{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) }
تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الحمد للّه} حمد نفسه وهو أهل الحمد.
{فاطر} خالق.
{السّموات والأرض جاعل الملائكة رسلا} [فاطر: 1] جعل من شاء منهم لرسالته، أي: إلى الأنبياء، كقوله: {اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن النّاس} [الحج: 75].
قال: {أولي أجنحةٍ} [فاطر: 1] قال: ذوي أجنحةٍ.
{مثنى وثلاث ورباع} [فاطر: 1]
أخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة أجنحةٍ ومنهم من له أربعة أجنحةٍ.
وحدّثني أبو أميّة، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي الضّيف، عن كعبٍ قال: إنّ أقرب الملائكة إلى اللّه إسرافيل وله أربعة أجنحةٍ، جناحٌ بالمشرق، وجناحٌ بالمغرب، وقد تسرول بالثّالث، والرّابع بينه وبين اللّوح المحفوظ،
[تفسير القرآن العظيم: 2/774]
فإذا أراد اللّه أمرًا أن يوحيه جاء اللّوح حتّى يصفّق جبهة إسرافيل، فيرفع رأسه، فينظر فإذا الأمر مكتوبٌ، فينادي جبريل فيلبّيه فيقول: أمرت بكذا،
أمرت بكذا، فلا يهبط جبريل من سماءٍ إلى سماءٍ إلا فزع أهلها مخافة السّاعة حتّى يقول جبريل: الحقّ من عند الحقّ، فيهبط على النّبيّ فيوحي إليه.
- وأخبرني عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ للّه نهرًا في الجنّة يغتمس فيه جبريل ثمّ يخرج فينتفض، قال: فما من قطرةٍ تقطر من ريشه إلا خلق اللّه منها ملكًا ".
- وأخبرني رجلٌ من أهل الكوفة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن الحسن أنّ سائلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن خلق الملائكة فقال: من أيّ شيءٍ خلقت؟ فقال: " خلقت من نور الحجب السّبعين الّتي تلي الرّبّ، كلّ حجابٍ منها مسيرة خمس مائة عامٍ، فمنها خلقت الملائكة، فليس ملكٌ إلا هو يدخل في نهر الحياة، فيغتسل فيكون من كلّ قطرةٍ من ذلك الماء ملكًا من
الملائكة، فلا يحصي أحدٌ ما يكون في يومٍ واحدٍ، فهو قوله: {وما يعلم جنود ربّك إلا هو} [المدثر: 31].
قال يحيى: وأخبرني عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، قال: يدخل جبريل نهر النّور كلّ يومٍ سبعين مرّةً فيغتمس فيه ثمّ يخرج، فينتفض فيسقط منه سبعون ألف قطرةٍ تعود كلّ قطرةٍ ملكًا يسبّح اللّه إلى يوم القيامة.
قال يحيى: وأخبرني عن عبيد اللّه بن عمر قال: بلغني أنّ في السّماء ملكًا قد عظّمه اللّه وشرّفه، فيه ثلاث مائةٍ وستّون عينًا، بعضها مثل الشّمس وبعضها مثل القمر، وبعضها مثل الزّهرة يسبّح له منذ خلق، كلّ
[تفسير القرآن العظيم: 2/775]
تسبيحةٍ تخرج من فيه ملكٌ.
قال يحيى: بلغني أنّ للّه تبارك وتعالى ديكًا، براثنه في الأرض السّفلى، وعنقه مثنيّةٌ تحت العرش، إذا بقي الثّلث الآخر من اللّيل خفق بجناحيه ثمّ قال: سبّوحٌ قدّوسٌ ربّ الملائكة والرّوح، فتسمعه الدّيكة فتصرخ لصراخه أو قال: لصوته.
- وحدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أذن لي أن أحدّث عن ملكٍ من حملة العرش رجلاه في الأرض السّفلى، وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنه إلى عاتقه خفقان الطّير مسيرة سبع مائة سنةٍ يقول: سبحانك حيث كنت ".
قال يحيى: بلغني أنّ اسمه زروفيل.
قال يحيى: وسمعت بعض أهل العلم يحدّث أنّ ملكًا نصفه نورٌ أو قال: نارٌ ونصفه ثلجٌ يقول: يا مؤلّف بين النّور أو قال: النّار والثّلج ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن نوفٍ البكاليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ اللّه خلق الملائكة والجنّ والإنس، فجزأه عشرة أجزاءٍ: تسعة أجزاءٍ منهم الملائكة وجزءٌ واحدٌ الجنّ والإنس، وجزأ الملائكة عشرة أجزاءٍ: تسعة أجزاءٍ منهم الكروبيّون الّذين {يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون} [الأنبياء: 20] وجزءٌ منهم واحدٌ لرسالته ولخزائنه وما يشاء من أمره، وجزأ الجنّ
والإنس عشرة أجزاءٍ: تسعة أجزاءٍ منهم الجنّ، والإنس جزءٌ واحدٌ، فلا يولد من الإنس مولودٌ إلا ولد من الجنّ تسعةٌ، وجزأ الإنس عشرة أجزاءٍ: تسعة أجزاءٍ منهم يأجوج
[تفسير القرآن العظيم: 2/776]
ومأجوج، وسائرهم سائر بني آدم.
{يزيد في الخلق ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [فاطر: 1] تفسير الحسن: يزيد في أجنحتها ما يشاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/777]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يزيد في الخلق ما يشاء...}
هذا في الأجنحة التي جعلها لجبريل وميكائيل , يعني : بالزيادة في الأجنحة.). [معاني القرآن: 2/366]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مثنى وثلاث ورباع }: مجازه: اثنين , وثلاثة , وأربعة , فزعم النحويون أنه مما صرف عن وجهه لم ينون فيه , قال صخر بن عمرو:
ولقد قتلتكم ثناء وموحدا= وتركت مرّة مثل أمس المدبر.). [مجاز القرآن: 2/152]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({الحمد للّه فاطر السّماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةٍ مّثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {أولي أجنحةٍ مّثنى وثلاث ورباع}: فلم يصرفه لأنه توهم به "الثلاثة" , و"الأربعة", وهذا لا يستعمل إلا في حال العدد.
وقال في مكان آخر : {أن تقوموا للّه مثنى وفرادى}, وتقول "ادخلوا أحاد أحاد" كما تقول "ثلاث ثلاث".
وقال الشاعر:
أحمّ الله ذلك من لقاء = أحاد أحاد في شهرٍ حلال). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الحمد للّه فاطر السّماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيء قدير (1)}
قال ابن عباس رحمه اللّه: (ما كنت أدري ما فاطر السّماوات والأرض حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر , فقال أحدهما: أنا فطرتها, أي: ابتدأتها).
وقيل :{فاطر السّماوات والأرض }: خالق السّماوات والأرض.
ويجوز : فاطر , وفاطر بالرفع والنصب، والقراءة على خفض: فاطر.
وكذلك: {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}: معنى :أولي : أصحاب أجنحة، وثلاث, ورباع في موضع خفض.
وكذلك مثنى إلا أنه فتح ثلاث, ورباع؛ لأنه لا يتصرف لعلتين إحداهما أنه معدول عن ثلاثة ثلاثة , وأربعة أربعة , واثنين اثنين، فهذه علة.
والعلة الثانية: أن عدوله وقع في حال النّكرة.
قال الشاعر:
ولكنّما أهلي بواد أنيسه= سباغ تبغي الناس مثنى وموحدا
وقوله عزّ وجلّ: {يزيد في الخلق ما يشاء}:يعنى : في خلق الملائكة، والرسل من الملائكة : جبريل , وميكائيل , وإسرافيل, وملك الموت.). [معاني القرآن: 4/261]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {الحمد لله فاطر السموات والأرض}
قال ابن عباس: (ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم إلي أعرابيان في بئر , فقال أحدهما : أنا فطرتها, أي: ابتدأتها).
ثم قال جل وعز: {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}
الرسل منهم : جبريل , وميكائيل , وإسرافيل, وملك الموت صلى الله عليهم وسلم.
وقوله تعالى: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}, أي: أصحاب أجنحة: اثنين اثنين , وثلاثة ثلاثة , وأربعة أربعة في كل جانب
ثم قال جل وعز: {يزيد في الخلق ما يشاء}
أي : يزيد في خلق الملائكة ما يشاء
وقال الزهري: (يزيد في الخلق ما يشاء :حسن الصوت) , والأول أولى.). [معاني القرآن: 5/435-436]
تفسير قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ما يفتح اللّه للنّاس} [فاطر: 2] ما يقسم اللّه للنّاس.
{من رحمةٍ} [فاطر: 2] من الخير والرّزق في تفسير الكلبيّ.
وتفسير السّدّيّ: يعني: ما يرسل اللّه للنّاس من رزقٍ فلا ممسك له.
وتفسير الحسن: ما يقسم اللّه للنّاس من رحمةٍ، ما ينزل من الوحي.
{فلا ممسك لها} [فاطر: 2] لا أحد يستطيع أن يمسك ما يقسم من رحمةٍ.
{وما يمسك فلا مرسل له من بعده} [فاطر: 2] من بعّد اللّه لا يستطيع أحدٌ أن يقسمه {وهو العزيز الحكيم} [فاطر: 2] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/777]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وما يمسك فلا مرسل له...}
ولم يقل: لها، وقد قال قبل ذلك: {مّا يفتح اللّه للنّاس من رّحمةٍ فلا ممسك لها}, فكان التأنيث في (لها) لظهور الرحمة, ولو قال: فلا ممسك له لجاز؛ لأن الهاء إنما ترجع على (ما) .
ولو قيل في الثانية: فلا مرسل لها لأن الضمير على الرّحمة جاز، ولكنها لمّا سقطت الرحمة من الثاني ذكّر على (ما) .). [معاني القرآن: 2/366]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({مّا يفتح اللّه للنّاس من رّحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم}
وقال: {مّا يفتح اللّه للنّاس من رّحمةٍ فلا ممسك لها}, فأنث لذكر الرحمة ,{وما يمسك فلا مرسل له من بعده} , فذكر , لأن لفظ (ما) يذكّر.). [معاني القرآن: 3/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ}: أي: من غيث.). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} أي من رزق). [تأويل مشكل القرآن: 146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {ما يفتح اللّه للنّاس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده , وهو العزيز الحكيم (2)}
(يفتح): في موضع جزم على معنى : الشرط والجزاء، وجواب الجزاء : {فلا ممسك لها}, ولو كان فلا ممسك له لجاز لأن " ما " في لفظ تذكيرا، ولكنه لمّا جرى ذكر الرحمة كان فلا ممسك لها أحسن، ألا ترى إلى قوله:{وما يمسك فلا مرسل له من بعده}
ومعنى : ما يفتح الله , أي: ما يأتيهم به من مطر ورزق , فلا يقدر أحد أن يمسكه، وما يمسك اللّه من ذلك فلا يقدر قادر أن يرسله.
ويجوز - ولا أعلم أحدا قرأ به - " ما يفتح اللّه للناس من رحمة وما يمسك " , برفعهما على معنى الذي يفتحه اللّه للناس من رحمة فلا ممسك لها. والذي يمسك فلا مرسل له، ويجوز " فلا ممسك لها " بالتنوين، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، ولا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأنّ بما لم تثبت فيه رواية , وإن جاء في العربية لأن القراءة سنّة.). [معاني القرآن: 4/262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}
أي : ما يأتي به الله جل وعز من الغيث , والرزق , فلا يقدر أحد على رده .
وقال قتادة : (من رحمة من خير , فلا يقدر أحد على حبسه).
وقوله تعالى: {لا إله إلا هو فأنى تؤفكون}
أي: فمن أين تصرفون عن التوحيد , والإيمان بالبعث بعد البراهين والآيات؟!.). [معاني القرآن: 5/437]
تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّاس اذكروا نعمت اللّه عليكم} [فاطر: 3] إنّه خلقكم ورزقكم {هل من خالقٍ غير اللّه يرزقكم من السّماء والأرض} [فاطر: 3] ما ينزل من السّماء من المطر وما ينبت في الأرض من النّبات.
{لا إله إلا هو} يقوله للمشركين يحتجّ به عليهم، وهو استفهامٌ، أي: لا خالق ولا رازق غيره، يقول: أنتم تقرّون بأنّ اللّه هو الّذي خلقكم ورزقكم، وأنتم تعبدون من دونه الآلهة.
{فأنّى تؤفكون} [فاطر: 3] فكيف تصرفون عقولكم فتعبدون غير اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/777]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {اذكروا نعمت اللّه عليكم...}
وما كان في القرآن من قوله: {اذكروا نعمت اللّه عليكم}, فمعناه: احفظوا، كما تقول: اذكر أيادي عنك , أي: احفظها. وقوله: {هل من خالقٍ غير اللّه} : تقرأ {غير} , و{غير} , قرأها شقيق بن سلمة : (غير) , وهو وجه الكلام, وقرأها عاصم: {هل من خالقٍ غير اللّه} .
فمن خفض في الإعراب جعل (غير) من نعت الخالق, ومن رفع قال: أردت بغير إلاّ، فلمّا كانت ترتفع ما بعد (إلاّ) جعلت رفع ما بعد (إلاّ) في (غير), كما تقول: ما قام من أحدٍ إلاّ أبوك, وكلّ حسنٌ.
ولو نصبت (غير) إذا أريد بها (إلاّ) , كان صواباً.
العرب تقول: ما أتاني أحد غيرك , والرفع أكثر؛ لأنّ (إلا) تصلح في موضعها.). [معاني القرآن: 2/366]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({اذكروا نعمت اللّه عليكم}: أي : احفظوها, تقول: اذكر أيادي عندك، أي: احفظها, وكل ما كان في القرآن من هذا , فهو مثله.). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّاس اذكروا نعمت اللّه عليكم هل من خالق غير اللّه يرزقكم من السّماء والأرض لا إله إلّا هو فأنّى تؤفكون (3)}
هذا ذكر بعد قوله:{ما يفتح اللّه للنّاس من رحمة فلا ممسك لها}
فأكد ذلك بأن جعل السؤال لهم :{هل من خالق غير اللّه يرزقكم من السّماء والأرض}.
{هل من خالق غير اللّه}, وقرئت: {هل من خالق غير اللّه} بالرفع، على رفع غير.
المعنى : هل خالق غير اللّه ؟, لأن " من " مؤكدة، وقد قرئ بهما جميعا، غير وغير، وفيها وجه آخر يجوز في العربية نصب (غير).
{ هل من خالق غير اللّه يرزقكم}: ويكون النصب على الاستثناء، كأنّه: هل من خالق إلا اللّه يرزقكم.
{فأنّى تؤفكون}:أي : من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد اللّه وإنكار البعث.؟.). [معاني القرآن: 4/263]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسلٌ من قبلك} [فاطر: 4] يعزّيه بذلك ويأمره بالصّبر.
- وحدّثني أبو أميّة، عن الحسن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «والّذي نفسي بيده ما أحدٌ من هذه الأمّة أصابه من الجهد في اللّه الّذي أصابني».
[تفسير القرآن العظيم: 2/777]
قال: {وإلى اللّه ترجع الأمور} [فاطر: 4] إليه مصيرها يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ({وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسل من قبلك وإلى اللّه ترجع الأمور (4)}
هذا تأسّ للنبي صلى الله عليه وسلم: أعلمه الله أنه قد كذبت رسل من قبله، وأعلمه أنه نصرهم , فقال جلّ وعزّ: {فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا}. {وإلى اللّه ترجع الأمور}:وترجع الأمور، المعنى : الأمر راجع إلى اللّه في مجازاة من كذّب، ونصرة من كذّب من رسله.). [معاني القرآن: 4/263]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّاس إنّ وعد اللّه حقٌّ} [فاطر: 5] ما وعد من الثّواب والعقاب.
{فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا ولا يغرّنّكم باللّه الغرور} [فاطر: 5] الشّيطان). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {يا أيّها النّاس إنّ وعد اللّه حقّ فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا ولا يغرّنّكم باللّه الغرور (5)}
أي: ما وعدكم اللّه من مجازاة , فحق. {فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا}:أي: وإن كان لكم حظ في الدنيا يغضّ من دينكم , فلا تؤثروا ذلك الحظّ.
{ولا يغرّنّكم باللّه الغرور}: والغرور: الشيطان، ويقرأ الغرور بضم الغين، وهي : الأباطيل , ويجوز أن يكون الغرور: جمع غاز , وغرور، مثل : قاعد وقعود، ويجوز أن يكون جمع غرّ : مصدر غررته غرّا, فأما أن يكون مصدر غررته غرورا فبعيد.
لأن المتعدية لا تكاد تقع مصادرها على فعول، وقد جاء بعضها على فعول نحو لزمته لزوما، ونهكه المرض نهوكا , فيجوز غررته غرورا على ذلك.). [معاني القرآن: 4/263-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}
روى معمر , عن قتادة قال: {الغرور}: (الشيطان).
وروى شعبة , عن سماك بن حرب : الغرور بضم الغين
فقيل: إن هذا لا يجوز؛ لأنه إنما يقال غره غرا , ولا يكاد يأتي على فعول فيما يعتدى إلا شاذاً.
قال أبو جعفر : يجوز أن يكون غرور جمع : غار , أو جمع غر, أو يشبه بقولهم : نهكه المرض نهوكا , ولزمه لزوما.). [معاني القرآن: 5/437-438]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إنّ الشّيطان لكم عدوٌّ} [فاطر: 6] يدعوكم إلى معصية اللّه.
{فاتّخذوه عدوًّا إنّما يدعو حزبه} [فاطر: 6] أصحابه الّذين أضلّ.
{ليكونوا من أصحاب السّعير} [فاطر: 6] وسوس إليهم بعبادة الأوثان.
{ليكونوا من أصحاب السّعير} [فاطر: 6] فأطاعوه والسّعير اسمٌ من أسماء جهنّم، وهو الباب الرّابع). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {الّذين كفروا لهم عذابٌ شديدٌ} [فاطر: 7] جهنّم.
{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} [فاطر: 7] لذنوبهم.
{وأجرٌ} [فاطر: 7]، أي: ثوابٌ.
{كبيرٌ} وهي الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يصْنَعُونَ (8) }
َ
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنًا} [فاطر: 8] كمن آمن وعمل صالحًا، أي: لا يستويان، وهذا على الاستفهام، وفيه إضمارٌ.
قال: {فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم} [فاطر: 8] على المشركين.
{حسراتٍ} لا تحسّر عليهم إذ لم يؤمنوا كقوله: {ولا تحزن عليهم}.
{إنّ اللّه عليمٌ بما يصنعون} [فاطر: 8] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/778]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً...}
يقول: شبّه عليه عمله، فرأى سّيئه حسناً, ثم قال: {فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ} , فكان الجواب متبعاً بقوله: {فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء}, واكتفى بإتباع الجواب بالكلمة الثانية؛ لأنها كافية من جواب الأولى. ولو أخرج الجواب كله كان: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك، أو تذهب نفسك؛ لأن قوله: {فلا تذهب} نهي يدلّ على أن ما نهى عنه قد مضى في صدر الكلمة, ومثله في الكلام: إذا غضبت فلا تقتل، كأنّه كان يقتل على الغضب، فنهى عن ذلك.
والقراء مجتمعون على: {تذهب نفسك}, وقد ذكر بعضهم عن أبي جعفر المدني : {فلا تذهب نفسك عليهم}, وكلّ صواب.). [معاني القرآن: 2/366-376]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً فإنّ الله يضلّ من يشاء }: مجازه مجاز المكفوف عن خبره لتمامه عند السامع , فاختصر ثم استأنف فقال: { فإن اللّه يضل من يشاء }.). [مجاز القرآن: 2/152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً}: أي: شبه عليه).). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد يشكل الكلام ويغمض بالاختصار والإضمار.
كقوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
والمعنى: أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا، ذهبت نفسك حسرة عليه؟! فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء). [تأويل مشكل القرآن: 219]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إنّ اللّه عليم بما يصنعون (8)}
الجواب ههنا على ضربين:
أحدهما يدل عليه : {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}
ويكون المعنى : أفمن زين له سوء عمله , فأضله اللّه , ذهبت نفسك عليه حسرة، ويكون " فلا تذهب نفسا": يدل عليه. وقد قرئت: { فلا تذهب نفسك } بضم التاء وجزم الباء ونصب النفس, ويجوز أن يكون الجواب محذوفا , ويكون المعنى: أفمن زيّن له سوء عمله كمن هداه اللّه، ويكون دليله : {فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء}). [معاني القرآن: 4/264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفمن رين له سوء عمله فرآه حسنا}
الجواب محذوف لعلم السامع , فيجوز أن يكون المعنى : أفمن زين له سوء علمه , كمن هداه الله جل وعز , ويكون يدل على هذا المحذوف : {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.
ويجوز أن يكون المعنى : أفمن زين له سوء عمله , ذهبت نفسك عليه .
ويكون يدل عليه : {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}.). [معاني القرآن: 5/438-439]
تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابًا فسقناه} [فاطر: 9] فسقنا الماء في السّحاب.
{إلى بلدٍ ميّتٍ} [فاطر: 9] ليس فيه نباتٌ، إلى أرضٍ ميّتةٍ ليس فيها نباتٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/778]
لمّا قال: {إلى بلدٍ ميّتٍ} [فاطر: 9] جاءت «ميّتٍ» لأنّ البلد مذكّرٌ والمعنى على الأرض وهي مؤنّثةٌ.
{فأحيينا به} [فاطر: 9] بالماء.
{الأرض بعد موتها} [فاطر: 9] بعد إذ كانت يابسةً ليس فيها نباتٌ فأحيينا به، بالماء , الأرض فأنبتت من ألوان النّبات وأحيي به نباتها أيضًا.
قال: {كذلك النّشور} [فاطر: 9]، يعني: هكذا يحيون بعد الموت بالماء يوم القيامة كما تحيا الأرض بالماء فتنبت وهو تفسير السّدّيّ كذلك البعث.
- سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الزّعراء، عن ابن مسعودٍ قال: يرسل اللّه مطرًا من تحت العرش منيًّا كمنيّ الرّجال، فتنبت به جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثّرى، ثمّ يقوم ملكٌ بالصّور بين السّماء والأرض، فينفخ فيه فيذهب كلّ روحٍ إلى جسده حتّى يدخل فيه، ثمّ يقومون فيجيبون بإجابة رجلٍ واحدٍ سراعًا إلى صاحب الصّور إلى بيت المقدس.
وحدّثني عبد الرّحمن بن يزيد بن عمير بن هانئٍ أنّ الحساب يكون عند الصّخرة الّتي ببيت المقدس). [تفسير القرآن العظيم: 2/779]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
({ أرسل الرّياح فتثير سحاباً فسقناه }: فتثير , أي: تجمع , وتجيء به , وتخرجه , ومجاز " فسقناه " : مجاز فنسوقه , والعرب قد تضع " فعلنا " في موضع " نفعل " , قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا= مني وما يسمعوا من صالحٍ دفنوا في موضع " يطيروا " , و " يدفنوا ".
" النشور " مصدر الناشر قال الأعشى:
حتّى يقول الناس ممّا رأوا= يا عجبا للمّيت الناشر). [مجاز القرآن: 2/153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( النّشور: الحياة.). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير.
وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ}، أي فنسوقه.
في أشباه لهذا كثيرة في القرآن). [تأويل مشكل القرآن: 295-296] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقول:{واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور (9)}
{فسقناه إلى بلد ميت}, و {ميّت}.
{فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور}: أي: ننشى المعنى مثل ذلك، أي : مثل إحياء الأرض، وكذلك بعثكم.). [معاني القرآن: 4/264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {النُّشُورُ}: البعث.). [العمدة في غريب القرآن: 248]
تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {من كان يريد العزّة} [فاطر: 10]، يعني: المنعة، تفسير السّدّيّ.
{فللّه العزّة جميعًا} [فاطر: 10] أخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: من كان يريد العزّة فليتعزّز بطاعة اللّه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/779]
وتفسير الحسن أنّ المشركين عبدوا الأوثان لتعزّهم كقوله: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً ليكونوا لهم عزًّا} [مريم: 81] فقال: من كان يريد العزّة، فليعبد اللّه حتّى يعزّه.
قوله عزّ وجلّ: {إليه يصعد الكلم الطّيّب} [فاطر: 10] التّوحيد.
{والعمل الصّالح يرفعه} [فاطر: 10] التّوحيد , لا يرتفع العمل إلا بالتّوحيد كقوله: {وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكورًا} [الإسراء: 19]
- خالدٌ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يقبل اللّه عمل قومٍ حتّى يرضى قوله».
المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: {إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه} [فاطر: 10] قال: العمل الصّالح يرفعه الكلم الطّيّب.
وقال السّدّيّ: {إليه يصعد الكلم الطّيّب} [فاطر: 10]، يعني: الكلام الحسن، يعني: شهادة أن لا إله إلا اللّه {والعمل الصّالح يرفعه} [فاطر: 10]، يعني: وبه يقبل العمل الصّالح، وإلا ردّ القول على العمل.
قال: {والّذين يمكرون السّيّئات} [فاطر: 10] يعملون السّيّئات، الشّرك.
{لهم عذابٌ شديدٌ} [فاطر: 10] جهنّم.
{ومكر أولئك} [فاطر: 10]، أي: وعمل أولئك.
{هو يبور} [فاطر: 10] هو يفسد عند اللّه، لا يقبل اللّه الشّرك ولا ما يعمل المشرك من العمل الصّالح، ولا يقبل العمل إلا من المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/780]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {من كان يريد العزّة فللّه العزّة جميعاً...}
فإن {العزّة}: معناه: من كان يريد علم العزّة , ولمن هي ؛ فإنها لله جميعاً، أي كل وجه من العزّة فلله. وقوله: {إليه يصعد الكلم الطّيّب} : القرّاء مجتمعون على {الكلم} إلا أبا عبد الرحمن ؛ فإنه قرأ : {الكلام الطيّب}, وكلّ حسن, و{الكلم} أجود؛ لأنها كلمة , وكلم.
وقوله: {الكلمات} في كثير من القرآن يدلّ على أن الكلم أجود: والعرب تقول كلمة وكلم، فأمّا الكلام فمصدر.
وقد قال الشاعر:
مالك ترغين ولا يرغو الخلف = وتضجرين والمطيّ معترف
فجمع الخلفة بطرح الهاء، كما يقال: شجرة , وشجر.
وقوله: {والعمل الصّالح يرفعه}: أي: يرفع الكلم الطيّب, يقول: يتقبّل الكلام الطيّب إذا كان معه عمل صالح, ولو قيل: {والعمل الصّالح} بالنصب على معنى: يرفع الله العمل الصّالح، فيكون المعنى: يرفع الله {العمل الصّالح} , ويجوز على هذا المعنى الرفع، كما جاز النصب لمكان الواو في أوّله.). [معاني القرآن: 2/367]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يمكرون السّيّئات}: يكسبون , ويجترحون.). [مجاز القرآن: 2/153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ومكر أولئك هو يبور}: أي: يبطل.). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}. أي يعلم أنّ العزّة لمن هي). [تأويل مشكل القرآن: 223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} ، أي من كان يريد علم العزّة: لمن هي؟ فإنها لله تعالى). [تأويل مشكل القرآن: 438] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {من كان يريد العزّة فللّه العزّة جميعا إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه والّذين يمكرون السّيّئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور (10)}
أي: من كان يريد بعبادته غير اللّه العزة , فلله العزة جميعا، أي: في حال اجتماعها، أي: يجتمع له في الدنيا , والآخرة.
ثم بين كيف يعز باللّه فقال:{إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه}
أي: إليه يصل الكلم الذي هو توحيد اللّه، وهو قول لا إله ألا اللّه, والعمل الصالح يرفعه. المعنى: إذا وحّد اللّه, وعجل بطاعته , ارتفع ذلك إلى اللّه، واللّه عزّ وجل يرتفع إليه كل شيء , ويعلم كل شيء.
ولكن المعنى فيه ههنا : العمل الصالح هو الذي يرفع ذكر التوحيد حتى يكون مثبّتا للموحّد حقيقة التوحيد.
والضمير في (يرفعه) يجوز أن يكون أحد ثلاثة أشياء، وذلك قول أهل اللغة جميعا:
فيكون : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب.
ويجوز أن يكون: والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، أي: لا يقبل العمل الصالح إلا من موحّد.
والقول الثالث: أن يرفعه الله عزّ وجلّ.
{والّذين يمكرون السّيّئات لهم عذاب شديد}: المعنى مكر الذين يمكرون بالنبي صلى الله عليه وسلم .
{هو يبور}: أي : يفسد، وقد بين ما مكرهم في سورة الأنفال، في قوله:
{وإذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك}: ففسد جميع مكرهم , فجعل اللّه كلمة نبيّه وأوليائه العليا، وأيديهم العالية بالنصر والحجة.). [معاني القرآن: 4/264-265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال : (من كان يريد العزة بعبادة الأوثان).
قال الفراء: من كان يريد علم العزة .
ثم قال : {فلله العزة جميعا}: أي: فالله عز وجل يعز من يشاء بطاعته .
وقال قتادة : (فليتعزز بطاعة الله عز وجل).
قال أبو جعفر : وأولاها الأول لأن الآيات التي قبلها وبخ فيها المشركون بعبادة الأوثان , فكان أولى بهذه أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك أيضا .
ثم قال جل وعز: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}
في معناه ثلاثة أقوال:
- من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال : حدثنا أبو صالح , عن معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} .
قال: (الكلام الطيب ذكر الله جل وعز , والعمل الصالح أداء فرائضه .
فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه , حمل عمله ذكر الله , فصعد إلى الله سبحانه وتعالى.
ومن ذكر الله: ولم يؤد فرائضه , رد كلامه على عمله , فكان أولى به) .
قال أبو جعفر : وكذلك قال الحسن , وسعيد بن جبير , ومجاهد , وأبو العالية, والضحاك قالوا : (العمل الصالح يرفع الكلام الطيب).
قال الحسن : (فإذا كان كلام طيب , وعمل سيء , رد القول على العمل , فكان عملك أولى بك من قولك) .
-وقال شهر بن حوشب : إليه يصعد الكلم الطيب : (القرآن) , والعمل الصالح يرفعه : (القرآن) .
وروى معمر , عن قتادة قال : (والعمل الصالح يرفعه الله عز وجل).
قال أبو جعفر : قول قتادة ليس ببعيد في المعنى ؛ لأن الله عز وجل يرفع الأعمال , وقول شهر بن حوشب معناه : أن العمل الصالح لا ينفعك إلا مع التوحيد , فكأن التوحيد يرفعه .
إلا أن القول الأول أولاها وأصحها ؛ لعلو من قال به , وأنه في العربية أولى لأن القراء على رفع العمل , ولو كان المعنى : والعمل الصالح يرفعه الله , أو والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب لكان الاختيار نصب العمل , ولا نعلم أحدا قرأه منصوبا إلا شيئا روي عن عيسى بن عمر أنه قال : قرأه أناس : والعمل الصالح يرفعه .
وقوله جل وعز: {والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور}
روى معمر , عن قتادة : {يبور} , قال: (يفسد) .
قال أبو جعفر : وقد بين الله جل وعز هذا المكر في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك}
وروى قيس , عن منصور , عن مجاهد : {ومكر أولئك هو يبور }, قال: (الرياء).). [معاني القرآن: 5/439-443]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يبور}: أي: يهلك , ويفنى.). [ياقوتة الصراط: 417]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَبُورُ}: أي: يبطل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَبُورُ}: تفسد.). [العمدة في غريب القرآن: 248]
تفسير قوله تعالى: {َاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {واللّه خلقكم من ترابٍ} [فاطر: 11]، يعني: خلق آدم.
{ثمّ من نطفةٍ} [فاطر: 11] نسل آدم.
{ثمّ جعلكم أزواجًا} [فاطر: 11] ذكرًا وأنثى، والواحد زوجٌ، قال: {وأنّه خلق الزّوجين الذّكر والأنثى} [النجم: 45].
[تفسير القرآن العظيم: 2/780]
قال: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} [فاطر: 11]، يعني: هيّنٌ عليه وليس بشديدٍ عليه، وهو تفسير السّدّيّ.
حدّثني حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ قال: {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره} [فاطر: 11] قال: عمر العبد مكتوبٌ في كتابٍ، في أوّل الكتاب منتهى عمره، ثمّ يكتب أسفل من ذلك: ذهب يوم كذا وكذا، ومضى يوم كذا حتّى يأتي على أجله.
وحدّثني أيّوب بن عبد الملك، عن حصين بن عبد الرّحمن، عن عكرمة، قال: {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص} [فاطر: 11] من عمرٍ آخر.
قال يحيى: يعني: أن يكون عمره دون عمر الآخر.
الحسن بن دينارٍ، عن الحسن أنّه كان يقرأها: وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره، أي: من أجله.
قال يحيى: وتفسير الحسن: {وما يعمّر من معمّرٍ} [فاطر: 11] حتّى يبلغ إلى أرذل العمر، والعمر عنده هاهنا أن يبلغ أرذل العمر.
{ولا ينقص} [فاطر: 11] آخر من عمر المعمّر فيموت قبل أن يبلغ عمر ذلك المعمّر الّذي بلغ أرذل العمر.
{إلا في كتابٍ} [فاطر: 11] وبعضهم يقول العمر هاهنا ستّون سنةً.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} [فاطر: 11] عمر هذا الّذي عمّر وموت هذا الّذي لم يعمّر ما عمّر الآخر على اللّه يسيرٌ.
وقال السّدّيّ: {إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} [فاطر: 11]، يعني: هيّنٌ عليه وليس بشديدٍ
[تفسير القرآن العظيم: 2/781]
عليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/782]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وما يعمّر من مّعمّرٍ...}
يقول: ما يطوّل من عمر، ولا ينقص من عمره، يرد آخر غير الأوّل، ثم كنى عنه بالهاء كأنه الأوّل. ومثله في الكلام: عندي درهم ونصفه , يعني : نصف آخر, فجاز أن يكنى عنه بالهاء؛ لأن لفظ الثاني قد يظهر كلفظ الأوّل, فكنى عنه ككناية الأوّل.
وفيها قول آخر: {وما يعمّر من مّعمّرٍ ولا ينقص من عمره}: يقول: إذا أتى عليه الليل والنهار نقصا من عمره، والهاء في هذا المعنى للأوّل لا لغيره؛ لأن المعنى: ما يطوّل ,ولا يذهب منه شيء إلا هو محصىً في كتابٍ، وكلّ حسن ,وكأنّ الأوّل أشبه بالصواب.). [معاني القرآن: 2/368]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {واللّه خلقكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلّا بعلمه وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلّا في كتاب إنّ ذلك على اللّه يسير (11)}
{وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره}:وقرئت ينقص.
ويجوز " وما نعمّر من معمّر ولا ننقص " بالنون جميعا , ولكنه لم يقرأ بها فيما بلغني، فلا تقرأنّ بها.
وتأويل الآية : أن الله جلّ وعزّ قد كتب عمر كل معمّر , وكتب يعمّر كذا وكذا سنة , وكذا وكذا شهرا، وكذا وكذا يوما، وكذا وكذا ساعة، فكل ما نقص من عمره من سنة , أو شهر , أو يوم , أو ساعة كتب ذلك حتى يبلغ أجله.). [معاني القرآن: 4/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب}
في معنى هذه الآية أقوال:
- فمن أحسنها وأشبهها بظاهر التنزيل , قول الضحاك : (قال: من قضيت له أن يعمر حتى يدركه الهرم , أو يعمر دون ذلك, فكل ذلك بقضاء , وكل في كتاب) .
قال أبو جعفر : والمعنى على هذا : وما يعمر من معمر , أي: هرم , وفلان معمر , أي: كبير , ولا ينقص آخر من عمره من عمر الهرم إلا بقضاء من الله عز وجل.
-وروى عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس في قوله جل وعز: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب}
قال : (يكتب عمره كذا وكذا سنة , وكذا وكذا شهر , وكذا وكذا يوما , ثم يكتب نقص من عمره يوم , ونقص من عمره شهر , ونقص من عمره سنة في كتاب آخر إلى أن يستوفي أجله فيموت) .
-قال سعيد بن جبير : فيما مضى من عمره فهو النقصان , وما يستقبل فهو الذي يعمر .
-وروى الزهري , عن سعيد بن المسيب , عن كعب الأحبار أنه قال : (لما طعن عمر بن الخطاب، لو دعا الله , لزاد في أجله , فأنكر ذلك عليه المسلمون , وقالوا: إن الله عز وجل يقول: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
فقال , وإن الله تعالى يقول :{وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب}).
ـ قال الزهري : (نرى أنه يؤخر ما لم يحضر الأجل , فإذا حضر الإجل لم يزد في العمر , ولم يقع تأخير) .
قال أبو جعفر : وقيل في معنى الآية : إنه يكون أن يحكم أن عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع , وتسعون إن عصى , فأيهما بلغ , فهو في كتاب .
{إن ذلك على الله يسير }: أي : إحصاء طويل الأعماروقصيرها لا يتعذر عليه.). [معاني القرآن: 5/444-446]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره}:معناه: ولا ينقص من عمر أحد غير المعمر المذكور.
قال ثعلب: والعرب تقول: لك عندي دينار ونصفه، أي: ونصف دينار آخر.). [ياقوتة الصراط: 417]
تفسير قوله تعالى:{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وما يستوي البحران هذا عذبٌ فراتٌ} [فاطر: 12] حلوٌ.
{سائغٌ شرابه وهذا ملحٌ أجاجٌ} [فاطر: 12] مرٌّ.
{ومن كلٍّ} [فاطر: 12] من العذب والمالح.
{تأكلون لحمًا طريًّا} [فاطر: 12]، يعني: الحيتان.
{وتستخرجون حليةً تلبسونها} [فاطر: 12] اللّؤلؤ.
{وترى الفلك فيه مواخر} [فاطر: 12] مقبلةً ومدبرةً بريحٍ واحدةٍ.
وقال بعضهم: تمخر تشقّ الماء.
{لتبتغوا من فضله} [فاطر: 12] طلب التّجارة في البحر، وهو تفسير مجاهدٍ.
قال: {ولعلّكم تشكرون} [فاطر: 12] ولكي تشكروا). [تفسير القرآن العظيم: 2/782]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ومن كلٍّ تأكلون لحماً طريّاً...}
يريد: من البحرين جميعاً: من الملح , والعذب. {وتستخرجون حليةً}: من الملح دون العذب.
وقوله: {وترى الفلك فيه مواخر} , ومخرها: خرقها للماء إذا مرّت فيه، واحدها : ماخرة.).[معاني القرآن: 2/368]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({هذا عذب فراتٌ سائغٌ شرابه وهذا ملحٌ أجاجٌ}: الفرات : أعذب العذب , والاجاج : أملح الملوحة.
{فيه مواخر }: تقديرها فواعل من " مخرت السفن الماء " , والمعنى: شقّت.). [مجاز القرآن: 2/153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وترى الفلك فيه مواخر} : أي:جواري, ومخرها: خرقها للماء). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجتمع شيئان ولأحدهما فعل فيجعل الفعل لهما:
كقوله سبحانه: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا}.
روي في التفسير: أن النّاسي كان يوشع بن نون ويدلّك قوله لموسى، صلّى الله عليه وسلم: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ}.
وقوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ} والرسل من الإنس دون الجن.
وقوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} ثم قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} . واللؤلؤ والمرجان إنما يخرجان من الماء الملح لا من العذب.
وكذلك قوله: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.
وقد غلط في هذا المعنى أبو ذؤيب الهذليّ ولا أدري أمن جهة هذه الآيات غلط
أم من غيرها؟ قال يذكر الدّرّة:
فجاء بها ما شئت من لطميّة = يدوم الفرات فوقها ويموج
والفرات لا يدوم فوقها وإنما يدوم الأجاج). [تأويل مشكل القرآن: 286-288] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كلّ تأكلون لحما طريّا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون (12)}
الفرات: المبالغ في العذوبة.
{وهذا ملح أجاج}:الأجاج الشديد المرارة، والأجاج أيضا : الشديد الحرارة.
{ومن كلّ تأكلون لحما طريّا وتستخرجون حلية تلبسونها}: وإنما تستخرج الحلية من الملح دون العذب، إلا أنهما لما كانا مختلط ين العذب , والملح، جاز أن يقال : تستخرجون الحلية, وهي اللؤلؤ والمرجان , وما أشبه ذلك منهما, كما قال: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}. {وترى الفلك فيه مواخر}: المعنى : في مواخر : تشق الماء.
وجاء في التفسير : أنها تصاعد , وتنحدر في البحر بريح واحدة.
والفلك جمع فلك : لفظ الواحد كلفظ الجمع لأن فعلا : جمع فعل نحو : أسد وأسد، ووثن ووثن، فكذلك جمع فعل لأنهما أختان في الجمع، تقول: جبل وأجبال، وقفل وأقفال، وكذلك أسد وآساد., وفلك للواحد , وفلك للجماعة). [معاني القرآن: 4/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما يستوي البحران هذا عذب فرات}
قال أبو عبيدة : الفرات أعذب العذوبة , والأجاج: أملح الملوحة .
ثم قال جل وعز: {ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها}
الحلية : اللؤلؤ , والمرجان , كما قال تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} , وإنما يخرج من الملح
قال أبو جعفر : وهذا كثير في كلام العرب لأن البحرين مختلطان , فجاز أن يقال يخرج منهما , وإنما يخرج من أحدهما على قول بعض أهل اللغة .
ثم قال جل وعز: {وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله}
قال قتادة: أي : (تجري الفلك مقبلة , ومدبرة) .
قال أبو جعفر : مخرت السفينة : تمخر , وتمخر مخرا ومخورا إذا خرقت الماء.). [معاني القرآن: 5/446-447]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أجاج}: أخبرنا أبو عمر , قال: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي , قال: الأجاج : أشد الماء ملوحة).). [ياقوتة الصراط: 418]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَوَاخِرَ}: أي جواري. ومخرها: خرقها للماء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فُرَاتٌ}: عذب .
{أُجَاجٌ}: ملح.
{مَوَاخِرَ}: تشق الماء.). [العمدة في غريب القرآن: 248]
تفسير قوله تعالى:{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل} [فاطر: 13] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: هو أخذ أحدهما من صاحبه.
{وسخّر الشّمس والقمر كلٌّ يجري لأجلٍ مسمًّى} [فاطر: 13] لا يعدوه.
وقال السّدّيّ: وهو مطالع الشّمس والقمر إلى غايةٍ لا يجاوزانه في شتاءٍ ولا صيفٍ.
{ذلكم اللّه ربّكم له الملك والّذين تدعون من دونه} [فاطر: 13] يقوله للمشركين، يعني: أوثانهم.
{ما يملكون من قطميرٍ} [فاطر: 13] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: القطمير: القشرة الّتي تكون على
[تفسير القرآن العظيم: 2/782]
النّواة، يعني: السّحاة البيضاء.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: القطمير، لفافة النّواة كسحاة البصلة). [تفسير القرآن العظيم: 2/783]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({ كلٌّ يجري لأجل مسمّى}: مجازه : مجاز ما خرج من الحيوان , والموات مخرج الآدميين.
{ما يملكون من قطمير}:وهو: الفوقة التي فيها النواة.). [مجاز القرآن: 2/153] قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من قطمير}: القطمير القشرة التي بين لحاء الثمرة والنواة). [غريب القرآن وتفسيره: 309]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ما يملكون من قطميرٍ}: القطمير: الفوفة التي تكون في النواة.
وفي التفسير: أنه الذي بين قمع الرطبة وبين النواة, وهو من الاستعارة في قلة الشيء , وتحقيره.). [تفسير غريب القرآن: 360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قول الله عز وجل: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}
والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة. والنّقير: النّقرة في ظهرها.
ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.
وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا
وكذلك قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} وهو (الفوقة) التي فيها النّواة. يريد ما يملكون شيئا.
ومنه قوله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي قصدنا لأعمالهم وعمدنا لها.
والأصلُ أنَّ مَن أرادَ القُدوم إلى موضع عَمَدَ له وَقَصَدَه.
والهباء المنثور: ما رأيته في شُعَاعِ الشَّمس الداخلِ من كُوَّةِ البيتِ.
والهباء المنبثُّ: ما سَطَعَ مِن سَنابكِ الخيلِ.
وإنما أراد أنّا أبطلناه كما أنَّ هذا مُبطَلُ لا يُلْمَسُ ولا يُنْتَفَعُ بهِ). [تأويل مشكل القرآن: 138] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{والّذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير (13)}
وهي: لفافة النواة، والنقير : النقرة في ظهر النواة، والفتيل : الذي في وسط النّواة.). [معاني القرآن: 4/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير}
روى خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس قال : القطمير: القشرة التي على النواة أي: بينها , وبين التمرة , والفتيل الذي في شق النواة , قال : والنقير : الحبة التي في وسط النواة.).[معاني القرآن: 5/447-448] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قِطْمِيرٍ}: هو القشرة التي تكون على النواة.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((القِطْمِيرٍ): غشاة النواة.). [العمدة في غريب القرآن: 248]
تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إن تدعوهم} [فاطر: 14]، يعني: تنادوهم.
{لا يسمعوا دعاءكم} [فاطر: 14] نداءكم تفسير السّدّيّ.
{ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم} [فاطر: 14] بعبادتكم إيّاهم.
{ولا ينبّئك مثل خبيرٍ} [فاطر: 14] وهو اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/783]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ( {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير (14)}
{ويوم القيامة يكفرون بشرككم}: يعني يقولون: ما كنتم إيّانا تعبدون، فيكفرون بعبادتكم إيّاهم {ولا ينبّئك مثل خبير}: وهو اللّه، لأن ما أنبأ اللّه به مما يكون فهو وحده يخبره، لا يشركه فيه أحد). [معاني القرآن: 4/267]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}
أي:يتبرءون منهم,ومن عبادتهم إياهم, ويوبخونهم على ذلك .
ثم قال تعالى: {ولا ينبئك مثل خبير}:وهو الله جل وعز خبير بما يكون لا يعلمه غيره.). [معاني القرآن: 5/448]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى اللّه واللّه هو الغنيّ} [فاطر: 15] عنكم.
{الحميد} [فاطر: 15] المستحمد إلى خلقه، استوجب عليهم أن يحمدوه). [تفسير القرآن العظيم: 2/783]
تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إن يشأ يذهبكم} [فاطر: 16] يهلككم بعذاب الاستئصال.
{ويأت بخلقٍ جديدٍ} [فاطر: 16] هو أطوع له منكم كقوله: {إنّا لقادرون {40} على أن نبدّل خيرًا منهم} [المعارج: 40-41] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/783]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وما ذلك على اللّه بعزيزٍ} [فاطر: 17] أنّى فعل ذلك بكم، وقال السّدّيّ: يعني: وما ذلك على اللّه بشديدٍ، أي: لا يشقّ عليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/783]