وَمَعَانِيهَا إلاَّ للهِ وحدَهُ)([1]).
(فهوَ طَيِّبٌ، وأفعالُهُ طَيِّبَةٌ، وصفاتُهُ أَطْيَبُ شَيْءٍ، وأسماؤُهُ أَطْيَبُ الأسماءِ، واسمُهُ ((الطَّيِّبُ)) لا يَصْدُرُ عنهُ إلاَّ طَيِّبٌ، ولا يَصْعَدُ إليهِ إلاَّ طيِّبٌ، ولا يَقْرُبُ منهُ إلاَّ طيِّبٌ، فكلُّهُ طيِّبٌ، وإليهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطيِّبُ، وَفِعْلُهُ طيِّبٌ، والعملُ الطيِّبُ يَعْرُجُ إليهِ، فالطيِّبَاتُ كُلُّهَا لهُ، ومُضَافةٌ إليهِ، صادرةٌ عنهُ، ومُنْتَهِيَةٌ إليهِ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً)) ([2]). وفي حديثِ رُقْيَةِ المريضِ الذي رَوَاهُ أبو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: ((أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ)) ([3]). ولا يُجَاوِرُهُ مِنْ عبادِهِ إلاَّ الطيِّبُونَ كما يُقَالُ لأهلِ الجنَّةِ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)}[الزمر: 73].
وقدْ حَكَّمَ سبحانَهُ شَرْعَهُ وقَدَرَهُ أنَّ الطيِّبَاتِ للطيِّبِينَ، فإذا كانَ هوَ سُبْحَانَهُ الطيِّبَ على الإطلاقِ، فالكلماتُ الطيِّبَاتُ، والأفعالُ الطيِّبَاتُ، والصِّفَاتُ الطيِّبَاتُ، والأسماءُ الطيِّبَاتُ كُلُّهَا لهُ سبحانَهُ لا يَسْتَحِقُّــهَا أحدٌ سِوَاهُ، بلْ ما طَابَ شَيْءٌ قَطُّ إلاَّ بِطِيبَتِهِ سبحانَهُ، فَطِيبُ كُلِّ ما سِوَاهُ منْ آثَارِ طِيبَتِهِ)([4]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([1]) الكلامُ على مسألةِ السماعِ (208 - 209) .
([2]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 508.
([3]) رواهُ أبو داودَ في كتابِ الطبِّ / بابُ كيفَ الرُّقَى (3886) عن أبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنه.
([4]) كتابُ الصلاةِ (182 - 183) .