جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر، عن قتادة، في قوله: {إنك كادح إلى ربك كدحا}؛ قال: عامل له عملا). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 358]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو أسامة، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك {إنّك كادحٌ إلى ربّك كدحًا} قال: عاملٌ إلى ربّك عملاً). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 445]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أيُّها الإنسَانُ إِنَّكَ عَامِلٌ إلَى رَبِّكَ عَمَلاً فَمُلاَقِيه بِهِ، خيراً كانَ عَمَلُكَ ذَلِكَ أَو شرًّا. يقولُ: فليكنْ عَمَلُكَ مِمِّا يُنجِيكَ مِن سَخَطِهِ، ويوجبُ لكَ رضاهُ، وَلاَ يَكُنْ مِمَّا يُسخطُه عَلَيْكَ فتَهْلِكَ.
وبنحوِ الذي قلْنا فِي ذَلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ سعدٍ، قالَ: ثني أَبِي، قالَ: ثني عَمِّي، قالَ: ثنِي أَبِي، عن أبيهِ، عن ابْنِ عبَّاسٍ: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ}؛ يقولُ: تَعْمَلُ عَمَلاً تلقَى اللَّهَ بِهِ؛ خيراً كانَ أَو شرًّا.
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يَزِيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَهُ: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ} إِنَّ كدحَك يَا ابنَ آدمَ لَضعيفٌ، فَمَن استطاعَ أَنْ يكونَ كدحُه فِي طَاعَةِ اللَّهِ فليفعلْ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
- حدَّثنا ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قالَ: ثنا ابْنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ فِي قولِهِ: {إِنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحاً}؛ قالَ: عَامِلٌ لَهُ عَمَلاً.
حدَّثني يُونُسُ، قالَ: أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابْنُ زيدٍ وسَمِعْتُه يقولُ فِي قَوْلِ اللهِ: {إِنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحاً}؛ قالَ: عَامِلٌ إلَى رَبِّكَ عَمَلاً، قالَ: {كَدْحاً}: العملُ). [جامع البيان: 24/ 235-236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عَنْ قَتَادَةَ في قَوْلِهِ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وحُقَّتْ}؛ قَالَ: سَمِعَتْ وأطاعتْ. وفي قَوْلِهِ: {وأَلْقَتْ مَا فِيهَا وتَخَلَّتْ}؛ قَالَ: أخْرَجَتْ أَثْقَالَها وما فيها مِن الكُنوزِ والناسِ. وفي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً}؛ قَالَ: عَامِلٌ لَهُ عَمَلاً). [الدر المنثور: 15/ 316] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ, عن الضَّحَّاكِ في قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً}؛ قَالَ: عَامِلٌ إِلَى رَبِّكَ عَمَلاً). [الدر المنثور: 15/ 316]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عن ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فمُلاقِيهِ}؛ يَقُولُ: تَعْمَلُ عَمَلاً تَلْقَى اللهَ به؛ خَيْرًا كانَ أو شَرًّا). [الدر المنثور: 15/ 316]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ عن السُّدِّيِّ: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً}؛ قَالَ: عَامِلٌ عَمَلاً, {فمُلاقِيهِ}؛ قَالَ: مُلاقٍ عَمَلَكَ). [الدر المنثور: 15/ 316]
تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نوقش الحساب هلك، قال: قلت: يا رسول الله، فإن الله تبارك وتعالى، يقول: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [سورة الانشقاق:7-8]، قال: ذاك العرض). [الزهد لابن المبارك: 2/ 742]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي قال من حوسب عذب قال: فقالت عائشة: فإن الله يقول: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} قال: ذاكم العرض ولكنه من نوقش الحساب عذب). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 129]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن نميرٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لا يحاسب أحدٌ يوم القيامة إلاّ دخل الجنّة، ثمّ قرأت: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} ثمّ قرأت: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنّواصي والأقدام}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 231]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}؛ يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فأمَّا مَن أُعطيَ كِتَابَ أعمالِه بِيَمِينِه). [جامع البيان: 24/ 236] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نوقش الحساب هلك، قال: قلت: يا رسول الله، فإن الله تبارك وتعالى، يقول: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [سورة الانشقاق:7-8]، قال: ذاك العرض). [الزهد لابن المبارك: 2/ 742](م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قال رسول الله: من نوقش الحساب يوم القيامة عذّب، فقالت: أليس قال اللّه: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا}، فقال: إنّما ذلك العرض). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 77]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، أن النبي، قال: «من حوسب عذب»، قال: فقالت عائشة: «فإن الله يقول {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا}» قال: «ذاكم العرض ولكنه من نوقش الحساب عذب»). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 129] (م)
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حوسب يوم القيامة عذّب،
قلت: أليس قال اللّه: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا}
قال: «ليس ذاك بالحساب، إنّما ذاك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذّب»). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 113-114]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن نميرٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لا يحاسب أحدٌ يوم القيامة إلاّ دخل الجنّة، ثمّ قرأت: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} ثمّ قرأت: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنّواصي والأقدام}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 231](م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا}؛
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، قال: سمعت ابن أبي مليكة، سمعت عائشة رضي اللّه عنها، قالت: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ح وحدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم]، ح وحدّثنا مسدّدٌ، عن يحيى، عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه [صلّى الله عليه وسلّم]: «ليس أحدٌ يحاسب إلّا هلك» قالت: قلت: يا رسول اللّه جعلني اللّه فداءك، أليس يقول اللّه [عزّ وجلّ]: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا}؟ قال: «ذاك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك»). [صحيح البخاري: 6 / 167-168]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: بَابٌ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا سَقطَت هذه التَّرجمةُ لِغَيرِ أَبِي ذَرٍّ.
قَولُهُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى هُو القَطَّانُ، وله في الحديثِ شَيخٌ آخَرُ بإسنادٍ آخرَ وهُو مَذكورٌ في هَذَا البابِ، وعُثمانُ بنُ الأسْوَدِ أي: ابنِ أَبِي مُوسَى المَكِّيِّ مَولَى بَني جُمَحٍ، وقَعَ عِندَ القَابِسِيِّ عُثْمَانُ الأسْوَدُ، صِفةً لعُثْمَانَ وهُو خَطَأٌ، واشتملَ مَا سَاقهُ المُصنِّفُ على ثَلاثةِ أَسانيدَ: عُثْمَانُ عنِ ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عن عَائِشَةَ، وتابَعَهُ أيُّوبُ عن عُثْمَانَ، وخالَفَهُما أَبُو يُونُسَ فَأَدخَلَ بينَ ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وعَائِشَةَ رَجُلاً وهُو القاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ وهُو محمولٌ على أنَّ ابنَ أَبِي مُلَيْكَةَ حَمَلَهُ عن القاسِمِ ثم سَمِعَهُ من عَائِشَةَ، أو سَمِعَهُ أوَّلاً من عَائِشَةَ ثُمَّ اسْتَثْبَتَ القاسِمُ إذ في رِوَايَةٍ القاسمِ زِيادةٌ ليستْ عِندَه.
وقَد استدركَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الحديثَ لهذا الاختلافِ وأُجيبَ بما ذَكرنَاهُ.
ونبَّهَ الجَيَّانِيُّ على خَبْطٍ لأبي زَيدٍ المَرْوَزِيِّ في هذه الأسانيدِ، قَالَ: سَقَطَ عنده ابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ من الإسنادِ الأوَّلِ ولا بدَّ منه، وزِيدَ عنده القاسمُ بنُ مُحَمَّدٍ في الإسنادِ الثَّانِي وليس فيه، وإنما هُو في رِوَايَةِ أَبِي يُونُسَ.
وقَالَ الإسْمَاعِيليُّ: جَمَعَ البُخَارِيُّ بين الأسانيدِ الثَّلاثةِ، ومُتُونُهَا مُختلِفَةٌ. قُلتُ: وسَأُبَيِّنُ ذلك وأُوَضِّحُهُ في كِتابِ الرِّقَاقِ مَعَ بَقِيَّةِ الكلامِ على الحَدِيثِ وتقدَّمَتْ بعضُ مَباحِثِهُ في أوَاخِرِ كتابِ العِلمِ). [فتح الباري: 8/ 697]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا
أَيْ هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؛ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَمْ تَثْبُتْ إِلاَّ لأَبِي ذَرٍّ.
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ أبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
– ح وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النبيِّ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 435 –ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «لَيْسَ أحَدٌ يُحَاسَبُ إِلاَّ هَلَكَ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ ألَيْسَ يَقُولُ اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ]: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قَالَ: «ذَاكِ العَرْضُ يُعْرَضُونَ وَمَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ».
مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ، وَأَخْرَجَ هَذَا الْحديثَ مِنْ ثلاثِ طُرُقٍ: أَحَدُهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ كَنِيزٍ بالنُّونِ والزَّايِ الْفَلاَّسِ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ مُوسَى الْجُمَحِيِّ بِضَمِّ الجيمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَوَقَعَ هُنَا لِلْقَابِسِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ الأَسْوَدِ فَجَعَلَ الأَسْوَدَ صِفَةً لِعُثْمَانَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ ابْنُ الأَسْوَدِ الثَّانِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، الثاَّلِثُ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمٍ بالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ والتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، ابْنِ أَبِي صَغِيرَةَ ضِدُّ الْكَبِيرَةِ الْبَاهِلِيِّ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا.
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الرِّقَاقِ، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صفةِ النَّارِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِيهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، رَوَى هُنَا عَنْ عَائِشَةَ بِالْوَاسِطَةِ، وَفِي الطَّرِيقَيْنِ الأَوَّلَيْنِ بِلاَ وَاسِطَةٍ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ حَمَلَهُ عَنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ سَمِعَهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَسِمَعَهُ أَوَّلاً مِنْ عَائِشَةَ، ثُمَّ اسْتَثْبَتَ الْقَاسِمُ إِذْ فِي رِوَايَتِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنِ اسْتِدْرَاكِ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا الحديثَ لِهَذَا الاخْتِلاَفِ، وَعَمَّا قَالَهُ الْجَيَّانِيُّ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ أَبِي زَيْدٍ مِنَ السَّنَدِ الأَوَّلِ ذِكْرُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَلاَ بُدَّ مِنْهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَابِسِيُّ وَعُبْدُوسٌ عَنْ شَيْخِهِمَا أَبِي زَيْدٍ، وَمِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُسْتَمْلِيُّ، وَابْنُ الْهَيْثَمِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ فِي السَّنَدِ الثَّانِي: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ وَهَمٌ وَالْمَحْفُوظُ فِيهِ: أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ لَيْسَ فِيهِ الْقَاسِمُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ يَحْيَى الْقَطَاَّنَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الْمُبَارَكِ رَوَيَاهُ عَنْ حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَهُمَا زَادَا فِيهِ، وَهُمَا حَافِظَانِ ثِقَتَانِ، وَزِيَادَةُ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ، فَإِنْ قُلْتَ: رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ مَنْصُورٌ الطَّبَرِيُّ فِي السُّنَنِ تَأْلِيفِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لاَ يُحَاسَبُ رَجُلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} يُقْرَأُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ فإِذَا عَرَفَهُ غُفِرَ لَهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلاَ جَانٌّ}، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَقَالَ: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُأْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} قُلْتُ: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا -وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا- فَلاَ يُقَاوِمُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُعَارَضَةِ التَّسَاوِي فِي الصِّحَّةِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَإِنَّ عَائِشَةَ قَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهُا فِي ذَلِكَ لِلآيَاتِ وَالأَحَادِيِث الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ الْحِسَابَ يُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْجَزَاءُ وَلاَ ثَوَابَ لِلْكَافِرِ فَيُجَازَى عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ، وَلأَنَّ الْمُحَاسِبَ لَهُ هُوَ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قُلْتُ: أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ بِأَنَّ مَعْنَى: {لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} أَيْ: بِكَلاَمٍ يُحِبُّونَهُ، وَإِلاَّ فَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} قَوْلُهُ: (ذَاكِ الْعَرْضُ) هُوَ الإِبْدَاءُ وَالإِبْرَازُ وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُعَرَّفَ ذُنُوبَهُ ثمَّ يُتَجَاوَزَ عَنْهُ، وَحَقِيقَةُ الْعَرْضِ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ بِالْحَوَاسِّ لِيُعْلَمَ غَايَتُهُ وَحَالُهُ، قَوْلُهُ: (وَمَنْ نُوقِشَ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ المناقَشَةِ وَهِيَ الاسْتِقْصَاءُ فِي الأَمْرِ. قَوْلُهُ: (الْحِسَابَ) مَنْصَوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ). [عمدة القاري: 19/ 284-285]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (هذا (بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ أي في قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوْفُ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} سَوْفَ من اللَّهِ وَاجِبٌ، والحسابُ اليسيرُ هو عَرْضُ عَمَلِهِ عليه كما يأتي إن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في هذا الْحَدِيثِ، وَثَبَتَ التَّبْوِيبُ وتالِيهِ لأَبِي ذَرٍّ.
وبه قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاَّسُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ الْجُمَحِيِّ أنه قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَالَ الْمُؤَلِّفُ: حَدَّثَنَا وَلأَبِي ذَرٍّ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ الْجَهْضَمِيُّ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ولأَبِي ذَرٍّ: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الأُولَى، ابْنُ مُسَرْهَدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ بِالصَّادِ المهملةِ المفتوحةِ والْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ المكسورةِ الْبَاهِلِيِّ الْبَصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فهذه ثلاثَةُ أَسَانِيدَ، صَرَّحَ في الأوَّلَيْنِ مِنْهَا بأنَّ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ حَمَلَ الحديثَ عن عَائِشَةَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وفي الثَّالِثِ بِوَاسِطَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عنها، فَحَمَلَهُ النَّوَوِيُّ على أنه سَمِعَهُ من عَائِشَةَ وَسَمِعَهُ من الْقَاسِمِ عنها فَحَدَّثَ به على الْوَجْهَيْنِ، قَالَ في الْفَتْحِ: وهو مُجَرَّدُ احتمالٍ، وقد وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ له من عَائِشَةَ كما في السَّنَدِ الأَوَّلِ، فَانْتَفَى الْقَوْلُ بِإِسْقَاطِ رَجُلٍ مِنَ السَّنَدِ وَتَعْيِينِ الْحَمْلِ على أَنَّهُ سَمِعَهُ من عَائِشَةَ، ثُمَّ مِنَ الْقَاسِمِ عنها أو بالْعَكْسِ، والسِّرُّ فيه أَنَّ رِوَايَتَهُ بالواسطَةِ ما ليس في روايَتِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلاَّ هَلَكَ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ بِالْهَمْزِ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «ذَاكِ -بِكَسْرِ الْكَافِ- الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ -بِأَنْ تُعْرَضَ عليه أَعْمَالُهُ فَيَعْرِفَ الطَّاعَةَ والْمَعْصِيَةَ ثم يُثَابَ على الطَّاعَةِ، ويُتَجَاوَزَ عن الْمَعْصِيَةِ، ولا يُطَالَبُ بِالْعُذْرِ فِيهِ- وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ -بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، والْحِسَابُ نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أي: مَنِ اسْتُقْصِيَ أَمْرُهُ في الْحِسَابِ- هَلَكَ» بِالعذَابِ في النَّارِ، أو أَنَّ نَفْسَ عَرْضِ الذُّنُوبِ والتَّوْقِيفِ على قَبِيحِ مَا سَلَفَ والتَّوْبِيخِ عَذَابٌ، وفيه بحْثٌ يَأْتِي إن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في الرِّقَاقِ، وهذا الحديثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا في الرِّقَاقِ، وَمُسْلِمٌ في صفَةِ النَّارِ، والتِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ في التَّفْسِيرِ هذا). [إرشاد الساري: 7/ 414-415]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: سمعت النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] يقول: «من نوقش الحساب هلك»، قلت: يا رسول الله، إنّ اللّه يقول: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه}، إلى قوله: {يسيرًا} قال: «ذلك العرض».
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن عثمان بن الأسود، بهذا الإسناد نحوه.
-حدّثنا محمّد بن أبان، وغير واحدٍ قالوا: حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- نحوه.
- حدّثنا محمّد بن عبيدٍ الهمذانيّ، قال: حدّثنا عليّ بن أبي بكرٍ، عن همّامٍ، عن قتادة، عن أنسٍ، عن النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] قال:«من حوسب عذّب».
وهذا حديثٌ غريبٌ من حديث قتادة عن أنسٍ، لا نعرفه من حديث قتادة عن أنسٍ، عن النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] إلاّ من هذا الوجه). [سنن الترمذي: 5/ 292]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا زياد بن أيّوب، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا أيّوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]: «من حوسب يوم القيامة عذّب»، قالت: قلت: قال الله عزّ وجلّ: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا}، قال: «ليس ذلك بالحساب، إنّما ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذّب»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 328]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}؛ يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فأمَّا مَن أُعطيَ كِتَابَ أعمالِه بِيَمِينِه، {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} بأنْ يُنظرَ فِي أعمالِه، فيُغفرَ لَه سيِّئُها، ويجازَى عَلَى حسنِها.
وبنحوِ الذي قلْنا فِي ذَلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ، وَجَاءَ الخبرُ عن رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ
- حدَّثنا ابْنُ وكيعٍ، قالَ: ثنا جريرٌ، عن مُحَمَّدِ بنِ إسحاقَ، عن عَبْدِ الْوَاحِدِ بنِ حمزةَ، عن عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزبيرِ، عن عائشةَ، قالتْ: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسِيراً». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْحِسَابُ اليسيرُ؟، قالَ:«أَنْ يُنْظَرَ فِي سَيِّئَاتِهِ فَيُتَجُاوَزَ عَنْهُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ».
- حدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا ابْنُ عليَّةَ، عن مُحَمَّدِ بنِ إسحاقَ، قالَ: ثني عَبْدُ الْوَاحِدِ بنُ حمزةَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزبيرِ، عن عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزبيرِ، عن عائشةَ، قالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ فِي بَعْضِ صلاتِه: «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسِيراً»، فلمَّا انصرفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْحِسَابُ اليسيرُ؟، قالَ: «يُنْظَرُ فِي كِتَابِهِ، ويُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ يَا عَائِشَةُ هَلَكَ».
- حدَّثنا نصرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، قالَ: ثنا مسلمٌ، عن الحريشِ بنِ الخريتِ أَخِي الزبيرِ، عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عن عائشةَ قالتْ:«مَن نُوقِشَ الْحِسَابَ -أَو مَن حُوسبَ- عُذِّبَ». قالَ: ثُمَّ قالتْ:«إنَّما الْحِسَابُ اليسيرُ: عَرْضٌ عَلَى اللَّهِ وهُو يراهُم».
- حدَّثنا ابْنُ بشَّارٍ، قالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قالَ: ثنا أَيُّوبُ، وحدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا ابْنُ عليَّةَ، قالَ: أخبرنا أَيُّوبُ، عن ابْنِ أَبِي مليكةَ، عن عائشةَ أَن رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، قالَ: «مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ». فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يقولُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ الْحِسَابَ، إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَومَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ».
- حدَّثنا ابْنُ وكيعٍ، قالَ: ثنا رَوْحُ بنُ عُبادةَ، قالَ: ثنا أبو عامرٍ الخزَّازُ، عن ابْنِ أَبِي مليكةَ، عن عائشةَ قالتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ مُعَذَّباً». فَقُلْتُ: أَلَيْسَ يقولُ اللَّهُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قالَ:«ذَلِكَ الْعَرْضُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ»، وقالَ بيدِه عَلَى إصبعِه كَأَنَّه يَنْكُتُهُ.
- حدَّثني يُونُس، قالَ: أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابْنُ زيدٍ فِي قولِهِ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}. قالَ: الْحِسَابُ اليسيرُ: الذي يُغْفَرُ ذنوبُهُ، ويُتقبَّلُ حسناتُه، ويسيرُ الْحِسَابِ: الذي يُعفَى عَنْه، وقرأَ: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}. وقرأَ: {أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ}.
- حدَّثنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنا مهرانُ، عن عثمانَ بنِ الأسودِ، قالَ: ثني ابْنُ أَبِي مليكةَ، عن عائشةَ، قالتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}. قالَ: «ذَلِكَ الْعَرْضُ يَا عَائِشَةُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ».
- حدَّثنا ابْنُ بشَّارٍ، قالَ: ثنا عثمانُ بنُ عُمَرَ وأبو داودَ، قَالاَ: ثنا أبو عامرٍ الخزَّازُ، عن ابْنِ أَبِي مليكةَ، عن عائشةَ، قالتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ». قالتْ: فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يقولُ: {فَسَوْف يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قالَ: «ذَلِكَ الْعَرْضُ يَا عَائِشَةُ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ».
إنْ قالَ قَائِلٌ: وكيفَ قيلَ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ}. والمحاسبةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مِن اثْنَيْنِ، وَاللّهُ القائمُ بأعمالِهم، وَلاَ أَحَدَ لَهُ قِبَلَ ربِّهِ طَلِبَةٌ فيحاسِبَه؟ قيلَ: إِنَّ ذَلِكَ تقريرٌ مِن اللَّهِ للعبدِ بذنوبِه، وإقرارٌ مِن الْعَبْدِ بها، وبما أَحْصَاهُ كِتَابُ عَمَلِه، فَذَلِك المحاسبةُ عَلَى مَا وصفْنا، وَلِذَلِكَ قيلَ: {يُحَاسَبُ}.
- حدَّثنا عمرُو بنُ عَلِيٍّ، قالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عديٍّ، عن أَبِي يُونُسَ القُشَيْرِيِّ، عن ابْنِ أَبِي مليكةَ، عن القاسمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عن عائشةَ، قالتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:«لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هَلَكَ». قالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}. فقالَ: «ذَلِكَ الْعَرْضُ، لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هَلَكَ» ). [جامع البيان: 24/ 236-239]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: نا حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:«من حوسب عذب» قالت: فقلت أليس يقول الله -عز وجل-: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}؟ فقال: «يا عائشة ذاكم العرض ولكن من نوقش الحساب عذب»). [تفسير مجاهد: 2/ 741]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمّد بن شاذان الجوهريّ، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا سليمان بن داود اليماميّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم-: «ثلاثٌ من كنّ فيه حاسبه اللّه حسابًا يسيرًا وأدخله الجنّة برحمته» قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: «تعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك» قال: فإذا فعلت ذلك، فما لي يا رسول اللّه؟ قال: «أن تحاسب حسابًا يسيرًا ويدخلك اللّه الجنّة برحمته» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/ 563]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله إنّي لأعلم أشدّ آيةٍ في كتاب الله- عز وجل-قول الله تعالى: {من يعمل سوءاً يجز به} فقال: «أما علمت يا عائشة، أنّ المسلم تصيبه النّكبة أو الشّوكة، فيحاسب، أو يكافأ، بأسوأ أعماله، ومن حوسب عذّب؟» قالت: أليس يقول الله عز وجل: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً}؟ قال: «ذاكم العرض يا عائشة، ومن نوقش الحساب عذّب».أخرجه أبو داود.
وقد أخرج أيضا قصة الحساب البخاريّ، ومسلم وهي مذكورة في كتاب القيامة من حرف القاف). [جامع الأصول: 2/ 112] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ أحمدُ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ والبخاريُّ ومسلمٌ والتِّرْمذيُّ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ مَرْدُويَهْ, عن عائشةَ قَالَت: قَالَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلاَّ هَلَكَ». فقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {فأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ بالحِسَابِ، ولَكِنَّ ذَاكَ العَرْضُ، ومَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ» ). [الدر المنثور: 15/ 317]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ أحمدُ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ والحاكمُ وصحَّحه وابنُ مَرْدُويَهْ, عن عائشةَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ] يقولُ في بعضِ صلاتِه:«اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسِيراً». فلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ, ما الحِسَابُ اليَسِيرُ؟ قَالَ: «أَنْ يَنْظُرَ في كِتَابِهِ فيَتَجَاوَزَ لَهُ عَنْهُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ» ). [الدر المنثور: 15/ 317]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن عائشةَ في قَوْلِهِ: {فسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؛ قَالَ: يَعْرِفُ ذُنوبَهُ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ لَهُ عنها). [الدر المنثور: 15/ 317]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وابنُ المُنْذِرِ، عن عائشةَ قَالَتْ: مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ القيامةِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ. وتَلَتْ: {فأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}، ثُمَّ تَلَتْ: {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيمَاهُمْ فيُؤْخَذُ بالنَّوَاصِي والأَقْدَامِ} ). [الدر المنثور: 15/ 317]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ البَزَّارُ والطَّبَرَانِيُّ في الأوسطِ وابنُ عَدِيٍّ والبَيْهَقِيُّ والحاكِمُ, عن أبي هُرَيْرَةَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ حَاسَبَهُ اللَّهُ حِسَاباً يَسِيراً وأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ برَحْمَتِهِ: تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ» ). [الدر المنثور: 15/ 318]
تفسير قوله تعالى: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَيَنقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}؛ يقولُ: وينصرفُ هَذَا المُحاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً إلَى أهلِه فِي الجَنَّةِ مَسْرُورًا.
وبنحوِ الذي قلْنا فِي ذَلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يَزِيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَهُ: {وَيَنقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}؛ قالَ: إلَى أهلٍ أَعَدَّ اللَّهُ لهم الجَنَّةَ). [جامع البيان: 24/ 239]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قولِهِ: {ويَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}؛ قَالَ: إِلَى أَهْلٍ له في الجنةِ. وفي قَوْلِهِ: {وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ورَاءَ ظَهْرِه}؛ قَالَ: تُخْلَعُ يَدُهُ فتُجْعَلُ مِن ورَاءِ ظَهْرِه). [الدر المنثور: 15/ 318]
تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال مجاهدٌ: {كتابه بشماله} [الحاقة: 25] : «يأخذ كتابه من وراء ظهره»). [صحيح البخاري: 6/ 167]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (كِتابَهُ بِشِمَالِهِ يُعطَى كتَابَهُ مِن وَراءِ ظَهرِهِ) وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ من طَرِيقِ ابنِ أَبِي نَجِيحٍ عنه قَالَ في قَولِهِ: {وأمَّا من أُوتِي كِتَابَهُ وَراءَ ظَهرِهِ}؛ قَالَ: تُجعَلُ يَدُهُ من وَراءِ ظَهرِهِ فيَأخُذ بها كِتَابَه). [فتح الباري: 8/ 697]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد: كتابه بشماله يأخذ كتابه من وراء ظهره وسق جمع من دابّة ظن أن لن يحور لا يرجع إلينا.
قال الفريابيّ ثنا روقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره}؛ قال يجعل يده وراء ظهره فيأخذ به كتابه
وفي قوله: {إنّه ظن أن لن يحور}؛ قال يرجع إلينا: {فلا أقسم بالشفق}؛ قال النّهار كله، {واللّيل وما وسق}؛ قال: وما جمع من دابّة). [تغليق التعليق: 4 / 363-364]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ: يَأخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ.
مَعْنَى أَخْذِ كِتَابِهِ بِشِمَالِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُه مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وفَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} أَنَّهُ تُغَلُّ يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى عُنُقِهِ، وَتُجْعَلُ يَدُهُ الشِّمَالُ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فَيُؤْتَى كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّهُ تُخْلَعُ يَدُهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ). [عمدة القاري: 19/ 283-284]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( قَالَ ولأَبِي ذَرٍّ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ فيما وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} أي: يَأْخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تُجْعَلُ يَدُهُ مِنْ وراءِ ظَهْرِهِ فَيَأْخُذُ بها كِتَابَهُ وَتُغَلُّ يُمْنَاهُ إلى عُنُقِهِ). [إرشاد الساري: 7/ 414]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وأمَّا مَن أُعطِيَ كِتَابَه مِنكُم أيُّها النَّاسُ يَوْمَئِذٍ وراءَ ظَهْرِهِ، وذلك أَنْ جَعلَ يَدَه اليمنَى إلَى عُنُقِهِ، وَجَعَلَ الشِّمَالَ مِن يديهِ وراءَ ظَهْرِه، فيتناولُ كِتَابَه بِشِمَالِه مِن وراءِ ظَهْرِه؛ وَلِذَلِك وَصَفَهُمْ جلَّ ثناؤُهُ أحياناً، أنَّهم يُؤْتَوْنَ كُتُبَهم بشمائلِهم، وأحياناً أنهم يُؤتَوْنَها مِن وراءِ ظهورِهم.
وبنحوِ الذي قلْنا فِي ذَلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عَاصِمٍ، قالَ: ثنا عِيسى، وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابْنِ أَبِي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَهُ: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}؛ قالَ: يجْعَلُ يَدَه مِن وراءِ ظَهْرِهِ). [جامع البيان: 24/ 240]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره}؛ قال: يجعل شماله وراء ظهره فيأخذ كتابه). [تفسير مجاهد: 2/ 742]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قولِهِ: {ويَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}؛ قَالَ: إِلَى أَهْلٍ له في الجنةِ. وفي قَوْلِهِ: {وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ورَاءَ ظَهْرِه}؛ قَالَ: تُخْلَعُ يَدُهُ فتُجْعَلُ مِن ورَاءِ ظَهْرِه). [الدر المنثور: 15/ 318] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ورَاءَ ظَهْرِهِ}؛ قَالَ: تُجْعَلُ شِمَالُه ورَاءَ ظَهْرِه فيَأْخُذُ بِهَا كِتَابَهُ). [الدر المنثور: 15/ 318-319]
تفسير قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً}؛ يقولُ: فَسَوْفَ ينادِي بالهلاكِ، وهُو أَنْ يقولَ: واثُبُورَاهُ، واويْلاهُ، وهُو مِن قَوْلِهمْ: دَعَا فلانٌ لهَفَهُ. إِذا، قالَ: وَالَهَفَاهُ.
وبنحوِ الذي قلْنا فِي ذَلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
وقد ذَكَرْنَا معنَى الثبورِ فيما مضَى بشواهدِه، وما فِيه مِن الروايةِ.
- حُدِّثتُ عن الحسينِ، قالَ: سَمِعْتُ أَبا مُعَاذٍ يقولُ: ثنا عبيدٌ، قالَ: سَمِعْتُ الضحَّاكَ يقولُ فِي قولِهِ: {يَدْعُو ثُبُوراً}؛ قالَ: يَدْعُو بالهلاكِ). [جامع البيان: 24/ 240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن حُمَيْدِ بنِ هلالٍ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ يُدْعَى إلى الحِسَابِ يَوْمَ القيامةِ, فيُقَالُ: يَا فُلانَ بنَ فُلانٍ, هَلُمَّ إلى الحسابِ. قَالَ: حَتَّى يَقُولَ: أَمَا يُرادُ غَيْرِي؟ مِمَّا يُحْضَرُ به مِنَ الحِسَابِ). [الدر المنثور: 15 / 318]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن ابنِ عَبَّاسٍ: {يَدْعُو ثُبُوراً}؛ قَالَ: الوَيْلُ). [الدر المنثور: 15/ 319]
تفسير قوله تعالى: {وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَيَصْلَى سَعِيراً}؛ اختلفت القَرَأَةُ فِي قراءةِ ذَلِكَ، فقرأتْهُ عامَّةُ قَرَأَةِ مَكَّةَ والمدينةِ والشامِ: (وَيُصَلَّى) بضمِّ الياءِ وتشديدِ اللامِ، بمعنى: أَنَّ اللَّهَ يُصلِّيهم تصليةً بَعْدَ تصليةٍ، وإنضاجةً بَعْدَ إنضاجةٍ، كما قالَ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا}؛ واستشهدوا لتصحيحِ قراءتِهم ذَلِكَ كذلكَ بقولِه: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}؛ وقرأَ ذَلِكَ بَعْضُ المدنيِّينَ وعامَّةُ قَرَأَةِ الكوفةِ والبصرةِ: {وَيَصْلَى} بفتحِ الياءِ وتخفيفِ اللامِ، بمعنى: أنَّهم يَصْلَوْنَهَا ويَرِدُونَها، فيَحْتَرِقُونَ فيها، واستشهدُوا لتصحيحِ قراءتِهم ذَلِكَ كذلكَ بِقَوْلِ اللَّهِ: {يَصْلَوْنَهَا} و {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}.
والصوابُ مِن الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِندِي أَنَّهُمَا قراءتانِ معروفتانِ صحيحتَا المعنى، فبأيَّتِهما قرأَ القارئُ فمصيبٌ). [جامع البيان: 24/ 241]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً}؛ يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إنَّه كانَ فِي أهلِه فِي الدُّنيَا مَسْرُوراً؛ لِمَا فِيه مِن خلافِه أَمْرَ اللَّهِ، وركوبِه معاصيَهُ.
وبنحوِ الذي قلْنا فِي ذَلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يَزِيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَهُ: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً}؛ أَي: فِي الدُّنيَا). [جامع البيان: 24/ 241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن الضَّحَّاكِ: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً}؛ قَالَ: في الدُّنْيَا). [الدر المنثور: 15/ 319]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر، عن قتادة، {أن لن يحور. بلى} يقول لن يبعث). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 358]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ظنّ أن لن يحور}: «لا يرجع إلينا»). [صحيح البخاري: 6/ 167]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}: أن لَن يَرجِعَ إلينَا وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ من طَرِيقِهِ أيضًا، وأصلُ يَحُورُ الحَوْرُ بالفَتحِ وهُو الرِّجُوعُ، وحَاوَرْتُ فُلانًا أي: رَاجَعْتُهُ، ويُطلَقُ على التَّرَدُّدِ في الأمرِ). [فتح الباري: 8/ 697]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ}: أنْ لاَ يَرْجِعَ إلَيْنَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ وفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: أَنْ لاَ يَرْجِعَ إِلَيْنَا، وَهُوَ مِنَ الْحَوْرِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، ويُقَالُ: حَاوَرْتُ فُلاَنًا أَيْ: رَاجَعْتُهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي الأَمْرِ). [عمدة القاري: 19/ 284]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} أي: لا يَرْجِعُ إِلَيْنَا ولا يُبْعَثَ، وَالْحَوْرُ: الرُّجُوعُ). [إرشاد الساري: 7/ 414]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى} يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا الذي أُوتِيَ كِتَابَه وراءَ ظَهْرِه يَومَ القيامةِ، ظَنَّ فِي الدُّنيَا أَنْ لَنْ يَرْجِعَ إِلَينَا، وَلَنْ يُبْعَثَ بَعْدَ مماتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ يبالِي مَا رَكِبَ مِن المآثمِ؛ لأنَّه لم يَكُنْ يَرْجُو ثواباً، وَلَم يَكُنْ يَخْشَى عقاباً. يُقَالُ منه: حارَ فلانٌ عن هَذَا الأَمْرِ إِذا رَجَعَ عَنْه، وَمِنْه الخبرُ الذي رُويَ عن رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أنَّه كانَ يقولُ فِي دعائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ» يعني بِذَلِكَ: مِن الرجوعِ إلَى الكفرِ بَعْدَ الإِيمَانِ.
وبنحوِ الذي قلْنا فِي ذَلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ
- حدَّثني عَلِيٌّ، قالَ: ثنا أبو صَالِحٍ، قالَ: ثني معاويةُ، عن عَلِيٍّ، عن ابْنِ عبَّاسٍ قولَهُ: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ يقولُ: يُبْعَثَ.
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عَاصِمٍ، قالَ: ثنا عِيسى، وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابْنِ أَبِي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَهُ: {أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى}؛ قالَ: أَلاَّ يَرْجِعَ إِلَينَا.
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يَزِيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَهُ: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}: أَلاَّ معادَ لَه وَلاَ رَجْعةَ.
- حدَّثنا ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قالَ: ثنا ابْنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: {أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ قالَ: أَنْ لَنْ يَنقَلِبَ. يقولُ: أَنْ لَنْ يُبْعَثَ.
- حدَّثنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنا مهرانُ، عن سفيانَ: {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ قالَ: يَرْجِعَ.
- حدَّثني يُونُس، قالَ: أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابْنُ زيد فِي قولِهِ: {أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ قالَ: أَنْ لَنْ يَنقَلِبَ). [جامع البيان: 24/ 242-243]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {إنه ظن أن لن يحور}؛ أن لن يرجع إلينا). [تفسير مجاهد: 2/ 742]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَريرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حاتِمٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قولِه: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ قال: لَنْ يُبْعَثَ.
- وأَخْرَجَ عَبْدُ الرزاَّقِ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن قَتَادَةَ مِثْلَه). [الدر المنثور: 15/ 319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتِمٍ مِن طريقِ الضَّحَّاكِ، عن ابنِ عَبَّاسٍ: {أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ قال: أَنْ لَنْ يَرْجِعَ). [الدر المنثور: 15/ 319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن مُجَاهِدٍ: {أن لَّنْ يَحُورَ}: أَنْ لَنْ يَرْجِعَ إِلَيْنَا). [الدر المنثور: 15/ 319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الطَّسْتِيُّ في مَسائلِه والطَّبَرانيُّ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ نافِعَ بنَ الأَزْرَقِ سألَه عن قولِه: {أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ قال: أَنْ لَنْ يَرْجِعَ بلُغةِ الحَبَشَةِ. يقولُ: أنْ لَنْ يَرْجِعَ إلى اللَّهِ في الآخِرَةِ. قال: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذلك؟ قال: نَعَمْ، أمَا سَمِعْتَ قَوْلَ لَبِيدٍ:
ومَا المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهَابِ وضَوْئِهِ ....... يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ).
[الدر المنثور: 15/ 319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن عِكْرِمةَ: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}؛ قال: ألَيسَ تَسْمَعُ الحَبَشِيَّ إِذَا قِيلَ لَهُ: حُرْ إلى أَهْلِكَ، أي: اذْهَبْ؟). [الدر المنثور: 15/ 320]
تفسير قوله تعالى: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {بَلَى}؛ يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بلَى لَيَحُورَنَّ ولَيَرْجِعَنَّ إلَى رَبِّه حَيًّا، كما كانَ قَبْلَ مماتِه.
وقولُهُ: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً}؛ يقولُ جلَّ ثناؤُه: إِنَّ رَبَّ هَذَا الذي ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ كانَ بِه بَصِيراً إِذْ هوَ فِي الدُّنيَا، بِما كانَ يَعْمَلُ فيها مِن المعاصِي، وما إِلَيهِ يصيرُ أَمْرُهُ فِي الآخِرَةِ، عَالِمٌ بِذَلِك كُلِّه). [جامع البيان: 24/ 243]