تفسير الغاسق بالذَّكَر
وأغرب ما ذكر في تفسير هذه الآية هو ما ذكره أبو المظفر السمعاني، عن أبي بكر النقاش المفسّر -وهو تلميذ ابن خزيمة-، أنه روى في تفسير بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قالَ: {مِن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ}: "مِن شرِّ الذَّكَرِ إذا دَخَلَ".
قالَ النَّقَّاشُ: فذَكَرْتُ ذلك لمحمَّدِ بن إسحاقَ ابن خُزيمةَ، وقلْتُ: هل يَجوزُ أن تُفَسِّرَ القرآنَ بهذا؟
قالَ: نعم , قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّ مَنِيِّي)).
وعلى كلٍّ فتفسير النقاش مفقود لكن إن صحَّ هذا التفسير عن ابن عباس فهو تنبيه منه على أن هذا مما يشمله اسم الغاسق.
فإن الفرج من أكثر ما يدخل الناس النارَ، ويكون بسبب الوطء المحرم من الشرور شيء عظيم في الإثم وعقوباته وما يتبع الفاحشة من تبعات يكون فيها شرُّ عظيم لمن لم يعصمه الله ويرحمه، فإنه قد يجر إلى شرور عظيمة مِن الحملِ سفاحاً، والخزي والعار، وربما قتل النفس بغير الحق، وتسلط الشياطين، وإذلال بعض الناس لبعض، إلى غير ذلك من الشرور العظيمة التي كان مبدؤها إيلاج في فرج محرَّم، ودخول هذا الغاسق في وَقْبٍ محرم.
بل حتى الوطء المباح في أصله قد يحصل بسببه شرور وإن كان العبد لا يأثم بها، لكن قد يحصل بسببه شر وأذى، ولذلك سُنَّ للزوجين أن يقولا عند الجماع: ((اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)).
وبهذا تعلم أن الأقوالَ المرويةَ عن السلف في تفسير الغاسق هي من باب التمثيل، وهذا كثير في تفاسير السلف.
الخلاصة:
والخلاصة أن قوله تعالى: {ومن شر غاسق إذا وقب} التنكير هنا لإرادة العموم، أي: من شر كل غاسق، ما علمنا منه وما لم نعلم.
والغاسق مقابل للفلق، فهو شر يغسق على العبد ويقب ؛ فيمنع عنه ما ينفعه؛ فيحتاج العبد إلى أن يوقى شرَّ ما غسق عليه.
وهذا الغاسق يكون في الأفق عامة، ويكون في جسد الإنسان، ويكون في روحه، ويكون على الفرد ، ويكون على الجماعة.
ويجمعه وصف الغاسق.