قوله تعالى: { الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) }
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((أن لهم قدم صدق عند ربهم) [2] حسن. قال السجستاني: هو تام. وليس بتام لأن قوله: (قال الكافرون إن هذا لساحر مبين) جواب لـ «الوحي». وهذا إشارة إليه. والوقف على (لساحر مبين) تام.
(ما من شفيع إلا من بعد إذنه) [3] حسن. ومثله: (ربكم فاعبدوه).
(إليه مرجعكم جميعا) [4] حسن غير تام. وقوله: (حقا إنه يبدأ الخلق) كان أبو جعفر يفتح ألف (أن) وسائر القراء على كسرها. فمن فتحها وقف: (مرجعكم جميعا وعد الله) وابتدأ: (حقا أنه يبدأ الخلق) على معنى «حقا بدؤه الخلق»، أنشدنا أبو العباس لابن الدمينة:
أحقًا عباد الله أن لست خارجا = ولا والجا إلا على رقيب
ولا ماشيا فردا ولا في جماعة = من الناس إلا قيل أنت مريب
فرفع «أن» بمعنى «حق» وقال السجستاني: من فتح «أن» نصبها بالوعد كأنه قال: «وعد الله أنه يبدأ الخلق» وليس كما ظن لأن كسر «أن» يدل على أنها غير معلقة بالوعد، ومن كسر «أن» وقف (وعد الله حقا) وابتدأ (إنه) بالكسر. (ثم يعيده) وقف حسن. ومثله: (عملوا الصالحات بالقسط).)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/702-703]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (
{الر} حيث وقع و{المر} تام على قول ابن عباس رضي الله عنه، لأن معنى (الر) عنده: أنا الله أرى. و(المر) أنا الله أعلم وأرى، وقيل: الوقف عليهما كاف. والأول الاختيار.
حدثنا أحمد بن محمد الماليني قال: حدثنا الحسن بن رشيق قال: حدثنا محمد بن حفص قال: حدثنا صالح بن محمد قال: حدثنا حماد بن أبي حنيفة عن أبيه عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله عز وجل: (المر) قال: أنا الله أعلم وأرى. {الكتاب الحكيم} تام. {أن لهم قدم صدق عند ربهم} كاف. وقال أبو حاتم: هو تام. والتمام: {لساحرٌ مبين}.
حدثنا أحمد بن فراس قال: حدثنا الديبلي قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا سفيان قال: أخبرت عن زيد بن أسلم قال في هذه السورة الآية: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: قدم صدق محمد صلى الله عليه وسلم.
{إلا من بعد إذنه} كاف. ومثله (فاعبدوه). ومثله {إليه مرجعكم جميعا}. ومثله {وعد الله حقًا}. {ثم يعيده} كاف، وليس بتام، لأن بعده لام كي، وهي متعلقة بما قبلها. (بالقسط) أكفى منه. (يكفرون) تام.)[المكتفى: 302-303]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({آلر- 1- ط} كوفي. {عند ربهم- 2- ط}. {يدبر الأمر- 3- ط}.
{إذنه- 3- ط}. {فاعبدوه- 3- ط}. {جميعًا- 4- ط}. {حقًا- 4- ط} إلا لمن قرأ: {أنه} بالفتح. {بالقسط- 4- ط}.)[علل الوقوف: 2/564-565]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): ((الر) تقدم ما يغني عن إعادته في سورة البقرة
الحكيم (تام) للابتداء بالاستفهام الإنكاري
أن أنذر الناس (حسن) سواء أعربنا أن أوحينا اسم كان وعجبًا الخبر أو عكسه والتقدير أكان إيحاؤنا بالإنذار والتبشير إلى رجل منهم عجبًا وأن أنذر الناس تفسيرًا وجعلت كان تامة وأن أوحينا بدلاً من عجبًا بدل اشتمال أو كل من كل وجعل هذا نفس العجب مبالغة
أنَّ لهم قدم صدق عند ربهم (أحسن) مما قبله وليس بوقف على قول من يقول إنَّ قوله قال الكافرون جواب أن أوحينا وهذا إشارة إلى الوحي قاله أبو حاتم والمراد بالقدم الصدق محمد صلى الله عليه وسلم وهي مؤنثة يقال قدم حسنة قال حسان
لنا القدم العليا إليك وخلفنا = لأوّلنا في طاعة الله تابع
أي ما تقدم لهم في السودد
لسحر مبين (أتم) مما قبله
على العرش (حسن) ومثله في الحسن يدبر الأمر
إلاَّ من بعد إذنه (كاف) ومثله فاعبدوه وكذا تذكرون
جميعًا (حسن) سواء أعرب جميعًا حال من المضاف إليه وهو الكاف وهو صحيح لوجود شرطه وهو كون المضاف صالحًا للعمل في الحال ومثله حقًا لمن قرأ أنه يبدأ الخلق بكسر الهمزة وليس بوقف لمن قرأ بفتحها وهو أبو جعفر يزيد بن القعقاع فإنَّه كان يقرأ أنَّه بفتح الهمزة فعلى قراءته لا يوقف على حقًا لأنَّ ما قبلها عامل فيها بل يوقف على وعد الله ثم يبتديء حقًا إنَّه يبدأ الخلق وقال أبو حاتم موضع أن بالفتح نصب بالوعد لأنَّه مصدر مضاف لمفعوله فكأنَّه قال وعد الله له فعلى قوله لا يوقف على ما قبل حقًا ولا على ما بعده وقيل موضعه رفع أي حقًا إنَّه يبدأ الخلق كما قال الشاعر
أحقًا عباد الله إن لست داخلاً = ولا خارجًا إلاَّ على رقيب
فرفع أن بعد حقًا لأنها لا تكسر بعد حقًا ولا بعد ما هو بمعناها وقيل موضعها جر على إضمار حرف الجر أي وعد الله حقًا بأنه وقرئ وعد الله فعل وفاعل
ثم يعيده فيه ما مر في براءة من أن لام ليجزي لام كي
بالقسط (تام) لفصله بين ما يجزي به المؤمنون وما يجزي به الكافرون وهو من عطف الجمل
يكفرون (تام))[منار الهدى: 172-173]
- أقوال المفسرين