تمهيد
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تمهيد
الحمد لله الذي أنزل القرآن ذكراً للعالمين، وهدى ورحمة للمؤمنين، فبصَّرهم بهِ وهداهم، ووعظهم به وزكَّاهم، وأنزل لهم فيه تفصيل كلّ شيء، وضرب فيه من كلّ مثل، ويسّره للذكر، ووعد من آمن به واتّبعه بالنجاة من العذاب الأليم، والفوز بالفضل العظيم في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
والصلاة والسلام على النبيّ الأمين، والرسول الكريم، الذي أنزل الله عليه الكتاب والحكمة وكرَّمه، وعلّمه مما يشاء وفهّمه، وأرسله إلينا شاهداً ومبشّراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ فكان أعلم الناس بالقرآن، وأعظمهم نصيباً من بركته، وأحسنهم اتّباعاً لهداه؛ حتى كان خلقُه القرآن؛ كما صحَّ عن سعد بن هشام بن عامر أنه قال لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: «ألست تقرأ القرآن؟»
قال: بلى.
قالت: «فإنَّ خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن» رواه مسلم.
وهذا غايةُ ما يكونُ من الاهتداءِ بالقرآنِ، واستكمالِ الإيمانِ به، أن يكون خلق الإنسان ما بيَّنه الله عزَّ وجل وهدى إليه في القرآن اعتقاداً وقولاً وعملاً.
وقد أُمرنا باتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعَلى قدْرِ ما يبلغ العبدُ من إحسان اتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ يكون حظّه من بركة هذا الاتباع، وحظّه من هُدى القرآن وما رتَّب الله عليه من الفضل العظيم.
أمّا بعد:
فإنّ الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان التي لا يصحّ الإيمان إلا بها، فحريّ بطالب العلم أن يعتني بفقه مسائل هذا الأصل العظيم حتى يتبيّن ما يتحقق به، وما يقدح في صحة الإيمان به، وأن يتعرّف المسائلَ التي يبحثها العلماء في أبواب الإيمان بالقرآن، ويعرف مراتب المخالفة في ذلك، وأحكام المخالفين ودرجاتهم.
ولما كانت هذه المباحث متفرّقة في كتب الاعتقاد والسلوك والتفسير وشروح الحديث وبعض المؤلفات المفردة في بعض ما يتّصل بمسائل الإيمان بالقرآن حرصت على جمع شتات تلك المسائل وترتيبها وتقريبها لطلاب العلم.
ثمّ ألقيت ما جمعته في دورة علمية لطلاب برنامج إعداد المفسّر في معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد في شهر ذي القعدة من عام 1436 هـ.
ثم راجعت المادّة العلمية لتلك الدورة في شهر شوال من عام 1437 هـ لتخرج في هذا الكتاب المختصر.
وأسأل الله تعالى أن يتقبّله بمنّه وكرمه إنه سميع عليم، وأن ينفع به طلاب العلم ويبارك فيه بركة من عنده إنه حميد مجيد) [ الإيمان بالقرآن: 5-8 ]