العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:03 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة التوبة

التفسير اللغوي لسورة التوبة

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 11:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي المقدمات والخواتيم

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال سعيد بن جبير سالت ابن عباس عن سورة براءة فقال: (تلك الفاضحة، ما زال ينزل ومنهم ومنهم حتى خفنا ألا تدع أحدا).
وقال يزيد الفارسي عن ابن عباس سألت عثمان بن عفان رحمة الله عليه لم عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فجمعتم بينهما ولم تفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وجعلتموها مع السبع الطول فقال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم زمانا تنزل عليه السورة ذات العدد وفي بعض الروايات ذات الآيات وربما سألته فيقول ألحقوها في موضع كذا وهي تشبه قصة كذا وكانت براءة من آخر ما نزل وذهب عني أن أساله عنها فوقع بقلبي أنا شبه سورة الأنفال فجعلتها تليها ولم
أفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو جعفر قال أبو إسحاق حدثني بعض أصحابنا عن صاحبنا محمد بن يزيد أنه قال لم يكتب في أول براءة بسم الله الرحمن الرحيم لأن بسم الله افتتاح خير وبراءة أولها وعيد ونقض للعهود فلذلك لم يكتب في أولها بسم الله). [معاني القرآن: 3/179- 180]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 18]

(بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) )

تفسير قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {براءةٌ مّن اللّه ورسوله...}
مرفوعة، يضمر لها {هذه}ومثله قوله: {سورةٌ أنزلناها}. وهكذا كل ما عاينته من اسم معرفة أو نكرة جاز إضمار {هذا}و{هذه} فتقول إذا نظرت إلى رجل: جميلٌ والله، تريد: هذا جميل.
والمعنى في قوله {براءة}أن العرب كانوا قد أخذوا ينقضون عهودا كانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت عليه آيات من أوّل براءة، أمر فيها بنبذ عهودهم إليهم، وأن يجعل الأجل بينه وبينهم أربعة أشهر. فمن كانت مدّته أكثر من أربعة أشهر حطّه إلى أربعة. ومن كانت مدّته أقلّ من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة. وبعث في ذلك أبا بكر وعليا رحمهما الله، فقرأها عليّ على الناس). [معاني القرآن: 1/420]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {براءةٌ من اللّه ورسوله} أي تبرؤ من اللّه ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : قوله جلّ وعزّ: {براءة من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين}
سئل أبيّ بنّ كعب: ما بال براءة لم تفتتح بـ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
فقال: لأنها نزلت في آخر ما نزل من القرآن، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في أول كل سورة بـ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم: ولم يأمر في سورة براءة بذلك فضمّت إلى سورة الأنفال لشبهها بها.
يعني أن أمر العهود مذكور في سورة الأنفال وهذه نزلت بنقض العهود فكانت ملتبسة بالأنفال في الشبه.
قال أبو إسحاق: أخبرنا بعض أصحابنا عن صاحبنا أبي العباس محمد ابن يزيد المبرد أنّه قال: لم تفتتح ب " بسم اللّه الرّحمن الرّحيم "، لأن " بسم اللّه " افتتاح للخير. وأول { براءة } وعيد ونقض عهود، فلذلك لم تفتتح بـ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
و{براءة} نزلت في سنة تسع من الهجرة، وافتتحت مكة في سنة ثمان.
وولّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد للوقوف بالناس في الموسم فاجتمع في
تلك السنة في الموقف ومعالم الحج وأسبابه المسلمون والمشركون، فلما كان في سنة تسع ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق الوقوف بالناس وأمر بتلاوة براءة، وولى تلاوتها عليا وقال في ذلك: لن يبلّغ عني إلا رجل مني، وذلك لأن العرب جرت عادتها في عقد عقودها ونقضها أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها، فكان جائزا أن يقول العرب إذا تلي عليها نقض. العهد من الرسول: هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود، فأزاح رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - هذه العلّة، فتليت براءة في الموقف:
{براءة من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين)}
أي قد برئ من إعطائهم العهود والوفاء لهم، ذلك أن نكثوا.
{براءة}مرتفعة على وجهين أحدهما على خبر الابتداء، على معنى هذه الآيات براءة من الله ورسوله، وعلى الابتداء، يكون الخبر {إلى الذين عاهدتم} لأن براءة موصولة بـ من، وصار كقولك: القصد إلى زيد، والتبرؤ إليك، وكلاهما جائز حسن، يقال برئت في الرجل والدين براءة،. وبرئت من المرض وبرأت أيضا برءا، وقد رووا برأت ابرؤ بروءا، ولم نجد فيما لامه همزة فعلت أفعل، نحو قرأت أقرا، وهنأت البعير أهنؤه.
وقد استقصى العلماء باللغة هذا فلم يجدوه إلا في هذا الحرف ويقال بريت القلم - وكل شيء نحته - أبريه بريا، غير مهموز، وكذلك براة السير غير مهموز، والبرة حلقة من حديد في أنف الناقة، فإذا كانت من شعر فهي خزامة.
والذي في أنف البعير من خشب يقال له الخشاش، يقال أبريت الناقة أبريها براء إذا جعلت لها برة.
ولا يقال إلا بالألف أبريت، ومن الخزامة خزمت - بغير ألف – وكذلك من الخشاش خششت، والبرة الخلخال من هذا، وتجمع البرة برين والبري). [معاني القرآن: 2/427-429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال أبو جعفر ومعنى {براءة} تبرؤ {من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر}
أي فيقال لهم سيحوا في الأرض أي اذهبوا وجيئوا آمنين أربعة أشهر ثم لا أمان لكم بعدها
قال مجاهد وقتادة الأربعة الأشهر عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر
وقال الزهري هن شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم). [معاني القرآن: 3/180-181]

تفسير قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ...}
يقول: تفرقوا آمنين أربعة أشهر مدّتكم). [معاني القرآن: 1/420]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {براءةٌ من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتم} ثم خاطب شاهداً فقال: {فسيحوا في الأرض} مجازه: سيروا وأقبلوا وأدبروا، والعرب تفعل هذا، قال عنترة:

شطّت مزار العاشقين فأصبحت.=.. عسراً علىّ طلابك ابنة مخرم).
[مجاز القرآن: 1/252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ} أي اذهبوا آمنين أربعة أشهر أو أقل [من كانت مدة عهده إلى أكثر من أربعة أشهر أو أقل] فإن أجله أربعة أشهر). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : وقوله: ( {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}أي اذهبوا؛ وأقبلوا وأدبروا أربعة أشهر.
{واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه}
أي وإن أجّلتم هذه الأربعة الأشهر فلن تفوتوا اللّه (وأنّ اللّه مخزي الكافرين).
الأجود فتح {أنّ } على معنى اعلموا أن الله مخزي الكافرين، ويجوز
كسرها على معنى الاستئناف، وهذا ضمان من الله عزّ وجلّ بنصره المؤمنين على الكافرين). [معاني القرآن: 2/429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال عز وجل: {واعلموا أنكم غير معجزي الله} [آية: 2] أي وإن أجلتم هذا الأجل سينصر المسلمون عليكم). [معاني القرآن: 3/181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} أي فاذهبوا آمنين هذه المدة، من كان عهده أكثر أو أقل. والأربعة أشهر هن أربعة أشهر من بعد يوم النحر، ويقال: أشهر السماحة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأذانٌ مّن اللّه ورسوله...}
تابع لقوله {براءة}. وجعل لمن لم يكن له عهد خمسين يوما أجلا. وكل ذلك من يوم النحر). [معاني القرآن: 1/420]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأذانٌ من الله} مجازه: وعلم من الله وهو مصدر واسم من قولهم: آذنتهم أي أعلمتهم، يقال أيضاً: {أذينٌ وإذنٌ} ). [مجاز القرآن: 1/252]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وأذان مّن اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ مّن المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خيرٌ لّكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وبشّر الّذين كفروا بعذابٍ أليمٍ}
قال: {وأذان مّن اللّه ورسوله} {أنّ اللّه بريءٌ مّن المشركين} أي: بأنّ الله بريء وكذلك {وأنّ اللّه مخزي الكافرين} أي: بأن الله). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وأذان من الله ورسوله}: أذنهم أعلمهم). [غريب القرآن وتفسيره: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأذانٌ من اللّه ورسوله} أي إعلام. ومنه أذان الصلاة إنما هو إعلام بها. يقال: آذنتهم إذانا فأذنوا إذنا. والأذن اسم بمني منه.
{الحجّ الأكبر} يوم النّحر. وقال بعضهم: يوم عرفة. وكانوا يسمون العمرة: الحجّ الأصغر). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأذان من اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وبشّر الّذين كفروا بعذاب أليم}
عطف على {براءة} ومعناه: وإعلان من الله ورسوله، يقال آذنته بالشيء إذا أعلمته به.
{إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريء من المشركين}.
قيل يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة، والحج الأكبر الوقوف بعرفة.
وقيل الحج الأصغر العمرة.
والإجماع أنّه من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج.
وقال بعضهم إنما سمي يوم الحج الأكبر لأنه اتفقت فيه أعياد أهل الملّة، كان اتفق في ذلك اليوم عيد النصارى واليهود والمجوس وهذا لا يسمى به يوم الحج الأكبر، لأنه أعياد غير المسلمين، إنما فيها تعظم كفر باللّه، فليست من الحج الأكبر في شيء.
إجماع المسلمين على أن الوقوف بعرفة أكبر الحجّ). [معاني القرآن: 2/429-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر}
الأذان الإعلام
روى شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار قال خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العيد راكبا على دابة فلقيه رجل فقال له وأخذ بلجامه ما {يوم الحج الأكبر} فقال
هو يومك الذي أنت فيه خل عنها
وكذلك روي الحديث عن علي
وروى شعبة عن سليمان بن عبد الله بن سنان قال سمعت المغيرة بن شعبة يخطب على المنبر وهو يقول يوم الحج الأكبر يوم النحر
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن شداد قال الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة
وقال عبد الملك بن عمير سألت عبد الله بن أبي أوفى عن يوم الحج الأكبر فقال يوم تهرق فيه الدماء ويحلق فيه الشعر
وروى حماد بن يزيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم الحج الأكبر يوم النحر وكذلك قال ابن عمر
وروى غير سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال هو يوم عرفة
وروى ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه قال هو يوم عرفة
وكذا قال مجاهد
وقال ابن سيرين الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم اتفق فيه حج الملل
قال أبو جعفر وأولاها القول الأول لجلة من قاله
ويدلل على صحته حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن
أذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد هذا العام مشرك
وأيضا فإن عرفات قد يأتيها الناس ليلا وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أي يوم أحرم قالوا يوم الحج الأكبر قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
فدل على أنه يوم النحر لأن منى من الحرم وليست عرفات منه، وقول يجوز ابن سيرين غلط لأن المسلمين والمشركين حجوا قبل ذلك بعام ونودي فيهم أن لا يحج بعد ذلك مشرك
وقد يجوز أن يكون النداء كان بمنى وعرفات فيصح القولان). [معاني القرآن: 3/181-184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ} أي إعلام
{الْحَجِّ الأَكْبَرِ} يوم النحر عند مالك وأصحابه، وقيل: يوم عرفة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 95]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَأَذَانٌ}: إعلام). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} وكذلك: واقعد له على كل مرصد، والمراصد: الطرق، قال عامر بن الطّفيل:
ولقد علمت وما إخال سواءه... أن المنيّة للفتى بالمرصد). [مجاز القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولم يظاهروا عليكم أحداً} أي لم يعينوه، والظهير: العون.
{فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم} يريد: وإن كانت أكثر من أربعة أشهر. هؤلاء بنو ضمرة خاصة). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأمان: عهد، قال الله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [تأويل مشكل القرآن: 447]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا الّذين عاهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
{الذين} في موضع نصب، أي وقعت البراءة من المعاهدين الناقضين للعهود.
{إلّا الّذين عاهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم}.
أي ليسوا داخلين في البراءة ما لم ينقضوا العهود). [معاني القرآن: 2/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا}
وقرأ عطاء بن سنان ثم لم ينقضوكم شيئا
يقال إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ثم قال فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر
وقوله جل وعز: {وخذوهم} أي أسروهم ويقال للأسير أخيذ {واحصروهم} أي احبسوهم). [معاني القرآن: 3/185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} أي وإن كانت أكثر من
أربعة أشهر، وهذا في بني ضمرة خاصة). [تفسير المشكل من غريب القرآن:95 -96]

تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم...}
عن الذين أجلهم خمسون ليلة. {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم} ومعنى الأشهر الحرم: المحرّم وحده. وجاز أن يقول: الأشهر الحرم للمحرم وحده لأنه متّصل بذي الحجة وذي القعدة وهما حرام؛ كأنه قال: فإذا انسلخت الثلاثة). [معاني القرآن: 1/421]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم...}
في الأشهر الحرم وغيرها في الحلّ والحرم.
وقوله: {واحصروهم} وحصرهم أن يمنعوا من البيت الحرام.
وقوله: {واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} يقول: على طرقهم إلى البيت؛ فقام رجل من الناس حين قرئت {براءة} فقال: يا ابن أبي طالب، فمن أراد منا أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأمر بعد انقضاء الأربعة فليس له عهد؟ قال عليّ: بلى، لأن الله تبارك وتعالى قد أنزل:
{وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}). [معاني القرآن: 1/421]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} فجمع على أدنى العدد لأن معناها "الأربعة" وذلك أن "الأشهر" إنما تكون إذا ذكرت معها "الثلاثة" إلى "العشرة" فإذا لم تذكر "الثلاثة" إلى "العشرة" فهي "الشّهور".
وقال: {واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} وألقى "على". وقال الشاعر:
نغالى اللّحم للأضياف نيئاً = ونبذله إذا نضج القدور
أراد: نغالى باللحم). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مرصد}: طريق، والمراصد الطرق). [غريب القرآن وتفسيره: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} وآخرها المحرّم.
{فاقتلوا المشركين} يعني من لم يكن له عهد.
{وخذوهم} أي أسروهم. والأسير: أخيذ.
{واحصروهم} احبسوهم. والحصر: الحبس {كلّ مرصدٍ} أي كل طريق يرصدونكم به). [تفسير غريب القرآن: 183]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون بمعنى: الحبس والأسر، قال الله تعالى: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} [يوسف: 78] أي: احبسه.
وقال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} أي: ائسروهم {وَاحْصُرُوهُمْ} أي: احبسوهم.
ويقال للأسير: أخيذ). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفور رحيم}
أي اقتلوا هؤلاء الذين نقضوا العهد، ونقض عهدهم وأحلوا هذه المدة.
ويقال إن الأربعة الأشهر كانت عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيعا الأول، وعشرا من ربيع الآخر، لأن البراءة وقعت في يوم عرفة، فكان هذا الوقت ابتداء الأجل.
{واقعدوا لهم كلّ مرصد}.
قال أبو عبيدة: المعنى كل طريق.
قال أبو الحسن الأخفش " على " محذوفة.
المعنى اقعدوا لهم على كل مرصد وأنشد:
نغالي اللّحم للأضياف نيئا... ونرخصه إذا نضج القدير
المعنى نغالي باللحم، فحذف الباء ههنا، وكذلك حذف (على).
قال أبو إسحاق: كل مرصد ظرف، كقولك ذهبت مذهبا.
وذهبت طريقا، وذهبت كل طريق. فلست تحتاج أن تقول في هذا إلا ما تقوله في الظروف مثل خلف وأمام وقدام.
وقوله: {فإخوانكم في الدّين}.
أي إن تابوا وآمنوا فهم مثلكم، قد درأ عنهم إيمانهم وتوبتهم إثم كفرهم ونكثهم العهود). [معاني القرآن: 2/431]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرْصَدٍ} أي طريق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرْصَدٍ}: طريق). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}.
يقول: ردّه إلى موضعه ومأمنه.
وقوله: {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك} في موضع جزم وإن فرق بين الجازم والمجزوم بـ {أحد}. وذلك سهل في {إن} خاصّة دون حروف الجزاء؛ لأنها شرط وليست باسم، ولها عودة إلى الفتح فتلقى الاسم والفعل وتدور في الكلام فلا تعمل، فلم يحفلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب. فأما المنصوب فمثل قولك: إنّ أخاك ضربت ظلمت. والمرفوع مثل قوله: {إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ} ولو حوّلت {هلك} إلى {إن يهلك} لجزمته، وقال الشاعر:
فان أنت تفعل فللفاعليـ =ن أنت المجيزين تلك الغمارا
ومن فرق بين الجزاء وما جزم بمرفوع أو منصوب لم يفرق بين جواب الجزاء وبين ما ينصب بتقدمة المنصوب أو المرفوع؛ تقول: إن عبد الله يقم يقم أبوه، ولا يجوز أبوه يقم، ولا أن تجعل مكان الأب منصوبا بجواب الجزاء. فخطأ أن تقول: إن تأتني زيدا تضرب. وكان الكسائيّ يجيز تقدمة النصب في جواب الجزاء، ولا يجوّز تقدمة المرفوع، ويحتجّ بأن الفعل إذا كان للأول عاد في الفعل راجع ذكر الأول، فلم يستقم إلغاء الأوّل. وأجازه في النصب؛ لأن المنصوب لم يعد ذكره فيما نصبه، فقال: كأن المنصوب لم يكن في الكلام. وليس ذلك كما قال؛ لأن الجزاء له جواب بالفاء. فإن لم يستقبل بالفاء استقبل بجزم مثله ولم يلق باسم،
إلا أن يضمر في ذلك الاسم الفاء. فإذا أضمرت الفاء ارتفع الجواب في منصوب الأسماء ومرفوعها لا غير. واحتجّ بقول الشاعر:
وللخيل أيّامٌ فمن يصطبر لها =ويعرف لها أيامها الخير تعقب
فجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب). (والخير) في هذا الموضع نعت للأيام؛ كأنه قال: ويعرف لها أيامها الصالحة تعقب. ولو أراد أن يجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب) لرفع (تعقب) لأنه يريد: فالخير تعقبه). [معاني القرآن: 1/421-423]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لاّ يعلمون}
وقال: {وأن أحدٌ مّن المشركين استجارك} فابتدأ بعد {أن}، وأن يكون رفع أحداً على فعل مضمر أقيس الوجهين لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها. إلا أنهم قد قالوا ذلك في "أن" لتمكنها وحسنها إذا وليتها الأسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ كما قال الشاعر
* عاود هراة وأن معمورها خربا *
وقال الآخر:
لا تجزعي أن منفساً أهلكته = وأذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
وقد زعموا أن قول الشاعر:

أتجزع أن نفسٌ أتاها حمامها = فهلاّ الّتي عن بين جنبيك تدفع
لا ينشد إلاّ رفعاً وقد سقط الفعل على شيء من سببه. وهذا قد ابتدئ بعد "أن" وإن شئت جعلته رفعا بفعل مضمر). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون}
المعنى إن طلب منك أحد منهم أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام اللّه {فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}.
{ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون}.
أي الأمر ذلك، أي وجب أن يعرفوا وأن يجازوا بجهلهم وبما يتبينون الإسلام.
وأما الإعراب في أحد مع " إن " فالرفع بفعل مضمر الذي ظهر يفسره.
المعنى وإن استجارك أحد.
ومن زعم أنه يرفع أحدا بالابتداء فخطأ.
لأن الجزاء لا يتخطى ما يرفع بالابتداء ويعمل فيما بعده.
فلو أظهرت المستقبل لقلت: إن أحد يقم أكرمه ولا يجوز إن يقم أحد زيد يقم. لا يجوز أن ترفع زيدا بفعل مضمر الذي ظهر يفسّره ويجزم.
وإنما جاز في " إن، لأن " إن، يلزمها الفعل.
وجواب الجزاء يكون بالفعل وغيره.
ولا يجوز أن تضمر وتجزم بعد المبتدأ.
لأنك تقول ههنا إن تأتني فزيد يقوم، فالموضع موضع ابتداء.
وإنما يجوز الفصل في باب " إن " لأن " إن " أمّ الجزاء، ولا تزول عنه إلى غيره، فأما أخواتها فلا يجوز ذلك فيها إلا في الشعر.
قال عدي بن زيد:
فمتى واغل يزرهم يحيوه... وتعطف عليه كأس السّاقي). [معاني القرآن: 2/431-432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}
أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله فأجره). [معاني القرآن: 3/185]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إلاّ الّذين عاهدتّم...}
استثناء في موضع نصب. وهم قوم من بني كنانة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر.
قال الله تبارك وتعالى: {فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم}؛ يقول: لا تحطّوهم إلى الأربعة). [معاني القرآن: 1/421]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه...}
على التعجب؛ كما تقول: كيف يستبقى مثلك؛ أي لا ينبغي أن يستبقى. وهو في قراءة عبد الله (كيف يكون للمشركين عهد عند الله ولا ذمة) فجاز دخول (لا) مع الواو لأن معنى أوّل الكلمة جحد، وإذا استفهمت بشيء من حروف الاستفهام فلك أن تدعه استفهاما، ولك أن تنوي به الجحد. من ذلك قولك: هل أنت إلاّ كواحد منّا؟! ومعناه: ما أنت إلا واحد منا، وكذلك تقول: هل أنت بذاهب؟ فتدخل الباء كما تقول: ما أنت بذاهب. وقال الشاعر:
يقول إذا اقلولي عليها وأقردت =ألا هل أخو عيشٍ لذيذٍ بدائم
وقال الشاعر:
فاذهب فأيّ فتى في الناس أحرزه =من يومه ظلمٌ دعجٌ ولا جبل
[معاني القرآن: 1/423]
فقال: ولا جبل، للجحد وأوّله استفهام ونيّته الجحد؛ معناه ليس يحرزه من يومه شيء. وزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: أين كنت لتنجو مني، فهذه اللام إنما تدخل لـ {ما} التي يراد بها الجحد؛ كقوله: {ما كانوا ليؤمنوا}، {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}). [معاني القرآن: 1/424]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
وقال: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين} فهذا استثناء خارج من أول الكلام. و{الذين} في موضع نصب). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {كيف يكون للمشركين عهد عند اللّه وعند رسوله إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
{إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام}.
أي ليس العهد إلا لهؤلاء الذين لم ينكثوا.
فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم).
أي ما أقاموا على الوفاء بعهدهم، وموضع " الذين " نصب بالاستثناء). [معاني القرآن: 2/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}
أي فما أقاموا على العهد ولم ينقضوه فأوفوا لهم). [معاني القرآن: 3/185]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كيف وإن يظهروا عليكم...}
اكتفى بـ {كيف} ولا فعل معها؛ لأن المعنى فيها قد تقدّم في قوله: {كيف يكون للمشركين عهدٌ} وإذا أعيد الحرف وقد مضى معناه استجازوا حذف الفعل؛ كما قال الشاعر:
وخبرتماني أنما الموت في القرى =فكيف وهذي هضبةٌ وكثيب
وقال الحطيئة:
فكيف ولم أعلمهم خذلوكم =في معظمٍ ولا أديمكم قدّوا
وقال آخر:
* فهل إلى عيش يا نصاب وهل *
فأفرد الثانية لأنه يريد بها مثل معنى الأوّل). [معاني القرآن: 1/424-425]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
وقال: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم} فأضمر كأنه [قال] "كيف لا تقتلونهم" والله أعلم). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إلا ولا ذمة} (الإل): العهد وقال بعضهم القرابة {والذمة} الأمان ومنه سمي المعاهد ذميا لأنه أعطي الأمان. ومنه في الحديث " ويسعى بذمتهم أدناهم"). [غريب القرآن وتفسيره: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و {الإلّ}: العهد، ويقال: القرابة، ويقال: اللّه جل ثناؤه.
و{الذمة}: العهد). [تفسير غريب القرآن: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّا ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
وحذف مع كيف جملة " يكون لهم عهد " لأنه قد ذكر قبل ذلك.
قال الشاعر يرثي أخا له مات:
وخبرتماني أنما الموت بالقرى.=.. فكيف وهاتا هضبة وقليب
أي فكيف مات وليس بقرية. ومثله قول الحطيئة:
وكيف ولم أعلمهمو خذلوكمو.=.. على معظم ولا أديمكمو قدّوا
أي فكيف تلومونني على مدح قوم، وتذمونهم، واستغنى عن ذكر " ذلك " مع ذكر كيف، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمر.
قال أبو عبيدة الإل: العهد، والذّمّة ما يتذمم منه، وقال غيره: الذمة: العهد، وقيل في الإل غير قول.
قيل: الإل: القرابة، وقيل: الإل: الحلف، وقيل: الإل: العهد، وقيل الإل اسم من أسماء اللّه، وهذا عندنا ليس بالوجه لأن أسماء اللّه جلّ وعز معروفة معلومة كما سمعت في القرآن وتليت في الأخبار قال الله جلّ وعزّ:
{وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها}.
فالداعي يقول: يا اللّه، يا رحمن، يا ربّ، يا مؤمن، يا مهيمن.
[معاني القرآن: 2/433]
ولم يسمع " يا إلّ في الدعاء.
وحقيقة " الإلّ " عندي على ما توحيه اللغة تحديد الشيء فمن ذلك: الإلّة: الحربة، لأنّها محدّدة، ومن ذلك: إذن مؤلّلة، إذا كانت محدّدة.
والأل يخرج في جميع ما فسر من العهد والجوار على هذا، وكذلك القرابة، فإذا قلت في العهد بينهما إلّ فمعناه جواز يحاد الإنسان، وإذا قلته في القرابة فتأويله القرابة الدانية التي تحادّ الإنسان). [معاني القرآن: 2/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كيف وإن يظهروا عليكم}
معناه كيف يكون لهم عهد {وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة}
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألإل الله جل وعز
وروى ابن جريج عن مجاهد قال الإل العهد
وقال أبو عبيدة الإل العهد والذمة التذمم
وقال قتادة الحلف والذمة العهد
وقال الضحاك الإل القرابة والذمة العهد
قال أبو جعفر وهذا أحسنها والأصل في هذا أنه يقال أذن موللة أي محددة والألة الحربة فإذا قيل للعهد إل فمعناه أنه قد حدد وإذا قيل للقرابة فمعناه إن أحدهما يحاد صاحبه ويقاربه وأنشد أهل اللغة:
لعمرك إن إلك من قريش = كإل السقب من رأل النعام
فأما ما روي عن أبي مجلز ومجاهد أن الإل الله جل وعز فغير معروف لأن أسماء الله جل وعز معروفة والذمة العهد
قول معروف ومنه أهل الذمة إنما هم أهل العهد وتذممت أن أفعل استحييت فصرت بمنزلة من عليه عهد). [معاني القرآن: 3/186-188]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا ولا ذمة} فالإل: الله - عز وجل، والذمة: العهد). [ياقوتة الصراط: 241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والإلَ} العهد، ويقال: القرابة. {والذمة} العهد. وقيل: الإلَ هو الله جل ذكره). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الإِل}: العهد {الذِمَّةً}: الأمان). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) )

تفسير قوله تعالى: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّة} مجاز الإلّ: العهد والعقد واليمين، ومجاز الذمة التذمم ممن لا عهد له، والجميع ذمم؛ {يرقبوا} أي يراقبوا.
{وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} أي أداموها في مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالهم). [مجاز القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإلّ هو: الله تعالى. قال مجاهد في قوله سبحانه: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} ويعني الله عز وجل. ومنه (جبر إلّ) في قراءة من قرأه بالتشديد.
ويقال للرحم: إلّ كما اشتق لها الرّحم من الرّحمن.
وقال حسّان:
لعمركَ إِنَّ إِلَّكَ فِي قُرَيْشٍ = كإِلِّ السَّقْبِ مِن رَأْلِ النَّعَامِ
أي: رَحِمُكَ فِيهم، وقُرْبَاكَ مِنْهُمْ.
ومن ذهب بالإلِّ في قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا} إلى الرَّحِم، فهو وجهٌ حَسَن.
كما قال الشاعر:
دَعَوْا رَحِمًا فِينَا وَلا يَرْقُبونَهَا = وَصَدَّتْ بأَيدِيهَا النِّسَاءُ عَنِ الدَّمِ
يريد: أن المشركين لم يكونوا يرقبون في قراباتهم من المسلمين رحما، وقد قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23].
قال ابن عباس: يريد لا أسألكم على ما أتيتكم به من الهدى أجرا إلا أن تودّوني في القرابة منكم. وكانت لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ولادات كثيرة في بطون قريش. وقال الله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128].
قال ابن عباس: قالت قريش: يسألنا أن نودّه في القرابة وهو يشتم آلهتنا ويعيبها؟! فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47].
ويقال للعهد: {إلّ}، لأنّه بالله يكون). [تأويل مشكل القرآن: 449-450]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة...}
ثم قال: {فإخوانكم في الدّين} معناه: فهم إخوانكم. يرتفع مثل هذا من الكلام بأن يضمر له اسمه مكنيّا عنه. ومثله {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم} أي فهم إخوانكم. وفي قراءة أبيّ {إن تعذّبهم فعبادك} أي فهم عبادك). [معاني القرآن: 1/425]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإخوانكم في الدّين} مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقولك: فهم إخوانكم). [مجاز القرآن: 1/253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}
أي فهم مثلكم قد غفر لهم نقضهم العهد وكفرهم). [معاني القرآن: 3/188]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإن نكثوا أيمانهم} مجازه: إن نقضوا أيمانهم، وهي جميع اليمين من الحلف). [مجاز القرآن: 1/253]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإن نّكثوا أيمانهم مّن بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون}
وقال: {وإن نّكثوا أيمانهم مّن بعد عهدهم} قال: {فقاتلوا أئمّة الكفر} فجعل الهمزة ياء لأنها في موضع كسر وما قبلها مفتوح ولم يهمز لاجتماع الهمزتين. ومن كان من رأيه جمع الهمزتين همز). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وأن نكثوا أيمانهم}: نقضوا). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ -: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون}
أي رؤساء الكافرين، وقادتهم، لأن الإمام متبع.
وهذه الآية توجب قتل الذميّ إذا أظهر الطعن في الإسلام لأن العهد معقود عليه بألّا يطعن، فإذا طعن فقد نكث.
وقوله: {أئمّة الكفر} فيها عند النحويين لغة واحدة: أيمة بهمزة وياء والقراء يقرأون {أئمّة} بهمزتين، وأيمة بهمزة وياء فأما النحويون فلا يجيزون اجتماع الهمزتين ههنا، لأنهما لا يجتمعان في كلمة، ومن قرأ أئمة - بهمزتين - فينبغي أن يقرأ يا بني أأدم، والاجتماع أن آدم فيه همزة واحدة.
فالاختلاف راجع إلى الإجماع، إلا أن النحويين يستصعبون هذه المسألة.
ولهم فيها غير قول:
يقولون إذا فضلنا رجلا في الإمامة: هذا أومّ من هذا ويقول بعضهم أيمّ من هذا، فالأصل في اللغة أأممة لأنه جمع إمام، مثل مثال وأمثلة، ولكن
الميمين لما اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية وألغيت حركتها على الهمزة.
فصار أئمة، فأبدل النحويون من الهمزة الياء.
ومن قال: هذا أيمّ من هذا جعل هذه الهمزة كلما تحركت أبدل منها قال أبو إسحاق: والذي قال: (هذا أومّ من هذا) كانت عنده أصلها أأم.
فلم يمكنه أن يبدل منها ألفا لاجتماع السّاكنين، فجعلها واوا مفتوحة، لأنه قال: إذا جمعت آدم قلت أوادم.
وهذا هو القياس الذي جعلها ياء.
قال: قد صارت الياء في أئمة بدلا لازما.
وهذا مذهب الأخفش، والأول مذهب المازني.
قال أبو إسحاق وأظنه أقيس الوجهين، أعني: هذا أومّ من هذا، فأما أئمة باجتماع الهمزتين، فليس من مذاهب أصحابنا، إلا ما يحكى عن ابن إسحاق فإنه كان يحب اجتماعهما وليس ذلك عندي جائزا، لأن هذا الحرف في أئمة قد وقع فيه التضعيف والإدغام، فلما أدغم وقعت علة في الحرف.
وطرحت حركته على الهمزة فكان تركها دليلا على أنها همزة قد وقع عليها حركة ما بعدها، وعلى هذا القياس يجوز: هذا أأمّ من هذا والذي بدأنا به هو الاختيار من أن لا تجتمع همزتان.
وقوله: {إنّهم لا أيمان لهم}.
وتقرأ {لا إيمان لهم} فمن قرأ: {لا أيمان لهم} بالفتح فقد وصفهم بالنكث في العهد، وهو أجود القراءتين، ومن قرأ " لا إيمان لهم " فقد وصفهم بالردة، أي لا إسلام لهم، ويجوز أن يكون نفى عنهم الإيمان لأنهم لم يؤمنوا، كما تقول: لا علم لفلان.
ويجوز أن يكون لا أيمان لهم إذا كنتم أنتم آمنتموهم، فنقضوا هم عهدكم، فقد بطل الأمان الذي أعطيتموهم، أي لا إيمان لهم: على " آمنت إيمانا على المصدر ".
{لعلّهم ينتهون}.
أي ليرجى منهم الانتهاء والنكث: النقض في كل شي). [معاني القرآن: 2/434-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم} أي نقضوا وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أي رؤساءه
وقيل هذا يوجب القتل على من طعن في الإسلام وإن كان له عهد لأن ذلك ينقض عهده
ثم قال جل وعز: {إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}
روي عن عمار بن ياسر أنه قال أي لا عهد لهم وقرأ
الحسن لا إيمان لهم
قال أبو جعفر وقراءته تحتمل معنيين
أحدهما لا إسلام لهم على النفي كما تقول لا علم له
والمعنى الآخر أي يكون مصدرا من قولك آمنته إيمانا أي لا تؤمنوهم ولكن اقتلوهم). [معاني القرآن: 3/188-189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَّكَثُواْ}: نقضوا). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وهم بدءوكم أوّل مرّةٍ...}
ذلك أن خزاعة كانوا حلفاء للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وكانت الديل بن بكر حلفاء لبني عبد شمس، فاقتتلت الديل وخزاعة، فأعانت قريش الديل على خزاعة، فذلك قوله: {بدءوكم} أي قاتلوا حلفاءكم). [معاني القرآن: 1/425]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ألا تقاتلون قوماً نّكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرّسول وهم بدءوكم أول مرّةٍ أتخشونهم فاللّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مّؤمنين}
وقال: {وهمّوا بإخراج الرّسول} لأنك تقول "هممت بكذا" و"أهمّني كذا"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الوليجة}: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، والرجل يدخل في القوم ليس منهم فهو وليجة). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (إن الخفيفة: تكون بمعنى {ما}...، وقالوا أيضا: وتكون بمعنى إذ، كقوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 129]، أي إذ كنتم. وقوله: {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 13].
وقوله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278].
وهي عند أهل اللغة {إن} بعينها، لا يجعلونها في هذه المواضع بمعنى (إذ) ويذهبون إلى أنه أراد: من كان مؤمنا لم يهن ولم يدع إلى السّلم، ومن كان مؤمنا لم يخش إلا الله، ومن كان مؤمنا ترك الرّبا). [تأويل مشكل القرآن: 552-553] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرّسول وهم بدءوكم أوّل مرّة أتخشونهم فاللّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}
هذا على وجه التوبيخ، ومعناه الحضّ على قتالهم، وقيل في قوله:
{وهم بدءوكم أوّل مرّة}.
أنهم كانوا قاتلوا حلفاء الرسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {أتخشونهم}.
معناه أتخشون أن ينالكم من قتالهم مكروه.
{فاللّه أحقّ أن تخشوه}.
أي فمكروه عذاب اللّه أحق أن يخشى.
{إن كنتم مؤمنين} أي مصدقين بعقاب اللّه وثوابه). [معاني القرآن: 2/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وهم بدؤكم أول مرة}
قال مجاهد قاتلوا حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أتخشونهم أي أتخشون عاقبتهم فالله أحق أن تخشوه أي تخشوا عاقبته ثم وعدهم النصر وذلك من علامات النبوة فقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين فدل بهذا على أن غيظهم كان قد اشتد
قال مجاهد يعني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 3/189- 190]

تفسير قوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم...}
ثم جزم ثلاثة أفاعيل بعده يجوز في كلهن النصب والجزم والرفع.
ورفع قوله: {ويتوب الله} لأن معناه ليس من شروط الجزاء؛ إنما هو استئناف؛ كقولك للرجل: ايتني أعطك، وأحبّك بعد، وأكرمك، استئناف ليس بشرط للجزاء. ومثله قول الله تبارك وتعالى: {فإن يشأ الله يختم على قلبك} تمّ الجزاء ها هنا، ثمّ استأنف فقال: {ويمح اللّه الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته}). [معاني القرآن: 1/426]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)
(ويشف صدور قوم مؤمنين}.
فيه دليل أنه اشتد غضبهم للّه عزّ وجلّ، فوعد اللّه في هذه الآية النصر.
وفيها دليل على تثبيت النبوة، لأنه قال عزّ وجلّ: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}.
فوعدهم اللّه النصر ووفّى به، ودل على صدق ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 2/436]

تفسير قوله تعالى: (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب اللّه على من يشاء واللّه عليم حكيم}
{ويتوب اللّه على من يشاء}
ليس بجواب لقوله: {قاتلوهم} ولكنه مستأنف، لأن {يتوب} ليس من جنس ما يجاب به {قاتلوهم} ). [معاني القرآن: 2/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويتوب الله على من يشاء}
وهذا منقطع مما قبله). [معاني القرآن: 3/190]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أم حسبتم...}
من الاستفهام الذي يتوسّط في الكلام فيجعل بـ {أم} ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ الذي لم يتّصل بكلام. ولو أريد به الابتداء لكان إمّا بالألف وإما بـ {هل} كقوله: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر} وأشباهه.
وقوله: {ولم يتّخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً} والوليجة: البطانة من المشركين يتّخذونهم فيفشون إليهم أسرارهم، ويعلمونهم أمورهم. فنهوا عن ذلك). [معاني القرآن: 1/426]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وليجةً} كل شئ أدخلته في شئ ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم، ومجازه يقول: فلا تتخذوا ولياً ليس من المسلمين دون الله ورسوله، ومنه قول طرفة بن العبد:
فإن القوا في يتّلجن موالجاً... تضايق عنها أن تولجّه الإبر
ويقال للكناس الذي يلج فيه الوحش من الشجر دولجٌ وتولج، وقال:
متخذاً منها إياداً دولجا
{ولم يخش إلاّ الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} عسى ها هنا واجبة من الله). [مجاز القرآن: 1/254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الوليجة}: البطانة من غير المسلمين، وأصله من الولوج.
وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا وودّا). [تفسير غريب القرآن: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ولم يتّخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة واللّه خبير بما تعملون}
الله جلّ وعزّ قد علم قبل أمرهم بالقتال من يقاتل ممن لا يقاتل ولكنه كان يعلم ذلك غيبا، فأراد العلم الذي يجازي عليه لأنه جلّ وعزّ إنما يجازي على ما عملوا.
وسورة " براءة " كانت تسمّى الحافرة، لأنها حفرت عن قلوب المنافقين.
وذلك أنه لما فرض القتال تبين المنافق من غيره، ومن يوالي المؤمنين ممن يوالي أعداءهم فقال جلّ وعزّ:
{أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ولم يتّخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة}.
و{الوليجة}: البطانة، وهي مأخوذة من ولج الشيء يلج إذا دخل.
أي ولم يتخذوا بينهم وبين الكافرين دخيلة مودة). [معاني القرآن: 2/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم حسبتم أن تتركوا} وذلك أنهم لما أمروا بالقتال تبين نفاق المنافقين
ثم قال جل وعز: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم}
وقد علم ذلك علم غيب وإنا تقع المجازاة على العلم المشاهد
ثم قال جل وعز: {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة}
الوليجة البطانة من ولج يلج ولوجا إذا دخل فالمعنى دخيلة مودة من دون الله ورسوله). [معاني القرآن: 3/190-191]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وليجة} الوليجة: الرجل يدخل على المؤمنين، فيقول: أنا منكم، ويدخل على المنافقين ويقول: أنا منكم، ويدخل على اليهود فيسهل عليهم أمر اليهودية، وجمعه: ولائج). [ياقوتة الصراط: 241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الوليجة} البطانة من غير المسلمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الوَلِيجَةً}: إدخال الشيء في الشيء). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله...}
وهو يعني المسجد الحرام وحده. وقرأها مجاهد وعطاء بن أبي رباح: (مسجد الله). وربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع، وبالجمع إلى الواحد؛ ألا ترى الرجل على البرذون فتقول: قد أخذت في ركوب البراذين، وترى الرجل كثير الدراهم
فتقول: إنه لكثير الدرهم. فأدّى الجماع عن الواحد، والواحد عن الجمع. وكذلك قول العرب: عليه أخلاق نعلين وأخلاق ثوب؛ وأنشدني أبو الجرّاح العقيليّ:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق =شراذمٌ يضحك منه التوّاق
). [معاني القرآن: 1/426-427]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النّار هم خالدون}
{شاهدين} حال. المعنى ما كانت لهم عمارة المسجد الحرام في حال إقرارهم بالكفر.
{أولئك حبطت أعمالهم}.
أي كفرهم قد أذهب ثواب أعمالهم). [معاني القرآن: 2/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله}
هكذا قرأ ابن عباس وهو اختيار أبي عمرو واحتج بقوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}
ومن قرأ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله فتحتمل قراءته معنيين
أحدهما: أن يكون لجميع المساجد
والآخر: أن يراد به المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الجنس كما يقال قد صار فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا
والقراءة مساجد أصوب لأنه يحتمل المعنيين وقد أجمعوا على قراءة قوله: {إنما يعمر مساجد الله} على الجمع). [معاني القرآن: 3/191]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة ولم يخش إلّا اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
ولم يذكر الرسول في هذا، لأن فيه دليلا بقوله وأقام الصلاة التي أتى بتحديدها الرسول.
{ولم يخش إلّا اللّه}.
تأويله لم يخف في باب الدين إلا اللّه.
{فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}.
عسى واجبة من اللّه). [معاني القرآن: 2/437-438]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 19 إلى 33]

(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) )

تفسير قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه...}
ولم يقل: سقاة الحاجّ وعامري... كمن آمن، فهذا مثل قوله: {ولكنّ البرّ من آمن بالله} يكون المصدر يكفي من الأسماء، والأسماء من المصدر إذا كان المعنى مستدلاّ عليه بهما؛ أنشدني الكسائيّ:

لعمرك ما الفتيان إن تنبت اللحى =ولكنما الفتيان كلّ فتى ندي
فجعل خبر الفتيان {أن}. وهو كما تقول: إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ} أي: أجعلتم صاحب سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كمن آمن؟!
ويكون يريد: أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن بالله وجهاده؟ كما قال: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177].
قال الهذلي:
يُمَشَّى بيننا حَانُوتُ خَمْرِ = من الخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ القِطَاطِ
أراد صاحب حانوت خمر، فأقام الحانوت مقامه.
وكذلك قول أبي ذؤيب في صفة الخمر:
تَوَصَّلُ بالرُّكبانِ حِينًا وَتُولِفُ الـ = جِوَارَ وَيُغْشِيهَا الأَمَانَ رِبَابُهَا
اللفظ للخمر والمعنى للخمّار، أي يتوصّل الخمار بالركب ليسير معهم ويأمن بهم.
وكذلك قوله:
أتوها برِبحٍ حاولتْهُ فأَصْبَحَتْ = تُكَفَّتُ قَدْ حُلَّتْ وَسَاغَ شَرَابُهَا
يريد: أتوا صاحبها بربح، فأقامها مقامه.
وقال كثير يذكر الأظعان:
حُزِيَتْ لِي بحَزْمِ فَيْدَةَ تُحْدَى = كاليهوديِّ مِن نَطَاةِ الرِّقَالِ
أراد كنخل اليهوديّ من خيبر، فأقامه مقامها.
ومثله قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 17] أي: أهله.
وقال الشاعر:
لهم مجلسٌ صُهْبُ السِّبَالِ أَذِلَّةٌ = سَوَاسِيَةٌ أحرارُها وعبيدُها).
[تأويل مشكل القرآن: 211-212]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
المعنى أجعلتم أهل سقاية الحاجّ وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد.
واختلف الناس في تفسير هذه الآية:
فقيل: إنه سأل المشركون اليهود فقالوا نحن سقاة الحاجّ وعمّار المسجد الحرام. أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه؟
فقالت لهم اليهود عنادا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أفضل.
وقيل إنه تفاخر المسلمون المجاهدون والذين لم يهاجروا ولم يجاهدوا.
فأعلم الله جلّ وعزّ أن المجاهدين والمهاجرين أعظم درجة عند اللّه، فقال:
{الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند اللّه وأولئك هم الفائزون (20)} ). [معاني القرآن: 2/438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر}
والمعنى أجعلتم أهل سقاية الحاج كما قال واسأل القرية
ومن قرأ أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام فهو عنده على غير حذف
قال الشعبي نزلت في علي بن أبي طالب والعباس
وقال الحسن نزلت في علي والعباس وعثمان بن طلحة الحجبي وشيبة
وقال محمد بن سيرين خرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من المدينة إلى مكة فقال للعباس يا عم ألا تهاجر ألا تمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أعمر البيت وأحجبه فنزلت:
{أجعلتم سقاية الحاج} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 3/192-193 ]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا...}
ثم قال: {أعظم درجةً عند اللّه} فموضع الذين رفع بقوله: "أعظم درجة". ولو لم يكن فيه {أعظم} جاز أن يكون مردودا بالخفض على قوله {كمن آمن}. والعرب تردّ الاسم إذا كان معرفة على {من} يريدون التكرير. ولا يكون نعتا لأن {من} قد تكون معرفة، ونكرة، ومجهولة، ولا تكون نعتا؛ كما أن {الذي} قد يكون نعتا
للأسماء؛ فتقول: مررت بأخيك الذي قام، ولا تقول: مررت بأخيك من قام. فلمّا لم تكن نعتا لغيرها من المعرفة لم تكن المعرفة نعتا لها؛ كقول الشاعر:
لسنا كمن جعلت إيادٍ دارها =تكريت تنظر حبّها أن تحصدا
إنما أراد تكرير الكاف على إياد؛ كأنه قال: لسنا كإياد). [معاني القرآن: 1/427-428 ]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند اللّه وأولئك هم الفائزون}
{درجة} منصوب على التمييز، المعنى أعظم من غيرهم درجة.
{وأولئك هم الفائزون}.
والفائز الذي يظفر بأمنيته من الخير). [معاني القرآن: 2/438 -439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أعظم درجة عند الله}
أي من غيرهم أي أرفع منزلة من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام والجهاد، هم الفائزون بالجنة الناجون من النار والفايز الذي ظفر بأمنيته). [معاني القرآن: 3/193]

تفسير قوله تعالى: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم}
أي يعلمهم في الدنيا ما لهم في الآخرة). [معاني القرآن: 2/439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان}
أي يعلمهم في الدنيا ولهم في الآخرة). [معاني القرآن: 3/193]

تفسير قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) )

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرةٍ...}
نصبت المواطن لأن كلّ جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان فهو لا يجري؛ مثل صوامع، ومساجد، وقناديل، وتماثيل، ومحاريب. وهذه الياء بعد الألف لا يعتدّ بها؛ لأنها قد تدخل فيما ليست هي منه، وتخرج ممّا هي منه، فلم يعتدّوا بها؛ إذ لم تثبت كما ثبت غيرها. وإنما منعهم من إجرائه أنه مثال لم يأت عليه شيء من الأسماء المفردة، وأنه غاية للجماع؛ إذا انتهى الجماع إليه فينبغي له ألاّ يجمع. فذلك أيضا منعه من الانصراف؛ ألا ترى أنك لا تقول: دراهمات، ولا دنانيرات، ولا مساجدات. وربّما اضطرّ إليه الشاعر فجمعه. وليس يوجد في الكلام ما يجوز في الشعر. قال الشاعر:
* فهنّ يجمعن حدائداتها *
فهذا من المرفوض إلا في الشعر.
ونعت {المواطن} إذا لم يكن معتلاّ جرى. فلذلك قال: {كثيرةٍ}.
[قوله: {ويوم حنينٍ} وحنين وادٍ بين مكة والطائف. وجرى {حنين} لأنه اسم لمذكّر. وإذا سمّيت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكّر لا علّة فيه أجريته. من ذلك حنين، وبدر، وأحد، وحراء، وثبير، ودابق، وواسط. وإنما سمّى واسطا بالقصر الذي بناه الحجّاج بين الكوفة والبصرة. ولو أراد البلدة أو اسما مؤنّثا لقال: واسطة. وربما جعلت العرب واسط وحنين وبدر، اسما لبلدته التي هو بها فلا يجرونه؛ وأنشدني بعضهم:
نصروا نبيّهم وشدّوا أزره =بحنين يوم تواكل الأبطال
وقال الآخر:
ألسنا أكرم الثّقلين رجلا= وأعظمه ببطن حراء نارا
فجعل حراء اسما للبلدة التي هو بها، فكان مذكرا يسمى به مؤنّث فلم يجر. وقال آخر:

لقد ضاع قوم قلّدوك أمورهم =بدابق إذ قيل العدوّ قريب
رأوا جسدا ضخما فقالوا مقاتل =ولم يعلموا أن الفؤاد نخيب
ولو أردت ببدر البلدة لجاز أن تقول مررت ببدر يا هذا). [معاني القرآن: 1/428-429]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مّدبرين}
وقال: {في مواطن كثيرةٍ} لا تنصرف. وكذلك كل جمع ثالث حروفه ألف وبعد الألف حرف ثقيل أو اثنان خفيفان فصاعدا فهو لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة نحو "محاريب" و"تماثيل" و"مساجد" وأشباه ذلك إلا أن يكون في آخره الهاء فإن كانت في آخره الهاء انصرف في النكرة نحو "طيالسة" و"صياقلة". وإنما منع العرب من صرف هذا الجمع أنه مثال لا يكون للواحد ولا يكون إلا للجمع والجمع أثقل من الواحد. فلما كان هذا المثال لا يكون إلا للأثقل لم يصرف. وأما الذي في آخره الهاء فانصرف لأنها منفصلة كأنها اسم على حيالها. والانصراف إنما يقع في آخر الاسم فوقع على الهاء فلذلك انصرف فشبه بـ"حضرموت" و"حضرموت" مصروف في النكرة). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين}
أي وفي حنين، أي ونصركم في يوم حنين، وحنين: اسم واد بين مكة والطائف.
وقوله: {في مواطن كثيرة} أي في أمكنة، كقولك في مقامات.
تقول استوطن فلان بالمكان إذا أقام فيه.
وزعم بعض النحويين أن {مواطن} لم ينصرف ههنا لأنه جمع.
وأنها لا تجمع.
قال أبو إسحاق: وإنما لم تجمع لأنها لا تدخل عليها الألف والتاء، لا نقول مواطنات، ولا حدائدات إلا في شعر، وإنما سمع قول الخليل أنه جمع لا يكون عنى مثال الواحد، وتأويله عند الخليل أن الجموع أبدا تتناهى إليه فليس بعده جمع، لو كسرت أي جمعت على التكسير أقوال، فقلت أقاويل لم يتهيأ لك أن تكسر أقاويل، ولكنك قد تقول أقاويلات.
قال الشاعر:
فهنّ يعلكنّ حدائداتها
وإنما لم ينصرف {مواطن} عند الخليل لأنه جمع وأنه ليس على مثال.
الواحد ومعنى ليس على مثال الواحد، أي ليس في ألفاظ الواحد ما جاء على لفظه وأنه لا يجمع كما يجمع الواحد جمع تكسير.
ومعنى الآية أن اللّه جلّ وعزّ أعلمهم أنّه ليس بكثرتهم يغلبون وأنهم إنما يغلبون بنصر اللّه إياهم فقال جلّ وعزّ:
{ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا}.
يروى أنهم كانوا اثني عشر ألفا في ذلك اليوم، وقال بعضهم: كانوا عشرة آلاف فأعجبوا بكثرتهم، فجعل الله عقوبتهم على إعجابهم بالكثرة - وقولهم: " لن نغلب اليوم من قلّة بأن رعّبهم حتى ولّوا مدبرين، فلم يبق مع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب، ثم أنزل اللّه عليهم السكينة حتى عادوا وظفروا فأراهم اللّه في ذلك اليوم من آياته ما زادهم تبيينا بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {إنّما يعمر مساجد اللّه}.
وقرئت مسجد اللّه، فمن قرأ (مسجد اللّه) عنى به المسجد الحرام ودخل معه غيره، كما تقول: ما أسهل على فلان إنفاق الدّرهم والدينار، أي هذا الجنس سهل عليه إنفاقه.
ويجوز أن يكون مساجد الله يعني به المسجد الحرام، كما تقول إذا
ركب الرجل الفرس، قد صار فلان يركب الخيل، فعلى هذا تجري الأسماء التي تعبّر عن الأجناس). [معاني القرآن: 2/439-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة}
أي في أماكن ومنه استوطن فلان المكان أي أقام به). [معاني القرآن: 3/194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم}
أي ونصركم يوم حنين
قال قتادة حنين اسم ماء بين مكة والطائف قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وألفين من الطلقاء فقال رجل لن تغلبوا اليوم فتفرق أكثرهم ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأجيب ونصر فأعلمهم الله جل وعز أنهم لم يغلبوا من كثرة وإنما يغلبون بأن ينصرهم الله). [معاني القرآن: 3/194]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بما رحبت} أي: اتسعت، يقال منه: فعل يفعل فعلا). [ياقوتة الصراط: 242]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنزل الله سكينته} مجازه مجاز فعليه من السكون، قال أبو عريف الكليبيّ:
لله قبرٌ غالها ماذا يجنّ... لقد أجنّ سكينةً ووقارا). [مجاز القرآن: 1/254 -255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سكنيته}: من السكون). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَكِينَتَهُ}: التثبيت والنصر). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما المشركون نجسٌ...}
لا تكاد العرب تقول: نجس إلا وقبلها رجس. فإذا أفردوها قالوا: نجس لا غير؛ ولا يجمع ولا يؤنث. وهو مثل دنف. ولو أنّث هو ومثله كان صوابا؛ كما قالوا: هي ضيفته وضيفه، وهي أخته سوغه وسوغته، وزوجه وزوجته.
وقوله: {إذ أعجبتكم كثرتكم}. قال يومئذ رجل من المسلمين: والله لا نغلب، وكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون يؤمئذ عشرة آلاف، وقال بعض الناس: اثني عشر ألفا، فهزموا هزيمة شديدة.
وهو قوله: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} والباء هاهنا بمنزلة في؛ كما تقول: ضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها. ... وحدثني المفضل عن أبي إسحاق قال قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: نعم والله حتى ما بقي معه منا إلا رجلان: أبو سفيان بن الحرث آخذا بلجامه، والعباس بن عبد المطلب عند ركابه آخذا بثفره، قال فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم كما قال لهم يوم بدر: شاهت الوجوه،
أنا النبي لا كذب = أنا ابن عبد المطلب
قال: فمنحنا الله أكتافهم). [معاني القرآن: 1/430]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن خفتم عيلةً...}
يعني فقرا. وذلك لمّا نزلت: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} خاف أهل مكة أن تنقطع عنهم الميرة والتجارة. فأنزل الله عز وجل: {وإن خفتم عيلةً}. فذكروا أن تبالة وجرش أخصبتا، فأغناهم الله بهما وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). [معاني القرآن: 1/430]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّما المشركون نجسٌ} متحرك الحروف بالفتحة، ومجازه: قذر، وكل نتنٍ وطفسٍ نجسٌ.
{وإن خفتم عيلةٌ} وهي مصدر عال فلانٌ أي افتقر فهو يعيل، وقال:
وما يدري الفقير متى غناه... وما يدري الغنىّ متى يعيل). [مجاز القرآن: 1/255]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إنّ اللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {وإن خفتم عيلةً} وهو "الفقر" تقول: "عال" "يعيل" "عيلةً" أي: "افتقر". و"أعال" "إعالةً": إذا صار صاحب عيال. و"عال عياله" و"هو يعولهم" "عولاً" و"عيالةً". وقال "{ذلك أدنى ألاّ تعولوا} أي: ألاّ تعولوا العيال. و"أعال الرجل" "يعيل" إذا صار ذا عيال). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وإن خفتم عيلة}: العيلة الفقر والحاجة، يقال قد عال الرجل يعيل عيلة. ومنه {ووجدك عائلا فأغنى}). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما المشركون نجسٌ} أي قذر.
{وإن خفتم عيلةً} أي فقرا بتركهم الحمل إليكم التجارات.
{فسوف يغنيكم اللّه من فضله}). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إنّ اللّه عليم حكيم}
يقال لكل مستقذر نجس، فإذا ذكرت الرجس قلت: هو رجس نجس.
وهذا وقع في سنة تسع من الهجرة، أمر المسلمون بمنع المشركين من الحج وبقتلهم حيث ثقفوهم.
{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء}.
كان لأهل مكة مكسبة، ورفق ممن كان يحج من المشركين.
فأعلمهم اللّه أنه يعوضهم من ذلك.
والعيلة: الفقر.
قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه..=. وما يدري الغني متى يعيل
). [معاني القرآن: 2/441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس}
يقال لكل مستقذر نجس فإذا قلت رجس نجس كسرت الراء والنون وأسكنت الجيم
وقوله جل وعز: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [آية: 28]
روى ابن جريج عن عطاء قال يريد بالمسجد الحرام الحرم كله
وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا أن يكون عبد أو أحد من أهل الجزية
وهذا مذهب الكوفيين أن المشركين في الآية يراد بهم من ليس له عهد وأن ذلك في سائر المساجد
ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار وانه يحال بينهم وبين جميع المساجد
ومذهب الشافعي أن المشركين ههنا عام أيضا كقول مالك إلا أنه قال إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة
ومذهب المدنين في هذا أحسن لقول الله جل وعز: {في بيوت أذن الله أن ترفع} أي تصان فيجب على هذا أن ترفع عن دخولهم لأنهم لا يعظمونها في دخولهم
وقوله جل وعز: {وإن خفتم عيلة}
والعيلة الفقر يقال عال يعيل عيلة ومنه ووجدك عائلا فأغنى
وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود وإن خفتم عائلة ومعناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد). [معاني القرآن: 3/195-196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} أي قذر.
{عَيْلَةً} أي فقرا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {العَيْلَةً}: الفقر). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يدينون دين الحقّ} مجازه: لا يطيعون الله طاعة الحق، وكل من أطاع مليكا فقد دان له، ومن كان في طاعة سلطان فهو في دينه، قال زهير:

لئن حللت بجّوٍ في بني أسدٍ..=. في دين عمرو وحالت بيننا فدك
[مجاز القرآن: 1/255]
وقال طرفة بن العبد:
لعمرك ما كانت حمولة معبدٍ=على جدّها حرباً لديبك من مضر
أي لطاعتك، جدّها مياهها.
{حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرين} كل من انطاع لقاهر بشئ أعطاه من غير طيب نفس به وقهر له من يد في يد فقد أعطاه عن يد ومجاز الصاغر الذليل الحقير، يقال: طعت له وهو يطاع له، وانطعت له، وأطعته، ولم يحفظ طعت له). [مجاز القرآن: 1/256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ} يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يد: إذا أعطاه مبتدئا غير مكافيء). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الدّين
الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أي يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: دنته بما صنع. أي جزيته بما صنع. وكما تدين تدان.
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر:
لئن حللت بخوّفي بني أسد في دين عمرو وحالت دوننا فدك
أي في سلطانه. ويقال من هذا: دنت القوم أدينهم، أي قهرتهم وأذللتهم، فدانوا أي ذلّوا وخضعوا.
والدّين لله إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ:
كانت نوار تدينك الأديانا
أي تذلّك. ومنه قول الله تعالى: {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29]، أي لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]. ومنه قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25]، أي حسابهم). [تأويل مشكل القرآن: 453-454] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ -: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
معناه: الذين لا يؤمنون باللّه إيمان الموحّدين، لأنهم أقروا بأن اللّه خالقهم، وأنه له ولد.
وأشرك المشركون معه الأصنام، فأعلم الله عزّ وجلّ أن هذا غير إيمان باللّه، وأن إيمانهم بالبعث ليس على جهة إيماننا لأنهم لا يقرون بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون وليس يقرون باليوم الآخر كما أعلم اللّه جلّ وعزّ وليس يدينون بدين الحق، فأمر الله بقتل الكافرين كافة إلا أن يعطوا الجزية عن يد، وفرض قبول الجزية من أهل الكتاب وهم النّصارى واليهود.
وسن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في المجوس والصابئين أن يجروا مجرى أهل الكتاب في قبول الجزية.
فأمّا عبدة الأوثان من العرب فليس فيهم إلا القتل.
وكذلك من غيرهم.
وقوله: {حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
قيل معنى {عن يد} عن ذلّ، وقيل عن يد عن قهر وذلّ، كما تقول اليد في هذا لفلان. أي الأمر النافذ. لفلان.
وقيل (عن يد) أي عن إنعام عليهم بذلك، لأن قبول الجزية منهم وترك أنفسهم نعمة عليهم، ويد من المعروف جزيلة). [معاني القرآن: 2/441-442]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}
المعنى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله ويقولون له ولد تعالى عن ذلك
ويؤمنون بالآخرة ويقولون لا أكل فيها ولا شراب فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز
ثم قال جل وعز: {ولا يدينون دين الحق}
قال أبو عبيدة مجازه ولا يطيعون طاعة الحق
قال أبو جعفر أي طاعة أهل الإسلام وكل مطيع ملكا فهو دائن له يقال دان فلان لفلان
قال زهير:

لئن حللت بجو في بني أسد = في دين عمرو وحالت دوننا

ثم قال جل وعز: {من الذين أوتوا الكتاب}
وهم اليهود والنصارى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجوس أن يجروا مجراهم
ثم قال جل وعز: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز: {وهم صاغرون} قال يمشون بها ملبين
وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال مذمومين
وروى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن يد قال عن مهر
وقيل معنى يد عن إنعام يد أي عن إنعام منكم
[معاني القرآن: 3/198]
عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك
وقيل وهو أصحها يؤدونها بأيديهم ولا يوجهون بها كما يفعل الجبارون
وقال سعيد بن جبير يدفعها وهو قائم والذي يأخذها منه جالس
وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول اليد في هذا لفلان
ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم وأحكام المسلمين جارية عليهم
ثم قال وهم صاغرون
قال أبو عبيدة الصاغر الذليل الحقير
وقال غيره الذي يتلتل ويعنف به). [معاني القرآن: 3/196-200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَنْ يَدٍ} أي مبتدأ منهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه...}
قرأها الثقات بالتنوين وبطرح التنوين. والوجه أن ينوّن لأن الكلام ناقص (وابن) في موضع خبر لعزير. فوجه العمل في ذلك أن تنوّن ما رأيت الكلام محتاجا إلى ابن. فإن اكتفى دون بن، فوجه الكلام ألا ينون. وذلك مع ظهور اسم أبي الرجل أو كنيته. فإذا جاوزت ذلك فأضفت (ابن) إلى مكنّى عنه؛ مثل ابنك، وابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالح، أدخلت النون في التامّ منه والناقص. وذلك أن حذف النون إنما كان في الموضع الذي يجري في الكلام كثيرا، فيستخفّ طرحها في الموضع الذي يستعمل. وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرا فيقال: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، فلا يجرى كثيرا بغير ذلك. وربما حذفت النون وإن لم يتمم الكلام لسكون الباء من ابن، ويستثقل النون إذ كانت ساكنة لقيت ساكنا، فحذفت استثقالا لتحريكها. قال: من ذلك قراءة القرّاء:(عزير ابن الله). وأنشدني بعضهم:

لتجدنّي بالأمير برّا =وبالقناة مدعسا مكرّا
* إذا غطيف السلمي فرّا *
وقد سمعت كثيرا من القراء الفصحاء يقرءون: {قل هو اللّه أحد اللّه الصّمد}. فيحذفون النون من {أحد}. وقال آخر:

كيف نومي على الفراش ولمّا =تشمل الشام غارةٌ شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي =عن خدام العقيلة العذراء
أراد: عن خدامٍ، فحذف النون للساكن إذا استقبلتها. وربما أدخلوا النون في التمام مع ذكر الأب؛ أنشدني بعضهم:
جارية من قيس ابن ثعلبة =كأنها حلية سيف مذهبه
وقال آخر:
وإلا يكن مال يثاب فإنه = سيأتي ثنائي زيدا ابن مهلهل
وكان سبب قول اليهود: عزير ابن الله أن بخت نصّر قتل كلّ من كان يقرأ التوراة، فأتي بعزير فاستصغره فتركه. فلمّا أحياه الله أتته اليهود، فأملى عليهم التوراة عن ظهر لسانه. ثم إن رجلا من اليهود قال: إن أبي ذكر أن التوراة مدفونة في بستان له، فاستخرجت وقوبل بها ما أملى عزير فلم يغادر منها حرفا. فقالت اليهود: ما جمع الله التوراة في صدر عزير وهو غلام إلا وهو ابنه - تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا -.
وقوله: {وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه}. وذكر أن رجلا دخل في النصارى وكان خبيثا منكرا فلبّس عليهم، وقال: هو هو. وقال: هو ابنه، وقال: هو ثالث ثلاثة. فقال الله تبارك وتعالى في قولهم ثالث ثلاثة: {يضاهئون قول الّذين كفروا} في قولهم: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى). [معاني القرآن: 1/431-433]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يضاهون قول الّذين كفروا من قبل} ومجاز المضاهات مجاز التشبيه.
(قاتلهم الله) قتلهم الله، وقلّما يوجد فاعل إلاّ أن يكون العمل من إثنين، وقد جاء هذا ونظيره ونظره: عافاك الله، والمعنى أعفاك الله، وهو من الله وحده.
والنظر والنظير سواء مثل ندّ ونديد، وقال:
ألا هل أتى نظيري مليكة أنّني
{أنّي يؤفكون} كيف يحدّون، وقال كعب بن زهير:
أنّى ألّم بك الخيال يطيف..=. ومطافه لك ذكرةٌ وشعوف
ويقال: رجل مأفوك أي لا يصيب خيراً، وأرض مأفوكة أي لم يصبها مطر وليس بها نبات). [مجاز القرآن: 1/256-257]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون}
[وقال] {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه} وقد طرح بعضهم التنوين وذلك رديء لأنه إنما يترك التنوين إذا كان الاسم يستغني عن الابن وكان ينسب إلى اسم معروف. فالاسم ههنا لا يستغني. ولو قلت "وقالت اليهود عزيز" لم يتمّ كلاما إلا أنه قد قرئ وكثر وبه نقرأ على الحكاية كأنهم أرادوا "وقالت اليهود نبيّنا عزيز ابن الله"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يضاهون}: والمضاهاة التشبيه.
{قاتلهم الله}: أي قتلهم الله.
{أنى يؤفكون}: يدفعون عنه ويحدون). [غريب القرآن وتفسيره: 162-163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يضاهؤن قول الّذين كفروا من قبل} أي يشبهون. يريد أن من كان في عصر النبي صلّى اللّه عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قاله أوّلوهم). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه
من ذلك الدعاء على جهة الذم لا يراد به الوقوع:
كقول الله عز وجل: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]، و {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]، و{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] وأشباه ذلك.
ومنه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، للمرأة: «عقرى حلقى»، أي عقرها الله، وأصابها بوجع في حلقها.
وقد يراد بهذا أيضا التعجب من إصابة الرجل في منطقه، أو في شعره، أو رميه، فيقال: قاتله الله ما أحسن ما قال، وأخزاه الله ما أشعره، ولله درّه ما أحسن ما احتج به.
ومن هذا قول امرئ القيس في وصف رام أصاب:
فهو لا تنمي رميّته ما له لا عدّ من نفره
يقول: إذا عدّ نفره- أي قومه- لم يعدّ معهم، كأنه قال: قاتله الله، أماته الله.
وكذلك قولهم: هوت أمّه، وهبلته، وثكلته.
قال كعب بن سعد الغنوي:
هَوَتْ أمُّه ما يبعث الصُّبحُ غادِيًا = وما ذا يؤدِّي اللَّيلُ حين يؤوبُ).
[تأويل مشكل القرآن: 276-277] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أنّى}
أنّي: يكون بمعنيين. يكون بمعنى: كيف، نحو قول الله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ} [البقرة: 259] أي كيف يحييها؟ وقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أي كيف شئتم.
وتكون بمعنى: من أين، نحو قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: 101].
والمعنيان متقاربان، يجوز أن يتأول في كل واحد منهما الآخر.
وقال الكميت:
أَنَّى ومِن أَين آبَكَ الطَّرَبُ = مِن حيث لا صبوةٌ ولا رِيَبُ
فجاء بالمعنيين جميعا). [تأويل مشكل القرآن: 525] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالت اليهود عزير ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون}
قرئت {عزير} بالتنوين وبغير تنوين، والوجه إثبات التنوين لأن " ابنا " خبر.
وإنما يحذف التنوين في الصفة نحو قولك: جاءني زيد بن عمرو، فيحذف التنوين لالتقاء السّاكنين وأنّ ابنا مضاف إلى علم وأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد. فإذا كان خبرا فالتنوين وقد يجوز حذف التنوين على ضعف لالتقاء السّاكنين وقد قرئت {قل هو اللّه أحد (1) اللّه الصّمد (2)}.
بحذف التنوين، لسكونها وسكون الباء في قوله: {عزير ابن اللّه}.
وفيه وجه آخر: أن يكون الخبر محذوفا، فيكون معناها عزير ابن اللّه معبودنا، فيكون " ابن " نعتا.
ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود.
وقوله: {ذلك قولهم بأفواههم}.
إن قال قائل: كل قول هو بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم؟
فالفائدة فيه عظيمة بيّنة.
المعنى أنّه ليس فيه بيان ولا برهان إنما هو قول بالفم لا معنى تحته صحيح، لأنهم معترفون بأن الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون له ولدا، فإنما هو تكذّب وقول فقط.
وقوله : {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل}.
أي يشابهون في قولهم هذا ما تقدم من كفرتهم، أي إنما قالوه اتباعا لمن تقدم من كفرتهم. الدليل على ذلك قوله:
(اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه).
أي قبلوا منهم أن العزير والمسيح ابنا الله تعالى.
وهذا معنى: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل}
وقرئ يضاهون، وأصل المضاهاة في اللغة المشابهة، والأكثر ترك الهمزة، واشتقاقه من قولهم: امرأة ضيهاء.
وهي التي لا ينبت لها ثدي، وقيل هي التي لا تحيض.
وإنما معناها أنها أشبهت الرجال في أنّها لا ثدي لها، وكذلك إذا لم تحض. وضهياء فعلاء.
الهمزة زائدة كما زيدت في شمأل، وغرقئ البيضة، ولا نعلم أنها زيدت غير أول، إلا في هذه الأشياء.
ويجوز أن تكون " فعيل " وإن كانت بنية ليس لها في الكلام نظير.
فإنا قد نعرف كثيرا مما لا ثاني له. من ذلك قولهم كنهبل وهو الشجر العظام، تقديره فنعلل، وكذلك قرنفل، لا نظير له وتقديره فعنلل.
وقد قيل:
إبل لا نظير له وإن كان قد جاء إطل وهو الخصر، وقالوا إيطل ثم حذفوا فقالوا إطل، فيجوز أن يكون " يضاهئون " من هذا بالهمز، وتكون همزة ضهياء أصلا في الهمز.
وقوله: {سبحانه عمّا يشركون}.
معناها تنزيها له من شركهم). [معاني القرآن: 2/442-444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذلك قولهم بأفواههم}
يقال قد علم أن القول بالفم فما الفائدة في قوله: {بأفواههم}
والجواب عن هذا انه لا بيان عندهم ولا برهان لهم لأنهم يقولون اتخذ الله صاحبة ويقولون له ولد وقولهم بلا حجة
ثم قال جل وعز: {يضاهون قول الذين كفروا من قبل}
أي يشابهون ويقتفون ما قالوا
ويقرأ {يضاهئون} والمعنى واحد يقال امرأة ضهيا مقصورة وضهياء ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض
ويقال هي التي لا ثدي لها
والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة فمن جعل الهمزة أصلا قال يضاهئون ومن جعلها زائدة وهو أجود قال يضاهون
ثم قال تعالى: {قاتلهم الله أنى يؤفكون}
فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا
ثم قال أنى يؤفكون أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان). [معاني القرآن: 3/200-201]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُضَاهِئُونَ} يشبهون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُضَاهِؤُونَ}: يشابهون
{يُؤْفَكُون}: يدفعون). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً مّن دون اللّه...}
قال: لم يعبدوهم، ولكن أطاعوهم فكانت كالربوبية). [معاني القرآن: 1/433]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أحبارهم ورهبانهم}: قراءهم وعلمائهم). [غريب القرآن وتفسيره: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه} يريد: أنهم كانوا يحلّون لهم الشيء فيستحلونه. ويحرّمون عليهم الشيء فيحرمونه). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}
روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سئل حذيفة عن قول الله جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} هل عبدوهم فقال لا
ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه
حدثنا أبو جعفر قال نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن بنت أحمد بن منيع قال نا الحماني قال نا عبد السلام بن حرب عن غضيف وهو ابن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في رقبتي صليبا من ذهب فقال اطرح هذا عنك قال وسئل عن قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قال أما إنهم ما كانوا يعبدونهم ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم فيحرمونه). [معاني القرآن: 3/201-202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَحْبَارَهُمْ}: علماؤهم
{رُهْبَانَهُمْ}: قراؤهم). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره...}
دخلت {إلاّ} لأن في أبيت طرفا من الجحد؛ ألا ترى أن (أبيت) كقولك: لم أفعل، ولا أفعل، فكأنه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد. ولولا الجحد إذا ظهر أو أتى الفعل محتملا لضميره لم تجز دخول إلاّ؛ كما أنك لا تقول: ضربت إلا أخاك، ولا ذهب إلا أخوك. وكذلك قال الشاعر:
وهل لي أمّ غيرها إن تركتها = أبى اللّه إلا أن أكون لها ابنما
وقل الآخر:
إياداً وأنمارها الغالبين = إلاّ صدودا وإلا ازورارا
أراد: غلبوا إلا صدودا وإلا ازورارا، وقال الآخر:
واعتلّ إلا كل فرع معرق =مثلك لا يعرف بالتلهوق
فأدخل {إلا} لأن الاعتلال في المنع كالإباء. ولو أراد علّة صحيحة لم تدخل إلا؛ لأنها ليس فيها معنى جحد. والعرب تقول: أعوذ بالله إلا منك ومن مثلك؛ لأن الاستعاذة كقولك: اللهم لا تفعل ذا بي). [معاني القرآن: 1/433-434]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}
وقال: {ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره} لأن {أن يتم} اسم كأنه "يأبى الله ألاّ إتمام نوره"). [معاني القرآن: 2/30]

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) )


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 34 إلى 45]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا َيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه...}
ولم يقل: ينفقونهما. فإن شئت وجّهت الذهب والفضة إلى الكنوز فكان توحيدها من ذلك. وإن شئت اكتفيت بذكر أحدهما من صاحبه؛ كما قال: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها} فجعله للتجارة، وقوله: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً} فجعله - والله أعلم - للإثم، وقال الشاعر في مثل ذلك:


نحن بما عندنا وأنت بما عنـ = دك راضٍ والرأي مختلف
ولم يقل: راضون، وقال الآخر:

إني ضمنت لمن أتاني ما جنى =وأبى وكان وكنت غير غدور
ولم يقل: غدورين، وذلك لاتفاق المعنى يكتفى بذكر الواحد. وقوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} إن شئت جعلته من ذلك: مما اكتفى ببعضه من بعض، وإن شئت جعلت الله تبارك وتعالى في هذا الموضع ذكر لتعظيمه، والمعنى للرسول صلى الله عيه وسلم؛ كما قال: {وإذ تقول للّذي أنعم اللّه عليه وأنعمت عليه} ألا ترى أنك قد تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك، فبدأت بالله تبارك وتعالى تفويضا إليه وتعظيما له، وإنما يقصد قصد نفسه). [معاني القرآن: 1/434]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها} صار الخبر عن أحدهما، ولم يقل (ولا ينفقونهما) والعرب تفعل ذلك، إذا أشركوا بين اثنين قصروا فخبّروا عن أحدهما استغناءً بذلك وتخفيفاً، لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ودخل معه في ذلك الخبر، قال:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله..=. فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقال:

نحن بما عندنا وأنت بما..=. عندك راض والرأي مختلف
وقال حسّان بن ثابت:
إن شرخ الشّباب والشّعر الأسـ .=.. ود ما لم يعاص كان جنونا
ولم يقل يعاصيا وقال جرير:
ما كان حينك والشقّاء لينتهي..=. حتى أزورك في مغار محصدٍ
لم يقل لينتهيا). [مجاز القرآن: 1/257-258]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيراً مّن الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ * يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
وقال: {يكنزون الذّهب والفضّة} ثم قال: {يحمى عليها في نار جهنّم} فجعل الكلام على الآخر. وقال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راضٍ والرأي مختلف).
[معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذاب أليم}
{والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذاب أليم}
أكثر التفسير إنما هو للمشركين، وقد قيل إنها فيمن منع الزكاة من أهل القبلة لأن من أدى من ماله زكاته فقد أنفق في سبيل الله ما يجب من ماله.
وقوله: {ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره}.
دخلت إلا، ولا جحد في الكلام، وأنت لا تقول ضربت إلا زيدا، لأن الكلام غير دال على المحذوف.
وإذا قلت: {ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره}.
فالمعنى يأبى اللّه كل شيء إلا أن يتم نوره وزعم بعض النحويين أن في " يأبى " طرفا من الجحد، والجحد والتحقيق ليسا بذي أطراف، وآلة الجحد لا، وما، ولم، ولن، وليس، فهذه لا أطراف لها. ينطق بها على حالها، ولا يكون الإيجاب جحدا ولو جاز هذا على أن فيه طرفا من الجحد لجاز: كرهت إلا أخاك، ولا دليل ههنا على
المكروه، ما هو ولا من هو، فكرهت مثل أبيت، إلا أن أبيت الحذف مستعمل وقوله: {ولا ينفقونها في سبيل اللّه}.
فقال: {الذهب والفضة} ولم يقل ولا ينفقونهما في سبيل اللّه، فإنما جاز ذلك لأن المعنى يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون المكنوز في سبيل الله.
ويجوز أن يكون محمولا على الأموال، فيكون: {ولا ينفقونها}، ولا ينفقون الأموال، ويجوز أن يكون: ولا ينفقونها. ولا ينفقون الفضة، وحذف الذهب لأنه داخل في الفضّة كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما.=.. عندك راض والرأي مختلف.
يريد نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض.
فحذف " راضون " فكذلك يكون المعنى:
والذين يكنزون الذهب ولا ينفقونه في سبيل اللّه، والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه). [معاني القرآن: 2/444-445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله}
يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز لأن الكنوز تشتمل
على الذهب والفضة ههنا
ويجوز أن يكون لأحدهما كما قال والله ورسوله أحق أن يرضوه
وفي هذه الآية أقوال
روى عكرمة عن ابن عباس وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما قالا ما أديت زكاته فليس بكنز
ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره عنك
وقيل إن هذه الآية نزلت في المشركين
وقال أبو هريرة من خلف عشرة آلاف جعلت صفائح وعذب بها حتى ينقضي الحساب
وقال أبو أمامة من خلف بيضاء أو صفراء كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له وإن حله السيف من ذلك
وروى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك ابن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة
وقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أبو ذر وقال نزلت فينا وفيهم
وحديث ابن عمر في هذا حسن على توقيه وهو جيد الإسناد رواه مالك وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر
وقد روي أيضا عن عمر أنه قال ليس كنزا ما أديت زكاته
وكذلك قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إلا أنه قال أراها منسوختا لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ
وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله فأحمي عليه في نار جهنم فتكوى به جنباه وجبهته وظهره حتى يحكم الله بين عباده)) وذكر الحديث). [معاني القرآن: 3/202-205]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم...}
جاء التفسير: في الاثني عشر. وجاء {فيهن}: في الأشهر الحرم؛ وهو أشبه بالصواب - والله أعلم - ليتبين بالنهي فيها عظم حرمتها؛ كما قال: {حافظوا على الصّلوات} ثم قال: {والصّلاة الوسطى} فعظّمت، ولم يرخص في غيرها بترك المحافظة. ويدلّك على أنه للأربعة - والله أعلم - قوله: (فيهن) ولم يقل (فيها). وكذلك كلام العرب لما بين الثلاثة إلى العشرة تقول: لثلاث ليال خلون، وثلاثة أيام خلون إلى العشرة، فإذا جزت العشرة قالوا: خلت، ومضت. ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة (هنّ) و(هؤلاء) فإذا جزت العشرة قالوا (هي، وهذه) إرادة أن تعرف سمة القليل من الكثير. ويجوز في كل واحد ما جاز في صاحبه؛ أنشدني أبو القمقام الفقعسيّ:
أصبحن في قرحٍ وفي داراتها = سبع ليال غير معلوفاتها
ولم يقل: معلوفاتهن وهي سبع، وكل ذلك صواب، إلا أن المؤثر ما فسّرت لك. ومثله: {وقال نسوةٌ في المدينة} فذكّر الفعل لقلّة النسوة ووقوع (هؤلاء) عليهن كما يقع على الرجال. ومنه قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} ولم يقل: انسلخت، وكلٌّ صواب. وقال الله تبارك وتعالى: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك} لقلّتهن ولم يقل (تلك) ولو قيلت كان صوابا). [معاني القرآن: 1/435]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {المشركين كافّةً...}
يقول: جميعا. والكافّة لا تكون مذكّرة ولا مجموعة على عدد الرجال فتقول: كافّين، أو كافّات للنسوة، ولكنها {كافّة} بالهاء والتوحيد في كل جهة؛ لأنها وإن كانت على لفظ (فاعلة) فإنها في مذهب مصدر؛ مثل الخاصّة، والعاقبة، والعافية. ولذلك لم تدخل فيها العرب الألف واللام لأنها آخر الكلام مع معنى المصدر. وهي في مذهب قولك: قاموا معا وقاموا جميعا؛ ألا ترى أن الألف واللام قد رفضت في قولك: قاموا معا، وقاموا جميعا، كما رفضوها في أجمعين وأكتعين وكلهم إذ كانت في ذلك المعنى. فإن قلت: فإن العرب قد تدخل الألف واللام في الجميع، فينبغي لها أن تدخل في كافة وما أشبهها، قلت: لأن الجميع على مذهبين، أحدهما مصدر، والآخر اسم، فهو الذي شبّه عليك. فإذا أردت الجميع الذي في معنى الاسم جمعته وأدخلت فيه الألف واللام؛ مثل قوله: {وإنا لجميعٌ حاذرون}، وقوله: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} وأما الذي في معنى معا وكافّة فقولك للرجلين: قاما جميعا، وللقوم: قاموا جميعا، وللنسوة: قمن جميعا، فهذا في معنى كلّ وأجمعين، فلا تدخله ألفا ولاما كما لم تدخل في أجمعين). [معاني القرآن: 1/436]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الدّين القيّم} مجازه: القائم أي المستقيم، خرج مخرج سيّد، وهو من ساد يسود بمنزلة قام يقوم.
{وقاتلوا المشركين كافّةً} أي عامة، يقال: جاءوني كافة، أي جميعاً). [مجاز القرآن: 1/258]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم
خلق السّماوات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ} ثم قال: {ذلك الدّين القيّم} أي الحساب الصحيح والعدد المستوي. والأربعة الحرم: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، ورجب الشهر الأصم.
وقال قوم: هي الأربعة الأشهر التي أجلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلم، المشركين فقال: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ}. وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واحتجوا بقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [سورة التوبة آية: 5]، وأنكروا أن يكون رجب منها. وكانت العرب تعظم رجب، وتسمّيه منصل الأسنّة ومنصل الألّ، لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه والألّ وهي الحراب. ويسمونه أيضا: شهر اللّه الأصم، لأنهم كانوا لا يحاربون فيه لأنه محرم عليه. ولا يسمع فيه تداعي القبائل أو قعقعة السلاح. قال الأعشى:
تداركه في منصل الألّ بعد ما مضى غير دأداء وقد كاد يذهب
وقال حميد بن ثور يصف إبلا:
رعينا المرار الجون من كلّ مذنب شهور جمادي كلها والمحرّما
يريد بالمحرم رجبا.
وأما قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} فإنما عني الثلاثة منها، لأنها متوالية، لا أنّه جعل فيها شوّالا وأخرج رجبا.
ويقال: إن الأربعة الأشهر التي أجّلها رسول اللّه المشركين من عشر ذي الحجة إلى عشر ربيع الآخر، وسماها حرما لأن اللّه حرم فيها قتالهم وقتلهم). [تفسير غريب القرآن: 184-186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السّماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
أعلم اللّه جلّ وعزّ: أن عدة شهور المسلمين، الذين تعبّدوا بأن يجعلوا لسنتهم - اثنا عشر شهرا، على منازل القمر، فجعل حجهم وأعيادهم
وصلاتهم في أعبادهم هذا العدد، فالحج والصوم يكون مرة في الشتاء ومرة في الصيف، وفي فصول الأزمان على قدر الشهور ودوران السنين، وكانت أعياد أهل الكتاب ومتعبّداتهم في سنتهم يعملون فيها على أن السنة ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وبعض يوم، على هذا يجري أمر النصارى واليهود.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن سني المسلمين على الأهلّة.
وقوله: {منها أربعة حرم}
الأربعة الحرم: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
{فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم}.
قيل في الأربعة، وقيل في الاثني عشر. فمن قال في الأربعة قال: أراد تعظيم شأن المعاصي - كما قال جلّ وعزّ: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ}
فالفسوق لا يجوز في حج ولا غيره، ولكنه عزّ وجلّ عرف الأيام التي تكون فيها المعاصي أكثر إثما وعقابا.
وقوله: {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}.
فـ " كافّة " منصوب على الحال، وهو مصدر على فاعله كما قالوا العاقبة والعافية. وهو في موضع قاتلوا المشركين محيطين بهم باعتقاد مقاتلتهم.
وهذا مشتق من كفّة الشيء، وهي حرفه، وإنما أخذ من أن الشيء إذا انتهى إلى ذلك كفّ عن الزيادة، ولا يجوز أن يثنّى ولا يجمع، ولا يقال قاتلوهم كافّات ولا كافّين، كما أنك إذا قلت: قاتلوهم عامّة لم تثنّ ولم تجمع، وكذلك خاصّة.
هذا مذهب النحويين.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه مع المتقين}.
تأويله أنه ضامن لهم النصر). [معاني القرآن: 2/445-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم}
الأربعة الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة
ثم قال جل وعز: {ذلك الدين القيم}
الدين ههنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى
وعن ابن عباس {ذلك الدين القيم} قال القضاء القيم
وقال أبو عبيدة أي القائم: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [آية: 36]
أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما كما قال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران
عن ابن عباس فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر
وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال فيهن كلهن). [معاني القرآن: 3/205-207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والأربعة الحُرمُ} ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وجعل قوم شوالا منها، وأخرجوا رجبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر...}
كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا الصدر عن منىً قام رجل من بني كنانة يقال له (نعيم بن ثعلبة) وكان رئيس الموسم، فيقول: أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يردّ لي قضاء. فيقولون: صدقت، أنسئنا شهرا، يريدون: أخّر عنّا حرمة المحرم
واجعلها في صفر، وأحلّ المحرم، فيفعل ذلك. وإنما دعاهم إلى ذاك توالى ثلاثة أشهر حرم لا يغيرون فيها، وإنما كان معاشهم من الإغارة، فيفعل ذلك عاما، ثم يرجع إلى المحرم فيحرّمه ويحلّ صفرا، فذلك الإنساء. تقول إذا أخرت الرجل بدينه: أنسأته، فإذا زدت في الأجل زيادة يقع عليها تأخير قلت: قد نسأت في أيامك وفي أجلك، وكذلك تقول للرجل: نسأ الله في أجلك؛ لأن الأجل مزيد فيه. ولذلك قيل للّبن (نسأته) لزيادة الماء فيه، ونسئت المرأة إذا حبلت أي جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن، وللناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها. والنسيء المصدر، ويكون المنسوء مثل القتيل والمقتول.
وقوله: {يضلّ به الّذين كفروا} قرأها ابن مسعود {يضلّ به الذين كفروا} وقرأها زيد بن ثابت {يضلّ} يجعل الفعل لهم، وقرأ الحسن البصري (يضلّ به الذين كفروا)، كأنه جعل الفعل لهم يضلّون به الناس وينسئونه لهم.
وقوله: {لّيواطئوا عدّة} يقول: لا يخرجون من تحريم أربعة). [معاني القرآن: 1/436-437]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} كانت النسأة في الجاهلية، وهم بنو فقيم من كنانة اجتبروا لدينهم ولشدتهم في دينهم في الجاهلية، إذا اجتمعت العرب
في ذي الحجة للموسم وأرادوا أن يؤخروا ذا الحجة في قابل لحاجة أو لحرب، نادى مناد: إن المحرم في صفر وكانوا يسمون المحرّم وصفر الصفرين، والمحرّم صفر الأكبر، وصفر المحرم الأصغر فيحلون المحرم ويحّرمون صفر، فلا يفعلون ذلك كل عام، حتى إذا حج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة الذي يكون فيه الحج قال: " إن الزمان قد استدار وعاد كهيئته، فاحفظوا العدد) فينصرف الناس بذلك إلى منازلهم.
{ليواطوا} مجازه: ليوافقوا من وطئت، قال ابن مقبل:

ومنهلٍ دعس آثار المطيّ به.=.. يأتي المخارم عرنينا فعرنينا
واطأته بالسّرى حتى تركت به=ليل التمّام ترى أعلامه جونا).
[مجاز القرآن: 1/258-260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً لّيواطئوا عدّة ما حرّم الله فيحلّوا ما حرّم الله زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وقال: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} وهو التأخير. وتقول "أنسأته الدّين" إذا جعلته إليه يؤخره هو. و:"نسأت عنه دينه" أي: أخرته عنه. وإنما قلت: "أنسأته الدّين" لأنك تقول: "جعلته له يؤخّره" و"نسأت عنه دينه" "فأنا أنّسؤه" أي: أؤخّره. وكذلك "النّساء في العمر" يقال: "من سرّه النّساء في العمر"، ويقال "عرق النّسا" غير مهموز.
وقال: {لّيواطئوا} لأنها من "واطأت" ومثله {هي أشدّ وطاءً} أي: مواطأة، وهي المواتاة وبعضهم قال {وطءا} أي: قياما). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إنما النسيء}: النسيء التأخير والنسأة قوم من كنانة كانوا يؤخرون الشهور الحرم.
{ليواطئوا}: الموافقة، يقال واطأ في الشعر إذا جعل بيتين على قافية واحدة). [غريب القرآن وتفسيره:163- 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( والنّسيء نسء الشهور وهو تأخيرها. وكانوا يؤخرون تحريم المحرم منها سنة ويحرمون غيره مكانه لحاجتهم إلى القتال فيه ثم يردونه إلى التحريم في سنة أخرى. كأنهم يستنسئون ذلك ويستقرضونه.
{ليواطؤا} أي ليوافقوا {عدّة ما حرّم اللّه} يقول: إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم [يبالوا] أن يحلّوا الحرام ويحرّموا الحلال). [تفسير غريب القرآن: 186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما النّسيء زيادة في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه فيحلّوا ما حرّم اللّه زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
النسيء - هذا - تأخير الشيء، وكانوا يحرمون القتال في المحرم فإذا عزموا على أن يقاتلوا فيه جعلوا صفرا كالمحرم، وقاتلوا في المحرم وأبدلوا صفرا منه، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن ذلك زيادة في الكفر.
{ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه}.
فيجعلوا صفرا كالمحرم في العدة، ويقولوا: إن هذه أربعة بمنزلة أربعة.
والمواطأة المماثلة والاتفاق على الشيء). [معاني القرآن: 2/447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر}
النسيء التأخير ومنه نسأ الله في أجلك
ثم قال جل وعز: {يضل به الذين كفروا}
قال الزهري وقتادة والضحاك وأبو وائل والشعبي كانوا ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر
قال قتادة وكانوا يسمونها الصفرين
وقال مجاهد كان لهم حساب يحسبون فربما قالوا لهم الحج في هذه السنة في المحرم فيقبلون منهم
ودل على هذا قوله: {ولا جدال في الحج} أي إنه في ذي الحجة
قال أبو جعفر وأبين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال نا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال كان جنادة بن
أمية يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادي ألا إن أبا ثمامة لا يخاب ولا يعاب ألا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس ويحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر} الآية قال والنسيء تركهم المحرم عاما وعاما يحرمونه
وقرأ الحسن يضل به الذين كفروا يعني بالذين كفروا الحساب الذين يقولون لهم هذا
ويروى عن عبد الله بن مسعود يضل به الذين كفروا أي يضل به الذين يقبلون من الحساب
ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله} أي ليوافقوا فيحرموا أربعة كما حرم الله جل وعز أربعة). [معاني القرآن: 3/207-209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{النَّسِيءُ} التأخير، كانوا يؤخرون تحريم المحرم من أشهر المحرم سنة، ويحرمون غيره لحاجتهم إلى القتال فيه، ثم يردونه إلى المحرم في سنة أخرى كأنه استقراض.
{لِيُوَاطِئُوا} أي ليوافقوا العدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {النَّسِيء}: التأخير
{المواطأة}: الموافقة). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم...}
معناه والله أعلم: {تثاقلتم} فإذا وصلتها العرب بكلام أدغموا التاء في الثاء؛ لأنها مناسبة لها، ويحدثون ألفا لم يكن؛ ليبنوا الحرف على الإدغام في الابتداء والوصل. وكأن إحداثهم الألف ليقع بها الابتداء، ولو حذفت لأظهروا التاء لأنها مبتدأة،
والمبتدأ لا يكون إلا متحركا. وكذلك قوله: {حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً}، وقوله: {وازّيّنت} المعنى - والله أعلم -: تزينت، و{قالوا اطّيّرنا} معناه: تطيرنا. والعرب تقول: {حتى إذا اداركوا} تجمع بين ساكنين: بين التاء من تداركوا وبين الألف من إذا. وبذلك كان يأخذ أبو عمرو بن العلاء ويردّ الوجه الأوّل، وأنشدني الكسائي:
تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا = عذب المذاق إذا ما اتّابع القبل).
[معاني القرآن: 1/437-438]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثّاقلتم إلى الأرض}، انفروا: اخرجوا واغزوا، ومحاز: {أثاقلتم}: مجاز افتعلتم من التثاقل فأدغمت التاء في الثاء فثقلت وشددت؛ إلى الأرض أي أخلدتم إليها فأقمتم وابطأتم). [مجاز القرآن: 1/260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلاّ قليلٌ}
وقال: {اثّاقلتم إلى الأرض} لأنه من "تثاقلتم" فأدغم التاء في الثاء فسكنت فأحدث لها ألفاً ليصل إلى الكلام بها). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اثّاقلتم إلى الأرض} أراد تثاقلتم فأدغم التاء في الثاء، وأحدث الألف ليسكن ما بعدها. وأراد: قعدتم ولم تخرجوا [وركنتم] إلى المقام). [تفسير غريب القرآن: 186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلّا قليل}
الإجماع في الروايات أن هذا كان في غزوة تبوك، وذلك أن الناس خرجوا فيه على ضيقة شديدة شاقة.
وقوله عزّ وجلّ: {اثّاقلتم إلى الأرض}.
المعنى تثاقلتم، إلا أن التاء أدغمت في التاء، فصارت ثاء ساكنة.
فابتدئت بألف الوصل - الابتداء -.
وفي {اثّاقلتم إلى الأرض} عندي غير وجه.
منها أن معناه تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم، ومنها اثّاقلتم إلى شهوات الدنيا.
وقوله: {أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة}.
أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة
{فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلّا قليل}.
أي ما يتمتع به في الدنيا قليل عندما يتمتع به أولياء اللّه في الجنة). [معاني القرآن: 2/447-448]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض}
قال مجاهد في غزوة تبوك أمروا بالخروج في شدة الحر وقد طابت الثمار وقالوا إلى الظلال
ثم قال جل وعز: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [آية: 38] أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل
والمتاع المنفعة والنعيم). [معاني القرآن: 3/209]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا تنفروا يعذّبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضرّوه شيئا واللّه على كلّ شيء قدير}
هذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد، وأعلم انه يستبدل لنصر دينه ونبيه قوما غير مثاقلين عن النصر إلى أعدائه إذ أعلمهم اللّه عزّ وجل أنهم إن تركوا نصره فلن يضره ذلك شيئا كما لم يضرره إذ كان بمكة لا ناصرين له.
فقال عز وجل:
{إلّا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللّه معنا فأنزل اللّه سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيز حكيم (40)}
وكان المشركون قد أجمعوا على قتله - صلى الله عليه وسلم - فمضى هو وأبو بكر الصديق هاربا منهم في الليل، وترك عليا على فراشه ليروا شخصه على الفراش فلا يعلمون وقت مضيّه، وأطلعا أسماء بنت أبي بكر على مكانهما في الغار، ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمامة، وهي شجرة صغيرة ضعيفة فأمر أبا بكر أن يأخذها معه، فلما صارا إلى الغار، أمر أبا بكر فجعلها على باب الغار، ثم سبق أبو بكر إلى دخول الغار فانبطح فيه، وألقى نفسه، فقال رسول اللّه: لم فعلت ذلك؟
فقال: لأنّ هذه الغيران تكون فيها الهوامّ المؤذية والسباع فأحببت إن كان فيها شيء أن أقيك بنفسي يا رسول اللّه.
ونظر أبو بكر إلى جحر في الغار فسدّه برجله، وقال إن خرج منه ما يؤذي وقيتك منه.
فلما أصبح المشركون اجتازوا بالغار فبكى أبو بكر الصديق فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يبكيك؟
فقال: أخاف أن تقتل فلا يعبد اللّه بعد اليوم.
فقال له رسول اللّه: {لا تحزن إنّ اللّه معنا} أي إنّ الله تعالى يمنعهم منا وينصرنا،
فقال: أهكذا يا رسول اللّه: قال نعم فرقأ دمع أبو بكر وسكن.
وقال المشركون حين اجتازوا بالغار: لو كان فيه أحد لم تكن ببابه هذه الثمامة.
{فأنزل اللّه سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها}.
أيده بملائكة يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه.
وقوله: {سكينته عليه}.
يجوز أن تكون الهاء التي في عليه لأبي بكر، وجائز أن تكون ترجع على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن اللّه جل ثناؤه ألقى في قلبه ما سكن به وعلم أنهم غير واصلين إليه.
فأعلم الله أنهم إن تركوا نصره، نصره كما نصره في هذه الحال.
وثاني اثنين منصوب على الحال.
المعنى فقد نصره الله أحد اثنين.
أي نصره منفردا إلا من أبي بكر - رضي الله عنه -). [معاني القرآن: 2/448-449]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى...}
فأوقع {جعل} على الكلمة، ثم قال: {وكلمة اللّه هي العليا} على الاستئناف، ولم ترد بالفعل. وكلمة الذين كفروا الشرك بالله، وكلمة الله قول {لا إله إلا الله}. ويجوز {وكلمة الله هي العليا} ولست أستحبّ ذلك لظهور الله تبارك وتعالى؛ لأنه لو نصبها - والفعل فعله - كان أجود الكلام أن يقال: "وكلمته هي العليا"؛ ألا ترى أنك تقول: قد أعتق أبوك غلامه، ولا يكادون يقولون: أعتق أبوك غلام أبيك. وقال الشاعر في إجازة ذلك:
متى تأت زيدا قاعدا عند حوضه =لتهدم ظلما حوض زيد تقارع
فذكر زيدا مرّتين ولم يكن عنه في الثانية، والكناية وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/438]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ الله معنا} أي ناصرنا وحافظنا). [مجاز القرآن: 1/260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللّه معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لّم تروها وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
وقال: {وكلمة اللّه هي العليا} لأنه لم يحمله على {جعل} وحمله على الابتداء.
وقال: {ثاني اثنين} وكذلك {ثالث ثلاثةٍ} وهو كلام العرب. وقد يجوز "ثاني واحدٍ" و"ثالث اثنين" وفي كتاب الله {ما يكون من نّجوى ثلاثةٍ إلاّ هو رابعهم ولا خمسةٍ إلاّ هو سادسهم} وقال: {ثلاثةٌ رّابعهم كلبهم} و{خمسةٌ سادسهم كلبهم} و{سبعةٌ وثامنهم كلبهم} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأنزل اللّه سكينته عليه} السكينة: السكون والطمأنينة.
{عليه} قال قوم: على أبي بكر واحتجوا بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، كان مطمئنا يقول لصاحبه: {لا تحزن إنّ اللّه معنا}، والمذعور صاحبه، فأنزل اللّه السكينة.
{وأيّده} أي قواه بملائكة. قال الزهري: الغار في جبل يسمى «ثورا» ومكثا فيه ثلاثة أيام). [تفسير غريب القرآن: 186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار}
قال الزهري خرج هو وأبو بكر ودخلا غارا في جبل ثور فأقاما فيه ثلاثا
والمعنى فقد نصره الله ثاني اثنين أي نصره الله منفردا إلا من أبي بكر رضي الله عنه
وقوله جل وعز: {فأنزل الله سكينته عليه}
يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر أن تكون تعود على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه السكينة وهي السكون والطمأنينة لأنه جل وعز أخبر عنه أنه قال: {لا تحزن إن الله معنا} وسأذكر هذا في الإعراب على غاية الشرح). [معاني القرآن: 3/209-210]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والسكينة} الطمأنينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {انفروا خفافاً وثقالاً...}
يقول: لينفر منكم ذو العيال والميسرة، فهؤلاء الثقال. والخفاف: ذوو العسرة وقلّة العيال. ويقال: {انفروا خفافاً}: نشاطا {وثقالا} وإن ثقل عليكم الخروج). [معاني القرآن: 1/439]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}
وقال: {انفروا خفافاً وثقالاً} في هذه الحال. إن شئت {انفروا} في لغة من قال "ينفر" وإن شئت {انفروا} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {انفروا خفافاً وثقالًا} أي لينفر منكم من كان مخفا ومثقلا. و«المخف»: يجوز أن يكون: الخفيف الحال: ويكون: الخفيف الظهر من العيال. و«المثقل: يجوز أن يكون: الغني. [ويجوز أن يكون الكثير العيال].
ويجوز أن يكون [المعنى] شبابا وشيوخا. واللّه أعلم بما أراد. وقد ذهب المفسرون إلى نحو مما ذهبنا إليه). [تفسير غريب القرآن: 187]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال جلّ وعزّ: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}
فقيل {خفافا وثقالا} أي موسرين ومعسرين.
وقيل {خفافا وثقالا} خفت عليكم الحركة أو ثقلت، وقيل ركبانا ومشاة، وقيل أيضا شبابا وشيوخا.
ويروى أن ابن أمّ مكتوم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أعليّ أن أنفر، فقال نعم، حتى أنزل اللّه عزّ وجلّ: {ليس على الأعمى حرج} ). [معاني القرآن: 2/449]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {انفروا خفافا وثقالا}
في معنى هذا أقوال منها:
أن أنس بن مالك روى أن أبا طلحة تأولها شبابا وشيوخا
وقال المقداد لا أجدني إلا مخفا أو مثقلا
وقال الحسن في العسر واليسر
وروى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي ملك الغفاري قال أول ما نزل من سورة براءة انفروا خفافا وثقالا
وقال أبو الضحى كذلك أيضا
ثم نزل أولها وآخرها
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد انفروا خفافا وثقالا قال فيه الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل وأنزل الله عز وجل: {انفروا خفافا وثقالا}
وروى سفيان عن منصور في قوله: {انفروا خفافا وثقالا} قال مشاغيل وغير مشاغيل
وقال قتادة ومذهب الشافعي ركبانا ومشاة
وقال قتادة نشاطا وغير نشاط
وقال زيد بن أسلم المثقل الذي له عيال والمخف الذي لا عيال له
وهذا حين كان أهل الإسلام قليلا ثم نزل وما كان المؤمنون لينفروا كافة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
والمعنى انفروا على كل الأحوال
ومن أجمع هذه الأقوال قول الحسن
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد الكناني بالأنبار قال نا نصر بن علي قال أخبرني أبي قال نا شعبة عن منصور بن
زاذان عن الحسن انفروا خفافا وثقالا قال في العسر واليسر
وقول أبي طلحة حسن لأن الشاب تخف عليه الحركة والشيخ تثقل عليه). [معاني القرآن: 3/210-213]

تفسير قوله تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الشّقّة} السفر البعيد، يقال: إنك لبعيد الشّقّة، قال الأّخوص الرّياحي وحمل أبوه حمالة فظلع فقدما البصرة فبادر أباه فقال: إنا من تعرفون
وأبناء السبيل وجئنا من شقة ونسأل في حق وتنطوننا ويجزيكم الله. فقام أبوه ليخطب فقال: يا إياك، إني قد كفيتك، وليس بنداء إنما هي ياء التنبيه. إياك كف، كقولك: إياك وذاك، فقال معاوية للأخوص: وكيف غلبت الأبيرد وهو أسن منك؟ قال: إن قوافي علائق وأنبازي قلائد، فقال معاوية: قاتلك الله جِنِّي بر ونكَتَ بالقضيب في صدره). [مجاز القرآن: 1/260-261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الشقة}: السفر يقال إن فلانا لبعيد الشقة). [غريب القرآن وتفسيره: 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الشّقّة}: السّفر). [تفسير غريب القرآن: 187]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشّقّة وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون}
العرض كل ما عرض لك من منافع الدنيا، فالمعنى: لو كانت غنيمة قريبة، أي لو كان ما دعوا إليه غنما، وسفرا قاصدا أي سهلا قريبا لاتبعوك لكن بعدت عليهم الشّقّة.
أي بعدت عليهم الغاية التي تقصدها. وكان هذا حين دعوا إلى غزوة تبوك، فثقل عليهم الخروج. إلى نواحي الشام). [معاني القرآن: 2/449-450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك}
العرض ما يعرض من منافع الدنيا أي لو كانت غنيمة قريبة وسفرا قاصدا أي سهلا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة والشقة الغاية التي يقصد إليها). [معاني القرآن: 3/213]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {الشقة} السفرة البعيدة الشاقة). [ياقوتة الصراط: 242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الشُّقَّةُ}: بعد السفر). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({عفا الله عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
وقال: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} لأنه استفهام أي: "لأيّ شيء"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
أي حتى يتبين لك من ينافق ممن يصحّح. ثم أعلمه جل وعلا أن
علامة النفاق في ذلك الوقت الاستئذان في التخفف عن الجهاد فقال:
{لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليم بالمتّقين (44) }). [معاني القرآن: 2/450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
أي حتى يتبين من نافق ومن لم ينافق
قال مجاهد هؤلاء قوم قالوا نستأذن في الجلوس فإن أذن
لنا جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا
وقال قتادة نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور: {فإن استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} ). [معاني القرآن: 3/213-214]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يستأذنك الّذين يؤمنون...}
أي {لا يستأذنك} بعد غزو تبوك في جهادٍ {الّذين يؤمنون} به.
ثم قال: {إنّما يستأذنك} بعدها {الّذين لا يؤمنون} ). [معاني القرآن: 1/441]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليم بالمتّقين}
موضع {أن} نصب.
المعنى لا يستأذنك هؤلاء في أن يجاهدوا، ولكن " في " حذفت فأفضى الفعل فنصب " أن ".
قال سيبويه، ويجوز أن يكون موضعها جرا، لأن حذفها ههنا إنما جاز مع ظهور " أن " فلو أظهرت المصدر لم تحذف في " لا يستأذنك القوم الجهاد " حتى تقول في الجهاد ويجوز لا يستأذنك القوم أن يجاهدوا). [معاني القرآن: 2/450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم بين أن أمارة الكفر الاستئذان في التخلف فقال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} ). [معاني القرآن: 3/214]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون)
وأعلم اللّه جل ثناؤه أنّ من ارتاب وشكّ في اللّه وفي البعث فهو كافر}. [معاني القرآن: 2/450]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 46 إلى 59]

(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) )

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}
وقال: {ولكن كره الله انبعاثهم} جعله من "بعثته" فـ"انبعث" وسمعت من العرب من يقول: "لو دعينا لاندعينا". وتقول: "انبعث انبعاثاً" أي: "بعثته" فـ"انبعث انبعاثاً" وتقول: "انقطع به" إذا تكلم فانقطع به ولا تقول "قطع به"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة ولكن كره اللّه انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}
أي فتركهم العدة دليل على إرادتهم التخفف.
{ولكن كره اللّه انبعاثهم فثبّطهم}.
والتثبيط ردّك الإنسان عن الشيء يفعله، أي كره الله أن يخرجوا معكم فردهم عن الخروج.
ثم أعلم عزّ وجلّ: (لم كره ذلك فقال:
{لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلّا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم واللّه عليم بالظّالمين (47) }). [معاني القرآن: 2/450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم}
التثبيط رد الإنسان عما يريد أن يفعله). [معاني القرآن: 3/214]

تفسير قوله تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولأوضعوا خلالكم...}
الإيضاع: السير بين القوم. وكتبت بلام ألف وألف بعد ذلك، ولم يكتب في القرآن لها نظير. وذلك أنهم لا يكادون يستمرون في الكتاب على جهة واحدة؛ ألا ترى أنهم كتبوا {فما تغن النّذر} بغير ياء، {وما تغني الآيات والنّذر} بالياء، وهو من سوء هجاء الأوّلين. {ولأوضعوا} مجتمع عليه في المصاحف. وأما قوله: {أو لا أذبحنّه} فقد كتبت بالألف وبغير الألف. وقد كان ينبغي للألف أن تحذف من كله؛ لأنها لام زيدت على ألف؛ كقوله: لأخوك خير من أبيك؛ ألا ترى أنه لا ينبغي أن تكتب بألف بعد لام ألف. وأما قوله:
{لا انفصام لها} فتكتب بالألف؛ لأن {لا} في {انفصام} تبرئة، والألف من {انفصام} خفيفة. والعرب تقول: أوضع الراكب؛ ووضعت الناقة في سيرها. وربما قالوا للراكب وضع؛ قال الشاعر:

إني إذا ما كان يوم ذو فزع =ألفيتني محتملا بذي أضع
وقوله: {يبغونكم الفتنة} المعنى: يبغونها لكم. ولو أعانوهم على بغائها لقلت: أبغيتك الفتنة. وهو مثل قولك: أحلبني واحلبني). [معاني القرآن: 1/440]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ خبالاً} الخبال: الفساد). [مجاز القرآن: 1/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قوله عز وجل: {ولأوضعوا خلالكم} أي لأسرعوا خلاكم أي بينكم، وأصله من التخلل.
{وفيكم سمّاعون لهم} أي مطيعون لهم سامعون). [مجاز القرآن: 1/261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ولأوضعوا خلالكم} الإيضاع: سرعة السير {خلالكم} بينكم يتخللونكم). [غريب القرآن وتفسيره: 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما زادوكم إلّا خبالًا} أي شرا. [والخبال] والخبل: الفساد.
{ولأوضعوا خلالكم} من الوضع، وهو سرعة السير. يقال: وضع البعير وأوضعته إيضاعا. والوجيف: مثله.
{وخلالكم} فيما بينكم.
{يبغونكم الفتنة} يعني الشرك.
{وفيكم سمّاعون لهم} يعني المنافقين يسمعون ما يقولون ويقبلونه). [تفسير غريب القرآن: 187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكتبوا: {أَوْ لا أَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 31] بزيادة ألف.
وكذلك {وَلا أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} بزيادة ألف بعد لام ألف.
وهذا أكثر في المصحف من أن نستقصيه). [تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلّا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم واللّه عليم بالظّالمين}
والخبال الفساد، وذهاب الشيء.
قال الشاعر:
أبني لبيني لستما بيد.=.. إلا يدا مخبولة العضد
أي فاسدة العضد.
{ولأوضعوا خلالكم}.
يقال أوضعت في السير إذا أسرعت، ولأسرعوا فيما يخل بكم.
{يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم}.
أي فيكم من يسمع ويؤدي إليهم ما يريدون.
وجائز أن يكون {سمّاعون لهم} من يقبل منهم.
وفي المصحف مكتوب " ولأوضعوا) ولا أوضعوا، ومثله في القرآن:
(أو لا أذبحنّه " بزيادة ألف أيضا، وهذا إنما حقّه على اللفظ ولأوضعوا.
ولكن الفتحة كانت تكتب قبل العربي ألفا. والكتاب أبتدئ به في العربي بقرب نزول القرآن فوقع فيه زيادات في أمكنة واتباع الشيء بنقص عن الحروف. فكتبت " ولا أوضعوا " بلام وألف، بدلا من الفتحة، وبهمزة.
فهذا مجاز ما وقع من هذا النحو في الكتاب). [معاني القرآن: 2/450-451]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} الخبال الفساد وذهاب الشيء
ثم قال جل وعز: {ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} الإيضاع سرعة السير
قال أبو إسحاق معنى خلالكم فيما يخل بكم
وقال غيره بينكم
وقيل الفتنة ههنا الشرك
ثم قال جل وعز: {وفيكم سماعون لهم} فيه قولان: أحدهما فيكم من يستمع ويخبرهم بما يريدون
والقول الآخر فيكم من يقبل منهم مثل سمع الله لمن حمده
والقول الأول أولى لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله سماعون للكذب
والقول الثاني لا يكاد يقال فيه إلا سامع مثل قائل). [معاني القرآن: 3/214-216]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا خبالا} أي: إلا فسادا). [ياقوتة الصراط: 242]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولأوضعوا}: ولأسرعوا إلى الهرب). [ياقوتة الصراط: 242]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خلالكم} أي: ما تفرق من الجماعة لطلب الخلوة للفرار). [ياقوتة الصراط: 243]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وفيكم سماعون لهم} قال: يعني: الجواسيس). [ياقوتة الصراط: 243]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} الإيضاع ضرب من السير سريع، والوجيف مثله، {خِلالَكُمْ} فيما بينكم.
{يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ} يعني الشرك.
{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} يعني المنافقون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولأَوْضَعُواْ}: أسرعوا السير
{خِلاَلَكُمْ}: بينكم). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمر: الدّين، قال الله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 53]، أي دينهم.
وقال تعالى: {حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 515]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومنهم مّن يقول ائذن لّي ولا تفتنّي...}
وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجد بن قيس: هل لك في جلاد بني الأصفر؟ - يعني الروم - وهي غزوة تبوك، فقال جدّ: لا، بل تأذن لي، فأتخلف؛ فإني رجل كلف بالنساء أخاف فتنة بنات الأصفر. وإنما سمي الأصفر لأن حبشيا غلب على ناحية الروم وكان له بنات قد أخذن من بياض الروم وسواد الحبشة فكن صفرا لعسا. فقال الله تبارك وتعالى: {ألا في الفتنة سقطوا} في التخلف عنك. وقد عذل المسلمون في غزوة تبوك وثقل عليهم الخروج لبعد الشقة، وكان أيضا زمان عسرة وأدرك الثمار وطاب الظل، فأحبّوا الإقامة، فوبّخهم الله.
فقال عز وجل: {ياأيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم}.
ووصف المنافقين فقال: {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتّبعوك} ). [معاني القرآن: 1/440-441]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ائذن لي ولا تفتنّي} مجازه: ولا تؤثمني.
{ألا في الفتنة سقطوا} أي ألا في الإثم وقعوا وصاروا). [مجاز القرآن: 1/261]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: الإشراك والكفر والإثم، كقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]، أي: شرك.
وقال: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] يعني الشرك.
وقال: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] أي: في الإثم.
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، أي: كفر وإثم). [تأويل مشكل القرآن: 473] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين}
أي لا تؤثمني بأمرك إياي بالخروج، وذلك غير متيسر لي فآثم.
وقيل إن المنافقين هزئوا بالمسلمين في غزوة تبوك، فقالوا أتريدون بنات
الأصفر: فقال: {لا تفتنّي} أي {لا تفتنّي} ببنات الأصفر.
فأعلم اللّه تعالى أنهم قد سقطوا في الفتنة أي سقطوا في الإثم). [معاني القرآن: 2/451-452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} فيه قولان:
قال الضحاك ولا تكفرني وكذلك قال قتادة أي ولا تؤثمني
ومعناه لا تؤثمني بالخروج وهو لا يتيسر لي فإذا تخلفت أثمت
والقول الآخر وهو قول مجاهد أنه قيل لهم تغزون فتغنمون بنات الأصفر فقال بعضهم لا تفتني ببنات الأصفر
قال أبو إسحاق في الجد بن قيس أحد بني سلمة وهو الذي قال هذا). [معاني القرآن: 3/216-217]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم} أي ظفر.
{وإن تصبك مصيبةٌ} أي نكبة يفرحوا بها {ويقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} أي أخذنا الوثيقة فلم نخرج). [تفسير غريب القرآن: 187-188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا وهم فرحون}
أي قد علمنا بالحزم في التخلف عنك. فأعلم الله جلّ وعزّ أن المسلمين لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم فقال جلّ وعزّ: {قل لن يصيبنا إلّا ما كتب اللّه لنا هو مولانا وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (51)} ). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن تصبك حسنة تسؤهم}
أي إن تظفر وتغنم يسؤوهم ذلك وإن تصبك مصيبة تهزم يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا بالحزم إذ لم نخرج كذلك
وقال مجاهد معناه حذرنا). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي ظفر، {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} أي نكبة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين...}
الظفر أو الشهادة، فهما الحسنيان. والعرب تدغم اللام من (هل) و(بل) عند التاء خاصة. وهو في كلامهم عالٍ كثير؛ هل تدرى، وهتّدري. فقرأها القراء على ذلك، وإنما أستحبّ في القراءة خاصّة تبيان ذلك، لأنهما منفصلان ليسا من حرف واحد، وإنما بني القرآن على الترسّل والترتيل وإشباع الكلام؛ فتبيانه أحب إليّ من إدغامه، وقد أدغم القرّاء الكبار، وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 1/441]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ ما كتب الله لنا} إلا ما قضى الله لنا وعلينا
{هو مولانا} أي ربّنا). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أصل الكتاب: ما كتبه الله في اللّوح مما هو كائن.
ثم تتفرع منه معان ترجع إلى هذا الأصل. كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] أي: قضى الله ذلك وفرغ منه.
وقوله: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] أي: ما قضى الله لنا.
وقوله: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] أي: قضي، لأنّ هذا قد فرغ منه حين كتب). [تأويل مشكل القرآن: 462] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل لن يصيبنا إلّا ما كتب اللّه لنا هو مولانا وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
أي ما قدّر علينا كما قال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها}.
ثم أكد ذلك فقال: {إن ذلك على اللّه يسير}.
وفيه وجه آخر إنّه {لن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا} ما بيّن لنا في كتابه.
من أنا نظفر، فتكون تلك حسنى لنا أو نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا أيضا، أي فقد كتب اللّه لنا ما يصيبنا أو علمنا ما لنا فيه حظ، ثم بيّن جل ثناؤه فقال تعالى:
{قل هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون (52)} ). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل لن يصيبنا إلا ما تحب كتب الله لنا} في معناه قولان:
أحدهما إلا ما قدر الله علينا
والآخر إلا ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنكون شهداء أو نقتلكم
وكذلك معنى {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [آية: 52] ). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا ما كتب الله لنا} معناه: إلا ما كتب الله علينا). [ياقوتة الصراط: 243]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أن يصيبكم الله بعذابٍ} أي أن يميتكم). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إحدى الحسنيين}: الشهادة. والأخرى: الغنيمة). [تفسير غريب القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون}
إلا الظفر أو الشهادة.
{ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا}.
فأنتم تربصون بنا إحدى الحسنيين، ونحن نتربص بكم إحدى الشّرّتين.
فبين ما تنتظرونه وننتظره فرق عظيم). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والحُسنيان} الشهادة والغنيمة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنفقوا طوعاً أو كرهاً...}
وهو أمر في اللفظ وليس بأمر في المعنى؛ لأنه أخبرهم أنه لن يتقبّل منهم. وهو في الكلام بمنزلة إن في الجزاء؛ كأنك قلت: إن أنفقت طوعا أو كرها فليس بمقبول منك. ومثله {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} ليس بأمر، إنما هو على تأويل الجزاء. ومثله قول الشاعر:
أسيئ بنا أو أحسني لا ملومةٌ =لدينا ولا مقليّةٌ إن تقلّت
). [معاني القرآن: 1/441]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنفقوا طوعاً أو كرهاً} مفتوح ومضموم سواء). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبّل منكم إنّكم كنتم قوما فاسقين}
وإن شئت كرها بالضم، هذا لفظ أمر ومعناه معنى الشرط والجزاء.
والمعنى أنفقوا طائعين أو مكرهين لن يتقبّل منكم.
ومثل هذا من الشعر قول كثير:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة..=. لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
فلم يأمرها بالإساءة، ولكن أعلمها أنها إن أساءت أو أحسنت فهو على عهدها.
فإن قال قائل كيف كان الخبر في معنى الأمر؟
قلنا هو، كقولك: غفر اللّه لزيد، ورحم اللّه زيدا.
فمعناه: اللهم ارحم زيدا). [معاني القرآن: 2/453]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلاّ أنّهم كفروا...}
{أنهم} في موضع رفع لأنه اسم للمنع؛ كأنك قلت: ما منعهم أن تقبل منهم إلا ذاك. و{أن} الأولى في موضع نصب. وليست بمنزلة قوله: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ إنّهم ليأكلون} هذه فيها واو مضمرة، وهي مستأنفة ليس لها موضع. ولو لم يكن في جوابها اللام لكانت أيضا مكسورة؛ كما تقول: ما رأيت منهم رجلا إلا إنه ليحسن، وإلاّ إنه يحسن. يعرّف أنها مستأنفة أن تضع {هو} في موضعها فتصلح؛ وذلك قولك: ما رأيت منهم رجلا إلا هو يفعل ذلك. فدلّت {هو} على استئناف إنّ). [معاني القرآن: 1/442]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كسالي} وكسالى مضمومة ومفتوحة وهي جميع كسلان، وإن شئت كسل). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلّا أنّهم كفروا باللّه وبرسوله ولا يأتون الصّلاة إلّا وهم كسالى ولا ينفقون إلّا وهم كارهون}
موضع " أن " الأولى نصب، وموضع " أن " الثانية رفع.
المعنى ما منعهم من قبول نفقاتهم إلّا كفرهم.
ويجوز " أن يقبل منهم نفقاتهم " لأن النفقات في معنى الإنفاق، ويجوز: وما منعهم من أن يقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم
كفروا، وهذا لا يجوز أن يقرأ به لأنه لم يرو في القراءة.
وقوله: (ولا يأتون الصّلاة إلّا وهم كسالى).
وكسالى - بالضم والفتح - جمع كسلان، وكقولك سكران وسكارى وسكارى. ويجوز ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسلى.
ولا يجوز ذلك في القرآن.
{ولا ينفقون إلّا وهم كارهون}.
القراءة على فتح الكاف، ويجوز الكسر إلا وهم كارهون، ولم يرو في القرآن). [معاني القرآن: 2/453-454]

تفسير قوله تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا...}
معناه: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا. هذا معناه، ولكنه أخّر ومعناه التقديم - والله أعلم - لأنه إنما أراد: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وقوله: {وتزهق أنفسهم وهم كافرون} أي تخرج أنفسهم وهم كفّار. ولو جعلت الحياة الدنيا مؤخّرة وأردت: إنما يريد الله ليعذبهم بالإنفاق كرها ليعذبهم بذلك في الدنيا، لكان وجها حسنا). [معاني القرآن: 1/442]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وتزهق أنفسهم} أي تخرج وتموت وتهلك، ويقال: زهق ما عندك، أي ذهب كله). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وتزهق أنفسهم}: تهلك، يقال زهقت أنفسكم ويقال زهق ما عند فلان ذهب أجمع). [غريب القرآن وتفسيره: 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن المقدّم والمؤخّر قوله سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}
وقال ابن عباس في رواية الكلبي: أراد: ولا تعجبك أموالهم وأولادهم في الدنيا، إنما يريد الله أن يعذّبهم في الآخرة). [تأويل مشكل القرآن: 208]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون}
معناه - واللّه أعلم - فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الدنيا، إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الآخرة.
ويجوز واللّه أعلم: إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الدنيا أي هم ينفقونها في الدنيا، وهم منافقون فهم متعذبون بإنفاقها إذ كانوا ينفقونها على كره.
وقوله: ( {وتزهق أنفسهم وهم كافرون}.
معناه، وتخرج أنفسهم أي يغلظ عليهم المكروه حتى تزهق أنفسهم). [معاني القرآن: 2/454]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا}
فيه تقديم وتأخير
المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية ويجوز أن يكون المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون
ثم قال {وتزهق أنفسهم} أي تخرج). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَزْهَقَ}: تهلك). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ويحلفون باللّه إنّهم لمنكم وما هم منكم ولكنّهم قوم يفرقون}
أي يحلفون باللّه أنهم مؤمنون كما أنتم مؤمنون، وما هم منكم لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر {ولكنّهم قوم يفرقون}.
أي يفرقون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا، ثم أعلم جلّ وعزّ أنهم لو وجدوا مخلصا فيه لفارقوكم، فقال جلّ وعزّ:
{لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدّخلا لولّوا إليه وهم يجمحون (57)} ). [معاني القرآن: 2/454]

تفسير قوله تعالى: (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لو يجدون ملجئاً} - أي حرزا - {أو مغاراتٍ}...}
وهي الغيران؛ واحدها غار في الجبال {أو مدّخلاً} يريد: سربا في الأرض.
{لّولّوا إليه وهم يجمحون} مسرعين؛ الجمح ها هنا: الإسراع). [معاني القرآن: 1/443]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ملجئاً أو مغارات} أي ما يلجئون إليه أو ما يغورون فيه فيدخلون فيه ويتغيبون فيه.
{يجمحون} يجمح أي يطمح يريد أن يسرع). [مجاز القرآن: 1/262]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لو يجدون ملجئاً أو مغاراتٍ أو مدّخلاً لّولّوا إليه وهم يجمحون}
وقال: {لو يجدون ملجئاً أو مغاراتٍ أو مدّخلاً} لأنه من "ادّخل" "يدّخل" وقال بعضهم {مدخلا} جعله من "دخل" "يدخل" وهي فيما أعلم أردأ الوجهين. ويذكرون أنها في قراءة أبي {مندخلاً} أراد شيئاً بعد شيء. وإنما قال: {مغاراتٍ} لأنها من "أغار" فالمكان "مغارٌ" قال الشاعر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا = بالخير صبحنا ربّي ومسّانا
لأنّها من "أمسى" و"أصبح" وإذا وقفت على "ملجأ" قلت "ملجأا" لأنه نصب منون فتقف بالألف نحو قولك "رأيت زيدا"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ملجأ أو مغارات}: الملجأ ما لجؤا إليه.
والمغارات كل شيء دخلت فيه فغبت فيه فهو مغارة، ومن ذلك " غور تهامة".
{أو مدخلا}: المدخل ما دخلوا فيه.
{يجمحون}: ويطمحون واحد وهو من السرعة). [غريب القرآن وتفسيره: 164-165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أو مدّخلًا} أي مدخلا يدخلونه.
{لولّوا إليه} أي لرجعوا عنك إليه.
{وهم يجمحون} أي يسرعون [روغانا عنك] ومنه قيل: فرس جموح، إذا ذهب في عدوه فلم يثنه شيء). [تفسير غريب القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدّخلا لولّوا إليه وهم يجمحون}
والملجأ واللّجأ، مقصور ومهموز، وهو المكان الذي يتحصّن فيه.
ومغارات جمع مغارة، وهو الموضع يغور فيه الإنسان، أي يستتر فيه.
ويقرأ: {أو مغارات} بضم الميم لأنه يقال أغرت وغرت، إذا دخلت الغور.
وقوله: {أو مدّخلا}.
ويقرأ أو مدخلا بالتخفيف، ويقرأ أو مدخلا.
فأما {مدّخل} فأصله مدتخل، ولكن التاء والدال من مكان واحد فكان الكلام من وجه واحد أخف، ومن قال مدخلا فهو من دخل يدخل مدخلا.
ومن قال مدخلا فهو من أدخلته مدخلا.
قال الشاعر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا.=.. بالخير صبحنا ربّي ومسّانا
ومعنى مدّخل ومدخل أنهم لو وجدوا قوما يدخلون في جملتهم أو يدخلونهم في جملتهم: {لولّوا إليه وهم يجمحون}.
المعنى لو وجدوا هذه الأشياء {لولّوا إليه وهم يجمحون}.
أي يسرعون إسراعا لا يرد وجوههم شيء.
ومن هذا قيل: فرس جموح للذي إذا حمل لم يردّه اللجام). [معاني القرآن: 2/454-455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون}
قال قتادة الملجأ الحصون والمغارات الغيران
والمدخل الأسراب
قال أبو جعفر وهذا قول حسن عند أهل اللغة لأنه يقال للحصن ملجأ ولجأ والمغارات من غار يغور إذا استتر
وتقرأ أو مدخلا بتشديد الدال والخاء وتقرأ أو مدخلا ومعانيها متقاربة إلا أن مدخلا من دخل يدخل ومدخلا من أدخل يدخل أي لو يجدون قوما يدخلونهم في جملتهم أو قوما يدخلون معهم أو مكانا يدخلون فيه لولوا إليه أي لو وجدوا أحد هذه الأشياء لولوا إليه وهم يجمحون أي يسرعون لا يرد وجوههم شيء
ومنه فرس جموح). [معاني القرآن: 3/218-219]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وهم يجمحون} أي: وهم يمشون بالعجلة في جانب). [ياقوتة الصراط: 244]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَجْمَحُونَ} يسرعون. ومنه فرس جموح: إذا لم يثنه شيء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَلْجَأ}: حرزاً
{مَغَارَاتٍ}: مداخل في الجبل
{مُدَّخَلاً}: ضرباً في الأرض
{يَجْمَحُونَ}: يسرعون). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومنهم مّن يلمزك في الصّدقات...}
يقول: بعيبك، ويقولون: لا يقسم بالسّويّة.
{فإن أعطوا منها رضوا} فلم يعيبوا.
ثم إن الله تبارك وتعالى بيّن لهم لمن الصدقات). [معاني القرآن: 1/443]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومنهم من يلمزك} أي يعيبون، قال زياد الأعجم:
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرةً... وإن أغيب فأنت العائب اللّمزه). [مجاز القرآن: 1/262 -263]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومنهم مّن يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لّم يعطوا منها إذا هم يسخطون}
وقال: {ومنهم مّن يلمزك} وقال بعضهم {يلمزك} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصدقات}: يعيبك). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصّدقات}: يعيبك ويطعن عليك.
يقال: همزت فلانا ولمزته. إذا اغتبته وعبته [ومنه قوله تعالى]: {ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ} [سورة الهمزة آية: 1] ). [تفسير غريب القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}
وتقرأ يلمزونك: يقال لمزت الرجل ألمزه بكسر الميم، وألمزه بضم الميم إذ عبته، وكذلك همزته أهمزه إذا عبته.
قال الشاعر:

إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة..=. وإن تغيّبت كنت الهامز اللّمزه
واللمزة الكثير العيب للناس، وقال بعضهم: اللّمزة العيب. بكسر العين أي بكسر عينه عيب كنهم، إذا عاب. يراد به عيب صاحبه وقالوا: اللّمزة العيب بالمسارّة. وهذا كله يرجع إلى العيب). [معاني القرآن: 2/455-456]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا}
قال مجاهد أي يروزك ويسألك
وقال قتادة أي يطعن عليك
قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس
ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه
وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب). [معاني القرآن: 3/219-220]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من يلمزك} أي: يعيبك). [ياقوتة الصراط: 243]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْمِزُكَ} أي يعيبك ويطعن عليك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْمِزُكَ}: يعيبك). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) )


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 60 إلى 72]

(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما الصّدقات للفقراء...}
وهم أهل صفّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا لا عشائر لهم، كانوا يلتمسون الفضل بالنهار، ثم يأوون إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الفقراء.
{والمساكين}: الطوّافين على الأبواب {والعاملين عليها} وهم السعاة.
{والمؤلّفة قلوبهم} وهم أشراف العرب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم ليجترّ به إسلام قومهم.
{وفي الرّقاب} يعني المكاتبين {والغارمين}: أصحاب الدّين الذين ركبهم في غير إفساد.
[معاني القرآن: 1/443]
{وفي سبيل اللّه}: الجهاد {وابن السّبيل}: المنقطع به، أو الضيف.
{فريضةً مّن اللّه} نصب على القطع. والرفع في {فريضة} جائز لو قرئ به. وهو في الكلام بمنزلة قولك: هو لك هبةً وهبةٌ، وهو عليك صدقةً وصدقةٌ، والمال بينكما نصفين ونصفان، والمال بينكما شقّ الشعرة وشقٌّ... ). [معاني القرآن: 1/443-444]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما الصّدقات للفقراء} وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلعة من العيش.
{والمساكين}: الذين ليس لهم شيء. قال قتادة: الفقير: الذي به زمانة، والمسكين: الصحيح المحتاج.
{والعاملين عليها} أي عمال الصدقة، وهم السعاة.
{والمؤلّفة قلوبهم}: الذين كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم يتألّفهم على الإسلام.
{وفي الرّقاب} أي المكاتبين. أراد: فكّ الرّقاب من الرّق.
{والغارمين} من عليه الدّين ولا يجد قضاء. وأصل الغرم: الخسران. ومنه قيل في الرهن: له غنمه وعليه غرمه. أي ريحه له وخسرانه أو هلاكه عليه. فكأن الغارم هو الذي خسر ماله. والخسران: النقصان.
ويكون الهلاك. قال اللّه عز وجل: {الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم} [سورة الزمر آية: 15، وسورة الشورى آية: 45].
وقد يشتق من الغرم اسم للهلاك خاصة. من ذلك قوله: {إنّ عذابها كان غراماً} [سورة الفرقان آية: 65] أي هلاكا. ومنه يقال: فلان مغرم بالنساء أي مهلك بهن. ويقال: ما أشد غرامه بالنساء وإغرامه، أي هلاكه بحبّهن). [تفسير غريب القرآن: 188-189 ]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم}
وهم قوم كانوا يعطون: يتألّفون على أن يسلموا.
وهذا غير مستعمل اليوم لظهور الإسلام.
{وفي الرقاب}.
كأن يعاون المكاتب حتى يفك رقبته:
{والغارمين}.
وهم الذين لزمهم الدِّين في الحمالة، والحمالة، الإعطاء في الذّمّة ويجوز أن يكون الغارم الّذي لزمه الدِّين في غير معصية، فالأولى أن يكون الدين الذي يقضى عنه في غير معصية، لأنّ ذا المعصية إن أدّي عنه الدّين كان ذلك تقوية على المعاصي.
{وفي سبيل اللّه}.
أي وللمجاهدين حق في الصدقة.
{وابن السبيل} ابن الطريق.
وتأويله الذي قطع عليه الطريق.
{فريضة من اللّه}
منصوب على التوكيد، لأن قوله: إنّما الصّدقات لهؤلاء كقولك فرض اللّه الصدقات لهؤلاء.
وقد بينّا في أول الأنفال ما قيل في جميع الأموال، واستقصيناه.
ويجوز فريضة من اللّه على ذلك ولا أعلمه قرئ به). [معاني القرآن: 2/456-457]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}
قال قتادة الفقير المحتاج الذي له زمانه والمسكين
الصحيح المحتاج
وقال مجاهد والزهري الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال نا يونس قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك قال الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب
قال وكان ابن عباس يقول الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة
قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن لأن المسكين مأخوذ من السكون والخضوع فالذين يسألون يظهر عليهم السكون والخضوع
وإن كان الذي يسأل والذي لا يسأل يجتمعان في اسم الفقر
فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا
وفقير في اللغة إنما يعرف بأن يقال إلى كذا
فالمعنى والفقراء إلى الصدقة ومسكين عليه ذلة لأنه قد يكون به فقر إليها ولا ذلة عليه فيها
وقال أهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافا
الفقير الذي له بلغة والمسكين الذي لا شيء له
وأنشدوا:

أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وقال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى ولا يجد غنى يغنيه
قال أبو جعفر قال علي بن سليمان الفقير مشتق من قولهم فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته قطعة فالفقير على هذا الذي له قطعة من المال والمسكين مأخوذ من السكون كأنه بمنزلة من لا حركة له
وقال بعض الفقهاء المسكين الذي له شيء واحتج بقول الله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر}
قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأنك تقول هذا التمر لهذه النخلة وهذا البيت لهذه الدار لا تريد الملك فيجوز أن يكون قيل لمساكين لأنهم كانوا يعلمون فيها
وقد قيل إنه إنما تمثيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء يا مسكينة عليك السكينة
ثم قال عز وجل: {والعاملين عليها}
وهم السعاة ومن كان مثلهم
ثم قال تعالى: {والمؤلفة قلوبهم}
قال الشعبي هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم يتألفون فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا
قال أبو جعفر حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي وقد قال يونس سألت الزهري قال لا أعلم أنه نسخ من ذلك شيء
فعلى هذا الحكم فيهم ثابت فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه
ثم قال جل وعز: {وفي الرقاب}
أي وفي فك الرقاب
قيل هم المكاتبون
وقيل تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين
ثم قال جل وعز: {والغارمين} قال مجاهد هم الذين أحرقت النار بيوتهم وأذهب السيل مالهم فادانوا لعيالهم
وروي عن أبي جعفر ومجاهد وقتادة قالوا الغارم من استدان لغير معصية
قال أبو جعفر وهذا لا يكون غيره لأنه إذا كان ذا دين في
معصية فقضي عنه فقد أعين على المعصية
والغرم في اللغة الخسران فكأن المستدين لا يجد قضاء دينه قد خسر ماله ومنه إن عذابها كان غراما أي هلاكا وخسرانا
ثم قال تعالى: {وفي سبيل الله} أي في طاعة الله أي للمجاهدين والحجاج وابن السبيل
روى جابر عن أبي جعفر أنه قال هو المجتاز من أرض إلى أرض
قال أبو جعفر والسبيل في اللغة الطريق فابن السبيل هو الذي قطعت عليه الطريق أو جاء من أرض العدو وقد أخذ
ماله
قالت الفقهاء أبناء السبيل الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها حتى يحتاجوا إلى الصدقة فهي إذ ذاك لهم مباحة فقد صاروا إلى حكم من لا مال له
روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}
قال إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف وأي صنف أعطيت منها أجزأك
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال في أيها وضعت أجزأ عنك). [معاني القرآن: 3/220-227]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} للضعفاء الذي لهم البلغة من العيش، والمساكين: الذين لا شيء لهم. وقيل: الفقير الذي به زمانه، والمسكين: الصحيح المحتاج.
{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} أي عمال الصدقة، وهم السعاة الجباة.
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على الإسلام.
{وَفِي الرِّقَابِ} المكاتبين.
{وَالْغَارِمِينَ} من عليه الدين، ولا شيء لهم.
{وَاِبْنِ السَّبِيلِ} المنقطع بغير بلده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ...}
اجتمع قوم على عيب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيقول رجل منهم: إن هذا يبلّغ محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقع بنا، فـ {ويقولون}: إنما {هو أذنٌ} سامعة إذا أتياناه صدّقنا، فقولوا ما شئتم. فأنزل الله عز وجل: {قل أذن خيرٍ لّكم} أي كما تقولون، ولكنه لا يصدّقكم، إنما يصدّق المؤمنين.
وهو قوله: {يؤمن باللّه}: يصدق بالله. {ويؤمن للمؤمنين}: يصدّق المؤمنين. وهو كقوله: {للّذين هم لربّهم يرهبون} أي يرهبون ربهم.
وأما قوله:{والّذين يؤذون رسول اللّه لهم عذابٌ أليمٌ} فمتصل بما قبله. وقوله: {ورحمةٌ للّذين آمنوا} إن شئت خفضتها تتبعها لخير، وإن شئت رفعتها أتبعتها الأذن. وقد يقرأ: {قل أذنٌ خيرٌ لكم} كقوله: قل أذن أفضل لكم؛ و{خير} إذا خفض فليس على معنى أفضل؛ إذا خفضت {خير} فكأنك قلت: أذن صلاح لكم، وإذا قلت: {أذنٌ خير لكم}، فإنك قلت: أذن أصلح لكم. ولا تكون الرحمة إذا رفعت {خير} إلا رفعا. ولو نصبت الرحمة على
غير هذا الوجه كان صوابا: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، ورحمةً} يفعل ذلك. وهو كقوله: {إنا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينةٍ الكواكب. وحفظاً}). [معاني القرآن: 1/444-445]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ ويقولون هو أذنٌ قل أذن خيرٍ لّكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ورحمةٌ لّلّذين آمنوا منكم والّذين يؤذون رسول اللّه لهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {قل أذن خيرٍ لّكم} أي: هو أذن خيرٍ لا أذن شرٍّ. وقال بعضهم {أذنٌ خيرٌ لكم} والأولى أحسنهما لأنك لو قلت {هو أذنٌ خيرٌ لكم} لم يكن في حسن {هو أذن خيرٍ لكم} وهذا جائز على أن تجعل {لكم} صفة "الأذن".
وقال: {ورحمةٌ لّلّذين آمنوا منكم} أي: وهو رحمة.
وقال: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} أي: يصدقهم كأن تقول للرجل "أنا ما يؤمن لي بأن أقول كذا وكذا" أي: ما يصدقني). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويقولون هو أذنٌ} أي يقبل كل ما قيل له.
{قل أذن خيرٍ لكم} أي يقبل منكم ما تقولون له خيرا لكم إن كان ذاك كما تقولون، ولكنه: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} أي يصدّق اللّه ويصدق المؤمنين). [تفسير غريب القرآن: 189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله تعالى حكاية عن المنافقين: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أي يقبل كلّ ما بلغه.
والأصل: أن الأذن هي السامعة، فقيل لكل من صدّق بكلّ خبر يسمعه: أُذُن، ومنه يقال: آذنتك بالأمر فأَذِنْتَ، كما تقول: أعلمتك فعَلِمت، إنما هو أَوْقَعْتُه في أُذُنك.
يقول الله عزّ وجلّ: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] أي اعلموا، ومن قرأها {فآذنوا} أراد فأعلموا.
ومنه ما قالت الشعراء:
[تأويل مشكل القرآن: 182]
آذَنتنا ببينها أسماء
ومنه الأَذَان إنما هو إعلام الناس وقت الصلاة.
وقوله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أي إعلام.
وكان المنافقون يقولون: إن محمدا أذن فقولوا ما شئتم، فإنا متى أتيناه فاعتذرنا إليه صدّقّنا. فأنزل الله تبارك وتعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي كان الأمر كما تذكرون، ولكنه إنّما {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي يُصَدِّقُ الله ويصدّق المؤمنين، لا أنتم، (والباء) و(اللام) زائدتان). [تأويل مشكل القرآن: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ورحمة للّذين آمنوا منكم والّذين يؤذون رسول اللّه لهم عذاب أليم}
وتفسير الآية أن من المنافقين من كان يعيب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: إن بلغه عني حلفت له وقبل منّي لأنّه أذن.
فأعلم اللّه تعالى أنه {أذن خير لكم}.
أي مستمع خير لكم، ثم بين ممن يقبل فقال:
{يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين}.
أي هو أذن خير لا أذن شر، يسمع ما ينزله الله عليه، فيصدّق به.
ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه به.
{ورحمة للّذين آمنوا منكم}.
أي هو رحمة، لأنه كان سبب المؤمنين في إيمانهم.
ومن قرأ أذن خير لكم، فالمعنى فإن من يسمع منكم ويكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم.
ويروى في هذه الآية أن رجلا من المنافقين قال: لو كان ما أتى به
محمد حقا فنحن حمير، فقال له ابن امرأته إنّ ما أتى به لحق، وإنّك لشر من دابتك هذه وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعض من حضره نعتذر إليه ونحلف له فإنه أذن). [معاني القرآن: 2/457]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن}
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نقول فيه فإن بلغه ذلك حلفن له فصدقنا
وكذلك الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله
فالمعنى إن كان الأمر على ما يقولون أن يكون قريبا منكم يقبل اعتذاركم
ثم قال جل وعز: {قل أذن خير لكم}
أي إن كان كما قلتم
ثم أخبر انه يؤمن بالله
ومن قرأ قل أذن خير لكم ذهب إلى أن معناه قل هو مستمع خير لكم). [معاني القرآن: 3/227-228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هُوَ أُذُنٌ} أي يقبل كل ما قيل له.
{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي يقبل منكم ما تقولون له). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه...}
وحّد {يرضوه} ولم يقل: يرضوهما؛ لأن المعنى - والله أعلم - بمنزلة قولك: ما شاء الله وشئت؛ إنما يقصد بالمشيئة قصد الثاني، وقوله: "ما شاء الله" تعظيم لله مقدّم قبل الأفاعيل؛ كما تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك، وإن شئت أردت: يرضوهما فاكتفيت بواحد: كقوله:

نحن بما عندنا وأنت بما عنـ =دك راض والرأي مختلف
ولم يقل: راضون). [معاني القرآن: 1/445]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يحلفون باللّه لكم ليرضوكم واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين}
وقال: {يحلفون باللّه لكم ليرضوكم} و"سيحلفون بالله لكم ليرضوكم" ولا أعلمه إلاّ على قوله: "ليرضنّكم" كما قال الشاعر:
إذا قلت قدني قال بالله حلفةً = لتغني عنّي ذا أنائك أجمعا
أي: لتغنينّ عني. وهو نحو {ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة} أي: ولتصغينّ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجتمع شيئان فيجعل الفعل لأحدهما، أو تنسبه إلى أحدهما وهو لهما:
كقوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].
وقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ). [تأويل مشكل القرآن: 288] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يحلفون باللّه لكم ليرضوكم واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين}
قال بعض النحويين: إن هذه اللام بمعنى القسم، أي يحلفون بالله
لكم ليرضنّكم وهذا خطأ لأنهم إنّما حلفوا أنّهم ما قالوا ما حكي عنهم ليرضوكم باليمين، ولم يحلفوا أنّهم يرضون فيما يستقبل.
{واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه}.
وقوله: {إن كانوا مؤمنين}.
أي إن كانوا على ما يظهرون فكان ينبغي ألا يعيبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكونون بتوليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك عيبه مؤمنين.
ويجوز في قوله {ورحمة} الجر على العطف على {خير}. فيكون المعنى قل أذن خير لكم وأذن رحمة للمؤمنين.
وقوله: {أحقّ أن يرضوه}، ولم يقل يرضوهما، لأن المعنى يدل عليه فحذف استخفافا، المعنى واللّه أحقّ أن يرضوه، ورسوله أحقّ أن يرضوه، كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما..=. عندك راض والأمر مختلف
المعنى نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راض). [معاني القرآن: 2/458]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} المعنى عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن
يرضوه ثم حذف كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راض والرأي مختلف
وقال أبو العباس هو على غير حذف والمعنى والله أحق أن يرضوه ورسوله
وقال غيرهما المعنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يرضوه وقوله جل وعز: {والله} افتتاح كلام كما تقول هذا لله ولك). [معاني القرآن: 3/228-229]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألم يعلموا أنّه من يحادد الله} أي من يحارب الله ويشاقق الله ورسوله). [مجاز القرآن: 1/263]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم}
وقال: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فإنّ له} فكسر الألف لأن الفاء التي هي جواب المجازاة ما بعدها مستأتف.
{فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّاً لّو كانوا يفقهون}
وقال: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه} أي: مخالفةً. وقال بعضهم (خلف) و(خلاف) أصوبهما لأنهم خالفوا مثل "قاتلوا قتالا" ولأنه مصدر "خالفوا"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم}
معناه من يعادي اللّه ورسوله، ومن يشاقق الله ورسوله.
واشتقاقه من اللغة كقولك من يجانب الله ورسوله، أي من يكون في حدّ، واللّه ورسوله في حدّ.
{فأنّ له نار جهنّم}.
والقراءة بالفتح والكسر: " فأنّ له "، فمن كسر فعلى الاستئناف بعد الفاء، كما تقول فله نار جهنم، ودخلت إن مؤكدة، ومن قال: فأنّ له، فإنما أعاد " فان " توكيدا، لأنه لما طال الكلام كان إعادتها أوكد). [معاني القرآن: 2/458-459]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله}
معناه يعادي ويجانب يقال حاد فلان أي صار في حدة غير حده). [معاني القرآن: 3/230]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أنه من يحادد الله ورسوله} أي: يخالفهما). [ياقوتة الصراط: 244]

تفسير قوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ اللّه مخرج ما تحذرون}
لفظ يحذر لفظ الخبر، ومعناه الأمر، لأنه لا لبس في الكلام في أنه أمر، فهو كقولك ليحذر المنافقون، وعلى هذا يجوز في كل ما يؤمر به أن تقول يفعل ذلك، فينوب عن قولك ليفعل ذلك.
ويجوز أن يكون خبرا عنهم لأنهم كانوا يكفرون عنادا وحسدا.
ودليل هذا القول: {قل استهزئوا إنّ اللّه مخرج ما تحذرون} ). [معاني القرآن: 2/459]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم}
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وقالوا نرجو أن لا يفشي الله علينا). [معاني القرآن: 3/230]

تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)
وذلك أنهم قالوا: إنما كنا نخوض كما يخوض الركب}). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب}
فالمعنى ولئن سألتهم عما قالوا
قال قتادة هؤلاء قوم من المنافقين قالوا في غزوة تبوك أيطمع محمد أن يدخل بلاد الروم ويخرب حصونهم فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فدعا بهم فقال أقلتم كذا وكذا فقالوا {إنما كنا نخوض ونلعب}
وقال سعيد بن جبير قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن حمير فأطلعه الله جل وعز على ما قالوا فسألهم فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب
قال عز وجل: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}
أي قد ظهر منكم الكفر بعد ظهور الإيمان). [معاني القرآن: 3/230-231]

تفسير قوله تعالى: (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن نّعف عن طائفةٍ مّنكم نعذّب طائفةً...}
والطائفة واحد واثنان، وإنما نزل في ثلاثة نفر استهزأ رجلان برسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، وضحك إليهما آخر، فنزل {إن نّعف عن طائفةٍ} يعني الواحد الضحاك {نعذّب طائفةً} يعني المستهزئين. وقد جاء {وليشهد عذابهما طائفةٌ} يعني واحدا. ويقرأ: "إن يعف عن طائفة منكم تعذّب طائفةٌ". و"إن يعف... يعذّب طائفة"). [معاني القرآن: 1/445]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه جمع يراد به واحد واثنان:
كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]: واحد واثنان فما فوق.
وقال قتادة في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ}: كان رجل من القوم لا يمالئهم على أقاويلهم في النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسير مجانبا لهم، فسماه الله طائفة وهو واحد.
وكان «قتادة» يقول في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4]: هو رجل واحد ناداه: يا محمد، إنّ مدحي زين، وإنّ شتمي شين.
فخرج إليه النبي، صلّى الله عليه وسلم
فقال: «ويلك، ذاك الله جل وعز»
ونزلت الآية.
وقوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]، أي أخوان فصاعدا.
قوله سبحانه: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} [الأعراف: 150]، جاء في التفسير: أنهما لوحان.
وقوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، وهما قلبان.
وقوله: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26]، يعني عائشة وصفوان بن المعطّل.
وقال: {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35]، وهو واحد، يدلك على ذلك قوله: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 37] ). [تأويل مشكل القرآن: 282-284] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة بأنّهم كانوا مجرمين}
تأويله إنّه قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان.
{إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة}.
والقراءة {إن نعف} و (إن يعف، وإن يعف) جيدة، ولا أعلم أحدا من المشهورين قرأ بها.
ويروى أن هاتين الطائفتين إنما كانوا ثلاثة نفر فهزئ اثنان وضحك واحد، فجعل طائفة للواحد.
وكذلك قالوا في قوله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
يراد به نفس طائفة.
والطائفة في اللغة أصلها الجماعة، لأنها المقدار الذي يطيف بالشيء.
وقد يجوز أن يقال للواحد طائفة يراد بها نفس طائفة يراد به نفس طائفة). [معاني القرآن: 2/459-460]

تفسير قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويقبضون أيديهم...}
يمسكون عن النفقة على النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/445]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويقبضون أيديهم} أي يمسكون أيديهم عن الصدقة والخير، يقال: قبض فلان عنا يده أي منعنا). [مجاز القرآن: 1/263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يقبضون أيديهم}: يمسكونها عن الصدقة). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نسوا اللّه فنسيهم} أي تركوا أمر اللّه فتركهم). [تفسير غريب القرآن: 189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أي يمسكون عن العطية.
وأصل هذا: أن المعطي بيده يمدّها ويبسطها بالعطاء، فقيل لكل من بخل ومنع: قد قبض يده). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15]، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]
فالعدوان الأول: ظلم، والثاني: جزاء، والجزاء لا يكون ظلما، وإن كان لفظه كلفظ الأول.
ومنه (قول النبي) صلّى الله عليه وسلم:
((اللهم إنّ فلانا هجاني، وهو يعلم أني لست بشاعر، اللهم والعنه عدد ما هجاني، أو مكان ما هجاني))، أي جازه جزاء الهجاء.
وكذلك قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 277-278] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا اللّه فنسيهم إنّ المنافقين هم الفاسقون}
هذا يتلو قوله تعالى: {يحلفون باللّه إنّهم لمنكم}.
أي ليس المنافقون من المؤمنين، لأن المنافقين، {يأمرون بالمنكر}
أي يأمرون بالكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
{وينهون عن المعروف}.
أي ينهون عن الإيمان به.
{ويقبضون أيديهم}.
أي لا يتصدّقون ولا يزكّون.
{نسوا اللّه فنسيهم}.
أي تركوا أمر اللّه فتركهم اللّه من رحمته وتوفيقه). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويقبضون أيديهم}
قال مجاهد أي لا يبسطونها في حق ولا فيما يجب
ثم قال جل وعز: {نسوا الله فنسيهم}
قال قتادة أي نسيهم من الخير فأما من الشر فلم ينسهم
والمعنى عند أهل اللغة تركوا أمر الله فتركهم من رحمته وتوفيقه يقال نسي الشيء إذا تركه). [معاني القرآن: 3/231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَقْبِضُونَ}: يمسكون). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنّم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم اللّه ولهم عذاب مقيم}
{هي حسبهم}.
أي كفاية ذنوبهم كما تقول: عذبتك حسب فعلك، وحسب فلان ما نزل به، أي ذلك على قدر فعله). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {خالدين فيها هي حسبهم}
أي هي كافيهم أي هي على قدر أعمالهم ويقال أحسبني الشيء أي كفاني). [معاني القرآن: 3/232]

تفسير قوله تعالى: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كالّذين من قبلكم...}
أي فعلتم كأفعال الذين من قبلكم.
وقوله: {فاستمتعوا بخلاقهم}. يقول: رضوا بنصيبهم في الدنيا من أنصبائهم في الآخرة.
وقوله: {فاستمتعتم} أي أردتم ما أراد الذين من قبلكم.
وقوله: {وخضتم كالّذي خاضوا} يريد: كخوضهم الذي خاضوا). [معاني القرآن: 1/446]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاستمتعوا بخلاقهم} أي بنصيبهم ودينهم ودنياهم.
{وماله في الآخرة من خلاقٍ} [2 :200]أي من نصيب يعود إليه). [مجاز القرآن: 1/263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاستمتعوا بخلاقهم} أي استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {كالّذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الّذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالّذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون}
{كالّذين من قبلكم}.
موضع الكاف نصب، أي وعدهم اللّه على الكفر به كما وعد الذين من قبلهم.
وقوله: {فاستمتعوا بخلاقهم} قيل فاستمتعوا بحظهم من الدنيا وقيل فاستمتعوا بدينهم.
والخلاق النصيب الذي هو عند صاحبه وافر الحظ). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فاستمتعوا بخلاقهم}
قال قتادة أي بدينهم والمعنى عند أهل اللغة فاستمتعوا بنصيبهم من الدنيا). [معاني القرآن: 3/232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فاستمتعوا بخلاقهم} أي بنصيبهم في الدنيا من الآخرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والمؤتفكات أتتهم رسلهم...}
يقال: إنها قريات قوم لوط وهود وصالح. ويقال: إنهم أصحاب لوط خاصّة. جمعوا بالتاء على قوله: {والمؤتفكة أهوى}. وكأنّ جمعهم إذ قيل {والمؤتفكات أتتهم} على الشيع والطوائف؛ كما قيل: قتلت الفديكات، نسبوا إلى رئيسهم أبى فديك). [معاني القرآن: 1/446]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والمؤتفكات} قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم). [مجاز القرآن: 1/263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {والمؤتفكات}: قوم لوط. ائتفكت بهم الأرض: انقلبت بهم. ومنه الإفك وهو الكذب لأنه قلب الحديث عن وجهه). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والمؤتفكات}: مدائن قوم لوط، لأنها ائتفكت، أي انقلبت). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ألم يأتهم نبأ الّذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبيّنات فما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
ألم يأتهم خبر الذين هلكوا في الدنيا بذنوبهم فيتعظوا.
و{المؤتفكات}.
جمع مؤتفكة، ائتفكت بهم الأرض، أي انقلبت، يقال إنهم قوم لوط.
ويقال إنهم جميع من أهلك، كما تقول للهالك انقلبت عليه الدنيا.
{فما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
أعلم اللّه جلّ ثناؤه أن تعذيبه إياهم باستحقاقهم، وأن ذلك عدل). [معاني القرآن: 2/460-461]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والمؤتفكات}
قال قتادة هي مدائن قوم لوط
وقال أهل اللغة سميت مؤتفكات لأنها ائتفكت بهم أي انقلبت وهو من الإفك وهو الكذب لأنه مقلوب ومصروف عن الصدق). [معاني القرآن: 3/232]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {والمؤتفكات}: المتقلبات بالخسف والزلازل). [ياقوتة الصراط: 244]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} مدائن قوم لوط، لأنها انقلبت عليهم، أي ائتفكت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ}: المخسوف بها). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) )

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ورضوانٌ مّن اللّه أكبر...}
رفع بالأكبر، وعدل عن أن ينسق على ما قبله وهو مما قد وعدهم الله تبارك وتعالى، ولكنه أوثر بالرفع لتفضيله؛ كما تقول في الكلام: قد وصلتك بالدراهم والثياب، وحسن رأيي خير لك من ذلك). [معاني القرآن: 1/446]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {في جنّات عدنٍ} أي خلد، يقال عدن فلان بأرض كذا وكذا
أي أقام بها وخلد بها، ومنه المعدن، ويقلل هو في معدن صدق، أي في أصل ثابت، وقال الأعشى:
وإن يستضيفوا إلى حلمه..=. يضافوا إلى راجحٍ قد عدن
أي رزين لا يستخفّ). [مجاز القرآن: 1/263-264]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعد اللّه المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنّات عدن ورضوان من اللّه أكبر ذلك هو الفوز العظيم}
{ورضوان}.
وتقرأ ورضوان ورضوان، وهما جميعا عن عاصم.
ومعنى {ورضوان من اللّه أكبر}، أي أكبر مما هم فيه من النعيم). [معاني القرآن: 2/461]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 73 إلى 92]

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جاهد الكفّار} بالسيف {والمنافقين} بالقول الغليظ). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير})
أمر بجهادهم، والمعنى جاهدهم بالقتل والحجة، فالحجة على المنافقين جهاد لهم). [معاني القرآن: 2/461]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}
قال الحسن أي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بإقامة الحدود عليهم وباللسان
وقال قتادة أي جاهد الكفار بالقتال والمنافقين بالإغلاظ في القول). [معاني القرآن: 3/232-233]

تفسير قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه...}
هذا تعيير لهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم على أهل المدينة وهم محتاجون، فأثروا من الغنائم، فقال: وما نقموا إلا الغنى فـ {أن} في موضع نصب). [معاني القرآن: 1/446]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقوله: {وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} أي ليس ينقمون شيئا ولا يعرفون من اللّه إلّا الصنع [الجميل]، وهذا كقول الشاعر:
ما نقم الناس من أميّة إلّا أنهم يحلمون إن غضبوا
وأنهم سادة الملوك فلا تصلح إلّا عليهم العرب
وهذا ليس مما ينقم. وإنما أراد أن الناس لا ينقمون عليهم شيئا.
وكقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب
أي ليس فيهم عيب). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولّوا يعذّبهم اللّه عذابا أليما في الدّنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليّ ولا نصير}
{وهمّوا بما لم ينالوا}.
قيل إنهم كانوا همّوا بقتل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وأنهم كانوا اثني عشر رجلا عزموا على أن يقفوا له بعقبة على طريقه، ويغتالوه، فأعلمه الله ذلك.
فلما بلغ إليهم أمر من نحاهم عن طريقه، وسماهم رجلا رجلا.
فهذه من أعظم آياته، لأن الأمر إنما علم في قصتهم بالوحي.
{وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}.
وإنما قيل أغناهم اللّه ورسوله، لأن أموالهم كثرت من الغنائم، فكان سبب ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {يعذّبهم اللّه عذابا أليما في الدّنيا والآخرة}.
معناه مؤلما.
وإنما قال في الدنيا لأنهم أمر بقتلهم.
ويجوز: {وما نقموا} ). [معاني القرآن: 2/461-462]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}
قال مجاهد سمعهم رجل من المسلمين وهم يقولون إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن حمير فقال لهم فنحن نقول ما جاء به حق فهل نحن حمير فهم المنافق بقتله فذلك قوله: {وهموا بما لم ينالوا} [آية: 74]
وقال غير مجاهد هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على ذلك
ثم قال جل وعز: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}
أي ليس ينقمون شيئا كما قال النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب).
[معاني القرآن: 3/233-234]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وما نقموا} أي: وما أنكروا). [ياقوتة الصراط: 244]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصّالحين}
الأصل: لنتصدقن، ولكن التاء أدغمت في الصاد لقربها منها). [معاني القرآن: 2/462]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن}
قال قتادة هذا رجل من الأنصار قال لئن رزقني الله شيئا لأؤدين فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما نص عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور
وروى علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال ثم رجع إليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال ويحك يا ثعلبة أما ترضى أن تكون مثل رسول الله والله لو سألت الله أن يسيل علي الجبال ذهبا وفضة لسالت ثم رجع فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فوالله لئن أتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت عليها أزقة المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة فتنحى بها مكانا يشهد الجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمت فتباعد بها فترك الجمع والجماعات فأنزل الله على رسوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فخرج مصدقو رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعهم وقال حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله جل وعز: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} إلى آخر الآية القصة فأخبر ثعلبة فأقبل واضعا على رأسه التراب حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبل منه ثم أتى أبا بكر فلم يقبل منه ثم أتى عمر فأبى
أن يقبل منه ثم أتى عثمان فلم يقبل منه ومات في خلافته). [معاني القرآن: 3/234-236]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) )

تفسير قوله تعالى: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}
يجوز أن يكون " فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به ".
قال: {فأعقبهم نفاقا} أي أضلهم الله بفعلهم). [معاني القرآن: 2/462]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم}
يجوز أن يكون المعنى فأعقبهم الله نفاقا
ويجوز أن يكون المعنى فأعقبهم البخل لأن قوله: {بخلوا} يدل على البخل). [معاني القرآن: 3/236]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) )

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذين يلمزون المطّوّعين...}
يراد به: المتطوعين فأدغم التاء عند الطاء فصارت طاء مشددة. وكذلك {ومن يطّوّع خيرا}، {والمطّهّرين}.
ولمزهم إياهم: تنقّصهم؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ الناس على الصدقة، فجاء عمر بصدقة؛ وعثمان بن عفّان بصدقة عظيمة، وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثم جاء رجل يقال له أبو عقيل بصاع من تمر، فقال المنافقون: ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء، وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاعه ليذكر بنفسه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات} يعني المهاجرين {والّذين لا يجدون إلاّ جهدهم}. يعني أبا عقيل. والجهد لغة أهل الحجاز والوجد، ولغة غيرهم الجهد والوجد). [معاني القرآن: 1/447]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ جهدهم} مضموم ومفتوح سواء، ومجازه: طاقتهم، ويقال: جهد المقل وجهده). [مجاز القرآن: 1/264]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الّذين يلمزون المطّوّعين} أي يعيبون المتطوعين بالصدقة.
{والّذين لا يجدون إلّا جهدهم} أي طاقتهم. والجهد الطاقة، والجهد: المشقة. يقال: فعلت ذاك بجهد. أي بمشقة.
{سخر اللّه منهم} أي جزاهم جزاء السخرية). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14- 15]، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]
فالعدوان الأول: ظلم، والثاني: جزاء، والجزاء لا يكون ظلما، وإن كان لفظه كلفظ الأول.
ومنه (قول النبي) صلّى الله عليه وسلم:
«اللهم إنّ فلانا هجاني، وهو يعلم أني لست بشاعر، اللهم والعنه عدد ما هجاني، أو مكان ما هجاني»، أي جازه جزاء الهجاء.
وكذلك قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] ). [تأويل مشكل القرآن: 277-278] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلّا جهدهم فيسخرون منهم سخر اللّه منهم ولهم عذاب أليم}
يلمزون، ويلمزون - بكسر الميم وضمها - ومعناه يعيبون وكانوا عابوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدقات أتوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
يروى أن عبد الرحمن أتى بصرة تملأ الكف، وأن رجلا كان يقال له أبو عقيل، أتى بصاع من تمر، فعابوه بذلك وقالوا: إن محمدا غنيّ عن صاع هذا وإنما أتى بهذا ليذكر بنفسه.
فهو معنى {والذين لا يجدون إلا جهدهم} " جهدهم "، بالفتح والضم.
{فيسخرون منهم}.
{فيسخرون منهم سخر اللّه منهم}.
والسخريّ من الله المجازاة على فعلهم وقد بيّنّا ذلك). [معاني القرآن: 2/462-463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات}
قال قتادة أي يعيبون المؤمنين قال وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله وكان ماله ثمانية آلاف دينار فتصدق منها بأربعة آلاف فقال قوم ما أعظم رياه
فأنزل الله جل وعز: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} وجاء رجل من الأنصار بنصف صبرة من تمر فقالوا ما أغنى الله عن هذا فأنزل الله: {والذين لا يجدون إلا جهدهم}
قرئ {جهدهم} وجهدهم بالضم والفتح
قال أبو جعفر وهما لغتان بمعنى واحد عند البصريين
وقال بعض الكوفيين الجهد المشقة والجهد الطاقة
ثم قال جل وعز: {فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم}
ومعنى سخر الله منهم جازاهم الله على سخريتهم فسمى
الثاني باسم الأول على الازدواج). [معاني القرآن: 3/236-238]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلاَّ جُهْدَهُمْ} أي إلا طاقتهم. والجَهد بالفتح: المشقة.
{سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} أي جازاهم على سخرهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعز: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللّه لهم ذلك بأنّهم كفروا باللّه ورسوله واللّه لا يهدي القوم الفاسقين}
فيروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(( أستغفر لهم أكثر من سبعين مرة فنزلت)) {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم} ). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة فنزلت: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} فترك الاستغفار لهم). [معاني القرآن: 3/238]

تفسير قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلاف رسول الله} أي بعده، قال الحارث بن خالد
عقب الربيع خلافهم فكأنما... بسط الشواطب بينهن حصيرا
الشواطب اللاتي يشطبن سحاء الجريد ثم يصبغنه ويرملن الحصر). [مجاز القرآن: 1/264]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّا لو كانوا يفقهون}
بمعنى مخالفة رسول اللّه.
وهو منصوب لأنه مفعول له، المعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول اللّه.
ويقرأ خلف رسول اللّه، ويكون ههنا أنهم تأخّروا عن الجهاد في سبيل اللّه.
{وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّا}.
وهذا وعيد في ترك الجهاد.
ويجوز لا تنفروا بضم الفاء). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله}
الخلاف المخالفة والمعنى من أجل مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقول جئتك ابتغاء العلم
ومن قرأ خلف رسول الله أراد التأخر عن الجهاد
وقوله جل وعز: {قل نار جهنم أشد حرا}
فيه معنى الوعيد والتهديد). [معاني القرآن: 3/238-239]

تفسير قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
{جزاء} مفعول له، المعنى: وليبكوا جزاء لهذا الفعل). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
قال أبو رزين يقول الله أمر الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإنهم سيبكون في النار بكاء لا ينقطع فذلك الكثير
وقال الحسن فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في جهنم جزاء بما كانوا يكسبون). [معاني القرآن: 3/239]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاقعدوا مع الخالفين...}
من الرجال، خلوف وخالفون، والنساء خوالف: اللاتي يخلفن في البيت فلا يبرحن. ويقال: عبد خالف، وصاحب خالف: إذا كان مخالفا). [معاني القرآن: 1/447]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مع الخالفين} الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله، وهو من تخلّف عن القوم.
ومنه أللهم اخلفني في ولدي، ويقال فلان خالفة أهل بيته أي مخالفهم إذا كان لا خير فيه). [مجاز القرآن: 1/265]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الخالفين}: الخالف الذي يقعد بعدك). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاقعدوا مع الخالفين} واحدهم خالف، وهو من يخلف الرجل في ماله وبيته). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاقعدوا مع الخالفين}
والخالف الذي يتخلف مع مال الرجل وفي بيته). [معاني القرآن: 3/239-240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْخَالِفِينَ}: الذين تخلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)}
يروى أنّها نزلت في عبد الله بن أبي، وكان رأس المنافقين فلما حضرته الوفاة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله أحد ثوبيه ليكفن به، فبعث إليه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بأحدهما، فأرسل المنافق إلى رسول الله أريد الذي كان يلي جلدك من ثيابك، فوجه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
فقيل له فيه: لم وجّهت إليه بقميصك يكفن فيه وهو كافر؟
فقال: إن قميصي لن يغني عنه شيئا من اللّه، وإني أؤمل من اللّه أن يدخل في الإسلام خلق كثير بهذا السبب، فيروى أنه أسلم من الخزرج ألف لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول اللّه وأراد الصلاة عليه.
فنزل الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - {ولا تصلّ على أحد منهم}.
ويروى أنّه - صلى الله عليه وسلم - صلّى عليه وإنّما مجاز الصلاة عليه أنه كان ظاهره ظاهر الإسلام، فأعلمه الله جلّ وعزّ أنه إذا علم منه النفاق فلا صلاة عليه.
{ولا تقم على قبره}.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له). [معاني القرآن: 2/463-464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}
روي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم ليصلي على عبد الله بن أبي فأخذ جبريل بردائه فقال {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على واحد منهم وقف على قبره فدعا له). [معاني القرآن: 3/240]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولو الطّول منهم} أي ذوو الغنى والسّعة). [مجاز القرآن: 1/265]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {استأذنك أولو الطّول منهم} أي ذوو الغنى والسعة). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أولو الطول} أي: أولو الغنى والمال الكثير). [ياقوتة الصراط: 244]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُوْلُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} أي القدرة والسعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يجوز أن يكون الخوالف ها هنا النساء، ولا يكادون يجمعون الرجال على تقدير فواعل، غير أنهم قد قالوا: فارس، والجميع فوارس، وهالك في قوم هوالك، قال ابن جذل الطّعان يرثى ربيعة.
ابن مكدم:
فأيقنت أنّي ثائراً بن مكدّمٍ..=. غداة إذٍ أو هالكٌ في الهوالك).
[مجاز القرآن: 1/265-266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وطبع على قلوبهم} أي ختم، ومنه قولهم: ضع عليه طابعاً، أي خاتماً). [مجاز القرآن: 1/266]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({والخوالف}: النساء). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يقال النساء. ويقال: هم خساس الناس وأدنياؤهم. يقال: فلان خالفة أهله: إذا كان دونهم). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}
الخوالف: - النساء، وقد يجوز أن يكون جمع خالفة في الرجال.
والخالف الذي هو غير منجب. ولم يأت في فاعل فواعل إلا في حرفين.
فارس وفوارس، وهالك، وهوالك). [معاني القرآن: 2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}
قال مجاهد وقتادة الخوالف النساء
وقال غيرهما الخوالف أخساء الناس وأردياؤهم ويقال فلان خالفة أهله إذا كان دونهم
قال أبو جعفر وأصله من خلف اللبن يخلف خلفة إذا حمض من طول مكثه وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه ومنه فلان خلف سوء
فأما قول قتادة فاقعدوا مع الخالفين أي مع النساء فليس بصواب لأن المؤنث لا يجمع كذا ولكن يكون المعنى مع الخالفين للفساد على ما تقدم
ويجوز أن يكون المعنى مع مرضى الرجال وأهل الزمانة). [معاني القرآن: 3/241-242]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي: مع النساء). [ياقوتة الصراط: 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَعَ الْخَوَالِفِ} أي النساء، وقيل: هم أدنياء الناس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْخَوَالِفِ}: النساء). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأولئك لهم الخيرات} وهي جميع خيرة، ومعناها الفاضلة في كل شئ، قال رجل من بني عدي جاهليّ عدي تميم:
ولقد طعنت مجامع الرّبلات... ربلات هندٍ خيرة الملكات). [مجاز القرآن: 1/267]

تفسير قوله تعالى: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) )

تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجاء المعذّرون...}
وهم الذين لهم عذر. وهو في المعنى المعتذرون، ولكن التاء أدغمت عند الذال فصارتا جميعا {ذالا} مشدّدة، كما قيل يذّكّرون ويذّكّر. وهو مثل {يخصّمون} لمن فتح الخاء، كذلك فتحت العين لأن إعراب التاء صار في العين؛ كانت - والله أعلم –
المعتذرون. وأما المعذّر على جهة المفعّل فهو الذي يعتذر بغير عذر؛ ... وحدثني أبو بكر بن عيّاش عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس، وأبو حفص الخرّاز عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قرأ: {المعذرون}، وقال: لعن الله المعذّرين؛ ذهب إلى من يعتذر بغير عذر، والمعذر: الذي قد بلغ أقصى العذر. والمعتذر قد يكون في معنى المعذر، وقد يكون لا عذر له. قال الله تبارك وتعالى في الذي لا عذر له:
{يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم}.
ثم قال: {لا تعتذروا لا عذر لكم}. وقال لبيد في معنى الاعتذار بالأعذار إذا جعلهما واحدا:

وقوما فقولا بالذي قد علمتما =ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما =ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
يريد: فقد أعذر). [معاني القرآن: 1/447-448]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجاء المعذّرون من الأعراب} أي من معذّر وليس بجادّ إنما يظهر غير ما في نفسه ويعرض ما لا يفعله). [مجاز القرآن: 1/267]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {وجاء المعذرون} خفيفة لأنها من "اعذروا" وقال بعضهم {المعذّرون} ثقيلة يريد: "المعتذرون" ولكنه ادغم التاء في الذال كما قال: {يخصّمون} وبها نقرأ. وقد يكون {المعذرون} بكسر العين لاجتماع الساكنين وإنما فتح لأنه حول فتحة التاء عليها. وقد يكون أن تضم العين تتبعها الميم وهذا مثل (المردفين) ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({المعذرون}: المعذر الذي يعذر في الطلب وليس بجاد. ويقال المعذرون المعتذرون وقد قرئت {المعذرون} والمعذر الذي قد أعذر). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( { المعذّرون} هم الذين لا يجدّون، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه، يقال: عذّرت في الأمر إذا قصّرت، وأعذرت، حذّرت.
ويقال: المعذّرون هم المعتذرون. أدغمت التاء في الذال. ومن قرأ {المعذرون}. فإنه من أعذرت في الأمر). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذاب أليم}
المعذّرون - بتشديد الذال - وتقرأ المعذرون، فمن قرأ: المعذرون.
فتأويله الذين أعذروا أي: جاءوا بعذر، ومن قرأ: المعذّرون بتشديد الذال فتأويله المعتذرون، إلا أن التاء أدغمت في الذال لقرب مخرجهما.
ومعنى المعتذرين الذين يعتذرون، كان لهم عذر أو لم يكن لهم.
وهو ههنا أشبه بأن يكون لهم عذر.
وأنشدوا:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما..=. ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
المعنى فقد جاء بعذر، ويجوز المعذّرون - بكسر العين - لأن الأصل المعتذرون، فأسكنت التاء وأدغمت في - الذال ونقلت حركتها إلى العين فصار الفتح أولى الأشياء، ومن كسر العين حرك لالتقاء السّاكنين، ويجوز المعذرون، باتباع: الضمة التي قبلها وهذان الوجهان - كسر العين وضمها - لم يقرأ بهما، وإنما يجوز في النحو، وهما جهتان يثقل اللفظ بهما، فالقراءة بهما مطروحة. ويجوز أن يكون المعذرون: الذين: يعذرون، يوهمون أنّ لهم عذار ولا عذر لهم.
وقوله: {استأذنك أولو الطّول منهم}.
قيل {أولو الطول} هم أولو الغنى، وقيل أولو الفضل في المعنى والرأي والجاه.
والطول الفضل في القدرة على هذه الأشياء). [معاني القرآن: 2/464-465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم} وقرأ ابن عباس وجاء المعذرون
قال أبو جعفر المعذرون يحتمل معنيين
أحدهما أن يكون المعنى الأصل المعتذرون ثم أدغمت التاء في الذال ويكونون الذين لهم عذر قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما = ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقد يعتذر ولا عذر
والقول الآخر أن يكون المعذرون الذين لا عذر لهم كما يقال عذر فلان
وزعم أبو العباس أن المعذر هو الذي لا عذر له
قال أبو جعفر ولا يجوز أن يكون بمعنى المعتذر لأنه إذا وقع الإشكال لم يجز الإدغام والمعذرون الذين قد بالغوا في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك
والمعذرون المعتذرون للإتباع والكسر على الأصل). [معاني القرآن: 3/242-243]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {المعذرون} قال: المعذرون المقصرون، والمعذرون: الذين لهم عذر. قال: وروي عن ابن عباس أنه قال: ' لعن الله المعذرين، ورحم الله المعتذرين '). [ياقوتة الصراط: 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{الْمُعَذِّرُونَ} هم الذين لا يجدون، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوا. وقيل: هم المعتذرون، والتاء مدغمة في الذال). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الحرج: الإثم، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61] أي إثم {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91]، أي إثم). [تأويل مشكل القرآن: 484]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حزناً ألاّ يجدوا...}
{يجدوا} في موضع نصب بأن، ولو كانت رفعا على أن يجعل {لا} في مذهب {ليس} كأنك قلت: حزنا أن ليس يجدون ما ينفقون، ومثله. قوله: {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً}. وقوله: {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ}.
وكلّ موضع صلحت {ليس} فيه في موضع {لا} فلك أن ترفع الفعل الذي بعد {لا} وتنصبه). [معاني القرآن: 1/448]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع} والعرب إذا بدأت بالأسماء قبل الفعل جعلت أفعالها على العدد فهذا المستعمل، وقد يجوز أن يكون الفعل على لفظ الواحد كأنه مقدم ومؤخر، كقولك: وتفيض أعينهم، كما قال الأعشى:
فإن تعهديني ولي لمّةٌ... فإن الحوادث أودى بها
ووجه الكلام أن يقول: أودين بها، فلما توسع للقافية جاز على النّكس، كأنه قال: فإنه أودى الحوادث بها). [مجاز القرآن: 1/267-268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع}
قال الحسن وبكر بن عبد الله نزلت في عبد الله بن
المغفل من مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله). [معاني القرآن: 3/243-244]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 93 إلى 110]

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) )

تفسير قوله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) )

تفسير قوله تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) )

تفسير قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) )

تفسير قوله تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً...}
نزلت في طائفة من أعراب أسد وغطفان وحاضري المدينة. و{أجدر} كقولك: أحرى، وأخلق.
{وأجدر ألاّ يعلموا} موضع {أن} نصب. وكل موضع دخلت فيه {أن} والكلام الذي قبلها مكتفٍ بما خفضه أو رفعه أو نصبه فـ {أن} في موضع نصب؛ كقولك: أتيتك أنّك محسن، وقمت أنك مسيء، وثبتّ عنك أنك صديق وصاحب. وقد تبين لك أن {أن} في موضع نصب؛ لأنك تضع في موضع {أن} المصدر فيكون نصبا؛ ألا ترى أنك تقول: أتيتك إحسانك، فدلّ الإحسان بنصبه على نصب أن. وكذلك والآخران.
وأما قوله: {وأجدر ألاّ يعلموا} فإن وضعك المصدر في موضع {أن} قبيح؛ لأن أخلق وأجدر يطلبن الاستقبال من الأفاعيل فكانت بـ {أن} تبين المستقبل، وإذا وضعت مكان {أن} مصدرا لم يتبّين استقباله، فذلك قبح. و{أن} في موضع نصب على كل حال؛ ألا ترى أنك تقول: أظن أنك قائم فتقضى على {أن} بالنصب، ولا يصلح أن تقول: أظن قيامك، فأظن نظير لخليق ولعسى (وجدير) وأجدر وما يتصرف منهن في {أن} ). [معاني القرآن: 1/449]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا وأجدر ألّا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله واللّه عليم حكيم}
هؤلاء أعراب كانوا حول المدينة، فكفرهم أشدّ لأنهم أقسى وأجفى من أهل المدر، وهم أيضا أبعد من سماع التنزيل وإنذار الرسول.
وقوله: {وأجدر ألّا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله}.
" أن " في موضع نصب، لأن الباء محذوفة من أن.
المعنى أجدر بترك العلم، تقول: أنت جدير أن تفعل كذا، وبأن تفعل كذا، كما تقول أنت خليق أن تفعل، أي هذا الفعل ميسّر فيك.
فإذا حذفت الباء، لم يصلح إلا بأن.
وإن أتيت بالباء صلح بأن وغيره، تقول أنت جدير أن تقوم وجدير بالقيام، فإذا قلت، أنت جدير القيام، كان خطأ، وإنما صلح مع أن لأن أن تدل على الاستقبال، فكأنّها عوض - من المحذوف). [معاني القرآن: 2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا}
قال قتادة لأنهم أبعد عن معرفة السنن
وقال غيره لأنهم أجفى وأقسى وأبعد عن سماع التنزيل
ثم قال جل وعز: {وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}
أي وأخلق بترك ما أنزل الله على رسوله). [معاني القرآن: 3/244]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويتربّص بكم الدّوائر...}
يعني: الموت والقتل.
يقول الله تبارك وتعالى: {عليهم دائرة السّوء} وفتح السين من {السوء} هو وجه الكلام، وقراءة أكثر القرّاء. وقد رفع مجاهد السين في موضعين: هاهنا وفي
سورة الفتح، فمن قال: {دائرة السّوء} فإنه أراد المصدر من سؤته سوءا ومساءة ومسائية وسوائية، فهذه مصادر. ومن رفع السين جعله اسما؛ كقولك: عليه دائرة البلاء والعذاب. ولا يجوز ضم العين في قوله: {ما كان أبوك امرأ سوء} ولا في قوله: {وظننتم ظنّ السّوء} لأنه ضدّ لقولك: هذا رجل صدق، وثوب صدق. فليس للسوء ها هنا معنى في عذاب ولا بلاء، فيضم). [معاني القرآن: 1/449-450]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن الأعراب من يتّخذ ما ينفق مغرماً ويتربّص بكم الدّوائر عليهم دائرة السّوء واللّه سميعٌ عليمٌ}
وقال: {عليهم دائرة السّوء} كما تقول: "هذا رجل السّوء" وقال الشاعر:

وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دماً = بصاحبه يوماً أحار على الدّم
وقد قرئت (دائرة السّوء) وذا ضعيف لأنك إذا قلت "كانت عليهم دائرة السوء" كان أحسن من "رجل السوء" ألا ترى أنك تقول: "كانت عليهم دائرة الهزيمة" لأنّ الرجل لا يضاف إلى السّوء كما يضاف هذا لأن هذا يفسر به الخير والشر كما نقول: "سلكت طريق الشر" و"تركت طريق الخير"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يتّخذ ما ينفق مغرماً} أي غرما وخسرانا.
{ويتربّص بكم الدّوائر} دوائر الزمان بالمكروه. ودوائر الزمان: صروفه التي تأتي مرّة بالخير ومرّة بالشر). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن الأعراب من يتّخذ ما ينفق مغرما ويتربّص بكم الدّوائر عليهم دائرة السّوء واللّه سميع عليم}
{ويتربّص بكم الدّوائر}.
أي الموت والقتل). [معاني القرآن: 2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما}
أي غرما وخسرانا
ثم قال جل وعز: {ويتربص بكم الدوائر}
الدوائر أي ما يدور به الزمان من المكروه وأصل الدوائر صروف الزمان مرة بالخير ومرة بالشر
ثم قال جل وعز: {عليهم دائرة السوء}
وتقرأ عليهم دائرة السوء
والسوء البلاء والمكروه والسوء الرداءة ويقال رجل سوء والرجل السوء). [معاني القرآن: 3/245]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وصلوات الرّسول}: دعاؤه.
[تفسير غريب القرآن: 191]
وكذلك قوله: {وصلّ عليهم} أي ادع لهم {إنّ صلاتك سكنٌ لهم} أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأننينة). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصلاة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103].
أي: ادع لهم، إنّ ذلك مما يسكّنهم وتطمئن إليه قلوبهم.
وقال: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} يعني: دعاءه.
وقال الأعشى يذكر الخمر والخمّار:

وقابلها الرِّيح فِي دَنِّهَا = وَصَلَّى عَلى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أي: دعا لها بالسلامة من الفساد والتغيّر). [تأويل مشكل القرآن: 460]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر ويتّخذ ما ينفق قربات عند اللّه وصلوات الرّسول ألا إنّها قربة لهم سيدخلهم اللّه في رحمته إنّ اللّه غفور رحيم}
{قربات عند اللّه}.
فيها ثلاثة أوجه قربات بضم الراء، وقربات بإسكانها وقربات بفتح الراء.
{وصلوات الرسول}.
وكذلك: {وصلّ عليهم}. معناه دعاء الرسول.
قال الأعشى:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا.=.. يا ربّ جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي.=.. عينا فإن لجنب الأرض مضطجعا
إن شئت قلت عليك مثل الذي، ومثل الذي، فمن قال:
" عليك مثل الذي صلّيت " فقد أمرها بالدعاء، كأنّه قال ادعي مثل الذي دعوت، ومن قال مثل فالمعنى عليك مثل هذا الدعاء.
أي ثبت عليك مثل هذا). [معاني القرآن: 2/465-466]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول}
فالصلاة ههنا الدعاء
قال الضحاك وصلوات الرسول يقول واستغفار الرسول
والصلاة تقع على ضروب
فالصلاة من الله جل وعز الرحمة والخير والبركة قال الله جل وعز: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}
والصلاة من الملائكة الدعاء
وكذلك هي من النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}
أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة كما قال الشاعر:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا = يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي = نوما فإن لجنب المرء مضطجعا).
[معاني القرآن: 3/246-247]

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار...}
إن شئت خفضت الأنصار تريد: من المهاجرين ومن الأنصار. وإن شئت رفعت {الأنصار} يتبعهم قوله: {والسابقون}، وقد قرأها الحسن البصريّ: {والذين أتبعوهم بإحسان}: من أحسن من بعدهم إلى يوم القيامة. ورفعت {السابقون والذين اتبعوهم} بما عاد من ذكرهم في قوله رضي الله عنهم). [معاني القرآن: 1/450]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رّضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}
وقال: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار} وقال بعضهم {والأنصار} رفع عطفه على قوله {والسّابقون} والوجه هو الجر لأن السابقين الأولين كانوا من الفريقين جميعا). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي اللّه عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
ويجوز والأنصار، فمن قال: " والأنصار " نسق على المهاجرين.
المعنى: والسابقون الأولون من المهاجرين ومن الأنصار، ومن قال: والأنصار نسق به على " والسّابقون " كأنه قال: " والسابقون والأنصار ".
وقوله: {والّذين اتبعوهم بإحسان}.
أي من اتبعهم إلى يوم القيامة.
{رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
تأويله: - واللّه أعلم - أن اللّه رضي أفعالهم، وأنهم رضوا ما جازاهم اللّه به). [معاني القرآن: 2/466]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}
وروي عن عمر أنه قرأ والأنصار
فمن قرأ بالخفض ذهب إلى أن المعنى ومن الأنصار
ومن قرأ بالرفع أراد الأنصار كلهم ولم يجعلهم من السابقين
قال سعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة والسابقون الذين صلوا القبلتين جميعا
وقال عطاء هم أهل بدر
وقال الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان
ثم قال جل وعز: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}
أي رضي الله أعمالهم ورضوا مجازاته عليها). [معاني القرآن: 3/247-248]

تفسير قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق...}
ومرنوا عليه مرووا عليه؛ كقولك: تمردوا.
وقوله: {سنعذّبهم مّرّتين}. فقال بالقتل وعذاب القبر). [معاني القرآن: 1/450]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مردوا على النّفاق} أي عتوا ومرّنوا عليه وهو من قولهم: تمرّد فلان، ومنه {شيطانٍ مريد} [22: 3] ). [مجاز القرآن: 1/268]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مردوا على النفاق}: المارد الخبيث). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سنعذّبهم مرّتين} بالقتل والأسر. وقال الحسن: عذاب الدنيا وعذاب القبر). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذاب عظيم}
مقدّم ومؤخر، {مردوا} متصل بقوله منافقون.
{سنعذبهم مرتين}.
أي سنعذبهم بالإنفاق وبالفعل، وقيل بالقتل وعذاب القبر.
{ثم يردون إلى عذاب عظيم}.
أي يعذبون في الآخرة). [معاني القرآن: 2/466-467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق}
في الكلام تقديم وتأخير المعنى وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أي من أهل المدينة مثلهم
ثم قال جل وعز: {لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين}
قال الحسن وقتادة عذاب الدنيا وعذاب القبر
قال قتادة ثم يردون إلى عذاب عظيم أي عذاب جهنم
وقيل سنعذبهم مرتين يعني السباء والقتل
وقال الفراء بالقتل وعذاب القبر
وقال مجاهد بالجوع والقتل). [معاني القرآن: 3/248-249]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مردوا على النفاق} أي: تطاولوا على النفاق). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} عذاب الآخرة وعذاب الدنيا. وقيل: القتل والأسر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرَدُواْ}: خبثوا، عتوا). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلطوا عملاً صالحاً...}
يقول: خرجوا إلى بدر فشهدوها. ويقال: العمل الصالح توبتهم من تخلفهم عن غزوة تبوك.
{وآخر سيّئاً}: تخلّفهم يوم تبوك {عسى اللّه} عسى من الله واجب إن شاء الله. وكان هؤلاء قد أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا ألا يفارقوا ذلك حتى تنزل توبتهم، فلمّا نزلت قالوا: يا رسول الله خذ أموالنا شكرا لتوبتنا، فقال: لا أفعل حتى ينزل بذلك عليّ قرآن. فأنزل الله عز وجل:
قوله: {خذ من أموالهم صدقةً} ). [معاني القرآن: 1/450-451]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً عسى الله أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً} فيجوز في العربية أن تكون "بآخر" كما تقول: "استوى الماء والخشبة" أي: "بالخشبة" و"خلطت الماء واللّبن" أي "بالّلبن"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا}
قال الضحاك هؤلاء قوم تخلفوا عن غزوة تبوك منهم أبو لبابة فندموا وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أعذرهم فأنزل الله جل وعز: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم}
وعسى من الله واجبة فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم فأبى أي يقبلها فأنزل الله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}
قال أبي وصل عليهم واستغفر لهم
وقيل هم الثلاثة الذين خلفوا والعمل الصالح الذي عملوه أنهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالوا لا نقرب أهلا ولا ولدا حتى ينزل الله عذرنا
{وآخر سيئا} هو تخلفهم عن غزوة تبوك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأول الصحيح). [معاني القرآن: 3/249-250]

تفسير قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {خذ من أموالهم صدقةً}.
فأخذ بعضا.
ثم قال: {تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم}: استغفر لهم، فإن استغفارك لهم تسكن إليه قلوبهم، وتطمئن بأن قد تاب الله عليهم. وقد قرئت {صلواتك}. والصلاة أكثر). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ صلواتك سكنٌ لهم} أي إن دعاءك تثبيت وسكون ورجاء، قال الأعشى:

تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلاً..=. يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي.=.. نوماً فإن لجنب المرءٍ مضطجعا
رفعته كرفع قولك: إذا قال السلام عليكم، قلت أنت: وعليك السلام وبعضهم ينصبه على الإغراء والأمر: أن تلزم هذا الذي دعت به فتردده وتدعو به). [مجاز القرآن: 1/268]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لّهم واللّه سميعٌ عليمٌ}
وقال: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} فقوله: {وتزكّيهم بها} على الابتداء وإن شئت جعلته من صفة الصدقة ثم جئت بها توكيداً. وكذلك {تطهّرهم} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصلاة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}.
أي: ادع لهم، إنّ ذلك مما يسكّنهم وتطمئن إليه قلوبهم.
وقال: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة: 99] يعني: دعاءه.
وقال الأعشى يذكر الخمر والخمّار:
وقابلها الرِّيح فِي دَنِّهَا = وَصَلَّى عَلى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أي: دعا لها بالسلامة من الفساد والتغيّر). [تأويل مشكل القرآن: 460] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم واللّه سميع عليم}
يصلح أن تكون تطهرهم بها نعتا للصدقة، كأنه قال: خذ من أموالهم صدقة مطهرة، والأجود أن يكون تطهرهم للنبي - صلى الله عليه وسلم.
المعنى خذ من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بها، ويجوز " تطهرهم " بالجزم على جواب الأمر. المعنى إن تأخذ من أموالهم تطهرهم وتزكهم.
ولا يجوز في القراءة إلا بإثبات الياء في تزكيهم، اتباعا للمصحف.
{وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم}.
أي ادع لهم.
و{سكن} أي: يسكنون بها). [معاني القرآن: 2/467]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} ادعُ لهم.
{سَكَنٌ لَهُمْ} أي تثبيت لهم وطمأنينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يقبل التّوبة عن عباده} أي من عبيده، كقولك أخذته منك وأخذته عنك). [مجاز القرآن: 1/268]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويأخذ الصّدقات} أي يقبلها. ومثله: {خذ العفو} [سورة الأعراف آية: 199] أي أقبله). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي: قبلتم عهدي، وقال تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] أي فاقبلوه.
وقال: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] أي يقبلها). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}
تأويله ويقبل الصّدقات، وكذلك ما يروى " إن الصدقة تقع في يد اللّه جلّ وعزّ تأويله أن الصّدقة يتقبلها الله جل ثناؤه ويضاعف عليها). [معاني القرآن: 2/467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}
أي ويقبلها
ومنه {خذ العفو وأمر بالعرف}
ومنه الحديث الصدقة تقع في يد الله عز وجل أي يقبلها). [معاني القرآن: 3/250-251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أي يقبلها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) )

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وآخرون مرجون لأمر اللّه...}
هم ثلاثة نفرٍ مسمّون، تخلّفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع قال: "ما عذركم"؟ قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة، فكانوا موقوفين حتى نزلت توبتهم في قوله: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار...}). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وآخرون مرجون لأمر الله} أي مؤخرون، يقال: أرجأتك، أي أخّرتك). [مجاز القرآن: 1/269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {وآخرون مرجون} لأنه من "أرجأت" وقال بعضهم {مرجون} في لغة من قال {أرجيت} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مرجؤن}: مؤخرون). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وآخرون مرجون لأمر اللّه} أي مؤخرون على أمره). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليم حكيم}
{وآخرون مرجأون لأمر اللّه}
معنى {مرجأون} مؤخرون.
يقال أرجأت الأمر، إذا أخّرته.
ويقرأ {مرجون} على أرجيت.
و {آخرون} عطف على قوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة}.
المعنى: من أهل المدينة منافقون ومنهم آخرون مرجون.
ويقال إنهم الثلاثة الذين خلّفوا
{إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم}.
{إمّا} لوقوع أحد الشيئين، واللّه عزّ وجلّ عالم بما يصير إليه أمرهم، إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون، فالمعنى لكن أمرهم عندكم على هذا في الخوف والرجاء). [معاني القرآن: 2/467-468]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآخرون مرجون لأمر الله} أي مؤخرون
يقال أرجأت الأمر وقد حكي أرجيت
ثم قال جل وعز: {إما يعذبهم وإما يتوب عليهم}
وإما لأحد أمرين ليكونوا كذا عندهم
ويقال إن المرجئين ههنا هم الثلاثة الذين خلفوا وذكرهم الله عز وجل في قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}
وقرأ عكرمة الذين خلفوا بفتح الخاء مخففا وقال أي خلفوا بعقب النبي صلى الله عليه وسلم
ومعنى خلفوا تركوا فلم تقبل توبتهم كما قرئ على بكر بن سهل عن أبي صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك وذكر الحديث وقال فيه وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له واعتذر إليه فقبل منه قال سهل بن سعد وكعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العمري
قال مجاهد هم من الأوس والخزرج). [معاني القرآن: 3/251-252]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وآخرون مرجون} أي: مؤخرون). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُرْجَؤنَ}: مؤخرون). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً...}
هم بنو عمرو بن عوف من الأنصار، بنوا مسجدهم ضرارا لمسجد قباء. ومسجد قباء أول مسجد بني على التقوى. فلمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر بإحراق مسجد الشقاق وهدمه). [معاني القرآن: 1/452]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مسجداً ضراراً} أي مضارّة.
{وإرصاداً} أي ترقّبا بالعداوة، يقال: رصدته بالمكافاة أرصده، إذا ترقبته. وأرضدت له في العداوة. وقال أبو زيد: رصدته بالخير وغيره أرصده رصدا وأنا راصده، وأرصدت له بالخير وغيره إرصادا وأنا مرصد له.
وقال ابن الأعرابي: أرصدت له بالخير والشر جميعا بالألف). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلّا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}
" الذين " في وضع رفع، المعنى ومنهم الّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا.
انتصب {ضرارا} مفعولا له.
المعنى اتخذوه للضرار والكفر والتفريق والإرصاد.
فلما حذفت اللام أفضى الفعل فنصب، ويجوز أن يكون مصدرا محمولا على المعنى؛ لأن اتخاذهم المسجد على غير التقوى معناه ضارّوا به ضرارا.
وتفسير الآية أن قوما من منافقي الأنصار أرادوا أن يفرقوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من يصلي معه من المؤمنين فاتخذوا مسجدا يقطعون به المؤمنين والنبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسجد قباء.
(وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل).
كان رجل يقال له: أبو عمرو الراهب حارب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضى إلى هرقل، وكان أحد المنافقين، فقالوا نبني هذا المسجد وننتظر أبا عامر حتى يجيء، فيصلي فيه، فالإرصاد، الانتظار.
واتخذوا هذا المسجد مضارة وكفرا، لأن عناد النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر وأطلع اللّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - على طويتهم، وعلى أنهم سيحلفون كاذبين، فقال جلّ وعزّ:
{وليحلفنّ إن أردنا إلّا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}.
وكانوا دعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلّي فيه فأنزل اللّه جل ثناؤه: {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108)} ). [معاني القرآن: 2/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا}
أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا أي مضارة
ثم قال تعالى: {وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل}
قال مجاهد هو أبو عامر خرج إلى الشام يستنجد قيصر على قتال المسلمين وكانوا يرصدون له
وقال أبو زيد يقال رصدته في الخير وأرصدت له في الشر
وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقيت). [معاني القرآن: 3/252-253]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وإرصادا} أي: إعدادا). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَإِرْصَاداً} أي ترقباً بالعداوة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تقم فيه أبداً...}
يعني مسجد بني عمرو. ثم انقطع الكلام فقال: {لّمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه}. ثم قال: {فيه رجال} الأولى صلة لقوله: {تقوم} والثانية رفعت الرجال). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أسّس...}
و(أسّس) ويجوز أساس، وآساس. ويخيّل إليّ أني قد سمعتها في القراءة). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لا تقم فيه أبداً لّمسجدٌ أسّس على التّقوى من أول يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}
وقال: {أسّس على التّقوى من أول يومٍ أحقّ} يريد: "منذ أول يومٍ" لأن من العرب من يقول "لم أره من يوم كذا" يريد "منذ أول يوم" يريد به "من أول الأيّام" كقولك "لقيت كلّ رجلٍ" تريد به "كلّ الرجّال"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}
ثم بين الله عزّ وجلّ: أي المسجدين أحق بالقيام فيه فقال:
{لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم}.
يعني به مسجد قباء.
{أحقّ أن تقوم فيه}.
{أن} في موضع نصب، المعنى: لمسجد أسس على التقوى أحقّ بأن نقوم فيه.
{فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا}.
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بباب المسجد فقال: ((إن الله أحسن عليكم الثناء في طهوركم فبم تطهرون؟
فقالوا نغسل إثر الغائط بالماء)).
وهؤلاء قوم من الأنصار). [معاني القرآن: 2/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}
يروى أنهم دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فيه كما صلى في مسجد قباء
قال سهل بن سعيد وأبو سعيد الخدري اختلف رجلان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر هو مسجد قباء فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو مسجدي هذا
وفي حديث أبي سعيد وذلك خير كثير
ثم قال جل وعز: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن طهورهم فقالوا إنا نستنجي بالماء فقال أحسنتم
والهاء في قوله: {أحق أن تقوم فيه} يعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
والهاء في قوله: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} يعود على مسجد قباء ويجوز أن تكون تعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 3/253-255]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على شفا جرف هارٍ} مجاز شفا جرف شفير، والجرف ما لم يبن من الرّكايا لها جول، قال:
جرفٌ هيامٌ جوله يتهدّم
وهار مجاره هائر، والعرب تنزع هذه الياء من فاعل، قال العجاج:
لاثٍ به الأشاء والعبريّ
أي لائث. ويقال: كيدٌ خاب أي خائب، لات: بعضه فوق بعض كما تلوث العمامة؛ مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساساً من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف، وهو ما يجرف من سيول الأودية فلا يثبت البناء عليه). [مجاز القرآن: 1/269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خيرٌ أم مّن أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
وقال: {هارٍ فانهار به} فذكروا أنه من "يهور" وهو مقلوب وأصله "هائرٌ" ولكن قلب مثل ما قلب "شاك السّلاح" [و] إنما هو "شائك"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({على شفا جرف}: الشفا شفير. {الجرف} بقيته ويقال
سرنا بشفا قمير: بقيته. ويثنى شفوان. والجرف ما تجرف من السيول والأودية.
{هار}: هائر، وهو ما انهار). [غريب القرآن وتفسيره: 166-167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {على شفا جرفٍ هارٍ} أي على حرف جرف هائر.
والجرف: ما ينجرف بالسيول من الأودية. والهائر: الساقط، ومنه يقال:
تهوّر البناء: إذا سقط وانهار). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير أم من أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
ويجوز " أفمن أسّس بنيانه "، ويجوز " أفمن أساس بنيانه " ويجوز " أفمن أسس بنيانه ".
فأمّا {أسّس بنيانه}، و {أسّس بنيانه}، فقراءتان جيدتان، والذي ذكر غير هاتين جائز في العربية، غير جائز في القراءة، إلا أن تثبت به رواية.
المعنى أن من أسس بنيانه على التقوى خير ممن أسّس بنيانه على الكفر فقال: {على شفا جرف هار}.
وشفا الشيء حرفه وحدّه، والشفا مقصور يكتب الألف ويثنى شفوين.
ومعنى (هار) هائر وهذا من المقلوب، كما قالوا في لاث الشيء إذا دار فهو لاث والأصل لائث وكما قالوا شاك السلاح وشائك.
قال الشاعر:
فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم..=. شاك سلاحي في الحوادث معلم
وكما قال العجاج:
لاث به الأشاء والعبريّ
الأشاء النخل، والعبريّ السدر الذي على شاطئ الأنهار ومعنى لاث به مطيف به.
{فانهار به في نار جهنّم}.
وهذا مثل، المعنى أن بناء هذا المسجد الذي بني ضرارا وكفرا كبناء
على جرف جهنم يتهور بأهله فيها). [معاني القرآن: 2/469-470]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم}
والشفا الحرف والحد
والجرف ما جرفه السيل
والهاري المتهدم الساقط). [معاني القرآن: 3/255]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شَفَا}: حد
{جُرُفٍ}: ما تجرف من السيل
{هَارٍ}: سائل). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يزال بنيانهم...}
يعني مسجد النفاق {ريبةً} يقال: شكّا {إلا أن تقطّع} و{تقطّع} معناه: إلا أن يموتوا. وقرأ الحسن {إلى أن تقطّع} بمنزلة حتّى، أي حتى تقطّع. وهي في قراءة عبد الله {ولو قطّعت قلوبهم} حجة لمن قال {إلا أن تقطع} بضم التاء). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلا أن تقطّع قلوبهم} إلا ها هنا غاية). [مجاز القرآن: 1/270]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع} و{تقطّع} في قول بعضهم وكل حسن). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبة في قلوبهم إلّا أن تقطّع قلوبهم واللّه عليم حكيم}
قال بعضهم لا يزال كفرا، وقال بعضهم لا يزال شكا.
والريبة من الريب، والريب الشّكّ.
فأعلم اللّه جلّ وعز أن بناءهم لا يزالون شاكين فيه، وجائز أن يكون اللّه جل ثناؤه جعل عقوبتهم أن ألزمهم الضلال بركوبهم هذا الأمر الغليظ.
{إلّا أن تقطّع قلوبهم}.
ويجوز: " إلا أن يقطع قلوبهم " معناه إلا أن يموتوا.
وقال بعضهم: إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم). [معاني القرآن: 2/470-471]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم}
قال قتادة أي شكا كأنهم عوقبوا بهذا
وقال السدي أي حزازة
ثم قال جل وعز: {إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم}
قال عطاء ومجاهد وقتادة {إلا أن تقطع قلوبهم} إلا أن يموتوا
وقال غيرهم أي إلا أن يتوبوا توبة يندمون فيها على ما فعلوا حتى يكونوا بمنزلة من قد قطع قلبه
وقرأ عكرمة إلى أن على الغاية). [معاني القرآن: 3/256-257]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 111 إلى آخر السورة]

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فيقتلون ويقتلون...}
قراءة أصحاب عبد الله يقدّمون المفعول به قبل الفاعل. وقراءة العوام: {فيقتلون ويقتلون}.
وقوله: {وعداً عليه حقّاً} خارج من قوله: {بأنّ لهم الّجنّة} وهو كقولك: عليّ ألف درهم عدّةً صحيحةً، ويجوز الرفع لو قيل). [معاني القرآن: 1/453]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}
يروى: أنه تاجرهم فأغلى لهم الثمن.
وهذا كما قال: {أولئك الّذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم}.
{يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقّا}.
بالمعنى لأن معنى قوله: {بأنّ لهم الجنّة}، وعدهم الجنة وعدا عليه حقّا.
ولو كانت في غير القرآن جاز الرفع على معنى ذلك وعد عليه حق.
وقوله:{في التّوراة والإنجيل والقرآن}.
يدل أن أهل كل ملّة أمروا بالقتال وأوعدوا عليه الجنة). [معاني القرآن: 2/471]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}
هذا تمثيل كما قال جل وعز: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} ). [معاني القرآن: 3/257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} قال ابن الأعرابي:
يقال: ليس في الكرام أكرم ممن يشتري من عبده ما وهبه له، والله - عز وجل - أكرم الأكرمين، اشترى من عبيده أنفسهم، وأنفسهم ملكه دونهم واشترى منهم أموالهم، وهي منه نعم عليهم، فهذه صفة من الكرم لا يقدر عليها أحد غيره - جل وعز). [ياقوتة الصراط:247- 248]

تفسير قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {التّائبون العابدون...}
استؤنفت بالرفع لتمام الآية قبلها وانقطاع الكلام، فحسن الاستئناف. وهي في قراءة عبد الله "التائبين العابدين" في موضع خفض؛ لأنه نعت للمؤمنين: اشترى من المؤمنين التائبين. ويجوز أن يكون {التائبين} في موضع نصب على المدح؛ كما قال:


لا يبعدن قومي الذين هم =سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيّبين معاقد الأزر).
[معاني القرآن: 1/453]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين}
وقال: {التّائبون العابدون..} إلى رأس الآية ثم فسر {وبشّر المؤمنين} لأن قوله - والله أعلم - {التائبون} إنما هو تفسير لقوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم} ثم فسر فقال "هم التّائبون"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({السائحون}: في التفسير الصائمون). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {السّائحون}: الصائمون. وأصل السائح: الذاهب في الأرض. ومنه يقال: ماء سائح وسيح: إذا جرى وذهب. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات. فشبه الصائم به. لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين}
يصلح أن يكون رفعه على وجوه:
أحدها المدح كأنه قال هؤلاء التائبون، أو هم التائبون.
ويجوز أن يكون على البدل.
المعنى يقاتل التائبون، وهذا مذهب أهل اللغة.
قال أبو إسحاق: والذي عندي واللّه أعلم أن قوله: التائبون العابدون رفع بالابتداء، وخبره مضمر، المعنى التائبون العابدون إلى آخر الآية لهم الجنة أيضا، أي من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد، لأن بعض
المسلمين يجزى عن بعض في الجهاد. فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا.
التائبون الذين تابوا من الكفر، والعابدون: الذين عبدوا اللّه وحده.
والراكعون الساجدون الذين أدّوا ما افترض الله عليهم في الركوع والسّجود.
{الآمرون بالمعروف}.
الآمرون بالإيمان باللّه.
{والنّاهون عن المنكر} عن الكفر باللّه.
ويجوز الآمرون بجميع المعروف، الناهون عن جميع المنكر.
{والحافظون لحدود اللّه}.
القائمون بما أمر اللّه به.
وقوله: {السّائحون}.
في قول أهل اللغة والتفسير جميعا: الصائمون.
ومذهب الحسن أنهم الذين يصومون الفرض.
وقد قيل: إنهم الذين يديمون الصيام.
وقول الحسن في هذا أبين.
وكذلك {الراكعون الساجدون} عند الحسن هم الذين يؤدّون ما افترض عليهم في ركوعهم وسجودهم). [معاني القرآن: 2/471-472]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {التائبون العابدون الحامدون السائحون}
قال الحسن أي التائبون من الشرك العابدون الله وحده السائحون
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الصائمون وقد صح عن ابن مسعود
قال أبو جعفر وأصل السيح الذهاب على وجه الأرض ومنه قيل ماء سيح ومنه سمي سيحان
وقيل للصائم سايح لأنه تارك للمطعم والمشرب والنكاح فهو بمنزلة السايح
ثم قال جل وعز: {الراكعون الساجدون}
أي المؤدون الفرائض
ثم قال جل وعز: {الآمرون بالمعروف} أي بالإيمان بالله جل وعز
ثم قال: {والناهون عن المنكر} أي عن الكفر
ويجوز أن يكون المعنى الآمرون بكل معروف والناهون عن كل منكر
والحافظون لحدود الله أي العاملون بأمر الله جل وعز ونهيه). [معاني القرآن: 3/257-259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّائِحُونَ} الصائمون. وأصله الذهاب في الأرض، فشبه الصائم به لامتناع كل واحد منهما من الطعام، والشراب، واللذات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّائِحُونَ}: الصائمون). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
ثم قال: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} يقول "وما كان لهم استغفارٌ للمشركين" وقال: {وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه}. أي ما كان لها الإيمان إلا بإذن الله). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على عمّه أبي طالب الإسلام عند وفاته، وذكر له وجوب حقّه عليه، فأبى أبو طالب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لأستغفرن لك حتى أنهى عن ذلك.
ويروى أنّه استغفر لأمّه، ويروى إنّه استغفر لأبيه، وأنّ
المؤمنين ذكروا محاسن آبائهم في الجاهلية وسألوا أن يستغفروا لآبائهم لما كان من محاسن كانت لهم، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك لا يجوز فقال:
{ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}.
وقوله: {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
أي من بعد ما تبين لهم أنهم ماتوا كافرين.
ثم أعلم جلّ وعزّ كيف كان استغفار إبراهيم لأبيه فقال:
{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم} ). [معاني القرآن: 2/472-473]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}
وروى أبو الخليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مررت برجل من المسلمين يستغفر لأبيه وقد مات مشركا قال فنهيته فقال قد استغفر إبراهيم لأبيه فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعده إياه} إلى آخر الآيتين
وفي بعض الروايات فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآيتين
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا طالب حين حضرته الوفاة وكان أبو جهل وعبد الله بن أمية عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} وأنزل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء}
قال ابن مسعود ناجى النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وبكى وقال إني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي ونزل {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}
وقيل معنى {إلا عن موعدة وعدها إياه} إن أباه وعده
أن يسلم فاستغفر له
{فلما تبين له أنه عدو لله} بإقامته الكفر {تبرأ منه}
وقال عبد الله بن عباس لما تبين له أنه عدو لله بأن مات وهو كافر تبرأ منه). [معاني القرآن: 3/259-261]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} مجازه مجاز فعّال من التأوه، ومعناه متضرع شفقاً وفرقاً ولزوماً لطاعة ربه، وقال المثقّب العبديّ:
إذا ما قمت أرحلها بليلٍ..=. تأوّه آهة الرجل الحزين).
[مجاز القرآن: 1/270]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن مّوعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}
وقال: {إلاّ عن مّوعدةٍ وعدها إيّاه} يريد "إلاّ من بعد موعدةٍ" كما تقول: "ما كان هذا الشرّ إلاّ عن قولٍ كان بينكما" أي: عن ذلك صار). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لأواه}: قال المتأوه من الخوف ويروى لدعاء ويقال الرحيم ويقال الموقن). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الأوّاه} المتأوّه حزنا وخوفا. قال المثقّب العبدي وذكر ناقته:
إذا قمت أرحلها بليل تأوّه آهة الرّجل الحزين). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم}
فيروى أنه كان وعده أن يستغفر له أيام حياته، ويروى أن أبا إبراهيم كان وعد إبراهيم أن يسلم إن استغفر له، فلما تبين له إقامته على الكفر تبرّأ منه.
وقال اللّه تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والّذين معه}
إلى قوله: {إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك}.
أي تأسّوا بإبراهيم في هذا القول.
وقوله: {إنّ إبراهيم لأوّاه حليم}.
يروى أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأوّاه، فقال: الأوّاه الدّعّاء، والأوّاه في أكثر الرواية الدّعّاء
ويروى أن الأوّاه الفقيه، ويروى أن الأوّاه المؤمن بلغة الحبشة.
ويروى أن الأوّاه الرحيم الرفيق.
قال أبو عبيدة: {الأوّاه} المتأوّه شفقا وفرقا المتضرع يقينا، يريد أن يكون
تضرعه على يقين بالإجابة ولزوما للطاعة.
وقد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روي في الأوّاه وأنشد أبو عبيدة:
إذا ما قمت أرحلها بليل..=. تأوّه آهة الرجل الحزين).
[معاني القرآن: 2/4734-474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {إن إبراهيم لأواه حليم}
روى أبو ظبيان عن ابن عباس أنه قال الأواه الموقن
وروي عن عبد الله بن مسعود قولان أصحهما إسنادا ما رواه حماد عن عاصم عن زر عن ابن مسعود أنه قال هو الدعاء والآخر أنه الرحيم
وروي عن مجاهد أنه الفقيه
وقال كعب إذا ذكر النار تأوه
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن هذه كلها من صفات إبراهيم إلا أن أحسنها في اللغة الدعاء لأن التأوه إنما هو صوت قال المثقب:
إذا ما قمت أرحلها بليل = تأوه آهة الرجل الحزين
وقول كعب أيضا حسن أي كان يتأوه إذا ذكر النار
وقال سعيد بن جبير المسبح وقيل الذي يتأوه من الذنوب فلا يعجل إلى معصية فلم يستغفر لأبيه إلا لوعده لأن الاستغفار للكافر ترك الرضا لأفعل الله عز وجل وأحكامه). [معاني القرآن: 3/261-262]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (أواه أي: تواب. {حليم} أي: وقور). [ياقوتة الصراط: 248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): {الأواه} المتأوه حزنا وخوفا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لأوَّاهٌ}: متأوه، الدعاء). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم...}
سأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم عمّن مات من المسلمين وهو يصلّى إلى القبلة الأولى، ويستحلّ الخمر قبل تحريمها، فقالوا: يا رسول الله أمات إخواننا ضلاّلا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم مّا يتّقون} يقول: ليسوا بضلال ولم يصرفوا عن القبلة الأولى، ولم ينزل عليهم تحريم الخمر). [معاني القرآن: 1/453]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان اللّه ليضلّ قوما بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون إنّ اللّه بكلّ شيء عليم}
يروى أنه لما نزل تحريم الخمر ووقعت الحدود قال المسلمون فيمن مات قبل ذلك ولم يدرك التحريم اسألوا عن حالهم، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أنه لا يؤاخذهم بما حرم مما لم يحرم عليهم.
وجائز أن يكون: إذا وفق اللّه للهداية فلا إضلال بعدها، لأن من يهد اللّه فلا مضلّ له). [معاني القرآن: 2/474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله أي يحتج عليهم بأمره كما قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها
ففسقوا فيها}
وقال مجاهد يبين لهم أمر إبراهيم ألا يستغفروا للمشركين خاصة ويبين لهم الطاعة والمعصية عامة
وروي أنه لما نزل تحريم الخمر وشدد فيها سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يشربها فأنزل الله عز وجل: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}
وقوله جل وعز: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} [آية: 179] قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب خرجوا في غزوة تبوك في حر شديد وكان الرجلان والثلاثة على البعير الواحد فعطشوا يوما عطشا شديدا فأقبلوا ينحرون الإبل ويشقون أكراشها ويشربون ما فيها). [معاني القرآن: 3/262-263]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) )

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار...}
وقوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا...}
وهم كعب بن مالك، وبلال بن أميّة، ومرارة). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {من بعد ما كاد يزيغ...}
و{كاد تزيغ}. [من] قال: {كاد يزيغ} جعل في {كاد يزيغ} اسما مثل الذي في قوله: {عسى أن يكونوا خيرا منهم} وجعل {يزيغ} به ارتفعت القلوب مذكّرا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {لن ينال الله لحومها} و{لا يحل لك النساء من بعد} ومن قال {تزيغ} جعل فعل القلوب مؤنّثا؛ كما قال: {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا} وهو وجه الكلام، ولم يقل {يطمئن} وكل فعل كان لجماع مذكر أو مؤنث فإن شئت أنّثت فعله إذا قدمته، وإن شئت ذكّرته). [معاني القرآن: 1/454]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تزيغ قلوب فريقٍ منهم} أي تعدل وتجور وتحيد، فريق: بعض. {رؤوفٌ} فعول من الرأفة وهي أرق الرحمة، قال كعب بن مالك الأنصاري:
نطيع نبيّنا ونطيع ربّاً..=. هو الرحمن كان بنا رءوفا
وقال:
ترى للمسلمين عليك حقاً.=.. كفعل الوالد الرؤف الرحيم
{رحبت} أي اتسعت، والرحيب الواسع). [مجاز القرآن: 1/270-271]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريقٍ مّنهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رءوفٌ رّحيمٌ}
وقال: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب} وقال بعضهم {تزيغ} جعل في {كاد} و {كادت} اسما مضمرا ورفع القلوب على {تزيغ} وإن شئت رفعتها على {كاد} وجعلت {تزيغ} حالا وإن شئت جعلته مشبها بـ"كان" فأضمرت في {كاد} اسما وجعلت {تزيغ قلوب} في موضع الخبر). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يزيغ قلوب}: يعدل). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يزيغ قلوب فريقٍ منهم} أي: بما اتسعت.
يريد: ضاقت: تعدل وتميل عليهم مع سعتها). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رءوف رحيم}
معناها في وقت العسرة، لأن السّاعة تقع على كل زمان، وكان في ذلك الوقت حر شديد، وكان القوم في ضيقة شديدة، وكان الجمل بين جماعة يعتقبون عليه، وكانوا من الشدة والفقر ربما اقتسم الثمرة اثنان وربما مصّ الثمرة الجماعة ليشربوا عليها الماء، وربما نحروا الإبل فشربوا من ماء كرّوشها من الحر.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنّه قد تاب عليهم من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، أي من بعد ما كادوا يقفلون من غزوتهم للشدة، ليس أنّه يزيغ عن الإيمان، إنما هو أن كادوا يرجعون فتاب الله عليهم بأن أقفلهم من غزوتهم). [معاني القرآن: 2/474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم}
تزيغ تميل وليس ميلا عن الإسلام وإنما هموا بالقفول فتاب الله عليهم وأمرهم به). [معاني القرآن: 3/264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَزِيغُ}: تميل). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار...}
وقوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا...}
وهم كعب بن مالك، وبلال بن أميّة، ومرارة). [معاني القرآن: 1/451] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لاّ ملجأ من اللّه إلاّ إليه ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}
وقال: {وظنّوا أن لاّ ملجأ} وهي هكذا إذا وقفت عليها ولا تقول {ملجأ} لأنه ليس ههنا نون. ألا ترى أنك لو وقفت على "لا خوف" لم تلحق ألفا. وأمّا "لو يجدون ملجأا" فالوقف عليه بالألف لأن النصب فيه منون). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({بما رحبت}: اتسعت). [غريب القرآن وتفسيره: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} أي بما اتسعت. يريد: ضاقت عليهم مع سعتها.
{وظنّوا أن لا ملجأ من اللّه إلّا إليه} أي استيقنوا أن لا ينجيهم من اللّه ومن عذابه غيره شيء). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقول عز وجل: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت}
كان أبو مالك يقول خلفوا عن التوبة
وحكي عن محمد بن يزيد معنى خلفوا تركوا لأن معنى خلفت فلانا فارقته قاعدا عما نهضت فيه
وقرأ عكرمة بن خالد خلفوا أي أقاموا بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروي عن جعفر بن محمد أنه قرأ خالفوا
ومعنى رحبت وسعت
ومعنى وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وأيقنوا
وقوله جل وعز: {ثم تاب عليم ليتوبوا}
فيه جوابان
أحدهما أن المعنى ثم تاب عليهم ليثبتوا على التوبة كما
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا}
والآخر أنه فسح لهم ولم يعجل عقابهم كما فعل بغيرهم قال جل وعز: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} ). [معاني القرآن: 3/264-266]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وظنوا}: تيقنوا – هاهنا). [ياقوتة الصراط: 249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِمَا رَحُبَتْ} أي اتسعت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَحُبَتْ}: اتسعت). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين}
على نسق الكلام يدل على أنهم أمروا بأن يكونوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشده والرخاء.
ويجوز - واللّه أعلم - على هذا قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}.
وقد رويت عن بعضهم " من الصادقين " والمعنى واحد، ويجوز أن يكون ممن يصدق ولا يكذب في قول ولا فعل). [معاني القرآن: 2/475]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}
قيل مع الصادقين الذين يصدقون في قولهم وعملهم
وقيل الذين يصدقون في إيمانهم ويوفون بما عاهدوا عليه كما قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ). [معاني القرآن: 3/266]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يطأون موطئاً...}
يريد بالموطئ الأرض {ولا يقطعون واديا} في ذهابهم ومجيئهم إلا كتب لهم). [معاني القرآن: 1/454]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (مخمصةٌ) المخمصة: المجاعة). [مجاز القرآن: 1/271]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ولا مخمصة}: ولا شدة). [غريب القرآن وتفسيره: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (و{المخمصة}: المجاعة. وهو الخمص). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل اللّه ولا يطئون موطئا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوّ نيلا إلّا كتب لهم به عمل صالح إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين}
الظمأ العطش، والنصب: التعب.
{ولا مخمصة} المخمصة: المجاعة، فأعلم اللّه أنه يجازيهم على جميع ذلك، وأنّه يكتب لهم عملا صالحا). [معاني القرآن: 2/475]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله}
وقد قال بعد هذا: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين}
قال قتادة أمروا ألا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج
بنفسه فإذا وجه سرية تخلف بعضهم ليسمعوا الوحي والأمر والنهي فيخبروا به من كان غائبا
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وما كان المؤمنون لينفروا كافة إنها ليست في الجهاد ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم فكانت القبيلة تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد وأجهدوهم فأنزل الله عز وجل يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله سبحانه: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
وبهذا الإسناد قال يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده والتأويلان متقاربان والمعنى إنهم لا ينفرون كلهم ويدعون حفظ أمصارهم وعمرانها ومنع الأعداء
منها وعليهم حفظ نبيهم كما خفف عليهم حفظ أمصارهم من الأعداء
ثم قال جل وعز: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله}
ظمأ أي عطش ولا نصب وهو أشد التعب
قال قتادة والمخمصة المجاعة). [معاني القرآن: 3/268]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَخْمَصَةٌ}: مجاعة). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) )

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً...}
لمّا عيّر المسلمون بتخلفهم عن غزوة تبوك جعل النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السريّة فينفرون جميعا، ليبقى النبي صلى الله عليه وسلم وحده، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كآفّةً} يعني: جميعا ويتركوك وحدك.
ثم قال: {فلولا نفر} معناه: فهلاّ نفر {من كلّ فرقةٍ مّنهم طائفةٌ} ليتفقّه الباقون الذين تخلّفوا، ويحفظوا قومهم ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن.
{ولينذروا قومهم} يقول: ليفقهوهم. وقد قيل فيها: إن أعراب أسد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فغلت الأسعار وملئوا الطرق بالعذرات، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فلولا نفر} يقول: فهلاّ نفر منهم طائفة ثم رجعوا إلى قومهم فأخبروهم بما تعلّموا). [معاني القرآن: 1/454-455]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم} مجازه: فهلا، وقد فرغنا منها في غير موضع). [مجاز القرآن: 1/271]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لينفروا كافّةً} أي جميعا.
{فلولا نفر من كلّ فرقةٍ} أي هلّا نفر! ). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لولا ولوما
لولا تكون في بعض الأحوال بمعنى: هلّا وذلك إذا رأيتها بغير جواب، تقول: لولا فعلت كذا تريد هلّا، فعلت كذا، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} [هود: 116]، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43]، {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة: 86]، أي فهلا. وقال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ} [يونس: 98].
وقال الشاعر:

تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ = بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلا الكَمِيَّ المقنَّعَا
أي: فهّلا تعدُّونَ الكميَّ.
وكذلك {لوما}، قال: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} [الحجر: 7] أي هلّا تأتينا). [تأويل مشكل القرآن: 540-541]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون }
هذا لفظ خبر فيه معنى أمر كما كان {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} والمعنى أنهم كانوا إذا كانت سرية نفروا فيها بأجمعهم.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أنّه ينبغي أن ينفر بعضهم ويبقى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض لئلا يبقى وحده.
ولئلا يخلو من خرج منهم من فائدة منه، فقال جلّ وعزّ:
{فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين}.
المعنى أنهم إذا بقيت منهم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقية فسمعوا منه وحيا أعلموا الذين نفروا ما علموا فاستووا في العلم، ولم يخلوا منه.
وجائز - واللّه أعلم - أن يكون هذا دليلا على فرض الجهاد يجزى الجماعة فيه عن الجماعة). [معاني القرآن: 2/475]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يلونكم مّن الكفّار...}
يريد: الأقرب فالأقرب). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم مّن الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
وقال: {وليجدوا فيكم غلظةً} وبها نقرأ وقال بعضهم {غلظة} وهما لغتان). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
{غلظة} فيها ثلاث لغات غلظة، وغلظة، وغلظة.
فهذا دليل أنه ينبغي أن يقاتل أهل كلّ ثغر الذين يلونهم وقيل إن هذا يعنى به العرب، وقيل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ربّما تخطى في حربه الذين يلونه من الأعداء ليكون ذلك أهيب له فأمر بقتال من يليه ليستنّ بذلك.
وقوله: {واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}.
أي اللّه آمر من نَصَرهُ بالحرب.
وقوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا}.
المعنى: وتاب على الثلاثة الذين خلّفوا، ويقال إنهم هم المرجون لأمر الله). [معاني القرآن: 2/476]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم مّن يقول...}
يعني: المنافقين يقول بعضهم لبعض: هل زادتكم هذه إيمانا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا...وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم} والمرض ها هنا النفاق). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم مّن يقول أيّكم زادته هذه إيماناً فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون}
وقال: {أيّكم زادته هذه إيماناً} فـ"أيّ" مرفوع بالابتداء لسقوط الفعل على الهاء فإن قلت: "ألا تضمر في أوله فعلا" كما قال: {أبشراً مّنّا واحداً} فلأن قبل "بشر" حرف استفهام وهو أولى بالفعل و(أيّ) استغنى به عن حرف الاستفهام فلم يقع قبله شيء هو أولى بالفعل فصارت مثل قولك "زيدٌ ضربته". ومن نصب "زيداً ضربته" في الخبر نصب "أيّ" ههنا). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون}
وأضاف الإيمان إلى السّورة لأنه يزيد بسببها). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا}
أي فمن المنافقين من يقول أيكم زادته هذه إيمانا لأنه إذا آمن بها فقد ازداد إيمانه). [معاني القرآن: 3/268]

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فزادتهم رجساً إلى رجسهم} أي كفرا إلى كفرهم). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرجس: النّتن، ثم قد يسمّى الكفر والنفاق: رجسا، لأنّه نتن. قال الله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125]، أي: كفرا إلى كفرهم، أو نفاقا إلى نفاقهم.
وقال الله تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: 100] ). [تأويل مشكل القرآن: 471]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}
أي شكّ ونفاق.
{فزادتهم رجسا إلى رجسهم}.
أي زادتهم كفرا إلى كفرهم، لأنهم كلما كفروا بسورة ازداد كفرهم). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وأما الذين في قلوبهم مرض}
أي شك فزادتهم رجسا إلى رجسهم أي كفرا إلى كفرهم). [معاني القرآن: 3/268]

تفسير قوله تعالى: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أولا يرون...}
{ويّروا} بالتاء. في قراءة عبد الله "أو لا ترى أنهم" العرب تقول: ألا ترى للقوم وللواحد كالتعجب، وكما قيل "ذلك أزكى لهم، وذلكم" وكذلك {ألا ترى} و{ألا ترون} ). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {يفتنون في كلّ عامٍ مرّةً أو مرّتين} وهو من الفتنة في الدين والكفر). [مجاز القرآن: 1/271]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولا يرون أنّهم يفتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذّكّرون}
معناه يختبرون في كل عام، وقيل يختبرون بالدعاء إلى الجهاد.
وقيل يختبرون أنه ينزل عليهم العذاب والمكروه). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين}
قال الحسن أي يبتلون بالغزو في كل سنة مرة أو مرتين
قال مجاهد أي يبتلون بالسنة والجدب). [معاني القرآن: 3/268-269]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورةٌ...}
فيها ذكرههم وعيبهم قال بعضهم لبعض {هل يراكم مّن أحدٍ} أن قمتم، فإن لهم القيام قاموا.
فذلك قوله: {ثمّ انصرفوا صرف اللّه قلوبهم} دعاء عليهم). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا ما أنزلت سورةٌ نّظر بعضهم إلى بعضٍ هل يراكم مّن أحدٍ ثمّ انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنّهم قومٌ لاّ يفقهون}
وقال: {نّظر بعضهم إلى بعضٍ هل يراكم مّن أحدٍ} كأنه قال "قال بعضهم لبعضٍ" لأن نظرهم في هذا المكان كان إيماء أو شبيها به والله أعلم). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثمّ انصرفوا صرف اللّه قلوبهم بأنّهم قوم لا يفقهون}
يقولون ذلك إيماء لأنهم منافقون لا يظهرون ذلك.
{هل يراكم من أحد}.
يقولون ذلك استسرارا وتحذرا من أن يعلم بهم اللّه - عزّ وجلّ - وهو أعلم.
{ثمّ انصرفوا}.
أي يفعلون ذلك وينصرفون، فجائز أن يكون ينصرفون عن المكان الذي استحقوا فيه، وجائز أن يكون ينصرفون عن العمل بشيء مما يستمعون.
{صرف اللّه قلوبهم}.
أي أضلهم الله مجازاة على فعلهم). [معاني القرآن: 2/476-477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد}
لأنهم منافقون فكان بعضهم يومئ إلى بعض فيقول أيكم زادته هذه إيمانا ثم انصرفوا
يجوز أن يكون المعنى ثم انصرفوا من موضعهم
ويجوز أن يكون المعنى ثم انصرفوا عن الإيمان
ثم قال جل وعز: {صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}
قال الزجاج أي أضلهم مجازاة على فعلهم). [معاني القرآن: 3/269-270]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لقد جاءكم رسولٌ مّن أنفسكم...}
يقول: لم يبق بطن من العرب إلاّ وقد ولدوه. فذلك قوله: {مّن أنفسكم}.
وقوله: {عزيزٌ عليه ما عنتّم} {ما} في موضع رفع؛ معناه: عزيز عليه عنتكم. ولو كان نصبا: عزيزا عليه ما عنتم حريصا رءوفا رحيما، كان صوابا، على قوله لقد جاءكم كذلك. والحرص الشحيح أن يدخلوا النار). [معاني القرآن: 1/456]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لقد جاءكم رسولٌ مّن أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رّحيمٌ}
وقال: {عزيزٌ عليه ما عنتّم} جعل {ما} اسما و{عنتّم} من صلته). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {عزيزٌ عليه ما عنتّم} أي شديد عليه ما أعنتكم وضركم). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}
أي هو بشر مثلكم. أي فهو أوكد للحجة عليكم لأنكم تفهمون عمّن هو مثلكم.
وجائز أن يكون عنى به إنّه عربي كما أنكم عرب، فأنتم تخبرونه وقد وقفتم على مذهبه.
{عزيز عليه ما عنتّم}.
أي عزيز عليه عنتكم، والعنت لقاء الشدة.
{حريص عليكم}.
أي حريص على إيمانكم). [معاني القرآن: 2/477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقول جل وعز: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}
روى جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال لم يكن في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يعاب قال أنا من نكاح لا من سفاح
قال أهل اللغة يجوز أن يكون المعنى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} أي بشر كما أنكم بشر فأنتم تفقهون عنه
ويجوز أن يكون المعنى أنه من العرب فهو منكم فأنتم
تقفون على صدقه ومذهبه
ثم قال جل وعز: {عزيز عليه ما عنتم}
أي شديد عليه عنتكم
وأصل العنت الهلاك فقيل لما يؤدي إلى الهلاك عنت
ثم قال جل وعز: {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}
قال قتادة أي حريص على من لم يسلم أن يسلم). [معاني القرآن: 3/270-271]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي شديد عليه ما أعنتكم وضركم أي: يعز عليه أن تعصوه وتدخلوا النار.
{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي حريص عليكم أن تطيعوه وتدخلوا الجنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فإن تولّوا فقل حسبي اللّه لا إله إلّا هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم}
أي الذي يكفيني اللّه.
{عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم}.
والعظيم ههنا جائزان.
وقوله: {من أوّل يوم}.
دخلت " من " في الزمان، والأصل منذ ومذ، هذا أكثر الاستعمال في الزمان.
و " من " جائز دخولها لأنها الأصل في ابتداء الغاية والتبعيض.
ومثل هذا قول زهير:

لمن الدّيار بقنّة الحجر.=.. أقوين من حجج ومن دهر
وقيل إن معنى هذا مذ حجج ومذ شهر). [معاني القرآن: 2/477-478]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فإن تولوا فقل حسبي الله}
أي يكفيني الله
يقال أحسبني الشيء إذا كفاني
ثم قال جل وعز: {لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم}
وقرأ ابن محيصن وهو رب العرش العظيم
وهي قراءة حسنة بينة
وروي عن ابن عباس أن آخر آية نزلت {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} ). [معاني القرآن: 3/271-272]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة