العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة غافر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 جمادى الأولى 1434هـ/29-03-2013م, 12:09 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة غافر [ من الآية 28 إلى الآية 33]

تفسير سورة غافر [ من الآية 28 إلى الآية 33]

وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 جمادى الأولى 1434هـ/29-03-2013م, 12:59 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثني يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم التّيميّ، قال: حدّثني عروة بن الزّبير، قال: قلت لعبد اللّه بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشدّ ما صنع المشركون برسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، قال: " بينا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بفناء الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيطٍ فأخذ بمنكب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكرٍ فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وقال: {أتقتلون رجلًا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم} [غافر: 28] "). [صحيح البخاري: 6/127]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ثمّ ذكر حديث عروة بن الزّبير قلت لعبد اللّه بن عمرو بن العاص أخبرني بأشدّ ما صنعه المشركون وقد تقدّم شرحه في أوائل السّيرة النّبويّة). [فتح الباري: 8/555]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا عليّ بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلمٍ حدثنا الأوزاعيّ قال حدثني يحيى بن أبي كثيرٍ قال حدثني محمّد بن إبراهيم التّيميّ قال حدثني عروة بن الزّبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشدّ ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيطٍ فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكرٍ فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم} (غافر: 28).
الوليد بن مسلم الدّمشقي يروي عن عبد الرّحمن الأوزاعيّ. والحديث مضى في آخر مناقب أبي بكر رضي الله عنه، فإنّه أخرجه هناك عن محمّد بن يزيد الكوفي عن الوليد عن الأوزاعيّ إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك). [عمدة القاري: 19/149]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا الأوزاعيّ قال: حدّثني يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني محمّد بن إبراهيم التّيميّ، حدّثني عروة بن الزّبير قال: قلت لعبد اللّه بن عمرو بن العاص أخبرني بأشدّ ما صنع المشركون برسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: بينا رسول
الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يصلّي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيطٍ فأخذ بمنكب رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكرٍ فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقال: {أتقتلون رجلًا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم} [غافر: 28].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة صالح اليمامي الطائي ولأبي ذر والأصيلي عن يحيى بن أبي كثير قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن إبراهيم التيمي) نسبة إلى تيم قريش المدني قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنع المشركون) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ما صنعه المشركون (برسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-؟ قال: بينا) بغير ميم (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يصلي بفناء الكعبة) بكسر الفاء (إذ أقبل عقبة بن أبي معيط) الأموي المقتول كافرًا بعد انصرافه -صلّى اللّه عليه وسلّم- من بدر بيوم (فأخذ بمنكب رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) بفتح الميم وكسر القاف (ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا) ولأبي ذر: فخنقه به خنقًا والنون من خنقًا ساكنة في الروايتين في اليونينية وفرعها ومكسورة في بعضها (شديدًا، فأقبل أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فأخذ بمنكبه ودفع) عقبة (عن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقال) وللأصيلي ثم قال أي مستفهمًا استفهامًا إنكاريًا ({أتقتلون رجلًا}) كراهية ({أن يقول ربي الله}) أو لأن يقول ({وقد جاءكم بالبينات من ربكم}) [غافر: 28] جملة حالية.
قال جعفر بن محمد: كان أبو بكر خيرًا من مؤمن آل فرعون لأنه كان يكتم إيمانه. وقال أبو بكر جهارًا: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، وقال غيره: إن أبا بكر أفضل من مؤمن آل فرعون لأن ذلك اقتصر حيث انتصر على اللسان، وأما أبو بكر -رضي الله عنه- فاتبع اللسان يدًا ونصر بالقول والفعل محمدًا.
وهذا الحديث ذكره المؤلّف في مناقب أبي بكر، وفي باب ما لقي النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وأصحابه من المشركين بمكة). [إرشاد الساري: 7/325]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن عبدة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عمرو بن العاصي، أنّه سئل: ما أشدّ شيءٍ رأيت قريشًا بلغوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟، قال: مرّ بهم ذات يومٍ، فقالوا له: أنت الّذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟، قال: «أنا»، فقاموا إليه فأخذوه بمجامع ثيابه، قال: فرأيت أبا بكرٍ محتضنه من ورائه يصرخ، وإنّ عينيه تنضحان، وهو يقول: {أتقتلون رجلًا أن يقول ربّي الله} [غافر: 28] الآية.
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا اللّيث، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة، وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار، حتّى يبعثه الله يوم القيامة»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وقال رجلٌ مؤمنٌ من آل فرعون يكتم إيمانه} اختلف أهل العلم في هذا الرّجل المؤمن، فقال بعضهم: كان من قوم فرعون، غير أنّه كان قد آمن بموسى، وكان يسرّ إيمانه من فرعون وقومه خوفًا على نفسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وقال رجلٌ مؤمنٌ من آل فرعون} قال: هو ابن عمّ فرعون ويقال: هو الّذي نجا مع موسى.
فمن قال هذا القول، وتأوّل هذا التّأويل، كان صوابًا الوقف إذا أراد القارئ الوقف على قوله: {من آل فرعون} لأنّ ذلك خبرٌ متناه قد تمّ.
وقال آخرون: بل كان الرّجل إسرائيليًّا، ولكنّه كان يكتم إيمانه من آل فرعون.
والصّواب على هذا القول لمن أراد الوقف أن يجعل وقفه على قوله: {يكتم إيمانه} لأنّ قوله: {من آل فرعون} صلةٌ لقوله: {يكتم إيمانه} فتمامه قوله: يكتم إيمانه.
وقد ذكر أنّ اسم هذا الرّجل المؤمن من آل فرعون: خبرك.
- كذلك حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب عندي القول الّذي قاله السّدّيّ من أنّ الرّجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه، واستمع منه ما قاله، وتوقّف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله وقيله ما قاله وقال له: ما أريكم إلاّ ما أرى، وما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد، ولو كان إسرائيليًّا لكان حريًّا أن يعاجل هذا القاتل له، ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله، لأنّه لم يكن يستنصح بني إسرائيل، لاعتداده إيّاهم أعداءً له، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلاً؟ ولكنّه لمّا كان من ملأ قومه، استمع قوله، وكفّ عمّا كان هم به في موسى.
وقوله: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي اللّه} يقول: أتقتلون أيّها القوم موسى لأن يقول ربّي اللّه؟ فأن في موضع نصبٍ لما وصفت {وقد جاءكم بالبيّنات} يقول: وقد جاءكم بالآيات الواضحات على حقيقة ما يقول من ذلك. وتلك البيّنات من الآيات يده وعصاه.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم} بعصاه وبيده.
- وقوله: {وإن يك كاذبًا فعليه كذبه} يقول: وإن يك موسى كاذبًا في قيله: إنّ اللّه أرسله إليكم يأمركم بعبادته، وترك دينكم الّذي أنتم عليه، فإنّما إثمٌ كذبه عليه دونكم {وإن يك صادقًا يصبكم بعض الّذي يعدكم} يقول: وإن يك صادقًا في قيله ذلك، أصابكم الّذي وعدكم من العقوبة على مقامكم على الدّين الّذي أنتم عليه مقيمون، فلا حاجة بكم إلى قتله، فتزيدوا ربّكم بذلك إلى سخطه عليكم بكفركم سخطًا {إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرفٌ كذّابٌ} يقول: إنّ اللّه لا يوفّق للحقّ من هو متعدٍّ إلى فعل ما ليس له فعله، كذّابٌ عليه يكذب، ويقول عليه الباطل وغير الحقّ.
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى الإسراف الّذي ذكره المؤمن في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به الشّرك، وأراد: إنّ اللّه لا يهدي من هو مشركٌ به مفترٍ عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرفٌ كذّابٌ} مشركٌ أسرف على نفسه بالشّرك.
وقال آخرون: عنى به من هو قتّالٌ سفّاكٌ للدّماء بغير حقٍّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرفٌ كذّابٌ} قال: المسرف: هو صاحب الدّم، ويقال: هم المشركون.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه أخبر عن هذا المؤمن أنّه عمّ بقوله: {إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرفٌ كذّابٌ}، والشّرك من الإسراف، وسفك الدّم بغير حقٍّ من الإسراف، وقد كان مجتمعًا في فرعون الأمران كلاهما، فالحق أن يعمّ ذلك كما أخبر جلّ ثناؤه عن قائله، أنّه عمّ القول بذلك). [جامع البيان: 20/311-313]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن عمرو بن العاص قال: "ما رأيت أجد قريشًا أرادوا قتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا يومًا ائتمروا به وهم جلوسٌ في ظلّ الكعبة، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي عند المقام فقام إليه عتبة بن أبي معيطٍ فجعل رداءه في عنقه، ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطاً وتصايح النّاس وظنّوا أنّه مقتولٌ، فأقبل أبو بكر يشتد- حتّى أخذ بضبعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من ورائه وهو يقول: أتقتلون رجلًا أن يقول ربيّ اللّه؟ "ثمّ انصرفوا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي، فلمّا قضى صلاته مرّ بهم وهم جلوسٌ في ظلّ الكعبة، فقال: يا معشر قريشٍ، أما والّذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذّبح- وأشار بيده إلى حلقه- فقال له أبو جهلٍ: يا محمّد، ما كنت جهولًا فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أنت منهم".
هذا إسناد رواته ثقات.
ورواه أبو يعلى وتقدم في باب السير.
قلت: رواه النّسائيّ في التّفسير من طريق عروة بن الزّبير، عن عمرو بن العاص). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/262-263]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه {إني أخاف أن يبدل دينكم} أي أمركم الذي أنتم عليه {أو أن يظهر في الأرض الفساد} والفساد عنده أن يعمل بطاعة الله (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) قال: المشرك أسرف على نفسه بالشرك). [الدر المنثور: 13/35] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 28.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يكن في آل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى عليه السلام، الذي قال: أن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) قال ابن المنذر أخبرت أن اسمه حزقيل). [الدر المنثور: 13/35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق رضي الله عنه قال: كان سم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيب). [الدر المنثور: 13/35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن المنذر، وابن مردويه من طريق عروة رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} ). [الدر المنثور: 13/35-36]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان أشد من أن طاف بالبيت ضحى فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه وقالوا: أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا قال: أنا ذاك، فقام أبو بكر رضي الله عنه فالتزمه من ورائه ثم قال {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} رافعا صوته بذلك وعيناه يسحان حتى أرسلوه). [الدر المنثور: 13/36]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه، فقام أبو بكر رضي الله عنه فجعل ينادي ويلكم {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} قالوا: من هذا قال: هذا ابن أبي قحافة.
وأخرج الحكيم الترمذي، وابن مردويه من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، نحوه). [الدر المنثور: 13/36-37]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس أخبروني بأشجع الناس قالوا: أنت، قال: لا، قالوا: فمن قال: أبو بكر رضي الله عنه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، هذا يحثه وهذا يبلبله وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة آلها واحدا قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر رضي الله عنه، يضرب هذا ويجاهد هذا وهو يقول ويلكم {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} ثم رفع علي رضي عنه بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال: أنشدكم بالله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر رضي الله عنه خير من مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه). [الدر المنثور: 13/37-38]

تفسير قوله تعالى: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} يعني: أرض مصر، يقول: لكم السّلطان اليوم والملك ظاهرين أنتم على بني إسرائيل في أرض مصر {فمن ينصرنا من بأس اللّه} يقول: فمن يدفع عنّا بأس اللّه وسطوته إن حلّ بنا، وعقوبته إن جاءتنا، {قال فرعون ما أريكم إلاّ ما أرى} يقول: قال فرعون مجيبًا لهذا المؤمن النّاهي عن قتل موسى: ما رأيكم أيّها النّاس من الرّأي والنّصيحة إلاّ ما أرى لنفسي ولكم صلاحًا وصوابًا، وما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد. يقول: وما أدعوكم إلاّ إلى طريق الحقّ والصّواب في أمر موسى وقتله، فإنّكم إن لم تقتلوه بدّل دينكم، وأظهر في أرضكم الفساد). [جامع البيان: 20/314]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح قال هو الأحزاب قوم نوح وعاد وثمود). [تفسير عبد الرزاق: 2/181]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذي آمن يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب (30) مثل دأب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والّذين من بعدهم وما اللّه يريد ظلمًا للعباد}.
يقول تعالى ذكره: وقال المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه: يا قوم إنّي أخاف عليكم بقتلكم موسى إن قتلتموه مثل يوم الأحزاب الّذين تحزّبوا على رسل اللّه نوحٍ وهودٍ وصالحٍ، فأهلكهم اللّه بتجرّئهم عليه، فيهلككم كما أهلكهم). [جامع البيان: 20/314]

تفسير قوله تعالى: (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {مثل دأب قوم نوحٍ} يقول: يفعل ذلك بكم فيهلككم مثل سنّته في قوم نوحٍ وعادٍ وثمودٍ وفعله بهم.
وقد بيّنّا معنى الدّأب فيما مضى بشواهده، المغنية عن إعادته، مع ذكر أقوال أهل التّأويل فيه.
- وقد حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ {مثل دأب قوم نوحٍ} يقول: مثل حال.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {مثل دأب قوم نوحٍ} قال: مثل ما أصابهم.
وقوله: {والّذين من بعدهم} يعني قوم إبراهيم، وقوم لوطٍ، وهم أيضًا من الأحزاب.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {والّذين من بعدهم} قال: هم الأحزاب.
وقوله: {وما اللّه يريد ظلمًا للعباد} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه: وما أهلك اللّه هذه الأحزاب من هذه الأمم ظلمًا منه لهم بغير جرمٍ اجترموه بينهم وبينه، لأنّه لا يريد ظلم عباده، ولا يشاؤه، ولكنّه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم به، وخلافهم أمره). [جامع البيان: 20/315]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 29 - 31.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس {مثل دأب} مثل حال). [الدر المنثور: 13/38]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {مثل دأب قوم نوح} قال: هم الأحزاب {قوم نوح وعاد وثمود} ). [الدر المنثور: 13/38]

تفسير قوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثنا عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان، في قوله: {إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين} [سورة غافر: 32-33]، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدمع، فيبكون حتى ينفد الدمع، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم، فيبكون حتى ينفد الدم، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح، قال: يرسل عليهم من أمر الله فيولون مدبرين، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح، فيبكون قيحًا، حتى ينفد القيح، فتغور أبصارهم كالحدق في الطين). [الزهد لابن المبارك: 2/735]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يوم التناد يوم ينادي كل قوم بأعمالهم فينادي أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار). [تفسير عبد الرزاق: 2/181]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد (32) يوم تولّون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصمٍ ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هذا المؤمن لفرعون وقومه: {ويا قوم إنّي أخاف عليكم} بقتلكم موسى إن قتلتموه عقاب اللّه {يوم التّناد}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {يوم التّناد} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار: {يوم التّناد} بتخفيف الدّالّ، وترك إثبات الياء، بمعنى التّفاعل، من تنادى القوم تناديًا، كما قال جلّ ثناؤه: {ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقًّا قالوا نعم} وقال: {ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء} فكذلك تأوّله قارئو ذلك كذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّه قال في هذه الآية {يوم التّناد} قال: يوم ينادي أهل النّار أهل الجنّة: أن أفيضوا علينا من الماء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد} يوم ينادي أهل الجنّة أهل النّار {أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقًّا} وينادي أهل النّار أهل الجنّة {أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يوم التّناد} قال: يوم القيامة ينادي أهل الجنّة أهل النّار.
وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في معنى ذلك على هذه القراءة تأويلٌ آخر على غير هذا الوجه؛ وهو ما:
- حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن إسماعيل بن رافعٍ المدنيّ، عن يزيد بن زيادٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن رجلٍ من الأنصار، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يأمر اللّه إسرافيل بالنّفخة الأولى، فيقول: أنفخ نفخة الفزع، ففزع أهل السّموات وأهل الأرض إلاّ من شاء اللّه، ويأمره اللّه فيديمها ويطوّلها فلا يفتر، وهي الّتي يقول اللّه: {وما ينظر هؤلاء إلاّ صيحةً واحدةً ما لها من فواقٍ} فيسيّر اللّه الجبال فتكون سرابًا، فترجّ الأرض بأهلها رجًّا، وهي الّتي يقول اللّه: {يوم ترجف الرّاجفة تتبعها الرّادفة قلوبٌ يومئذٍ واجفةٌ} فتكون كالسّفينة المرنّقة في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، أو كالقنديل المعلّق بالعرش ترجّه الأرواح، فتميد النّاس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشّياطين هاربةً حتّى تأتي الأقطار، فتلقّاها الملائكة، فتضرب وجوهها، فترجع ويولّي النّاس مدبرين، ينادي بعضهم بعضًا، وهو الّذي يقول اللّه: {يوم التّناد (32) يوم تولّون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصمٍ}.
فعلى هذا التّأويل معنى الكلام: ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم ينادي النّاس بعضهم بعضًا من فزع نفخة الفزع.
وقرأ ذلك آخرون: يوم التّنادّ بتشديد الدّالّ، بمعنى: التّفاعل من النّدّ، وذلك إذا هربوا فندّوا في الأرض، كما تندّ الإبل: إذا شردت على أربابها.
ذكر من قال ذلك كذلك، وذكر المعنى الّذي قصد بقراءته ذلك كذلك:
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: إذا كان يوم القيامة، أمر اللّه السّماء الدّنيا فتشقّقت بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثمّ الثّانية، ثمّ الثّالثة، ثمّ الرّابعة، ثمّ الخامسة، ثمّ السّادسة، ثمّ السّابعة، فصفّوا صفًّا دون صفٍّ، ثمّ ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنّم، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا فلا يأتون قطرًا من أقطار الأرض إلاّ وجدوا السّبعة صفوفٍ من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الّذي كانوا فيه، فذلك قول اللّه: {إنّي أخاف عليكم يوم التّناد (32) يوم تولّون مدبرين} وذلك قوله: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا وجيء يومئذٍ بجهنّم}، وقوله: {يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السّموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطانٍ} وذلك قوله: {وانشقّت السّماء فهي يومئذٍ واهيةٌ والملك على أرجائها}.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله {يوم التّناد} قال: تندّون.
وروي عن الحسن البصريّ أنّه قرأ ذلك: (يوم التّنادي) بإثبات الياء وتخفيف الدّالّ.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وهو تخفيف الدّالّ وبغير إثبات الياء، وذلك أنّ ذلك هو القراءة الّتي عليها الحجّة من قرّاء الأمصار، وغير جائزٍ خلافها فيما جاءت به نقلاً فإذا كان ذلك هو الصّواب، فمعنى الكلام: ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم ينادي النّاس بعضهم بعضًا، إمّا من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان اللّه، وفظاعة ما غشيهم من كرب ذلك اليوم، وإمّا لتذكير بعضهم بعضًا إنجاز اللّه إيّاهم الوعد الّذي وعدهم في الدّنيا، واستغاثةً من بعضهم ببعضٍ، ممّا لقي من عظيم البلاء فيه). [جامع البيان: 20/316-320]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 32 - 33.
أخرج ابن المبارك، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها فتكون الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن بها ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة، فصفوا صفا دون صف ثم ينزل الملك الأعلى ليسري جهنم فإذا رأها أهل الأرض هربوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله {يوم التناد} يعني بتشديد الدال {يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم} وذلك قوله (وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم) (الفجر الآية 22 - 23) وقوله (يا معشر الجن والإنس إن إستطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فأنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) (الرحمن الآية 33) وقوله (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها) (الحاقة الآية 17) يعني ما تشقق فيها، فبينما هم كذلك إذ سمعوا الصوت فأقبلوا إلى الحساب). [الدر المنثور: 13/38-39]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {يوم التناد} قال: ينادى كل قوم بأعمالهم، فنادي أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار {يوم تولون مدبرين} إلى النار {ما لكم من الله من عاصم} أي من ناصر). [الدر المنثور: 13/39]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد} قال: ينادي أهل الجنة أهل النار (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) (الأعراف الآية 44) قال: وينادي أهل النار أهل الجنة (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) (الأعراف الآية 50) ). [الدر المنثور: 13/39-40]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثنا عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان، في قوله: {إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين} [سورة غافر: 32-33]، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدمع، فيبكون حتى ينفد الدمع، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم، فيبكون حتى ينفد الدم، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح، قال: يرسل عليهم من أمر الله فيولون مدبرين، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح، فيبكون قيحًا، حتى ينفد القيح، فتغور أبصارهم كالحدق في الطين). [الزهد لابن المبارك: 2/735](م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى يوم تولون مدبرين قال مدبرين إلى النار). [تفسير عبد الرزاق: 2/181]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {يوم تولّون مدبرين} فتأويله على التّأويل الّذي ذكرنا من الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يوم يولّون هاربين في الأرض حذار عذاب اللّه وعقابه عند معاينتهم جهنّم.
وتأويله على التّأويل الّذي قاله قتادة في معنى {يوم التّناد} يوم تولّون منصرفين عن موقف الحساب إلى جهنّم.
وبنحو ذلك روي الخبر عنه، وعمّن قال نحو مقالته في معنى {يوم التّناد}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {يوم تولّون مدبرين} أي منطلقًا بكم إلى النّار.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب القول الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإن كان الّذي قاله قتادة في ذلك غير بعيدٍ من الحقّ.
وبه قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يوم تولّون مدبرين} قال: فارين غير معجزين.
وقوله: {ما لكم من اللّه من عاصمٍ} يقول: ما لكم من اللّه مانعٌ يمنعكم، وناصرٌ ينصركم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ما لكم من اللّه من عاصمٍ} أي من ناصرٍ.
وقوله: {ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ} يقول: ومن يخذله اللّه فلم يوفّقه لرشده، فما له من موفّقٍ يوفّقه له). [جامع البيان: 20/320-321]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يوم تولون مدبرين يعني فارين غير معجزين). [تفسير مجاهد: 564]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 32 - 33.
أخرج ابن المبارك، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها فتكون الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن بها ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة، فصفوا صفا دون صف ثم ينزل الملك الأعلى ليسري جهنم فإذا رأها أهل الأرض هربوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله {يوم التناد} يعني بتشديد الدال {يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم} وذلك قوله (وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم) (الفجر الآية 22 - 23) وقوله (يا معشر الجن والإنس إن إستطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فأنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) (الرحمن الآية 33) وقوله (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها) (الحاقة الآية 17) يعني ما تشقق فيها، فبينما هم كذلك إذ سمعوا الصوت فأقبلوا إلى الحساب). [الدر المنثور: 13/38-39] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {يوم التناد} قال: ينادى كل قوم بأعمالهم، فنادي أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار {يوم تولون مدبرين} إلى النار {ما لكم من الله من عاصم} أي من ناصر). [الدر المنثور: 13/39] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه {يوم تولون مدبرين} قال: قادرين غير معجزين). [الدر المنثور: 13/40]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 08:35 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى:{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الّذي يعدكم إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرف كذّاب (28)}
جاء في التفسير : أن هذا الرجل أعني مؤمن آل فرعون، كان أن يسمى: سمعان، وقيل: كان اسمه حبيبا، ويكون
{من آل فرعون} : صفة للرجل، ويكون {يكتم إيمانه} معه محذوف، ويكون المعنى يكتم إيمانه منهم، ويكون يكتم من صفة رجل، فيكون المعنى: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.
{أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه} : المعنى لأن يقول ربي اللّه.
{وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم}: أي: بما يدل على صدقه من آيات النبوة {وإن يك كاذبا فعليه كذبه} , أي: فلا يضركم.
{وإن يك صادقا يصبكم بعض الّذي يعدكم} : وهذا من لطيف المسائل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره، لم يقع بعضه، فالسؤال في هذا من أين جاز أن يقول: بعض الذي يعدكم؟، وحق اللفظ كل الذي يعدكم , فهذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى الزام الحجة بأيسر ما في الأمر، , وليس في هذا نفي إصابة الكل ومثل هذا قول الشاعر:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته = وقد يكون مع المستعجل الزّلل
إنما ذكر البعض ليوجب له الكل، لا أن البعض هو الكل ولكن للقائل إذا قال أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل الزلل، فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه.
وكان مؤمن آل فرعون قال لهم: أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وفي بعض ذلك هلاككم، فهذا تأويله , واللّه أعلم).
[معاني القرآن: 4/371-372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}
يجوز أن يكون المعنى : وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون على التقديم والتأخير
ويجوز أن يكون المعنى : وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه :
{ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله } أي: لأن يقول , وإن يك كاذبا فعليه كذبه , أي : لا يضركم منه شيء.
وقوله جل وعز:
{وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم}: هذه آية مشكلة ؛ لأن كل ما وعد به نبي كان فهذا موضع كل , ففيها أجوبة:
-منها أن بعضا بمعنى كل , وهذا مذهب أبي عبيدة وأنشد:
=أو يرتبط بعض النفوس حمامها
وهذا قول مرغوب عنه ؛ لأن فيه بطلان البيان .
-قال أبو إسحاق : في هذا إلزام الحجة للمناظر , أن يقال: أرأيت إن أصابك بعض ما أعدك , أليس فيه هلاكك؟ , فالمعنى : إن لم يصبكم إلا بعض ما وعدكم موسى , هلكتم , قال ومثله قول الشاعر:
قد يدرك المتأني بعض حاجته = وقد يكون مع المستعجل الزلل
أي : أقل أحوال المتأني أن يدرك بعض حاجته .
-وقيل: ليس في قوله:
{يصبكم بعض الذي يعدكم} : نفي للكل.
-وقيل: الأنبياء صلى الله عليهم يدعون على قومهم , فيقولون :اللهم اخسف بهم , اللهم أهلكهم في أنواع من الدعاء , فيصيبهم بعض ذلك .
-وفي الآية جواب خامس , وهو: أن موسى وعدهم بعذاب الدنيا معجلا إن كفروا , وبعذاب الآخرة , وإنما يلحقهم في الدنيا ما وعدهم به فيها , وعذاب الآخرة مؤخر , فعلى هذا يصيبهم بعض الذي يعدهم .
ثم قال جل وعز:
{إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}
أي : كافر
وقال قتادة :أي: (أسرف على نفسه بالشرك)
وقال السدي : (وهو صاحب الدم).).
[معاني القرآن: 6/216-218]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({يصبكم بعض الذي يعدكم}
قال ثعلب: وعدهم شيئين من العذاب: عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، فقال: يصبكم هذا العذاب في الدنيا، وهو بعض الوعيدين.).
[ياقوتة الصراط: 450]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والبأس: الشدة بالعذاب، قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي عذابنا.
وقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} وقال: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} أي: يمنعنا من عذاب الله). [تأويل مشكل القرآن: 505] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلّا ما أرى وما أهديكم إلّا سبيل الرّشاد (29)}
هذه حكاية قول مؤمن آل فرعون, أعلمهم اللّه أن لهم الملك في حال ظهورهم على جميع الناس).
[معاني القرآن: 4/372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}
روي , عن معاذ بن جبل أنه قرأ:
{سبيل الرشاد} بتشديد الشين , وقال: (سبيل الله جل وعز)
قال أبو جعفر : وهذا عند أكثر أهل اللغة العربية لحن ؛ لأنها إنما يقال : أرشد يرشد, ولا يكون فعال من أفعل , إنما يكون من الثلاثي , وإن أردت التكثير من الرباعي قلت مفعال .
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد , لا على أنه مشتق منه , ولكن كما يقال: لأل من اللؤلؤ , فهو بمعناه , وليس جاريا عليه , ويجوز أن يكون رشاد من : رشد , يرشد , أي: صاحب رشاد كما قال:
=كليني لهم يا أميمة ناصب)[معاني القرآن: 6/219]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ثم أعلمهم أن بأس اللّه لا يدفعه داف, ع ولا ينصر منه ناصر فقال: {فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا}
{وقال الّذي آمن يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب (30)}:أي: مثل يوم حزب حزب، والأحزاب ههنا : قوم نوح , وعاد , وثمود , ومن أهلك بعدهم وقبلهم). [معاني القرآن: 4/372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب}
قال قتادة : هم قوم نوح , وعاد , وثمود.).
[معاني القرآن: 6/219]

تفسير قوله تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ومعنى: {مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والّذين من بعدهم وما اللّه يريد ظلما للعباد (31)}
مثل عادة، وجاء في التفسير مثل : حال قوم نوح، أي أخاف عليكم أن تقيموا على كفركم, فينزل بكم ما نزل بالأمم السالفة المكذبة رسلهم).
[معاني القرآن: 4/373]

تفسير قوله تعالى: {و َيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {[و] يا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد...}.
قرأها العوام على التناد بالتخفيف، وأثبت الحسن وحده فيه الياء، وهي من تنادى القوم...
- وحدثني حبان , عن الأجلح , عن الضحاك بن مزاحم أنه قال:
(تنزل الملائكة من السموات، فتحيط بأقطار الأرض، ويجاء بجهنم، فإذا رأوها هالتهم، فندّوا في الأرض كما تند الإبل، فلا يتوجهون قطراً إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا، وذلك قوله: {يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض} , وذلك قوله: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا، وجيء يومئذٍ بجهنّم} وذلك قوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلاً}).
قال الأجلح: وقرأها الضحاك:
{التنادّ} مشددة الدال.
قال حبان: وكذلك فسّرها الكلبي , عن أبي صالح , عن ابن عباس...
ومن قرأها
{التناد} خفيفة : أراد يوم يدعو أهل الجنة أهل النار، وأهل النار أهل الجنة، وأصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم).[معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يوم التّناد} :أي : يوم يتنادي الناس: ينادي بعضهم بعضا.
ومن قرأ: التّناد بالتشديد، فهو من «ند يند»: إذا مضي على وجهه , يقال: ندت الإبل، إذا شردت وذهبت).
[تفسير غريب القرآن: 386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد (32)}
{التّناد}:بكسر الدال , وقرأ الحسن :يوم التنادي, بإثبات الياء , وأكثر القراءة: التناد، وقرأ ابن عباس يوم التنادّ , بتشديد الدال، والأصل التنادي , وإثبات الياء الوجه، وحذفها حسن جميل ؛ لأن الكسرة تدل عليها الياء , وهو رأس آية، وأواخر هذه الآيات على الدال.
ومعنى : يوم التنادي: يوم ينادي
{أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا} , وينادي {أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء}.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون " يوم الئناد ": يوم يدعي كل أناس بإمامهم.
ومن قرأ يوم التنادّ , بتشديد الدال، فهو من قولهم ندّ فلان, وندّ البعير إذا هرب على وجهه، ومما يدل على هذا قوله:
{يوم تولّون مدبرين}, وقوله :{يوم يفرّ المرء من أخيه (34) وأمّه وأبيه (35)}
وجاء في التفسير : أنهم يؤمر بهم إلى النار فيفرون , ولا يعصمهم من النار).
[معاني القرآن: 4/373]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد}
وقرأ الضحاك : يوم التناد , بتشديد الدال
قال أهل العربية : هذا لحن , لأنه من: ند يند , إذا مر على وجهه هاربا , كما قال الشاعر:
وبرك هجود قد أثارت مخافتي = نواديها أسعى بعضب مجرد
قال : ولا معنى لهذا في القيامة.
قال أبو جعفر: هذا غلط , والقراءة به حسنة .
روى صفوان بن عمرو , عن عبد الله بن خالد قال :
(يظهر للناس يوم القيامة عنق من نار , فيولون هاربين منها حتى تحيط بهم , فإذا أحاطت بهم , قالوا أين المفر ؟, ثم أخذوا في البكاء حتى تنفد الدموع , فيكون دما , ثم تشخص أبصار الكفار , فذلك قوله تعالى: {مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم}
ويروي : أنه إذا أمر بهم إلى النار , ولوا هاربين منها, ولو لم يكن في الاحتجاج بالقراءة إلا قوله تعالى: {يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم}لكفى) .
فأما معنى التخفيف , فقال قتادة في قوله:
{إني أخاف عليكم يوم التناد} , قال : يوم ينادى كل قوم بأعمالهم , وينادي أهل الجنة أهل النار
وقال عبد الله بن خالد :
(إذا حشر الناس يوم القيامة نادى بعضهم بعضا حتى يظهر لهم عنق من النار فيولون هاربين).).[معاني القرآن: 6/220-222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَوْمَ التَّنَادِ}: ينادي بعضهم بعضاً , ومن شدد الدال فهو من : ند البعير شرق , ومضى لوجهه, وتصديق هذه القراءة: {يوم يفر المرء من أخيه} ..الآية).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 216]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ما لكم من الله من عاصم}
قال قتادة: (أي : من ناصر)).
[معاني القرآن: 6/222]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 08:36 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومما يفسر من كتاب الله جل وعز تفسيرين متضادين قوله جل اسمه: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}.
فيقول بعض المفسرين: الرجل المؤمن هو من آل فرعون، أي من أمته وحيه ومن يدانيه في النسب.
ويقول آخرون: الرجل المؤمن ليس من آل فرعون، إنما يكتم إيمانه من آل فرعون، وتقدير الآية عندهم: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون). [كتاب الأضداد: 381]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) }

تفسير قوله تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) }

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف وهي الياءات
وذلك قولك هذا قاض وهذا غاز وهذا عم تريد العمي أذهبوها في الوقف كما ذهبت في الوصل ولم يريدوا أن تظهر في الوقف كما يظهر ما يثبت في الوصل فهذا الكلام الجيد الأكثر.
وحدثنا أبو الخطاب ويونس أن بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول هذا رامي وغازي وعمي أظهروا في الوقف حيث صارت في موضع غير تنوين لأنهم لم يضطروا ههنا إلى مثل ما اضطروا إليه في الوصل من الاستثقال فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف وذلك قولك هذا القاضي وهذا العمي لأنها ثابتة في الوصل.
ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام وفعلوا هذا لأن الياء مع الكسرة تستثقل كما تستثقل الياءات فقد اجتمع الأمران ولم يحذفوا في الوصل في الألف واللام لأنه لم يلحقه في الوصل ما يضطره إلى الحذف كما لحقه وليست فيه ألفٌ ولام وهو التنوين لأنه لا يلتقي ساكنان وكرهوا التحريك لاستثقال ياءٍ فيها كسرةٌ بعد كسرة ولكنهم حذفوا في الوقف في الألف واللام إذ كانت تذهب وليس في الاسم ألف ولام كما حذفوا في الوقف ما ليس فيه ألف ولام إذ لم يضطرهم إلى حذفه ما اضطرهم في الوصل وأما في حال النصب فليس إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل فيما
ليست فيه ألفٌ ولامٌ ومع هذا أنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتل وذلك قولك رأيت القاضي وقال الله عز وجل: {كلا إذا بلغت التراقي} وتقول رأيت جواري لأنها ثابتة في الوصل متحركة.
وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال أختار يا قاضي لأنه ليس بمنون كما أختار هذا القاضي. وأما يونس فقال يا قاض وقول يونس أقوى لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر لأن النداء موضع حذفٍ يحذفون التنوين ويقولون يا حار ويا صاح ويا غلام أقبل. وقالا في مرٍ إذا وقفا هذا مري كرهوا أن يخلوا بالحرف فيجمعوا عليه ذهاب الهمزة والياء فصار عوضاً يريد مفعل من رأيت. وأما الأفعال فلا يحذف منها شيءٌ لأنها لا تذهب في الوصل في حال وذلك لا أقضي وهو يقضي ويغزو ويرمي إلا أنهم قالوا لا أدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم فهو شاذٌ كما قالوا لم يك شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون لم يك الرجل لأنها في موضع تحرك فلم يشبه بلا أدر فلا تحذف الياء إلا في لا أدر وما أدر.
وجميع ما لا يحذف في الكلام وما يختار فيه أن لا يحذف يحذف في
الفواصل والقوافي. فالفواصل قول الله عز وجل: {والليل إذا يسر} و: {ما كنا نبغ} و: {يوم التناد} و: {الكبير المتعال} ). [الكتاب: 4/183-185] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 03:15 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 03:16 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 03:19 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم حكى الله تعالى مقالة رجل مؤمن من آل فرعون، وشرفه بالذكر، وخلد ثناءه في الأمم، سمعت أبي رحمه الله تعالى يقول: سمعت أبا الفضل الجوهري على المنبر يقول - وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - فأطرق قليلا ثم رفع رأسه وقال:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
ماذا تريدون من قوم قرنهم الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم، وخصهم بمشاهدته وتلقي الوحي منه؟ وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، فجعله الله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه جرد سيفه بمكة وقال: والله لا أعبد الله سرا بعد اليوم؟
وقرأت فرقة: "رجل" بسكون الجيم، كعضد وعضد، وسبع وسبع، وقراءة الجمهور: "رجل" بضم الجيم.
واختلف الناس في هذا الرجل، فقال السدي وغيره: كان من آل فرعون، وكان يكتم إيمانه، فـ"يكتم" - على هذا - في موضع الصفة دون تقديم وتأخير، وقال مقاتل: كان ابن عم فرعون، وقالت فرقة: لم يكن من أهل فرعون بل من بني إسرائيل، وإنما المعنى: وقال رجل يكتم إيمانه من آل فرعون، ففي الكلام تقديم وتأخير. والأول أصح، ولم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتكلم بمثل هذا عند فرعون، ويحتمل أن يكون من غير القبط ويقال فيه: من آل فرعون إذ كان في الظاهر على دين فرعون ومن أتباعه، وهذا كما قال أراكة الثقفي يرثي أخاه ويتعزى برسول الله صلى الله عليه وسلم:
فلا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر
يعني المسلمين إذ كانوا في طاعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقوله تعالى: "أن يقول" مفعول من أجله، أي لأجل أن يقول، وجلح معهم هذا المؤمن في هذه المقالات، ثم غالطهم بعد في أن جعله في احتمال الصدق والكذب، وأراهم أنها نصيحة. وحذفت النون من "يك" تخفيفا على ما قال سيبويه، وتشبيها بالنون في "يفعلون ويفعلان" على مذهب المبرد، وتشبيها بحرف العلة - الياء والواو - على مذهب أبي علي الفارسي، وقال: كأن الجازم دخل على "يكن" وهي مجزومة بعد فأشبهت النون الياء من "يقضي" والواو من "يدعو" لأن خفتها على اللسان سواء.
واختلف المتأولون في قوله: {يصبكم بعض الذي يعدكم} فقال أبو عبيدة وغيره: "بعض" بمعنى "كل"، وأنشدوا قول القطامي عمير بن شييم:
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقال الزجاج: هو إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس فيه نفي إصابة الكل، وقالت فرقة، أراد: يصبكم بعض العذاب الذي يذكر، وذلك كاف في هلاككم، ويظهر لي أن المعنى: يصبكم القسم الواحد مما يعد به، وذلك هو بعض ما يعد; لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعيم، وإن كفروا بالعذاب، فإن كان صادقا فالعذاب بعض ما وعد به، وقالت فرقة: أراد ببعض ما يعدكم: عذاب الدنيا، لأنه بعض عذاب الآخرة، أي: وتصيرون بعد ذلك إلى الباقي، وفي البعض كفاية في الإهلاك.
ثم وعظهم هذا المؤمن بقوله: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}، قال السدي: مسرف بالقتل، وقال قتادة: مسرف بالكفر). [المحرر الوجيز: 7/ 436-438]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد * وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد}
قول هذا المؤمن: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} استنزال لهم ووعظ لهم من جهة شهواتهم، وتحذير من زوال ترفهم، ونصيحة لهم في أمر دنياهم، وقوله: {في الأرض} يريد في أرض مصر وما والاها من مملكتهم. ثم قررهم على من هو الناصر لهم من بأس الله تعالى، وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون، ولذلك استكان هو ورجع يقول: ما أريكم إلا ما أرى كما يقول من لا تحكم له. وقوله: {أريكم} من رأى، قد عدي بالهمزة، فللفعل مفعولان: أحدهما الضمير في أريكم، والآخر ما في قوله: {إلا ما أرى}، وكأن الكلام: "أريكم ما أرى"، ثم أدخل في صدر الكلام "ما" النافية وقلب معناها بـ"إلا" الموجبة تخصيصا وتأكيدا للأمر، كما تقول: "قام زيد"، فإذا قلت: "ما قام إلا زيد" أفدت تخصيصه وتأكيد أمره، و"أرى" متعدية إلى مفعول واحد، وهو الضمير الذي فيه، العائد على "ما"، تقديره: إلا ما أراه، وحذف هذا المفعول من الصفة حسن لطول الصلة.
وقرأ الجمهور: "الرشاد" مصدر "رشد"، وفي قراءة معاذ بن جبل رضي الله عنه: [سبيل الرشاد] بشد الشين، قال أبو الفتح: وهو اسم فاعل في بنيته مبالغة، وهو من الفعل الثلاثي "رشد"، فهو كعباد من عبد، وقال النحاس: هو وهم، وتوهمه من الفعل الرباعي. وقوله رحمه الله مردود، قال أبو حاتم: كان معاذ بن جبل يفسرها: سبيل الله، ويبعد عندي هذا على معاذ رضي الله عنه، وهل كان فرعون يدعي إلا أنه إله؟ ويقلق بناء اللفظة على هذا التأويل). [المحرر الوجيز: 7/ 438-439]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في المراد بقوله تعالى: {وقال الذي آمن}، فقال الجمهور: هو المؤمن المذكور أولا، قص الله تبارك وتعالى أقاويله إلى آخر الآيات، وقالت فرقة: بل كلام ذلك المؤمن قديم، وإنما أراد تعالى بالذي آمن موسى عليه السلام، واحتجت هذه الفرقة بقوة كلامه، وأنه جلح معهم بالإيمان، وذكر عذاب الآخرة، وغير ذلك، ولم يكن كلام الأول إلا بملاينة لهم.
وقوله تعالى: {مثل يوم الأحزاب} أي: مثل يوم من أيامهم; لأن عذابهم لم يكن في يوم واحد ولا عصر واحد، و"الأحزاب": المتحزبون على أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام،
و"مثل" الثاني بدل من الأول، و"الدأب": العادة، وقوله: {وما الله يريد ظلما للعباد} أي: من نفسه، أي: يظلمهم هو، فالإرادة هنا على بابها لأن الظلم منه لا يقع البتة، وليس معنى الآية أن الله لا يريد ظلم بعض العباد بعضهم لبعض، والبرهان وقوعه، ومحال أن يقع ما لا يريده الله تعالى). [المحرر الوجيز: 7/ 439]

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {يوم التناد} معناه: ينادي قوم قوما ويناديهم الآخرون.
واختلف المتأولون في التنادي المشار إليه، فقال قتادة: هو نداء أهل الجنة أهل النار: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا الآية. ونداء أهل النار لهم: أفيضوا علينا من الماء الآية، وقالت فرقة: بل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم}، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هو التنادي الذي يكون بالناس عند النفخ في الصور نفخة الفزع في الدنيا، وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي ينالهم، وينادي بعضهم بعضا، وروي هذا التأويل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة، ولها أجوبة بنداء، وهي كثيرة، منها ما ذكرناه، ومنها: يا أهل النار خلود لا موت، يا أهل الجنة خلود لا موت، ومنها نداء أهل الغدرات، والنداء لمقت الله، والنداء لمن الملك اليوم، إلى غير ذلك.
وقرأت فرقة: "التناد" بسكون الدال في الوصل، وهذا على إجرائهم الوصل مجرى الوقف في غير ما موضع، وقرأ نافع وابن كثير: "التنادي" بالياء في الوصل والوقف، وهذا على الأصل، وقرأ الباقون "التناد" بغير ياء فيهما، وروي ذلك عن نافع وابن كثير، وحذفت الياء مع الألف واللام حملا على حذفها مع معاقبها وهو التنوين، وقال سيبويه: حذفت الياء تخفيفا، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك، وأبو صالح، والكلبي: "التناد" بشد الدال، وهذا معنى آخر ليس من النداء، بل هو من ند البعير إذا هرب، وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية، وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثا أن الله تعالى إذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب، فإذا رأى العالم هول القيامة وأخرجت جهنم عنقها إلى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين إلى كل جهة، فتردهم الملائكة إلى المحشر خاسئين لا عاصم لهم، قالت هذه الفرقة: ومصداق هذا الحديث في كتاب الله تعالى قوله سبحانه: {والملك على أرجائها}، وقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا}، وقوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان}.
وقوله تعالى: {يوم تولون مدبرين} معناه على بعض الأقاويل في التنادي: تفرون هروبا من المفزع، وعلى بعضها: تفرون مدبرين إلى النار. والعاصم: المنجي). [المحرر الوجيز: 7/ 439-441]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 04:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 04:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال رجلٌ مؤمنٌ من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم وإن يك كاذبًا فعليه كذبه وإن يك صادقًا يصبكم بعض الّذي يعدكم إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرفٌ كذّابٌ (28) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرّشاد (29)}
المشهور أنّ هذا الرّجل المؤمن كان قبطيًا من آل فرعون.
قال السّدّيّ: كان ابن عمّ فرعون، ويقال: إنّه الّذي نجا مع موسى. واختاره ابن جريرٍ، وردّ قول من ذهب إلى أنّه كان إسرائيليًّا؛ لأنّ فرعون انفعل لكلامه واستمعه، وكفّ عن قتل موسى، عليه السّلام، ولو كان إسرائيليًّا لأوشك أن يعاجل بالعقوبة؛ لأنّه منهم.
وقال ابن جريج عن ابن عبّاسٍ: لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرّجل وامرأة فرعون، والّذي قال: {يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [القصص:20] رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط، فلم يظهر إلّا هذا اليوم حين قال فرعون: {ذروني أقتل موسى}، فأخذت الرّجل غضبةٌ للّه عزّ وجلّ، و"أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائرٍ"، كما ثبت بذلك الحديث، ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله: {أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه} [أي: لأجل أن يقول ربّي اللّه]، اللّهمّ إلّا ما رواه البخاريّ في صحيحه حيث قال:
حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا الأوزاعيّ، حدّثني يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني محمّد بن إبراهيم التّيميّ، حدّثني عروة بن الزّبير قال: قلت لعبد اللّه بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشدّ شيءٍ ممّا صنعه المشركون برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فأخذ بمنكب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، فأخذ بمنكبه ودفع عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم}.
انفرد به البخاريّ من حديث الأوزاعيّ قال: وتابعه محمّد بن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، حدّثنا عبدة عن هشامٍ -يعني ابن عروة-عن أبيه، عن عمرو بن العاص أنّه سئل: ما أشدّ ما رأيت قريشًا بلغوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: مرّ بهم ذات يومٍ فقالوا له: أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال: "أنا ذاك" فقاموا إليه، فأخذوا بمجامع ثيابه، فرأيت أبا بكرٍ محتضنه من ورائه، وهو يصيح بأعلى صوته، وإنّ عينيه ليسيلان، وهو يقول: يا قوم، {أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم} حتّى فرغ من الآية كلّها.
وهكذا رواه النّسائيّ من حديث عبدة، فجعله من مسند عمرو بن العاص، رضي اللّه عنه.
وقوله: {وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم} أي: كيف تقتلون رجلًا لكونه يقول: "ربّي اللّه"، وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحقّ؟ ثمّ تنزل معهم في المخاطبة فقال: {وإن يك كاذبًا فعليه كذبه وإن يك صادقًا يصبكم بعض الّذي يعدكم} يعني: إذا لم يظهر لكم صحّة ما جاءكم به، فمن العقل والرّأي التّامّ والحزم أن تتركوه ونفسه، فلا تؤذوه، فإن يك كاذبًا فإنّ اللّه سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدّنيا والآخرة، وإن يك صادقًا وقد آذيتموه يصبكم بعض الّذي يعدكم، فإنّه يتوعّدكم إن خالفتموه بعذابٍ في الدّنيا والآخرة، فمن الجائز عندكم أن يكون صادقًا، فينبغي على هذا ألّا تتعرّضوا له، بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه.
وهكذا أخبر اللّه [تعالى] عن موسى، عليه السّلام، أنّه طلب من فرعون وقومه الموادعة في قوله: {ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريمٌ. أن أدّوا إليّ عباد اللّه إنّي لكم رسولٌ أمينٌ. وأن لا تعلوا على اللّه إنّي آتيكم بسلطانٍ مبينٍ. وإنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون. وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون} [الدّخان:17 -21] وهكذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقريشٍ أن يتركوه يدعو إلى اللّه [تعالى] عباد اللّه، ولا يمسّوه بسوءٍ، وأن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيّته، قال اللّه تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى} [الشّورى: 23] أي: إلّا ألّا تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة، فلا تؤذوني وتتركوا بيني وبين النّاس. وعلى هذا وقّعت الهدنة يوم الحديبية، وكان فتحًا مبينًا.
وقوله: {إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرفٌ كذّابٌ} أي: لو كان هذا الّذي يزعم أنّ اللّه أرسله إليكم كاذبًا كما تزعمون، لكان أمره بيّنًا، يظهر لكلّ أحدٍ في أقواله وأفعاله، كانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب، وهذا نرى أمره سديدًا ومنهجه مستقيمًا، ولو كان من المسرفين الكذّابين لما هداه اللّه، وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله).[تفسير ابن كثير: 7/ 140-141]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال المؤمن محذّرًا قومه زوال نعمة اللّه عنهم وحلول نقمة اللّه بهم: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} أي: قد أنعم اللّه عليكم بهذا الملك والظّهور في الأرض بالكلمة النّافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النّعمة بشكر اللّه، وتصديق رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، واحذروا نقمة اللّه إن كذّبتم رسوله، {فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا} أي: لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر، ولا تردّ عنّا شيئًا من بأس اللّه إن أرادنا بسوءٍ.
{قال فرعون} لقومه، رادًّا على ما أشار به هذا الرّجل الصّالح البارّ الرّاشد الّذي كان أحقّ بالملك من فرعون: {ما أريكم إلا ما أرى} أي: ما أقول لكم وأشير عليكم إلّا ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون، فإنّه كان يتحقّق صدق موسى فيما جاء به من الرّسالة {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا ربّ السّموات والأرض بصائر} [الإسراء:102]، وقال اللّه تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا} [النّمل: 14].
فقوله: {ما أريكم إلا ما أرى} كذب فيه وافترى، وخان اللّه ورسوله ورعيّته، فغشّهم وما نصحهم وكذا قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرّشاد} أي: وما أدعوكم إلّا إلى طريق الحقّ والصّدق والرّشد وقد كذب أيضًا في ذلك، وإن كان قومه قد أطاعوه واتّبعوه، قال اللّه تعالى: {فاتّبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيدٍ} [هودٍ: 97]، وقال تعالى: {وأضلّ فرعون قومه وما هدى} [طه: 79]، وفي الحديث: "ما من إمامٍ يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيّته، إلّا لم يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عامٍ"). [تفسير ابن كثير: 7/ 142]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال الّذي آمن يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب (30) مثل دأب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والّذين من بعدهم وما اللّه يريد ظلمًا للعباد (31) ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد (32) يوم تولّون مدبرين ما لكم من اللّه من عاصمٍ ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ (33) ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شكٍّ ممّا جاءكم به حتّى إذا هلك قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا كذلك يضلّ اللّه من هو مسرفٌ مرتابٌ (34) الّذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطانٍ أتاهم كبر مقتًا عند اللّه وعند الّذين آمنوا كذلك يطبع اللّه على كلّ قلب متكبّرٍ جبّارٍ (35)}
هذا إخبارٌ من اللّه، عزّ وجلّ، عن هذا الرّجل الصّالح، مؤمن آل فرعون: أنّه حذّر قومه بأس اللّه في الدّنيا والآخرة فقال: {يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} أي: الّذين كذّبوا رسل اللّه في قديم الدّهر، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود، والّذين من بعدهم من الأمم المكذّبة، كيف حلّ بهم بأس اللّه، وما ردّه عنهم رادٌّ، ولا صدّه عنهم صاد.
{وما اللّه يريد ظلمًا للعباد} أي: إنّما أهلكهم اللّه بذنوبهم، وتكذيبهم رسله، ومخالفتهم أمره. فأنفذ فيهم قدره). [تفسير ابن كثير: 7/ 142-143]

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد} يعني: يوم القيامة، وسمّي بذلك قال بعضهم: لـمّا جاء في حديث الصّور: إنّ الأرض إذا زلزلت وانشقّت من قطرٍ إلى قطرٍ، وماجت وارتجّت، فنظر النّاس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضًا.
وقال آخرون منهم الضّحّاك: بل ذلك إذا جيء بجهنّم، ذهب النّاس هرابا، فتتلقّاهم الملائكة فتردّهم إلى مقام المحشر، وهو قوله تعالى: {والملك على أرجائها} [الحاقّة: 17]، وقوله {يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السّموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطانٍ} [الرّحمن:33].
وقد روي عن ابن عبّاسٍ، والحسن، والضّحّاك: أنّهم قرؤوا: "يوم التّنادّ" بتشديد الدّالّ من ندّ البعير: إذا شرد وذهب.
وقيل: لأنّ الميزان عنده ملكٌ، وإذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته: ألا قد سعد فلان بن فلانٌ سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا. وإن خفّ عمله نادى: ألا قد شقي فلان بن فلانٍ.
وقال قتادة: ينادى كلّ قومٍ بأعمالهم: ينادى أهل الجنّة أهل الجنّة، وأهل النّار أهل النّار.
وقيل: سمّي بذلك لمناداة أهل الجنّة أهل النّار: {أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقًّا قالوا نعم} [الأعراف: 44]. ومناداة أهل النّار أهل الجنّة: {أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه قالوا إنّ اللّه حرّمهما على الكافرين} [الأعراف: 50]، ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنّة وأهل النّار، كما هو مذكورٌ في سورة الأعراف.
واختار البغويّ وغيره: أنّه سمّي بذلك لمجموع ذلك. وهو قولٌ حسنٌ جيّدٌ، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 143]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {يوم تولّون مدبرين} أي: ذاهبين هاربين، {كلا لا وزر. إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ} [القيامة: 11، 12]، ولهذا قال: {ما لكم من اللّه من عاصمٍ} أي: ما لكم مانعٌ يمنعكم من بأس اللّه وعذابه، {ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ} أي: من أضلّه [اللّه] فلا هادي له غيره). [تفسير ابن كثير: 7/ 143]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة