التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى:{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وله من في السّموات والأرض كلٌّ له قانتون} [الروم: 26] يقول: مقرّون له بالعبوديّة، تفسير السّدّيّ.
وتفسير الحسن: كلٌّ له قائمٌ بالشّهادة.
وتفسير الكلبيّ: {كلٌّ له قانتون} [الروم: 26]، يعني: كلٌّ له مطيعون في الآخرة، ولا يقبل ذلك من الكفّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/653]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({كلٌّ لّه قانتون}: أي : مطيعون , و " كلٌ " لفظه لفظ الواحد , ويقع معناه على الجميع , فهو هاهنا جميع , وفي الكلام: كل له مطيع أيضاً.).
[مجاز القرآن: 2/121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كلٌّ له قانتون}: أي مقرّون بالعبوديّة.). [تفسير غريب القرآن: 340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام. وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: ((طول القنوت)) أي طول القيام. وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9]، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم))، يعني المصلّي الصّائم).
ثم قيل للدعاء: قنوت؛ لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت).
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين. والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته. والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، أي مطيعا لله. ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة؛ لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 451-452] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:{وله من في السّماوات والأرض كلّ له قانتون (26)} معناه : مطيعون، والمعنى: وهذا من آياته، ولم يذكر " ومن آياته " ؛ لأنه قد تقدم ذكر ذلك مرات. ومعنى " قانتون " : مطيعون طاعة لا يجوز أن تقع معها معصية، لأن القنوت القيام بالطاعة.
ومعنى الطاعة ههنا: أن من في السّماوات الأرض في خلقهم دليل على أنهم مخلوقون بإرادة الله عزّ وجلّ , لا يقدر أحد على تغيير الخلقة، ولا يقدر عليه فلك مقرب، فآثار الصنعة والخلقة تدل على الطاعة، ليس يعني طاعة العباد، إنما هي طاعة الإرادة , والمشيئة.). [معاني القرآن: 4/182-183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وله من في السموات والأرض كل له قانتون} وهذا أيضا من آياته ., وحذف ؛ لأن في الكلام دليلا عليه , والقانت القائم بالطاعة , والقيام ههنا : الانقياد لله جل وعز على ما حب العباد , أو كرهوا.). [معاني القرآن: 5/254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}: أي: مقرون بالعبودية.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 187]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده} [الروم: 27] بعد الموت، يعني: البعث.
{وهو أهون عليه} [الروم: 27]، يعني: وهو أسرع عليه، بدأ الخلق خلقًا
[تفسير القرآن العظيم: 2/653]
بعد خلقٍ، ثمّ يبعثهم مرّةً واحدةً.
حدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: اللّه {يبدأ الخلق ثمّ يعيده} [الروم: 27] قال: خلقًا بعد خلقٍ {وهو أهون عليه} [الروم: 27] قال: أسرع عليه، وأظنّه قال: يجمعهم.
قوله عزّ وجلّ: {وله المثل الأعلى في السّموات والأرض} [الروم: 27] عمّا قال المشركون، أي: أنّه ليس له ندٌّ ولا شبهٌ.
قال: {وهو العزيز الحكيم} [الروم: 27]، {العزيز} في نقمته، {الحكيم} في أمره، ينزّه نفسه عمّا قال المشركون أن جعلوا للّه الأنداد فعبدوهم دونه). [تفسير القرآن العظيم: 2/654]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وهو أهون عليه...}
[...] حدّث الحسن بن عمارة , عن الحكم , عن مجاهد أنه قال: (الإنشاءة أهون عليه من الابتداء), قال أبو زكريّاء: ولا أشتهي ذلك , والقول فيه أنه مثل ضربه الله فقال: أتكفرون بالبعث، فابتداء خلقكم من لا شيء أشدّ, فالإنشاءة من شيء عندكم بأهل الكفر ينبغي أن تكون أهون عليه. ثم قال : {وله المثل الأعلى} , فهذا شاهدٌ أنه مثل ضربه الله.
[...] حدثني حبّان , عن الكلبيّ , عن أبي صالح , عن ابن عباسٍ قال : {وهو أهون عليه}: (على المخلوق، لأنه يقول له يوم القيامة: كن فيكون , وأوّل خلقه نطفة, ثم من علقة , ثم من مضغةٍ)). [معاني القرآن: 2/324]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وهو الّذي يبدؤ الخلق ثمّ يعيده}: مجازه أنه خلقه , ولم يكن من البدء شيئا , ثم يحيه بعد موته , {وهو أهون عليه}: فجاز مجازه: وذلك هين عليه؛ لأن " أفعل " يوضع في موضع الفاعل , قال:
لعمرك ما أدري. وإني لأوجل= على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
أي وإني لواجلٌ أي لوجلٌ، وقال:
= فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد
أي: بواحد , وفي الأذان: الله أكبر , أي: الله كبير, وقال الشاعر:
أصبحت أمنحك الصّدود وإنني= قسماً إليك مع الصدود لأميل
وقال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا= بيتا دعائمه أعزّ وأطول
أي : عزيزة طويلة، فإن احتج محتجٌ , فقال : إن الله لا يوصف بهذا , وإنما يوصف به الخلق , فزعم أنه , وهو أهون على الخلق , وإن الحجة عليه قول الله :{وكان ذلك على اللّه يسيراً }, وفي آية أخرى: {ولا يؤده حفظهما }, أي : لا يثقله.). [مجاز القرآن: 2/121-122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وهو أهون عليه} قال أبو عبيدة: «وهو هين عليه، كما يقال: اللّه أكبر، أي كبير, وأنت أوحد، أي: واحد الناس. وإني لأوجل، أي: وجل, وقال أوس بن حجر:
وقد أعتب أبن العمّ إن كنت ظالما = وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
أي : أن كان جاهلا. وفي تفسير أبي صالح: {وهو أهون عليه} : أي : على المخلوق, لأنه يقال له يوم القيامة: كن، فيكون. وأول خلقه نطفة، ثم علقة، ثم مضغة.). [تفسير غريب القرآن: 340-341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ضرب لكم مثلًا من أنفسكم ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. هذا مثل ضربه الله لمن جعل له شركاء من خلقه، فقال قبل المثل:
{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} يريد: إعادته على المخلوق أهون من ابتدائه؛ لأنه ابتدأه في الرحم نطفة، وعلقة، ومضغة، وإعادته تكون بأن يقول له: {كُنْ فَيَكُونُ} فذلك أهون على المخلوق من النشأة الأولى. كذلك قال ابن عباس في رواية أبي صالح.
وإن جعلته لله، جعلت أهون بمعنى: وهو هيّن عليه، أي سهل عليه. {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} يعني: شهادة أن لا إله إلا الله.
ثم ضرب المثل فقال: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وذلك أقرب عليكم هل لكم من شركاء من عبيدكم الذين تملكون {فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ} وعبيدكم {سَوَاءٌ} يأمرون فيه كأمركم، ويحكمون كحكمكم، وأنتم {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي كما يخاف الرجل الحرّ شريكه الحرّ في المال يكون بينهما، فلا يأمر فيه بشيء دون أمره، ولا يمضي فيه عطيّة بغير إذنه).
وهو مثل قوله: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين.
وقوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من المؤمنين. يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أرقائكم، فكيف تجعلون لله من عبيده شركاء في ملكه؟
ومثله قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فجعل منكم المالك والمملوك {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني: السادة {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد: فإذا كان هذا لا يجوز بينكم، فكيف تجعلونه لله؟). [تأويل مشكل القرآن: 382-383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (27)} فيه غير قول، فمنها أن الهاء تعود على الخلق، فالمعنى : الإعادة , والبعث أهون على الإنسان من إنشائه؛ لأنه يقاسي في النشء ما لا يقاسيه في الإعادة والبعث.
وقال أبو عبيدة , وكثير من أهل اللغة: إن معناه: وهو هيّن عليه. وإن " أهون " ههنا ليس معناه أن الإعادة أهون عليه من الابتداء؛ لأن الإعادة والابتداء كل سهل عليه , ومن ذلك من الشعر:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل= على أيّنا تغدو المنيّة أوّل
فمعنى لأوجل : لوجل، وقالوا : الله أكبر , أي : اللّه كبير، وهو غير منكر، وأحسن من هذين الوجهين : أنه خاطب العباد بما يعقلون , فأعلمهم أنه يجب عندهم أن يكون البعث أسهل وأهون من الابتداء والإنشاء، وجعله مثلا لهم فقال:{وله المثل الأعلى في السّماوات والأرض} أي قوله: {وهو أهون عليه}, قد ضربه لكم مثلا , فبما يصعب ويسهل.). [معاني القرآن:4/183-184]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}
في معناه ثلاثة أقوال:
في رواية صالح , عن ابن عباس :{وهو أهون عليه }: (وهو أهون على المخلوق ؛ لأنه ابتدأ خلقه من نطفة , ثم من علقة , ثم من مضغة , والإعادة بأن يقول له : كن , فيكون , فذلك أهون على المخلوق) .
وقال مجاهد : (الإعادة أهون عليه من البدأة , وكل عليه هين . والمعنى على هذا : وهو أهون عليه عندكم , وفيما تعرفون على التمثيل , وبعده :{وله المثل الأعلى }).
وقال قتادة : {وهو أهون عليه} : (أي : هين) , وهذا قول حسن , ومنه الله أكبر , أي: كبير ومنه قول الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل = على أينا تعدو المنية أول
وقول الآخر:
إن الذي سمك السماء بنى لنا = بيتا دعائمه أعز وأطول
وروى معمر عن قتادة قال في قراءة عبد الله بن مسعود: (وهو هين عليه).
ثم قال جل وعز: {وله المثل الأعلى في السموات والأرض} روى ابن أبي طلحة , عن ابن عباس قال: (يقول: ليس كمثله شيء) . وقيل : يعني : لا إله إلا الله , وحقيقته في اللغة :{وله الوصف الأعلى}.). [معاني القرآن: 5/255-257]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}: أي: على الخالق، و{أَهْوَنُ}: بمعنى هين، وقيل: هو أهون على المخلوق؛ لأنه يقال له : كن فيكون، ولا ينتقل من حال إلى حال كأول مرة. و{أَهْوَنُ} على بابه ليس بمعنى هين.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 187]
تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم} [الروم: 28] ثمّ ذكر ذلك المثل فقال: {هل لكم} [الروم: 28]، يعني: ألكم.
{من ما ملكت أيمانكم} [الروم: 28] قال السّدّيّ: يعني: عبيدكم.
{من شركاء في ما رزقناكم فأنتم} [الروم: 28] وهم.
{فيه سواءٌ} [الروم: 28]، يعني: شرعًا سواءً، أي: هل يشارك أحدكم مملوكه في زوجته وماله فأنتم فيه سواءٌ.
{تخافونهم} [الروم: 28] تخافون لائمتهم.
{كخيفتكم أنفسكم} [الروم: 28] كخيفة بعضكم بعضا، أي: أنّه ليس أحدٌ منكم هكذا، فأنا أحقّ ألا يشرك بعبادتي غيري، فكيف تعبدون دوني غيري تشركونه في إلهيّتي وربوبيّتي، وهي مثل قوله: {واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرّزق فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواءٌ} [النحل: 71].
[تفسير القرآن العظيم: 2/654]
قال: {كذلك نفصّل الآيات} [الروم: 28] نبيّن الآيات.
{لقومٍ يعقلون} [الروم: 24] وهم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/655]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كخيفتكم أنفسكم...} نصبت الأنفس؛ لأن تأويل الكاف والميم في {خيفتكم} مرفوع, ولو نويت به - بالكاف والميم - أن يكون في تأويل نصبٍ رفعت ما بعدها. تقول في الكلام: عجبت من موافقتك كثرة شرب الماء، عجبت من اشترائك عبداً لا تحتاج إليه, فإذا وقع مثلها في الكلام , فأجره بالمعنى لا باللفظ. والعرب تقول: عجبت من قيامكم أجمعون وأجمعين، وقيامكم كلّكم , وكلّكم. فمن خفض أتبعه اللفظ؛ لأنه خفض في الظاهر , ومن رفع ذهب إلى التأويل, ومثله : {لإيلاف قريشٍ إيلافهم رحلة الشّتاء والصّيف}, أوقعت الفعل من قريش على {رحلة}. والعرب تقول: عجبت من تساقطها بعضها فوق بعض، وبعضها، على مثل ذلك: هذا إذا كنوا, فإذا قالوا : سمعت قرع أنيابه بعضها بعضاً , خفضوا {بعض}, وهو الوجه في الكلام؛ لأن الذي قبله اسم ظاهر، فاتبعوه إيّاه, لو رفعت {بعضها} كان على التأويل). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم} مفسر في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 341]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقوم يعقلون (28)} هذا مثل ضربه اللّه عزّ وجلّ لمن جعل له شريكا من خلقه. فأعلم عزّ وجلّ : أنّ مملوك الإنسان ليس بشريكه في ماله , وزوجته، وأنه لا يخاف من مملوكه أن يرثه , فقال: ضرب لكم مثلا من أنفسكم : أن جعلتم ما هو ملك لله من خلقه مثل اللّه، وأنتم كلكم بشر، ليس مماليككم بمنزلتكم في أموالكم، فاللّه عزّ وجلّ أجدر ألّا يكون يعدل به خلقه. {كذلك نفصّل الآيات}: موضع الكاف نصب.). [معاني القرآن: 4/183-184]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم} قال قتادة : هذا مثل ضربه الله عز وجل للمشركين , فقال: {هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء} , أي : هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله , فإذا لم ترضوا بهذا , فكيف جعلتم لله جل وعز شريكاً؟!. قال أبو جعفر : هذا قول حسن : أي : هل يرضى أحدكم أن يجعل مملوكه مثل نفسه , أي : مثل شريكه الحر الذي لا يقطع أمرا دونه , كما قال تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم}, أي : لا يعب بعضكم بعضًا وكذا قوله تعالى: {كخيفتكم أنفسكم} , وكما قال جل وعز: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} , وكما قال تعالى: {فاقتلوا أنفسكم} وقيل ك: ما يخاف من قبلكم إنفاقها , أي : فأنتم لا تجعلون مماليككم مثلكم , وأنتم كلكم أرقاء لله جل وعز , فكيف تجعلون لله جل وعز شريكا , وليس كمثله شيء؟!.). [معاني القرآن: 5/257-259]
تفسير قوله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {بل اتّبع الّذين ظلموا أهواءهم بغير علمٍ} [الروم: 29] أتاهم من اللّه بعبادة الأوثان.
{فمن يهدي من أضلّ اللّه} [الروم: 29]، أي: لا أحد يهديه.
{وما لهم من ناصرين} [الروم: 29] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/655]
تفسير قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فأقم وجهك} [الروم: 30]، أي: وجهتك.
{للدّين حنيفًا} [الروم: 30] مخلصًا في تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ: مسلمًا.
قوله: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} [الروم: 30]، يعني: خلق النّاس عليها وهو مثل قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] قال: وذلك أنّ أوّل ما خلق اللّه تبارك وتعالى القلم، فقال: اكتب، قال: ربّ وما أكتب؟ قال: ما هو كائنٌ، قال: فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
قال: فأعمال العباد تعرض في كلّ يوم اثنين وخميسٍ، فيجدونه على ما في الكتاب، ثمّ مسح اللّه تبارك وتعالى بعد ذلك على ظهر آدم، فأخرج منه كلّ نسمةٍ هو خالقها، فأخرجهم مثل الذّرّ فقال: {ألست بربّكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ثمّ أعادهم في صلب آدم،
[تفسير القرآن العظيم: 2/655]
ثمّ يكتب بعد ذلك العبد في بطن أمّه شقيًّا أو سعيدًا على ما في الكتاب الأوّل، فمن كان في الكتاب الأوّل شقيًّا عمّر حتّى
يجري عليه القلم، فينقض الميثاق الّذي أخذ عليه في صلب آدم بالشّرك فيكون شقيًّا، ومن كان في الكتاب الأوّل سعيدًا عمّر حتّى يجري عليه القلم فيؤمن فيصير سعيدًا، ومن مات صغيرًا من أولاد المؤمنين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنّة من ملوك أهل الجنّة لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم} [الطور: 21].
- قال يحيى: وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: توفّي بنيّ رجلٍ من الأنصار، فدنخ في بيته، أي: قعد في بيته، أي: قعد، فافتقده النّبيّ فسأل عنه قال سعدٌ: يا رسول اللّه، توفّي بنيّه فدنخ في بيته، ثمّ لقي سعدٌ الرّجل فقال: أمّا رسول اللّه فذكرك اليوم، فأتى الرّجل النّبيّ عليه السّلام فقال: يا رسول اللّه توفّي بنيّي، فقعدت في بيتي، فقال رسول اللّه: أما
ترضى أن تكفى مئونته في الدّنيا ولا تأتي على بابٍ من أبواب الجنّة إلا وجدته بإزائه ينتظر.
قال: وحدّثنيه الحسن، عن الحسن.
قال يحيى: ومن كان من أولاد المشركين، فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونوا من آبائهم في النّار لأنّهم ماتوا على الميثاق الّذي أخذ عليهم في صلب آدم، ولم ينقضوا الميثاق، فهم خدمٌ لأهل الجنّة.
- حدّثني الرّبيع بن صبيحٍ، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أطفال المشركين، فقال: لم تكن لهم
[تفسير القرآن العظيم: 2/656]
حسناتٌ، فيجزون بها، فيكونوا من ملوك أهل الجنّة، ولم تكن لهم سيّئاتٌ، فيعاقبوا بها، فيكونوا من أهل النّار، فهم خدمٌ لأهل الجنّة.
- قال الخليل بن مرّة، وهمّام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي مراية العجليّ، عن سلمان الفارسيّ، قال: أطفال المشركين خدمٌ لأهل الجنّة
قال الخليل: قال قتادة: فذكرت ذلك للحسن قال: وما تنكرون؟ قومٌ أكرمهم اللّه وأكرم بهم، يعني: أهل الجنّة.
- وحدّثني ابن أبي ذئبٍ، عن الزّهريّ، عن عطاء بن يزيد اللّيثيّ، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ عليه السّلام سئل عن أطفال المشركين، فقال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين.
قال يحيى: أي: لو بلغوا.
- وحدّثنا عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: " كلّ مولودٍ يولد على الفطرة حتّى يعبّر عنه لسانه، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه، قيل: يا رسول اللّه، فالّذي يموت صغيرًا؟ قال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين ".
- وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من في الجنّة، فقال: «النّبيّ في الجنّة، والشّهيد في الجنّة، والمولود في الجنّة، والموءودة في الجنّة».
[تفسير القرآن العظيم: 2/657]
وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: أربعةٌ يرجّون العذر يوم القيامة: من مات قبل الإسلام، ومن أدركه الإسلام وهو هرمٌ قد ذهب عقله، ومن ولدته أمّه لا يسمع الصّوت، والّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، فكلّ هؤلاء يرجّون العذر يوم القيامة، قال: فيرسل اللّه تبارك وتعالى إليهم رسولا، فيوقد نارًا فيأمرهم أن يقعوا فيها فمن بين واقعٍ ومن بين هاربٍ.
قال يحيى: بلغني أنّه من واقعها نجا من النّار، ومن لم يقعها دخل النّار.
قال يحيى: نرى أنّ الّذي ينجو من النّار: من ولدته أمّه لا يسمع الصّوت، والّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، والاثنان الآخران ليس لهما عذرٌ: الّذي مات قبل الإسلام، ومن أدركه الإسلام وهو هرمٌ قد ذهب عقله، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّهم ألفوا آباءهم ضالّين {69} فهم على آثارهم يهرعون {70}} [الصافات: 69-70].
- حمّاد بن سلمة، عن حمّاد بن أبي سليمان، أنّ أبا هريرة قال: ثلاثةٌ يحتجّون على اللّه يوم القيامة: رجلٌ مات في الجاهليّة، ورجلٌ أدرك الإسلام هرمًا، ومعتوهٌ أصمّ أبكم.
قوله عزّ وجلّ: {لا تبديل لخلق اللّه} [الروم: 30] لدين اللّه، كقوله: {إنّ عبادي} [الحجر: 42]، أي: المؤمنين {ليس لك عليهم سلطانٌ} [الحجر: 42] وكقوله: {من يهد اللّه فهو المهتد} [الكهف: 17] لا يستطيع أحدٌ أن يضلّه، وكقوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا} [النحل: 99].
قال: {ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} [الروم: 30] وهم المشركون). [تفسير القرآن العظيم: 2/658]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فطرت اللّه...} يريد: دين الله منصوب على الفعل، كقوله: {صبغة الله}, وقوله: {الّتي فطر النّاس عليها} يقول: المولود على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان ينصّرانه , أو يهوّدانه, ويقال : فطرة الله , أن الله فطر العباد على هذا: على أن يعرفوا أنّ لهم ربّاً ومدبّراً.). [معاني القرآن: 2/324]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها }, أي : صبغة الله التي خلق عليها الناس، وفي الحديث: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه الذين يهودانه , وينصرانه )), أي: على الملة , والصبغة, وهي واحدة وهي العهد الذي كان أخذه الله منهم ونصبوها على موضع المصدر وإن شئت فعلى موضع الفعل قال:
إنّ نزاراً أصبحت نزاراً= دعوة أبرارٍ دعوا أبرارا). [مجاز القرآن: 2/122]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فأقم وجهك للدّين حنيفاً فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} وقال: {فطرت اللّه} , فنصبها على الفعل , كأنه قال "فطر الله تلك فطرةً".). [معاني القرآن: 3/27]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين} وقال: {منيبين} على الحال لأنه حين قال: {فأقم وجهك} قد أمره , وأمر قومه حتى ؛ كأنه قال "فأقيموا وجوهكم منيبين".). [معاني القرآن: 3/27] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها}, أي : خلقة اللّه التي خلق الناس عليها، وهي: أن فطرهم جميعا على أن يعلموا أن لهم خالقا ومدبّرا, {لا تبديل لخلق اللّه} , أي : لا تغيير لما فطرهم عليه من ذلك. ثم قال عز من قائل: {ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} ). [تفسير غريب القرآن: 341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والخلق: الدّين، كقوله تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، أي لدين الله. وقال تعالى: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}، أي دينه: ويقال: تغيير خلقه بالخصاء وبتك الآذان، وأشباه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 507] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (30)} الحنيف : الذي يميل إلى الشيء , فلا يرجع عنه كالحنف في الرجل , وهو ميلها إلى خارجها خلقة, لا يملك الأحنف إن يردّ حنفه. وقوله عزّ وجلّ :{فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها} {فطرت اللّه}: منصوب بمعنى : اتبع فطرة اللّه، لأن معنى {فأقم وجهك}اتبع الدين القيّم, اتبع فطرة اللّه، ومعنى : فطرة الله : خلقة اللّه التي خلق عليها البشر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه .)). معناه: أن اللّه عزّ وجلّ فطر الخلق على الإيمان على ما جاء في الحديث، أن اللّه جل ثناؤه أخرج من صلب آدم ذريته كالذّرّ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم، قال اللّه عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} فكل مولود , فهو من تلك الذرية التي شهدت بأنّ اللّه خالقها. فمعنى {فطرت اللّه}:دين الله الذي فطر الناس عليه. وقوله عزّ وجلّ:{لا تبديل لخلق اللّه} أكثر ما جاء في التفسير أن معناه : لا تبديل لدين اللّه، وما بعده يدل عليه، وهو قوله: {ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}, أي : لا يعلمون بحقيقة ذلك.). [معاني القرآن: 4/184-185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها} الفطرة ابتداء الخلق , ومنه فاطر السموات , ومنه فطر ناب البعير , ومنه فطرت البئر, أي: ابتدأت حفرها. أي: ابتدأ خلقهم على أنهم يعلمون أن لهم خالقا ومدبراً. وفي الحديث , عن النبي صلى الله عليه وسلم :((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه, وينصرانه)). قال الأوزاعي, وحماد بن سلمة هذا مثل قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} والمعنى على هذا:كل مولود يولد على العهد الذي أخذ عليه. وفي الحديث: (( أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم العهد , فكل مولود يولد على ذلك العهد.)), وإن نسب عبادته إلى غير الله جل وعز أو ووصفه بغير صفته حتى يكون أبواه يعلمانه اليهودية , والنصرانية. وقيل : على الخلقة التي تعرفونها لا تميز شيئا .
وقال عبد الله بن المبارك : هذا لمن يكون مسلما يذهب إلى أنه مخصوص .
وقال محمد بن الحسن : هذا من قبل أن تنزل الفرائض , ويؤمر بالجهاد.
قال أبو جعفر : وأولاها القول الأول , وهو قول أهل السنة, وهو موافق للغة, ولا يجوز أن يكون منسوخا لأنه خبر , ولا يكون خاصا , وإنما أشكل معنى الحديث ؛ لأنهم تأولوا الفطرة على الإسلام , وإنما هي: ابتداء الخلق.). [معاني القرآن: 5/259-261]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِطْرَةَ اللَّهِ}: خلق الله.). [العمدة في غريب القرآن: 238]
تفسير قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {منيبين إليه} [الروم: 31] مقبلين إليه بالإخلاص، مخلصين له، وهذا تبعٌ للكلام الأوّل: {فأقم وجهك للدّين} [الروم: 30]، يعني: التّوحيد، وهو تفسير السّدّيّ {حنيفًا} [الروم: 30].
قال: {واتّقوه وأقيموا الصّلاة} [الروم: 31] المفروضة.
{ولا تكونوا من المشركين {31}). [تفسير القرآن العظيم: 2/659]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {منيبين...} منصوبة على الفعل، وإن شئت على القطع: فأقم وجهك , ومن معك منيبين , مقبلين إليه. وقوله: {ولا تكونوا من المشركين}, {من الّذين فارقوا دينهم} , فهذا وجهٌ.). [معاني القرآن: 2/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({منيبين إليه}: أي : راجعين تائبين.). [مجاز القرآن: 2/122]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين} وقال: {منيبين} على الحال؛ لأنه حين قال: {فأقم وجهك}, قد أمره , وأمر قومه حتى كأنه قال : "فأقيموا وجوهكم منيبين"). [معاني القرآن: 3/27]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {منيبين إليه} : أي : مقبلين إليه بالطاعة, ويقال: أناب ينيب، إذا رجع عن باطل الذي كان عليه.). [تفسير غريب القرآن: 341]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين (31)} {منيبين}: منصوب على الحال , بقوله: {فأقم وجهك}. زعم جميع النحويين أن معنى هذا : فأقيموا وجوهكم منيبين إليه، لأن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم يدخل معه فيها الأمة، والدليل على ذلك قوله: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء} وقوله :{منيبين}, معناه : راجعين إليه , إلى كل ما أمر به , ولا يخرجون عن شيء من أمره، فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن الطريقة المستقيمة في دين الإسلام هي : اتباع الفطرة , والتقوى مع الإسلام , وأداء الفرائض., وأنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد , فقال:{ولا تكونوا من المشركين (31) من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا كلّ حزب بما لديهم فرحون (32) }). [معاني القرآن: 4/185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} : منيبين إليه , أي: راجعين إليه بالطاعة . والمعنى : فأقيموا وجوهكم منيبين إليه.). [معاني القرآن: 5/261]
تفسير قوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} [الروم: 32] فرقًا.
وقال السّدّيّ: أحزابًا، يعني: أهل الكتاب.
{كلّ حزبٍ} [الروم: 32] كلّ قومٍ.
{بما لديهم} [الروم: 32] بما عندهم، أي: بما هم عليه.
{فرحون} [الروم: 32] يقول: راضون، وهو تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/659]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تكونوا من المشركين}{من الّذين فارقوا دينهم} فهذا وجهٌ. وإن شئت استأنفت, فقلت: {من الّذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون}. كأنك قلت: الذين تفرقوا , وتشايعوا , كلّ حزبٍ بما في يده فرح.). [معاني القرآن: 2/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({كانوا شيعاً}: أي: أحزاباً فرقا, {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون }, أي : كل شيعة , وفرقة بما عندهم ,{ فتمتعوا فسوف تعلمون}: مجازه مجاز التوعد , والتهدد , وليس بأمر طاعة , ولا فريضة.). [مجاز القرآن: 2/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفرح: الرضا؛ لأنه عن المسرة يكون، قال الله تعالى: {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} أي راضون، وقال: {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي رضوا). [تأويل مشكل القرآن: 491]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {ولا تكونوا من المشركين (31) من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا كلّ حزب بما لديهم فرحون (32)} {فارقوا دينهم}, وقرئت:{فرّقوا دينهم} {وكانوا شيعا}: فرقا، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ بالاجتماع , والألفة , ولزوم الجماعة، والسنة في الهداية، والضلالة : هي الفرقة. وقوله عزّ وجلّ: {كل حزب بما لديهم فرحون} : أي : كل حزب من هذه الجماعة الذين فارقوا دينهم فرح , يظن: أنه هو المهتدي.). [معاني القرآن: 4/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ومعنى {كل حزب بما لديهم فرحون} : كل يقول: إني على الهدى.). [معاني القرآن: 5/262]