التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد}
وقال: {والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها} ؛ لأنّ: {الطاغوت} : في معنى جماعة, وقال: {أولياؤهم الطّاغوت} : وإن شئت جعلته واحداً مؤنّثاً). [معاني القرآن: 3/40]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17)} :أي: الذين اجتنبوا الشياطين أن يتبعوهم.). [معاني القرآن: 4/349] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال:{الطاغوت}: الشياطين
قال أبو جعفر: وقد بينا هذا في سورة البقرة.). [معاني القرآن: 6/161-162]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17)}: أي: الذين اجتنبوا الشياطين أن يتبعوهم.
{وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17) الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولو الألباب (18)}
وهذا فيه - واللّه أعلم - وجهان:
أحدهما: أن يكون يستمعون القرآن.
وغيره , فيتبعون القرآن.
وجائز أن يكونوا يستمعون جميع ما أمر الله به, فيتبعون أحسن ذلك نحو القصاص , والعفو، فإن من عفا , وترك ما يجب له أعظم ثوابا ممن اقتص، ومثله: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}.
{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (41)}.). [معاني القرآن: 4/349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}
في معنى هذا قولان:
- القول الأول : قال الضحاك: (يستمعون القول : القرآن , وأحسنه ما أمر الله جل وعز به الأنبياء من طاعته , فيتبعونه)
- والقول الآخر: أنهم يستمعون القرآن , وغيره , فيتبعون القرآن .
قال أبو جعفر : القول الأول حسن , والمعنى أنهم إذا سمعوا بالعقوبة , والعفو عفوا , ورأوا أن العفو أفضل , وإن كانت العقوبة لهم.). [معاني القرآن: 6/162-163]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} :-
قال ثعلب: كله حسن، ولكن فيه القصاص، وفيه العفو عن القصاص، والعفو أحسن من القصاص.). [ياقوتة الصراط: 445-446]
تفسير قوله تعالى: {َفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار}.
يقال: كيف اجتمع استفهامان في معنىً واحدٍ؟
يقال: هذا ممّا يراد به استفهامٌ واحدٌ؛ فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه , يردّ الاستفهام إلى موضعه الذي هو له, وإنّما المعنى - والله أعلم -: أفأنت تنقذ من حقّت عليه كلمة العذاب؟!, ومثله من غير الاستفهام قوله: {أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مخرجون} , فردّ {أنكم} مرّتين.
والمعنى - والله أعلم -: أيعدكم أنّكم مخرجون إذا متّم وكنتم تراباً, ومثله قوله: {لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم} : فردّ (تحسبنّ) مرّتين؛ ومعناهما - والله أعلم - لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا بمفازة من العذاب, ومثله كثير في التنزيل , وغيره من كلام العرب.). [معاني القرآن: 2/418]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار}
وقال: {أفأنت تنقذ من} : أي: أفأنت تنقذه , واستغنى بقوله: {تنقذ من في النّار} عن هذا.
{أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ مّن رّبّه فويلٌ لّلقاسية قلوبهم مّن ذكر اللّه أولئك في ضلالٍ مّبينٍ}
وقال: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ مّن رّبّه} , فجعل قوله: {فويلٌ لّلقاسية قلوبهم} مكان الخبر). [معاني القرآن: 3/40]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار (19)}
هذا من لطيف العربية، ومعناه : معنى الشرط والجزاء, وألف الاستفهام ههنا معناها : معنى التوقيف، والألف الثانية في {أفأنت تنقذ من في النّار} جاءت مؤكّدة , معادة لمّا طال الكلام؛ لأنه لا يصلح في العربية أن تأتي بألف الاستفهام في الاسم , وألف أخرى في الخبر.
والمعنى : أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟!.
ومثله :{ أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابا وعظاما أنّكم مخرجون (35)}
أعاد " أنكم " - ثانية، والمعنى : أيعدكم أنّكم إذا متّم , وكنتم ترابا وعظاما مخرجون، ويكون - واللّه أعلم - على وجه آخر، على أنه حذف , وفي الكلام دليل على المحذوف، على معنى : أفمن حق عليه كلمة العذاب يتخلّص منه؟!, أو ينجو منه؟!, أفأنت تنقذه؟!, أي: لا يقدر أحد أن ينقذ من أضلّه اللّه، وسبق في علمه أنه من أهل النار.). [معاني القرآن: 4/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار}
يقال : كيف جيء باستفهامين, وقد أجمع أهل العربية انه لا يجوز استفهامان في اسم وخبره ؟.
ففي هذا جوابان :-
أحدهما : أن العرب إذا طال الكلام كررت توكيدا, وكذلك قال سيبويه في قول الله جل وعز: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}
المعنى على هذا : أفمن حق عليه كلمة العذاب , أفأنت تنقذه ؟!.
والكلام شرط , وجوابه , وجيء بالاستفهام ؛ ليدل على التوقيف والتقرير.
قال الفراء : المعنى : أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب ؟!.
قال أبو جعفر : وهذا , والأول واحد.
والجواب الآخر : أن في الكلام حذفا , والمعنى: أفمن حق عليه كلمة العذاب يتخلص , أو ينجو؟!
ثم حذف الجواب , وكان ما بعده مستأنفا .
والمعنى: أفمن سبق في علم الله جل وعز أنه يدخل النار ينجو , أو يتخلص؟!.). [معاني القرآن: 6/163-164]
تفسير قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وعد اللّه لا يخلف اللّه الميعاد }: نصبٌ مجازه , مجاز المصدر الذي ينصبه فعلٌ من غير لفظه , والوعد , والميعاد , والوعيد واحد.
قال ابو عبيدة إذا قلت: وعدت الرجل، فالوجه الخير , ويكون الشر .
قال الله: {النّار وعدها الله الذين كفروا} : وإذا قلت: أوعدت فالوجه الشر ولا يكون الخير). [مجاز القرآن: 2/189]