العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النمل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 09:22 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي تفسير سورة النمل [ من الآية (6) إلى الآية (14) ]

{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 رجب 1434هـ/28-05-2013م, 09:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيمٍ عليمٍ (6) إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا، سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون (7) فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}.
يقول تعالى ذكره: وإنّك يا محمّد لتحفظ القرآن وتعلّمه. {من لدن حكيمٍ عليمٍ} يقول: من عند حكيمٍ بتدبير خلقه، عليمٍ بأنباء خلقه ومصالحهم والكائن من أمورهم، والماضي من أخبارهم، والحادث منها). [جامع البيان: 18/7-8]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإنّك لتلقّى القرآن
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ شيبان، عن قتادة، قوله: وإنّك لتلقّى القرآن قال: لتأخذ القرآن.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن عمران، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ قال: أتيناه يومًا فقال: ائتوني فتلقّوا منّي، يعني قال اللّه عزّ وجلّ: وإنّك لتلقّى القرآن
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ قوله: وإنّك لتلقّى القرآن يقول يلقى عليك الوحي.
قوله تعالى: من لدن
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: من لدن أي من عنده.
قوله تعالى: حكيمٍ عليمٍ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير قوله: حكيمٌ قال: حكيمٌ في عذره وحجّته إلى عباده). [تفسير القرآن العظيم: 9/2841-2842]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {طس} قال: هو اسم من أسماء القرآن، وفي قوله {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} قال: لا يقرون بها ولا يؤمنون بها {فهم يعمهون} قال: في صلاتهم وفي قوله {وإنك لتلقى القرآن} يقول: تأخذ القرآن من عند {حكيم عليم} ). [الدر المنثور: 11/333] (م)

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {إذ قال موسى} و{إذ} من صلة {عليمٍ}. ومعنى الكلام: عليمٌ حين قال موسى {لأهله} وهو في مسيره من مدين إلى مصر، وقد آذاهم برد ليلهم لمّا أصلد زنده: {إنّي آنست نارًا} أي أبصرت نارًا أو أحسستها، فامكثوا مكانكم. {سآتيكم منها بخبرٍ} يعني من النّار، والهاء والألف من ذكر (النّار).
{أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة: (بشهاب قبسٍ) بإضافة الشّهاب إلى القبس وترك التّنوين، بمعنى: أو آتيكم بشعلة نارٍ أقتبسها منها.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: {بشهابٍ قبسٍ} بتنوين الشّهاب وترك إضافته إلى القبس، يعني: أو آتيكم بشهابٍ مقتبسٍ.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: إذا جعل القبس بدلاً من الشّهاب فالتّنوين في الشّهاب، وإن أضاف الشّهاب إلى القبس، لم ينوّن الشّهاب.
وقال بعض نحويّي الكوفة: إذا أضيف الشّهاب إلى القبس فهو بمنزلة قوله {ولدار الآخرة} ممّا يضاف إلى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه توهّمًا بالثّاني أنّه غير الأوّل. قال: ومثله حبّة الخضراء، وليلة القمراء، ويوم الخميس وما أشبهه.
وقال آخر منهم: إن كان الشّهاب هو القبس لم تجز الإضافة، لأنّ القبس نعتٌ، ولا يضاف الاسم إلى نعته إلاّ في قليلٍ من الكلام، وقد جاء: {ولدار الآخرة} و{وللدّار الآخرة}.
والصّواب من القول في ذلك أنّ الشّهاب إذا أريد به أنّه غير القبس فالقراءة فيه بالإضافة، لأنّ معنى الكلام حينئذٍ، ما بيّنّا من أنّه شعلة قبسٍ، كما قال الشّاعر:
في كفّه صعدةٌ مشقّفةٌ = فيها سنانٌ كشعلة القبس
وإذا أريد بالشّهاب أنّه هو القبس، أو أنّه نعتٌ له، فالصّواب في الشّهاب التّنوين، لأنّ الصّحيح في كلام العرب ترك إضافة الاسم إلى نعته، وإلى نفسه، بل الإضافات في كلامها المعروف إضافة الشّيء إلى غير نفسه وغير نعته.
وقوله: {لعلّكم تصطلون} يقول: كي تصطلوا بها من البرد.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لعلّكم تصطلون} قال: من البرد). [جامع البيان: 18/8-9]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله والقبس ما اقتبست منه النّار ثبت هذا للنّسفيّ وحده وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ أي بشعلة نارٍ ومعنى قبسٍ ما اقتبس من النّار ومن الجمر). [فتح الباري: 8/505]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون (7)
قوله تعالى: إذ قال موسى لأهله
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة في قوله: إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا قال: تركهم أربعين سنةً في المكان الّذي نودي به، ومضى لأمر اللّه حتّى قضى ما أمر به.
قوله تعالى: إنّي آنست نارًا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: إنّي آنست نارًا إنّي أحسست نارًا سار في اللّه حين سار وهو شابٌّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال:
قال عبد اللّه بن عبّاسٍ، فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله، فضلّ الطّريق وكان في الشّتاء ورفعت له نارٌ فلمّا رآها ظنّ أنّها نارٌ وكانت من نور اللّه قال لأهله: امكثوا إنّي آنست نارًا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة فيها موسى بكرامته، وأنبأه فيها بنبوّته وكلامه، أخطأ فيها الطّريق حتّى لا يدري أين توجّه، فأخرج زنده ليقدح به نارًا لأهله ليبيتوا عليها حتّى يصبح وجه سبيله. فأصلد عليه زنده فلا يوري له نارًا فقدح فيه، حتّى إذا أعياه لاحت له النّار فرآها، قال لأهله امكثوا إنّي آنست نارًا
قوله تعالى: سآتيكم منها بخبرٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: قال عبد اللّه بن عبّاسٍ فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله، فضلّ الطّريق، وكان في الشّتاء ورفعت له نارٌ فلمّا رآها ظنّ أنّها نارٌ، وكانت من نور اللّه قال لأهله امكثوا إنّي آنست نارًا لعلّي آتيكم منها بقبسٍ فإن لم أجد خبرًا أتيتكم بشهابٍ قبسٍ
قوله تعالى: أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق آتيكم بشهابٍ قبسٍ قال: بقبسٍ تصطلون به.
قوله تعالى: لعلّكم تصطلون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ لعلّكم تصطلون قال: من البرد.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المعافى، ثنا زهيرٌ، ثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ قال: لعلّكم تصطلون قال: تجدون البرد). [تفسير القرآن العظيم: 9/2842-2843]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون.
أخرج الطستي عن ابن عباس، ان نافع بن الازرق قال له: اخبرني عن قوله عز وجل {بشهاب قبس} قال: شعلة من نار يقتبسون منه قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول طرفة:
هم عراني فبت أدفعه * دون سهادي كشعلة القبس). [الدر المنثور: 11/333-334]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى نودي أن بورك من في النار قال نور الله بورك.
أنا معمر وقال الحسن هو النور ومن حوله الملائكة). [تفسير عبد الرزاق: 2/79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فلمّا جاءها} يقول: فلمّا جاء موسى النّار الّتي آنسها {نودي أن بورك من في النّار ومن حولها}.
- كما حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {نودي أن بورك من في النّار} يقول: قدّس.
واختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله {من في النّار} فقال بعضهم: عنى جلّ جلاله بذلك نفسه، وهو الّذي كان في النّار، وكانت النّار نوره تعالى ذكره في قول جماعةٍ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار} يعني نفسه؛ قال: كان نور ربّ العالمين في الشّجرة.
- حدّثني إسماعيل بن الهيثم أبو العالية العبديّ، قال: حدّثنا أبو قتيبة، عن ورقاء، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {بورك من في النّار} قال: ناداه وهو في النّار.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن الحسن، في قوله: {نودي أن بورك من في النّار ومن حولها} قال: هو النّور.
قال معمرٌ: قال قتادة: {بورك من في النّار} قال: نور اللّه بورك.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال الحسن البصريّ: {بورك من في النّار}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بوركت النّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الأشيب، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {نودي أن بورك، من في النّار} بوركت النّار كذلك قاله ابن عبّاسٍ
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أن بورك من في النّار} قال: بوركت النّار.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {بورك من في النّار} قال: بوركت النّار.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا موسى، عن محمّد بن كعبٍ، في قوله: {أن بورك من في النّار} نور الرّحمن، والنّور هو اللّه {وسبحان اللّه ربّ العالمين}.
واختلف أهل التّأويل في معنى النّار في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: النّور كما ذكرت عمّن ذكرت ذلك عنه.
وقال آخرون: معناه النّار لا النّور.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال: حجاب العزّة، وحجاب الملك، وحجاب السّلطان، وحجاب النّار، وهي تلك النّار الّتي نودي منها. قال: وحجاب النّور، وحجاب الغمام، وحجاب الماء.
وإنّما قيل: بورك من في النّار، ولم يقل: بورك فيمن في النّار على لغة الّذين يقولون: باركك اللّه. والعرب تقول: باركك اللّه، وبارك فيك.
وقوله: {ومن حولها} يقول: ومن حول النّار. وقيل: عنى بمن حولها: الملائكة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ومن حولها} قال: يعني الملائكة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن الحسن، مثله.
وقال آخرون: هو موسى والملائكة.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا موسى، عن محمّد بن كعبٍ، {ومن حولها} قال: موسى النّبيّ والملائكة، ثمّ قال: {يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم}.
وقوله: {وسبحان اللّه ربّ العالمين} يقول: وتنزيهًا للّه ربّ العالمين، ممّا يصفه به الظّالمون). [جامع البيان: 18/9-13]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين (8)
قوله تعالى: فلمّا جاءها نودي
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهبًا يقول: لمّا رأى موسى النّار انطلق يسير حتّى وقف منها قريبًا، فإذا هو بنارٍ عظيمةٍ تفور من فرع شجرةٍ خضراء شديدة الخضرة، يقال لها العليق، لا تزداد فيما يرى إلا عظمًا وتضرّمًا، ولا تزداد الشّجرة على شدّة الحريق إلا خضرةً وحسنًا، فوقف فنظر لا يدري على ما يضع أمرها إلا أنّه قد ظنّ أنّها شجرةٌ تحترق، أوقد إليها موقدٌ فنالها فاحترقت، وإنه إنما يمنع النار شدة خضرتها، وكثر مائها، وكثافة ورقها، وعظم جذعها، فوضع أمرها على هذا، فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيءٌ فيقتبسه، فلمّا طال عليه ذلك أهوى إليها بضعثٍ في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها، فلمّا فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنّها تريده فاستأخر عنها وهاب، ثمّ عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع بها ثمّ لم يكن شيءٌ بأوشك من خمودها، فاشتدّ عند ذلك عجبه وفكّر موسى في أمرها فقال: هي نار ممتنعةٌ لا يقتبس منها ولكنّها تتضرّم في جوف شجرة فلا تحرفها همّ خمودها على قدر عظمتها في أوشك من طرفة عينٍ، فلمّا رأى ذلك قال: إنّ لهذه لشأنًا ثمّ وضع أمرها على أنّها مأمورةٌ أو مصنوعةٌ لا يدري من أمرها ولا بما أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيّرًا، لا يدري أيرجع لم يقيم، فبينا هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا أشدّ ما كان خضرةً، وإذا بخضرةٍ ساطعةٍ في السّماء ينظر إليها تغشى الظّلام ثمّ لم تزل الخضرة تنوّر وتسفر وتبياضّ حتّى صارت نورًا ساطعًا عمودًا ما بين السّماء والأرض على مثل شعاع الشّمس تلي دونه الأبصار كلّما نظر إليه تكاد تخطف بصره، فعند ذلك اشتدّ خوفه وحزنه، فردّ يده على عينيه، ولصق بالأرض، وسمع الحسن والوجس، إلا أنّه سمع حينئذٍ شيئًا لم يسمع السّامعون بمثله عظمًا فلمّا بلغ موسى الكرب، واشتدّ عليه الهول، وكاد أن يخالط في عقله من شدّة الخوف بما يسمع ويرى نودي من الشّجرة فقيل: يا موسى، فأجاب سريعًا وما يدري من دعاه وما كان سرعة إجابته إلا استبشارًا بالأنس فقال: لبّيك مرارًا إنّي لأسمع صوتك وأحس وجسك ولا أرى مكانك فأين أنت قال: فوقك، فلمّا سمع هذا موسى علم أنّه لا ينبغي ذلك إلا لربّه فأيقن، به فقال: كذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم رسولك، قال: بل أنا الّذي أكلّمك، فادن منّي فجمع موسى يديه في العثار ثمّ تحامل حتّى استقلّ قائمًا فرعدت فرائصه حتّى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظمٌ يحمل آخر فهو بمنزلة الميّت إلا أنّ روح الحياة تجري فيه، ثمّ زحف على ذلك وهو مرعوبٌ حتّى وقف قريبًا من الشّجرة الّتي نودي منها وذكر الحديث بطوله.
قوله تعالى: أن بورك من في النار
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة والمسعودي، عن عمرو بن مرّة سمع أبا عبيدة يحدّث، عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: إن اللّه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل اللّيل بالنّهار، وعمل النّهار باللّيل ، زاد المسعوديّ وحجابه النّار لو كشفها حرقت سحابة وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره، ثمّ قرأ أبو عبيدة أن بورك من في النّار ومن حولها
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: بورك من في النّار يقول: قدّس.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: أن بورك من في النّار بوركت النّار كذلك يقول ابن العبّاس.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا شريكٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار قال: اللّه في النّور، ونودي من النّور.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسين ابن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ أنّ عكرمة حدّثه، عن ابن عبّاسٍ أن بورك من في النّار قال: كان ذلك النّار، نور، ومن حولها، أن بورك من في النّور، ومن حول النّار.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار يعني نفسه قال: كان نور ربّ العالمين في الشّجرة، ومن حولها.
- حدّثنا أبي، ثنا الحمّانيّ، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ أن بورك من في النّار قال: اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، ثنا أبو معاوية، عن أبي شيبان، عن عكرمة أن بورك من في النّار ومن حولها قال: كان اللّه في نوره.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن أبي شيبة، ثنا عليّ بن حفصٍ المدائنيّ، عن ورقاء عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ أن بورك من في النّار قال: ناداه وهو في النّور.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: أن بورك من في النّار ومن حولها وهي في مصحف أبيّ بن كعبٍ أن بوركت النّار ومن حولها أمّا النّار فيزعمون أنّها ضوءٌ من اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأ مفضّلٌ بن فضالة حدّثنا أبو صخرٍ فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها قال: إنّ موسى صلّى اللّه عليه وسلّم كان على شاطئ الوادي يرعى غنمه، فلمّا رأت الغنم النّار نفرت فقام موسى فصاح بها فاجتمعت، ثمّ نفرت الثّانية، ثمّ قام فصاح بها فاجتمعت، ثمّ نفرت، الثّالثة، فلمّا قام أبصر النّار فسار إليها فلمّا أتاها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها قال: إنّها لم تكن نار ولكنّه كان نور اللّه عزّ وجلّ وهو الّذي كان في ذلك النّور، وإنّما كان ذلك النّور منه وموسى حوله.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا مكّيّ بن إبراهيم، ثنا موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ في قوله عزّ وجلّ: أن بورك من في النّار ومن حولها قال: النّار نور الرّحيم ضوءٌ من نور اللّه عزّ وجلّ ومن حولها موسى النّبيّ والملائكة عليهم السّلام.

الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ أحمد بن حميدٍ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن السّدّيّ أن بورك من في النّار قال: كان في النّار ملائكةٌ.
قوله تعالى: ومن حولها
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ القطّان، ثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاء، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ ومن حولها قال: الملائكة وروي عن عكرمة والحسن، وسعيد بن جبيرٍ وقتادة مثل ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأ مفضّل بن فضالة، حدّثني أبو صخرٍ أن بورك من في النّار ومن حولها قال: كان نور اللّه عزّ وجلّ وهو الّذي كان في ذلك النّور، وإنّما كان ذلك النّور منه وموسى حوله.
قوله تعالى: وسبحان اللّه رب العالمين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ أن بورك من في النّار ومن حولها فلمّا سمع موسى النّداء فزع فقال: سبحان اللّه ربّ العالمين نودي: يا موسى إنّي أنا اللّه ربّ العالمين). [تفسير القرآن العظيم: 9/2843-2847]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نودي أن بورك من في النار قال بوركت النار قال مجاهد وكذلك قال ابن عباس). [تفسير مجاهد: 469]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله نودي أن بورك من في النار قال يقول بوركت النار ناداه الله وهو في النور). [تفسير مجاهد: 469]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين * يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار} يعني تبارك وتعالى نفسه، كان نور رب العالمين في الشجرة {ومن حولها} يعني الملائكة). [الدر المنثور: 11/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وابن مردويه عنه عن ابن عباس {نودي أن بورك من في النار ومن حولها} يقول: بروكت بالنار ناداه الله وهو في النور). [الدر المنثور: 11/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: كانت تلك النار نورا {أن بورك من في النار ومن} حول النار). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس {أن بورك من في النار} قال: بوركت النار.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد، مثله). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: في مصحف أبي بن كعب (بوركت النار ومن حولها) أما النار فيزعمون أنها نور رب العالمين {ومن حولها} الملائكة). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه كان يقرأ (أن بوركت النار) ). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب في الآية قال: النار: نور الرحمن {ومن حولها} موسى والملائكة). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {بورك} قال: قدس). [الدر المنثور: 11/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن ماجه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الاسماء والصفات من طريق أبي عبيدة عن أبي موسى الاشعري قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو رفع الحجاب لا حرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره ثم قرأ أبو عبيدة {أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} ). [الدر المنثور: 11/336]

تفسير قوله تعالى: (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم (9) وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبرًا ولم يعقّب، يا موسى لا تخف، إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيله لموسى: {إنّه أنا اللّه العزيز} في نقمته من أعدائه {الحكيم} في تدبيره في خلقه.
والهاء الّتي في قوله: {إنّه} هاء عمادٍ، وهو اسمٌ لا يظهر في قول بعض أهل العربيّة.
وقال بعض نحويّي الكوفة: يقول هي الهاء المجهولة، ومعناها: أنّ الأمر والشّأن: أنا اللّه). [جامع البيان: 18/13]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم (9)
قوله تعالى: يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا سلمة، عن أبي سنانٍ، عن أبي بكرٍ الثّقفيّ قال: أتى موسى الشّجرة ليلا وهي خضراء والنّار تتردّد فيها فذهب يتناول النّار، فمالت عنه فذعر وفزع، فنودي من شاطئ الواد الأيمن، قال: عن يمين الشّجرة، يا موسى فاستأنس بالصّوت، فقال: أين أنت، أين أنت قبل الصّوت، قال: أنا فوقك، قال: ربّي قال: نعم). [تفسير القرآن العظيم: 9/2847]

تفسير قوله تعالى: (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولم يعقب قال لم يلتفت). [تفسير عبد الرزاق: 2/79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وألق عصاك، فلمّا رآها تهتزّ} في الكلام محذوفٌ ترك ذكره استغناءً بما ذكر عمّا حذف، وهو: فألقاها فصارت حيّةً تهتزّ. {فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} يقول: كأنّها حيّةٌ عظيمةٌ، والجانّ: جنسٌ من الحيّات معروفٌ.
- وقال ابن جريجٍ في ذلك ما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} قال: حين تحوّلت حيّةً تسعى.
وهذا الجنس من الحيّات عنى الرّاجز بقوله:
يرفعن باللّيل إذا ما أسدفا = أعناق جنّانٍ وهامًا رجّفا
وعنقًا باقى الرّسيم خيطفا
وقوله: {ولّى مدبرًا} يقول تعالى ذكره: ولّى موسى هاربًا خوفًا منها. {ولم يعقّب} يقول: ولم يرجع؛ من قولهم: عقّب فلانٌ: إذا رجع على عقبه إلى حيث بدأ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولم يعقّب} قال: لم يرجع.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: لم يلتفت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولم يعقّب} قال: لم يرجع، {يا موسى} قال: لمّا ألقى العصا صارت حيّةً، فرعب منها وجزع، فقال اللّه: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} قال: فلم يرعو لذلك، قال: فقال اللّه له: {أقبل ولا تخف، إنّك من الآمنين} قال: فلم يقف أيضًا على شيءٍ من هذا حتّى قال: {سنعيدها سيرتها الأولى} قال: فالتفت فإذا هي عصًا كما كانت، فرجع فأخذها، ثمّ قوي بعد ذلك عليها، حتّى صار يرسلها على فرعون ويأخذها.
وقوله: {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلاّ من ظلم} يقول تعالى ذكره: فناداه ربّه: يا موسى لا تخف من هذه الحيّة، إنّي لا يخاف لديّ المرسلون: يقول: إنّي لا يخاف عندي رسلي وأنبيائي الّذين أختصّهم بالنّبوّة، إلاّ من ظلم منهم، فعمل بغير الّذي أذن له في العمل به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قوله: {يا موسى لا تخف، إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} قال: لا يخيف اللّه الأنبياء إلاّ بذنبٍ يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتّى يأخذه منه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الفزاريّ، عن عبد اللّه بن المبارك، عن أبي بكرٍ، عن الحسن، قال: قوله: {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلاّ من ظلم} قال: إنّي إنّما أخفتك لقتلك النّفس، قال: وقال الحسن: كانت الأنبياء تذنب فتعاقب، ثمّ تذنب والله فتعاقب). [جامع البيان: 18/14-16]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وألق عصاك
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهبًا قال: فقال له الرّبّ عزّ وجلّ، ألقها يا موسى فظنّ موسى أنّه يقول ارفضها فألقاها على وجه الرّفض.
قوله تعالى: عصاك
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن ابن عبّاسٍ، في عصا موسى قال: تلك العصا أعطاه إيّاها ملكٌ من الملائكة لمّا أن توجّه إلى مدين، فكانت تضيء له اللّيل، ويضرب بها الأرض فيخرج له نباته، ويهشّ بها على غنمه ورق الشّجر.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان اسم عصا موسى ماشا.
- حدّثنا الحسين بن السّكن البصريّ، ثنا أبو زيدٍ النّحويّ، أنبأ قيسٌ، عن مسعود بن مالكٍ، عن ابن جبيرٍ قال: كانت عصا موسى عليه السّلام من عوسجٍ
قوله تعالى: فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبرًا
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهبًا يقول: ثمّ حانت منه نظرةٌ، فإذا بأعظم ثعبانٍ نظر إليه النّاظرون يدبّ يلتمس كأنّه يبتغي شيئًا يريد أخذه، يمرّ بالصّخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ويطعن بالنّاب من أنيابه في أصل الشّجرة العظيمة فيجتثّها عيناه توقدان نارًا، وقد عاد المحجن عرفًا فيه شعرٌ مثل النيازك، وعاد الشعبتان مثل القليب الواسع، فيه أضراسٌ وأنيابٌ لها صريفٌ، فلمّا عاين ذلك موسى، ولّى مدبرًا، ولم يعقب.
قوله تعالى: ولم يعقب
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ولم يعقّب لم يرجع.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ولم يعقّب لم ينتظر.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة ولم يعقّب: أي لم يلتفت.
قوله تعالى: يا موسى لا تخف
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهبًا يقول: فلمّا عاين ذلك موسى ولّى مدبرًا ولم يعقّب، فذهب حتّى أمعن ورأى أنّه قد أعجز الحيّة ثمّ ذكر ربّه فوقف استحياءً منه، ثمّ نودي يا موسى: إليّ ارجع حيث كنت، فرجع موسى وهو شديد الخوف ف قال: خذها بيمينك ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ، فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قوله: ولم يعقّب يا موسى لا تخف قال: لمّا ألقى العصا صارت حيّةً فزع منها وجزع فقال اللّه عزّ وجلّ: إنّي لا يخاف لديّ المرسلون قال: فلم يرعو لذلك فقال له: أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين قال: فلم يعقّب أيضًا على شيءٍ من هذا حتّى قال اللّه عزّ وجلّ: سنعيدها سيرتها الأولى قال: فالتفت فإذا هي عصًا كما كانت فرجع، فأخذها، ثمّ قوي بعد ذلك عليها حتّى صار يرسلها على فرعون ويأخذها.
قوله تعالى: إنّي لا يخاف لديّ المرسلون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: لديّ المرسلون أي عندي المرسلون). [تفسير القرآن العظيم: 9/2847-2849]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولم يعقب قال يقول لم يرجع). [تفسير مجاهد: 469]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم * وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {فلما رآها تهتز كأنها جان} قال: حين تحولت حية تسعى). [الدر المنثور: 11/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولم يعقب يا موسى} قال: لم يرجع وفي قوله {إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء} قال: ثم تاب من بعد ظلمه وإساءته). [الدر المنثور: 11/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولى مدبرا} قال: فارا {ولم يعقب} قال: لم يلتفت، وفي قوله {لا يخاف لدي} قال: عندي وفي قوله {إلا من ظلم} قال: إن الله لم يجز ظالما، ثم عاد الله بعائدته وبرحمته فقال {ثم بدل حسنا بعد سوء} أي فعمل عملا صالحا بعد عمل سيء عمله {فإني غفور رحيم} ). [الدر المنثور: 11/337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ميمون قال: إن الله قال لموسى {إني لا يخاف لدي المرسلون (10) إلا من ظلم} وليس للظالم عندي أمان حتى يتوب). [الدر المنثور: 11/337]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم أنه كان يقرأ هذه الآية: {إلا من ظلم}). [الجامع في علوم القرآن: 3/49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (واختلف أهل العربيّة في وجه دخول إلاّ في هذا الموضع، وهو استثناءٌ مع وعد اللّه الغفران المستثنى من قوله: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} بقوله: {فإنّي غفورٌ رحيمٌ}. وحكم الاستثناء أن يكون ما بعده بخلاف معنى ما قبله، وذلك أن يكون ما بعده إن كان ما قبله منفيًّا مثبتًا كقوله: ما قام إلاّ زيدٌ، فـ(زيدٌ) مثبتٌ له القيام، لأنّه مستثنى ممّا قبل (إلاّ)، وما قبل (إلاّ) منفيّ عنه القيام، وأن يكون ما بعده إن كان ما قبله مثبتًا منفيًّا كقولهم: قام القوم إلاّ زيدًا؛ فـ(زيدٌ) منفيّ عنه القيام؛ ومعناه: إنّ زيدًا لم يقم، والقوم مثبتٌ لهم القيام، و{إلاّ من ظلم، ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ}، فقد أمّنه اللّه بوعده الغفران والرّحمة، وأدخله في عداد من لا يخاف لديه من المرسلين. فقال بعض نحويّي البصرة: أدخلت إلاّ في هذا الموضع، لأنّ إلاّ تدخل في مثل هذا الكلام، كمثل قول العرب: ما أشتكي إلاّ خيرًا؛ فلم يجعل قوله: إلاّ خيرًا على الشّكوى، ولكنّه علم أنّه إذا قال: ما أشتكي شيئًا أن يذكر عن نفسه خيرًا، كأنّه قال: ما أذكر إلاّ خيرًا.
وقال بعض نحويّي الكوفة: يقول القائل: كيف صيّر خائفًا من ظلم، ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ، وهو مغفورٌ له؟ فأقول لك: في هذه الآية وجهان: أحدهما أن يقول: إنّ الرّسل معصومةٌ مغفورٌ لها آمنةٌ يوم القيامة، ومن خلط عملاً صالحًا وآخر سيّئًا فهو يخاف ويرجو، فهذا وجهٌ. والآخر: أن يجعل الاستثناء من الّذين تركوا في الكلمة، لأنّ المعنى: لا يخاف لديّ المرسلون، إنّما الخوف على من سواهم، ثمّ استثنى فقال: {إلاّ من ظلم} يقول: كان مشركًا، فتاب من الشّرك، وعمل حسنًا، فذلك مغفورٌ له، وليس يخاف.
قال: وقد قال بعض النّحويّين: إنّ إلاّ في اللّغة بمنزلة الواو، وإنّما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون، ولا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا، قال: وجعلوا مثله كقول اللّه: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم} قال: ولم أجد العربيّة تحتمل ما قالوا، لأنّي لا أجيز: قام النّاس إلاّ عبد اللّه، وعبد اللّه قائمٌ؛ إنّما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الّذي بعد إلاّ من معنى الأسماء الّتي قبل إلاّ. وقد أراه جائزًا أن يقول: لي عليك ألفٌ سوى ألفٍ آخر؛ فإن وضعت إلاّ في هذا الموضع صلحت، وكانت إلاّ في تأويل ما قالوا، فأمّا مجرّدةً قد استثنى قليلها من كثيرها فلا، ولكن مثله ممّا يكون معنى إلاّ كمعنى الواو، وليست بها قوله {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} هو في المعنى. والّذي شاء ربّك من الزّيادة، فلا تجعل إلاّ بمنزلة الواو، ولكن بمنزلة سوى؛ فإذا كانت سوى في موضع إلاّ صلحت بمعنى الواو، لأنّك تقول: عندي مالٌ كثيرٌ سوى هذا: أي وهذا عندي، كأنّك قلت: عندي مالٌ كثيرٌ وهذا أيضًا عندي، وهو في سوى أبعد منه في إلاّ، لأنّك تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: عندي إلاّ هذا.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في قوله {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل} عندي غير ما قاله هؤلاء الّذين حكينا قولهم من أهل العربيّة، بل هو القول الّذي قاله الحسن البصريّ وابن جريجٍ ومن قال قولهما، وهو أنّ قوله: {إلاّ من ظلم} استثناءٌ صحيحٌ من قوله {لا يخاف لديّ المرسلون إلاّ من ظلم} منهم فأتى ذنبًا، فإنّه خائفٌ لديه من عقوبته.
وقد بيّن الحسن رحمه اللّه معنى قيل اللّه لموسى ذلك، وهو قوله قال: إنّي إنّما أخفتك لقتلك النّفس.
فإن قال قائلٌ: فما وجه قيله إن كان قوله {إلاّ من ظلم} استثناءً صحيحًا، وخارجًا من عداد من لا يخاف لديه من المرسلين، وكيف يكون خائفًا من كان قد وعد الغفران والرّحمة؟
قيل: إنّ قوله: {ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} كلامٌ آخر بعد الأوّل، وقد تناهى الخبر عن الرّسل من ظلم منهم، ومن لم يظلم عند قوله {إلاّ من ظلم} ثمّ ابتدأ الخبر عمّن ظلم من الرّسل وسائر النّاس غيرهم. وقيل: فمن ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي له غفورٌ رحيمٌ.
فإن قال قائلٌ: فعلام تعطف إن كان الأمر كما قلت بثمّ إن لم يكن عطفًا على قوله: {ظلم}؟
قيل: على متروكٍ استغنى بدلالة قوله {ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} عليه عن إظهاره، إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره، وهو: فمن ظلم من الخلق. وأمّا الّذين ذكرنا قولهم من أهل العربيّة، فقد قالوا على مذهب العربيّة، غير أنّهم أغفلوا معنى الكلمة وحملوها على غير وجهها من التّأويل. وإنّما ينبغي أن يحمل الكلام على وجهه من التّأويل، ويلتمس له على ذلك الوجه للإعراب في الصّحّة مخرجٌ، لا على إحالة الكلمة عن معناها ووجهها الصّحيح من التّأويل.
وقوله: {ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} يقول تعالى ذكره: فمن أتى ظلمًا من خلق اللّه، وركب مأثمًا، ثمّ بدّل حسنًا، يقول: ثمّ تاب من ظلمه ذلك وركوبه المأثم، {فإنّي غفورٌ رحيمٌ} يقول: فإنّي ساترٌ على ذنبه وظلمه ذلك بعفوي عنه، وترك عقوبته عليه {رحيمٌ} به أن أعاقبه بعد تبديله الحسن بعده.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} ثمّ تاب من بعد إساءته {فإنّي غفورٌ رحيمٌ} ). [جامع البيان: 18/16-20]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ (11)
وفي قوله: إلا من ظلم أي اللّه عزّ وجلّ، لم يجز ظالمًا.
قوله: ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ ثمّ تاب من بعد ظلمه وإسائته.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة ثم عاد اللّه، عزّ وجلّ بعائدته وبرحمته فقال: ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ أي فعمل عملا صالحًا بعد عملٍ سيّئٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ.
قوله تعالى: فإنّي غفورٌ رحيمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: غفورٌ لما كان منه قبل التّوبة رحيمٌ لمن تاب). [تفسير القرآن العظيم: 9/2849-2850]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ثم بدل حسنا بعد سوء يقول تاب من بعد إساءة فإني غفور رحيم). [تفسير مجاهد: 469-470]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولم يعقب يا موسى} قال: لم يرجع وفي قوله {إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء} قال: ثم تاب من بعد ظلمه وإساءته). [الدر المنثور: 11/336] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولى مدبرا} قال: فارا {ولم يعقب} قال: لم يلتفت، وفي قوله {لا يخاف لدي} قال: عندي وفي قوله {إلا من ظلم} قال: إن الله لم يجز ظالما، ثم عاد الله بعائدته وبرحمته فقال {ثم بدل حسنا بعد سوء} أي فعمل عملا صالحا بعد عمل سيء عمله {فإني غفور رحيم} ). [الدر المنثور: 11/337] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ميمون قال: إن الله قال لموسى {إني لا يخاف لدي المرسلون (10) إلا من ظلم} وليس للظالم عندي أمان حتى يتوب). [الدر المنثور: 11/337] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن زيد بن اسلم أنه قرأ {إلا من ظلم} ). [الدر المنثور: 11/337]

تفسير قوله تعالى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني مالك قال: التسع الآيات التي أعطيهن موسى: الحجر، والعصى، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطور). [الجامع في علوم القرآن: 2/136] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيله لنبيّه موسى: {وأدخل يدك في جيبك} ذكر أنّه تعالى ذكره أمره أن يدخل كفّه في جيبه؛ وإنّما أمره بإدخاله في جيبه، لأنّ الّذي كان عليه يومئذٍ مدرعةٌ من صوفٍ. قال بعضهم: لم يكن لها كمٌّ.
وقال بعضهم: كان كمّها إلى بعض يده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وأدخل يدك في جيبك} قال: الكفّ قطّ {في جيبك}. قال: كانت مدرعةٌ إلى بعض يده، ولو كان لها كمٌّ أمره أن يدخل يده في كمّه.
- قال: حدّثني حجّاجٌ، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عمرو بن ميمونٍ، قال: قال ابن مسعودٍ: إنّ موسى أتى فرعون حين أتاه في ذرمانقةٍ، يعني جبّة صوفٍ.
وقوله: {تخرج بيضاء} يقول: تخرج اليد بيضاء بغير لون موسى من {غير سوءٍ} يقول: من غير برصٍ {في تسع آياتٍ}، يقول تعالى ذكره: أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ، فهي آيةٌ في تسع آياتٍ مرسلٌ أنت بهنّ إلى فرعون؛ وترك ذكر مرسلٍ لدلالة قوله {إلى فرعون وقومه} على أنّ ذلك معناه، كما قال الشّاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافةً = وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
ومعنى الكلام: رأتني مقبلاً بحبليها، فترك ذكر مقبلٍ استغناءً بمعرفة السّامعين معناه في ذلك، إذ قال: رأتني بحبليها؛ ونظائر ذلك في كلام العرب كثيرةٌ.
والآيات التّسع: هنّ الآيات الّتي بيّنّاهنّ فيما مضى.
- وقد حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه} قال: هي الّتي ذكر اللّه في القرآن: العصا، واليد، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والطّوفان، والدّم، والحجر، والطّمس الّذي أصاب آل فرعون في أموالهم.
وقوله: {إنّهم كانوا قومًا فاسقين} يقول: إنّ فرعون وقومه من القبط كانوا قومًا فاسقين، يعني كافرين باللّه.
وقد بيّنّا معنى (الفسق) فيما مضى). [جامع البيان: 18/20-22]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين (12)
قوله تعالى: وأدخل يدك في جيبك
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان بن المبارك، ثنا شريكٌ، ثنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ قال: كانت على موسى جبّةٌ من صوفٍ لا تبلغ مرفقيه فقال: له أدخل يدك في جيبك فأدخلها.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: يدك: الكفّ.
قوله تعالى: في جيبك
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ في جيبك قال: الجيب جيب القميص.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: في جيبك كانت عليه مدرعةٌ، إلى بعض يده، ولو كان لها كمٌّ أمره أن يدخل يد في كمّه.
قوله: تخرج بيضاء
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، ثنا ابن المبارك، ثنا شريكٌ، أنبأ يزيد بن أبي زيادٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: تخرج بيضاء قال: فأدخلها ثمّ أخرجها بيضاء من غير سوءٍ، كأنّها فروٌ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، عن عبد اللّه بن الأسود الحارثيّ، عن قرّة بن خالدٍ، عن الحسن بيضاء من غير سوءٍ قال: أخرجها واللّه كأنّها مصابيح فعلم واللّه موسى قد لقي ربّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: من غير سوءٍ
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا محمّد بن الحسن، ويزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيدٍ الورّاق، عن القاسم بن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أخرج يده بيضاء من غير سوءٍ يعني البرص- وروي عن مجاهدٍ وعكرمة وقتادة والضّحّاك، والسّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
قوله تعالى: في تسع آياتٍ
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، أخبرني عمرو بن مرّة سمع عبد اللّه بن سلمة يحدّث، عن صفوان بن عسّالٍ المراديّ، أنّ رجلين من أهل الكتاب، قال أحدهما لصاحبه: اهب بنا إلى هذا النّبيّ، فقال: لا يسمعون هذا فتصير له أربعة أعينٍ، فأتياه فسألاه، عن تسع آياتٍ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تشركوا باللّه شيئًا، ولا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرّبا ولا تقذفوا المحصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، ولا تمشوا ببريءٍ، إلى السّلطان لتقتلوه أو تهلكوه، وعليكم خاصّة يهود أن لا تعدوا في السّبت، فقبّلا يده ورجليه وقالا: نشهد أنّك نبيّ اللّه قال: فما منعكما من اتّباعي فقالا: إنّ داود دعا أن يزال في ذرّيّته نبيٌّ، وإنّا نخشى إن تبعناك، أن تقتلنا اليهود.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا النّفيليّ، يونس بن راشدٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: في تسع آياتٍ قال: هو الطّوفان، والجراد، والقمّل والضّفادع، والدّم، والعصا، واليد، ونقص من الثمرات والسنين- وروي عن عبيد بن عميرٍ والشّعبيّ، وعكرمة، وأبي صالحٍ، والسّدّيّ، ومحمّد بن كعبٍ مثل ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد اللّه بن عبد الملك بن الرّبيع بن أبي راشدٍ، ثنا عمرو بن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ تسع آياتٍ قال: يده وعصاه ولسانه والبحر والطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٌ مفصّلاتٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ، عن محمّد بن كعب القرظي، قال: سألني عمر بن عبد العزيز، عن التّسع آياتٍ الّتي أراهنّ اللّه فرعون فقلت:
الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم وعصاه ويده والطّمسة والبحر.
قوله تعالى: إلى فرعون وقومه
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهبًا يقول: قال له ربّه عزّ وجلّ يا موسى ادنه، فلم يدنه، حتّى شدّ ظهره بجذع الشّجرة فاستقرّ وذهبت عنه الرّعدة وجمع يديه في العصا، وخضع برأسه وعنقه، ثمّ قال له، إنّي قد أقمتك اليوم في مقامٍ لا ينبغي لبشرٍ بعدك أن يقوم مقامك، أدنيتك وقرّبتك، حتّى سمعت كلامي.
وباقي الحديث مكتوبٌ في سورة طه.
قوله تعالى: إنّهم كانوا قومًا فاسقين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فاسقين يعني عاصين). [تفسير القرآن العظيم: 9/2850-2852]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت على موسى جبة لا تبلغ مرفقيه فقال له {وأدخل يدك في جيبك} فادخلها). [الدر المنثور: 11/337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن المنذر عن مقسم قال: إنما قيل {وأدخل يدك في جيبك} لأنه لم يكن لها كم). [الدر المنثور: 11/337-338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كانت عليه مدرعة إلى بعض يده، ولو كان لها كم أمره أن يدخل يده في كمه). [الدر المنثور: 11/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وأدخل يدك في جيبك} قال: جيب القميص). [الدر المنثور: 11/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وأدخل يدك في جيبك} قال: في جيب قميصك {تخرج بيضاء من غير سوء} قال: من غير برص {في تسع آيات} قال: يقول هاتان الآيتان: يد موسى وعصاه والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين في بواديهم ومواشيهم ونقص من الثمرات في أمصارهم، وفي قوله {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} قال: بينة {وجحدوا بها} قال: كذبت القوم بآيات الله بعدما استيقنتها أنفسهم انها حق، والجحود لا يكون إلا من بعد المعرفة). [الدر المنثور: 11/338]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ (13) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا جاءت فرعون وقومه آياتنا، يعني أدلّتنا وحججنا، على حقيقة ما دعاهم إليه موسى وصحّته، وهي الآيات التّسع الّتي ذكرناها قبل.
وقوله {مبصرةً} يقول: يبصر بها من نظر إليها ورآها حقيقةً ما دلّت عليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً} قال: بيّنةً، {قالوا هذا سحرٌ مبينٌ} يقول: قال فرعون وقومه: هذا الّذي جاءنا به موسى {سحرٌ مبينٌ}، يقول: يبين للنّاظر إليه أنّه سحرٌ). [جامع البيان: 18/22]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ (13)
قوله تعالى: فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً أي بيّنة.
قوله تعالى: قالوا هذا سحرٌ مبينٌ
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق هذا سحرٌ مبينٌ أي ما ساحرٌ أسحر منك). [تفسير القرآن العظيم: 9/2852]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وأدخل يدك في جيبك} قال: في جيب قميصك {تخرج بيضاء من غير سوء} قال: من غير برص {في تسع آيات} قال: يقول هاتان الآيتان: يد موسى وعصاه والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين في بواديهم ومواشيهم ونقص من الثمرات في أمصارهم، وفي قوله {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} قال: بينة {وجحدوا بها} قال: كذبت القوم بآيات الله بعدما استيقنتها أنفسهم انها حق، والجحود لا يكون إلا من بعد المعرفة). [الدر المنثور: 11/338] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وجحدوا بها} يقول: وكذّبوا بالآيات التّسع أن تكون من عند اللّه.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وجحدوا بها} قال: الجحود: التّكذيب بها.
وقوله: {واستيقنتها أنفسهم} يقول: وأيقنتها قلوبهم، وعلموا يقينًا أنّها من عند اللّه، فعاندوا بعد تبيّنهم الحقّ، ومعرفتهم به.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {واستيقنتها أنفسهم} قال: يقينهم في قلوبهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه: {واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا} قال: استيقنوا أنّ الآيات من اللّه حقٌّ، فلم جحدوا بها؟ قال: ظلمًا وعلوًّا.
وقوله: {ظلمًا وعلوًّا} يعني بالظّلم: الاعتداء، والعلوّ: الكبر، كأنّه قيل: اعتداءً وتكبّرًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ظلمًا وعلوًّا} قال: تعظّمًا واستكبارًا.
ومعنى ذلك: وجحدوا بالآيات التّسع ظلمًا وعلوًّا، واستيقنتها أنفسهم أنّها من عند اللّه، فعاندوا الحقّ بعد وضوحه لهم، فهو من المؤخّر الّذي معناه التّقديم.
وقوله: {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فانظر يا محمّد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الّذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرةً، وماذا حلّ بهم من إفسادهم في الأرض ومعصيتهم فيها ربّهم، وأعقبهم ما فعلوا، فإنّ ذلك أخرجهم من جنّاتٍ وعيونٍ، وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ، إلى هلاكٍ في العاجل بالغرق، وفي الآجل إلى عذابٍ دائمٍ، {لا يفتّر عنهم وهم فيه مبلسون} يقول: وكذلك يا محمّد سنّتي في الّذين كذّبوا بما جئتهم به من الآيات على حقيقة ما تدعوهم إليه من الحقّ من قومك). [جامع البيان: 18/22-24]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وجحدوا بها
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة وجحدوا بها والجحود لا يكون إلا من بعد معرفةٍ.
- أخبرنا عبيد بن يحيى بن حمزة فيما كتب إليّ، ثنا أبو الجماهر، حدّثني سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة قوله: وجحدوا بها قال: كذّب بها القوم وبها في قوله: بها بآيات اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: واستيقنتها أنفسهم
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم قال: جحدوا بها بعد ما استيقنتها أنفسهم أنّها حقٌّ.
- أخبرنا عبيد بن محمّد بن يحيى بن حمزة فيما كتب إليّ، ثنا أبو الجماهر، حدّثني سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة واستيقنتها أنفسهم وقد أيقنتها أنفسهم، أنّ موسى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله: واستيقنتها أنفسهم قال: استيقنوا أنّ الآيات من اللّه حقٌّ فلم يجحدوا بها، قال: ظلمًا وعلوًّا.
قوله تعالى: ظلمًا وعلوًّا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا الحسين بن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة قال: العلوّ في كتاب اللّه التّجبّر.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور، حدّثني عثمان بن عطا، عن أبيه عطا، أمّا ظلمًا وعلوًّا فظلمًا وتعظّمًا واستكبارًا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا قال: فتكبّروا وقد استيقنتها أنفسهم، وهذا في التّقديم والتّأخير قوله: فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: وكان فسادهم ذلك معصية اللّه لأنّه من عصى اللّه في الأرض، أو أمر بمعصية، فقد أفسد في الأرض، لأنّ صلاح الأرض والسّماء بالطّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 9/2852-2853]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وأدخل يدك في جيبك} قال: في جيب قميصك {تخرج بيضاء من غير سوء} قال: من غير برص {في تسع آيات} قال: يقول هاتان الآيتان: يد موسى وعصاه والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين في بواديهم ومواشيهم ونقص من الثمرات في أمصارهم، وفي قوله {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} قال: بينة {وجحدوا بها} قال: كذبت القوم بآيات الله بعدما استيقنتها أنفسهم انها حق، والجحود لا يكون إلا من بعد المعرفة). [الدر المنثور: 11/338] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {ظلما وعلوا} قال: تعظما واستكبارا). [الدر المنثور: 11/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} قال: تكبروا وقد استيقنتها أنفسهم، وهذا من التقديم والتأخير). [الدر المنثور: 11/338-339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الاعمش أنه قرأ (ظلما وعليا) وقرأ عاصم {وعلوا} برفع العين واللام). [الدر المنثور: 11/339]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 09:50 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإنّك لتلقّى القرءان} [النمل: 6] لتقبل القرآن في تفسير الحسن.
وقال قتادة: وإنّك لتأخذ القرآن.
وقال السّدّيّ: وإنّك لتؤتى القرآن.
قال: {من لدن} [النمل: 6]، أي: من عند.
{حكيمٍ عليمٍ} [النمل: 6]، يعني: نفسه، حكيمٌ في أمره عليمٌ بخلقه). [تفسير القرآن العظيم: 2/533]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ( {وإنّك لتلقّى القرآن}: أي : تأخذه عنه , ويلقى عليك.). [مجاز القرآن: 2/92]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإنّك لتلقّى القرآن}: أي : يلقي عليك , فتلقّاه أنت، أي: تأخذه.).[تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم}
أي: يلقى إليك القرآن وحيا من عند الله، أنزله بعلمه، وحكمته ).[معاني القرآن: 4/108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم}: أي يلقى عليك، فتتلقاه ). [معاني القرآن: 5/114]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لتلقى}: أي: لتناول، {من لدن حكيم عليم} أي: من عند حكيم عليم ). [ياقوتة الصراط: 391]

تفسير قوله تعالى:{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا} [النمل: 7] قال قتادة: إنّي أحسست نارًا.
وقال في آيةٍ أخرى: {إذ رأى نارًا} [طه: 10] رآها نارًا عند نفسه، وإنّما كانت نورًا.
وتفسير السّدّيّ: {إنّي آنست نارًا} [النمل: 7]، يعني: أنّي رأيت نورًا.
{سآتيكم منها بخبرٍ} [النمل: 7] الطّريق، وكان على غير طريقٍ.
وقال في آيةٍ أخرى: {أو أجد على النّار هدًى} [طه: 10]، أي: هداةً يهدون إلى الطّريق.
[تفسير القرآن العظيم: 2/533]
{أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ} [النمل: 7] وقال في آيةٍ أخرى: {أو جذوةٍ من النّار} [القصص: 29] وهو أصل الشّجرة.
{لعلّكم تصطلون} [النمل: 7] لكي تصطلوا.
قال قتادة: وكان شاتيًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/534]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ...}

نوّن عاصم، والأعمش في الشهاب، والقبس، وأضافه أهل المدينة:{بشهاب قبس} وهو بمنزلة قوله: {ولدار الآخرة} ممّا يضاف إلى اسمه إذا اختلف أسماؤه ). [معاني القرآن: 2/286]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّي آنست ناراً } أي: أبصرت وأحسست بها، {بشهابٍ قبسٍ} أي : بشعالة نارٍ، ومجاز {قبس}: ما اقتبست منها من الجمر، قال:
في كفّه صعدة مثقفة= فيها سنانٌ كشعلة القبس.).
[مجاز القرآن: 2/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إذ قال موسى لأهله إنّي آنست ناراً سآتيكم مّنها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لّعلّكم تصطلون}
وقال: {بشهابٍ قبسٍ}، إذا جعل "القبس" بدلا من "الشّهاب"، وإن أضاف "الشّهاب" إلى "القبس" لم ينون "الشّهاب"، وكلٌّ حسن ).[معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {آنست نارا}: أبصرت وأحسست.
{بشهاب قبس}: الشهاب النار. والقبس الاقتباس). [غريب القرآن وتفسيره: 286]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( (الشهاب): النار، والشهاب: الكوكب، في موضع آخر، و(القبس): النار تقبس.
يقال: قبست النار قبساً، واسم ما قبست: «قبس» ).[تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلّكم تصطلون}:
موضع (إذ) نصب.
المعنى : اذكر إذ قال موسى لأهله، أي : اذكر قصة موسى.
ومعنى :{آنست ناراً}: رأيت ناراً.
وقوله عزّ وجلّ : {أو آتيكم بشهاب قبس}: يقرأ بالتّنوين وبالإضافة، فمن نوّن جعل { قبس }من صفة شهاب، وكل أبيض ذي نور، فهو شهاب.
وقوله عزّ وجلّ:{لعلّكم تصطلون} جاء في التفسير : أنهم كانوا في شتاء، فلذلك احتاجوا إلى الاصطلاء ). [معاني القرآن: 4/108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً}
قال أبو عبيدة : أي: أبصرت.
قال أبو جعفر : ومنه قيل : إنس ؛ لأنهم مرئيون .
ثم قال جل وعز: {سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس}
قال أبو عبيدة : الشهاب : النار .
قال أبو إسحاق : قال لكل ذي نور : شهاب.
قال أحمد بن يحيى : أصل الشهاب : عود في أحد طرفيه جمرة , والآخر لا نار فيه، والجذوة كذلك إلا أنها أغلظ من الشهاب، سميت جذوة لأنها أصل الشجرة كما هي .
قال أبو جعفر : يقال: قبست النار، أقبسها قبساً، والاسم القبس.
ثم قال جل وعز: {لعلكم تصطلون}
روى عكرمة , عن ابن عباس قال : كانوا شاتين، وكانوا قد أخطأوا الطريق ). [معاني القرآن: 5/114-115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ({آنَسْتُ}: أبصرت.
(الشِهَابٍ): النار
(القَبَسٍ): النار
{تصْطَلُونَ}: تسخنون بها ). [العمدة في غريب القرآن: 229]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جاءها} [النمل: 8] جاء إلى النّار عند نفسه.
{نودي أن بورك من في النّار} [النمل: 8]، أي: أنّها عند موسى نارٌ، يعني بقوله: {بورك من في النّار} [النمل: 8] نفسه، وإنّما كان ضوء نور ربّ العالمين، في تفسير سعيدٍ عن قتادة.
{ومن حولها} [النمل: 8] قال قتادة: {ومن حولها} [النمل: 8] الملائكة، وهي في مصحف أبيّ بن كعبٍ: نودي أن بوركت النّار ومن حولها.
{وسبحان اللّه ربّ العالمين {8} يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم {9}). [تفسير القرآن العظيم: 2/534]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {نودي أن بورك من في النّار...}

تجعل (أن) في موضع نصب إذا أضمرت اسم موسى في {نودي} , وإن لم تضمر اسم موسى كانت (أن) في موضع رفع: نودي ذلك , وفي حرف أبيّ: {أن بوركت النار}،
{ومن حولها} : يعني: الملائكة، والعرب تقول: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك ). [معاني القرآن: 2/286]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}
قال: {نودي أن بورك أي: نودي بذلك ). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}
أي : فلمّا جاء موسى النار{نودي أن بورك من في النّار ومن حولها}.
فموضع " أن " إن شئت كان نصباً، وإن شئت كان رفعاً، فمن حكم عليها بالنصب، فالمعنى نودي موسى، بأنّه بورك من في النّار، واسم ما لم يسمّ فاعله مضمر في {نودي},
ومن حكم عليها بالرفع، كانت اسم ما لم يسمّ فاعله، أي : نودي أن بورك، وجاء في التفسير أن {من في النار} ههنا نور اللّه عزّ وجلّ .
{ومن حولها} قيل : الملائكة، وقيل: نور اللّه.
وقوله: {وسبحان اللّه ربّ العالمين}معناه : تنزيه اللّه تبارك وتعالى عن السوء، كذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا فسّره أهل اللغة ). [معاني القرآن: 4/108-109]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها}
أي : فلما جاءها موسى نودي : {أن بورك من في النار ومن حولها}.
روى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: النار نور الله جل وعز نادى موسى صلى الله عليه وسلم , وهو في النور , {ومن حولها }: الملائكة .
وروى موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب : النار : نور الله جل وعز، ومن حولها : موسى والملائكة صلى الله عليه وسلم .
وقيل : {من في النار }: الملائكة الموكلون بها، {ومن حولها }:ىالملائكة أيضاً، والمعنى يقولون : سبحان الله رب العالمين
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد :{ولم يعقب}: ولم يرجع ).[معاني القرآن: 5/116-117]

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّه أنا اللّه...}
هذه الهاء: هاء عماد، وهو اسم لا يظهر، وقد فسّر.).[معاني القرآن: 2/287]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وألق عصاك} [النمل: 10] فألقاها.
{فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} [النمل: 10] كأنّها حيّةٌ، وقال في آيةٍ أخرى: {فإذا هي حيّةٌ تسعى} [طه: 20].
{ولّى مدبرًا} [النمل: 10] من الفرق.
{ولم يعقّب} [النمل: 10] وقال قتادة: أي: ولم يلتفت.
[تفسير القرآن العظيم: 2/534]
وقال مجاهدٌ: ولم يرجع.
{يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} [النمل: 10] قال قتادة: عندي.
{إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ} [النمل: 11] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/535]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الحسن: {لا يخاف لديّ المرسلون} [النمل: 10] في الآخرة وفي الدّنيا، لأنّهم أهل الولاية وأهل المحبّة: {إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} [النمل: 11] فإنّه لا يخاف عندي، وكان موسى ممّن ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ، فغفر اللّه له، وهو قتل ذلك القبطيّ، لم يتعمّد قتله ولكن تعمّد وكزه). [تفسير القرآن العظيم: 2/535]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {كأنّها جانٌّ...}

الجانّ: الحيّة: التي ليست بالعظيمة, لا الصّغيرة، وقوله: {ولّى مدبراً ولم يعقّب}: لم يلتفت، وقوله: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}، ثم استثنى، فقال: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ...} فهذا مغفور له، فيقول القائل. كيف صيّر خائفاً؟ قلت: في هذه وجهان: أحدهما أن تقول: إن الرّسل معصومة، مغفور لها، آمنة يوم القيامة, ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً، فهو يخاف، ويرجو: فهذا وجه، والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة؛ لأنّ المعنى: لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم ). [معاني القرآن: 2/287]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ثم استثنى فقال: {إلاّ من ظلم}، فإنّ هذا لا يخاف يقول: كان مشركاً, فتاب، وعمل حسناً، فذلك مغفور له، ليس بخائف.
وقد قال بعض النحويّين: إن (إلا) في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون، ولا من ظلم ثم بدّل حسنا، وجعلوا مثله قول الله: {لئلاّ يكون للناس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا} أي : ولا الذين ظلموا، ولم أجد العربيّة تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيز قام الناس إلا عبد الله، وهو قائم؛ إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلاّ من معنى الأسماء قبل إلاّ.
وقد أراه جائزاً أن تقول: عليك ألف سوى ألفٍ آخر، فإن وضعت (إلاّ) في هذا الموضع صلحت , وكانت (إلاّ) في تأويل ما قالوا, فأما مجرّدةً قد استثنى قليلها من كثيرها فلا, ولكن مثله ممّا يكون في معنى إلاّ كمعنى الواو , وليست بها، قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك}، هو في المعنى: إلاّ الذي شاء ربّك من الزيادة، فلا تجعل إلا {في منزلة}الواو، ولكن بمنزلة سوى, فإذا كانت سوى في موضع إلاّ صلحت بمعنى الواو؛ لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا، أي : و هذا عندي؛ كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا، وهو في سوى أنفذ منه في إلاّ لأنك قد تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: إلاّ هذا ). [معاني القرآن: 2/288]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كأنّها جانٌّ}: وهي جنس من الحيات، "ولم يعقّب " أي : ولم يرجع، يقال: عقب عليه، فأخذه ).[مجاز القرآن: 2/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ}: لأن {إلاّ} تدخل في مثل هذا الكلام كمثل قول العرب: "ما أشتكي إلاّ خيراً" , فلم يجعل قوله "إلاّ خيراً" على الشكوى، ولكنه علم إذا قال لهم "ما أشتكي شيئاً" أنه يذكر من نفسه خيراً، كأنه قال "ما أذكر إلاّ خيراً".). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الجان): الحيّة التي ليست بعظيمة، {ولم يعقّب}: لم يرجع، ويقال: لم يلتفت، يقال: كرّ على القوم، وما عقّب،
ويرى أهل النظر: أنه مأخوذ من «العقب» ). [تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون إلّا من ظلم}: مفسر في كتاب «تأويل المشكل».). [تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقوله سبحانه:{إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} لم يقع الاستثناء من المرسلين، وإنما وقع من معنى مضمر في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسلون، بل غيرهم الخائف، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف.
وهذا قول الفراء، وهو يبعد: لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام- على هذا التأويل- دليل على باطنه.
قال أبو محمد:
والذي عندي فيه، والله أعلم، أنّ موسى عليه السلام، لما خاف الثعبان وولّى ولم يعقّب، قال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}
وعلم أن موسى مستشعر خيفة أخرى من ذنبه في الرّجل الّذي وكزه فقضى عليه، فقال: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} أي توبة وندما، فإنه يخاف، وإني غفور رحيم. وبعض النحويين يحمل (إلّا من ظلم) بمعنى: ولا من ظلم، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.
على مذهب من تأول هذا في (إلّا): كقوله في سورة الأنفال، بعد وصف المؤمنين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}. ولم يشبّه قصة المؤمنين بإخراج الله إيّاه، ولكن الكلام مردود إلى معنى في أول السورة ومحمول عليه، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم، رأى يوم بدر قلّة المسلمين وكراهة كثير منهم للقتال، فنفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، وجعل لكل من قتل قتيلا كذا، ولمن أتى بأسير كذا، فكره ذلك قوم فتنازعوا واختلفوا وحاجّوا النبي، صلّى الله عليه وسلم، وجادلوه، فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلها لمن يشاء {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. أي فرّقوها بينكم على السواء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}،
ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يريد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك،
كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر:
ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن: 219-220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقوله سبحانه: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}
لم يقع الاستثناء من المرسلين، وإنما وقع من معنى مضمر في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسلون، بل غيرهم الخائف، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف.
وهذا قول الفراء، وهو يبعد: لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام- على هذا التأويل- دليل على باطنه.
قال أبو محمد:
والذي عندي فيه، والله أعلم، أنّ موسى عليه السلام، لما خاف الثعبان وولّى ولم يعقّب، قال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}
وعلم أن موسى مستشعر خيفة أخرى من ذنبه في الرّجل الّذي وكزه فقضى عليه، فقال: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} أي توبة وندما، فإنه يخاف، وإني غفور رحيم. وبعض النحويين يحمل (إلّا من ظلم) بمعنى: ولا من ظلم، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}. على مذهب من تأول هذا في (إلّا): كقوله في سورة الأنفال، بعد وصف المؤمنين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}. ولم يشبّه قصة المؤمنين بإخراج الله إيّاه، ولكن الكلام مردود إلى معنى في أول السورة ومحمول عليه، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم، رأى يوم بدر قلّة المسلمين وكراهة كثير منهم للقتال، فنفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، وجعل لكل من قتل قتيلا كذا، ولمن أتى بأسير كذا، فكره ذلك قوم فتنازعوا واختلفوا وحاجّوا النبي، صلّى الله عليه وسلم، وجادلوه، فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلها لمن يشاء {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. أي فرّقوها بينكم على السواء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يريد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك، كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر:
ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن: 221-219] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبرا ولم يعقّب يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}
{فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبراً}:أي: تتحرك كما يتحرك الجانّ حركة خفيفة، وكانت في صورة الثعبان، وهو؛ العظيم من الحيات.
{ولّى مدبرا ولم يعقّب}: جاء في التفسير : {لم يعقب}: لم يلتفت، وجاء أيضًا : لم يرجع.
وأهل اللغة يقولون : لم يرجع، يقال: قد عقّب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى.
قال لبيد:
حتّى تهجّر في الرّواح وهاجه= طلب المعقّب حقّه المظلوم
وقوله عزّ وجلّ: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}:معناه : لا يخاف عندي المرسلون.). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم}
(إلّا) استثناء ليس من الأوّل، والمعنى، واللّه أعلم، لكن من ظلم , ثم تاب من المرسلين وغيرهم، وذلك قوله: {ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم} ). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم}
في معناه أقوال:
أ- منها: أن في الكلام حذفاً, والمعنى :إني لا يخاف لدي المرسلون, إنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم , ثم تاب ؛ فإنه لا يخاف .
ب- وقيل : المعنى : لا يخاف لدي المرسلون , لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم, ثم تاب , فليس يخاف.
ج- وقيل :إلا بمعنى الواو , وذا ليس بجيد في العربية.). [معاني القرآن: 5/117]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولَمْ يُعَقِّبْ}: أي : لم يرجع , ولم يلتفت.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وأدخل يدك} [النمل: 12] قال السّدّيّ: يعني: يده بعينها.
{في جيبك} [النمل: 12] قال قتادة: أي: في جيب قميصك.
{تخرج بيضاء من غير سوءٍ} [النمل: 12] قال: من غير برصٍ، في تفسير قتادة والسّدّيّ.
قال: وحدّثني قرّة بن خالدٍ عن الحسن، قال: أخرجها واللّه كأنّها مصباحٌ، فعلم موسى أن قد لقي ربّه.
وقوله عزّ وجلّ: {في تسع آياتٍ} [النمل: 12] قال السّدّيّ: مع تسع آياتٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/535]
{إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين} [النمل: 12] قال مجاهدٌ: التّسع الآيات: يده، وعصاه، والطّوفان، والجراد، والقمّل والضّفادع، والدّم، {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات} [الأعراف: 130].
الحسن بن دينارٍ، عن يزيد الرّقاشيّ، قال: الطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم، ويده، وعصاه، والسّنين، ونقصٌ من الثّمرات). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ...}

معناه: افعل هذا , فهي آية في تسع, ثم قال: {إلى فرعون} , ولم يقل: مرسل , ولا مبعوث؛ لأنّ شأنه معروف أنه مبعوث إلى فرعون. وقد قال الشاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافةً = وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
أراد: رأتني أقبلت بحبليها: بحبلي النّاقة , فأضمر فعلاً، كأنه قال: رأتني مقبلاً.
وقوله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} , نصب بإضمار {أرسلنا} ). [معاني القرآن: 2/288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ} : أي: هذه الآية مع تسع آيات ). [تفسير غريب القرآن: 323]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ}.
أراد في تسع آيات إلى هذه الآية، أي معها. ثم قال: إلى فرعون ولم يقل مرسلا ولا مبعوثا، لأن ذلك معروف.
ومثله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} أي: أرسلنا.
قال الشاعر:
رأتني بحبلَيْها فصدَّتْ مَخافةً = وفي الحبلِ رَوعاءُ الفؤادِ فَرُوقُ
أراد مقبلا بحبليها). [تأويل مشكل القرآن: 217-218]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قوما فاسقين}
المعنى : أدخل يدك في جيبك , وأخرجها , تخرج بيضاء من غير سوء.
جاء في التفسير {من غير سوء}: من غير برص، وجاء أيضا، أنه كانت عليه مدرعة صوف بغير كمّين.
وقوله عزّ وجلّ: {في تسع آيات إلى فرعون وقومه}
{في}: من صلة قوله: وألق عصاك، وأدخل يدك.
فالتأويل: وأظهر هاتين الآيتين في تسع آيات , وتأويله من بين آيات.
وجاء في التفسير : أنّ التّسع :كون يده بيضاء من غير سوء، وكون العصا حيّة وما أصاب آل فرعون من الجدب في بواديهم، ونقص الثّمار من مزارعهم، وإرسال الجراد عليهم، والقمّل، والضفادع، والدّم والطوفان, فهذه تسع آيات.
ومثل قوله: {في تسع آيات}, ومعناه، من تسع قولهم: خذ لي عشرا ًمن الإبل فيها فحلان، المعنى : منها فحلان ). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء}
المعنى : وأخرجها : تخرج بيضاء .
وروى مقسم , عن ابن عباس : من غير سوء : من غير برص .
ثم قال جل وعز: {في تسع آيات}
المعنى : من تسع آيات , وفي : بمعنى من , لقربها منها , كما تقول: خذ لي عشراً من الإبل , فيها فحلان, أي: منها , وقال الأصمعي في قول امرئ القيس:
وهل ينعمن من كان آخر عهده= ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
في بمعنى من، ويجوز أن تكون بمعنى مع، والمعنى : وألق عصاك، وأدخل يدك في جيبك، آيتان من تسع آيات .
والتسع الآيات فيما روي : كون العصا حية، وكون يده بيضاء من غير سوء، والجدب الذي أصابهم في بواديهم، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم .
ثم قال جل وعز: {إلى فرعون وقومه} : تخرج بيضاء إلى فرعون وقومه .
وقيل المعنى : إلى فرعون وقومه : مبعوث , ومرسل , وهذا قول الفراء). [معاني القرآن: 5/117-119]

تفسير قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً} [النمل: 13] قال قتادة: أي: بيّنةٌ.
{قالوا هذا سحرٌ مبينٌ {13}). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ)
: ( {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مّبينٌ}

وقال: {آياتنا مبصرةً} : أي: إنّها تبصّرهم حتّى أبصروا, وإن شئت قلت : {مبصرةً} , ففتحت فقد قرأها بعض الناس وهي جيدة , يعني : مبصرةً مبيّنةً ). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين}
أي: واضحة، ويجوز مبصرة، ومعناها : مبيّنة : تبصر، وترى ). [معاني القرآن: 4/110-111]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة}: أي: واضحة .
و{مبصرة}: أي : مبينة.). [معاني القرآن: 5/119]

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] أنّها من عند اللّه.
قال قتادة: والجحد لا يكون إلا من بعد المعرفة.
{ظلمًا} [النمل: 14] لأنفسهم، وقال في آيةٍ أخرى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [الأعراف: 160] قال: {وعلوًّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} [النمل: 14] المشركين، يعنيهم، كان عاقبتهم أن دمّر اللّه عليهم ثمّ صيّرهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً...}

يقول: جحدوا بالآيات التسع بعدما استيقنتها أنفسهم أنها من عند الله، ظلما وعلوّاً, وفي قراءة عبد الله :{ظلماً علياً}، مثل قوله: {وقد بلغت من الكبر عتيّاً}، و{عتيّا}).
[معاني القرآن: 2/288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
يريد: أنهم كانوا لا ينسبونك إلى الكذب ولا يعرفونك به، فلما جئتهم بآيات الله، جحدوها، وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون ممن علم الشيء فأنكره، بقول الله عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}). [تأويل مشكل القرآن: 322] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}
المعنى: وجحدوا بها ظلماً, وعلواً، أي: ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى عليه السلام, فجحدوا بها , وهم يعلمون أنها من عند اللّه.). [معاني القرآن: 4/111]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}
أي: تكبرا ً أن تؤمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم , وقد جاءهم بالبراهين والآيات ). [معاني القرآن: 5/119]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 10:19 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإنّك لتلقّى القرءان} [النمل: 6] لتقبل القرآن في تفسير الحسن.
وقال قتادة: وإنّك لتأخذ القرآن.
وقال السّدّيّ: وإنّك لتؤتى القرآن.
قال: {من لدن} [النمل: 6]، أي: من عند.
{حكيمٍ عليمٍ} [النمل: 6]، يعني: نفسه، حكيمٌ في أمره عليمٌ بخلقه). [تفسير القرآن العظيم: 2/533]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ( {وإنّك لتلقّى القرآن}: أي : تأخذه عنه , ويلقى عليك.). [مجاز القرآن: 2/92]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإنّك لتلقّى القرآن}: أي : يلقي عليك , فتلقّاه أنت، أي: تأخذه.).[تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم}
أي: يلقى إليك القرآن وحيا من عند الله، أنزله بعلمه، وحكمته ).[معاني القرآن: 4/108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم}: أي يلقى عليك، فتتلقاه ). [معاني القرآن: 5/114]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لتلقى}: أي: لتناول، {من لدن حكيم عليم} أي: من عند حكيم عليم ). [ياقوتة الصراط: 391]

تفسير قوله تعالى:{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا} [النمل: 7] قال قتادة: إنّي أحسست نارًا.
وقال في آيةٍ أخرى: {إذ رأى نارًا} [طه: 10] رآها نارًا عند نفسه، وإنّما كانت نورًا.
وتفسير السّدّيّ: {إنّي آنست نارًا} [النمل: 7]، يعني: أنّي رأيت نورًا.
{سآتيكم منها بخبرٍ} [النمل: 7] الطّريق، وكان على غير طريقٍ.
وقال في آيةٍ أخرى: {أو أجد على النّار هدًى} [طه: 10]، أي: هداةً يهدون إلى الطّريق.
[تفسير القرآن العظيم: 2/533]
{أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ} [النمل: 7] وقال في آيةٍ أخرى: {أو جذوةٍ من النّار} [القصص: 29] وهو أصل الشّجرة.
{لعلّكم تصطلون} [النمل: 7] لكي تصطلوا.
قال قتادة: وكان شاتيًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/534]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ...}

نوّن عاصم، والأعمش في الشهاب، والقبس، وأضافه أهل المدينة:{بشهاب قبس} وهو بمنزلة قوله: {ولدار الآخرة} ممّا يضاف إلى اسمه إذا اختلف أسماؤه ). [معاني القرآن: 2/286]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّي آنست ناراً } أي: أبصرت وأحسست بها، {بشهابٍ قبسٍ} أي : بشعالة نارٍ، ومجاز {قبس}: ما اقتبست منها من الجمر، قال:
في كفّه صعدة مثقفة= فيها سنانٌ كشعلة القبس.).
[مجاز القرآن: 2/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إذ قال موسى لأهله إنّي آنست ناراً سآتيكم مّنها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لّعلّكم تصطلون}
وقال: {بشهابٍ قبسٍ}، إذا جعل "القبس" بدلا من "الشّهاب"، وإن أضاف "الشّهاب" إلى "القبس" لم ينون "الشّهاب"، وكلٌّ حسن ).[معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {آنست نارا}: أبصرت وأحسست.
{بشهاب قبس}: الشهاب النار. والقبس الاقتباس). [غريب القرآن وتفسيره: 286]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( (الشهاب): النار، والشهاب: الكوكب، في موضع آخر، و(القبس): النار تقبس.
يقال: قبست النار قبساً، واسم ما قبست: «قبس» ).[تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلّكم تصطلون}:
موضع (إذ) نصب.
المعنى : اذكر إذ قال موسى لأهله، أي : اذكر قصة موسى.
ومعنى :{آنست ناراً}: رأيت ناراً.
وقوله عزّ وجلّ : {أو آتيكم بشهاب قبس}: يقرأ بالتّنوين وبالإضافة، فمن نوّن جعل { قبس }من صفة شهاب، وكل أبيض ذي نور، فهو شهاب.
وقوله عزّ وجلّ:{لعلّكم تصطلون} جاء في التفسير : أنهم كانوا في شتاء، فلذلك احتاجوا إلى الاصطلاء ). [معاني القرآن: 4/108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً}
قال أبو عبيدة : أي: أبصرت.
قال أبو جعفر : ومنه قيل : إنس ؛ لأنهم مرئيون .
ثم قال جل وعز: {سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس}
قال أبو عبيدة : الشهاب : النار .
قال أبو إسحاق : قال لكل ذي نور : شهاب.
قال أحمد بن يحيى : أصل الشهاب : عود في أحد طرفيه جمرة , والآخر لا نار فيه، والجذوة كذلك إلا أنها أغلظ من الشهاب، سميت جذوة لأنها أصل الشجرة كما هي .
قال أبو جعفر : يقال: قبست النار، أقبسها قبساً، والاسم القبس.
ثم قال جل وعز: {لعلكم تصطلون}
روى عكرمة , عن ابن عباس قال : كانوا شاتين، وكانوا قد أخطأوا الطريق ). [معاني القرآن: 5/114-115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ({آنَسْتُ}: أبصرت.
(الشِهَابٍ): النار
(القَبَسٍ): النار
{تصْطَلُونَ}: تسخنون بها ). [العمدة في غريب القرآن: 229]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جاءها} [النمل: 8] جاء إلى النّار عند نفسه.
{نودي أن بورك من في النّار} [النمل: 8]، أي: أنّها عند موسى نارٌ، يعني بقوله: {بورك من في النّار} [النمل: 8] نفسه، وإنّما كان ضوء نور ربّ العالمين، في تفسير سعيدٍ عن قتادة.
{ومن حولها} [النمل: 8] قال قتادة: {ومن حولها} [النمل: 8] الملائكة، وهي في مصحف أبيّ بن كعبٍ: نودي أن بوركت النّار ومن حولها.
{وسبحان اللّه ربّ العالمين {8} يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم {9}). [تفسير القرآن العظيم: 2/534]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {نودي أن بورك من في النّار...}

تجعل (أن) في موضع نصب إذا أضمرت اسم موسى في {نودي} , وإن لم تضمر اسم موسى كانت (أن) في موضع رفع: نودي ذلك , وفي حرف أبيّ: {أن بوركت النار}،
{ومن حولها} : يعني: الملائكة، والعرب تقول: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك ). [معاني القرآن: 2/286]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}
قال: {نودي أن بورك أي: نودي بذلك ). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}
أي : فلمّا جاء موسى النار{نودي أن بورك من في النّار ومن حولها}.
فموضع " أن " إن شئت كان نصباً، وإن شئت كان رفعاً، فمن حكم عليها بالنصب، فالمعنى نودي موسى، بأنّه بورك من في النّار، واسم ما لم يسمّ فاعله مضمر في {نودي},
ومن حكم عليها بالرفع، كانت اسم ما لم يسمّ فاعله، أي : نودي أن بورك، وجاء في التفسير أن {من في النار} ههنا نور اللّه عزّ وجلّ .
{ومن حولها} قيل : الملائكة، وقيل: نور اللّه.
وقوله: {وسبحان اللّه ربّ العالمين}معناه : تنزيه اللّه تبارك وتعالى عن السوء، كذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا فسّره أهل اللغة ). [معاني القرآن: 4/108-109]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها}
أي : فلما جاءها موسى نودي : {أن بورك من في النار ومن حولها}.
روى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: النار نور الله جل وعز نادى موسى صلى الله عليه وسلم , وهو في النور , {ومن حولها }: الملائكة .
وروى موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب : النار : نور الله جل وعز، ومن حولها : موسى والملائكة صلى الله عليه وسلم .
وقيل : {من في النار }: الملائكة الموكلون بها، {ومن حولها }:ىالملائكة أيضاً، والمعنى يقولون : سبحان الله رب العالمين
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد :{ولم يعقب}: ولم يرجع ).[معاني القرآن: 5/116-117]

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّه أنا اللّه...}
هذه الهاء: هاء عماد، وهو اسم لا يظهر، وقد فسّر.).[معاني القرآن: 2/287]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وألق عصاك} [النمل: 10] فألقاها.
{فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} [النمل: 10] كأنّها حيّةٌ، وقال في آيةٍ أخرى: {فإذا هي حيّةٌ تسعى} [طه: 20].
{ولّى مدبرًا} [النمل: 10] من الفرق.
{ولم يعقّب} [النمل: 10] وقال قتادة: أي: ولم يلتفت.
[تفسير القرآن العظيم: 2/534]
وقال مجاهدٌ: ولم يرجع.
{يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} [النمل: 10] قال قتادة: عندي.
{إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ} [النمل: 11] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/535]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الحسن: {لا يخاف لديّ المرسلون} [النمل: 10] في الآخرة وفي الدّنيا، لأنّهم أهل الولاية وأهل المحبّة: {إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} [النمل: 11] فإنّه لا يخاف عندي، وكان موسى ممّن ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ، فغفر اللّه له، وهو قتل ذلك القبطيّ، لم يتعمّد قتله ولكن تعمّد وكزه). [تفسير القرآن العظيم: 2/535]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {كأنّها جانٌّ...}

الجانّ: الحيّة: التي ليست بالعظيمة, لا الصّغيرة، وقوله: {ولّى مدبراً ولم يعقّب}: لم يلتفت، وقوله: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}، ثم استثنى، فقال: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ...} فهذا مغفور له، فيقول القائل. كيف صيّر خائفاً؟ قلت: في هذه وجهان: أحدهما أن تقول: إن الرّسل معصومة، مغفور لها، آمنة يوم القيامة, ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً، فهو يخاف، ويرجو: فهذا وجه، والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة؛ لأنّ المعنى: لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم ). [معاني القرآن: 2/287]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ثم استثنى فقال: {إلاّ من ظلم}، فإنّ هذا لا يخاف يقول: كان مشركاً, فتاب، وعمل حسناً، فذلك مغفور له، ليس بخائف.
وقد قال بعض النحويّين: إن (إلا) في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون، ولا من ظلم ثم بدّل حسنا، وجعلوا مثله قول الله: {لئلاّ يكون للناس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا} أي : ولا الذين ظلموا، ولم أجد العربيّة تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيز قام الناس إلا عبد الله، وهو قائم؛ إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلاّ من معنى الأسماء قبل إلاّ.
وقد أراه جائزاً أن تقول: عليك ألف سوى ألفٍ آخر، فإن وضعت (إلاّ) في هذا الموضع صلحت , وكانت (إلاّ) في تأويل ما قالوا, فأما مجرّدةً قد استثنى قليلها من كثيرها فلا, ولكن مثله ممّا يكون في معنى إلاّ كمعنى الواو , وليست بها، قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك}، هو في المعنى: إلاّ الذي شاء ربّك من الزيادة، فلا تجعل إلا {في منزلة}الواو، ولكن بمنزلة سوى, فإذا كانت سوى في موضع إلاّ صلحت بمعنى الواو؛ لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا، أي : و هذا عندي؛ كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا، وهو في سوى أنفذ منه في إلاّ لأنك قد تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: إلاّ هذا ). [معاني القرآن: 2/288]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كأنّها جانٌّ}: وهي جنس من الحيات، "ولم يعقّب " أي : ولم يرجع، يقال: عقب عليه، فأخذه ).[مجاز القرآن: 2/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ}: لأن {إلاّ} تدخل في مثل هذا الكلام كمثل قول العرب: "ما أشتكي إلاّ خيراً" , فلم يجعل قوله "إلاّ خيراً" على الشكوى، ولكنه علم إذا قال لهم "ما أشتكي شيئاً" أنه يذكر من نفسه خيراً، كأنه قال "ما أذكر إلاّ خيراً".). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الجان): الحيّة التي ليست بعظيمة، {ولم يعقّب}: لم يرجع، ويقال: لم يلتفت، يقال: كرّ على القوم، وما عقّب،
ويرى أهل النظر: أنه مأخوذ من «العقب» ). [تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون إلّا من ظلم}: مفسر في كتاب «تأويل المشكل».). [تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقوله سبحانه:{إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} لم يقع الاستثناء من المرسلين، وإنما وقع من معنى مضمر في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسلون، بل غيرهم الخائف، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف.
وهذا قول الفراء، وهو يبعد: لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام- على هذا التأويل- دليل على باطنه.
قال أبو محمد:
والذي عندي فيه، والله أعلم، أنّ موسى عليه السلام، لما خاف الثعبان وولّى ولم يعقّب، قال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}
وعلم أن موسى مستشعر خيفة أخرى من ذنبه في الرّجل الّذي وكزه فقضى عليه، فقال: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} أي توبة وندما، فإنه يخاف، وإني غفور رحيم. وبعض النحويين يحمل (إلّا من ظلم) بمعنى: ولا من ظلم، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.
على مذهب من تأول هذا في (إلّا): كقوله في سورة الأنفال، بعد وصف المؤمنين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}. ولم يشبّه قصة المؤمنين بإخراج الله إيّاه، ولكن الكلام مردود إلى معنى في أول السورة ومحمول عليه، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم، رأى يوم بدر قلّة المسلمين وكراهة كثير منهم للقتال، فنفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، وجعل لكل من قتل قتيلا كذا، ولمن أتى بأسير كذا، فكره ذلك قوم فتنازعوا واختلفوا وحاجّوا النبي، صلّى الله عليه وسلم، وجادلوه، فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلها لمن يشاء {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. أي فرّقوها بينكم على السواء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}،
ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يريد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك،
كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر:
ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن: 219-220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقوله سبحانه: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}
لم يقع الاستثناء من المرسلين، وإنما وقع من معنى مضمر في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسلون، بل غيرهم الخائف، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف.
وهذا قول الفراء، وهو يبعد: لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام- على هذا التأويل- دليل على باطنه.
قال أبو محمد:
والذي عندي فيه، والله أعلم، أنّ موسى عليه السلام، لما خاف الثعبان وولّى ولم يعقّب، قال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}
وعلم أن موسى مستشعر خيفة أخرى من ذنبه في الرّجل الّذي وكزه فقضى عليه، فقال: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} أي توبة وندما، فإنه يخاف، وإني غفور رحيم. وبعض النحويين يحمل (إلّا من ظلم) بمعنى: ولا من ظلم، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}. على مذهب من تأول هذا في (إلّا): كقوله في سورة الأنفال، بعد وصف المؤمنين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}. ولم يشبّه قصة المؤمنين بإخراج الله إيّاه، ولكن الكلام مردود إلى معنى في أول السورة ومحمول عليه، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم، رأى يوم بدر قلّة المسلمين وكراهة كثير منهم للقتال، فنفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، وجعل لكل من قتل قتيلا كذا، ولمن أتى بأسير كذا، فكره ذلك قوم فتنازعوا واختلفوا وحاجّوا النبي، صلّى الله عليه وسلم، وجادلوه، فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلها لمن يشاء {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. أي فرّقوها بينكم على السواء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يريد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك، كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر:
ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن: 221-219] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبرا ولم يعقّب يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}
{فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبراً}:أي: تتحرك كما يتحرك الجانّ حركة خفيفة، وكانت في صورة الثعبان، وهو؛ العظيم من الحيات.
{ولّى مدبرا ولم يعقّب}: جاء في التفسير : {لم يعقب}: لم يلتفت، وجاء أيضًا : لم يرجع.
وأهل اللغة يقولون : لم يرجع، يقال: قد عقّب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى.
قال لبيد:
حتّى تهجّر في الرّواح وهاجه= طلب المعقّب حقّه المظلوم
وقوله عزّ وجلّ: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}:معناه : لا يخاف عندي المرسلون.). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم}
(إلّا) استثناء ليس من الأوّل، والمعنى، واللّه أعلم، لكن من ظلم , ثم تاب من المرسلين وغيرهم، وذلك قوله: {ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم} ). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم}
في معناه أقوال:
أ- منها: أن في الكلام حذفاً, والمعنى :إني لا يخاف لدي المرسلون, إنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم , ثم تاب ؛ فإنه لا يخاف .
ب- وقيل : المعنى : لا يخاف لدي المرسلون , لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم, ثم تاب , فليس يخاف.
ج- وقيل :إلا بمعنى الواو , وذا ليس بجيد في العربية.). [معاني القرآن: 5/117]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولَمْ يُعَقِّبْ}: أي : لم يرجع , ولم يلتفت.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وأدخل يدك} [النمل: 12] قال السّدّيّ: يعني: يده بعينها.
{في جيبك} [النمل: 12] قال قتادة: أي: في جيب قميصك.
{تخرج بيضاء من غير سوءٍ} [النمل: 12] قال: من غير برصٍ، في تفسير قتادة والسّدّيّ.
قال: وحدّثني قرّة بن خالدٍ عن الحسن، قال: أخرجها واللّه كأنّها مصباحٌ، فعلم موسى أن قد لقي ربّه.
وقوله عزّ وجلّ: {في تسع آياتٍ} [النمل: 12] قال السّدّيّ: مع تسع آياتٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/535]
{إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين} [النمل: 12] قال مجاهدٌ: التّسع الآيات: يده، وعصاه، والطّوفان، والجراد، والقمّل والضّفادع، والدّم، {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات} [الأعراف: 130].
الحسن بن دينارٍ، عن يزيد الرّقاشيّ، قال: الطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم، ويده، وعصاه، والسّنين، ونقصٌ من الثّمرات). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ...}

معناه: افعل هذا , فهي آية في تسع, ثم قال: {إلى فرعون} , ولم يقل: مرسل , ولا مبعوث؛ لأنّ شأنه معروف أنه مبعوث إلى فرعون. وقد قال الشاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافةً = وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
أراد: رأتني أقبلت بحبليها: بحبلي النّاقة , فأضمر فعلاً، كأنه قال: رأتني مقبلاً.
وقوله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} , نصب بإضمار {أرسلنا} ). [معاني القرآن: 2/288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ} : أي: هذه الآية مع تسع آيات ). [تفسير غريب القرآن: 323]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ}.
أراد في تسع آيات إلى هذه الآية، أي معها. ثم قال: إلى فرعون ولم يقل مرسلا ولا مبعوثا، لأن ذلك معروف.
ومثله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} أي: أرسلنا.
قال الشاعر:
رأتني بحبلَيْها فصدَّتْ مَخافةً = وفي الحبلِ رَوعاءُ الفؤادِ فَرُوقُ
أراد مقبلا بحبليها). [تأويل مشكل القرآن: 217-218]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قوما فاسقين}
المعنى : أدخل يدك في جيبك , وأخرجها , تخرج بيضاء من غير سوء.
جاء في التفسير {من غير سوء}: من غير برص، وجاء أيضا، أنه كانت عليه مدرعة صوف بغير كمّين.
وقوله عزّ وجلّ: {في تسع آيات إلى فرعون وقومه}
{في}: من صلة قوله: وألق عصاك، وأدخل يدك.
فالتأويل: وأظهر هاتين الآيتين في تسع آيات , وتأويله من بين آيات.
وجاء في التفسير : أنّ التّسع :كون يده بيضاء من غير سوء، وكون العصا حيّة وما أصاب آل فرعون من الجدب في بواديهم، ونقص الثّمار من مزارعهم، وإرسال الجراد عليهم، والقمّل، والضفادع، والدّم والطوفان, فهذه تسع آيات.
ومثل قوله: {في تسع آيات}, ومعناه، من تسع قولهم: خذ لي عشرا ًمن الإبل فيها فحلان، المعنى : منها فحلان ). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء}
المعنى : وأخرجها : تخرج بيضاء .
وروى مقسم , عن ابن عباس : من غير سوء : من غير برص .
ثم قال جل وعز: {في تسع آيات}
المعنى : من تسع آيات , وفي : بمعنى من , لقربها منها , كما تقول: خذ لي عشراً من الإبل , فيها فحلان, أي: منها , وقال الأصمعي في قول امرئ القيس:
وهل ينعمن من كان آخر عهده= ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
في بمعنى من، ويجوز أن تكون بمعنى مع، والمعنى : وألق عصاك، وأدخل يدك في جيبك، آيتان من تسع آيات .
والتسع الآيات فيما روي : كون العصا حية، وكون يده بيضاء من غير سوء، والجدب الذي أصابهم في بواديهم، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم .
ثم قال جل وعز: {إلى فرعون وقومه} : تخرج بيضاء إلى فرعون وقومه .
وقيل المعنى : إلى فرعون وقومه : مبعوث , ومرسل , وهذا قول الفراء). [معاني القرآن: 5/117-119]

تفسير قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً} [النمل: 13] قال قتادة: أي: بيّنةٌ.
{قالوا هذا سحرٌ مبينٌ {13}). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ)
: ( {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مّبينٌ}

وقال: {آياتنا مبصرةً} : أي: إنّها تبصّرهم حتّى أبصروا, وإن شئت قلت : {مبصرةً} , ففتحت فقد قرأها بعض الناس وهي جيدة , يعني : مبصرةً مبيّنةً ). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين}
أي: واضحة، ويجوز مبصرة، ومعناها : مبيّنة : تبصر، وترى ). [معاني القرآن: 4/110-111]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة}: أي: واضحة .
و{مبصرة}: أي : مبينة.). [معاني القرآن: 5/119]

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] أنّها من عند اللّه.
قال قتادة: والجحد لا يكون إلا من بعد المعرفة.
{ظلمًا} [النمل: 14] لأنفسهم، وقال في آيةٍ أخرى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [الأعراف: 160] قال: {وعلوًّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} [النمل: 14] المشركين، يعنيهم، كان عاقبتهم أن دمّر اللّه عليهم ثمّ صيّرهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً...}

يقول: جحدوا بالآيات التسع بعدما استيقنتها أنفسهم أنها من عند الله، ظلما وعلوّاً, وفي قراءة عبد الله :{ظلماً علياً}، مثل قوله: {وقد بلغت من الكبر عتيّاً}، و{عتيّا}).
[معاني القرآن: 2/288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
يريد: أنهم كانوا لا ينسبونك إلى الكذب ولا يعرفونك به، فلما جئتهم بآيات الله، جحدوها، وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون ممن علم الشيء فأنكره، بقول الله عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}). [تأويل مشكل القرآن: 322] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}
المعنى: وجحدوا بها ظلماً, وعلواً، أي: ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى عليه السلام, فجحدوا بها , وهم يعلمون أنها من عند اللّه.). [معاني القرآن: 4/111]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}
أي: تكبرا ً أن تؤمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم , وقد جاءهم بالبراهين والآيات ). [معاني القرآن: 5/119]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 10:23 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) }

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
نحن الولاة لكل جرب تتقى = إذ أنت محتضر لكيرك صال
...
صالٍ ومصطلِ واحد أي إذ كنت عند كيرك تصطلي به). [نقائض جرير والفرزدق: 298] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

فأدبر يكسوها الرغام كأنه = على القور والآكام جذوة مقبس
...
مقبس: معطي النار. قال: والقابس: آخذ النار. يقال: قبس مني نارا يقبسها قبسا، وأقبس. والقبس: الشعلة، وإنما شبهها بالجذوة في بريقه). [شرح ديوان امرئ القيس: 531] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله "حوالكا" يقال: هو يطوف واله وحوله وحواليه. ومن قال: حواليه بالكسر: فقد أخطأ، وفي القرآن {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} وحواليه: تثنية حوال، كما تقول: حنانية، الواحد حنان، قال الشاعر:
فقالت حنان ما أتى بك ههنا = أذو نسب أم أنت بالحي عارف?).
[الكامل: 2/732-733] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (قال أوس:
فجال ولم يعكم
(وشيع إلفه = بمنقطع الغضراء شد مؤالف)
يقول: هرب ولم يكر وعقب مثله تعقيبا. قال لبيد:
طلب المعقب حقه المظلوم
ومنه قوله (عز وجل): {ولى مدبرا ولم يعقب}). [الغريب المصنف: 3/733-734]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : ( (ويقال: هرب ولم يكر وعقب مثله تعقيبا، قال لبيد:
طلب المعقب حقه المظلوم
ومنه قوله عز وجل: {ولى مدبرا ولم يعقب} ). [الغريب المصنف: 3/799-800]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وقولهم ما أنكرك من سوء أي ليس إنكارى إياك من سوء رأيته بك إنما هو لقلة المعرفة ويقال إن السوء البرص قال الله جل ثناؤه: {أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} أي من غير برص). [إصلاح المنطق: 323]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) }

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) }

تفسير قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) }

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 ذو الحجة 1439هـ/1-09-2018م, 07:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 ذو الحجة 1439هـ/1-09-2018م, 07:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 ذو الحجة 1439هـ/1-09-2018م, 07:21 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم}
"تلقى" تفعل، مضاعف، ومعناه: تعطى، كما قال سبحانه: وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، قال الحسن: المعنى: أنك لتقبل القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا شك أنه يفيض عليه فضل الله تعالى فيقلبه صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية رد على كفار قريش في قولهم: إن القرآن من تلقاء محمد بن عبد الله. و"من لدن" معناه: من عنده ومن جهته، و"الحكيم": ذو الحكمة في معرفته حيث يجعل رسالاته، وفي غير ذلك، لا إله إلا هو). [المحرر الوجيز: 6/516]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قص تعالى خبر موسى، والتقدير: اذكر إذ قال موسى، وكان من أمر موسى عليه
[المحرر الوجيز: 6/516]
السلام أنه حين خرج بزوجته بنت شعيب عليهما السلام يريد مصر -وقد قرب وقت نبوته- مشوا في ليلة ظلماء ذات برد ومطر، ففقدوا النار ومسهم البرد واشتدت عليهم الظلمة وضلوا الطريق، وأصلد زناد موسى عليه السلام، فبينا هو في هذه الحال إذ رأى نارا على بعد. و"آنست" معناه: رأيت، ومنه قول حسان بن ثابت:
انظر خليلي بباب جلق هل تؤنس دون البلقاء من أحد؟
فلما رأى موسى ذلك قال لأهله ما في الآية، ومشى نحوها، فلما دنا منها بعدت هي منه، وكان ذلك نورا من نور الله عز وجل، ولم يكن نارا في نفسه، لكن ظنه موسى نارا، فناداه الله تبارك وتعالى عند ذلك، وسمع موسى عليه السلام النداء من جهة الشجرة، وأسمعه الله تعالى كلامه. و"الخبر" الذي رجاه موسى عليه السلام هو الإعلام بالطريق. وقوله: {بشهاب قبس}، شبه النار التي توجد في طرف عود أو غيره بالشهاب، ثم خصصه بأنه مما اقتبس؛ إذ الشهب قد تكون من غير اقتباس، والقبس اسم لقطعة النار تقتبس في عود أو غيره، كما أن القبض اسم ما يقبض، ومنه قول أبي زيد:
في كفة صعدة مثقفة ... فيها سنان كشعلة القبس
[المحرر الوجيز: 6/517]
وقول الآخر:
من شاء من نار الجحيم استقبسا
وأصل الشهاب الكوكب المنقض في أثر مسترق السمع، وكل ما يقال له شهاب من النيرات فعلى التشبيه، قال الزجاج: كل أبيض ذي نور فهو شهاب، وكلامه معترض، والقبس يحتمل أن يكون اسما غير صفة أضاف إليه، بمعنى: بشهاب اقتبسه أو اقتبسته، وعلى كونه صفة يكون ذلك كإضافة الدار إلى الآخرة، والصلاة إلى الأولى، وغير ذلك. وقرأ الجمهور بإضافة "شهاب" إلى "قبس"، وهي قراءة الحسن وأهل المدينة ومكة والشام، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "بشهاب قبس" بتنوين "شهاب"، وهذا على الصفة، ويجوز أن تكون مصدر: قبس يقبس، كما الحلب مصدر حلب يحلب، وقال أبو الحسن: الإضافة أجود وأكثر في القراءة، كما تقول: دار آجر وسوار ذهب، حكاه أبو علي. و"تصطلون" معناه: تستدفئون من البرد). [المحرر الوجيز: 6/518]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "جاءها" للنار التي رآها موسى عليه السلام، وقوله تبارك وتعالى: {أن بورك} يحتمل أن تكون "أن" مفسرة، ويحتمل أن تكون في موضع نصب على تقدير: "بأن بورك"، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير: "نودي أنه"، قاله الزجاج. وقوله: "بورك" معناه:، قدس وضوعف خيره ونمي، والبركة مختصة بالخير، ومن هذا قول أبي طالب بن عبد المطلب:
بورك الميت الغريب كما بو ... رك نبع الرمان والزيتون
و "بارك" متعد بغير حرف، تقول العرب: باركك الله.
[المحرر الوجيز: 6/518]
وقوله تعالى: {من في النار} اضطرب المتأولون فيه، فقال ابن عباس، وابن جبير، والحسن، وغيرهم: أراد عز وجل نفسه، وعبر بعضهم في هذا القول عبارات مردودة شنيعة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أراد النور. وقال الحسن، وابن عباس: أراد بـ "من حولها" الملائكة وموسى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فأما قول الحسن وغيره فإنما يتخرج على حذف مضاف، بمعنى: بورك من قدرته وسلطانه في النار، والمعنى: في النار على ظنك وما حسبت، وأما القول بأن " من في النار " النور، فهذا على أن يعبر عن النور من حيث كان أنه من نور الله تعالى، ويحتمل أن يكون من الملائكة؛ لأن ذلك النور الذي حسبه موسى نارا لم يخل من الملائكة. و" من حولها " يكون موسى والملائكة المطيفين بها. وقرأ أبي بن كعب "بوركت النار". و" من حولها " يكون موسى والملائكة، كذا حكى أبو حاتم، وحكى ابن مكي أنه قرأ: "تباركت النار ومن حولها"، وحكى الداني أبو عمرو أنه قرأ: "ومن حولها من الملائكة"، قال: وكذلك قرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد.
وقوله تعالى: {وسبحان الله رب العالمين} يحتمل أن يكون مما قيل في النداء لموسى
[المحرر الوجيز: 6/519]
عليه السلام، ويحتمل أن يكون خطابا لمحمد صلى الله عليه وسلم اعتراضا بين الكلامين، والمقصد به -على كلا الوجهين- تنزيه الله عز وجل مما عسى أن يخطر ببال في معنى النداء في الشجرة، وكون قدرته وسلطانه في النار. وعود "من" عليه، أي: هو منزه -في جميع هذه الحالات- عن التشبيه والتكييف، قال الثعلبي: وإنما الأمر -كما روي في التوراة-: (جاء الله من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلى من فاران)، المعنى: ظهرت أوامره بأنبيائه في هذه الحالات). [المحرر الوجيز: 6/520]

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "إنه" للأمر والشأن، قال الطبري: ويسميها أهل الكوفة المجهولة، آنسه الله تعالى بصفاته من العزة التي لا خوف معها، والحكمة، أي: لا نقص في أفعاله). [المحرر الوجيز: 6/520]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين}
أمره الله تعالى بهذين الأمرين تدريبا له في استعمالهما، وفي الكلام حذف تقديره: "فألقى موسى العصا"، فلما رآها تهتز. وأمال "رآها" بعض القراء، و"الجان": الحيات؛ لأنها تخفي أنفسها، أي: تسترها، وقالت فرقة: "الجان": صغار الحيات، وعصا موسى عليه السلام صارت حية ثعبانا وهو العظيم، وإنما شبهت بالجان في سرعة الاضطراب؛ لأن الصغار أكثر حركة من الكبار، وعلى كل قول فإن الله تبارك وتعالى خلق في العصا وغير أوصافها وأعراضها فصارت حية. وقرأ الزهري، وعمرو بن عبيد: "جأن" بالهمز.
فلما أبصر موسى عليه السلام هول ذلك المنظر ولى مدبرا ولم يعقب، قال مجاهد: لم يرجع، وقال قتادة: ولم يلتفت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وعقب الرجل: إذا ولي عن أمر ثم صرف بدنه أو وجهه إليه كأنه انصرف على
[المحرر الوجيز: 6/520]
عقبيه، وناداه الله مؤنسا ومقويا على الأمر: يا موسى لا تخف فإن رسلي الذين اصطفيتهم للنبوة لا يخافون عندي ومعي، فأخذ موسى عليه السلام الحية فرجعت عصاه، ثم صارت له عادة). [المحرر الوجيز: 6/521]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في الاستثناء في قوله تعالى: {إلا من ظلم}، فقال مقاتل وغيره: الاستثناء متصل، وهو من الأنبياء، وروى الحسن أن الله تعالى قال لموسى: أخفتك لقتلك النفس، وقال الحسن أيضا: كانت الأنبياء تذنب فتعاقب، ثم تذنب -والله- فتعاقب، فكيف بنا؟، وقال ابن جريج: لا يخيف الله تعالى الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتى يأخذه منه، قال كثير من العلماء: لم يعرف أحد من البشر لهم من ذنب إلا ما روي عن يحيى بن زكريا عليهما السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأجمع العلماء أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل، واختلف فيما عدا هذا، فعسى أن يشير الحسن وابن جريج إلى ما عدا ذلك.
وفي الآية -على هذا التأويل- حذف اقتضى الإيجاز والفصاحة ترك نصه، تقديره: فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء. وقال الفراء وجماعة: الاستثناء منقطع، وهو إخبار عن غير الأنبياء، كأنه قال: من ظلم من الناس ثم تاب فإني غفور رحيم، وقالت فرقة: "إلا" بمعنى الواو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول لا وجه له. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، وزيد بن أسلم: "ألا من
[المحرر الوجيز: 6/521]
ظلم" على الاستفتاح. وقوله تعالى: {ثم بدل حسنا} معناه: عملا صالحا مقترنا بتوبة، وهذه الآية تقتضي حتم المغفرة للتائب، وأجمع الناس على ذلك في التوبة من الشرك، وأهل السنة في التائب من المعاصي، على أنه في المشيئة كالمصر، لكن يغلب الرجاء على التائب والخوف على المصر، وقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} عمت الجميع من التائب والمصر، ولا فرق بين المشرك وغيره؛ لأنه يذهب فائدته، إذ الشرك يغفر للتائب، وما دونه كذلك على تأويلهم، فما فائدة التفصيل في الآية، وهذا الاحتجاج لازم فتأمله. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ: "حسنا بعد سوء" بفتح الحاء والسين، وهي قراءة مجاهد، وابن أبي ليلى، وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني: "حسنى" مثل فعلى). [المحرر الوجيز: 6/522]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يدخل يده في جيب جبته لأنها لم يكن لها كم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقال مجاهد: مدرعة صوف إلى بعض يده، و"الجيب": الفتح في الثوب لرأس الإنسان، وروي أن يد موسى عليه السلام كانت تخرج كأنها قطعة نور تلألأ، ومعنى إدخال اليد في الجيب ضم الآية إلى موسى، وإظهار تلبسها به؛ لأن المعجزات من شروطها أن يكون لها اتصال بالرائي. وقوله تعالى: {من غير سوء} أي: من غير برص ولا علة، وإنما هي آية تجيء وتذهب، وقوله: {وأدخل يدك في} متصل بقوله: "ألق" و"أدخل"، وفيه اقتضاب وحذف، تقديره: تمهد وتيسر لك ذلك في جملة تسع آيات، وهي: العصا، واليد البيضاء، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والحجر، وفي هذين الأخيرين اختلاف، والمعنى: يجيء بهن إلى فرعون وقومه). [المحرر الوجيز: 6/522]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}
الضمير في قوله تعالى: {جاءتهم} لفرعون وقومه، و"مبصرة" معناه: معها الإبصار
[المحرر الوجيز: 6/522]
والوضوح، وعلى هذا نحو قولهم: نهار صائم، وليل قائم ونائم، وقرأ قتادة والحسن: "مبصرة" بفتح الميم والصاد). [المحرر الوجيز: 6/523]

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وظاهر قوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} حصول الكفر عنادا، وهي مسألة فيها قولان: هل يجوز أن يقع أم لا؟ فجوزت ذلك فرقة وقالت: يجوز أن يكون الرجل عارفا إلا أنه يجحد عنادا ويموت على معرفته وجحوده، فهو بذلك في حكم الكافر المخلد، قالوا: وهذا حكم إبليس، وحكم حيي بن أخطب وأخيه حسب ما روي عنهما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإن عورض هذا المثال فرض إنسان يجوز ذلك فيه. وقالت فرقة: لا يصح لوجهين: أحدهما أن هذا لا يجوز وقوعه من عاقل، والوجه الآخر أن المعرفة تقتضي أن يحل في القلب، وذلك إيمان، وحكم الكفر لا يلحقه إلا بأن يحل في القلب كفر، ولا يصح اجتماع الضدين في محل، قالوا: ويشبه في هذا العارف الجاحد أن يسلب عند الموافاة تلك المعرفة ويحل بدلها الكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يظهر عندي في هذه الآية وما جرى مجراها أن هؤلاء الكفرة إذا نظروا في آيات موسى أعطتهم قولهم: "إن هذا ليس تحت قدرة البشر"، وحصل لهم اليقين أنها من عند الله تعالى، فيغلبهم أثناء ذلك الحسد، ويتمسكون بالظنون في أنها سحر وغير ذلك حتى يسلب ذلك اليقين أو يدفع، وحكمه حكم المستلب في وجوب عذابهم.
و "ظلما" معناه: على غير استحقاق للجحد، و"العلو" في الأرض أعظم آفة على طالبه، قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا}.
[المحرر الوجيز: 6/523]
ثم عجبه تعالى من عاقبة المفسدين قوم فرعون، وسوء منقلبهم حين كذبوا موسى، وفي هذا تمثيل لكفار قريش إذ كانوا مفسدين مستعلين. وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش: "وعليا"، وحكى أبو عمرو الداني عنهم وعن أبان بن تغلب أنهم كسروا العين من "عليا"). [المحرر الوجيز: 6/524]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 09:59 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 10:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيمٍ عليمٍ} أي: {وإنّك} يا محمّد - قال قتادة: {لتلقّى} أي: لتأخذ. {القرآن من لدن حكيمٍ عليمٍ} أي: من عند حكيمٍ عليمٍ، أي: حكيمٌ في أوامره ونواهيه، عليمٌ بالأمور جليلها وحقيرها، فخبره هو الصّدق المحض، وحكمه هو العدل التّامّ، كما قال تعالى: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا [لا مبدّل لكلماته]} [الأنعام: 115] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 178]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون (7) فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين (8) يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم (9) وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبرًا ولم يعقّب يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ (11) وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين (12) فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ (13) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (14) }
يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم مذكّرًا له ما كان من أمر موسى، كيف اصطفاه اللّه وكلّمه، وناجاه وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة، والأدلّة القاهرة، وابتعثه إلى فرعون وملئه، فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتّباعه والانقياد له، فقال تعالى: {إذ قال موسى لأهله} أي: اذكر حين سار موسى بأهله، فأضلّ الطّريق، وذلك في ليلٍ وظلامٍ، فآنس من جانب الطّور نارًا، أي: رأى نارًا تأجّج وتضطرم، فقال {لأهله إنّي آنست نارًا سآتيكم منها بخبرٍ} أي: عن الطّريق، {أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون} أي: تتدفؤون به. وكان كما قال، فإنّه رجع منها بخبرٍ عظيمٍ، واقتبس منها نورًا عظيمًا؛ ولهذا قال تعالى: {فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها} أي: فلمّا أتاها رأى منظرًا هائلًا عظيمًا، حيث انتهى إليها، والنّار تضطرم في شجرةٍ خضراء، لا تزداد النّار إلّا توقّدًا، ولا تزداد الشّجرة إلّا خضرةً ونضرةً، ثمّ رفع رأسه فإذا نورها متّصلٌ بعنان السّماء.
قال ابن عبّاسٍ وغيره: لم تكن نارًا، إنّما كانت نورًا يتوهّج.
وفي روايةٍ عن ابن عبّاسٍ: نور ربّ العالمين. فوقف موسى متعجّبًا ممّا رأى، فنودي أن بورك من في النّار. قال ابن عبّاسٍ: [أي] قدّس.
{ومن حولها} أي: من الملائكة. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وقتادة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود -[و] هو الطّيالسيّ -حدّثنا شعبة والمسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، سمع أبا عبيدة يحدّث، عن أبي موسى، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل اللّيل قبل النّهار، وعمل النّهار قبل اللّيل. زاد المسعوديّ: "وحجابه النّور -أو النّار -لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره". ثمّ قرأ أبو عبيدة: {أن بورك من في النّار ومن حولها}
وأصل هذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيح لمسلمٍ، من حديث عمرو بن مرّة، به.
وقوله: {وسبحان اللّه ربّ العالمين} أي: الّذي يفعل ما يشاء ولا يشبه شيئًا من مخلوقاته، ولا يحيط به شيءٌ من مصنوعاته، وهو العليّ العظيم، المباين لجميع المخلوقات، ولا يكتنفه الأرض والسّموات، بل هو الأحد الصّمد، المنزّه عن مماثلة المحدثات). [تفسير ابن كثير: 6/ 178-180]

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم} أعلمه أنّ الّذي يخاطبه ويناجيه هو ربّه اللّه العزيز، الّذي عزّ كلّ شيءٍ وقهره وغلبه، الحكيم في أفعاله وأقواله). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ أمره أن يلقي عصاه من يده؛ ليظهر له دليلًا واضحًا على أنّه الفاعل المختار، القادر على كلّ شيءٍ. فلمّا ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حيّةً عظيمةً هائلةً في غاية الكبر، وسرعة الحركة مع ذلك؛ ولهذا قال: {فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} والجانّ: ضربٌ من الحيّات، أسرعه حركةً، وأكثره اضطرابًا -وفي الحديث نهيٌ عن قتل جنّان البيوت -فلمّا عاين موسى ذلك {ولّى مدبرًا ولم يعقّب} أي: لم يلتفت من شدّة فرقه {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} أي: لا تخف ممّا ترى، فإنّي أريد أن أصطفيك رسولًا وأجعلك نبيًّا وجيهًا). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ} هذا استثناءٌ منقطعٌ، وفيه بشارةٌ عظيمةٌ للبشر، وذلك أنّ من كان على [عمل] شيءٍ ثمّ أقلع عنه، ورجع وأناب، فإنّ اللّه يتوب عليه، كما قال تعالى: {وإنّي لغفّارٌ لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثمّ اهتدى} [طه: 82]، وقال تعالى: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء: 110] والآيات في هذا كثيرةٌ جدًّا). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ} هذه آيةٌ أخرى، ودليلٌ باهرٌ على قدرة اللّه الفاعل المختار، وصدق من جعل له معجزةً، وذلك أنّ اللّه -تعالى -أمره أن يدخل يده في جيب درعه، فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعةً، كأنّها قطعة قمرٍ، لها لمعانٌ يتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله: {في تسع آياتٍ} أي: هاتان ثنتان من تسع آياتٍ أؤيّدك بهنّ، وأجعلهنّ برهانًا لك إلى فرعون وقومه {إنّهم كانوا قومًا فاسقين}.
وهذه هي الآيات التّسع الّتي قال اللّه تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيّناتٍ} [الإسراء: 101] كما تقدّم تقرير ذلك هنالك). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً} أي: بينة واضحة ظاهرة، {قالوا هذا سحرٌ مبينٌ} وأرادوا معارضته بسحرهم فغلبوا [هنالك] {وانقلبوا صاغرين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 180-181]

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجحدوا بها} أي: في ظاهر أمرهم، {واستيقنتها أنفسهم} أي: علموا في أنفسهم أنّها حقٌّ من عند اللّه، ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها، {ظلمًا وعلوًّا} أي: ظلمًا من أنفسهم، سجيّة ملعونةً، {وعلوًّا} أي: استكبارًا عن اتّباع الحقّ؛ ولهذا قال: {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي: انظر يا محمّد كيف كان عاقبة كفرهم، في إهلاك اللّه إيّاهم، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحةٍ واحدةٍ.
وفحوى الخطاب يقول: احذروا أيّها المكذّبون بمحمّدٍ، الجاحدون لما جاء به من ربّه، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى؛ فإنّ محمّدًا، صلوات اللّه وسلامه عليه أشرف وأعظم من موسى، وبرهانه أدلّ وأقوى من برهان موسى، بما آتاه اللّه من الدّلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به، وأخذ المواثيق له، عليه من ربّه أفضل الصّلاة والسّلام). [تفسير ابن كثير: 6/ 181]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة