العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:46 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (113) إلى الآية (126) ]

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}

قوله تعالى: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ لنا لأجرًا إن كنّا نحن الغالبين (113).
[معاني القراءات وعللها: 1/416]
قرأ ابن كثير ونافع وحفص (إنّ لنا لأجرًا) بكسر الألف على الإخبار ها هنا، وفي الشعراء على الاستفهام، وقرأ الباقون بالاستفهام في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ (إنّ لنا لأجرًا) فهو إيجاب، ومن قرأ (أين لنا)، أو (أإنّ لنا لأجرًا) فعلى الاستفهام، وهما ألفان: إحداهما ألف الاستفهام، والأخرى ألف (إنّ)، وهي أجود القراءتين). [معاني القراءات وعللها: 1/417]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {إن لنا لأجرا} [113].
قرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم {إن لنا} على لفظ الخبر «فإن» حرف أداة تؤكد الخبر، تنصب الاسم وترفع الخبر، وقرؤا في (الشعراء) {أئن} بالاستفهام، فلما اجتمعت همزتان لينوا الثانية.
وقرأ أبو عمرو كليهما بالمد على الاستفهام.
وقرأ الباقون {أئن} بهمزتين على الأصل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/200]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الاستفهام والخبر في قوله: أئن لنا لأجرا [الأعراف/ 113].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص هاهنا إن لنا لأجرا مكسورة الألف على الخبر، وفي الشعراء: آين لنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/64]
[الآية/ 41] ممدودة مفتوحة الألف غير أنّ حفصا روى عن عاصم في الشعراء أئن لنا لأجرا بهمزتين.
وقرأ أبو عمرو آئن لنا ممدودة في السورتين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر فيما أرى وحمزة والكسائي بهمزتين. في الموضعين جميعا.
[قال أبو علي]: الاستفهام أشبه في هذا الموضع، لأنّهم يستعلمون عن الأجر، وليس يقطعون على أنّ لهم الأجر.
ويقوي ذلك إجماعهم في الشعراء، وربّما حذفت همزة الاستفهام.
قال أبو الحسن في قوله عزّ وجلّ وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل [الشعراء/ 22]، أنّ من الناس من يذهب إلى أنّه على الاستفهام، وقد جاء ذلك في الشعر قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/65]
أفرح أن أرزأ الكرام وأن... أورث ذودا شصائصا نبلا
وهذا أقبح من قوله:
وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر... أتوني فقالوا من ربيعة أم
مضر لأنّ أم قد تدلّ على الهمزة). [الحجة للقراء السبعة: 4/66]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا إن لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين}
قرأ نافع وابن كثير وحفص {قالوا إن لنا لأجرا} على الخبر
وقرأ أبو عمرو (إين لنا) بالمدّ وقرأ هشام بهمزتين بينهما مدّة وقرأ الباقون {أئن} بهمزتين وقد كرنا الحجّة عند قوله {أئنكم لتأتون الرّجال} ). [حجة القراءات: 292]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {إن لنا لأجرًا} قرأه الحرميان وحفص بهمزة واحدة، على لفظ الخبر، وقرأ الباقون بالاستفهام، ع لى أصل كل واحد، كما ذكرنا في {أئنكم لتأتون}، أبو عمرو يلين الثانية، ويدخل بين الهمزتين ألفًا، وهشام يحقق الهمزتين ويدخل بين الهمزتين ألفًا وقد تقدم ذكر العلة في إدخال الألف بين الهمزتين، وأنه فعل ذلك لاستثقاله الجمع بين الهمزتين، وأن التخفيف للثانية كالتحقيق، والاستثقال باق؛ لأنها بزنة المخففة، ولأنها مرادة.
وحجة من قرأ بهمزة واحدة أنه أراد به الإلزام، وذلك أنهم ألزموا فرعون أن يجعل لهم أجرًا إن غلبوا، فقال لهم، نعم، لم يستفهموه عن ذلك، إنما ألزموه إياه، وقيل: إنهم قطعوا ذلك لأنفسهم في حكمهم إن غلبوا، فلهم الأجر عند أنفسهم، فلا معنى للاستفهام على هذا المعنى، والمعنى أنهم قالوا: يجب لنا الأجر إن غلبنا.
32- وحجة من استفهم أنه أجراه على معنى الاستخبار، استخبروا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/472]
فرعون: هل يجعل لهم أجرًا إن غلبوا أو لا يجعل ذلك لهم، لم يقطعوا على فرعون بذلك، إنما استخبروه هل يفعل ذلك، فقال: نعم، لكم الأجر والقرب إن غلبتم، وكلا الوجهين حسن، والاستفهام أولى به، وأحب إلي، لأن القراءة الأولى يجوز أن تكون على وجه الاستفهام أيضًا، لكنه حذفت الألف، لدلالة الحال على ذلك، ولقول فرعون لهم: نعم، وزادهم القرب منه، ويقوي ذلك إجماعهم على لفظ الاستفهام في الشعراء في {أئن لنا لأجرا} «42» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/473]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} [آية/ 113] بكسر الألف على الخبر:
قرأها ابن كثير ونافع وعاصم -ص-، وقرءوا في الشعراء {أَيِنَّ} على الاستفهام.
والوجه أنه جاء به على الخبر؛ لأن المعنى إن كنا غالبين فإن لنا أجرًا أي استحققناه، أراد إن غلبنا استحققنا الأجر.
وقرأ الباقون {أَئِنَّ لَنَا} بالاستفهام في السورتين، وقد مضى حكم الهمزتين.
والوجه في الاستفهام أنهم استخبروا عن حصول الأجر لهم ولم يقطعوا بحصوله، والمراد هل تجعل لنا أجرًا إن غلبنا؟ وهذا أليق القراءتين بالمعنى). [الموضح: 547]

قوله تعالى: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}

قوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) }

قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تلقف ما يأفكون (117).
قرأ حفص عن عاصم (تلقف) حيث كانت، وقرأ الباقون (تلقّف) مشددة.
[معاني القراءات وعللها: 1/417]
قال أبو منصور: من قرأ (تلقف) فهو من لقفت الشيء ألقفه لقفا، وهو: أخذ الشيء بحذق في الهواء. ورجلٌ ثقفٌ لقفٌ، إذا كان حاذقًا، وبعضهم يقول: ثقفٌ لقفٌ.
ومن قرأ (تلقّف) فمعناه: تلتهم العصي والحبال التي تخيّلت بسحر السحرة أنها حيات، ولم تكن بحيات، وتلقفت الشيء تلقفا وتزقفته تزقفًا، إذا أخذته في الهواء). [معاني القراءات وعللها: 1/418]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {فإذا هي تلقف} [117].
روى حفص عن عاصم: {تلقف} بسكون اللام وتخفيف القاف من لقف يلقف مثل علم يعلم، ومعناه: يلتقم الشيء ويلتهمه، وذلك أن موسى عليه السلام لما عاين السحرة وكيدهم وما قد اختلقوه ألقى عصاه فإذا هي حية يبتلع ما صنعوه.
وقرأ الباقون: {تلقف} أرادوا: تتلقف فخزلوا إ حدى التاءين مثل: {يذكر} {وتساقط} فيمن خفف.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/200]
وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزة {فإذا هي تلقف} بتشديد التاء؛ أراد: تتلقف فأدغم، ومثله {نارا تلظى} {ولا تنابزوا بالألقاب} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/201]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: تلقف* بتشديد القاف إلّا عاصما؛ فإنّه قرأ: تلقف ساكنة اللّام خفيفة القاف [الأعراف/ 117].
أبو عبيدة: تلقف، وتلقم واحد، قال: ما يأفكون ما يسحرون.
وما روي عن عاصم من قراءته: تلقف ينبغي أن يكون مضارع لقف* مثل لقم يلقم.
وروى ابن أبي بزّة وعبد الوهاب بن فليح، بإسنادهما عن ابن كثير فإذا هي تلقف* مشددة التاء.
وكان قنبل يروي عن القواس بإسناده عن ابن كثير أنّه قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 4/66]
تلقف* خفيفة التاء مشددة القاف في هذه وأخواتها، في كلّ القرآن.
كأنّه لفظ بها بألف ولام، هي تلقف*، فإذا ابتدأت تلقف* ابتدأت بها خفيفة التاء، ولا يمكن غير ذلك.
[قال أبو علي] وجه ما روي عن ابن كثير: فإذا هي تلقف* أنّه أدغم بالتاء، فسكنت المدغمة ولو كان هذا في الماضي، لاجتلبت له همزة الوصل مثل: فادارأتم فيها [البقرة/ 72]، وازينت [يونس/ 24]، ولكن همزة الوصل، لا تجتلب في المضارع لمشابهتها اسم الفاعل، وإن آخره معرب.
فإذا ابتدأ بها قال: تلقف* يثبت التاء التي للمضارعة، ويحذف التاء التي للمطاوعة في تفعّل، وليس القياس أن تجتلب في المعرب همزة الوصل، والأسماء التي
جاء ذلك فيها وليست بجارية على الأفعال شاذّة في القياس قليلة). [الحجة للقراء السبعة: 4/67]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإذا هي تلقف ما يأفكون}
قرأ حفص عن عاصم {فإذا هي تلقف} ساكنة اللّام من لقفت الشّيء ألقفه
وقرأ الباقون {تلقف} بالتّشديد من تلقف يتلقف على وزن تعلم يتعلّم والأصل تتلقف فحذفوا إحدى التّاءين مثل تذكرون و{يوم يأت لا تكلم} أي لا تتكلّم
وقرأ البزي {فإذا هي تلقف} بتشديد التّاء أراد تتلقف فأدغم التّاء في التّاء وكذلك في طه). [حجة القراءات: 292]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (33- قوله: {فإذا هي تلقف} قرأ حفص بإسكان اللام والتخفيف، حيث وقع، جعله مستقبل «لقف يلقف»، وقرأ الباقون بالتشديد، وفتح اللام، جعلوه مستقبل «فهي تتلقف»، وحذفت إحدى التاءين استخفافًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/473]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} [آية/ 117] ساكنة اللام مخففة القاف:-
قرأها عاصم وحده - ص -، وكذلك في طه والشعراء.
[الموضح: 547]
والوجه أنه مضارع لقفت تلقف مثل لقمت تلقم، وأصل اللقف: أخذ الشيء بالحذق في الهواء، يقال رجل ثقف لقف إذا كان حاذقًا.
وقرأ الباقون و- ياش- عن عاصم {تَلْقَفُ} مفتوحة اللام مشدّدة القاف في المواضع الثلاثة.
والوجه أنه مضارع تلقفت على تفعلت، وأصله: تتلقف، فحذف إحدى التاءين كراهة اجتماعهما، والمحذوفة هي تاء تفعل لا تاء المضارعة؛ لأن تاء المضارع تؤدي معناها فلا تحذف.
وشدد التاء من {تَلْقَفُ} ابن كثير في رواية البزي في المواضع الثلاثة، وخففها الباقون.
والوجه أن ابن كثير أدغم التاء في التاء حين اجتمعتا، ولم يحذف إحداهما، كما في القراءة المتقدمة، فإذا ابتدأ بها حذف إحدى التاءين ولم يدغم، ولا يجوز اجتلاب ألف الوصل لها ههنا، كما جاز في مثل {ادَّارَأْتُمْ لأنها في المضارع، وإنما يجوز في الماضي لا في المضارع). [الموضح: 548]

قوله تعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)}

قوله تعالى: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)}

قوله تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)}

قوله تعالى: {قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121)}

قوله تعالى: {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}

قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال فرعون آمنتم به... (123).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (ءامنتم) بهمزة مطولة على الاستفهام، ومثله في سورة طه والشعراء وروى قنبل عن ابن كثير (قال فرعون وامنتم) بواو بعد النون وألف مقصورة بعد الواو، وفي طه (آمنتم) على لفظ الخبر، وفي الشعراء "ءامنتم " مثل أبي عمرو، قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي "أآمنتم" بهمزتين، الثانية ممدودة، هذه رواية الأعشى عن أبي بكر عن عاصم، ولا يذكرها يحيى ولا غيره عن أبي بكر إلا الأعشى.
وقرأ عاصم (آمنتم) على لفظ الخبر في الثلاثة المواضع، وكذلك روى ورش عن نافع مثل حفص، وروى هبيرة عن حفص في الشعراء بهمزتين.
[معاني القراءات وعللها: 1/418]
قال أبو منصور: من قرأ (آمنتم) بوزن (عامنتم) فلفظه لفظ الخبر، ومعناه للاستفهام، إلا أنه حذف إحدى الهمزتين.
ومن قرأ (أآمنتم) بوزن (أعامنتم) بهمزة مطولة فهو استفهام، جعل إحدى الهمزتين ألفا مطولة فرارًا من الجمع بين الهمزتين.
ومن قرأ (أآمنتم) بهمزتين، الثانية ممدودة فإنه جعل الهمزة الثانية ألفا ممدودة كراهية الجمع بين الهمزتين أيضًا.
وكل ذلك جائز.
أما ما روى لابن كثير (قال فرعون وامنتم به) فإني لا أعرفها، ولا أحبّ القراءة بها؛ لأن الواو زيادة في المصحف، ولعل بعض العرب يتكلم بها، ويجعل الواو بدلاً من الهمز). [معاني القراءات وعللها: 1/419]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {وقال فرعون ءامنتم به} [123].
فيه خمس قراءات:
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي {ءاامنتم} بثلاث ألفات، الهمزة الأولى توبيخ في لفظ الاستهام.
والثانية: ألف القطع.
والثالثة سنخية، والأصل فيه دخول التوبيخ {ءأامنتم} بهمزة بعدها ألف ملينة، الأصل: اآمنتم فخفف مثل آدم وآزر.
وقرأ أبو عمرو ونافع بتليين الثانية والثالثة {آامنتم}.
وروى حفص عن عاصم: {قال فرعون ءامنتم} على لفظ الخبر بغير استفهام، فقال الفراء: آمنتم: صدقتم وآامنتم بالاستفهام أجعلتم له الذي أراد.
وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزة عن أبي الإخريط: {قال فرعون وآمنتم} يلفظه كالواو ولا همزة بعدها، فيكون هذا على أن أشبع ضمة نون فرعون حتى صارت كالواو، كما روى ورش عن نافع: {نعبدو وإياك نستعين}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/201]
بإشباع الضمة وهو لغة للعرب، قال زيدو، وجاءني بكرو، وقال الأعشى:
* ويلي عليك وويلي منك يا رجلو *
{وءامنتم} على الخبر.
وروى قنبل عن ابن كثير: {قال فرعون وأمنتم به} بواو بعدها همزة ساكنة. فقال ابن مجاهد رحمه الله: خطأ.
وله عندي وجه في العربية، وذلك: أنه لين ألف القطع التي هي همزة فصارت واوًا؛ لانضمام ما قبلها فرجعت الهمزة التي هي فاء الفعل قبل أن تلين كما تقول: أؤمر، من أمر يأمر جعلت الهمزة التي هي فاء الفعل واوًا، لانضمام ما قبلها فإن ذهبت ألف الوصل رجعت الهمزة فقلت: {وأمر أهلك بالصلواة}.
فإن قال قائل: فإن الواو إذا كانت ملينة من همزة يجب أن تكون ساكنة؟
فالجواب في ذلك أن الواو الساكنة إذا لقيها ساكن آخر حركت لالتقاء الساكنين، وكذلك الياء نحو: {لترون الجحيم} و{فإما ترين من البشر}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/202]
فإن قيل: فهلا حركتها بكسر أو ضم؟
فالجواب في ذلك: أن الكسرة والضمة تستثقلان على الواو حتى تصير همزة.
وعلة أخرى: أن قبل الواو ضمة فكرهوا الخروج من كسر إلى ضم فافهم ذلك فإنه لطيف جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: قال فرعون آمنتم به [الأعراف/ 123].
فقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر أآمنتم به بهمزة ومدة على الاستفهام.
قياس قول أبي عمرو: أآمنتم بهمزة مفتوحة بعدها ألف، والألف التي بعدها هي الألف التي تفصل بها بين الهمزتين، كما يفصل بين النونات في «اخشينانّ» والهمزة الثانية التي بعد هذه الألف هي همزة أفعل في قولك: أأمن، والألف بعدها هي المنقلبة عن الفاء التي هي همزة لاجتماع همزتين في: أأمن أوقعت الألف بعد الهمزة المخففة، كما وقعت بعد الهمزة. [إذا قلت]: اقرأ آية فحققت الهمزتين جميعا، هذا قياس قوله، إلّا أنّه يشبه أن يكون ترك قياس قوله هاهنا؛ لما كان يلزم من اجتماع المتشابهة؛ فترك الألف التي تدخل بين الهمزتين في نحو: «آأنت». وخفف الهمزة الثانية، التي هي همزة أفعل من أأمن، وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء، يدلّ على ذلك قولهم فيما ترجموا عنه بهمزة ومدّة على الاستفهام، وكذلك ما ترجموا عنه من قولهم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/68]
وكذلك في طه [71]، والشعراء [49] في تقدير همزة بعدها ألفان.
فالهمزة همزة الاستفهام، والألفان الأولى منهما: الهمزة المخففة التي هي في أفعلتم والثانية المنقلبة عن الفاء.
قال: وقال البزيّ عن أبي الإخريط عن ابن كثير قال فرعون وآمنتم [الأعراف/ 123]. بواو بعد النون بغير همزة.
القول فيه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام اللاحقة لأفعلتم، واوا لانضمام ما قبلها، وهي النون المضمومة في قوله: فرعون، وهذا في المنفصل كالمتصل في تودة، فقوله:
.. ن وا.. مثل: تود من تودة، وقوله: بغير همزة يريد بغير همزة بعد الواو المنقلبة عن همزة الاستفهام، يريد أنّه خفّف همزة أفعلتم، من آمنتم فجعلها بين الهمزة والألف، وهذا على قول أهل الحجاز؛ لأنّهم يخفّفون الهمزتين إذا اجتمعتا، كما يخففون الواحدة.
قال أحمد بن موسى: قال قنبل عن القواس مثل رواية البزيّ عن أبي الإخريط، غير أنّه كان يهمز بعد الواو.
[الحجة للقراء السبعة: 4/69]
قال أبو علي: همز بعد الواو لأنّ هذه الواو هي منقلبة عن همزة الاستفهام وبعد همزة الاستفهام همزة أفعلتم، فحقّقها ولم يخفّفها كما خفّف في القول الأول لمّا خفف الأولى حقّق الثانية.
ووجهه [أن الأول لما زال عن لفظة الهمزة] بانقلابها واوا حقّق الهمزة بعدها، لأنّه لم يجتمع همزتان.
ووجه القول الأول أنّ الواو لمّا كان انقلابها عن الهمزة في تخفيف قياسي كان في حكم الهمزة، فلم تحقّق معها الثانية، كما لا تحقق مع الهمزة نفسها، لأنّ الواو في حكمها، كما أنّها لما كانت في حكمها في قولهم: رويا* في تخفيف رؤيا* لم يدغموها في الياء، كما لم تدغم الهمزة فيها، وكما جعلوا الواو في حكم الهمزة في رويا، فلم تدغم كذلك جعل الواو في قوله نوا* من قوله قال فرعون وامنتم في حكم الهمزة؛ فخفف الهمزة الثانية التي في أفعلتم.
قال أحمد: وقال قنبل في طه: ءامنتم [71] بلفظ الخبر من غير مدّ.
[قال أبو علي]: وجه الخبر فيه أنّه يخبرهم بإيمانهم على وجه التقريع لهم بإيمانهم والإنكار له عليهم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/70]
ووجه الاستفهام أنّه استفهام على وجه التقرير، يوبّخهم به وينكره عليهم.
قال قنبل في الشعراء: قال: أآمنتم مثل أبي عمرو ويمدّ.
[قال أبو علي]: يريد أنّه يزيد الاستفهام، فألحق همزة الاستفهام وخفف همزة أآمنتم وهي الهمزة التي بعد همزة الاستفهام، وتخفيفها أن تجعل بين بين.
وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الثلاثة: أآمنتم بهمزتين، الثانية ممدودة.
[قال أبو علي]: حقّقا الهمزتين على ما يريانه من تحقيقهما، والهمزة الثانية ممدودة لأنّ الهمزة الثانية تتصل بها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء في الأمر.
وما بعد هذا روايات لا عمل فيها). [الحجة للقراء السبعة: 4/71]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فرعون آمنتم به}
[حجة القراءات: 292]
قرأ ورش عن نافع وحفص {قال فرعون آمنتم به} على لفظ الخبر بغير استفهام أي صدقتم به وقرأ نافع والبزي عن ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {قال فرعون آمنتم} بالهمز والمدّ على الاستفهام أي أجعلتم له الّذي أراد في {آمنتم} ثلاث ألفات ألف الاستفهام بمعنى التوبيخ والألف الوسطى ألف افعل وهي ألف القطع والأخيرة فاء الفعل والأصل قبل دخول ألف التوبيخ ءامنتم بهمزة بعدها ألف ملينة الأصل أأمنتم فخفف مثل آدم
قرأ ابن كثير في رواية القواس (قال فرعون وامنتم) بواو في اللّفظ إذا وصل ولا يهمز واعلم أن هذه الهمزة إذا خففت لم تكن بين بين بل تنقلب واوا لأن جعلها بين بين هو أن تكون الهمزة والألف والألف لا تقع قبلها ضمة فمنعت ضمة النّون في {قال فرعون} أن تجعل الهمزة بين بين وجرت مجرى الهمة في جؤن إذا خففت قلبت واوا فتقول جون وكذلك كل همزة مفتوحة قبلها ضمة فإنّك إذا خففتها قلبتها واوا مثل (لا يواخذكم الله) و(المولفة)
وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر (قال فرعون أآمنتم) بهمزتين وحجتهم أن الهمزة حرف من حروف المعجم كغيره من سائر الحروف جاز الجمع بينهما نحو ما يجتمع في الكلمة حرفان فيؤتى بكل واحد منهما من غير تغيير كقوله {لعلّكم تتفكرون} فجعلوا
[حجة القراءات: 293]
الهمزتين كغيرهما من سائر الحروف). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (34- قوله: {قال فرعون أامنتم به} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي في هذا الموضع وفي طه والشعراء بهمزتين محققتين بعدهما ألف، بدل من همزة ساكنة، هي فاء الفعل، لأن أصله ثلاث همزات: همزة الاستفهام مفتوحة، وهمزة ألف القطع ألف الفعل مفتوحة، وهمزة هي فاء الفعل ساكنة أبدل منها ألف على أصل بدلها في «آدم وآتى» وشبهه، فهؤلاء قرأوا على الأصل، كما فعلوا في «أأنذرتهم» وشبهه، ولم يستثقلوا اجتماع همزتين محققتين؛ لأن الأولى كأنها من كلمة أخرى، لأنها دخلت زائدة قبل أن لم تكن، وقرأ حفص في الثلاثة المواضع بهمزة واحدة، بعدها ألف، على لفظ الخبر الذي معناه الاستفهام، وإنما حذفت ألف الاستفهام من اللفظ استخفافًا، وحسن ذلك، لأن ما في الكلام من معنى التوبيخ والتقريع، من فرعون للسحرة، يدل على الاستفهام الذي معناه الإنكار منه لفعلهم الإيمان، وقرأ قنبل في الأعراف بالاستفهام أيضًا، غير أنه قرأ بواو في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/473]
الوصل، بدل من الهمزة الأولى، لانضمام ما قبلها، وهي مفتوحة، وخفف الثانية بين بين، إرادة التخفيف؛ لأن الأولى تخفيفها عارض، فكأنها مخففة، فخفف الثانية، كما يفعل إذا حقق الأولى، على الأصل، وأبدل من الثانية ألفًا، لأنها ساكنة قبلها فتحة، وقرأ في طه بهمزة واحدة، بعدها ألف، على لفظ الخبر، كفحص، وقد ذكرنا وجه ذلك، وقرأ في الشعراء بهمزة محققة وبعدها همزة بين بين، وبعدها ألف بدل من الساكنة، وكذلك يفعل إذا ابتدأ في الأعراف، وقرأ الباقون في الثلاثة كقراءة قنبل في الشعراء، استثقلوا اجتماع همزتين محققتين فخففوا الثانية، على أصل التخفيف في المفتوحة، قبلها فتحة، وقد تقدم كثير من علل هذا النوع في تحقيقه وتخفيفه، فلذلك خففنا الكلام عليه في هذا المواضع، فاطلبه في الأصول تجده مشروحًا بابين من هذا، وفيما ذكرنا في هذا الموضع كفاية لمن فهم، والاختيار فيه كالاختيار في «أأنذرتهم»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/474]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم} [آية/ 123] بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام:
قرأها ابن كثير في رواية البزي، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب- يس-، وكذلك في طه والشعراء.
والوجه أن أصله {أآمنتُم} بهمزة استفهام قبل همزة آمن، وهمزة آمن بعدها ألف هي أيضًا منقلبة عن همزة هي فاء الفعل في الأمن أو الأمان، فقد اجتمعت همزتان وألف ساكنة فخففوا الثانية منهما فحصلت همزة وألفان، وإنما خففوا هذه الثانية كراهية اجتماع الهمزتين.
وقرأ عاصم- ياش- وحمزة والكسائي ويعقوب- ح- {أأمنْتُمْ} مستفهمة بهمزتين بعدهما ألف.
والوجه أن الهمزتين أعني همزة الاستفهام وهمزة آمن، كلتاهما محققتان على أصلهما؛ لأن من عادة هؤلاء تحقيق الهمز.
وأما المدة التي بعد الهمزة الثانية فإنها الألف التي تتصف بالهمزة في آمن، وهي ألف منقلبة عن همزة هي فاء الفعل كما قدمنا.
وروى- ص- عن عاصم {آمَنتُم} على الخبر بوزن عامنتم في الأحرف الثلاثة.
[الموضح: 549]
والوجه أنه إخبار على وجه التوبيخ والتقريع، كما أن الاستفهام في الوجهين المتقدمين على وجه التقريع والتوبيخ والإنكار.
وروى- ل- عن ابن كثير {وآمَنتُم} بواو بعد نون {فِرْعَوْنُ} وهمزة بعد الواو.
والوجه أنه قلب همزة الاستفهام واواً لانضمام ما قبلها وهو النون من {وَامَنْتُم}، ثم ترك همزة أفعلتم على أصلها محققة ولم يخففها؛ لأنه لم تجتمع همزتان بعد قلب الأولى منهما واواً.
وروى المطوعي عن قنبل أيضًا {وامنتم} بواو بعد النون بغير همزة، وهو الصحيح عنه.
والوجه أنه أبدل من همزة الاستفهام واواً لضمة النون على ما سبق، ثم جعل همزة أفعلتم بين بين أعني بين الهمزة والألف؛ لأن الواو المنقلبة عن الهمزة في حكم الهمزة، فكأنه اجتمعت همزتان، فلهذا خفف الثانية ولم يحقق). [الموضح: 550]

قوله تعالى: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}

قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}

قوله تعالى: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:47 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (127) إلى الآية (129) ]

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (واجتمع القراء على نصب قوله: (ويذرك وآلهتك... (127).
واختلف النحويون في علة نصبه، فقال الفراء: هو منصوب على الصرف ومعناه الحال.
[معاني القراءات وعللها: 1/419]
وقال ابن الأنباري: كأنه قال: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض في حال تركه إياك.
وقال الزجاج: نصبه ردٌّ على جواب الاستفهام بالواو.
وقال ابن اليزيدي: نصبه على العطف على قوله: (ليفسدوا في الأرض).
وروي عن ابن عباس أنه قرأ (ويذرك) رفعًا (وإلاهتك)، أي وعبادتك.
وقال الفراء: الرفع معطوف على قوله (أتذر)، أتبع آخر الكلام أوله). [معاني القراءات وعللها: 1/420]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سنقتّل أبناءهم... (127) و(يقتّلون أبناءكم).
قرأ ابن كثير (سنقتل أبناءهم) خفيفة، و(يقتّلون أبناءكم) مشددة، وخففهما معًا نافع.
وشددهما الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/420]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {سنقتل أبناءهم} [127] {ويقتلون أبناءكم} [141].
قرأهما نافع بالتخفيف.
وقرأهما الباقون بالتشديد جعلوه من التقتيل مرة بعد مرة. غير أن ابن كثير كان يخفف {سنقتل} ويثقل: {ويقتلون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله عز وجل: سنقتل أبناءهم [الأعراف/ 127] ويقتلون أبناءكم [الأعراف/ 141].
فقرأ ابن كثير: سنقتل خفيفة، ويقتلون مشددة؛
[الحجة للقراء السبعة: 4/71]
وشدّدهما جميعا أبو عمرو وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، وخفّفهما جميعا نافع، يقتلون* وسنقتل [بالتخفيف].
[قال أبو علي] التثقيل حسن. لأنّه يراد به الكثير، والتثقيل لذا المعنى أخصّ، والتخفيف يقع على التكثير، وغيره؛ فمن خفّف فلأنّه يصلح للتكثير أيضا، ومن جمع بين التخفيف والتثقيل كان آخذا بالوجهين). [الحجة للقراء السبعة: 4/72]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -عليه السلام- وابن عباس وابن مسعود وأنس بن مالك وعلقمة والجحدري والتيمي وأبي طالوت وأبي رجاء: [وَيَذَرَكَ وَإلَاهَتَكَ].
وقرأ: [ويَذَرْكَ] -بإسكان الراء- الأشهب.
وقرأ: [ويذرُك] نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف.
قال أبو الفتح: أما [إلَاهَتَك] فإنه عبادتك، ومنه الإله؛ أي: مستحق العبادة، وقد سميت الشمس إِلاهَة وأَلاهة؛ لأنهم كانوا يعبدونها، ويقال: تَأَلَّه تألهًا. قال رؤبة:
سبَّحن واسترجعن من تألهي
[المحتسب: 1/256]
أي: عبادتي، ويقال: لاهِ أبوك، ولهْ أبوك، ولَهْيَ أبوك ولَهِ أبوك، وفي تصريفها بعض الطول؛ فندعه تخفيفًا.
وأما [ويذَرُك] بالرفع فعلى الاستئناف أي: فهو يذرك.
وأما [يذَرْك] بالإسكان فيمن [يذَرُك]، كقراءة أبي عمرو: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرْكُمْ].
وحكى أبو زيد: [رُسُلْنا] بإسكان اللام استثقالًا للضمة مع توالي الحركات، ولم يسكن أبو عمرو [يَأْمُرُهم] كما أسكن [يأمرُكم]؛ وذلك لخفاء الهاء وخفتها فجاء الرفع على واجبه. وليست الكاف في [يأمركم] بخفِّيه ولا خفيفة خفة الهاء ولا خفاءها، فثقل النطق بها فحذف ضمتَها). [المحتسب: 1/257]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال سنقتل أبناءهم}
قرأ نافع وابن كثير {قال سنقتل أبناءهم} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد لكثرة القتل مرّة بعد مرّة فأكثر ما تكلم به العرب التّشديد ومن خفف فإنّه أراد مرّة واحدة). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {سنقتل أبناءهم}، و{يقتلون أبناءكم} قرأ الحرميان «سنقتل» بفتح النون والتخفيف، جعلاه من «قتل» الذي يدل على القلة والكثرة، وقرأ الباقون بضم النون والتشديد، جعلوه من «قتل» الذي يدل على معنى التكثير مرة بعد مرة، وقرأ نافع «يقتلون» بفتح الياء والتخفيف، جعله من «قتل يقتل» فهو يدل على القلة والكثرة، وقرأ الباقون بضم الياء والتشديد، جعلوه «قتل» إذ فيه معنى التكثير، قتل بعد قتل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/474]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ} [آية/ 127] بالتخفيف:
قرأها نافع، وكذلك {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وتابعه ابن كثير على {سَنُقَتِّلُ} فخففها وشدد {يُقَتِّلُونَ}.
[الموضح: 550]
وقرأ الباقون{سَنُقَتِّلُ} و{يُقَتِّلُونَ} بالتشديد فيهما.
والوجه أن التخفيف يصلح للقليل والكثير، والتثقيل يختص التكثير، وقد ذكرنا ذلك في مواضع). [الموضح: 551]

قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء... (128)
روى هبيرة عن حفص (يورّثها من يشاء) بفتح الواو، وتشديد الراء. والباقون على (يورثها).
قال أبو منصور: هما لغتان: ورّثت وأورثت، والأجود يورثها، كما قال: (وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون) ). [معاني القراءات وعللها: 1/421]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {يورثها من يشاء من عباده} [128].
روى حفص عن عاصم في رواية هبيرة {يورثها} بفتح الواو وتشديد الراء من ورث يورث كأنه مرة بعد أخرى.
وقرأ الباقون {يورثها} بالتخفيف من أفعل يفعل، وهو الاختيار؛ لأن شاهده قوله تعالى: {كذلك وأورثناها} {وأورثنا القوم الذين كانوا} [137] [كأن حفصًا] ذهب إلى قوله في الحديث «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» هكذا لفظ الحديث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: يورثها [128] ساكنة الواو خفيفة الراء، وكذلك في مريم [63].
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه: يورثها خفيفة مثل حمزة.
وأخبرني الخزّاز-[أحسبه] أحمد بن علي- عن هبيرة عن حفص عن عاصم يورثها مشدّدة الراء، ولم يروها [عن عاصم] عن حفص غير هبيرة، وهو غلط، والمعروف عن عاصم يورثها خفيفة. وفي سورة مريم لم يختلفوا في قوله: تلك الجنة التي نورث [الآية/ 62]، أنّها خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/72]
قال أبو علي: حجة التخفيف قوله: وأورثكم أرضهم وديارهم [الأحزاب/ 27]، وقوله: كذلك وأورثناها قوما آخرين [الدخان/ 28]، وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون [الأعراف/ 137].
ووجه التشديد أنّك تقول: ورث زيد مالا، وفي التنزيل:
وورثة أبواه [النساء/ 11]؛ فهو متعدّ فنقول في نقله بالهمزة وبتضعيف العين والتخفيف أولى لمجيء التنزيل عليه.
قال أبو زيد: ورث الرجل أباه يرثه وراثة، وميراثا، وورثا، وأورث الرجل ابنه مالا إيراثا حسنا، وورّث الرجل بني فلان ماله توريثا، وذلك إذا أدخل في ماله على ورثته من ليس منهم، فجعل له نصيبا.
قال أبو علي: فالقراءة بالتثقيل على وجه ما حكاه أبو زيد، وحملها عليه بعيد، ولكنّه يكون على قول الأعشى:
مورّثة مالا وفي الحي رفعة). [الحجة للقراء السبعة: 4/73]

قوله تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:49 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (130) إلى الآية (133) ]

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}

قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [إنما طَيْرُكُمْ عند الله].
قال أبو الفتح: الطير جمع طائر في قول أبي الحسن، وفي قول صاحب الكتاب: اسم للجمع، بمنزلة الجامل والباقر غير مكسَّر.
وروينا عن قطرب في كتابه الكبير أن الطير قد تكون واحدًا، كما أن الطائر الذي يقرأ به الجماعة واحد، وعلى أنه قد يكون الطائر جِمَاعًا بمنزلة الجامل والباقر. وأنشد ابن الأعرابي:
وبالعثانين وبالحناجر ... كأنه تَهتانُ يومٍ ماطرِ
على رءوسٍ كرُءوس الطائر). [المحتسب: 1/257]

قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}

قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [عَلَيْهِمُ الْقَمْل] بفتح القاف، وسكون الميم.
قال أبو الفتح: [القَمْل] هنا: هو هذا المعروف، ولا يجوز أن يكون تحريف القُمَّل، ولا لغة
[المحتسب: 1/257]
فيه، كالجمْل والْجُمَّل في قراءة من قرأ: [حَتَّى يَلِجَ الْجَمْلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ]؛ لأن لهذا وجهًا قائمًا معروفًا، وهو هذا القَمْل المعروف). [المحتسب: 1/258]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (134) إلى الآية (137) ]

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وأجمعوا على كسر الراء من: (الرّجز... (134)
واختلفوا في الرّجز والرّجز في الدثر. وقد بئن في موضعه اختلافهم. والرّجز: العذاب المقلقل). [معاني القراءات وعللها: 1/420]

قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}

قوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}

قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما كانوا يعرشون (137).
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (يعرشون) بضم الراء، وفي النحل مثله.
وكسر الباقون في السورتين.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان.
ومثله (يعكفون) و(يعكفون)، قرأ حمزة والكسائي (يعكفون) بكسر الكاف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وقرأ الباقون (يعكفون).
يقال: عكف على الشيء، إذا أقام عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/421]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وما كانوا يعرشون} [137].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر {يعرشون}. بالضم، ومعناه: يبنون
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203]
وقرأ الباقون بالكسر {يعرشون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الراء وكسرها من قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 4/73]
يعرشون [الأعراف/ 137]-[النحل/ 68].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم يعرشون بكسر الراء، وفي النحل مثله.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بضم الراء فيهما). [الحجة للقراء السبعة: 4/74]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كانوا يعرشون}
قرأ ابن عامر وأبو بكر {يعرشون} بضم الرّاء وقرأ الباقون بكسر الرّاء). [حجة القراءات: 294]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {يَعْرِشُونَ} [آية/ 137] بضم الراء:
قرأها ابن عامر وعاصم في رواية- ياش-، وكذلك في النحل.
وقرأ الباقون بكسر الراء في الحرفين). [الموضح: 551]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:52 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (138) إلى الآية (141) ]

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}

قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- فأما قوله: {يعكفون على أصنام لهم} [138].
فإن حمزة والكسائي قرآه بكسر الكاف.
والباقون بالضم، وهما لغتان، يعكف ويعكف. ويعرش ويعرش. ومعنى يعكفون: يواظبون عليه ويقيمون عليه، وكل من لزم شيئًا فقد عكف عليه ومنه الاعتكاف في المساجد.
فأقل الاعتكاف عند الشافعي ساعة، وعند غيره يوم وليلة. ولا يجيزون الاعتكاف، أعني هؤلاء إلا مع الصوم.
وحجة الشافعي رضي الله عنه أن عمر قال: «يا رسول الله: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك» فلو كان الصوم واجبًا ما جاز الاعتكاف ليلاً؛ لأن الصوم بالليل محال.
واعلم أن كل فعل كان ماضيه مفتوح العين فإن مستقبله يجوز كسره وضمه. أما ما كان ماضيه مكسورًا فالمضارع منه مفتوح، وما كان ماضيه مضمومًا فالمستقبل بالضم أيضًا. نحو ظرف يظرف. فهذا جملة من باب. وقد يشذ منه الأحرف وقد بينتها في غير هذا الموضع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الكاف وكسرها من قوله عز وجل: يعكفون [الأعراف/ 138] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يعكفون بضم الكاف.
وروى عبد الوارث عن أبي عمرو يعكفون بكسر الكاف.
وقرأ حمزة والكسائي: يعكفون.
[قال أبو علي]: كل واحد من الضمّ والكسر؛ في عيني الكلمتين لغة، ومثل: يعكف، ويعكف، ويعرش، ويعرش، قولهم: يحشر ويحشر، ويفسق، ويفسق.
قال أبو عبيدة: يعرشون* أي يبنون، والعرش في هذا الموضع: البناء، ويقال: عرش مكة أي: بناؤه.
[الحجة للقراء السبعة: 4/74]
وقال أبو الحسن: يعرشون ويعرشون لغتان، وكذلك يبطش ويبطش، ويحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، وينفر وينفر). [الحجة للقراء السبعة: 4/75]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم}
قرأ حمزة والكسائيّ {يعكفون} بكسر الكاف وقرأ الباقون بالضّمّ وهما لغتان تقول عكف يعكف ويعكف وكذلك عرش يعرش ويعرش). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {يعكفون} و{يعرشون} قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف، وضمها الباقون، وقرأ ابن عامر وأبو بكر «يعرشون» هنا وفي النحل بضم الراء، وكسرها الباقون، وهما لغتان مشهورتان في الكلمتين، يقال: عكف يعكف ويعكُف بمعنى: أقام على الشيء، وعَروش يعِرش ويعُرش بمعنى: بنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {يَعْكِفُونَ} [آية/ 138] بكسر الكاف:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {يَعْكُفُونَ} بضم الكاف.
والوجه أن {يَعْرُشُونَ} و{يَعْرِشُونَ} بضم الراء وكسرها لغتان، وكذلك {يَعْكُفُونَ} و{يَعْكِفُونَ} ). [الموضح: 551]

قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}

قوله تعالى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإذ أنجيناكم من آل فرعون... (141).
قرأ ابن عامر وحده (أنجاكم) ليس بين الجيم والألف ياء ونون.
ومعنى أنحيناكم وأنجاكم واحد؛ لأن الإنجاء لله جلّ وعزّ). [معاني القراءات وعللها: 1/422]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {سنقتل أبناءهم} [127] {ويقتلون أبناءكم} [141].
قرأهما نافع بالتخفيف.
وقرأهما الباقون بالتشديد جعلوه من التقتيل مرة بعد مرة. غير أن ابن كثير كان يخفف {سنقتل} ويثقل: {ويقتلون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون} [141].
قرأ ابن عامر وحده: {وإذا نجاكم} وكذلك هي في مصاحفهم.
والباقون: {أنجيناكم}.
وإذ متعلقة بفعل، التقدير: واذكروا إذ أنجيناكم. ومعنى أنجيناكم: أنجينا أباكم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
[وأحييناكم] فوعظهم الله تعالى لئلا ينزل بهم نقمته إذا خالفوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم}
قرأ ابن عامر (وإذ أنجاكم من آل فرعون) بغير ياء ولا نون وكذا في مصاحفهم والمعنى وإذ أنجاكم الله
وقرأ الباقون {وإذ أنجيناكم} بالياء والنّون أخبر جلّ وعز عن نفسه بلفظ الملوك
قرأ نافع {يقتلون أبناءكم} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (37- قوله: {وإذ أنجيناكم} قرأه ابن عامر بلفظ الواحد، رده على قوله: {قال أغير الله أبغيكم} «140» وقرأه الباقون «أنجيناكم» على لفظ الجماعة، إخبارًا عن الله، عن طريق التعظيم لله والإكبار له، فهو أعظم العظماء، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، وله نظائر كثيرة في القرآن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {وإذْ أَنجَاكُم} [آية/ 141] بغير ياء ونون:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 551]
وقرأ الباقون {أَنجَيْنَاكُم} بالياء والنون.
والوجه فيهما أن الإنجاء من الله تعالى في القراءتين، سواء أسند الفعل إلى لفظ الله تعالى أو إلى جماعة المخبرين، فقوله {أَنجَاكُم} الفعل مسند إلى اسم الله، كأنه قال أنجاكم الله، وقوله {أَنجَيْنَاكُم} لفظ يتضمن التعظيم؛ لأنه جرت عادة الملوك أن يسندوا أفعالهم إلى ضمير الجماعة فيقولوا فعلنا وصنعنا إيذانًا بأن أتباعهم يفعلون كفعلهم، فخاطب الله تعالى عباده بالمتعارف بينهم). [الموضح: 552]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:53 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (142) إلى الآية (143) ]

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}

قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {ووَعَدْنَا مُوسَى} [آية/ 142] بغير ألف:
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون {ووَاعَدْنَا} بالأف.
وقد مضى الكلام في هذا في سورة البقرة). [الموضح: 552]

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (جعله دكًّا وخرّ موسى صعقًا... (143)
قرأ حمزة والكسائي (دكاء) ممدودة، وفي الكهف مثله.
وقرأ عاصم هنا (دكًّا) منونة، وفي الكهف بغير تنوين، وقرأ الباقون (دكًّا) منونة في الموضعين.
قال أبو منصور: من قرأ (دكًّا) منونة أراد: أنها دكت دكا، على المصدر، ومن قرأ (دكاء) فالمعنى جعلها أرضًا دكاء، على (فعلاء)، وهي المستوية، وجمعها دكاوات). [معاني القراءات وعللها: 1/422]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {جعله دكا} [143].
قرأ حمزة والكسائي: {دكاء} ممدودًا، جعله صفة، والتقدير: فجعل الجبل أرضًا ملساء دكاء كقول العرب ناقة دكاء: لاسنام لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف.
وقرأ الباقون: {دكا} جعلوه مصدرًا كقوله: {دكت الأرض دكا} غير أن هذا قد ذكر الفعل الذي صدر عن مصدره لفظًا، وقوله: {فجعله} ليس من لفظ دكا. غير أنه بمعناه فكأن التقدير: فلما تجلي ربه للجبل دكه دكا.
إلا عاصمًا فإنه كان يمد الذي في (الكهف) ويقصر هاهنا كأنه جمع بين اللغتين لينبئ أن هذه جائزة وهذه جائزة، فمن مد جمعها دكاوات، ومن قصر لم يثن ولم يجمع؛ لأنه مصدر، وحكي لي عن بعض القراء أنه قرا {دكا} بالضم فيكون مصدرًا وجمعًا، والاختيار أن الدك الأرض الذليلة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في المدّ والقصر [في قوله جلّ وعزّ]: دكا [الأعراف/ 143].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وابن عامر: جعله دكا منونة مقصورة هاهنا وفي الكهف [98] مثله.
وقرأ عاصم في الأعراف: دكا منونة مقصورة، [وقرأ في] الكهف [98]: دكاء ممدودة غير منونة.
وقرأ حمزة والكسائي: دكاء في الموضعين ممدودة غير منوّنة.
قال أبو زيد: دككت على الميّت التراب أدكّه دكّا: إذا دفنته، وهلت عليه التراب أهيله هيلا، وهما واحد، ودككت الرّكيّة دكا: إذا دفنتها، ودكّ الرجل فهو مدكوك: إذا مرض.
قال أبو عبيدة: جعله دكا أي: مندكا، والدّكّ والدكّة مصدر، وناقة دكّاء ذاهبة السّنام، والدك: المستوي، وأنشد للأغلب:
[الحجة للقراء السبعة: 4/75]
هل غير غار دكّ غارا فانهدم قال أبو الحسن: جعله دكا لأنّه لمّا قال: جعله كأنّه قال: دكّه، أو أراد جعله ذا دكّ، ويقال: دكّاء: جعلوها كالناقة الدكّاء التي لا سنام لها؛ فكأنّه بقي أكثره، قال: والأوّل أكثر القراءتين.
[قال أبو علي]: والمضاف محذوف على قول أبي الحسن.
وفي التنزيل: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة/ 14]، وفيه: كلا إذا دكت الأرض دكا دكا [الفجر/ 21] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/76]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا تجلى ربه للجبل جعله دكا}
[حجة القراءات: 294]
قرأ حمزة الكسائي {جعله دكاء} بالمدّ والهمز قال الأخفش قول تعالى {دكاء} أي جعله مثل دكاء ثمّ حذف المضاف وأقم المضاف إليه مقامه كما قال (وسل القرية الّتي) والعرب تقول ناقة دكاء أي لا سقام لها وقال قطرب قوله {دكاء} صفة التّقدير جعله أرضًا دكاء أي ملساء فأقيمت الصّفة مقام الموصوف وحذف الموصوف ودلّ عليه الصّفة كما قال سبحانه {وقولوا للنّاس حسنا} أي قولا حسنا
وقرأ الباقون {دكا} منونا جعلوا دكا مصدرا من دككت الشّيء إذا كسرته وفتته فتأويله جعلته مفتتا كالتراب وحجتهم قوله تعالى {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا} المعنى فلمّا تجلى ربه للجبل جعل مدكوكا فكأنّه دكه فيجعل قوله {دكا} مصدرا صدر عن معنى الفعل لا عن لفظه). [حجة القراءات: 295]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (38- قوله: {جعله دكًا} قرأه حمزة والكسائي بالمد، وفتح الهمزة، غير منون، وقرأ الباقون بالتنوين، من غير مد ولا همز.
وحجة من مده أنه أخذه من قول العرب: «هذه ناقة دكاء» للتي لا سنام لها، فهي مستوية الظهر، فكأنه في التقدير: جعل الجبل مثل ناقة دكاء، أي جعله، إذ تجلى عليه مستويًا لا ارتفاع فيه، انحط الجبل من علوه وارتفاعه تعظيمًا لله وخضوعًا له، إذ تجلى بعظمته إليه، فلما حدث في الجبل على عظمته وصلابته وقوته هذا الحادث فكيف لابن آدم الضعيف طاقة على رؤية البارئ في الدنيا، هذا ما لا يكون، فلما أظهر الله لموسى أمرًا في الجبل استيقن موسى برؤيته أنه تعالى لا يرى في الدنيا.
39- وحجة من لم يمده أنه جعله مصدر دككت الأرض
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
دكا، أي: جعلتها مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، قال الأخفش كأنه لما قال: جعله، قال: دكه دكا، فجعله في موضع دكه، ويقوي هذه القراءة قوله: {فدكتا دكة واحدة} «الحاقة 14» وقوله: {دكت الأرض دكا دكا} «الفجر 21» قال أبو عبيدة: جعله دكا أي مندكا، والاختيار ترك المد لما بيناه من العلة، ولأن عليه أكثر القراء، ولما روى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام أنه قرأ: «دكا» بالتنوين من غير مد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {جَعَلَهُ دَكًاء} [آية/ 143] ممدود مهموز:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في سورة الكهف، وقرأ عاصم في الأعراف {دَكًا} مقصورة منونة، وفي الكهف {دَكًاء} مثل حمزة.
[الموضح: 552]
ووجه القراءة بالمد والهمز أن {دَكًاء} صفة موصوف محذوف، والتقدير: جعله أرضًا دكاءً، وهي المستوية، مثل ناقة دكاء وهي التي افترض سنامها فصار مستويًا على ظهرها.
وقرأ الباقون {دَكًا} مقصوراً منوِّنًا في السورتين.
والوجه أنه مصدر دك يدك، يقال: دككت التراب على الميت إذا دفنته فيه فسويته بالأرض، فقوله {جَعَلَهُ دَكًا} أي ذا دكٍ، فحذف المضاف). [الموضح: 553]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:55 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (144) إلى الآية (147) ]

{ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّي اصطفيتك... (144).
فتح الياء ابن كثير وأبو عمرو، وأسكنها نافع وغيره.
ولم يسكن نافع ياء إضافة يليها ألف وصلٍ إلا في ثلاثة مواضع: (إنّي اصطفيتك)، وفي طه (أخي اشدد)، وفي الفرقان "يا ليتني اتّخذت) ). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {برسالاتي وبكلامي} [144].
قرأ ابن كثير ونافع بالتوحيد؛ لأن الرسالة الواحدة قد يكون معها كلمات.
وقرأ الباقون بالجمع ليكون أشكل بالكلمات ويجوز أن يكون أرسله مرارًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى: برسالاتي [الأعراف/ 144].
[الحجة للقراء السبعة: 4/76]
فقرأ ابن كثير ونافع برسالتي واحدة، وقرأ الباقون برسالاتي جماعة.
الرسالة تجري مجرى المصدر، فتفرد في موضع الجمع، وإن لم يكن المصدر من «أرسل» يدلّك على أنّه جار مجراه قول الأعشى.
غزاتك بالخيل أرض العدوّ* وجذعانها كلفيظ العجم فإعماله إيّاه إعمال المصدر، يدلّك على ذلك أنّه يجري مجراه، والمصدر قد يقع لفظ الواحد منه، والمراد به الكثرة.
قال:
فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم* جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[فكان المعنى على الجميع] لأنّه مرسل بضروب من الرسالة، والمصادر قد تجمع مثل الحلوم والألباب.
وقال عزّ وجل: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
[الحجة للقراء السبعة: 4/77]
[لقمان/ 19]، فجمع الأصوات لمّا أريد بها أجناس مختلفة صوت الحمار بعضها، وأفرد صوت الحمار، وإن كان المراد به الكثرة؛ لأنّه ضرب واحد). [الحجة للقراء السبعة: 4/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي}
قرأ نافع وابن كثير (إنّي اصطفيتك على النّاس برسالتي) على التّوحيد وحجته ما بعده {وبكلامي}
وقرأ الباقون {برسالاتي} على الجمع أرسله مرارًا). [حجة القراءات: 295]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (40- قوله: {برسالاتي} قرأ الحرميان بالتوحيد، وقرأ الباقون بالجمع.
وحجة من وحَّده أن «رسالة» تجري مجرى المصدر، وتعمل عمله، وإن كانت الهاء فيها، فالمصدر موحد، أبدًا إذ يدل على القليل والكثير من جنسه، وأيضًا فإن بعده «وبكلامي» وهو مصدر موحد، يُراد به أيضًا الكثرة، فجرت الرسالة، في توحيد لفظها، على مثل توحيد الكلام.
41- وحجة من جمع أنه لما كان موسى صلى الله عليه وسلم أرسل بضروب من الرسالات، فاختلفت أنواعها، فجمع المصدر، لاختلاف أنواعه، كما قال: {إن أنكر الأصوات} «لقمان 19» والأصوات جمع صوت، وصوت مصدر، فجمع لاختلاف أجناس الأصوات، واختلاف المصوتين، ووحّد في قوله: {لصوت} لما أراد به جنسًا واحدًا من الأصوات). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {بِرِسَالتِي} [آية/ 144] على الواحد:
قرأها ابن كثير ونافع ويعقوب- ح-.
والوجه أنه اسم يجري مجرى المصدر، والمصدر يُفرد في موضع الجمع؛ لن المصادر لا تثنى ولا تجمع لكونها جنسًا، فلما كانت الرسالة تجري مجرى المصدر عوملت معاملة المصدر، كما قال الأعشى:
38- غزاتك بالخيل أرض العدو = وجذعانها كلفيظ العجم
[الموضح: 553]
فأعمل غزاة عمل المصدر فنصب: أرض العدو.
وقرأ الباقون {بِرِسَالاتِي} على الجمع.
والوجه أن المصدر قد يجمع إذا اختلفت أنواعه، والرسول يرسل بأنواع من الرسالات، فلهذا جمع، وهذا كما جمعت الحلوم والعلوم، وقال الله تعالى {إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ} فجمع الصوت وهو مصدر لما اختلفت أنواعه.
ويجوز أن يكون جمعت الرسالة؛ لأنها ليست بمصدر محضٍ، بل هي اسم فجمعت كما تُجمع الأسماء). [الموضح: 554]

قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن أيضًا: [سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ].
قال أبو الفتح: ظاهر هذه القراءة مردود؛ لأنه سأُفْعِلُكم من رأيتُ، وأصله: سَأُرْئِيكُم، ثم خففت الهمزة بحذفها وإلقاء حركتها على الراء، فصارت سأُريكم. قالوا: وإذن لا وجه لها، ونحو من هذا قراءته أيضًا: [ولا أَدْرَأْتُكُم به]، إلا أن له وجهًا ما، هو أن يكون أراد: [سأُرِيكم] ثم أشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، فصارت [سَأُورِيكم].
وقد جاء من هذا الإشباع الذي تنشأ عنه الحروف شيء صالح نثرًا ونظمًا، فمن المنثور قولهم: بينا زيد قائم جاء عمرو، إنما يراد بين أوقات زيد قائم جاء فلان، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا. ومثله قول عنترة:
يَنْبَاع من ذِفْرَى غَضوب جسرة
أراد: ينبع، فأشبع فتحة الباء فنشأت عنها ألف كما ترى، على هذا حمله لنا أبو علي سنة إحدى وأربعين، وقد قال الأصمعي مع ذلك يقال: انباع الشجاع ينباع انبياعًا إذا انخرط ماضيًا من الصف.
وأخبرنا أبو علي عن أحمد بن يحيى أنه قال: يقال: جِيء به من حيثُ ولَيْسا.
ورَوى الفراءُ عن بعضهم أنه سمعه يقول: أكلت لحما شاة، وهو يريد: لحم شاة، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا، وهو اعتراض بين المضاف والمضاف إليه علي ضيق الوقت وقصره بينهما. ومنه المسموع عنهم في الصياريف والدراهيم، وأنشدنا أبو علي:
[المحتسب: 1/258]
وأنني حيثما يسري الهوى بصري ... من حَوْثُما سلكوا أثنى فأَنظور
يريد: فأنظره، فأشبع الضمة فأنشأ عنها واوًا، هكذا رواه أبو علي يسري من سريت، ورواه ابن الأعرابي: يشري -بالشين معجمة- أي: يُقلق ويحرك الهوى بصري، وما أحسن هذه الرواية وأطرفها! وأنشد غيرهما:
عَيْطاء جَمَّاء العِظَام عُطْبولْ ... كأَن في أنيابها القَرَنْفولْ
يريد: القَرَنْفُل، فإذا جاز هذا ونحوه نظمًا ونثرًا ساغ أيضًا أن يُتأول لقراءة الحسن: [سأُورِيكُمْ]، أراد: سأُرِيكم وأشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، وهو أبو سعيد، والمأثور من فصاحته ومتعالَم قوة إعرابه وعربيته! فهذا مع ما فيه من نظائره أمثل من أن يُتلقي بالرد صِرفًا غير منظور له ولا مسعيٍّ في إقامته. وزاد في احتمال الواو في هذا الموضع أنه موضع وعيد وإغلاظ، فمُكن الصوت فيه وزاد إشباعه واعتماده، فأُلحقت الواو فيه لما ذكرنا). [المحتسب: 1/259]

قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن يروا سبيل الرّشد... (146).
قرأ حمزة والكسائي (الرّشد) بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون (الرّشد) بضم الراء خفيفًا.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الكهف (ممّا علّمت رشدًا (66). بفتح الراء والشين.
[معاني القراءات وعللها: 1/422]
وروى أحمد بن يوسف التغلبي عن ابن ذكوان بإسناده عن ابن عامر (ممّا علّمت رشدًا) بضم الراء والشين.
قال: وقرأت على ابن أخرم (رشدًا)) ساكنة الشين مثل الباقين.
قال أبو منصور: هي لغات معروفة، والرُّشْد والرَّشَد والرُّشُد معناها واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/423]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض... (146).
أسكنها ابن عامر وحمزة، وحركها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {وإن يروا سبيل الرشد} [146].
قرأ حمزة والكسائي: {الرشد} بفتح الراء والشين.
وقرأ الباقون بضم الراء وجزم الشين {سبيل الرشد}.
فقال قوم: هما لغتان مثل السقم والحزن والحزن، وقال
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
أبو عمرو: الرشد: الصلاح. والرشد: في الدين فلذلك كان يقرأ التي في الكهف {رشدا}.
وقال أبو عبيد: الاختيار: الرشد بالضم والإسكان لأن القراء أجمعوا على قوله: {فإن ءانستم منهم رشدًا} فهذا مثله.
قال أبو عبيد: الاختيار: الرشد بالضم والإسكان لأن القراء أجمعوا على قوله: {فإن ءانستم منهم رشدا} فهذا مثله.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: وكذلك: {قد تبين الرشد من الغي} والغي: هاهنا الضلال يقال غوي الرجل يغوي: إذا صار من أهل الغي. والغواية: الضلالة. وأما غوى بكسر الواو يغوي غوى فشيئان:
يقال في السخلة إذا بشمت من كثرة الشرب للبن، وإذا هزلت من قلة الشرب، وينشد:
معطفة الأثناء ليس فصيلها = برازئها درا ولاميت غوى
الدر: اللبن، ومن ذلك قولهم: لله درك، أي: لله صالح عملك، وذلك أن العرب كانت تفتض الكرش لشرب مائه وتفصد العرق لتشرب الدم فكان أفضل ما يشربون اللبن وهو الدرة فأما قوله: {لا يتخذوه سبيلا} [146] فإن أبيا قرأ {لا يتخذوها} فالهاء في كلا القراءتين تعود على السبيل؛ لأن العرب تذكر السبيل وتؤنثه، قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي} وقال في موضع آخر: {قصد السبيل ومنها جائر} فأما ابن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/206]
عامر فإنه قرأ في الكهف {رشدا} بضمتين أتبع الضم الضم كما قرأ أيضًا: {وأقرب رحما} وكما قرأ عيسى بن عمر: {أليس الصبح بقريب} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعزّ]: وإن يروا سبيل الرشد [الأعراف/ 146].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر سبيل الرشد بضم الراء خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: سبيل الرشد مثقّلة بفتح الراء والشين.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائيّ في الكهف: مما علمت رشدا [الآية/ 66] مضمومة الراء خفيفة.
وقرأ أبو عمرو رشدا* مفتوحة الراء خفيفة.
وقرأ ابن عامر رشدا* مضمومة الراء والشين ثقيلة.
هكذا في كتابي عن ابن ذكوان رشدا* بضم الراء والشين.
ورأيت في رواية غيره رشدا* خفيفة الشين موقوفة أخبرني بذلك أحمد بن يوسف [التغلبي] عن عبد الله بن ذكوان عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عنه.
وروى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا بضم الراء موقوفة الشين خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/78]
قال أبو علي: الرشد، والرّشد؛ حكي أنّ أبا عمرو فرّق بينهما، فقال الرّشد: الصلاح، والرّشد: الدين، مثل قوله مما علمت رشدا [الكهف/ 66].
قال [أبو علي]: وقد جاء: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا [الجن/ 14]، فهذا في الدين وكذلك: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا [الكهف/ 66]، وهيئ لنا من أمرنا رشدا [الكهف/ 10]؛ فهذا كله في الدين، وهذه التي في الأعراف يجوز أن يكون يعني به الدين. كأنّ المعنى: وإن يروا سبيل الخير زاغوا عنه، وعدلوا فلم يتخذوه سبيلا، أي لم يأخذوا به. وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ألا تراه يقول: ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا، ومقابلته بالغيّ يدلّ على الضلالة والزيغ عن طريق الدين والهدى.
وقال: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [الحجر/ 42]، والتي في سورة النساء في قوله: فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم [الآية/ 6] فمن إصلاح المال والحفظ له، وقد جاء الرّشد في غير الدين. قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/79]
حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها... أمّي هلالا على التوفيق
والرّشد ويدلّ على تقوية قول أبي عمرو في فصله بين الرّشد والرّشد، وأنّه ليس بلغتين على حدّ العجم والعجم، والعرب والعرب، ونحو ذلك: أن سيبويه قال: بعضهم يقول: البخل كالفقر، والبخل كالفقر، وبعضهم يقول: البخل كالكرم، فلم يحمل البخل والبخل على مثال: العجم والعجم والثّكل والثّكل، وكذلك الرّشد والرّشد). [الحجة للقراء السبعة: 4/80]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}
قرأ حمزة والكسائيّ {الرشد} بفتح الرّاء والشين وقرأ الباقون بضم الرّاء وسكون الشين وهما لغتان مثل السقم والسقم والحزن
[حجة القراءات: 295]
والحزن قال أبو عمرو سبيل الرشد أي الصّلاح وتصديقها قوله {فإن آنستم منهم رشدا} والرشد في الدّين فلذلك قرأ في الكهف {ممّا علمت رشدا} ). [حجة القراءات: 296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {الرشد} قرأه حمزة والكسائي بفتح الراء والشين، وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
الباقون بضم الراء وإسكان الشين، وقرأ أبو عمرو في الكهف «رشدا» بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون بضم الراء وإسكان الشين، وهما لغتان في الصلاح والدين، وقد قيل: إن من فتح الراء والشين أراد به الدين لأن قبله ذكر الغي، والدين ضد الغي، وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {تحرَّوا رشدا} «الجن 14» أي: دينا، ومثله: {وهيئ لنا من أمرنا رشدا} «الكهف 10»، أي: دينًا، ومن ضم الراء أراد الصلاح، كذا حكى أبو عمرو في الفتح والضم، والمعنيان متقاربان، لأن الدين الصلاح، والصلاح هو الدين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {سَبِيلَ الرُّشْدِ} [آية/ 146] مفتوحة الراء والشين:
قرأها حمزة والكسائي، وقرأ أبو عمرو ويعقوب في سورة الكهف {رَشَدًا} بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون {رُشَدًا} بضم الراء وإسكان الشين في السورتين.
والوجه أنهما لغتان رشد ورشد، كما تقول بخل وبخل وشغل وشغل، وقال أبو عمرو: الرشد بضم الراء وإسكان الشين: الدين، والرشد بفتحتين: الصلاح). [الموضح: 554]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:57 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (148) إلى الآية (154) ]

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}

قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من حليّهم عجلًا جسدًا... (148).
قرأ حمزة والكسائي (من حليّهم) بكسر الحاء والتشديد، وقرأ الحضرمي (من حليهم) بفتح الحاء وسكون اللام خفيفة، وقرأ الباقون (من حليّهم) بضم الحاء، مشددًا.
قال أبو منصور: من قرأ (من حليهم) فهو واحد، ويجمع: حليًّا وحليّا، والأصل فيهما الضم، لأنه جمع على (فعول).
ومن كسر الحاء فلإتباعه الكسرة التي في اللام والياء). [معاني القراءات وعللها: 1/423]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله [تعالى]: {من حليهم عجلا جسدا} [148].
قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء واللام.
والباقون بالضم على اصل الكلمة وذلك أن الحُلي جمع حُلْي مثل حُقوٍ وحقي ووزن حُليً: فعول والأصل: حلوى فلما اجتمعت واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواو ياء وأدغموا كما تقول: شويت اللحم شيا، وكويته كيا، وهذه عشري لا عشروك، وهؤلاء زيدي، فذهبت النون للإضافة، وقلبوا من الواو ياء وأدغموا.
وأما من كسر فقال {حليهم} فإنه استثقل الضمة مع الياء كما تستثقل مع الكسرة فكسر الحاء لمجاورة اللام، وثمله {عتيا} {وجثيا} {وبكيا}.
وقرأ يعقوب الحضرمي: {من حليهم عجلا جسدا} بفتح الحاء وجزم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
اللام، جعله واحدًا. والجسد: الذي لا يتكلم إلا تسمع قوله: {ألا يرجع إليهم قولا} وذلك أن بني إسرائيل قالوا لموسى {اجعل لنا إلها} أي: صنمًا نعبده كما أن لقوم فرعون أصنامًا عمد السامري فكان مطاعا في قومه إلى حلي عنده وعندهم فجعله عجلاً وفوهه فكان يصوت إذا خرقته الريح فذلك قوله: {[له] خوار}.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: إنما خار مرة واحدة ثم لم يعد.
واسم فرس جبريل عليه السلام: حيزوم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الحاء وكسرها من قوله تعالى: من حليهم [الأعراف/ 148].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم من حليهم بضم الحاء.
وقرأ حمزة والكسائي: من حليهم بكسر الحاء، وكلّهم شدّد الياء.
الواحد من الحليّ: حلي، وجمعه: حليّ، ومثله: ثدي وثديّ، ومن الواو: حقو وحقيّ قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/80]
يسهّد من نوم العشيّ سليمها... لحلي النّساء في يديه قعاقع
قال: لحلي النساء على أحد أمرين: إمّا على حدّ قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا وقوله: قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس أو يكون على حدّ قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34 - النحل/ 18] فيريد به الكثرة، [أمّا فعول فإنّه يكون مفردا، ويكون جمعا. فإذا كان مفردا. جاء على ضربين: أحدهما أن يكون مصدرا وهو العام الكثير، مثل:
القعود والدخول والمضيّ.
وقد جاء اسما في قولهم: الأتيّ والسّدوس.
[الحجة للقراء السبعة: 4/81]
وإذا كان جمعا كان على ضربين: أحدهما أن يكون جمعا للثلاثة مثل: كعب وكعوب، والآخر أن يكون لما زاد على الثلاثة نحو: شاهد وشهود، وحاضر وحضور؛ فإذا كان جمعا للثلاثة، فالثلاثة المجموع بها على ضربين: صحيح ومعتل، ومن المعتل: المجموع على فعول ما كان لامه حرف علة وذلك نحو: ثدي وثدي، وحقو وحقيّ، مما كان من الياء نحو قولهم: حليّ في جمع حلي، فواو فعول قلبت ياء لوقوعها قبل الياء التي هي لام، كما أبدلت واو مفعول من مرميّ لذلك، وأبدلت من ضمة عين فعول كسرة، كما أبدلت ضمّة عين مفعول في: مرميّ، وإن كانت اللام واوا أبدلت منها الياء وذلك نحو: حقو وحقيّ]، وقال الشاعر:
بريحانة من بطن حلية نوّرت... لها أرج ما حولها غير مسنت
فإن كان هذا المكان سمّي بواحد حلي، كتمرة، وتمر، كان حلي جمعا، ويكون قوله: لحلي النساء جمعا قد أضيف إلى جمع.
[الحجة للقراء السبعة: 4/82]
وقال: أو من ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18]، وقال:
وتستخرجون حلية تلبسونها [فاطر/ 12]، فيجوز أن تكون الحلية إنّما كسرت مع علامة التأنيث، وفتح بلا هاء فقال:
حلي، كما قالوا: البرك للصدر، والبركة قال:
ولوح ذراعين في بركة وقالوا: كان زياد أشعر بركا. فأمّا وجه قول من ضمّ من حليهم؛ فإنّ حليا لا يخلو من أن يكون جمعا على حدّ نخل وتمر، أو مفردا فيكون: حلي وحليّ، كقولهم: كعب وكعوب وفلس وفلوس، إلّا أنّه لما جمع أبدل من الواو الياء؛ لإدغامها في الياء وأبدل من الضمة كسرة كما أبدلت في مرميّ ومخشيّ، ونحو ذلك. فأمّا الحاء التي هي فاء في الحلي، فإنّها بقيت مضمومة كما كانت مضمومة في: كعوب وفلوس، ويجوز أن يكون جمعا كتمر، وجمع على فعول كما جمع صفا على صفيّ في نحو:
مواقع الطّير على الصّفيّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/83]
وممّا يحتمل أن تكون الضمة أبدلت فيه كسرة قولهم:
بكيت، والمحتزن البكيّ فالبكيّ يجوز أن يكون فعيلا، ويكون باك وبكيّ، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فالكسرة من العين على هذا كسرة فعيل، ويجوز أن يكون فعولا، أبدلت الواو منها ياء، وأبدلت من ضمّتها الكسرة كقولهم: أدحيّ النّعام، وآريّ الدابة هما فاعول، إلّا أنّ اللام من أدحيّ واو قلبت ياء، ومن آريّ ياء والكسرة في البناء مبدلة ضمة.
ووجه قول حمزة والكسائي في كسرهما الحاء من حليهم، هو أنّ المكسر من المجموع قد غيّر عمّا كان الواحد عليه في اللفظ والمعنى، كما أن الاسم المضاف إليه كذلك، ألا ترى أنّ الاسم المكسر في الجمع يدلّ بالتكسير
[الحجة للقراء السبعة: 4/84]
على الكثرة، وأن الفاء قد غيّر في التكسير كما أن الاسم المضاف إليه كذلك؟ وذلك أنّه بالنّسب صار صفة، وكان قبل اسما، وقد تغيّر في اللفظ بما لحقه من الزيادة؛ فلمّا تغيّر الاسم تغييرين وهو: إبدال الواو ياء وإبدال الضمة كسرة كما غيّر في الإضافة تغييرين، قوي هذا التغيير على تغيير الفاء، كما قوي النسب للتغييرين على حذف الياء من نحو: حنفي، وجدلي في النسب إلى حنيفة، وجديلة، وكذلك حليّ وعصيّ.
فإن قلت: فهلّا لزم هذا التغيير في الجمع هاهنا، كما لزم في النسب؟.
قيل: إنّ النسب قد جاء منه ما لم يغيّر، وترك على أصله، وذلك قولهم في الإضافة إلى سليقة: سليقي، وإلى عميرة كلب: عميري، فجاء غير مغيّر مع التغييرين اللاحقين للاسم في النسب؛ فكذلك جاء حليّ على الأصل مع هذين التغييرين اللاحقين للاسم.
وأما نحو: عصيّ وقنيّ فقد لحقه مع هذين التغييرين اللذين ذكرنا تغيير ثالث، وهو إبدال الواو ياء، وكذلك ما كان
[الحجة للقراء السبعة: 4/85]
من ذلك جمعا، الآخر منه واو، فإنّه يلزم بدل الواو منه ياء نحو عصيّ وحقي ودليّ؛ فهذا مستمر، إلّا أن يشذّ منه شيء، فيجيء على الأصل نحو ما حكاه من قولهم: إنّكم لتنظرون في نحو كثير، ونحو ما أنشده أحمد بن يحيى:
وأصبحت من أدنى حموّتها حما فجاءت الواو في الحموّة مصححة، وكان القياس أن تنقلب ياء من حيث كان جمعا. فأمّا إلحاق تاء التأنيث له فعلى حدّ عمومة وخيوطة، وليس لحاق هذه التاء ممّا يمنع القلب، ألا ترى أن الذي يوجب القلب فيه هو أنّه جمع، وما كان من هذا النحو واحدا كالمضيّ والصّلي، مصدر صلي فإنّ الفاء منه، لا تكسر كما كسر في الجموع، لأنّ الواحد لم يتغيّر فيه المعنى كما تغيّر في الجمع.
وحكى أبو عمر عن أبي زيد آوى إليه إويّا، وممّا يؤكد
[الحجة للقراء السبعة: 4/86]
كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم: قسيّ في جمع قوس، ألا ترى أنّا لا نعلم أحدا يسكن إلى روايته حكى فيه غير الكسر في الفاء؛ فهذا ممّا يدل على تمكن الكسرة في هذا الباب الذي هو الجمع، وربما أبدلت اللّامات إذا كانت واوات من الأسماء، وليس ذلك على حدّ الإبدال في عصيّ وحقيّ، لو كان على هذا الحدّ للزم هذا الضرب من الآحاد كما لزم الجموع، وإنّما ألزمت الآحاد التغيير، كما لزمت أدل وأحق وأجر، وذلك أنّه لما قرب من الطّرف أبدلت كما أبدل هذا الضرب، وعلى هذا قالوا: مسنيّة، ومعدي، ومن ذلك قولهم: العتوّ قال تعالى: وعتوا عتوا كبيرا [الفرقان/ 21]؛ فصحّحت، وأبدلت في قوله: أيهم أشد على الرحمن عتيا [مريم/ 69]، وقد بلغت من الكبر عتيا [مريم/ 8]؛ فهذا مصدر، ولو كان اسما على حد: شاهد، وشهود، للزم فيه البدل كقولهم: الجثيّ في جمع جاث لأنّه من يجثو، ولكنّه أبدل على حدّ مسني ومعديّ، وقالوا: أنا أجوؤك وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل، فأتبعوا الحركة الحركة، فإن لم يكن في الكلمة تغييران، فهذا التغيير في الجمع على ما قرأه حمزة والكسائي أقوى.
[الحجة للقراء السبعة: 4/87]
وأمّا قولهم في جمع: الفتى فتوّ؛ فهو على قول أبي الحسن من باب نحوّ وحموّة، لأنّه يرى أنّه من الواو وفي قول غيره أذهب في باب الشذوذ.
ألا ترى أنّه إذا قلب ما كان من الواو إلى الياء نحو:
حقي وعصي، فالذي من الياء أجدر أن يترك على ما هو عليه، فإذا أبدل منها الواو في الجمع مع أنّها من الياء كان على خلاف ما جاء عليه الجمهور والكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 4/88]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا}
قرأ حمزة والكسائيّ {من حليهم} بكسر الحاء
وقرأ الباقون بالضّمّ وحجتهم أن الضّم هو الأصل وفيه علم الجمع وذلك أن الحليّ جمع حلي مثل حقو وحقي والأصل حلوي مثل قلب وقلوب فلمّا سبقت الواو الياء قلب الواو ياء فأدغمت في الياء فصارت حلي بضم الحاء واللام فاجتمعت ضمتان وبعدهما ياء مشدّدة فكان ذلك أشد ثقلا فكسرت اللّام لمجيء الياء فصارت حلي بضم الحاء وكسر اللّام
وحجّة من كسر الحاء هي أنه استثقل ضمة الحاء بعد كسر اللّام وبعدها ياء فكسر الحاء لمجاورة كسرة اللّام وأخرى أنهم قد أجمعوا على قوله من عصيهم فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه). [حجة القراءات: 296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (44- قوله: {من حليهم} قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء، وقرأ الباقون بالضم.
وحجة من ضم الحاء أنه جمع «حليا» على «فعول»، ككعب وكعوب وأصله «حلوي» فأرادوا إدغام الواو في الياء للتخفيف فأبدلوا من ضمة اللام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
كسرة، ليصح انقلاب الواو إلى الياء، وليصح الإدغام، كما فعلوا في «مرمى» وبابه، فبقيت الحاء مضمومة على أصلها، فصار «حلي» كما ترى.
45- وحجة من كسر الحاء أنه لما كسر اللام، وأتى بعدها ياء مشددة، أتبع الحاء ما بعدها من الكسرة والياء، فكسرها، ليعمل اللسان عملًا واحدً في الكسرتين، والياء بعدها، والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [آية/ 148] بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف الياء:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه واحد الحُلي، يقال حلي وحلي، كما يقال فلس وفلوس وكعب وكعوب ودهر ودهور، والحلي وإن كان واحداً فالمراد به الجمع؛ لأنه مضاف إلى الجمع، كما قال تعالى {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} أراد أسماعهم، قال الشاعر:
39- في حلقكم عظم وقد شجينا
أراد حلوقكم.
وقرأ حمزة والكسائي {حِلِيِّهِمْ} مكسورة الحاء واللام، مشددة الياء.
والوجه أنه جمع حلي على حلي بضم الحاء، كما قيل كعب وكعوب، والأصل: حلوى على فعول، فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون، فأبدلت ضمة ما قبل الواو كسرة، فانقلبت الواو ياء، فأدغمت الياء في الياء، فبقي حلي، ثم إنهم لما جمعوا عليه هذين التغييرين المذكورين من إبدال الضمة كسرة وقلب الواو ياء، اجترئ عليه فغير أيضًا تغييراً آخر، وهو إبدال
[الموضح: 555]
ضمة الأول من الكلمة وهو الحاء كسرة إتباعًا لكسرة ما بعده وهو اللام من حلي، فبقي حلي بكسر الحاء.
وقرأ الباقون {حُلِيِّهِمْ} بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء.
والوجه أنه هو الأصل في جمع حلي على ما تقدم؛ لأنه فعول بضم الفاء، فأصله أن يكون حليًا بالضم ككعوب وفلوس على ما بينا). [الموضح: 556]

قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا... (149).
قرأ حمزة والكسائي (لئن لم ترحمنا ربّنا وتغفر لنا) بالتاء فيهما جميعًا، و(ربّنا) نصبًا، وقرأ الباقون بالياء، و(ربّنا) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة، ونصبه (ربّنا)
[معاني القراءات وعللها: 1/423]
على الدعاء، يا ربّنا، ومن قرأ بالياء فهو على الخبر، و(ربّنا) فاعل، على أن يقع بفعلها يرحمنا). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} [149].
قرأ حمزة والكسائي {ترحمنا} بالتاء خطاب لله تعالى. {ربنا} بالنصب على النداء المضاف، تقديره: يا ربنا، واحتجا بحرف أبي {ربنا لئن لم ترحمنا}.
وقرأ الباقون: {لئن لم يرحمنا} بالياء و{ربنا} بالرفع على الخبر. والله تعالى هو الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا [الأعراف/ 149]، وفي الرفع والنصب من قوله تعالى: ربنا*.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع، وقرأ حمزة والكسائي لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء ونصب ربنا.
القول في ذلك أنّ من قرأ: لئن لم يرحمنا ربنا جعل الفعل للغيبة، وارتفع ربنا به، وكذلك: ويغفر لنا فيه ضمير ربنا وهو مثل يرحمنا في الإسناد إلى الغيبة.
ومن قرأ: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا جعل تغفر لنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/88]
للخطاب، وفيه ضمير الخطاب وربنا* نداء. والذي كان في قراءة من قدمنا قوله فاعلا، وحذف حرف التنبيه معه لأنّ عامة ما في التنزيل من ذلك، يحذف حرف التنبيه منه، كقوله:
ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة.. ربنا ليضلوا.. ربنا اطمس [يونس/ 88]، ربنا إني أسكنت من ذريتي [إبراهيم/ 37]، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/89]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين}
قرأ حمزة والكسائيّ (لئن لم ترحمنا) بالتّاء على الخطاب {ربنا} بالنّصب على النداء أي يا ربنا (وتغفر لنا) بالتّاء وحجتهما أن في حرف أبي قالوا (ربنا لئن لم ترحمنا وتغفر لنا)
[حجة القراءات: 296]
وقرأ الباقون {لئن لم يرحمنا} بالياء {ربنا} بالرّفع على الخبر {ويغفر} بالياء أيضا وحجتهم هي أنه لما تبين لهم الضلال بعبادتهم العجل قال بعضهم لبعض لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ما جنيناه على أنفسنا لنكونن من الخاسرين فجرى الكلام على لفظ الخبر من بعضهم لبعض). [حجة القراءات: 297]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} قرأ ذلك حمزة والكسائي بالتاء في الفعلين، على الخطاب لله جل ذكره، وفيه معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء، وبنصب «ربنا» على النداء، وهو أيضًا أبلغ في الدعاء بالعبودية، وقرأوا «ربنا» بالرفع، لأنه الفاعل، ولولا أن الجماعة على الياء والرفع لاخترت القراءة بالتاء والنصب، لما ذكرت من صحة معناه في الاستكانة والتضرع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {لَئِن لَّمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وتَغْفِرْ} [آية/ 149] بالتاء من {تَرْحَمْنَا} و{تَغْفِرْ}، ونصب {رَبَّنَا}:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن الفعل للمخاطبة، والمخاطب به هو الله تعالى، و{رَبَّنَا} منادى، وحذف يا من {رَبَّنَا} كما حذفت منه في كثير من المواضع في التنزيل، كقوله {رَبَّنَا إنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ... رَبَّنَا لِيُضِلُّوا...رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وحذف حرف النداء من المنادى المضاف جائز، كما جاز من الأسماء الأعلام.
وقرأ الباقون {يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ويَغْفِرْ} بالياء فيهما، والرف في {رَبُّنَا}.
[الموضح: 556]
والوجه أن الفعل مسند إلى الرب تعالى، و{رَبُّنَا} مرتفع به، والكلام محمول على الغيبة لا على (المخاطبة)، وفي {يَغْفِرْ} ضمير يعود إلى {ربّنا} ). [الموضح: 557]

قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (من بعدي أعجلتم... (150).
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقال أبو منصور: قد مر الجواب في جواز هذه الياءات محركة ومسكنة بما يغني عن إعادة القول فيه). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال ابن أمّ... (150)
ها هنا وفي طه.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب (قال ابن أمّ) نصبا، وقرأ الباقون (ابن أمّ) خفضًا.
قال أبو منصور: من فتح (ابن أمّ) فلأنها اسمان، جعلا اسمًا واحدًا، مثل: لفيته كفة كفة، وخمسة عشر.
ومن قال: (ابن أمّ) أضاف (ابن) إلى (أمّ)، وحذف ياء الإضافة؛ لأن كسرة الميم دلت على حذفها). [معاني القراءات وعللها: 1/425]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {قال ابن أم} [150].
قرأ أهل الكوفة إلا حفصًا، وابن عامر {أم} بكسر الميم على الإضافة من غير ياء.
والاختيار كسر الميم وإن تثبت الياء لأن الياء إنما تسقط من المنادي نحو يا قوم ويا عباد ويا رب، لا من المضاف إليه. فالصواب يا ابن أخي
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
ويا ابن أمي، قال الشاعر:
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي = أنت خليتني لدهر كنود
وقرأ الباقون: {يا ابن أم} بفتح الميم فلهم حجتان: إحداهما: أنهم جعلوا الاسمين اسمًا واحدًا فبنيا على الفتح كما تقول: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة، وعندي خمسة عشر، وإنما فعلوا ذلك لكثرة الاستعمال، وكذلك يا ابن عم ولا يستعملون ذلك في غيرها.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/209]
والحجة الثانية: أنهم أرادوا الندبة يا بن أماه ويا بن عماه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله جلّ وعزّ: قال ابن أم [الأعراف/ 150].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم قال ابن أم نصبا، وفي طه [94] مثلها.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: قال ابن أم بكسر الميم، فأما الهمزة فمضمومة.
[قال أبو علي] من قال: يا ابن أمّ؛ فقال سيبويه: قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ؛ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لأن هذا أكثر في كلامهم من يا ابن أبي، ويا غلام غلامي.
قال أبو علي: جعلوهما بمنزلة اسم واحد، ولم يرفضوا
[الحجة للقراء السبعة: 4/89]
الأصل الذي هو إضافة الأول إلى الثاني كما رفضوا الأصل في خطايا، والتصحيح للعين، في: قال، وباع وخاف. ونحو ذلك مما يرفض فيه الأصل؛ فلا يستعمل، ألا ترى قول أبي زبيد:
يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي... أنت خلّيتني لأمر شديد
فهذا بمنزلة القصوى الذي استعمل فيه الأصل الذي رفض في غيره، فكذلك قولهم: يا ابن أمي.
ومن قال: يا ابن أمّ، فبنى الاسمين على الفتح، والفتحة في: ابن، ليست النصبة التي كانت تكون في الاسم المضاف المنادى، ولكن بني على الحركة التي كانت تكون للإعراب، كما أنّ قولهم: لا رجل كذلك، وكما أن:
مكانك، إذا أردت به الأمر لا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت فيه وهو ظرف، ولكنّه على حدّ الفتحة التي كانت في رويدك.
[الحجة للقراء السبعة: 4/90]
فإن قلت: لم لا نقول: إنها نصبة؟، فالمراد يا ابن أمّا، فحذف الألف كما حذفت ياء الإضافة في غلامي [في النداء].
قيل: ليس مثله، ألا ترى أنّ من حذف الياء من: يا غلام، أثبتها في يا غلام غلامي؟ فلو كانت الألف مقدرة في:
يا ابن أمّ، لم يكن يحذف، كما لم يحذف في قوله:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي فالألف لا تحذف حيث تحذف الياء، ألا ترى أن من قال ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، والليل إذا يسر [الفجر/ 4]، فحذف الياء من الفواصل، وما أشبه الفواصل من الكلام التام، لم يكن عنده في نحو قوله: والليل إذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/91]
يغشى والنهار إذا تجلى [الليل/ 1]، إلّا الإثبات.
فإن قلت: فقد حذفت الألف في نحو:
رهط مرجوم، ورهط ابن المعلّ وهو يريد المعلّى، وقد أنشد أبو الحسن:
فلست بمدرك ما فات مني... بلهف ولا بليت ولا لو أنّي
يريد بلهفى فحذف الألف.
فالقول: إن ذلك في الشعر ولا يجوز في الاختيار وحال السّعة؛ فلا ينبغي أن يحمل قوله: يابن أم على هذا.
وقياس من أجاز ذلك أن تكون فتحة الابن نصبة، والفتحة في أمّ ليست كالتي في عشر من خمسة عشر، ولكن مثل الفتحة التي في الميم من: يا بنت عمّا.
وحجة من قال: يا بن أم لا تأخذ أن سيبويه قال: وقد
[الحجة للقراء السبعة: 4/92]
قالوا أيضا: يا بن أمّ ويا بن عمّ، كأنهم جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوه كقولك: يا أحد عشر أقبلوا. قال وإن شئت قلت: حذفوا هذه الياء لكثرة هذا في كلامهم وعلى ذا قال الشاعر:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي). [الحجة للقراء السبعة: 4/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ]، وقرأ أيضًا: [فَلا يَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ].
قال أبو الفتح: الذي رويناه عن قطرب في هذا أن قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ] رفع -كما ترى- بفعلهم، فالظاهر أن انصرافه إلى الأعداء، ومحصوله: يا رب، با تُشْمِتْ أنت بي الأعداء، كقراءة الجماعة.
فأما مع النصب فإنه كأنه قال: لا تَشْمَتْ بي أنت يا رب، وجاز هذا كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ونحوه مما يجري هذا المجرى، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلًا نصب به الأعداء، فكأنه قال: لا تُشْمِتْ بي الأعداء، كقراءة الجماعة). [المحتسب: 1/259]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ابن أم إن القوم استضعفوني}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {قال ابن أم} بفتح الميم جعلوا الاسمين اسما واحدًا نحو خمسة عشر ففتحوا ابن أم وابن عم لكثرة استعمالهم هذا الاسم
واعلم أن النداء كلام محتمل الحذف فجعلوا ابن وأم شيئا واحدًا وقال آخرون إنّهم أرادوا الندبة ب ابن أمّاه قالوا والعرب تقول يا بن عماه والأصل يا بن أمّي ثمّ قلبت الياء ألفا فصارت يا بن أما ثمّ حذفت الألف لأن الفتحة تنوب عنها
وقرأ أهل الشّام والكوفة {قال ابن أم} بالكسر وكذلك في طه والأصل يا بن أمّي بإثبات الياء ثمّ حذفوا الياء لأن الكسرة نابت عن الياء وحجتهم قوله {يا قوم لا أسألكم} فإن قيل لم حذفت الياء من قولك يا بن أم والمنادى ها هنا الابن لا الأم وهو مثل قولك يا غلام غلامي وها هنا لم تجوز حذف الياء وإنّما سقطت الياء من المنادى من نحو يا قوم ويا عباد
[حجة القراءات: 297]
الجواب عنه إنّما جاز حذف الياء من الأم تشبيها بياء الإضافة في قول القائل يا غلام وذلك أنا جعلنا الاسمين اسما واحدًا فتنزلا منزلة اسم واحد كأنّك تنادي واحدًا لأنّك إذا قلت يا بن أم كأنّك قلت يا أخ فهو بمنزلة قولك يا غلام ويا قوم). [حجة القراءات: 298]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (46- قوله: {ابن أم} وفي طه: {يا ابن أم} «94» قرأهما ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الميم، وقرأ الباقون بالفتح.
وحجة من فتح أنه جعل الاسمين اسمًا واحدًا لكثرة الاستعمال بمنزلة خمسة عشر، وبناه على الفتح، فالفتحة في «ابن أم» كفتحة التاء في خمسة عشر، وقد قيل: إن من فتح أراد، يا ابن أمي، ثم أبدل من كسرة الميم فتحة، فانقلبت الياء ألفًا، ثم حذفت استخفافًا لكثرة الاستعمال، ولأن الفتحة تدل على الألف، وفيه بعد؛ لأن ياء الإضافة لا تحذف في غير المنادى، ولا يحذف ما هو عوض منها إلا في النداء، وليس «أم» بمنادى، فإنما يجوز هذا على قول من قال: مررت بغلام يا هذا، يريد: بغلامي، ثم حذف الياء لدلالة الكسرة عليها، وهذا قليل جائز، والإثبات أكثر، وقد أجازوا: مررت بالقاض، وجاءني القاض، من غير ياء؛ لأن الياء قد كانت محذوفة للتنوين قبل دخول الألف واللام، فلما دخلتا حذف التنوين وبقيت الياء على حذفها، فليس قولك: جاءني غلام، ومررت بغلام، مثل ما فيه الألف واللام في جواز حذف الياء، وقد حذفت الياء، وهي لام الفعل في نحو: {يوم يأت} «هود 105» و{نبغ} «الكهف 64» وحذفت، وهي للإضافة في نحو: {ألا تتبعن} «طه 93» {إن ترن}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
«الكهف 39»، وقرأ بذلك القراء، فحذف الياء من غير المنادى مترجح في القوة والضعف، لا سيما وقد دخل «يا بن أم» تغيير بعد تغيير، ثم حذف، فلذلك أبعدوا في جوازه.
47- وحجة من كسر أنه لما لم يدخل الكلام تغيير، قبل حذف الياء، استخف حذف الياء، لدلالة الكسرة عليها، ولكثرة الاستعمال، فهو نداء مضاف بمنزلة قولك: يا غلام غلام، فالفتح هو الاختيار، على تأويل الوجه الأول من البناء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/479]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [آية/ 150] بفتح الميم:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب، وكذلك في طه.
والوجه أنهما اسمان جعلا اسمًا واحداً، وبنيا على الفتح كبناء خمسة عشر؛ لكثرته في كلامهم، وكما قالوا: لقيته كفة كفة، وهو جاري بيت بيت، والفتحة في {ابْنَ} فتحة بناء، وليست بنصب، كما في الاسم المضاف إذا نودي، قال سيبويه:
إنما بني هذا؛ لأنه أكثر في كلامهم من يا ابن أبي ويا غلام غلامي.
أشار إلى أن كثرة استعمالهم له دعتهم إلى أن طلبوا في الخفة، فجعلوا الاسمي اسمًا واحداً.
ويجوز أن يكون أصله يا ابن أُما بالألف المبدلة عن الياء، فحذفوا اللف، والابن على هذا مضاف، وفتحته نصب بحرف النداء.
[الموضح: 557]
وقرأ الباقون {يَا بْنَ أُمّ} بكسر الميم.
والوجه أن {ابْنَ} منصوب على أنه منادى مضاف، و{أُمَّ} أصله أمي، بالإضافة إلى ياء المتكلم، فحذفوا هذه الياء لكثرته في كلامهم، ويجوز أن تكون فتحة {ابْنَ} فتحة بناء كالوجه الأول، و{ابْنَ} مع {أُمَّ} كالشيء الواحد، إلا أنهم أضافوه إلى الياء ثم حذفوا الياء). [الموضح: 558]

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:58 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (155) إلى الآية (157) ]

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}

قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}

قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي وَجْزَة السعدي: [هِدْنا إليك].
قال أبو الفتح: أما {هُدْنا} بضم الهاء مع الجماعة فتُبْنَا، والْهُود: جمع هائد؛ أي: تائب.
وأما [هِدْنا] بكسر الهاء في هذه القراءة فمعناه انجذبنا وتحركنا، يقال: هادَني يهيدُني هيْدًا؛ أي: جذبني وحركني، فكأنه قال: إنا هِدْنا أنفسنا إليك، وحركناها نحو طاعتك.
قال:
أَلِمَّا عليها فانعَيانِيَ وانظرا ... أينصتها أم لا يُهيِّدُها ذِكْري
أي: أم لا يهيجها ويهزها ذكري، ومنه قولهم في زجر الإبل: هِيد؛ أي: أسرعي. قال ذو الرمة:
إذا حداهن بهيدٍ هِيدِ ... صفحْن للأزرار بالخدود). [المحتسب: 1/260]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو الأسواري: [أُصيبُ به مَن أَسَاءَ].
قال أبو الفتح: هذه القراءة أشد إفصاحًا بالعدل من القراءة الفاشية التي هي: {مَن أشاء}؛ لأن العذاب في القراءة الشاذة مذكور علة الاستحقاق له، وهو الإساءة، والقراءة الفاشية لا يُتناول من ظاهرها علة أصابة العذاب له، وأن ذلك لشيء يرجع إلى الإنسان، وإن كنا قد أحطنا علمًا بأن الله تعالى لا يظلم عباده، وأنه لا يعذب أحدًا منهم إلا بما جناه واجترمه على نفسه، إلا أنا لم نعلم ذلك من هذه الآية؛ بل من أماكن غيرها. وظاهر قوله تعالى: {مَنْ أَشَاء} بالشين معجمة ربما أوهم من يضعف نظره من المخالفين أنه يعذب من يشاء من عباده، أساء أو لم يسئ، نعوذ بالله من اعتقاد ما هذه سبيله، وهو حسبنا وولينا). [المحتسب: 1/261]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويضع عنهم إصرهم... (157).
قرأ ابن عامر وحده (ويضع عنهم آصارهم) ممدودة الألف، وقرأ الباقون (إصرهم) واحدًا.
قال أبو منصور: الإصر: واحد، وجمعه آصارٌ.
ومعني الإصر: ما شدد عليهم من العقوبات، وأصل الإصر: العهد والميثاق.
[معاني القراءات وعللها: 1/425]
ويقال للعقوبة التي عوقب بها ناكث الميثاق: إصر؛ لأنه عوقب بها لنكثه العهد، مثل إصر وآصار: إرب وآراب للأعضاء). [معاني القراءات وعللها: 1/426]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} [157].
قرأ ابن عامر: {آصراهم} بالجمع، أي: أثقالهم.
وقرأ الباقون: {إصرهم} بالتوحيد، فالهمزة في الواحد أصلية، وهي فاء الفعل، وإصر مثل جذع.
وفي قراءة ابن عامر همزتان، الأولى ألف الجمع، والثانية أصلية، فلما اجتمع همزتان لينوا الثانية، والأصل أأصار، فلينت الثانية، ووزنه أفعال مثل أجذاع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى: إصرهم [الأعراف/ 157].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي إصرهم بكسر الألف.
وقرأ ابن عامر: آصارهم ممدودة الألف على الجمع.
[قال أبو علي] الإصر: مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه، يدلك على ذلك قوله: ويضع عنهم إصرهم [الأعراف/ 157]، فأضيف وهو مفرد إلى الكثرة، ولم يجمع، وقال: ربنا ولا تحمل علينا إصرا [البقرة/ 286]، ولو شاء
[الحجة للقراء السبعة: 4/93]
الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [البقرة/ 20]، وقال: لا يرتد إليهم طرفهم [إبراهيم/ 43]، وقال: ينظرون من طرف خفي [الشورى/ 45].
فالوجه الإفراد كما أفرد في غير هذا الموضع.
وجمع ابن عامر كأنّه أراد ضروبا من المآثم مختلفة، فجمع لاختلافها، والمصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها كما تجمع سائر الأجناس، وإذا كانوا قد جمعوا ما يكون ضربا واحدا كقوله:
هل من حلوم لأقوام فتنذرهم... ما جرّب النّاس من عضّي وتضريسي
فأن يجمع ما يختلف من المآثم أجدر.
فجعل إصرا وآصارا، بمنزلة عدل، وأعدال، ويقوي ذلك قوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13] والثقل مصدر كالشّبع والصّغر والكبر). [الحجة للقراء السبعة: 4/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال ابن رومي: حدثني أحمد بن موسى، وحدثني الثقة عنه أنه قرأ: [النَّبِيَّ الْأَمِّيَّ] بفتح الهمزة، يقول: يأْتم به مَنْ قبله.
قال أبو الفتح: هذا منسوب إلى مصدر أَمَمت الشيء أَمًّا، كقولك: قصدته قصدًا، ثم أضيف إليه عليه السلام، هذا على هذا التفسير الذي سبق ذكره.
وقد يجوز مع هذا أن يكون أراد الأُمي بضم الهمزة كقراءة الجماعة، ثم لحقه تغيير النسب، كقولهم في الإضافة إلى أُميَّة: أَموى، بفتح الهمزة، وكقولهم في الدهر: دُهْرِي، وفي الأمس: إِمْسِي، وفي الأفق: أَفَقِي بفتح الهمزة، وهو باب كبير واسع عنهم). [المحتسب: 1/260]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري وسليمان التيمي وقتادة: [وعَزَرُوه] خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح: مشهور اللغة في ذلك: عزَّرت الرجل: أي عظمته، وهو مشدد، وقد قالوا: عَزَرتُ الرجل عن الشيء بتخفيف الزاي إذا منعته عن الشيء، ومنه سمي الرجل: عَزْرة؛ فقد يجوز أن يكون [وعزَرُوه] على هذه القراءة؛ أي: منعوه وحجزوا ذكره عن السوء، كقوله: سبحان الله، ألا ترى أن أبا الخطاب فسره فقال: براءة الله من السوء؟ فبرَّأْته من الشيء وحجزته عنه بمعنى واحد). [المحتسب: 1/261]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم}
قرأ ابن عامر (ويضع عنهم آصارهم) على الجمع أي أثقالهم تقول إصر وآصار مثل جذع وأجذاع وفي قراءته همزتان الأولى ألف الجمع والثّانية أصلية فلمّا اجتمعت همزتان لينوا الثّانية والأصل أأصارهم وحجته أنه لم يختلف في جمع الأغلال وهي نسق على الإصر وكذلك آصارهم لقوله {والأغلال الّتي كانت عليهم} قيل إن الآصار هي العهود
وقرأ الباقون {إصرهم} وحجتهم قوله تعالى {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} وقوله {وأخذتم على ذلكم إصري} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
عن سعيد بن جبير {ويضع عنهم إصرهم} قال شدّة العبادة). [حجة القراءات: 298]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (48- قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قرأه ابن عامر بالجمع مثل «أعمالهم» وهو جمع إصر والإصر الثقل من الإثم وغيره، وهو مصدر لكن جُمع لاختلاف ضروب المآثم، وهو في المعنى والجمع بمنزلة قوله: {وليحملن أثقالهم مع أثقالهم} «العنكبوت 13» فجمع لاختلاف أنواع الآثام، وهو جمع ثقل، وهو مصدر، وقرأ الباقون «إصرهم» بالتوحيد مثل «إثمهم» فاكتفوا بالواحد؛ لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من جنسه، مع إفراد لفظه، فهو بابه وأصله، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله: {ولا تحمل علينا إصرًا} «البقرة 286» وعلى التوحيد في قوله: {وعلى سمعهم} «البقرة 7» وقوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} «إبراهيم 43» و{من طرفٍ خفي} «الشورى 45» وكله بمعنى الجمع، لكن إضافته إلى جمع تدل على أن المراد به الجمع، لأنه لكل واحد من المضاف إليهم طرف وسمع وإصْر، فحسن التوحيد، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ولأنه أخف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/479]
وأكثر في الاستعمال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/480]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {ويَضَعُ عَنْهُمْ آصْارَهُمْ} [آية/ 157] بالجمع:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه جمع إصر، والإصر مصدر إلا أنه جمع لاختلاف ضروبه؛ لأنه أراد ضروبًا مختلفة من الأثقال، فآصار كأثقال، فكما أن الثقل يجمع على الأثقال لاختلاف ضوربه، فكذلك الإصر يجمع على الآصار.
وقرأ الباقون {إصْرَهُمْ} بكسر الألف على الواحد.
والوجه أن إصراً مصدرٌ، فهو يقع بلفظه على الكثرة، ولهذا أضافه وهو مفرد إلى الجمع، فقال {إصْرَهُمْ كما قال تعالى {وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وقال {لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ فالوجه الإفراد لكونه مصدراً،
[الموضح: 558]
(وقد) جاء في التنزيل مفرداً قال تعالى {ولا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا} ). [الموضح: 559]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة