التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا}لم ينالوا من المسلمين خيرًا، وظفرهم بالمسلمين لو ظفروا عندهم خيرٌ.
وقال بعضهم لو ينالوا خيرًا، يعني: لم يصيبوا ظفرًا ولا غنيمةً.
{وكفى اللّه المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25] بالرّيح والجنود الّتي أرسلها اللّه عليهم.
{وكان اللّه قويًّا عزيزًا} [الأحزاب: 25] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم...}
وقد كانوا طمعوا أن يصطلموا المسلمين لكثرتهم، فسلّط الله عليهم ريحاً باردةً، فمنعت أحدهم من أن يلجم دابّته., وجالت الخيل في العسكر، وتقطعت أطنابهم , فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة.
فذلك قوله: {إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها}: يعني : الملائكة.). [معاني القرآن: 2/340]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قويّا عزيزا (25)}
يعنى به ههنا: أبا سفيان, وأصحابه الأحزاب.
{لم ينالوا خيراً}: أي: لم يظفروا بالمسلمين وكان ذلك عندهم خيراً, فخوطبوا على استعمالهم.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا}
قال مجاهد : أبا سفيان , وأصحابه.). [معاني القرآن: 5/340]
تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وأنزل الّذين ظاهروهم} [الأحزاب: 26] عاونوهم.
{من أهل الكتاب}قريظة والنّضير.
{من صياصيهم} [الأحزاب: 26] من حصونهم.
{وقذف في قلوبهم الرّعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا {26}). [تفسير القرآن العظيم: 2/711]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأنزل الّذين ظاهروهم مّن أهل الكتاب...}
هؤلاء بنو قريظة, كانوا يهوداً، وكانوا قد آزروا أهل مكّة على النبي عليه السلام, وهي في قراءة عبد الله : {آزروهم} مكان {ظاهروهم} .
{من صياصيهم}: من حصونهم, وواحدتها صيصية , وهي طرف القرن والجبل, وصيصية غير مهموز.
وقوله: {فريقاً تقتلون} : يعني : قتل رجالهم , واستبقاء ذرارّيهم.
وقوله: {وتأسرون فريقاً}, كلّ القرّاء قد اجتمعوا على كسر السين. وتأسرون لغة , ولم يقرأ بها أحد.). [معاني القرآن: 2/341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الّذين ظاهروهم }: أي : عاونوهم , وهو من التظاهر.
{ من صياصيهم}: أي : من حصونهم وأصولهم , يقال: جذ الله صيصة فلانٍ , أي: أصله , وهي أيضاً شوك الحاكة , ال:
وما راعني إلاّ الرماح تنوشه= كوقع الصّياصي في النّسيج الممدّد
وهي شوكتا الديك , وهي قرن البقرة أيضاً.). [مجاز القرآن: 2/136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من صياصيهم}: من حصونهم واحدها صيصة). [غريب القرآن وتفسيره: 303]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {من صياصيهم}: أي: من حصونهم, وأصل «الصّياصي»: قرون البقر، لأنها تمتنع بها، وتدفع عن أنفسها, فقيل للحصون صياصي: لأنها تمنع.). [تفسير غريب القرآن: 349]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرّعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا (26)}
يعنى به: بنو قريظة، ومعنى {ظاهروهم}: عاونوهم على النبي صلى الله عليه وسلم , فقذف اللّه في قلوبهم الرعب , وأنزلهم على حكم سعد, وكان سعد حكم فيهم بأن يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم}
أي: أعاونهم من أهل الكتاب , قال مجاهد : قريظة.
{من صياصهم } : من قصورهم.
وروى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة : {من صياصيهم}: (من حصونهم) .
قال أبو جعفر : والقصور قد يتحصن بها , وأصل الصيصية في اللغة ما يمتنع به , ومنه قيل لقرون البقر صياصي , ومنه قوله:
= كوقع الصياصي في النسيج الممدد
يقال : جذ الله صيصته , أي: أصله.). [معاني القرآن: 5/340-341]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ظاهروهم}: أي: عاونوهم,{من صياصيهم}: أي: من قصورهم , وحصونهم.). [ياقوتة الصراط: 410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصياصي): الحصون، وأصل الصياصي : قرون البقر؛ لأنها تمتنع بها، شبهت الحصون بذلك لامتناعهم ببها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصَيَاصِي): الحصون.). [العمدة في غريب القرآن: 243]
تفسير قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} [الأحزاب: 27] لمّا حصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذٍ في قول بعضهم.
- وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن عمرو بن سعد بن معاذٍ، عن أبيه، أنّ سعدًا لم يحكم فيهم ولكنّهم نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل رسول اللّه إلى سعدٍ فجاء على حمارٍ، فقال: «أشر عليّ فيهم»، فقال: قد علمت أنّ اللّه قد أمرك فيهم بأمرٍ، أنت
[تفسير القرآن العظيم: 2/711]
فاعلٌ ما أمرك به فقال: «أشر عليّ فيهم» فقال: لو ولّيت أمرهم
لقتلت مقاتلتهم ولسبيت ذراريّهم ونساءهم، ولقسمت أموالهم، فقال: «والّذي نفسي بيده لقد أشرت عليّ فيهم بالّذي أمرني اللّه به».
- وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عطيّة القرظيّ.
قال: كنت فيمن عرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم قريظة فمن كان احتلم أو نبتت عانته قتل، ومن لم تنبت عانته ترك.
قال: فنظروا إليّ فلم تكن نبتت عانتي، فتركت.
- قال يحيى: وأمّا النّضير، فحدّثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا حصر وقطع نخلهم فرأوا أنّه قد ذهب بعيشهم صالحوه على أن يجليهم إلى الشّام.
- حدّثني عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حرق نخل بني النّضر وهي البويرة وترك العجوة، وهي الّتي قال فيها الشّاعر:
وهان على سراة بني لؤيٍّ... حريقٌ بالبويرة مستطيرٌ
قال يحيى: وحدّثني نصر بن طريفٍ، عن أيّوب، عن عكرمة قال: ما دون العجوة من النّخل فهي لينةٌ.
قوله عزّ وجلّ: {وأرضًا لم تطئوها} [الأحزاب: 27]، أي: وأورثكم أيضًا: {وأرضًا لم تطئوها} [الأحزاب: 27] وهي خيبر.
- أخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ قال: كنت رديف أبي طلحة
[تفسير القرآن العظيم: 2/712]
يوم فتحنا خيبر، إنّ ساقي لتصيب ساق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفخذي فخذه فلمّا أشرفنا عليها قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّه أكبر، خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين، فأخذناها عنوةً.
- وحدّثني أشعث، عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غداة صبّحنا خيبر، فقرأ بأقصر سورتين في القرآن ثمّ ركب، فلمّا أشرفنا عليها قالت اليهود: محمّدٌ واللّه والخميس قال: والخميس الجيش، فأخذناها عنوةً.
قال: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ قديرًا} [الأحزاب: 27] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/713]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأرضاً لّم تطئوها...}
عنى خيبر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم إيّاها الله.). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
[تأويل مشكل القرآن: 295]
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير.
وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ}، أي فنسوقه.
في أشباه لهذا كثيرة في القرآن). [تأويل مشكل القرآن: 296] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان اللّه على كلّ شيء قديرا (27)}
جعل النبي صلى الله عليه وسلم أرضهم , وديارهم , وأموالهم للمهاجرين ؛ لأنهم لم يكونوا ذوي عقار.
ومعنى الصياصى : كل ما يمتنع به، والصياصي ههنا: الحصون.
وقيل : القصور، والقصور قد يتحصّن فيها.
والصّياصي : قرون البقر , والظباء , وكل قرن صيصية؛ لأن ذوات القرون , يتحصّن بقرونها وتمتنع بها، وصيصة الديك : شوكته لأنه يتحصّن بها أيض.). [معاني القرآن: 4/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها}
قال الحسن : (فارس والروم) .
وقال قتادة : (مكة) .
وقال ابن إسحاق : (خيبر) .
وقال أبو جعفر : وهذه كلها قد أورثها الله جل وعز المسلمين إلا أن الأشبه بالمعنى أن تكون خيبر , والله أعلم .
روى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة في قوله تعالى: {وأرضا لم تطئوها} , قال : (ما يفتح على المسلمين إلى يوم القيامة)). [معاني القرآن: 5/341-342]