التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا...} هو من الإرعاء والمراعاة، وفي قراءة عبد الله: (لا تقولوا راعونا), وذلك أنها كلمة باليهودية شتم، فلمّا سمعت اليهود أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يقولون: يا نبيّ الله راعنا، اغتنموها فقالوا: قد كنا نسبّه في أنفسنا فنحن الآن قد أمكننا أن نظهر له السّبّ، فجعلوا يقولون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: راعنا، ويضحك بعضهم إلى بعض، ففطن لها رجلٌ من الأنصار، فقال لهم: والله لا يتكلم بها رجل إلا ضربت عنقه، فأنزل الله: {لا تقولوا راعنا} ينهى المسلمين عنها؛ إذ كانت سبّاً عند اليهود, وقد قرأها الحسن البصريّ: (لا تقولوا راعنًا) بالتنوين، يقول: لا تقولوا حمقًا, وينصب بالقول؛ كما تقول: قالوا خيرًا, وقالوا شرّا.
وقوله: {وقولوا انظرنا} أي: انتظرنا, و"أنظرنا": أخّرنا، قال الله: {قال أنظرني إلى يوم يبعثون} يريد: أخّرني، وفي سورة الحديد {يوم يقول المنافقون والمنافقات للّذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} خفيفة الألف على معنى الانتظار, وقرأها حمزة الزيّات: (للّذين آمنوا أنظرونا) على معنى التأخير). [معاني القرآن: 1/ 69-70]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({راعنا}: من راعيت إذا لم تنوّن، ومن نوّن جعلها كلمة نهوا عنها؛ راعيت: حافظت وتعاهدت). [مجاز القرآن: 1/ 49]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {لا تقولوا راعنا}، فذكرناها في سورة النساء، وفيها سمعناها). [معاني القرآن لقطرب: 256]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله "لا تقولوا راعنا" بالنون وغير النون؛ قال أبو علي: سمعناها في قراءة سورة النساء: "راعنا" و"راعنا يا هذا"؛ وسنخبر عنها في القراءة، إن شاء الله.
وقرأ أبو عمرو في سورة البقرة {راعنا} بغير نون؛ وهي من: أرعيت ومن أرعني، الراء ساكنة، فإذا ترك التنوين صارت مثل: رامنا؛ وهي من أرعني سمعك؛ أي أمكني سمعك حتى أرعاه، وأرعيته سمعي: أمكنته.
[معاني القرآن لقطرب: 328]
وفي قراءة عبد الله "راعونا". تدل على الفعل، ومن نون كان الاسم راعن؛ وهو الخلاف من القول، والراعن: السخري في قول أهل المدينة ولغتهم؛ وكأنه في المعنى من قولهم: رجل أرعن بين الرعنة والرعونة، وقد رعن؛ فيكون الراعن من ذلك.
وكان ابن عباس يقول {لا تقولوا راعنا} من أرعني سمعك؛ وكأن "راعنا" السب القبيح بلسان اليهود؛ والرعن: الجبل المستطيل على وجه الأرض، له أنف شامخ طويل في السماء). [معاني القرآن لقطرب: 329]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({راعنا}: من "راعيت" إذا لم تنون، ويقال: أرعني سمعك أي: استمع لي.
ومن نون (راعنًا) جعله من الرعونة، أي: لا تقولوا راعنا من القول، أي: حمتا، وهو الإرعاء والمراعاة.
{وقولوا انظرنا} أي: انتظرنا. و(انظرنا) أي: أخرنا من ذلك، قال: {أنظرني إلى يوم يبعثون}). [غريب القرآن وتفسيره: 78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لا تقولوا راعنا} من «رعيت الرجل»: إذا تأمّلته، وعرّفت أحواله, يقال: أرعني سمعك, وكان المسلمون يقولون لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلم-: أرعني سمعك, وكان اليهود يقولون: راعنا, وهي بلغتهم سب لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلم- بالرّعونة , وينوون بها السبّ، فأمر اللّه المؤمنين أن لا يقولوها، لئلا يقولها اليهود، وأن يجعلوا مكانها: انظرنا, أي: انتظرنا, يقال: نظرتك, وانتظرتك بمعنى.
ومن قرأها «راعنًا» بالتنوين، أراد: اسماً مأخوذاً من الرّعن والرّعونة، أي: لا تقولوا حمقاً, ولا جهلاً). [تفسير غريب القرآن: 60]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم} وقرأ الحسن: (لا تقولوا راعنًا) بالتنوين، والذي عليه الناس {راعنا} غير منون، وقد قيل في {راعنا} بغير تنوين ثلاثة أقوال:
1- قال بعضهم: {راعنا}: ارعنا سمعك، وقيل: كان المسلمون يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: راعنا، وكانت اليهود تتسابّ بينها بهذه الكلمة، وكانوا يسبون النبي -صلى الله عليه وسلم- في نفوسهم، فلما سمعوا هذه الكلمة اغتنموا أن يظهروا سبّه بلفظ يسمع ولا يلحقهم به في ظاهره شيء، فأظهر اللّه النبي -صلى الله عليه وسلم-, والمسلمين على ذلك, ونهى عن هذه الكلمة.
2- وقال قوم: {لا تقولوا راعنا}: من المراعاة والمكافأة، فأمروا أن يخاطبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتقدير, والتوقير، فقيل لهم: {لا تقولوا راعنا} أي: كافنا في المقال، كما يقول بعضهم لبعض، {وقولوا انظرنا} أي: أمهلنا، {واسمعوا} كأنه قيل لهم: استمعوا.
3- وقال قوم: إن {راعنا} كلمة تجري على الهزء والسخرية، فنهي المسلمون أن يتلفظوا بها بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- , وأما قراءة الحسن: (راعنًا) فالمعنى فيه: لا تقولوا حمقاً من الرعونة). [معاني القرآن: 1/ 188]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({راعنا} من "راعيته": إذا تأملته، وكان المسلمون يقولونه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فحرفته اليهود بلغتهم، وهو سب عندهم يدعونه بالرعونة، فنهى الله تعالى المسلمين عن قول ذلك.
ومن قرأ (راعنًا) منوناً أراد: لا تقولوا اسماً مأخوذاً من الرعن، أي: لا تقولوا حمقاً, ولا جهلاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 32]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({رَاعِنَا}: من المراعاة. (رَاعِناً): من الرعون. {انظُرْنَا}: انتظرنا. (أَنظِرْنَا): أخرنا).
[العمدة في غريب القرآن: 81]
تفسير قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {مّا يودّ الّذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين...} معناه: ومن المشركين،
ولو كانت "المشركون" رفعاً مردودةً على "الّذين كفروا" كان صوابًا, تريد: ما يودّ الذين كفروا, ولا المشركون, ومثلها في المائدة: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزواً ولعباً من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء}، قرئت بالوجهين: (والكفارِ)، (والكفارَ), وهي في قراءة عبد الله: (ومن الكفّار أولياء), وكذلك قوله: {لم يكن الّذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} في موضع خفض على قوله: "من أهل الكتاب ومن المشركين"، ولو كانت رفعا كان صوابا؛ تردّ على "الذين كفروا"). [معاني القرآن: 1/ 70-71]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أن ينزّل عليكم من خيرٍ من ربّكم}, قال أبو ذؤيب:
جزيتك ضعف الحبّ لما استثبته ....... وما إن جزاك الضّعف من أحدٍ قبلي
أي: أحد قبلي، استثبته: استغللته). [مجاز القرآن: 1/ 49]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({مّا يودّ الّذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم مّن خيرٍ مّن رّبّكم واللّه يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم}
قال: {مّا يودّ الّذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين} أي: "ولا من المشركين", لا يودّون {أن ينزّل عليكم}). [معاني القرآن: 1/ 109]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي عمرو {أن ينزل عليكم} من أنزل.
الأعرج {ينزل} من نزل). [معاني القرآن لقطرب: 256]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ما يود الذين كفروا} الفعل: وددت لو كان ذاك، ووددت لغة، ودا وودا [...] وودا وودادا وودادا وودادة وودادة؛ ويقال: القوم لي أود، والقوم لي ود، وأوداد أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 329]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما يودّ الّذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربّكم واللّه يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم}المعنى: ولا من المشركين، الذين كفروا من أهل الكتاب: اليهود، والمشركون في هذا الوضع عبدة الأوثان.
{أن ينزّل عليكم من خير من ربّكم} ويقرأ (أن يُنْزِل) عليكم بالتخفيف, والتثقيل جميعاً, ويجوز في العربية (أن يَنْزِلَ عليكم)، ولا ينبغي أن يقرأ بهذا الوجه الثالث إذ كان لم يقرأ به أحد من القراء المشتهرين.
وموضع {من خير} رفع, المعنى: ما يود الذين كفروا والمشركون أن ينزل عليكم خير من ربكم، ولو كان هذا في الكلام لجاز (ولا المشركون)، ولكن المصحف لا يخالف، والأجود ما ثبت في المصحف أيضا، ودخول (من) ههنا على جهة التوكيد والزيادة كما في: (ما جاءني من أحد)، و(ما جاءني أحد).
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم} أي: يختص بنبوته من يشاء من أخبر عزّ وجلّ أنه مختار). [معاني القرآن: 1/ 188-189]