قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {ومن ءايته الجوار في البحر} [32].
فيه ثلاث قراءات:
كان ابن كثير يثبت الياء وصل أو وقف على الأصل، لأن الجواري: السفن، واحدها جارية، فلام الفعل ياء وهي أصلية، وكلنه كتب في المصحف بغير ياء.
وقرأ نافع وأبو عمرو بإثبات الياء في الوصل، وحذفا في الوقف؛ ليكونا متبعين الكتاب والأصل كليهما.
وقرأ الباقون بحذف الياء وصلوا أو وقفوا، ابتاعًا للمصحف واجتزأ بالكسرة من الياء، اتفقت المصاحف على حذفها، وكذلك التي في {الرحمن} {وله الجوار المنشئات في البحر} لأن الجوار في محل الرفع فياؤها ساكنة، ولقيتها لام ساكنة فسقطت لالتقاء الساكنين لفظًا، فأسقطت خطأ.
وفيها قراءة رابعة: {الجوار} بالرفع. يروي عن ابن مسعود، كأنه أراد الجوائر فقلب كما قيل جرف هار وسلاح شاك والأصل: هائر شائك و{إلا من هو صال الجحيم} والأصل صائل.
وفيها قراءة خامسة: وروي عن الكسائي {الجوار} بالإمالة لكسر الراء،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/284]
لأن كل راء مكسورة قبلها ألف. فالعرب تميلها ، نحو قنطار وجوار وأبرارا، ونحو ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/285]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ومن آياته الجواري [الشورى/ 32] بياء في الوصل، ووقف ابن كثير: بياء، ونافع وأبو عمرو: بغير ياء.
وقرأ الباقون: بغير ياء في وصل ولا وقف.
القياس: الجواري في الوصل والوقف كما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف فلأنّ حذف هذه الياءات وإن كانت لاما، قد كثر في كلامهم، فصار كالقياس المستمرّ، وقد مضى القول فيه). [الحجة للقراء السبعة: 6/130]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام} 32
قرأ ابن كثير (ومن آياته الجواري) بالياء في الوصل والوقف على الأصل واحدها جارية فلام الفعل ياء
وقرأ نافع وأبو عمرو بإثبات الياء في الوصل وحذفها في الوقف وإنّما قرأ كذلك ليكونا متبعين للكتاب وللأصل
وقرأ أهل الشّام الكوفة بحذف الياء في الوصل والوقف لأن مرسوم المصاحف بغير ياء فاتبعوا المصاحف). [حجة القراءات: 642]
قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة: [فَيَظْلِلْنَ رَوَاكِدَ]، بكسر اللام.
قال أبو الفتح: هذه القراءة على ظللت أظل، كفررت أفر. والمشهور فيها فعلت أفعل: ظللت أظل.
وأما ظللت أظل فلم يمرر بنا، لكن قد مر نحو ضللت أضل، وضللت أضل. ولم يقرأ قتادة -إن شاء الله- إلا بما رواه، وأقل ما في ذلك أن يكون سمعه لغة). [المحتسب: 2/252]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} [آية/ 33] بالألف:-
قرأها نافع وحده، وكذلك روي عن يعقوب.
وقرأ الباقون {الرِّيحَ} على الوحدة. وقد مضى وجهها). [الموضح: 1141]
قوله تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)}
قوله تعالى: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا... (35)
قرأ نافع وابن عامر (ويعلم الّذين) برفع الميم.
وقرأ الباقون (ويعلم الّذين) بفتح الميم.
قال أبو منصور: من قرأ (ويعلم الّذين) عطفه على قوله (ويعف عن كثيرٍ)، وهو في موضع الرفع.
كتب (ويعف) والأصل: يعفوا. فاكتفى بضمة الفاء، وحذفت الواو.
ومن قرأ (ويعلم الّذين) بالنصب فهو عند الكوفيين منصوب على الصرف، وعند البصريين) على إضمار (أن)؛ لأن قبلها جزاء.
تقول: ما تصنع أصنع مثله وأكرمك. على معنى: وأن أكرمك، وإذا قلت (وأكرمك) فهو بمعنى: وأنا أكرمك.
وأما قوله (بما كسبت أيديكم) بحذف الفاء على قراءة من قرأه فـ (ما) في قوله: (ما أصابكم) ليست بجزاءٍ، ولكنها بمعنى (الذي).
والمعنى: الذي
[معاني القراءات وعللها: 2/357]
أصابكم وقع بما كسبت أيديكم.
ويعف عن كثير، أي: لا يجازي على كثير مما كسبت أيديكم). [معاني القراءات وعللها: 2/358]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {ويعلم الذين يجادلون} [35].
قرأ نافع وابن عامر: {ويعلم} بالرفع على الاستئناف، لأن الشرط والجزاء قد تم فجاز الابتداء بعده.
وقرأ الباقون: {ويعلم الذين} بفتح الميم.
فقال الكوفيون: هو نصب على الصرف من مجزوم إلى منصوب كما قال الله تعالى: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} واحتجوا بقول الشاعر:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك = ربيع الناس والبلد الحرام
ونمسك بعده بذناب عيش = ئجب الظهر ليس له سنام
وقال أهل البصرة: ينتصب بإضمار «إن» معناه: وأن يعلم الذين يجادلون في ءآياتنا مالهم من محيص، أي: من معدل ومنجي وملجأ، وينشد:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/285]
فلولا رجال من رزام أعزة = وآل سبيع أو أسوءك علقما
أراد: أن أسوءك، وقال آخر:
ولبس عباءة وتقر عيني = أحب إلي من لبس الشفوف
أراد: أن تقر عيني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/286]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع الميم ونصبها من قوله: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا [الشورى/ 35].
فقرأ نافع وابن عامر: ويعلم الذين* برفع الميم.
وقرأ الباقون: ويعلم الذين نصبا.
ومن قرأ ويعلم الذين يجادلون بالرفع، استأنف لأنّه موضع استئناف من حيث جاء من بعد الجزاء، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ محذوف، وأمّا من نصب: فلأنّ قبله شرطا وجزاء، وكلّ واحد منهما غير واجب، تقول في الشرط: إن تأتني وتعطيني أكرمك. فتنصب تعطيني، وتقديره: إن يكن منك إتيان وإعطاء أكرمك، فالنصب بعد الشرط إذا عطفت عليه بالفاء أمثل من النصب بالفاء بعد جواب الشرط فأمّا قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 6/130]
ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة فيثبتها في مستوى الأرض يزلق والنصب فيه حسن لمكان النفي. فأمّا العطف على الشرط نحو:
إن تأتني وتكرمني فأكرمك، فالذي يختار سيبويه في العطف على جزاء الشرط الجزم فيختار ويعلم الذين يجادلون إذا لم يقطعه من الأوّل فيرفعه، ويزعم أن المعطوف على جزاء الشرط شبيه بقول القائل:
وألحق بالحجاز فأستريحا قال: إلّا أن ما ينصب في العطف على جزاء الشرط أمثل من ذلك، لأنّه ليس يوقع فعلا إلّا بأن يكون من غيره فعل فصار بمنزلة الهواجس، وزعم سيبويه أن بعضهم قرأ: يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء [البقرة/ 284] وأنشد للأعشى في نصب ما عطف بالفاء على الجزاء:
ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا
[الحجة للقراء السبعة: 6/131]
وتدفن منه الصّالحات وإن يسئ يكن ما أساء النار في رأس كبكبا فهذا حجّة لمن قرأ: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا بالنصب). [الحجة للقراء السبعة: 6/132]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} 35
قرأ نافع وابن عامر {ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا} بالرّفع على الاستئناف لأن الشّرط والجزاء قد تمّ فجاز الابتداء بما بعده
وقرأ الباقون {ويعلم الّذين} بالنّصب على إضمار أن لأن قبلها جزاء تقول ما تصنع أصنع مثله وأكرمك على إضمار أن أكرمك وإن شئت قلت أكرمك على تقدير أنا أكرمك على الاستئناف وإن شئت قلت وأكرمك). [حجة القراءات: 643]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {ويعلم الذين} قرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف، لأن الجزاء وجوابه تم قبله، فاستؤنف ما بعد ذلك وإن شئت رفعت {ويعلم}،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/251]
على أنه خبر ابتداء محذوف تقديره: وهو يعلم الذين. وقرأ الباقون بالنصب، على الصرف، ومعنى الصرف أنه لما كان قبله شرط وجواب، وعُطف عليه {ويعلم}، لم يحسن في المعنى؛ لأن علم الله واجب، وما قبله غير واجب فلم يحسن الجزم في {يعلم} على العطف على الشرط وجوابه؛ لأنه يصير المعنى إن يشأ يعلم، وهو عالم بكل شيء، فلم يحسن العطف على الشرط وجوابه؛ لأنه غير واجب، و«يعلم الذين» واجب، ولا يعطف واجب على غير واجب، فلما امتنع العطف عليه على لفظه، عطف على مصدره، والمصدر اسم، فلم يتمكن عطف فعل على اسم، فأضمر «أن» فيكون مع الفعل اسمًا فتعطف اسمًا على اسم، فانتصب الفعل بـ «أن» المضمرة، فالعطف مصروف على لفظ الشرط إلى معناه، فلذلك قيل: نُصب على الصرف، وعلى هذا أجازوا: إن تأتني وتعطيني أكرمك، فنصبوا «وتعطيني» على الصرف؛ لأنه صرف على العطف على «تأتني»، فعطف على مصدره، فأضمرت «أن» لتكون مع الفعل مصدرًا، فتعطف اسمًا على اسم، ولو عطفت على «تأتني» لكان المعنى: إن تأتني وإن تعطني أكرمك، فبوقوع أحد الفعلين يقع الإكرام إذا جزمت، وعطفت على لفظ «تأتني»، ولم يرد المتكلم هذا، إنما أراد إذا اجتمع الأمران منك وقع مني الإكرام، إن يكن منك إتيان وإعطاء أكرمك، أي: إذا اجتمع الوجهان وقع الإكرام، والجزم معناه: إن وقع منك إتيان وإعطاء أكرمك، فالإكرام مع العطف على اللفظ، يكون بوقوع أحد الفعلين المجزومين، والإكرام، مع النصب في الفصل الثاني، يكون بوقوع الفعلين، والنصب في «ويعلم» أحب إلي؛ لأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/252]
الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/253]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ} [آية/ 35] بالرفع:-
قرأها نافع وابن عامر.
[الموضح: 1141]
والوجه أنه على الاستئناف؛ لأنه بعد الجزاء، فقد استأنف الكلام بعد تمام الجملتين.
ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: الأمر أو الشأن يعلم الذين يجادلون.
ويجوز أن يكون عطفًا على قوله {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}؛ لأنه مرفوع عند بعضهم، والواو حذف منه تخفيفًا واكتفاء بالضمة، وعلى قراءة من قرأ {يَعْفُو} بالواو فلا نظر فيه.
وقرأ الباقون {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ} نصبًا.
والوجه أنه معطوف على جزاء الشرط، فينتصب بإضمار أن، كما تنتصب الأفعال بعد الأشياء غير الواجبة كالأمر والنهي والاستفهام؛ لأن ما يعطف على جزاء الشرط ليس فيه إيقاع فعل، بل يتوقف وقوعه على وقوع الشرط فصار بمنزلة غير الواجب، والنحويون يسمون هذا ونحوه الصرف، كأنه مصروف عن إعراب ما قبله، ويختار سيبويه في مثله الجزم). [الموضح: 1142]
قوله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كبائر الإثم والفواحش (37)
قرأ حمزة والكسائي (كبير الإثم) بغير ألف وفي (والنجم) مثله.
وقرأ الباقون (كبائر الإثم) بألف في السورتين.
قال أبو منصور: (كبائر الإثم) جمع كبير.
ومن قرأ (كبير الإثم) فهو واحد يدل على الجمع.
واختلفوا في الكبائر، فقال بعضهم: كل ما وعد الله عليه النار فهو كبيرة. وقيل الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، واستحلال الحرام.
وقيل الكبائر: من أول سورة النساء، من قوله: (ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب) إلى قوله (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا (31) ). [معاني القراءات وعللها: 2/358]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {والذين يجتنبون [كبائر الإثم]} [37].
قرأ حمزة والكسائي: {كبير الإثم} على التوحيد، وفسره الشرك فقط.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/286]
وقرأ الباقون: {كبائر} على الجمع. وكذلك ألفاظ الحديث كل ذلك ورد بالجمع.
واختلف الناس في الكبائر، فقال قو: كلما أوعد الله عليه النار فهي كبيرة.
وقال آخرون: كلما نهي الله عنه فهي كبيرة.
وقال آخرون: كبائر الإثم أشياء مخصوصة؛ الشرك بالله تعالى، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنة، وشرب الخمر، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، والزنا.
قال ابن عباس: الكبائر لأن تكون سبعين أحري من أن تكون سبعة.
وقال آخرون: الكبائر من أول (النساء) إلى قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} فإذا كان المعاصي كبائر وصغائر وجب في القياس أن يكون للطاعات كبائر وصغائر، وأكبر الطاعات شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما كان أكبر الكبائر الشرك بالله، وأصغر الطاعات إماطة الأذى عن الطريق، كما أن أصغر الذنوب الطرفة واللمحة. سمعت أبا عمران القاضي يقول: أعظم من الشرك بالله ادعاء الربوبية، كقوله فرعون – لعنه الله-: {أنا ربكم الأعلى}.
وقال إسماعيل القاضي: قال ابن الماجشون: كبائر الذنوب الجراحات، والشرك، والقتل، وقال: صغائر الذنوب إذا اجتمعت كانت كبيرة، وأنشد:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/287]
وسيئات المرء إن جمعت = صغارها حلت محل الكبار
وقال آخر:
قد يلحق الصغير بالجليل
وإنما القرم من الأفيل
وسحق النخل من الفسيل
الأفيل: يعني ولد الناقة. وكان يقال: إياكم والمحقرات فإن لها من الله طالبا. وقال ابن عون، عن الحسن: قدم عبد الله بن عمرو بن العاص من مصر على عمر رحمه الله عليه في ناس فلما دخل المدينة قال: تفرقوا في الطريق، فإني لا أدري ما ترمون به من عمر، ثم دخل عليه فقال: إن ناسًا زعموا أنهم يرون في القرآن شيئًا أمر أن يعمل بها فأرادوا أن يذكروا ذلك لك، قال: فأين هم؟ أجمعهم. فأتي بهم، فأخذ عمر أدناهم إليه فقال: أنشدك بالله هل قرأت القرآن؟ قال نعم، قال: أجمعته قال نعم، قال: فأقمته في نفسك وفي بصرك، قال: لا. فأخذ الذي يليه حتى استقرأهم كذلك، فيقولون: لا، قال: ثكلت عمر أمه تكلفونه أن يقيم أمر الله في أمه محمدصلى الله عليه وسلم ثم تلا: {إن كبئر تجتنبوا ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} فقد علم الله تعالى أن سيكون لي سيئات هل علم بكم أحد؟ قال: لا، قال والذي نفسي بيده لو علم بكم أحد لو عظتكم.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/288]
واختلف الناس في الكبائر، فقال قوم: كل من أرتكب كبيرة فهو في النار خالدًا مخلدًا، وقال أهل السنة: كل من ارتكب ذنبًا صغيرًا أو كبيرًا ليس الشرك بالله فإن الله تعالى جائز أن يغفر له، لأن الله تعالى قال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا ممن كان قبلكم قتل مائة حنيف إلا واحدًا، ثم جاء إلى راهب فقال يا راهب إني قتلت مائة حنيف إلا واحدًا، فهل من توبة؟ فقال: لا أري لك توبة، فاغتاظ، وتقل الراهب فجاء إلى راهب فقال: يا راهب، إني قتلت تسعة وتسعين حنيفًا فأتممتها مائة براهب هل من توبة؟ قال: نعم فالزمني وافعل ما أفعل، قال: فلزمه، فكان يصلي إذا صلى، ويصوم إذا صام فأمره الراهب يومًا أن يسجر تنورًا فجاء إليه الراهب ضجرًا فقال: قد سجرت التنور، فأعاد عليه مرارًا، فقال الراهب بضجر: مر فأجلس فيه فذهب فألقي نفسه في التنور فصار عليه بردًا وسلامًا، فجاء الراهب فرأي التنور يتأجج ولم يصب الرجل لفح النار، فقال: بأبي اخرج فأنت خير مني، قال: لا، ولكن أخدمك لأنك خير مني، قال: فدعني أفارقك، قال: ذاك إليك، فساح في البراري فكان يأنس بالوحش، ولا يضره السباع حيث قبل الله توبته»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/289]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عزّ وجلّ: كبائر الإثم [الشورى/ 37].
فقرأ حمزة والكسائي: كبير الإثم واحد بغير ألف، وفي النجم مثله.
وقرأ الباقون: كبائر بالألف فيهما.
حجّة الجمع قوله: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر [النساء/ 31] فهذه يراد بها تلك الكبائر المجموعة التي تكفّر باجتنابها السيئات التي هي الصغائر.
ويقوّي الجمع أن المراد هنا اجتناب تلك الكبائر المجموعة في قوله: كبائر ما تنهون عنه، وإذا أفرد جاز أن يكون المراد واحدا، وليس المعنى على الإفراد، وإنّما المعنى على الجمع والكثرة، ومن قال: كبير* فأفرد، فإنّه يجوز أن يريد بها الجمع، وإن جاز أن يكون واحدا في اللّفظ، وقد جاءت الآحاد في الإضافة، يراد بها الجمع كقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34] وفي الحديث: «منعت العراق درهما وقفيزها»). [الحجة للقراء السبعة: 6/132]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش} 37
قرأ حمزة والكسائيّ (كبير الإثم) على الواحد وفي النّجم مثله وحجتهما ما روي عن ابن عبّاس أنه قال عنى بذلك الشّرك باللّه ويجوز أن تقول بالتّوحيد لأن التّوحيد يؤدّي عن معنى الجمع فيكون المعنى كبير كل إثم
وقرأ الباقون {كبائر الإثم} على الجمع وحجتهم ما في الآية وهو قوله {والفواحش} قالوا ولو كان كبير الإثم لكان والفحش ويقوّي الجمع أيضا إجماع الجميع على قوله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} ). [حجة القراءات: 644]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {كبائر الإثم} قرأه حمزة والكسائي بالتوحيد من غير ألف على وزن «فعيل» هنا وفي النجم، وقرأ الباقون {كبائر} على جمع كبيرة.
وحجة من قرأ بالجمع أنه لما رأى الله تبارك وتعالى ضمن غفرات السيئات الصغائر باجتناب الكبائر قرأ بالجمع في الكبائر، إذ ليس باجتناب كبيرة واحدة تغفر الصغائر، وأيضًا فإن بعده الفواحش بالجمع، فوجب أن تكون الكبائر بالجمع، ليتفق الشرطان واللفظان.
7- وحجة من قرأ بالتوحيد على وزن «فعيل» أن «فعيلا» يقع بمعنى الجمع، قال الله تبارك وتعالى: {وحسن أولئك رفيقا} «النساء 69» أي: رفقاء، فهي ترجع إلى القراءة بالجمع في المعنى، ودل على الجمع إضافته إلى الإثم، والإثم بمعنى «الآثام» لأنه مصدر يدل على الكثير، فإضافة «كبير» إلى الجمع يدل على أنه جمع، فالقراءتان بمعنى ولفظ للجمع أحب إلي؛ لأن الجماعة عليه، وإليه ترجع قراءة التوحيد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/253]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [آية/ 37] بغير ألف:-
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في النجم.
والوجه أنه واحد يراد به الجمع، كما قال تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله}، ومن مثله الذي هو واحد مضاف والمراد به الجمع قولهم: منعت العراق درهمها وقفيزها، والمعنى في الكل على الجمع.
ويمكن أن يقال ههنا إنه لما أضيف الكبير إلى الإثم، والإثم جنس مستغرق يراد به الكثرة اكتفي فيما اضيف إليه بلفظ الواحد عن الجمع.
وقرأ الباقون {كَبَائِرَ الإِثْمِ} بالألف.
والوجه أنه على الجمع؛ لأن المراد الجمع والكثرة، فإذا كان الواحد متى وقع ههنا كان بمعنى الجمع، فلفظ الجمع أولى بالوقوع لموافقة المراد لفظًا ومعنى، قال الله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ). [الموضح: 1143]
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين