التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه...}
يريد - والله أعلم - يحبّون الأنداد، كما يحبّ المؤمنون الله, ثم قال: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه} من أولئك الأنداد). [معاني القرآن: 1/ 97]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب...}
يوقع "يرى" على "أن القوة لله وأن الله" وجوابه متروك, والله أعلم,و قوله: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت}, وترك الجواب في القرآن كثير؛ لأن معاني الجنة والنار مكرر معروف, وإن شئت كسرت إنّ , وإنّ وأوقعت "يرى" على "إذ" في المعنى , وفتح أنّ وأنّ مع الياء أحسن من كسرها.
ومن قرأ :{ولو ترى الّذين ظلموا} بالتاء كان وجه الكلام أن يقول: "إن القوة..." بالكسر ", وإن..."؛ لأن "ترى" قد وقعت على {الذين ظلموا}
فاستؤنفت "إن ", "وإنّ" , ولو فتحتهما على تكرير الرّؤية من "ترى" , ومن "يرى" لكان صواباً؛ كأنه قال: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يرون {أنّ القوّة للّه جميعاً}). [معاني القرآن: 1/ 98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولو يرى الذين ظلموا}, أي: يعلم، وليس برؤية عين.). [مجاز القرآن: 1/ 62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعاً وأنّ اللّه شديد العذاب}
قال: {ولو ترى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوّة للّه جميعاً}, فـ"إنّ" مكسورة على الابتداء إذ قال: {ولو ترى},
وقال بعضهم : {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة للّه جميعاً} , يقول: "ولو يرون أنّ القوّة للّه", أي: "لو يعلمون" ؛ لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا قال: {ولو ترى}, فإنما يخاطب النبي صلى الله عله وسلم , ولو كسر "إنّ" إذا قال: {ولو يرى الذين ظلموا} على الابتداء جاز لو يرى أو يعلم, وقد تكون في معنى لا يحتاج معها إلى شيء , تقول للرجل: "أما واللّه لو تعلم" , و"لو يعلم" , قال الشاعر:
إن يكن طبّك الدّلال فلو في ....... سالف الدّهر والسنين الخوالي
فهذا ليس له جواب إلاّ في المعننى, وقال:
فبحظٍّ مما تعيش ولا تذ ....... هب بك التّرهات في الأهوال
فأضمر "فعيشي", وقال بعضهم {ولو ترى}, وفتح {أنّ} على {ترى}, وليس ذلك ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس كما قال: {أم يقولون افتراه} , ليخبر الناس عن جهلهم , وكما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض}). [معاني القرآن: 1/ 121-122]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن {ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعا} يبتدئ {إن} فيكسرها؛ و{إن الله} بكسرها أيضًا.
وأبو عمرو {ولو يرى الذين ظلموا}، ثم يقول {أن القوة}، و{أن الله} كأنه يعمل {يرى} ). [معاني القرآن لقطرب: 260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعا وأنّ اللّه شديد العذاب}
فأعلم أن بعد هذا البيان والبرهان؛ تتخذ من دونه الأنداد, وهي الأمثال، فأبان أن من الناس من يتخذ ندّا يعلم أنه لا ينفع , ولا يضر , ولا يأتي بشيء مما ذكرنا، وعنى بهذا مشركي العرب.
وقوله عزّ وجلّ: {يحبّونهم كحبّ الله}
أي: يسوّون بين هذه الأوثان وبين اللّه عزّ وجلّ في المحبة.
وقال بعض النحويين: يحبونهم كحبكم أنتم للّه, وهذا قول ليس بشيء, ودليل نقضه قوله: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه}
والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع اللّه غيره هم المحبّون حقاً.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو يرى الّذين ظلموا- إذ يرون العذاب - أنّ القوّة للّه جميعاً}.
في هذا غير وجه:
1- يجوز أنّ القوة للّه, وأن اللّه،
2- ويجوز أن القوة للّه, وإن الله، ولو ترى الذين ظلموا , وتفتح أن مع ترى، وتكسر، وكل ذلك قد قرئ به.
قرأ الحسن:{ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة، وإنّ اللّه}: ونحن نفسر ما يجب أن يجرى عليه هذا إن شاء اللّه.
من قرأ : {أنّ القوة}, فموضع أن نصب بقوله :{ولو يرى الذين ظلموا أن القوة للّه جميعاً}, وكذلك نصب أن الثانية , والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدّة عذاب اللّه وقوته , لعلموا مضرةاتخاذهم الأنداد، وقد جرى ذكر الأنداد في قوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً}:
ويجوز أن يكون: العامل في أنّ الجواب على ما جاء في التفسير: يروى في تفسير هذا : أنه لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة , لعلموا حين يرونه أن القوة للّه جميعاً, ففتح أنّ أجود وأكثر في القراءة، وموضعها نصب في هاتين الجهتين على ما وصفنا،
ويجوز أن تكون: " إنّ " مكسورة مستأنفة، فيكون جواب {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب}, لرأوا أمرا عظيماً لا تبلغ صفته؛ لأن جواب لو إنما يترك لعظيم الموصوف نحو قوله عزّ وجلّ: {ولو أنّ قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى}
المعنى: لكان هذا القرآن أبلغ من كل ما وصف, وتكون:{أنّ القوّة للّه جميعاً}, على الاستئناف.
يخبر بقوله: أن القوة للّه جميعاً, ويكون الجواب المتروك غير معلق بإنّ.
ومن قرأ:{ولو ترى الذين ظلموا}, فإن التاء خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : يراد به الناس
كما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
فهو بمنزلة: ألم تعلموا, وكذلك : ولو ترى الذين ظلموا بمنزلة: ولو ترون, وتكون {أنّ القوّة للّه جميعاً} مستأنفة كما وصفنا.
ويكون الجواب - واللّه أعلم - : لرأيتم أمرا عظيما, كما يقول: لو رأيت فلانً, ا والسياط تأخذه، فيستغنى عن " الجواب ؛ لأن المعنى معلوم.
ويجوز فتح أن مع ترى , فيكون: لرأيتم أيها المخاطبون أن القوة للّه جميعا، أو لرأيتم أن الأنداد لم تنفع، وإنما بلغت الغاية في الضرر ؛ لأن القوة للّه جميعا.
و{جميعا}منصوبة - على الحال: المعنى أن القوة ثابتة للّه عزّ وجلّ في حال اجتماعها). [معاني القرآن: 1/ 237-239]
تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا، واحدتها: وصلة). [مجاز القرآن: 1/ 63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وتقطعت بهم الأسباب}: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا. والسبب الحبل وكل شيء بين اثنين من عهد أو رحم فهو سبب ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي)).). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وتقطّعت بهم}, يعني: الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا).[تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب}
يعني به: السادة , والأشراف {من الّذين اتّبعوا}, وهم الأتباع, والسفلة.
{ورأوا العذاب}, يعنى به: التابعون , والمتبوعون، {وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: انقطع وصلهم الذي كان جمعهم.
كما قال:{لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون} : فبينهم وصلهم, والذي تقطع بينهم في الآخر كان وصل بينهم في الدنيا.
وإنما ضمّت الألف في قوله {اتّبعوا}لضمّة التاء، والتاء ضمت علامة ما لم يسمّ فاعله.
فإن قال قائل: فما لم يسم فاعله مضموم الأول، والتاء المضمومة في {اتّبعوا} ثالثة، قيل إنما يضم لما لم يسم فاعله الأول من متحركات الفعل، فإذا كان في الأول ساكن اجتلبت له ألف الوصل، وضم ما كان متحركاً, فكان المتحرك من اتبعوا التاء الثانية فضمت دليلاً على ترك الفاعل، وأيضاً فإن في {اتّبعوا}ألف وصل دخلت من أجل سكون فاء الفعل؛ لأن مثاله من الفعل افتعلوا، فالألف ألف وصل, ولا يبنى عليه ضمة الأول في فعل لم يسمّ فاعله، والفاء ساكنة، والسّاكن لا يبنى عليه فلم يبق إلا الثالث، وهو التاء فضمت علماً للفعل الذي لم يسم فاعله، فكان الثالث لهذه العلة هو الأول). [معاني القرآن: 1/ 239-240]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حسراتٍ} : الحسرة: أشدّ الندامة). [مجاز القرآن: 1/ 63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (الحسرة): أشد الندامة). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لو أنّ لنا كرّةً}, أي: رجعة, {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم} ,يريد: أنهم عملوا في الدنيا أعمالاً لغير اللّه، فضاعت, وبطلت). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار}
أي: عودة إلى الدنيا فنتبرأ منهم، موضع "أن" رفع، المعنى : لو وقع لنا كرور , لتبرأنا منهم، كما تبرأوا منا، يقال : تبرأت منهم تبرؤا، وبرئت منه براءة , وبرئت من المرض , وبرأت أيضاً, لغتان: أبرأ، برءا، وبريت القلم , وغيره , وأبريه غير مهموز، وبرأ اللّه الخلق برءاً.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات}
أي: كـ تبرّي بعضهم من بعض , يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم؛ لأن ما عمله الكافر غير نافعه مع كفره، قال الله عزّ وجلّ:{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
وقال: {حبطت أعمالهم}, ومعنى:{أضلّ أعمالهم}, لم يجازهم على ما عملوا من خير، وهذا كما تقول لمن عمل عملاً, لم يعد عليه فيه نفع: لقد ضل سعيك). [معاني القرآن: 1/ 240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كرة}, أي: رجعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَسْـــــرَةِ}: أشد الندامـــة). [العمدة في غريب القرآن: 86]