جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً}؛ يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ يومَ يَفْصِلُ اللَّهُ فيهِ بَيْنَ خَلْقِهِ، فيَأْخُذُ فِيهِ مِنْ بَعْضِهِم لِبَعْضٍ، كانَ مِيقاتاً لِمَا أَنْفَذَ اللَّهُ لهؤلاءِ المُكَذِّبِينَ بالبَعْثِ، ولِضُرَبَائِهِمْ مِن الخَلْقِ.
وبنَحْوِ الذِي قُلْنَا في ذلكَ قَالَ أهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ، قولُهُ: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً}، وهوَ يومٌ عَظَّمَهُ اللَّهُ، يَفْصِلُ اللَّهُ فيه بينَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ بأَعْمَالِهِم). [جامع البيان: 24/ 18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قَوْلُه تَعَالَى: {إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ}؛ الآيتينِ.
أخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً}. قَالَ: هو يَوْمٌ عَظَّمَهُ اللَّهُ، وهو يَوْمٌ يُفْصَلُ فيهِ بَيْنَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ). [الدر المنثور: 15/ 197]
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {يوم ينفخ في الصّور فتأتون أفواجًا}؛ [النبأ: 18] : زمرًا
- حدّثني محمّدٌ، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «ما بين النّفختين أربعون» قال: أربعون يومًا؟ قال: أبيت، قال: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، قال: أربعون سنةً؟ قال: أبيت، قال: «ثمّ ينزل اللّه من السّماء ماءً فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيءٌ إلّا يبلى، إلّا عظمًا واحدًا وهو عجب الذّنب، ومنه يركّب الخلق يوم القيامة»). [صحيح البخاري: 6/ 165]
-قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قَولُهُ: بَابُ {يَومَ يُنفَخُ في الصُّورِ فَتَأتُونَ أَفوَاجًا}: زُمَرًا. وصَلَهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ من طَريقِ ابنِ أَبِي نَجِيحٍ عَن مُجَاهِدٍ في قَولِهِ:{فَتَأتُونَ أَفوَاجًا}؛ قَالَ: زُمَرًا زُمَرًا. ذَكَرَ فيه حَدِيثَ أَبِي هُرَيرَةَ: (مَا بَينَ النَّفْخَتَينِ أَربَعُونَ) وقد تَقَدَّمَ شَرحُهُ في تَفْسِيرِ الزُّمَرِ، وقولُهُ: (أَبَيْتُ) بِضَمٍّ؛ أي: أنْ أَقُولَ مَا لمْ أَسمَعْ، وبِالفَتحِ؛ أي: أنْ أَعرِفَ ذَلكَ فإِنَّهُ غَيبٌ). [فتح الباري: 8/ 690]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( بَابٌ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أفْوَاجًا}: زُمَرًا؛ أَيْ: هَذَا بابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} وَفَسَّرَ الأَفْوَاجَ بِقَوْلِهِ: زُمَرًا.
ـ حدَّثني مُحَمَّدٌ، أخْبرَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صَالحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلّمَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ»، قَالَ: أرْبَعُونَ يَوْمًا ؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أرْبَعُونَ شَهْرًا ؟ قَالَ: أبَيْتُ، قَالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أبَيْتُ قَالَ: «ثُمَّ يُنْزِلُ الله مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإنْسَانِ شَيْءٌ إلاَّ يَبْلَى إلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيامَةِ».
مُطَابَقَتُهُ للترجمةِ ظاهِرةٌ، ومُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ الْبِيكَنْدِيُّ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ، وَالأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو صَالِحٍ ذَكْوَانُ الزَّيَّاتُ، والحديثُ قَدْ مَضَى فِي تفسيرِ سورةِ الزُّمَرِ وَمَضَى الكلامُ فِيهِ.
قولُهُ: (أَبَيْتُ) أَيِ: امْتَنَعْتُ عَنِ الإِخْبَارِ بِمَا لاَ أَعْلَمُ، قولُهُ: (إِلاَّ يَبْلَى) أَيْ يَخْلَقُ، قولُهُ: عَجْبُ الذَّنَبِ بفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وسكونِ الْجِيمِ: الأصلُ فَهُوَ آخِرُ مَا يَخْلَقُ وَأَوَّلُ مَا يُخْلَقُ). [عمدة القاري: 19/ 276]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (هذا (بَابٌ) بالتَّنْوِينِ أي في قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ} من قُبُورِكُمْ إلى الموْقِفِ، {أَفْوَاجًا} أي: (زُمَرًا) وبه قَالَ.
-(حَدَّثَنِي) بالإفرادِ ولأَبِي ذَرٍّ: حَدَّثَنَا (مُحَمَّدٌ) هو ابْنُ سَلاَّمٍ الْبِيكَنْدِيُّ قَالَ: (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، (عن أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ السَّمَّانِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ نَفْخَةِ الإِمَاتَةِ وَنَفْخَةِ الْبَعْثِ أَرْبَعُونَ».
قَالَ: وفي سورَةِ الزُّمَرِ من طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عن أبِيهِ، عن الأَعْمَشِ قَالُوا –بالجمْعِ- أي: أَصْحَابُ أَبِي هُرَيْرَةَ- له: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا).
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَبَيْتُ) أَيِ: امْتَنَعْتُ من الإخْبَارِ بما لا أَعْلَمُ. قَالَ أصحابُهُ: (أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَبَيْتُ). قَالَ السَّائِلُ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ) أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَبَيْتُ) أيِ: امْتَنَعْتُ عن تَعْيِينِ ذلك. وعند ابْنِ مَرْدَوَيْهِ من حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ -أي: الأَمْوَاتُ- كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ -أي غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ- شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى عَظْمًا وَاحِدًا -بالنَّصْبِ على الاسْتِثْنَاءِ-، ولأَبِي ذَرٍّ: إِلا عَظْمٌ وَاحِدٌ، -وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وسكونِ الْجِيمِ وهو عَظْمٌ لطيفٌ في رأسِ الْعُصْعُصِ بَيْنَ الأَلْيَتَيْنِ- وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وهذا الحديثُ سَبَقَ بالزُّمَرِ). [إرشاد الساري: 7/ 410]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فتأتون أفواجا}؛ زمرا زمرا). [تفسير مجاهد: 720]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}، تَرْجَمَ بِـ(يوْمَ يُنْفَخُ) عنْ يومِ الفَصْلِ، فكأنَّهُ قيلَ: يَوْمُ الفَصْلِ كانَ أَجَلاً لِمَا وَعَدْنَا هؤلاءِ القَوْمَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ. وقدْ بَيَّنْتُ معنَى الصُّورِ فيما مضَى قبلُ، وذكَرْتُ اخْتِلافَ أهلِ التأويلِ فيهِ، فأَغْنَى ذلكَ عنْ إعادَتِهِ في هذا الموضِعِ، وهوَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فيهِ عندَنا.
كمَا حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عنْ أسْلَمَ، عنْ بِشْرِ بنِ شَغَافٍ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«الصُّورُ: قَرْنٌ».
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ، قولُهُ: {يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ}، والصُّورُ: الخَلْقُ.
وقولُهُ: {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً}؛ يَقُولُ: فتَجِيئُونَ زُمَراً زُمَراً، وجماعةً جماعةً.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ قالَ أهلُ التأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عمرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عنْ مُجاهِدٍ، قولُهُ: {أَفْوَاجاً}، قالَ: زُمَراً زُمَراً.
وإِنَّمَا قِيلَ: {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً}؛ لأنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهَا رَسُولاً تَأْتِي معَ الذي أُرْسِلَ إليها، كما قالَ: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} ). [جامع البيان: 24/ 18-19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً}؛ قَالَ: زُمَراً زُمَراً.
وأخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ: أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, ما قَوْلُ اللَّهِ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً}؟ فقَالَ: «يَا مُعَاذُ, سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ مِنَ الأَمْرِ». ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: «عَشَرَةُ أَصْنَافٍ قَدْ مَيَّزَهُمُ اللَّهُ مِنْ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، فبَدَّلَ صُوَرَهُمْ؛ فبَعْضُهُمْ عَلَى صُورَةِ القِرَدَةِ، وبَعْضُهُمْ علَى صُورَةِ الخَنازيرِ، وبَعْضُهم مَنْكوسونَ، أَرْجُلُهم فَوْقُ، ووجُوهُهُمْ أَسْفَلُ يُسْحَبُونَ عَلَيْهَا، وبَعْضُهُمْ عُمْيٌ يَتَرَدَّدُونَ، وبَعْضُهُمْ صُمٌّ بُكْمٌ لا يَعْقِلُونَ، وبَعْضُهُمْ يَمْضُغُونَ أَلْسِنَتَهُمْ، وَهِيَ مُدَلاَّةٌ عَلَى صُدُورِهِمْ، يَسِيلُ القَيْحُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لُعَاباً، يَقْذُرُهُمْ أَهْلُ الجَمْعِ، وبَعْضُهُمْ مُقَطَّعَةٌ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ، وبَعْضُهُمْ مُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ، وبَعْضُهُمْ أَشَدُّ نَتْناً مِنَ الجِيَفِ، وبَعْضُهُمْ يَلْبَسُونَ جِبَاباً سَابِغَةً مِنْ قَطِرَانٍ لازِقَةً بجُلُودِهِمْ؛ فَأَمَّا الَّذِينَ عَلَى صُورَةِ القِرَدَةِ فالقَتَّاتُ مِنَ النَّاسِ، وأَمَّا الَّذِينَ عَلَى صُورَةِ الخَنَازِيرِ فأَكَلَةُ السُّحْتِ، والمُنَكَّسُونَ عَلَى وُجُوهِهِم فأَكَلَةُ الرِّبَا، والعُمْيُ مَنْ يَجُورُ فِي الحُكْمِ، والصُّمُّ البُكْمُ فالمُعْجَبُونَ بأَعْمَالِهِمْ، والَّذِينَ يَمْضُغُونَ أَلْسِنَتَهُمْ فالْعُلَمَاءُ والقُصَّاصُ الَّذِينَ يُخَالِفُ قَوْلُهُمْ أَعْمَالَهُمْ، والمُقَطَّعَةُ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُم الَّذِينَ يُؤْذُونَ الجِيرَانَ، والمُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ فالسُّعَاةُ بالنَّاسِ إِلَى السُّلْطَانِ، والَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ نَتْناً مِنَ الجِيَفِ فالَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بالشَّهَوَاتِ واللَّذَّاتِ, ويَمْنَعُونَ حَقَّ اللَّهِ وحَقَّ الفُقَراءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، والَّذِينَ يَلْبَسُونَ الجِبَابَ فأَهْلُ الكِبْرِ والخُيَلاءِ والفَخْرِ»). [الدر المنثور: 15/ 197-198]
تفسير قوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً}، يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: وَشُقِّقَت السَّمَاءُ فصُدِّعَتْ، فكَانَت طُرُقاً، وكانَتْ مِنْ قَبْلُ شِداداً لا فُطُورَ فيها ولا صُدُوعَ.
وقِيلَ: معنَى ذلكَ: وفُتِحَت السماءُ فكانَتْ قِطَعاً كَقِطَعِ الخَشَبِ المُشَقَّقَةِ لأبوَابِ الدُّورِ والمساكِنِ، قَالُوا: ومعنَى الكلامِ: وفُتِحَت السَّمَاءُ فكانَت قِطَعاً كالأَبْوَابِ، فلَمَّا أُسْقِطَت الكافُ صَارَت الأَبوَابُ الخَبَرَ، كما يُقالُ في الكلامِ: كانَ عبدُ اللَّهِ أَسَداً، يعني: كالأَسَدِ). [جامع البيان: 24/ 19-20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قَوْلُه تعالَى: {وَفُتِحَتِ السَّماءُ}؛ الآياتِ.
- أخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأ: {وَفُتِحَتْ}؛ خَفِيفَةً). [الدر المنثور: 15/ 198]
تفسير قوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً}، يَقُولُ: ونُسِفَت الجِبَالُ فَاجْتُثَّتْ مِنْ أُصُولِهَا، فصُيِّرَت هَباءً مُنْبَثًّا لِعَيْنِ الناظِرِ، كالسَّرابِ الذي يَظُنُّ مَنْ يَرَاهُ مِنْ بُعْدٍ ماءً، وهوَ في الحقيقةِ هَباءٌ). [جامع البيان: 24/ 20]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا شيبان عن جابر عن الشعبي وعطاء بن أبي رباح وعكرمة قالوا السراب كهيئة الآل). [تفسير مجاهد: 720]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِه: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}؛ قالَ: سَرَابُ الشَّمْسِ الآلُ). [الدر المنثور: 15/ 199]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)}
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا إبراهيم، عن أبي سهلٍ، عن الحسن؛ في قوله: {إنّ جهنّم كانت مرصادًا} قال: ترصدهم والله، قال: وبينما رجلٌ يمرّ إذ استقبله آخر، قال: أبلغك أنّ بالطّريق رصدًا؟ قال: نعم، قال: فخذ حذرك إذًا). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 387]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يونس بن محمّدٍ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء: {إنّ جهنّم كانت مرصادًا} قال: صارت). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 464]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يعني تَعالَى ذِكْرُهُ بقولِهِ: إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ ذَاتَ رَصَدٍ لأهْلِها، الذينَ كانُوا يُكَذِّبُونَ في الدنيا بِها، وبالمعَادِ إلى اللَّهِ في الآخِرَةِ، ولغيرِهم مِن المُصَدِّقِينَ بِهَا. ومعنى الكلامِ: إنَّ جهَنَّمَ كانَتْ ذاتَ ارْتِقابٍ، تَرْقُبُ مَنْ يَجْتَازُهَا وتَرْصُدُهُم.
وبنحوِ الذي قُلْنا في ذلكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أبي زَائِدَةَ قالَ: ثَنَا مسلمُ بنُ إبراهِيمَ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ بَكْرِ بنِ عبدِ اللَّهِ المُزِنِيِّ قالَ: كانَ الحَسَنُ إِذَا تَلا هذهِ الآيَةَ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً}؛ قالَ: أَلا إِنَّ عَلَى البابِ الرَّصَدُ، فَمَنْ جاءَ بِجَوَازٍ جازَ، ومَنْ لمْ يَجِئْ بجوازٍ احْتَبَسَ.
- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قالَ: ثَنَا إِسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، عنْ أبي رَجَاءٍ، عن الحسَنِ، في قوْلِهِ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً}، قالَ: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ حتى يَجْتَازَ النَّارَ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ، قولُهُ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً}، يُعَلِّمُنَا أنَّهُ لا سَبِيلَ إلى الجنَّةِ حتَّى تقْطَعَ النارَ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ سُفْيَانَ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً}، قالَ: علَيْها ثلاثُ قَنَاطِرَ). [جامع البيان: 24/ 20-21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ وابنُ أَبِي شَيْبَةَ وعَبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المنذِرِ عنْ أَبِي الجَوْزَاءِ في قَوْلِهِ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}؛ قال: صَارَتْ.
- وأَخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المنذِرِ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}؛ قالَ: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ حتى يَجْتَازَ النَّارَ.
- وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ عن سُفْيَانَ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}؛ قالَ: عليها ثلاثُ قَنَاطِرَ). [الدر المنثور: 15/ 199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}؛ قَالَ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لا سَبِيلَ إِلَى الجَنَّةِ حَتَّى تُقْطَعَ النَّارُ، وقَالَ في آيةٍ أُخْرَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}). [الدر المنثور: 15/ 199-200] (م)
تفسير قوله تعالى: {لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني بكر بن مضر أن محمد بن كعب القرظي كان يقول: إن بين أيديكم مرصدا، فخذوا له جوازه، ثم قرأ: {إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا}). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 68]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {مآبا}؛ قال: سبيلا). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 344]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لِلطَّاغِينَ مَآباً}، يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: إنَّ جَهَنَّمَ للَّذِينَ طَغَوْا في الدُّنيا، فتَجَاوَزُوا حُدودَ اللَّهِ؛ اسْتِكْباراً على رَبِّهم، كانَتْ مَنْزِلاً ومَرْجِعاً يَرْجِعُونَ إليهِ، ومصيراً يَصِيرُونَ إِلَيهِ يَسْكُنُونَهُ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدُ، عنْ قَتَادَةَ: {للطَّاغِينَ مَآباً}؛ أيْ: مَنْزِلاً وَمَأْوًى.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ سُفْيَانَ: {مَآباً} يَقُولُ: مَرْجِعاً وَمَنْزِلاً). [جامع البيان: 24/ 21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}؛ قَالَ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لا سَبِيلَ إِلَى الجَنَّةِ حَتَّى تُقْطَعَ النَّارُ، وقَالَ في آيةٍ أُخْرَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}، {للطَّاغِينَ مَآباً}. قَالَ: مَأْوًى ومَنْزِلاً). [الدر المنثور: 15/ 199-200] (م)
تفسير قوله تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {أحقابا}؛ قال: بلغنا أن الحقب ثمانون سنة من سني الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 342]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، قال: سأل علي هلالا الهجري ما تجدون الحقب قال: نجده في كتاب الله ثمانون سنة اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 342-343]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: إنَّ هؤلاءِ الطاغِينَ في الدنيا لابِثُونَ في جهنَّمَ، فماكِثُونَ فيها أحقاباً.
واخْتَلَفَت القِرَاءَةُ في قراءَةِ قولِهِ: {لابِثِينَ}. فقَرَأَ ذلكَ عامَّةُ قَرَأَةِ المدينةِ والبصْرَةِ وبعضُ قُرَّاءِ الكُوفَةِ: {لابِثِينَ} بالألِفِ.
وقَرَأَ ذلكَ عامَّةُ قَرَأَةِ الكُوفَةِ: (لَبِثِينَ) بغيرِ ألِفٍ.
وأفْصَحُ القِرَاءَتَيْنِ وأَصَحُّهُما مَخْرَجاً في العربِيَّةِ، قِراءَةُ مَنْ قَرَأَ ذلكَ بالأَلِفِ، وذلكَ أنَّ العَرَبَ لا تَكادُ تُوقِعُ الصفَةَ إِذَا جَاءَتْ على فَعِلٍ، فتُعْمِلُها في شَيْءٍ، وتَنْصِبُهُ بها، لا يَكادُونَ أنْ يَقُولُوا: هذا رَجُلٌ بَخِلٌ بمالِهِ، ولا عَسِرٌ علَيْنا، ولا هوَ خَصِمٌ لنا؛ لأنَّ فَعِلاً لا يأتي صِفَةً إِلاَّ مَدْحاً أوْ ذمًّا، فلا يَعْمَلُ المدْحُ والذمُّ في غيرِهِ، وإذا أرادُوا إعمالَ ذلكَ في الاسْمِ أوْ غيرِهِ جَعَلُوهُ فاعِلاً، فقَالُوا: هوَ باخِلٌ بمالِهِ، وهوَ طامِعٌ فيما عندَنا.
فلذلكَ قُلْتُ: إنَّ {لابِثِينَ} أصَحُّ مَخْرَجاً فِي العربيَّةِ وأَفْصَحُ، ولمْ أُحِلَّ قراءَةَ مَنْ قَرَأَ: (لَبِثِينَ) وإِنْ كَانَ غيرُها أفْصَحُ؛ لأنَّ العرَبَ رُبَّما أَعْمَلَت المَدْحَ في الأسماءِ، وقدْ يُنْشَدُ بَيْتُ لَبِيدٍ:
أَوْ مِسْحَلٌ عَمِلٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ ....... بِسَرَاتِهَا نَدَبٌ لَهُ وكُلُومُ
فأَعْمَلَ (عَمِلٌ) في (عِضَادَةَ) ولوْ كانَتْ عامِلاً كانَتْ أفْصَحَ.
ويُنْشَدُ أيضاً:
وبالفأْسِ ضَرَّابٌ رُؤُوسَ الكَرَانِفِ
ومِنهُ قولُ عبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ:
أَكَرَّ وأَحْمَى للحَقِيقَةِ مِنْهُمُ ....... وأَضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا
وأمَّا الأحقابُ فجمْعُ حُقْبٍ، والحِقَبُ: جَمْعُ حِقْبَةٍ، كما قالَ الشاعِرُ:
عِشْنَا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً ....... مِنَ الدَّهْرِ حتَّى قِيلَ لَنْ نَتَصَدَّعَا
فهذهِ جَمْعُها حِقَبٌ. ومِن الأحقابِ التي هيَ جَمْعُ حُقُبٍ قولُ اللَّهِ: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً}، فهذا واحِدُ الأحقابِ.
وقد اخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في مَبْلَغِ مُدَّةِ الحُقْبِ، فقالَ بعضُهم: مُدَّتُهُ ثلاثِمِائَةِ سَنَةٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنَا عِمْرانُ بنُ موسَى القَزَّازُ قالَ: ثَنَا عبدُ الوارِثِ بنُ سعيدٍ قالَ: ثَنَا إِسحاقُ بنُ سُوَيْدٍ، عنْ بَشِيرِ بنِ كَعْبٍ، في قوْلِهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، قالَ: بَلَغَنِي أنَّ الحُقْبَ ثلاثُمِائَةِ سنَةٍ، كلُّ سَنَةٍ ثلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً، كلُّ يومٍ ألفُ سنَةٍ.
وقالَ آخرونَ: بلْ مُدَّةُ الحُقْبِ الواحِدِ: ثمانونَ سَنَةً.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ سُفْيَانَ قالَ: ثَنِي عمَّارٌ الدُّهْنِيُّ، عنْ سالِمِ بن أبي الجَعْدِ قالَ: قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِهِلالٍ الهَجَرِيِّ: «ما تَجِدُونَ الحُقْبَ في كتابِ اللَّهِ المُنَزَّلِ؟» قالَ: نَجِدُهُ ثَمَانِينَ سَنَةً، كلُّ سنَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، كلُّ شَهْرٍ ثلاثونَ يَوْماً، كلُّ يَوْمٍ أَلْفُ سنَةٍ.
- حَدَّثَنَا تَمِيمُ بنُ المُنْتَصِرِ قالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحاقُ، عنْ شُرَيْكٍ، عنْ عاصِمِ بنِ أبي النَّجُودِ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ: الحُقْبُ ثمانونَ سَنَةً، والسنَةُ: سِتُّونَ وثلاثُمِائَةِ يَوْمٍ، واليومُ: ألْفُ سَنَةٍ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ أبى سِنَانٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: الحُقْبُ ثمانونَ سنَةً.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا جابِرُ بنُ نُوحٍ قالَ: ثَنَا الأَعْمَشُ، عنْ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، في قوْلِهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقاباً}، قالَ: الحُقْبُ ثمانونَ سنَةً، السنَةُ: ثلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً، اليومُ: سَنَةٌ أوْ أَلْفُ سنَةٍ، (الطَّبَرِيُّ يَشُكُّ).
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قالَ اللَّهُ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، وهوَ ما لا انْقِطَاعَ لهُ، كُلَّمَا مَضَى حُقْبٌ جَاءَ حُقْبٌ بعدَهُ. وذَكَرَ لَنَا أنَّ الحُقْبَ ثمانونَ سَنَةً.
- حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ، في قوْلِهِ: {أَحْقَاباً}، قالَ: بَلَغَنَا أنَّ الحُقْبَ ثَمانونَ سَنَةً مِنْ سِنِي الآخِرَةِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ أبي جَعْفَرٍ، عن الرَّبِيعِ بنِ أنَسٍ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، لا يَعْلَمُ عِدَّةَ هذهِ الأحقابِ إلاَّ اللَّهُ، ولكنَّ الحُقْبَ الواحِدَ ثمانونَ سَنَةً، والسنَةُ: ثلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً، كلُّ يَوْمٍ مِنْ ذلكَ ألْفُ سَنَةٍ.
وقالَ آخرونَ: الحُقْبُ الواحِدُ سَبْعُونَ ألْفَ سَنَةٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنِي ابنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ البَرْقِيُّ قالَ: ثَنِي عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عنْ زُهَيْرٍ، عنْ سالِمٍ قالَ: سَمِعْتُ الحسَنَ يُسْأَلُ عنْ قولِ اللَّهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، قالَ: أمَّا الأَحْقَابُ فلَيْسَ لَهَا عِدَّةٌ إِلاَّ الخُلُودَ في النارِ، ولكِنْ ذكَرُوا أنَّ الحُقْبَ الواحِدَ سَبْعونَ ألْفَ سَنَةٍ، كلُّ يومٍ مِنْ تلكَ الأيَّامِ السَّبْعِينَ ألفاً كأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ الآمُلِيُّ قالَ: ثَنَا أبو أُسَامَةَ، عنْ هِشامٍ، عن الحسَنِ، في قوْلِهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، قالَ: أمَّا الأَحْقَابُ فلا يَدْرِي أَحَدٌ مَا هِيَ، وأمَّا الحُقْبُ الواحِدُ فسَبْعُونَ ألْفَ سنَةٍ، كلُّ يوْمٍ كألْفِ سَنَةٍ.
ورُوِيَ عنْ خالِدِ بنِ مَعْدَانَ في هذهِ الآيَةِ، أنَّها في أهلِ القِبْلَةِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قالَ: ثَنَا أبو صالِحٍ قالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صالِحٍ، عنْ عامِرِ بنِ جَشِيبٍ، عنْ خَالِدِ بنِ مَعْدانَ في قوْلِهِ: {لابِثينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، وقولِهِ: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ}: إِنَّهما في أهْلِ التوحيدِ مِنْ أهلِ القِبْلَةِ.
فإنْ قالَ قائِلٌ: فمَا أنْتَ قائِلٌ في هذا الحديثِ؟ قيلَ: الذي قالَهُ قَتَادَةُ والرَّبِيعِ بنِ أَنَسٍ في ذلكَ أصَحُّ.
فإنْ قالَ: فمَا للكُفَّارِ عندَ اللَّهِ عَذَابٌ إِلاَّ أَحْقَاباً؟ قيلَ: إنَّ قَتَادَةَ والربيعَ قدْ قَالا: إنَّ هذهِ الأحقابَ لا انْقِضَاءَ لَهَا ولا انْقِطَاعَ.
وقدْ يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ معنى ذلكَ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} في هذا النوعِ مِن العذابِ، هوَ أنَّهُم: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، فإِذَا انْقَضَتْ تِلْكَ الأَحْقابُ، صارَ لهم مِن العذابِ أنواعٌ غيرُ ذلكَ، كما قالَ جلَّ ثَناؤُهُ في كتابِهِ: {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}، وهذا القوْلُ عِندِي أشْبَهُ بِمَعْنَى الآيَةِ.
وقدْ رُوِيَ عنْ مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ في ذلكَ ما حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ قالَ: ثَنَا عَمْرُو بنُ أبي سَلَمَةَ قالَ: سَأَلْتُ أبا مُعَاذٍ الخُرَاسَانِيَّ عنْ قوْلِ اللَّهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، فأَخْبَرَنَا عنْ مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ قالَ: مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَتْهَا {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}.
ولا مَعْنَى لِهَذا القولِ؛ لأنَّ قولَهُ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} خَبَرٌ، والأخبارُ لا يكونُ فيها نَسْخٌ، وإنَّما النسْخُ يكونُ في الأمْرِ والنهْيِ). [جامع البيان: 24/ 22-27]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم: قال نا حماد بن سلمة: عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: الحقب ثمانون سنة اليوم منها كسدس الدنيا). [تفسير مجاهد: 720]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا شيبان عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال الحقب: ثمانون سنة ستة ايام منها كالدنيا كلها). [تفسير مجاهد: 720]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: ليس للأحقاب أجل ولا غاية كلما مضى حقب دخل حقب). [تفسير مجاهد: 721]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بلجٍ، عن عمرو بن ميمونٍ، عن ابن مسعودٍ، في قوله تعالى: {لابثين فيها أحقابًا} [النبأ: 23]، قال: «الحقب ثمانون سنةً» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/ 556]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قولُه تعالى: {لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}
عن أبي هُرَيْرَةَ: {لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} قالَ: الحُقْبُ: ثَمانون سَنَةً.
روَاه البَزَّارُ، وفيه حَجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ، وثَّقَهُ ابنُ حِبَّانَ، وقالَ: يُخْطِئُ ويَهِمُ. وضَعَّفَه جماعةٌ، وبَقِيَّةُ رِجالِه ثِقَاتٌ.
-وعن أبي أُمَامَةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «{لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} الحُقْبُ: ثلاثونَ أَلْفَ سَنَةٍ».
رَوَاه الطَّبَرَانِيُّ، وفيه جَعْفَرُ بنُ الزُّبَيْرِ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 133]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سليمانَ الهيثميُّ (ت: 807هـ) : (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَبِيرِ، ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} قَالَ: الْحُقْبُ: ثَمَانُونَ سَنَةً.
قَالَ الْبَزَّارُ: لا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلاَّ الْحَجَّاجَ عَنْ هَمَّامٍ، وَغَيْرُهُ يُوقِفُهُ). [كشف الأستار: 3/ 78]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال محمّد بن يحيى بن أبي عمر: ثنا مروان، عن جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة- رضي اللّه عنه- قال: "قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قول اللّه- عز وجل-: {لابثين فيها أحقاباً}؛ قال: «الحقب ألف شهرٍ، والشّهر ثلاثون يومًا، والسنة ثلاثمائة وستّون يومًا، واليوم ألف سنةٍ ممّا تعدّون، والحقب ثلاثون ألف ألف سنة».
هذا إسناد ضعيف، لضعف جعفر، والقاسم هو ابن عبد الرحمن.
رواه الطّبرانيّ في الكبير وابن أبي حاتمٍ وابن مردويه في تفسيرهما من طريق جعفر به.
- ورواه البزّار: من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: " {لابثين فيها أحقابًا}؛ قال: الحقب ثمانون سنة".
وفي سنده الحجاج بن نصير، وهو ضعيف.
ورواه ابن عديٍّ من حديث ابن عمر بسندٍ ضعيف). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 298]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال ابن أبي عمر: حدثنا مروان، عن جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قول اللّه عزّ وجلّ: {لابثين فيها أحقابًا}،
قال: «الحقب: ألف شهرٍ، والشّهر ثلاثون يومًا، والسّنة ثلاثمائةٍ وستّون يومًا، واليوم ألف سنةٍ ممّا تعدّون، والحقب: ثلاثون ألف ألف سنةٍ»). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/ 423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}، قَالَ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لا سَبِيلَ إِلَى الجَنَّةِ حَتَّى تُقْطَعَ النَّارُ، وقَالَ في آيةٍ أُخْرَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}، {للطَّاغِينَ مَآباً}. قَالَ: مَأْوًى ومَنْزِلاً، {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: الأَحْقَابُ: مَا لا انْقِطَاعَ لَهُ، كُلَّمَا مَضَى حُقْبٌ جَاءَ بَعْدَهُ حُقُبٌ ُ. قَالَ: وذُكِرَ لَنَا أَنَّ الحُقْبَ ثَمَانُونَ سَنَةً مِنْ سِنِي يَوْمِ القِيَامَةِ). [الدر المنثور: 15/ 199-200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ, عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: سِنِينَ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عَنِ الحَسَنِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: لَيْسَ لَهَا أَجَلٌ, كُلَّمَا مَضَى حُقْبٌ دَخَلَ فِي الأُخْرَى.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: الحُقْبُ الوَاحِدُ سَبْعُونَ سَنَةً، كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا أَلْفُ سَنَةٍ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وأبو الشيخِ, عن الرَّبيعِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: لا يَدْرِي أَحَدُكُمْ تِلْكَ الأَحْقَابَ, إِلاَّ أَنَّ الحُقْبَ الوَاحِدَ ثَمَانُونَ سَنَةً, السَّنَةُ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً، اليومُ الوَاحِدُ مِقْدَارُ أَلْفِ سَنَةٍ، والحُقْبُ الوَاحِدُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ.
- وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عَنْ بَشِيرِ بنِ كَعْبٍ في قَوْلِهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الحُقْبَ ثَلاثُمِائَةِ سَنَةٍ، كُلُّ سَنَةٍ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً، كُلُّ يَوْمٍ أَلْفُ سَنَةٍ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ والفِرْيَابِيُّ وهَنَّادٌ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ سَالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ قَالَ: سَأَلَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ هِلالاً الهَجَرِيَّ: مَا تَجِدُونَ الحُقْبَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَجِدُهُ ثَمَانِينَ سَنَةً، كُلُّ سَنَةٍ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، كُلُّ شَهْرٍ ثَلاثُونَ يَوْماً، كُلُّ يَوْمٍ أَلْفُ سَنَةٍ.
- وأخْرَجَ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ والحَاكِمُ وصَحَّحَهُ, عنِ ابنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: الحُقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً.
- وأخْرَجَ البَزَّارُ, عن أبي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}. قَالَ: «الحُقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً».
- وأخْرَجَ هَنَّادٌ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ, عن أبي هُرَيْرَةَ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: الحُقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً، والسَّنَةُ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً، واليَوْمُ كألْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
- وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن أَبِي هُرَيْرَةَ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: الحُقْبُ ثَمَانُونَ عَاماً, اليَوْمُ مِنْهَا كسُدُسِ الدُّنيا.
- وأخْرَجَ ابنُ أبي عُمَرَ العَدَنِيُّ في مُسْنَدِه, وابنُ أَبِي حَاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وابنُ مَرْدُويَهْ بسَنَدٍ ضَعِيفٍ, عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}. قَالَ:«الحُقْبُ أَلْفُ شَهْرٍ, والشَّهْرُ ثَلاثُونَ يَوْماً, والسَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً, والسَّنَةُ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً, كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، فالحُقْبُ ثَمَانُونَ أَلْفَ سَنَةٍ».
- وأخْرَجَ البَزَّارُ وابنُ مَرْدُويَهْ والدَّيْلَمِيُّ, عن ابنِ عُمَرَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قَالَ: «واللَّهِ لا يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَحَدٌ حَتَّى يَمْكُثَ فِيهَا أَحْقَاباً، والحُقْبُ بِضْعٌ وثَمَانُونَ سَنَةً، كُلُّ سَنَةٍ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ يَوْماً، واليَوْمُ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ». قَالَ ابنُ عُمَرَ: فلا يَتَّكِلَنَّ أَحَدٌ علَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ.
- وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الحُقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً.
- وأخْرَجَ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}؛ قَالَ: الحُقْبُ الوَاحِدُ ثَمَانُونَ سَنَةً.
- وأخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, عن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ:«الحُقْبُ أَرْبَعُونَ سَنَةً».
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} بالأَلِفِ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ أَنَّه قَرَأ: (لَبِثِينَ فِيهَا حِقَاباً) بغَيْرِ أَلِفٍ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّه قَرَأَها: (لَبِثِينَ فِيهَا حِقَاباً).
- وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ في قَوْلِهِ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، وقَوْلِه: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ}: إنَّهُمَا فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِن أَهْلِ القِبْلَةِ). [الدر المنثور: 15/ 200-204]
تفسير قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً}، يَقُولُ: لا يَطْعَمُونَ فِيها بَرْداً يُبَرِّدُ حَرَّ السَّعِيرِ عَنهم، إِلاَّ الغَسَّاقَ، ولا شَراباً يَرْوِيهِم مِنْ شِدَّةِ العَطَشِ الذي بهم، إِلاَّ الحميمَ.
وقدْ زَعَمَ بعضُ أهلِ العِلْمِ بكلامِ العرَبِ أنَّ البَرْدَ في هذا المَوْضِعِ النومُ، وأنَّ معنى الكلامِ: لا يَذُوقُونَ فيها نَوْماً ولا شَراباً، واسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ ذلكَ بقَوْلِ الكِنْدِيِّ:
بَرَدَتْ مَرَاشِفُهَا عَلَيَّ فَصَدَّنِي ....... عَنْهَا وَعَنْ قُبُلاتِهَا الْبَرْدُ
يعني بالبَرْدِ: النُّعَاسَ. والنومُ إِنْ كانَ يُبَرِّدُ غَلِيلَ العَطَشِ، فقيلَ لهُ مِنْ أَجْلِ ذلكَ: البَرْدُ، فلَيسَ هوَ باسْمِهِ المعروفِ. وتأويلُ كتابِ اللَّهِ على الأَغْلَبِ مِنْ معروفِ كلامِ العرَبِ دُونَ غيرِهِ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأوِيلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ أبي جَعْفَرٍ، عن الرَّبِيعِ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، فاسْتَثْنَى مِن الشرابِ الحمِيمَ، ومِن البَرْدِ الغَسَّاقَ). [جامع البيان: 24/ 27-28]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ, عن ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ يَكُونُ لَهُمْ مِنَ العَذَابِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً} ). [الدر المنثور: 15/ 204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن مُرَّةَ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداًَ}؛ قَالَ: نَوْماً). [الدر المنثور: 15/ 205]
تفسير قوله تعالى: {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن أبي قبيلٍ، عن أبي هبيرة الزّياديّ قال: سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول: أيّ شيءٍ الغسّاق، قالوا: اللّه أعلم، فقال عبد اللّه بن عمرٍو: هو القيح الغليظ، لو أنّ قطرةً منه تهراق بالمغرب أنتنت أهل المشرق، ولو تهراق في المشرق أنتنت أهل المغرب). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 115] (م)
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، قال: الغسّاق: ما يسيل من صديدهم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 288]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم في قوله: {حميمًا وغسّاقًا} قال: الغساق: ما يتقطّع من جلودهم، وما يسيل من بشرهم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 418]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: ... وقال غيره: {غسّاقًا} [النبأ: 25] : " غسقت عينه، ويغسق الجرح: يسيل، كأنّ الغساق والغسيق واحدٌ). [صحيح البخاري: 6/ 165]
-قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (وقَالَ غَيرُهُ: {غَسَّاقًا}؛ غَسَقَتْ عَينُهُ) سَقَطَ هَذَا لِغَيرِ أَبِي ذَرٍّ، وقد تقدَّمَ في بَدْءِ الخَلقِ. وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ: تَغسِقُ عَينُه أَي تَسِيلُ. وَوَقَعَ عِندَ النَّسَفِيِّ والجُرْجَانِيِّ (وقَالَ مَعْمَرٌ فَذَكَرَهُ) ومَعمَرُ هو أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ المُثَنَّى المَذكُورُ.
قولُهُ: (ويَغسِقُ الجُرْحُ يَسِيلُ، كأَنَّ الغَسَّاقَ والغَسِيقَ وَاحِدٌ) تَقدَّمَ بيانُ ذلكَ فِي بَدْءِ الخَلْقِ، وسَقَطَ هُنا لِغَيرِ أَبِي ذَرٍّ). [فتح الباري: 8/ 689]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وَقَالَ غَيْرُهُ: {غَسَّاقًا} غَسَقَتْ عَيْنُهُ وَيغْسِقُ الْجُرحُ يَسِيلُ كَأَنَّ الغَسَّاقَ وَالْغَسِيقَ وَاحِدٌ أَيْ: قَالَ غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} هَذَا لَمْ يَثْبُتْ إِلاَّ لأَبِي ذَرٍّ، وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَقَالَ مَعْمَرٌ فَذَكَرَهُ، وَمَعْمَرٌ هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ. قولُهُ: غَسَقَتْ عَيْنُهُ وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ يَسِيلُ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى غَسَّاقًا: سَيَّالاً مِنَ الدَّمِ ونحوِهِ؛ لأَنَّهُ مِنْ غَسَقَتْ عَيْنُهُ أَيْ: سَالَتْ، وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ أَيْ: يَسِيلُ، وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: الْغَسَّاقُ: الزَّمْهَرِيرُ. وقيلَ: صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَقِيلَ: دُمُوعُهُمْ، وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ: الْغَسَّاقُ: وادٍ فِي النَّارِ فِيهِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثُونَ شِعْبًا، فِي كُلِّ شِعْبٍ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثُونَ بَيْتًا، فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُ زَوَايَا، فِي كُلِّ زاويةٍ شُجَاعٌ كَأَعْظَمِ مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْخَلْقِ، فِي رَأْسِ كُلِّ شُجَاعٍ مِنَ السُّمِّ قُلَّةٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْغَسَّاقُ: الْبَارِدُ الْمُنْتِنُ، يُخَفَّفُ وَيُشَدَّدُ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: (إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَاقًا) بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالتَّشْدِيدِ). [عمدة القاري: 19/ 275-276]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وَقَالَ غَيْرُهُ) غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: (غَسَّاقًا) أَيْ (غَسَقَتْ عَيْنُهُ) غَسْقًا أَظْلَمَتْ، وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْغَسَّاقُ الزَّمْهَرِيرُ يَحْرِقُهُمْ بَرْدُهُ، وقِيلَ: هو صَدِيدُ أهلِ النَّارِ، وثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ: {صَوَابًا} إلى هنا لأَبِي ذَرٍّ، (وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ: يَسِيلُ) منه مَاءٌ أَصْفَرُ (كَأَنَّ الغَسَّاقَ وَالْغَسِيقَ وَاحِدٌ) وسَقَطَ هذا لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وذَكَرَهُ المؤلِّفُ في بَدْءِ الْخَلْقِ). [إرشاد الساري: 7/ 410]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ أبي جَعْفَرٍ، عن الرَّبِيعِ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، فاسْتَثْنَى مِن الشرابِ الحمِيمَ، ومِن البَرْدِ الغَسَّاقَ.
وقولُهُ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}؛ يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً قَدْ أُغْلِيَ حَتَّى انْتَهَى حَرُّهُ، فهوَ كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ، ولا بَرْدًا إِلاَّ غَسَّاقاً.
واخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في معنَى الغَسَّاقِ؛ فقالَ بعضُهم: هوَ ما سَالَ مِنْ صَدِيدِ أهلِ جهنَّمَ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ ومُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، قَالا: ثَنَا ابنُ إِدْرِيسَ، عنْ أبِيهِ، عنْ عَطِيَّةَ بنِ سَعْدٍ، في قَوْلِهِ: {حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، قالَ: هوَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ جُلُودِهِم.
- حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلَى قالَ: ثَنَا المُعْتَمِرُ، عنْ أبِيهِ قالَ: ثَنَا أبو عَمْرٍو قالَ: زَعَمَ عِكْرِمَةُ أنَّهُ حَدَّثَهُم في قوْلِهِ: {وَغَسَّاقاً}، قالَ: ما يَخْرُجُ مِنْ أَبْصارِهِم مِن القَيْحِ والدَّمِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ وابنُ المُثَنَّى، قَالا: ثَنَا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عنْ منصورٍ، عنْ إِبراهيمَ وأبي رَزِينٍ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}؛ قَالا: غُسَالَةُ أهلِ النارِ. لفظُ ابنِ بشَّارٍ. وأمَّا ابنُ المُثَنَّى فقالَ في حَدِيثِهِ: ما يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِهِم.
- وحَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ مَرَّةً أُخْرَى عنْ عبدِ الرحمنِ، فقالَ كما قالَ ابنُ المُثَنَّى.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ منصورٍ، عنْ أبي رَزِينٍ: {وَغَسَّاقاً}، قالَ: ما يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِهِم.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ منصورٍ عنْ أبي رَزِينٍ، وإبراهيمَ مِثلَهُ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قولُهُ: {وغَسَّاقاً}، كُنَّا نُحَدِّثُ أنَّ الغَسَّاقَ: مَا يِسِيلُ مِن بَيْنِ جِلْدِهِ ولَحْمِهِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ، عنْ سُفْيَانَ أنَّهُ قالَ: بَلَغَنِي أنَّهُ مَا يَسِيلُ مِنْ دُمُوعِهِم.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إبراهِيمَ: {وَغَسَّاقاً}، قالَ: ما يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِهِم مِن البَرْدِ. قالَ سُفْيَانَ وقالَ غيرُهُ: الدُّموعُ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قوْلِهِ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، قالَ: الحَمِيمُ دُمُوعُ أَعْيُنِهِم في النارِ، يَجْتَمِعُ في خَنَادِقِ النارِ فَيُسْقَوْنَهُ. والغَسَّاقُ: الصَّدِيدُ الذي يَخْرُجُ مِنْ جُلُودِهِم مِمَّا تَصْهَرُهُم النارُ في حِياضٍ يَجْتَمِعُ فِيها فَيُسْقَوْنَهُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إِبْرَاهِيمَ {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، قالَ: الغَسَّاقُ ما يُقَطَّعُ مِنْ جُلُودِهِم، وما يَسِيلُ مِنْ نَتْنِهِم.
وقالَ آخَرُون: الغَسَّاقُ الزَّمْهَرِيرُ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قالَ: ثَنَا أبو صالِحٍ قالَ: ثَنِي معاوِيَةُ، عنْ عَلِيٍّ، عن ابنِ عَبَّاسٍ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، يَقُولُ: الزَّمْهَرِيرُ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ وأبو السَّائِبِ وابنُ المُثَنَّى، قَالُوا: ثَنَا ابنُ إِدْرِيسَ قالَ: سَمِعْتُ لَيْثاً، عنْ مُجاهِدٍ، في قوْلِهِ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، قالَ: الذي لا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يَذُوقُوهُ مِنْ بَرْدِهِ.
قالَ: ثَنَا ابنُ بَشَّارٍ قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عنْ لَيْثٍ، عنْ مُجاهِدٍ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، قالَ: الذي لا يَسْتَطِيعُونَهُ مِنْ بَرْدِهِ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ لَيْثٍ، عنْ مُجاهِدٍ: الغَسَّاقُ الذي لا يُسْتَطَاعُ مِنْ بَرْدِهِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ أبي جَعْفَرٍ، عن الرَّبِيعِ قالَ: الغَسَّاقُ الزَّمْهَرِيرُ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ أبي جَعْفَرٍ، عن الرَّبِيعِ، عنْ أبي العَالِيَةِ قالَ: الغَسَّاقُ الزَّمْهَرِيرُ.
وقالَ آخَرُونَ: هوَ المُنْتِنُ، وهوَ بِالطَّخَارِيَّةِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
حُدِّثْتُ عن الْمُسَيَّبِ بنِ شُرَيْكٍ، عنْ صالِحِ بنِ حَيَّانَ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ قالَ: الغَسَّاقُ بِالطَّخَارِيَّةِ هوَ المُنْتِنُ.
والغَسَّاقُ عندِي: هوَ الفَعَّالُ، مِنْ قولِهِم: غَسَقَتْ عَيْنُ فلانٍ: إذا سَالَتْ دُمُوعُها، وغَسَقَ الجُرْحُ: إذا سَالَ صَدِيدُهُ، ومِنهُ قولُ اللَّهِ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} يعني بالغاسِقِ: اللَّيلَ إذا لَبِسَ الأشياءَ وغَطَّاهَا، وإنَّما أُرِيدَ بذلكَ هُجُومُهُ على الأشياءِ هُجُومَ السَّيْلِ السائِلِ، فإذا كانَ الغَسَّاقُ هوَ ما وَصَفْتُ مِن الشيءِ السائِلِ، فالواجِبُ أنْ يُقالَ: الذي وَعَدَ اللَّهُ هؤلاءِ القَوْمَ، وأخْبَرَ أنَّهم يَذُوقُونَهُ في الآخِرَةِ مِن الشَّرَابِ، هوَ السائِلُ مِن الزَّمْهَرِيرِ في جَهَنَّمَ، الجامِعُ معَ شِدَّةِ بَرْدِهِ النَّتْنَ.
- كمَا حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا يَعْمَرُ بنُ بِشْرٍ قالَ: ثَنَا ابنُ المُبَارَكِ قالَ: ثَنَا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ قالَ: ثَنِي عمرُو بنُ الحارِثِ، عنْ أَبِي السَّمْحِ، عنْ أبي الهَيْثَمِ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «لَوْ أَنَّ دَلْواً مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ إِلَى الدُّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا».
- حُدِّثْتُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ قالَ: ثَنَا ابنُ لَهِيعَةَ، عنْ أبي قَبِيلٍ، عنْ أبي مالِكٍ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو أنَّهُ قالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ شَيْءٍ الْغَسَّاقُ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، قالَ: هوَ القَيْحُ الغَلِيظُ، لوْ أنَّ قَطْرَةً مِنه تُهَرَاقُ بالمَغْرِبِ لأَنْتَنَ أَهْلُ المَشْرِقِ، ولوْ تُهَرَاقُ بالمشرِقِ لأَنْتَنَ أهلُ المغرِبِ.
فإنْ قالَ قائلٌ: فَإِنَّكَ قدْ قُلتَ: إنَّ الغَسَّاقَ هوَ الزَّمْهَرِيرُ، والزَّمْهَرِيرُ: هوَ غايَةُ البَرْدِ، فكيفَ يكونُ الزَّمْهَرِيرُ سائِلاً؟ قيلَ: إنَّ البَرْدَ الذي لا يُسْتَطَاعُ ولا يُطَاقُ يكونُ صِفَةً في السائِلِ منْ أجسادِ القوْمِ بين القَيْحِ والصَّدِيدِ). [جامع البيان: 24/ 28-32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ هَنَّادٌ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ, عَن أبي العَالِيَةِ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}؛ قَالَ: فَاسْتَثْنَى مِنَ الشَّرَابِ الحَمِيمَ، ومِنَ البَارِدِ الغَسَّاقَ، وهو الزَّمْهَرِيرُ.
- وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ, عن ابنِ عَبَّاسٍ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً؛ قَالَ: الحَمِيمُ: الحَارُّ الذي يَحْرِقُ، والغَسَّاقُ: الزَّمْهِريرُ البَارِدُ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}؛ قَالَ: لا يَسْتَطِيعُونَهُ مِنْ بَرْدِهِ.
- وأخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, عن أبي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في قَوْلِهِ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً}؛ قَالَ: «قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ».
{وغَسَّاقاً}؛ قَالَ: «قَدِ انْتَهَى بَرْدُهُ، وإِنَّ الرَّجُلَ إِذا أَدْنَى الإِنَاءَ مِنْ فِيهِ سَقَطَ فَرْوَةُ وَجْهِهِ؛ حَتَّى يَبْقَى عِظَاماً تَقَعْقَعُ» ). [الدر المنثور: 15/ 204-205]
تفسير قوله تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا (26)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {جزاء وفاقا}؛ قال: جزاء وافق أعمال القوم). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 343]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: هذا العِقابُ الذي عُوقِبَ بِهِ هؤلاءُ الكفَّارُ في الآخِرَةِ، فعَلَهُ بِهِم رَبُّهم {جَزاءً}، يعنِي: ثَواباً لهم على أفعالِهِم وأقوالِهِم الردِيئَةِ التي كانُوا يَعْمَلُونَها في الدنيا، وهوَ مصدَرٌ مِنْ قوْلِ القائِلِ: وافَقَ هذا العِقَابُ هذا العمَلَ وِفاقاً.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنِي عليٌّ قالَ: ثَنَا أبو صالِحٍ قالَ: ثَنِي معاويَةُ، عنْ عليٍّ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، قولُهُ: {جَزَاءً وِفَاقاً}؛ يَقُولُ: وَافَقَ أعمالَهم.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قولُهُ: {جَزَاءً وِفَاقاً}؛ وَافَقَ الجَزاءُ أعمالَ القَوْمِ أعمالَ السُّوءِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ أبي جَعْفَرٍ، عن الرَّبِيعِ: {جَزَاءً وِفَاقاً}؛ قالَ: بحسَبِ أعمالِهِم.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهرانُ، عنْ سُفْيَانَ قالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عنْ أبي جَعْفَرٍ، عن الرَّبِيعِ، في قوْلِهِ: {جَزَاءً وِفَاقاً}، قالَ: ثوابٌ وافَقَ أعمالَهم.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قوْلِهِ: {جَزَاءً وِفَاقاً}، قالَ: عَمِلُوا شَرًّا فَجُزُوا شَرًّا، وعَمِلُوا حَسَناً فَجُزُوا حَسَناً، ثمَّ قرَأَ قولَ اللَّهِ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى}.
- حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ، في قوْلِهِ: {جَزَاءً وِفَاقاً}، قالَ: جَزاءً وَافَقَ أَعْمَالَ القَوْمِ.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عمرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عِيسَى، وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابْنِ أبي نَجِيحٍ، عنْ مُجاهِدٍ: {جَزَاءً وِفَاقاً}، قالَ: وَافَقَ الجَزَاءُ العَمَلَ). [جامع البيان: 24/ 32-34]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {جزاء وفاقا}؛ يقول: وافق الجزاء العمل). [تفسير مجاهد: 721]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله: في النبأ.
وقال مجاهد: {لا يرجون حسابا}: لا يخافونه لا يملكون منه خطابا لا يكلمونه إلّا أن يأذن لهم صوابا قال حقًا في الدّنيا وعمل به.
وقال ابن عبّاس: {وهاجا}: مضيئا عطاء حسابا جزاء كافيا.
أما قول مجاهد فقال عبد ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {جزاء وفاقا}؛ يقول: وافق الجزاء العمل به إنّهم كانوا لا يرجون حسابا قال: لا يبالون فيصدقون بالبعث). [تغليق التعليق: 4/ 359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {جَزَاءً وِفَاقاً}. قَالَ: وَافَقَ أَعْمَالَهُمْ.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ, عَنْ قَتَادَةَ: {جَزَاءً وِفَاقاً}؛ قَالَ: جَزَاءً وَافَقَ أَعْمَالَ القَوْمِ؛ أَعْمَالَ السَّوْءِ). [الدر المنثور: 15/ 205]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {جَزَاءً وِفَاقاً}؛ يَقُولُ: وَافَقَ الجَزَاءُ العَمَلَ). [الدر المنثور: 15/ 205] (م)
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال مجاهدٌ: {لا يرجون حسابًا}: «لا يخافونه»). [صحيح البخاري: 6/ 165]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قَولُهُ: {لاَ يَرجُونَ حِسَابًا}؛ لا يَخَافُونَهُ كَذَا في رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيرِهِ (وقَالَ مُجَاهِدٌ) فَذَكَرَهُ. وقَدَ وَصَلَهُ الفِريَابِيُّ مِن طَرِيقِ مُجَاهِدٍ كَذَلِكَ). [فتح الباري: 8/ 689]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله: في النبأ.
وقال مجاهد: {لا يرجون حسابا}؛ لا يخافونه لا يملكون منه خطابا لا يكلمونه إلّا أن يأذن لهم صوابا قال حقًا في الدّنيا وعمل به.
وقال ابن عبّاس: {وهاجا}؛ مضيئا عطاء حسابا جزاء كافيا.
أما قول مجاهد: فقال عبد ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {جزاء وفاقا}؛ يقول وافق الجزاء العمل به إنّهم كانوا لا يرجون حسابا قال لا يبالون فيصدقون بالبعث). [تغليق التعليق: 4/ 359] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ يَرْجُونَ حِسابًا}: لا يَخَافُونَهُ، أَيْ: قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا}، وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: لاَ يَخَافُونَهُ وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ: لاَ يُبَالُونَ فَيُصَدِّقُونَ بِالبعثِ وَالرَّجَاءِ،يُسْتَعْمَلُ فِي الأملِ وَالخوفِ). [عمدة القاري: 19/ 275]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قَالَ): وَلأَبِي ذَرٍّ وقَالَ مُجَاهِدٌ فيما وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَرْجُونَ حِسَابًا} أَيْ: (لا يَخَافُونَهُ) لإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ). [إرشاد الساري: 7/ 410]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً}. يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: إنَّ هؤلاءِ الكفَّارَ كانُوا في الدُّنْيَا لا يَخَافُونَ مُحَاسَبَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ في الآخِرَةِ على نِعَمِهِ عَلَيْهِم، وإحسانِهِ إِلَيْهِم، وسُوءِ شُكْرِهِم لهُ على ذلكَ.
وبنحوِ الذي قُلْنا في ذلكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عيسَى، وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عنْ مُجاهِدٍ: قولُهُ: {لا يَرْجُونَ حِسَاباً}، قالَ: لا يُبَالُونَ فيُصَدِّقُونَ بِالْغَيْبِ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قولُهُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً}؛ أيْ: لا يَخَافُونَ حِسَاباً.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً}، قالَ: لا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَلا بِالْحِسَابِ، وكيفَ يَرْجُو الحِسابَ مَنْ لا يُوقِنُ أنَّهُ يَحْيَا ولا يُوقِنُ بالبَعْثِ، وقَرَأَ قولَ اللَّهِ: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} إلى: {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}، وَقَرَأَ: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } إلى قولِهِ: {جَدِيدٍ}. فقالَ بعضُهم لبعضٍ: ما لَهُ؟ {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}. الرَّجُلُ مجنونٌ حينَ يُخْبِرُنا بهذا). [جامع البيان: 24/ 34-35]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال نا آدم: قال نا ورقاء: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إنهم كانوا لا يرجون حسابا}؛ قال: لا يبالون الحساب ولا يخافونه ولا يصدقون بالغيب والبعث).[تفسير مجاهد: 721]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {جَزَاءً وِفَاقاً}؛ يَقُولُ: وَافَقَ الجَزَاءُ العَمَلَ، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً}. قَالَ: لا يَخَافُونَهُ، وفي لَفْظٍ: لا يُبَالُونَ، فيُصَدِّقُونَ بالبَعْثِ). [الدر المنثور: 15/ 205]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً}؛ قَالَ: لا يَرْجُونَ ثَوَاباً ولا يَخَافُونَ عِقَاباً). [الدر المنثور: 15/ 205]
تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً}؛ يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: وَكَذَّبَ هؤلاءِ الكُفَّارُ بِحُجَجِنَا وأَدِلَّتِنَا تَكْذِيباً. وقِيلَ: {كِذَّاباً}، ولمْ يَقُلْ: تَكْذِيباً؛ تَصْدِيراً على فِعْلِهِ.
وكانَ بعضُ نَحْوِيِّي البَصْرَةِ يَقُولُ: قِيلَ ذلكَ؛ لأنَّ فَعَّلَ منهُ على أَرْبَعَةٍ، فأرَادَ أنْ يَجْعَلَهُ مِثلَ بابِ أَفْعَلْتُ، ومَصْدرُ أَفْعَلْتُ إِفْعَالاً، فقالَ: كِذَّاباً، فجَعَلَهُ على عَدَدِ مَصْدَرِهِ، قالَ: وعلى هذا القياسِ تَقولُ: قَاتَلَ قِتالاً، قالَ: وهوَ مِنْ كلامِ العرَبِ.
وقالَ بعضُ نَحْوِيِّي الكوفَةِ: هذهِ لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ فَصِيحةٌ، يَقُولُونَ: كَذَّبْتُ بِهِ كِذَّاباً، وخَرَّقْتُ القَمِيصَ خِرَّاقاً، وكلُّ فَعَّلْتُ، فمَصْدَرُها فِعَّالٌ في لُغَتِهِم مُشَدَّدةً.
قالَ: وقالَ لِي أًعْرَابِيٌّ مَرَّةً على المَرْوَةِ يَسْتَفْتِينِي: أَلْحَلْقُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَم القِصَّارُ؟ قالَ: وأَنْشَدَنِي بَعْضُ بَنِي كِلابٍ:
لَقَدْ طَالَ مَا ثَبَّطَتْنِي عنْ صَحَابَتِي ....... وعنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُهَا مِنْ شِفَائِيَا
وأَجْمَعَت القَرَأَةُ على تَشْدِيدِ الذَّالِ مِن الكِذَّابِ في هذا المَوْضِعِ.
وكانَ الكِسَائِيُّ خاصَّةً يُخَفِّفُ الثَانِيَةَ، وذلكَ في قوْلِهِ: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً}، ويَقُولُ: هوَ مِنْ قَوْلِهِم: كَاذَبْتُهُ كِذَاباً ومُكَاذَبَةً. ويُشَدِّدُ هذهِ ويَقُولُ: قولُهُ: {وكذَّبُوا} يُقَيِّدُ الكِذَّابَ بِالمَصْدَرِ). [جامع البيان: 24/ 35-36]
تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتاباً}؛ يَقُولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: وكلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فكَتَبْنَاهُ كِتاباً، كَتَبْنَا عَدَدَهُ ومَبْلَغَهُ وقَدْرَهُ، فلا يَعْزُبُ عنَّا عِلْمُ شيءٍ مِنهُ.
ونَصَبَ كِتاباً؛ لأنَّ في قوْلِهِ: {أَحْصَيْنَاهُ} مَصْدَرُ أَثْبَتْنَاهُ وَكَتَبْنَاهُ، كأنَّهُ قِيلَ: وكُلَّ شَيْءٍ كَتَبْنَاهُ كِتَاباً). [جامع البيان: 24/ 36]
تفسير قوله تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}؛ يَقُولُ جلَّ ثَناؤُهُ: يُقالُ لهؤلاءِ الكفَّارِ في جَهَنَّمَ إِذَا شَرِبُوا الحَمِيمَ والغَسَّاقَ: ذُوقُوا أَيُّهَا القَوْمُ مِنْ عَذابِ اللَّهِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ في الدُّنيا تُكَذِّبُونَ، فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً على العذابِ الذي أَنْتُمْ فيهِ لا تَخْفِيفاً مِنهُ، ولا تَرَفُّهاً.
وقد حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ قالَ: ثَنَا ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عنْ سعيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ أبي أيُّوبَ الأَزْدِيِّ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو قالَ: لمْ تَنْزِلْ على أهْلِ النارِ آيَةٌ أَشَدُّ مِنْ هذهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}، قالَ: فَهُمْ في مَزِيدٍ مِن العذابِ أَبداً.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}، ذُكِرَ لنَا أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَمْرٍو كانَ يَقُولُ: ما نَزَلَتْ على أهْلِ النارِ آيَةٌ أشَدَّ مِنها {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}، فهم في مَزِيدٍ مِن اللَّهِ أَبَداً). [جامع البيان: 24/ 36]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قولُه تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}؛
عن مَهْدِيِّ بنِ مَيْمُونٍ قالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ دِينارٍ سَأَلَ الحَسَنَ: أيُّ آيَةٍ أشَدُّ على أهْلِ النارِ؟ فقالَ: سَأَلْتُ أبا بَرْزَةَ فقالَ: أَشَدُّ آيةٍ نَزَلَتْ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}؛
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وفيه شُعَيْبُ بنُ بَيَانٍ، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 133]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ مَرْدُويَهْ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو قَالَ: مَا نَزَلَتْ عَلَى أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ قَطُّ أَشَدُّ مِنْها: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}؛ فَهُمْ فِي مَزِيدٍ مِن عَذابِ اللَّهِ أَبَداً.
- وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ والطَّبَرَانِيُّ وابنُ مَرْدُويَهُ, عَنِ الحَسَنِ بنِ دِينارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَرْزَةَ الأَسْلَمِيَّ عَنْ أَشَدِّ آيَةٍِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ النَّارِ؛ فقَالَ: قَوْلُ اللَّهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}.
- وأخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, عَنِ الحَسَنِ قَالَ: سُئِلَ أبو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ عَنْ أَشَدِّ آيَةٍِ فِي القُرْآنِ؛ فقَالَ: قَوْلُ اللَّهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}؛ قَالَ: فَهُوَ مِقْدَارُ سَاعَةٍ بسَاعَةٍ، ويَوْمٍ بيَوْمٍ، وشَهْرٍ بشَهْرٍ، وسَنَةٍ بسَنَةٍ أَشَدُّ عَذَاباً, حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ النَّارِ أُخْرِجَ مِنَ المَشْرِقِ لمَاتَ أَهْلُ المَغْرِبِ، ولَوْ أُخْرِجَ مِنَ المَغْرِبِ لمَاتَ أَهْلُ المَشْرِقِ؛ مِن نَتْنِ رِيحِهِ. قَالَ أبو بَرْزَةَ: شَهِدْتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- حِينَ تَلاهَا فقَالَ: «هَلَكَ القَوْمَ بمَعَاصِيهِمْ رَبَّهُمْ، وغَضِبَ عَلَيْهِمْ, فأَبَى إِذْ غَضِبَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُمْ» ). [الدر المنثور: 15/ 206]