قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قول الله جلّ وعزّ: (ولا يجرمنّكم شنئان قومٍ... (2)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (شنئان قومٍ) خفيفة، وقرأ حفص بالتثقيل مثل حمزة، واختلف عن نافع فروى عنه قالون وورش والأصمعي وابن جماز مثل أبي عمرو، وقد روى عند إسماعيل
[معاني القراءات وعللها: 1/324]
والمسيبي والواقدي مثل قراءة ابن عامر.
وقرأ الباقون (شنئان) مثقلاً.
قال أبو منصور: من قرأ (شنئان قومٍ) مثقلا فمعناه: بغض قوم، وهو مصدر قولك: شنأته أشنؤه شنئا وشنآئا، مثل الدّرجان والهملان.
ومن قرأ (شنئان قومٍ) فهو نعت كأنه قال: لا يحملنّكم بغيض قوم، ولا يكسبنكم مبغض قوم). [معاني القراءات وعللها: 1/325]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن صدّوكم... (2).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إن صدّوكم) بكسر الألف، وقرأ الباقون (أن صدّوكم) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (أن صدّوكم) بفتح الألف فالمعنى: لا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وموضعه النصب، أي: لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء.
[معاني القراءات وعللها: 1/325]
ومن قرأ (إن صدّوكم) بالكسر فهو جزاء، المعنى: إن يصدوكم). [معاني القراءات وعللها: 1/326]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنئان قوم} [2].
قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {شنئان} بإسكان النون، وأنشد:
فأمسى كعبها كعبا وكانت = من الشنئآن قد دعيت كعابا
وقرأ الباقون: {شنئآن} محركًا، وهو الاختيارُ؛ لأن المصادر مما أوله مفتوح جاء محركًا لمحو الغليان والنزوان والهملان، والإسكان قليل، وإنما يجيء المسكن في المضموم والمكسور.
وقال آخرون: الشنآن – بالإسكان – الاسم، والشنئآن – بالفتح – المصدر، والتقدير: لا يحملنكم بغضاء قوم وبغض قوم أن تعتدوا، وتقول
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/141]
العرب شنئته أشنوه شنأ وشنأ، وشنأ، وشنآنا، شنأنا، وشنانا بغير همز وينشد:
وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي = وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
واجتمعت القراء على {ولا يجرمنكم} بفتح الياء من جرم: إذا كسب، يقال: فلان جريمة قومه، أي: كاسبهم إلا الأعمش ويحييى فإنهما قرآ {ولا يجرمنكم} بضم الياء جعلوه لغتين: جرم وأجرم، والاختيار جرم، أي: كسب. وأجاز ابن الأعرابي: أكسب، وهو شاذ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/142]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {أن صدوكم عن المسجد الحرام} [2].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {إن صدوكم} بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/142]
فمن كسر جعله شرطًا، واحتج بأن في مصحف عبد الله: {إن يصدوكم} والاختيار الفتح؛ لأن الصدود وقع من الكفار، والمائدة آخر ما نزل من القرآن، والتقدير: ولا يحملنكم بغض قوم أن تعتدوا لأن صدوكم، وهذا بين جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/143]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النون وإسكانها من شنآن [المائدة/ 2].
فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن كثير: شنآن متحركة النون.
وقرأ ابن عامر: شنان ساكنة النون.
واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر شنان ساكنة النون، وروى عنه حفص شنآن متحركة النون.
واختلف عن نافع أيضا فروى عنه إسماعيل بن جعفر، والمسيّبي والواقديّ: شنان ساكنة النون. وروى عنه ابن جمّاز والأصمعيّ وورش وقالون: شنآن متحركة النون.
قال أبو علي: تأويل لا يجرمنكم: لا يكسبنكم أن تعتدوا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/195]
فيجرمنّكم: فعل متعد إلى مفعولين، كما أنّ يكسبنكم كذلك.
ويدلّ على ذلك قول الشّاعر في صفة عقاب:
جريمة ناهض في رأس نيق... ترى لعظام ما جمعت صليبا
وقوله: «جريمة ناهض» يحتمل تقديرين: أحدهما:
جريمة قوت ناهض أي: كاسب قوته، وقد قالوا: ضارب قداح، وضريب قداح، وعارف وعريف. والآخر: أن لا يقدّر حذف المضاف، وتضيف جريمة إلى ناهض، والمعنى كاسب ناهض، كما تقول: بديع كاسب مولاه، تريد: أنّه يسعى له ويردّ عليه. فجرم يستعمل في الكسب وما يردّ سعي الإنسان عليه. وأما أجرم ففي اكتساب الإثم، قال [جلّ وعزّ]: إنا من المجرمين منتقمون [السجدة/ 22].
[الحجة للقراء السبعة: 3/196]
وقال تعالى: فعلي إجرامي [هود/ 35] والتقدير: فعلي عقوبة إجرامي، أو إثم إجرامي، ومعنى: لا يجرمنكم شنآن قوم: لا تكتسبوا لبغض قوم عدوانا ولا تقترفوه. ومن فتح أن وقع النهي في اللفظ على الشنآن، والمعنيّ بالنهي: المخاطبون، كما قالوا: لا أرينّك هاهنا، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران/ 102]. وكذلك قوله: ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم [هود/ 89] ف أن يصيبكم المفعول الثاني، وأسماء المخاطبين المفعول الأول، كما أنّ المفعول الأول في الآية الأخرى المخاطبون، والثاني قوله: أن تعتدوا ولفظ النهي واقع على الشقاق والمعنيّ بالنهي المخاطبون بها.
وقال أبو زيد: شنئت الرجل أشنؤه شنأ، وشنآنا، وشنأ، ومشنأة: إذا أبغضته. ويذهب سيبويه إلى أن ما كان من المصادر على فعلان لم يتعدّ فعله قال: إلّا أن يشذّ شيء نحو: شنأته شنآنا. ولا يجوز أن يكون شنأته يراد به حرف الجر والحذف، كما قال سيبويه في فرقته، وحذرته إنّ أصله حذرت منه. وذلك
[الحجة للقراء السبعة: 3/197]
أن اسم الفاعل منه جاء على فاعل نحو شانئ وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] وقال:
لشانئك الضّراعة والكلول فهذا يقوي أنه مثل: علم يعلم فهو عالم، وشرب يشرب فهو شارب، ونحو ذلك من المتعدي.
ومما يقوي ذلك: أن شنأته في المعنى مثل أبغضت، فلما كان بمعناه عدّي كما عدّي أبغضت، كما أنّ الرفث لما كان بمعنى الإفضاء عدّي بالجار كما عدي الإفضاء به.
ومما يدل على تعدّيه ما حكاه أبو زيد في مصدره في الشّنء والشنء، فالشنء مثل: الشّتم، والشنء مثل الشغل.
وقال سيبويه: وقالوا: لويته حقّه ليّانا، على فعلان.
فيجوز على هذا: أن يكون شنآن فيمن أسكن النون مصدرا كاللّيّان، فيكون المعنى: لا يجرمنكم بغض قوم، كما كان التقدير
[الحجة للقراء السبعة: 3/198]
فيمن فتح كذلك، وقال أبو زيد: رجل شنان وامرأة شنآنة، مصروفان. قال: وقد يقال: رجل شنآن بغير صرف، ولأنك تقول: امرأة شنأى. أبو عبيدة: شنان قوم: بغضاء قوم، وهي متحركة الحروف: مصدر شنئت، وبعضهم يسكن النون الأولى، وأنشد للأحوص:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي... وإن لام
فيه ذو الشّنان وفنّدا قال أبو عبيدة: وشنئت في موضع آخر معناه: أقررت وبؤت به، وأخرجته وأنشد للعجاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم وشنئوا الملك لملك ذي قدم وقال الفرزدق:
ولو كان هذا الأمر في جاهليّة... شنئت به أو غصّ بالماء شاربه
[الحجة للقراء السبعة: 3/199]
انتهى كلام أبي عبيدة. [قال أبو علي] وفي قوله:
بعضهم يسكن النون الأولى يدلّ على أنّ الشنان بإسكان النون مصدر كما أن الشنان كذلك.
فأما الشنان على فعلان، فإن فعلان قد جاء مصدرا وجاء وصفا، وهما جميعا قليلان. فممّا جاء فيه فعلان مصدرا ما حكاه سيبويه من قولهم: لويته حقه ليّانا، فيجوز على قياس هذا، وإن لم يكثر أن يكون شنان مثله، في أنّه مصدر على أنّ في قول أبي عبيدة دلالة على أن شنان المسكن العين مصدر. ويجوز أن يكون وصفا على فعلان، وفعلان أيضا في الوصف ليس بالكثير إذا لم يكن له فعلى، فمما جاء من فعلان صفة لا فعلى له ما حكاه سيبويه من قولهم: خمصان، وحكى غيره ندمان قال:
وندمان يزيد الكأس طيبا وأنشد أبو زيد ما ظاهره أن يكون فعلان فيه صفة، وهو:
[الحجة للقراء السبعة: 3/200]
لما استمرّ بها شيحان مبتجح... بالبين عنك بها يرآك شنانا
ويقرب أن يكون مثل شنان في أنّه فعلان، وإن كان شنآن له مؤنث هو شنأى. فيما حكاه أبو زيد، وليس لشيحان.
فإن قلت: فلم لا يكون شاح يشيح مما يجوز أن يكون منه فعلان له مؤنث على فعلى، كما أنّ عام يعيم، وعيمان كذلك.
فإنّه لا يكون مثله، ألا ترى أن يقول: إنّ قولهم في مصدره:
عيمة، ولحاق علامة التأنيث به صار بدلا من تحريك العين، فجاء فيه فعلان وفعلى، كما جاء فيما كان مصدره على فعل، نحو:
العطش، فمن ثمّ جاء: غرت تغار غيره وغيران وغيرى، وحرت تحار حيرة وحيران وحيرى، وليس شيحان كذلك، ألا ترى أنّه قد جاء:
.... وشايحت قبل اليوم إنك شيح
[الحجة للقراء السبعة: 3/201]
وفاعل في أكثر الأمر يجيء فيما كان على فعل نحو: ضارب وضرب،
وجاء في الحديث: «أعرض وأشاح»
. فأما ترك صرف شيحان في البيت مع أنه لا فعلى له، فإنّه يجوز أن يكون اسما علما، ويجوز أن يكون على قول من يجيز ترك صرف ما ينصرف في الشعر.
فأمّا الشنان فإن فعلانا يجيء على ضربين: أحدهما: اسم، والآخر: وصف. والاسم على ضربين؛ أحدهما أن يكون مصدرا، كالنّقزان، والنّغران، والغليان، والنّفيان، والطّوفان، والنّعبان والغثيان، وعامّة ذلك يكون معناه: التحرّك، والتقلّب، فالشنان على ما جاءت عليه هذه المصادر. والاسم الذي ليس بمصدر نحو: الورشان والعلجان. وأما مجيء فعلان وصفا فنحو: الزّفيان والقطوان، والصميان، ومن ذلك ما حكاه أبو زيد [من
[الحجة للقراء السبعة: 3/202]
قولهم]: إن عدوك لرضمان، أي: ثقيل؛ إذا ثقل عدوه مثل عدو الشيخ الكبير.
وقال أبو زيد أيضا: يقال: كبش آل، مثل: عال، وأليان، وكباش ألي، مثل: عمي، ونعجة أليانة. وأليانتان، وأليانات، وكبش أليان، وكباش أليانات، مثل: أتان قطوانة، وحمار قطوان: إذا لم يكن سهل السير، وقطوانتان وقطوانات قال: وهو من قولك قطا يقطو قطوا وقطوّا، إذا قارب بين خطوه، فإن قلت: كيف لا يكون نحو رضمان وصميان، مصادر وليست بصفات، وإن كان قد جرى على الموصوف كما أنّ عدلا ورضى كذلك؟ فالذي يدل على أنّ هذه الأسماء صفات وليست بمصادر مجيئها في نحو: كبش أليان، فلا يخلو هذا من أن يكون وصفا أو مصدرا، فلا يجوز أن يكون مصدرا لأنّ مصادر نحو: نعجة ألياء، لا يخلو من أن يكون من نحو:
الحمرة والصفرة، أو الصلع والفطس، ولم يجيء منه شيء على فعلان فيما علمنا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو زيد في أليان من التأنيث والتثنية والجمع، وهذا إنّما يكون في الصفات، ولا يكاد
[الحجة للقراء السبعة: 3/203]
يجيء ذلك في المصادر. وما حكي من تأنيث زور وعدل ليس بالشائع، فأما ما أنشده أبو عبيدة من قول الأحوص:
وإن عاب فيه ذو الشّنان وفنّدا فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون على التخفيف القياسي كقولك في تخفيف: ملآن وظمئان: ظمان وملآن، تحذفها وتلقي حركتها على ما قبلها، والآخر أن يكون على حذف الهمزة التي هي لام، كما حذفت من السّواية التي أصلها سوائية، مثل الكراهية، وكما يذهب إليه أبو الحسن في أشياء: أنّه جمع شيء، على أفعلاء، كما قيل: سمح وسمحاء، فحذفت الهمزة التي هي لام فأما الأظهر في قوله: ذو الشنان، فأن يكون مصدرا كاللّيان، ألا ترى أنه قد أضيف إليه ذو، فلا يكون من أجل ذلك وصفا. فإن قلت: قد جاء (ذو) في مواضع غير معتدّ بها كقول الشماخ:
وأدمج دمج ذي شطن بديع فإنّ حمله على الوجه الأوّل أقرب عندنا. وأمّا ما حكاه أبو زيد من قولهم: كبش آل، على مثال: فاعل، فشاذ، وكان القياس أن يكون أليى على أفعل، مثل: أعمى. فأما ما حكاه من
[الحجة للقراء السبعة: 3/204]
قولهم: كباش ألي فيجوز أن يكون الجمع وقع على القياس الذي كان يجب في الكلمة كأحمر وحمر، ويجوز أن يكون كبزل وعيط. ومن قال: شنآن وشنأى [وقد حكاهما أبو زيد] مثل عطشان وعطشى، وحرّان وحرّى، فشنئت على هذا غير متعدّ، كما أن عطش كذلك، لأنّ هذا المصدر في أكثر الأمر ينبغي أن يكون الشنء أو الشنء مثل الشّنع، وقد حكاه أبو زيد. ومصدر هذا الذي لا يتعدّى ينبغي أن يكون الشنان، مثل الغليان والطّوفان [لأن هذا هو المصدر في أكثر الأمر]، ويجوز أن يكون الشنان بتسكين العين مثل اللّيّان، ومن زعم أنّ فعلان إذا أسكنت عينه لم يك مصدرا، فقد أخطأ، لأنّ أبا زيد قد حكى في عيمان أيمان أنّ بني تميم تنصب اللام فتقول: لويته حقه ليّانا بنصب اللام. ومن قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/205]
شنئت العقر عقر بني شليل * و: لشانئك الضّراعة والكلول وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] كان شنئت على قوله متعديا، وليس كالوجه الأوّل، ولكن تجعله في التقدير مثل شربت ولقمت، ومثل هذا أنّه جاء الفعل منه على ضربين من التعدّي.
وغير التعدي قولهم: جزل السّنام يجزل، وقالوا: جزلته. قال:
منع الأخيطل أن يسامي قومنا... شرف أجبّ وغارب مجزول
فهذا يدلّ على جزلته. ومن ذلك: القصم والقصم، فالقصم مصدر قصم. وفي التنزيل: وكم قصمنا من قرية [الأنبياء/ 11] وقال الأعشى:
ومبسمها عن شتيت النبا... ت غير أكسّ ولا منقصم
[الحجة للقراء السبعة: 3/206]
وقال آخر:
عجبت هنيدة أن رأت ذا رثّة... وفما به قصم وجلدا أسودا
فهذا مصدر قصم الذي لا يتعدّى، ومن ذلك قولهم: عجي وهو عج.
وأنشدنا علي بن سليمان:
عداني أن أزورك أنّ بهمي... عجايا كلّها إلّا قليلا
فعجايا كأنه جمع عجيّ مثل: طبّ وطبيب، ومذل ومذيل وقال:
...... فما تعـ ... ـجوه إلّا عفافة أو فواق
[الحجة للقراء السبعة: 3/207]
ومن ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: غضف الكلب أذنه أشدّ الغضفان، وقال الشاعر:
غضفا طواها أمس كلّابيّ فهذا يدل على غضف يغضف. ومن ذلك قولهم: طوي يطوى فهو طيّان. وقالوا: طويته أطويه طيّا. وقال:
فقام إلى حرف طواها بطيّه... بها كلّ لمّاع بعيد المساوف
وقال:
.... طواها أمس كلّابيّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/208]
وقال:
بات الحويرث والكلاب تشمّه... وغدا بأحدب كالهلال من الطّوى
ومن قال: شنان وشنأى، فشنئت على هذا ينبغي أن لا يتعدى، فأما من قال: شنان وامرأة شنانة، فالفعل المتعدي إنّما هو من هذا دون الأول، وكلاهما قد حكاه أبو زيد. ونظير هذا في أنّه اشتق منه فعل متعد وآخر غير متعد: ما حكاه أبو إسحاق من أنّهم يقولون: جزل السنام يجزل جزلا: إذا فسد وجزلته أجزله: إذا قطعته، فاشتق منه المتعدي وغير المتعدي، وأنشد أبو زيد فيما جاء فيه فعلان وصفا:
وقبلك ما هاب الرّجال ظلامتي... وفقّأت عين الأشوس الأبيان
وأنشد غيره: هل أغدون يوما وأمري مجمع وتحت رحلي زفيان ميلع
[الحجة للقراء السبعة: 3/209]
فحجّة من قرأ (شنآن) أنّه مصدر، والمصدر يكثر على فعلان نحو: النزوان والغثيان والنّفيان والشنآن يقارب الغليان، فجاء على وزنه لمقاربته له في المعنى. ومن حجّة ابن عامر في إسكان النون أنه مصدر وقد جاء المصدر على فعلان في غير هذا [وذلك قولك]: لويته دينه ليّانا وقال:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا فهذا مخفف [من الهمزة] على قياس الجمهور، والأكثر الشنان، ألا ترى أنّه حذف الهمزة وألقى حركتها على الساكن الذي قبلها والمعنى فيه البغضاء. فإذا كان كذلك فالمعنى في القراءتين واحد وإن اختلف اللفظان والمعنى. ومن زعم أنّ إسكان النون لحن؛ لم يكن قوله مستقيما، لأنّه يجوز أن يكون مصدرا كاللّيان، وأن يكون وصفا كالنفيان، حكى ذلك أبو زيد. [ولا ينبغي أن يحمل البيت على حذف الهمزة على غير قياس كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/210]
يابا المغيرة ربّ أمر معضل... فرّجته بالنّكر مني والدّها
وقال آخر:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا لأنّك تجد له مذهبا في الشائع المستقيم] والمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم. أي: بغضكم قوما لصدّهم إياكم، ومن أجل صدّهم إياكم أن تعتدوا، فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف الفاعل، كقوله تعالى: من دعاء الخير [فصلت/ 49] وبسؤال نعجتك [ص/ 24] ونحو ذلك مما أضيف المصدر فيه إلى المفعول به، وحذف الفاعل في المعنى من اللفظ، وفي التفسير فيما زعموا: لا يحملنكم بغض قوم، فعلى هذا يحمل الشنان فيمن حرّك أو أسكن. أما من أسكن فلأن هذا البناء قد جاء في الصفات، نحو غضبان وسكران، وحكى أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 3/211]
رجل شنان وامرأة شنأى فإن حملته على هذا دون المصدر فقد أقمت الصفة مقام الموصوف وإنّما المعنى على المصدر، لأنّ المعنى: لا يحملنكم بغض قوم على أن تعتدوا فإن حملته على الصفة كان التقدير لا يحملنّكم بغيض قوم، والمعنى على الأوّل.
وأمّا من حرّك فقال: الشّنان فإنّ هذا البناء في المصادر التي معناها التقلّب والتزعزع كثير، والصفة دونه في الكثرة، فإذا كثر في الاستعمال واستقام في المعنى، وعضده التفسير، لم يكن عنه مذهب إلى ما لم تجتمع فيه هذه الخلال). [الحجة للقراء السبعة: 3/212]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من قوله تعالى: أن صدوكم [المائدة/ 2].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إن صدوكم بالكسر.
وقرأ الباقون: أن صدوكم بالفتح.
قال أبو علي: حجّة ابن كثير وأبي عمرو في كسرهما الهمزة أنّهما جعلا (إن) للجزاء، فإن قلت: كيف صح الجزاء هنا والصدّ ماض، لأنّه إنّما هو ما كان من المشركين من صدّهم المسلمين عن البيت في الحديبيّة، والجزاء إنّما يكون بما لم يأت، فأما ما
[الحجة للقراء السبعة: 3/212]
كان ماضيا فلا يكون فيه الجزاء. فالقول فيه: أن الماضي قد يقع في الجزاء وليس على أنّ المراد بالماضي الجزاء، ولكنّ المراد أن ما كان مثل هذا الفعل فيكون اللفظ على ما مضى، والمعنى على مثله، كأنّه يقول: إن وقع مثل هذا الفعل يقع منكم كذا، وعلى هذا حمل الخليل وسيبويه قول الفرزدق:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا... جهارا، ولم تغضب لقتل ابن حازم
وعلى ذلك قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة... ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا
فانتفاء الولادة أمر ماض، وقد جعله جزاء، والجزاء إنّما يكون بالمستقبل، فكأنّ المعنى: إن تنسب لا تجدني مولود لئيمة، وجواب إن قد أغنى عنه ما تقدّم من قوله: ولا يجرمنكم، المعنى: إن صدّكم قوم عن المسجد الحرام فلا تكسبوا عدوانا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/213]
وأمّا قول من فتح فبيّن لا مئونة فيه، وهو أنّه مفعول له التقدير: ولا يجرمنكم شنان قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. فأن الثانية في موضع نصب لأنّه المفعول الثاني والأول منصوب لأنه مفعول له). [الحجة للقراء السبعة: 3/214]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي واقد والجراح ونُبَيْج والحسن بن عمران: [فِاصْطادُوا] بكسر الفاء.
قال أبو الفتح: هذه القراءة ظاهرة الإشكال؛ وذلك أنه لا داعي إلى إمالة فتحة هذه الفاء كما أُميلت فتحة الراء الأولى من الضرر لكسرة الثانية، وكما أُميلت فتحة النون من قولهم: {وإنا إليه راجعون}؛ لكسر الهمزة، ونحو ذلك. فمن هنا أَشْكل أمر هذه الإمالة، إلا أن هنا ضربًا من التعلل صالحًا؛ وهو أنه لك أن تقول: فاصطادوا، فتميل الألف بعد الطاء إذ كانت منقلبة عن ياء الصيد، فإن قلت: فهناك الطاء، فهلَّا منعت الإمالة، وكذلك الصاد.
[المحتسب: 1/205]
قيل: إن حروف الاستعلاء لا تمنع الإمالة في الفعل؛ إنما تمنع منها في الاسم، نحو: طالب وظالم، فأما في الفعل فلا، ألا تراهم كيف أمالوا طغى وقضى وهناك حرفان مستعليان مفتوحان؟
وسبب ذلك إيغال الأفعال في الاعتلال، وأنها أقعد فيه من الأسماء.
فإن قلت: فإنه لم يُحكَ في الطاء إمالة.
قيل: هي وإن لم تسمع معرضة، والكلمة لها معرضة فكأنها لذلك ملفوظ، كما أن مَن قال في الوقف هذا ماشْ، فأمال مع سكون الشين نظرًا إلى الكسرة إذا وصل فقال: هذا ماش، وكما أن من قال: أغزيت نظر إلى وجوب الياء في المضارع لانكسار ما قبل الواو في يُغزى، وكما أن من أعلَّ يخاف وأصلها يَخْوَفُ نظر إلى اعتلالها في الماضي وأصلها خَوِف، ولولا ذلك لوجب أَغْزَوْتُ ويَخْوَفُ؛ لأنه لا علة فيهما في مكانهما، وكما أن من قال في الإضافة إلى الصِّعِق صِعْقِي أقر كسرة الصاد مع فتحة العين نظرًا إلى أصل ما كان عليه من كسرة العين، ولذلك نظائر.
وإن شئت قلت: لما كان يقول في الابتداء: اصطادوا، فيكسر همزة الوصل، نظر إليها بعد حذف الهمزة فقال: [فِاصطادوا] تصورًا لكسرة الهمزة إذا ابتدأت فقلت: اصطادوا. فهذا وجه ثانٍ لما مضى). [المحتسب: 1/206]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود: [وَلا يُجْرِمَنَّكُم] بضم الياء [شَنَآنُ قَوْمٍ إِنْ يصَدُّوكُمْ] بكسر الألف.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة ضعف؛ وذلك لأنه جزم بإن ولم يأتِ لها بجواب مجزوم أو بالفاء، كقولك: إن تزرني أعطك درهمًا أو فلك درهم، ولو قلت: إن تزرني أعطيتك درهمًا قبح لما ذكرنا؛ وإنما بابه الشعر:
إن يسمعوا رِيبة طاروا لها فرحًا ... يومًا وما سمعوا من صالح دفنوا). [المحتسب: 1/206]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}
قرأ نافع في رواية إسماعيل وابن عامر وأبو بكر (شنئان قوم) بإسكان النّون مثل سرعان ووشكان
[حجة القراءات: 219]
وقرأ الباقون {شنآن} بفتح النّون وهو الاختيار لأن المصادر ممّا أوله مفتوح جاء أكثرها محركا مثل غلى غليانا وضرب ضربانا والإسكان قليل وإنّما يجيء في المضموم والمكسور مثل شكران وكفران وحرمان قال الفراء الشنآن بالإسكان الاسم والشنآن المصدر
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {أن صدوكم} بالكسر وحجتهما أن الآية نزلت قبل فعلهم وصدهم قال اليزيدي معناه لا يحملنكم بغض قوم أن تعتدوا إن صدوكم يقول إن صدوكم فلا يحملنكم بغضهم على أن تعتدوا
وقرأ الباقون {أن صدوكم} أي لأن صدوكم وحجتهم أن الصد وقع من الكفّار والمائدة في آخر ما أنزل من القرآن وقد صحت الأخبار عن جماعة من الصّحابة أن نزول هذه السّورة كان بعد فتح مكّة لم يكن حينئذٍ بناحية مكّة أحد من المشركين يخاف أن يصد المؤمنين عن المسجد الحرام فيقال لا يحملنكم إن صدكم المشركون عن المسجد بغضكم إيّاهم أن تعتدوا عليهم فلمّا كان كذلك دلّ على أن القوم إنّما نهوا عن الاعتداء على المشركين لصد كان قد سلف). [حجة القراءات: 220]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {شنآن قوم} قرأه أبو بكر وابن عامر بإسكان النون، في الموضعين في هذه السورة، وقرأهما الباقون بفتح النون، وهما مصدران لـ «شنئ» حكى سيبويه: لوتيه ليانًا، فليّان مصدر على «فعلان» والأشهر أن يكون صفة اسما، إذا أسكنت، والأكثر في فتح النون في كلام العرب، أن يكون مصدرًا نحو النزوان والغليان والغشيان، فمعنى الآية: لا يكسبنكم بعض قوم الاعتداد، فقد حكى أبو زيد: رجل شنآن وامرأة شنآن، مغضبان وغضبى، وحكاه أيضًا بالهاء والصرف فيهما، فهذا يدل على اسم صفة، فيكون معنى الآية على هذا: لا يكسبنكم بعض قوم الاعتداد، وكذلك تحتمل القراءة بفتح النون أ، يكون سامًا كالورسان، وكونه مصدرًا أحسنن لأن التفسير أتى على معنى بعض قوم، وقال أبو عبيدة معناه: لا يكسبنكم بغضا قوم، فهو مصدر أيضًا، ولم يجز أبو حاتم إسكان النون، ورآه غلطا، لأن المصادر لا تأتي على «فعلان» بالإسكان، إنما يأتي بالإسكان الصفات، وعلى ذلك تجوز القراءة بالإسكان، على أنه صفة لا مصدر، عند أكثر الناس، إلا ما ذكرنا عن سيبويه في حكايته «فعلان» بالإسكان في المصادر، وهو قليل، فحمله على الاسم أولى، ويكون صفة بمعنى: بغيض قوم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/404]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {أن صدوكم} قرأه أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة وقرأ الباقون بالفتح.
وحدة من كسر أنه جعله أمرًا منتظرًا، تقديره: إن وقع صد فيما يستقبل فلا يكسبنكم الاعتداد، فـ «إن» للشرط والصدّ منتظر وقوعه، وفي حرف ابن مسعود إن «صدوكم» فهذا يدل على انتظار صد، ويجوز أن يكون الصد قد مضى، مع كسر «إن» على معنى لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء إن صدوكم، كما جرى فيما مضى من الصد، فتحقيقه: «إن عادوا إلى الصد الذي أكسبكم البغض لهم» فيكون الشرط مستقبلا على «بأن» وهو مثال لأمر قد مضى؛ لأن معناه: إن وقع مثل الصد الذي مضى فلا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء، والتفسير والإخبار على أنه أمر قد كان، وصد قد وقع، فالكسرة في «إن» أولى على أنه مثال لما مضى، وعلى هذا أنشد سيبويه قول الفرزدق:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا جهارا = ولم تغضب لقتل ابن خازم
أنشده بكسر «إن» والذي بعدها أمر قد كان ووقع، لكنه على معنى المثال، على معنى: أتغضب إن وقع مثل حزّ أذني قتيبة.
3- وحجة من فتح أن أنه هو الظاهر في التلاوة، وعليه أتى التفسير؛ لأن المشركين صدوا النبي عليه السلام والمسلمين عن البيت، ومنعوهم دخول مكة، فهو أمر قد مضى، قال الله جل ذكره: لا يكسبنكم بغض قوم من أجل أن صدوكم عن المسجد الحرام الاعتداء، والفتح الاختيار؛ لأن عليه أتى التفسير أنه أمر قد مضى، وهو ظاهر اللفظ، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/405]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {شَنْئَان قَوْمٍ} [آية/ 2]:-
بسكون النون في الحرفين، قرأها نافع –يل- وابن عامر وعاصم- ياش-.
يجوز أن يكون مصدرًا نحو: لويته ليانًا، والمعنى لا يجرمنكم بغض قومٍ أن تعتدوا، أي لا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام الاعتداء، والمعنى شنئانكم قومًا أي بغضكم قومًا، فأضاف إلى المفعول، كما قال تعالى {مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ}. وقال {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ}، وهذا الوجه مثل قراءة من قرأ {شَنَئآن} بفتح النون في أن كليهما مصدر.
ويجوز أن يكون {شَنْئَآنُ} بسكون النون صفةً، ومعناه مبغض قومٍ، وفعلان أكثر ما يأتي للصفات.
[الموضح: 435]
وقرأ الباقون {شَنَئَانُ قَوْمٍ} بفتح النون.
وهو مصدر لا محالة، والمصدر يكثر على فعلان نحو: النزوان والنقزان، وقال سيبويه: هذا الضرب من المصادر تأتي أفعاله لازمةً إلا أن يشذ شيء.
وهذا من ذاك، والمعنى: لا يكسبنكم بغض قومٍ الاعتداء لأن صدوكم على ما سبق). [الموضح: 436]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {إِنْ صَدّوكُمْ} [آية/ 2]:-
بكسر الألف، قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
على أن {إِنْ} للشرط، وجوابه قد أغنى عنه ما قبله من قوله {لا يَجْرِمَنَّكُمْ} والتقدير: إن صدوكم عن المسجد الحرام فلا تكتسبوا الاعتداء.
وقرأ الباقون {أَنْ صَدُّوكُمْ} بفتح الألف.
وهو ظاهر، والمعنى: لا يكسبنكم بغض قومٍ الاعتداء لأن صدوكم عن المسجد الحرام، أي لصدهم إياكم عن المسجد، فهو مفعول له، فقوله
[الموضح: 436]
{أَنْ تَعْتَدُوا} مفعول ثانٍ ليجرمنكم، {وأَنْ صَدُّوكُمْ} مفعول له). [الموضح: 437]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين