العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة هود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 06:25 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة هود [ من الآية (69) إلى الآية (73) ]

تفسير سورة هود
[ من الآية (69) إلى الآية (73) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 06:26 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج قال: سمعت مروان يقرأ: {قالوا سلاما}، قال: سلمٌ). [الجامع في علوم القرآن: 3/51]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى بعجل حنيذ قال نضيج). [تفسير عبد الرزاق: 1/305]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر وقال الكلبي الحنيذ الذي يحنذ في الأرض). [تفسير عبد الرزاق: 1/305]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت: 295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ أبو يعقوب أخو زكريّا بن عديٍّ بمصر قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عز وجل: {عجلٍ حنيذٍ} قال: النّضيج السّخن). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 87]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلامًا قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ}.
يقول تعالى ذكره: {ولقد جاءت رسلنا} من الملائكة وهم فيما ذكر كانوا جبرئيل وملكين آخرين. وقيل أنّ الملكين الآخرين كانا ميكائيل وإسرافيل معه. {إبراهيم} يعني إبراهيم خليل اللّه {بالبشرى} يعني: بالبشارة.
واختلفوا في تلك البشارة الّتي أتوه بها، فقال بعضهم: هي البشارة بإسحاق.
وقال آخرون: هي البشارة بهلاك قوم لوطٍ.
{قالوا سلامًا} يقول: فسلّموا عليه سلامًا، ونصب سلامًا بإعمال قالوا فيه، كأنّه قيل: قالوا قولاً وسلّموا تسليمًا.
{قال سلامٌ} يقول: قال إبراهيم لهم: سلامٌ. فرفع سلامٌ، بمعنى عليكم السّلام، أو بمعنى سلامٌ منكم.
وقد ذكر عن العرب أنّها تقول سلمٌ بمعنى السّلام؛ كما قالوا: حلٌّ وحلالٌ، وحرمٌ وحرامٌ. وذكر الفرّاء أنّ بعض العرب أنشده:
مررنا فقلنا إيه سلمٌ فسلّمت = كما اكتلّ بالبرق الغمام اللّوائح
بمعنى سلامٌ. وقد روي كما انكلّ.
وقد زعم بعضهم أنّ معناه إذا قرئ كذلك: نحن سلمٌ لكم، من المسالمة الّتي هي خلاف المحاربة، وهذه قراءة عامّة قرّاء الكوفيّين.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والبصرة {قالوا سلامًا قال سلامٌ} على أنّ الجواب من إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم لهم، بنحو تسليمهم، عليكم السّلام.
والصّواب من القول في ذلك عندي: أنّهما قراءتان متقاربتا المعنى، لأنّ السّلم قد يكون بمعنى السّلام على ما وصفت، والسّلام بمعنى السّلم، لأنّ التّسليم لا يكاد يكون إلاّ بين أهل السّلم دون الأعداء، فإذا ذكر تسليمٌ من قومٍ على قومٍ وردّ الآخرين عليهم، دلّ ذلك على مسالمة بعضهم بعضًا. وهما مع ذلك قراءتان قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما أهل قدوةٍ في القراءة، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب.
وقوله: {فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ}. يقول: فما بطّأ إبراهيم إذ تضيّفته رسل الله أن جاءهم بعجلٍ حينئذٍ، وأصله محنوذٍ، صرف من مفعولٍ إلى فعيلٍ.
وقد اختلف أهل العربيّة في معناه، فقال بعض أهل البصرة منهم: معنى المحنوذ: المشوي، قال: ويقال منه: حنذت فرسي، بمعنى سخّنته وعرّقته. واستشهد لقوله ذلك ببيت الرّاجز:
ورهبا من حنذه أن يهرجا
وقال آخر منهم: حنذ فرسه: أي أضمره، وقال: قالوا حنذه يحنذه حنذًا: أي عرّقه.
وقال بعض أهل الكوفة: كلّ ما انشوى في الأرض إذا خددت له فيه فدفنته، وغممته، فهو الحنيذ والمحنوذ. قال: والخيل تحنذ إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعضٍ لتعرق. قال: ويقال: إذا سقيت فأحنذ، يعني أخفس، يريد: أقلّ الماء وأكثر النّبيذ.
قال: وأمّا أهل التّأويل، فإنّهم قالوا في معناه ما أنا ذاكره.
وذلك ما:
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {بعجلٍ حنيذٍ} يقول: نضيجٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {بعجلٍ حنيذٍ} قال: بعجلٍ حسيل البقر، والحنيذ: المشويّ النّضيج.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاج، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} إلى {بعجلٍ حنيذٍ} قال: نضيجٍ سخنٍ أنضج بالحجارة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ} والحنيذ: النّضيج.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {بعجلٍ حنيذٍ} قال: نضيجٍ قال: وقال الكلبيّ: والحنيذ: الّذي يحنذ في الأرض.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن حفص بن حميدٍ، عن شمرٍ، في قوله: {جاء بعجلٍ حنيذٍ} قال: الحنيذ: الّذي يقطر ماءً وقد شوي. وقال حفصٌ: الحنيذ: مثل حناذ الخيل.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ذبحه ثمّ شواه في الرّضف فهو الحنيذ حين شواه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو يزيد، عن يعقوب، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة، {جاء بعجلٍ حنيذٍ} قال: المشويّ الّذي يقطر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ، قال: حدّثنا يعقوب، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة، قال: الحنيذ الّذي يقطر ماؤه وقد شوي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {بعجلٍ حنيذٍ} قال: نضيجٍ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {بعجلٍ حنيذٍ} الّذي أنضج بالحجارة.
- وحدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، {فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ} قال: مشويّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصّمد، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: حنيذٍ، يعني شوي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: الحناذ: الإنضاج.
وهذه الأقوال الّتي ذكرناها عن أهل العربيّة وأهل التّفسير، متقاربات المعاني بعضها من بعضٍ، وموضع أن في قوله: {أن جاء بعجلٍ حنيذٍ} نصب بقوله: فما لبث أن جاء). [جامع البيان: 12/465-470]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلامًا قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ (69)
قوله تعالى: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، عن داود، عن عكرمة يعني قوله: جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قال بشر بنبوته.
قوله تعالى: قالوا سلامًا قال سلامٌ
- ذكر أبي عن نصر بن عليٍّ، ثنا أبي عن حسامٍ، عن أبي بشيرٍ، عن سعيد، بن جبيرٍ ما كان من قوله الملائكة فردّ عليهم إبراهيم عليه السّلام فإنّه يقول قالوا سلامًا قال سلامٌ.
قوله تعالى: فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله بعجلٍ حنيذٍ قال: يعني: شواه نضجه.
قوله تعالى: فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذ
- ذكره عن أبي موسى محمّد بن المثنّى، ثنا أبو عامرٍ، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ بعجلٍ حنيذٍ قال: سميطٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن عبد الرحمن المقري وعيسى بن زياد قالا، ثنا يعقوب ابن عبد اللّه الأشعريّ، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة جاء بعجلٍ حنيذٍ قال الحنيذ: الذي يقط ماؤه وقد شوي قال حفصٌ: والحنيذ: مثل حناذ الخيل حين يقطر منه الماء.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: بعجلٍ حنيذٍ والحنيذ: الّذي أنضج بالحجارة.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيبٍ، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه وأمّا عجل حنيذ فيقال: النضيج السخن.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا نوح بن قيسٍ، عن عثمان بن محصنٍ في ضيف إبراهيم قال: كانوا أربعةً جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل قال نوحٌ فزعم عون بن أبي شدّادٍ أنّه لمّا دخل على إبراهيم فقرّب إليهم العجل مسحه جبريل بجناحيه فقام يدرج حتّى لحق بأمّه وأمّ العجل في الدّار). [تفسير القرآن العظيم: 6/2053-2054]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو الحسن إسماعيل بن محمّد بن الفضل بن محمّدٍ الشّعرانيّ، ثنا جدّي، ثنا أبو ثابتٍ محمّد بن عبيد اللّه المدنيّ، حدّثني إبراهيم بن سعدٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «ألهم إبراهيم الخليل عليه السّلام هذا اللّسان العربيّ إلهامًا» هذا حديثٌ غريبٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين " إن كان الفضل بن محمّدٍ حفظه متّصلًا عن أبي ثابتٍ فقد حدّثناه أبو عليٍّ الحافظ، أنبأ أبو عبد الرّحمن النّسائيّ، ثنا عبيد اللّه بن سعدٍ الزّهريّ، ثنا عمّي، عن أبيه، عن سفيان، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مرسلًا نحوه). [المستدرك: 2/374]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 69.
أخرج ابن أبي حاتم عن عثمان بن محسن رضي الله عنه في ضيف إبراهيم كانوا أربعة، جبريل عليه السلام وميكائيل وإسرافيل ورفائيل). [الدر المنثور: 8/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قرأ قالوا سلاما قال سلام وكل شيء سلمت عليه الملائكة فقالوا سلاما قال سلام). [الدر المنثور: 8/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {بعجل حنيذ} قال: نضيج). [الدر المنثور: 8/89-90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {حنيذ} قال: مشوي). [الدر المنثور: 8/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {بعجل حنيذ} قال: سميط). [الدر المنثور: 8/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {بعجل حنيذ} قال: الحنيذ النضيج ما يشوى بالحجارة، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر وهو يقول:
لهم راح وفار المسك فيهم * وشاوهم إذا شاوا حنيذ). [الدر المنثور: 8/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {بعجل حنيذ} قال: الحنيذ الذي أنضج بالحجارة). [الدر المنثور: 8/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن شمر بن عطية قال: الحنيذ الذي شوي وهو يسيل منه الماء). [الدر المنثور: 8/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 70 - 73
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن كعب رضي الله عنه قال: بلغنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف على سدوم فيقول: ويلك يا سدوم يوم مالك ثم قال {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} نضيج وهو يحسبهم أضيافا {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} فقال لها جبريل {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} وكلمهم إبراهيم في أمر قوم لوط إذ كان فيهم إبراهيم قالوا: (يا إبراهيم أعرض عن هذا) (سورة هود الآية 76) إلى قوله (ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم) (سورة هود الآية 77) قال: ساءه مكانهم لما رأى منه من الجمال {وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب} قال: يوم سوء من قومي فذهب بهم إلى منزله فذهبت امرأته لقومه (فجاءه قومه يهزعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال: يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) (سورة هود الآية 78) تزوجوهن (أليس منكم رجل رشيد قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) (سورة هود الآية 79) وجعل الأضياف في بيته وقعد على باب البيت (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) (سورة هود الآية 80) قال: إلى عشيرة تمنع فبلغني أنه لم يبعث بعد لوط عليه السلام رسول إلا في عز من قومه فلما رأت الرسل ما قد لقي لوط في سيئتهم {قالوا يا لوط إنا رسل ربك} إنا ملائكة {لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} إلى قوله (أليس الصبح بقريب) (سورة هود الآية 81)، فخرج عليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم بجناحه ضربة فطمس أعينهم والطمس ذهاب الأعين ثم احتمل جبريل وجه أرضهم حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها عليهم {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} قال: على أهل بواديهم وعلى رعاثهم وعلى مسافرهم فلم يبق منهم أحد). [الدر المنثور: 8/90-92]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم قال كانوا إذا نزل لهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وأنه يحدث نفسه بشر قال ثم حدثوه عند ذلك لما جاؤوه فضحكت امرأته عند ذلك تعجبا من غفلة القوم وما أتاهم من العذاب فبشروها بإسحاق بعد الذي كان من أمره ومن وراء إسحاق يعقوب). [تفسير عبد الرزاق: 1/305-306]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({نكرهم} [هود: 70] : «وأنكرهم واستنكرهم واحدٌ»). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحدٌ هو قول أبي عبيدة وأنشد وأنكرتني وما كان الّذي نكرت). [فتح الباري: 8/351]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد) أشار به إلى قوله تعالى {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة} الآية أي فلمّا رأى أيدي الملائكة لا تصل إلى عجل حنيذ الّذي قدمه إليهم حين جاء خاف فقالوا {لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوط} وأشار بأن معنى نكرهم الثلاثي المجرّد وأنكرهم الثلاثي المزيد فيه واستنكرهم من باب الاستفعال كلها بمعنى واحد من الإنكار وقال الجوهري نكرت الرجل بالكسر نكرا ونكورا وأنكرته كله بمعنى). [عمدة القاري: 18/292]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم}) [هود: 70] قال أبو عبيدة {نكرهم} أي الثلاثي المجرد (وأنكرهم) الثلاثي المزيد فيه (واستنكرهم) الذي هو من باب الاستفعال كلها (واحد) في المعنى وهو الإنكار، وذلك أن الخليل عليه الصلاة والسلام لما جاءه الرسل كلها جبريل ومن معه من الملائكة وجاء بعجل مشوي ورأى أيديهم لا ئصل إليه أنكر ذلك، وخاف أن يريدوا به مكروهًا فقالوا له: لا تخف إنّا ملائكة مرسلة بالعذاب إلى قوم لوط عليه الصلاة والسلام وإنما لم نمد أيدينا إليه لأنا لا نأكل). [إرشاد الساري: 7/170]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إلى العجل الّذي أتاهم به والطّعام الّذي قدّم إليهم نكرهم، وذلك أنّه لمّا قدّم طعامه صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم فيما ذكر كفّوا عن أكله، لأنّهم لم يكونوا ممّن يأكله، وكان إمساكهم عن أكله عند إبراهيم، وهم ضيفانه مستنكرًا، ولم تكن بينهم معرفةٌ، وراعه أمرهم، وأوجس في نفسه منهم خيفةً.
وكان قتادة يقول: كان إنكار إبراهيم ذلك من أمرهم. لما:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً} وكانت العرب إذا نزل بهم ضيفٌ، فلم يطعم من طعامهم، ظنّوا أنّه لم يجيء بخيرٍ، وأنّه يحدّث نفسه بشرٍّ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم} قال: كانوا إذا نزل بهم ضيفٌ فلم يأكل من طعامهم، ظنّوا أنّه لم يأت بخيرٍ، وأنّه يحدّث نفسه بشرٍّ، ثمّ حدّثوه عند ذلك بما جاءوا.
وقال غيره في ذلك ما:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن الأسود بن قيسٍ، عن جندب بن سفيان، قال: لمّا دخل ضيف إبراهيم عليه السّلام قرّب إليهم العجل، فجعلوا ينكتون بقداحٍ في أيديهم من نبلٍ، ولا تصل أيديهم إليه، نكرهم عند ذلك.
يقال منه: نكرت الشّيء أنكره، وأنكرته أنكره بمعنًى واحدٍ، ومن نكرت وأنكرت قول الأعشى:
وأنكرتني وما كان الّذي نكرت = من الحوادث إلاّ الشّيب والصّلعا
فجمع اللّغتين جميعًا في البيت.
وقال أبو ذؤيبٍ:
فنكرنه فنفرن وامترست به = هوجاء هاديةٌ وهادٍ جرشع
وقوله: {وأوجس منهم خيفةً} يقول: أحسّ في نفسه منهم خيفةً وأضمرها، {قالوا لا تخف} يقول: قالت الملائكة لمّا رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم: لا تخف منّا وكن آمنًا، فإنّا ملائكة ربّك أرسلنا إلى قوم لوطٍ). [جامع البيان: 12/470-472]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ (70)
قوله تعالى: فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، ثنا شيبان أبو معاوية، ثنا الأسود بن قيسٍ، عن جندب بن سفيان قال: فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم قال: لمّا جاء إبراهيم الرّسل فأتاهم بالطّعام فجعل ينكت في جنب العجل بقداحٍ من نبلٍ لمّا رأى أيديهم لا تصل إليه فنكرهم عند ذلك إبراهيم.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن هاشمٍ الرّمليّ، ثنا ضمرة، عن يزيد بن أبي يزيد في قوله: فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم قال: لم نر لهم أيدي فنكرهم.
قوله تعالى: وأوجس منهم خيفةً
- حدّثنا أبي هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً وكانت العرب إذا نزل بهم ضيفٌ فلم يطعم من طعامهم ظنوا إنه لم يجيء لخيرٍ وأنّه يحدث نقمةً بالسّرّ ثمّ حدّثوه عن ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته.
قوله تعالى: قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن عمر بن شقيقٍ، ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران أخبرني، عن عبد اللّه بن رباح الأنصاريّ، عن كعبٍ إنّا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت بخزي اللّه إيّاهم.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة يعني قوله: وامرأته قائمةٌ فضحكت قال: فضحكت امرأته وعجبت إنّ قومًا أتاهم العذاب وهم في غفلةٍ فضحكت من ذلك وعجبت.
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهب بن منبّهٍ فلمّا رأى اللّه ذلك يعني فاحشة قوم لوطٍ بعث اللّه عزّ وجلّ الملائكة ليعذّبوهم فأتوا إبراهيم فلمّا رأهم راعه هيئتهم وجمالهم فسلّموا عليه وجلسوا إليه فقام ليقرب لهم العجل فقالوا مكانك قال: بل دعوني آتيكم بما ينبغي لكم فإنّ لكم حقًّا لم يأتنا أحدٌ أحقّ بالكرامة منكم فأمر بعجلٍ سمينٍ فحنذ له يعني شوي فقرّب إليهم الطّعام فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً وسارة وراء الباب تسمع). [تفسير القرآن العظيم: 6/2054-2055]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما رأى إبراهيم أنه لا تصل إلى العجل أيديهم نكرهم وخافهم وإنما كان خوف إبراهيم أنهم كانوا في ذلك الزمان إذا هم أحدهم بأمر سوء لم يأكل عنده يقول: إذا أكرمت بطعامه حرم علي أذاه فخاف إبراهيم أن يريدوا به سوءا فاضطربت مفاصله وامرأته سارة قائمة تخدمهم وكان إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة لتخدمهم فضحكت سارة وإنما ضحكت أنها قالت: يا إبراهيم وما تخاف إنهم ثلاثة نفر وأنت وأهلك وغلمانك قال لها جبريل: أيتها الضاحكة أما أنك ستلدين غلاما يقال له إسحاق ومن ورائه غلام يقال له يعقوب {فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها} فأقبلت والهة تقول: واويلتاه، ووضعت يدها على وجهها استحياء، فذلك قوله {فصكت وجهها} و{قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا} قال: لما بشر إبراهيم بقول الله {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى} بإسحاق {يجادلنا في قوم لوط} وإنما كان جداله أنه قال: يا جبريل أين تريدون وإلى من بعثتم قال: إلى قوم لوط وقد أمرنا بعذابهم، فقال إبراهيم (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) (العنكبوت الآية 32) وكانت فيما زعموا تسمى والقة فقال إبراهيم: إن كان فيهم مائة مؤمن تعذبونهم قال جبريل: لا، قال: فإن كان فيهم تسعون مؤمنون تعذبونهم قال جبريل: لا قال: فإن كان فيهم ثمانون مؤمنون تعذبونهم قال جبريل: لا حتى انتهى في العدد إلى واحد مؤمن قال جبريل: لا فلما لم يذكروا لإبراهيم أن فيها مؤمنا واحدا قال: (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) (العنكبوت الآية 32) ). [الدر المنثور: 8/92-93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن وهب بن منبه رضي الله عنه، أن إبراهيم عليه السلام حين أخرجه قومه بعدما ألقوه في النار خرج بامرأته سارة ومعه أخوها لوط وهما ابنا أخيه فتوجها إلى أرض الشام ثم بلغوا مصر وكانت سارة رضي الله عنها من أجمل الناس فلما دخلت مصر تحدث الناس بجمالها وعجبوا له حتى بلغ ذلك الملك فدعا ببعلها وسأله ما هو منها فخاف إن قال له زوجها أن يقتله فقال: أنا أخوها، فقال: زوجينها، فكان على ذلك حتى بات ليلة فجاءه حلم فخنقه وخوفه فكان هو وأهله في خوف وهول حتى علم أنه قد أتى من قبلها فدعا إبراهيم فقال: ما حملك على أن تغرني زعمت أنها أختك فقال: إني خفت إن ذكرت أنها زوجتي أن يصيبني منك ما أكره فوهب لها هاجر أم إسمعيل وحملهم وجهزهم حتى استقر قرارهم على جبل ايليا فكانوا بها حتى كثرت أموالهم ومعايشهم فكان بين رعاء إبراهيم ورعاء لوط جوار وقتال: فقال لوط لإبراهيم: إن هؤلاء الرعاء قد فسد ما بينهم وكانت تضيق فيهم المراعي ونخاف أن لا تحملنا هذه الأرض فإن أحببت أن أخف عنك خففت، قال إبراهيم: ما شئت إن شئت فانتقل منها وإن شئت انتقلت منك، قال لوط عليه السلام: لا بل أنا أحق أن أخف عنك، ففر بأهله وماله إلى سهل الأردن فكان بها حتى أغار عليه أهل فلسطين فسبوا أهله وماله، فبلغ ذلك إبراهيم عليه السلام فأغار عليهم بما كان عنده من أهله ورقيقه وكان عددهم زيادة على ثلاثمائة من كان مع إبراهيم فاستنقذ من أهل فلسطين من كان معهم من أهل لوط حتى ردهم إلى قرارهم ثم انصرف إبراهيم إلى مكانه وكان أهل سدوم الذين فيهم لوط قوم قد استغنوا عن النساء بالرجال فلما رأى الله كان عند ذلك بعث الملائكة ليعذبوهم فأتوا إبراهيم فلما رآهم راعه هيئتهم وجمالهم فسلموا عليه وجلسوا إليه فقام ليقرب إليهم قرى فقالوا: مكانك، قال: بل دعوني آتيكم بما ينبغي لكم فإن لكم حقا لم يأتنا أحد أحق بالكرامة منكم فأمر بعجل سمين فحنذ له - يعني شوي لهم - فقرب إليهم الطعام {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة} وسارة رضي الله عنها وراء الباب تسمع {قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} مبارك فبشر به امرأته سارة فضحكت وعجبت كيف يكون له مني ولد وأنا عجوز وهذا شيخ كبير، {قالوا أتعجبين من أمر الله} فإنه قادر على ما يشاء وقد وهبه الله لكم فأبشروا به، فقاموا وقام معهم إبراهيم عليه السلام فمشوا معا وسألهم قال: أخبروني لم بعثتم وما دخل بكم قالوا: إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها فإنهم قوم سوء وقد استغنوا بالرجال عن النساء، قال إبراهيم: إن فيها قوما صالحين فكيف يصيبهم من العذاب ما يصيب أهل عمل السوء قالوا: وكم فيها قال: أرأيتم إن كان فيها خمسون رجلا صالحا، قالوا: إذن لا نعذبهم، قال: إن كان فيهم أربعون قالوا: إذن لا نعذبهم، فلم يزل ينقص حتى بلغ إلى عشرة ثم قال: فأهل بيت قالوا: فإن كان فيها بيت صالح، قال: فلوط وأهل بيته قالوا: إن امرأته هواها معهم فكيف يصرف عن أهل قرية لم يتم فيها أهل بيت صالحين، فلما يئس منهم إبراهيم عليه السلام انصرف وذهبوا إلى أهل سدوم فدخلوا على لوط عليه السلام فلما رأتهم امرأته أعجبها هيئتهم وجمالهم فأرسلت إلى أهل القرية أنه قد نزل بنا قوم لم ير قط أحسن منهم ولا أجمل، فتسامعوا بذلك فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا عليهم الجدران فلقيهم لوط عليه السلام فقال: يا قوم لا تفضحوني في بيتي وأنا أزوجكم بناتي فهن أطهر لكم، قالوا: لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانك ولكن لا بد لنا من هؤلاء القوم الذين نزلوا بك فخل بيننا وبينهم وأسلم منا فضاق به الأمر {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} فوجد عليه الرسل في هذه الكلمة فقالوا: إن ركنك لشديد وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ومسح أحدهم أعينهم بجناحه فطمس أبصارهم فقالوا: سحرنا انصرف بنا حتى ترجع إليهم تغشاهم الليل فكان من أمرهم ما قص الله في القرآن فأدخل ميكائيل وهو صاحب العذاب جناحه حتى بلغ أسفل الأرض ثم حمل قراهم فقلبها عليهم ونزلت حجارة من السماء فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانوا فأهلكهم الله تعالى ونجا لوط وأهله إلا امرأته). [الدر المنثور: 8/93-97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد البصري رضي الله عنه في قوله {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه} قال: لم ير لهم أيديا فنكرهم). [الدر المنثور: 8/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {نكرهم} الآية قال: كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وأنه يحدث نفسه بشر ثم حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته). [الدر المنثور: 8/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عمرو بن دينار رضي الله عنه قال: لما تضيفت الملائكة عليهم السلام إبراهيم عليه السلام قدم لهم العجل فقالوا: لا نأكله إلا بثمن، قال: فكلوا وأدوا ثمنه، قالوا: وما ثمنه قال: تسمون الله إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم، قال: فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: لهذا اتخذك الله خليلا). [الدر المنثور: 8/97-98]

تفسير قوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى فضحكت قال ضحكت حين راعوا إبراهيم مما رأت من الروع بإبراهيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/306]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر وقال قتادة فضحكت تعجبا مما فيه لوط من الغفلة وما أتاهم من العذاب). [تفسير عبد الرزاق: 1/306]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا سلمة عن إبراهيم بن الحكم قال حدثني أبي عكرمة في قوله فضحكت قال فحاضت). [تفسير عبد الرزاق: 1/306]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (71) : قوله تعالى: {وامرأته قائمةٌ فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن داود، عن الشّعبي - في قوله عزّ وجلّ: {ومن وراء إسحاق يعقوب} - قال: ((من وراء)) : ولد ولدٍ). [سنن سعيد بن منصور: 5/356]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وامرأته قائمةٌ فضحكت}.
يقول تعالى ذكره: {وامرأته} سارة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فالغ، وهي ابنة عمّ إبراهيم، {قائمةٌ} قيل: كانت قائمةٌ من وراء السّتر تستمع كلام الرّسل، وكلام إبراهيم عليه السّلام. وقيل: كانت قائمةٌ تخدم الرّسل، وإبراهيم جالسٌ مع الرّسل.
وقوله: {فضحكت} اختلف أهل التّأويل في معنى قوله {فضحكت} وفي السّبب الّذي من أجله ضحكت، فقال بعضهم: ضحكت الضّحك المعروف تعجّبًا من أنّها وزوجها إبراهيم يخدمان ضيفانهم بأنفسهما تكرمةً لهم، وهم عن طعامهم ممسكون لا يأكلون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: بعث اللّه الملائكة لتهلك قوم لوطٍ، أقبلت تمشي في صورة رجالٍ شبابٍ، حتّى نزلوا على إبراهيم فتضيّفوه، فلمّا رآهم إبراهيم أجلّهم فراغ إلى أهله، فجاء بعجلٍ سمينٍ، فذبحه، ثمّ شواه في الرّضف، فهو الحنيذ حين شواه. وأتاهم فقعد معهم، وقامت سارة تخدمهم، فذلك حين يقول: {وامرأته قائمةٌ} وهو جالسٌ. في قراءة ابن مسعودٍ فلمّا قرّبه إليهم قال: ألا تأكلون قالوا: يا إبراهيم إنّا لا نأكل طعامًا إلاّ بثمنٍ قال: فإنّ لهذا ثمنًا. قالوا: وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم اللّه على أوّله وتحمدونه على آخره.
فنظر جبرئيل إلى ميكائيل فقال: حقٌّ لهذا أن يتّخذه ربّه خليلاً. {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه} يقول: لا يأكلون، فزع منهم وأوجس منهم خيفةً؛ فلمّا نظرت إليه سارة أنّه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم، ضحكت وقالت: عجبًا لأضيافنا هؤلاء، إنّا نخدمهم بأنفسنا تكرمةً لهم، وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال آخرون: بل ضحكت من أنّ قوم لوطٍ في غفلةٍ، وقد جاءت رسل اللّه لهلاكهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: لمّا أوجس إبراهيم خيفةً في نفسه حدّثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضحكت امرأته وعجبت من أنّ قومًا أتاهم العذاب، وهم في غفلةٍ، فضحكت من ذلك وعجبت، فبشّرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، أنّه قال: ضحكت تعجّبًا ممّا فيه قوم لوطٍ من الغفلة وممّا أتاهم من العذاب.
وقال آخرون: بل ضحكت ظنًّا منها بهم أنّهم يريدون عمل قوم لوطٍ.
ذكر من قال ذلك ذلك:
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، في قوله: {وامرأته قائمةٌ فضحكت} قال: لمّا جاءت الملائكة ظنّت أنّهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوطٍ.
وقال آخرون: بل ضحكت لمّا رأت بزوجها إبراهيم من الرّوع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الكلبيّ، {فضحكت} قال: ضحكت حين راعوا إبراهيم ممّا رأت من الرّوع بإبراهيم.
وقال آخرون: بل ضحكت حين بشّرت بإسحاق، تعجّبًا من أن يكون لها ولدٌ على كبر سنّها وسنّ زوجها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصّمد أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: لمّا أتى الملائكة إبراهيم عليه السّلام فرآهم، راعه هيئتهم وجمالهم، فسلّموا عليه، وجلسوا إليه، فقام فأمر بعجلٍ سمينٍ، فحنذ له، فقرّب إليهم الطّعام، فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم، وأوجس منهم خيفةً، وسارة وراء البيت تسمع؛ قالوا: لا تخف إنّا نبشّرك بغلامٍ حليمٍ مباركٍ وبشّر به امرأته سارة، فضحكت، وعجبت كيف يكون لي ولدٌ وأنا عجوزٌ، وهو شيخٌ كبيرٌ فقالوا: أتعجبين من أمر اللّه؟ فإنّه قادرٌ على ما يشاء، فقد وهبه اللّه لكم فأبشروا به.
وقد قال بعض من كان يتأوّل هذا التّأويل: إنّ هذا من المقدّم الّذي معناه التّأخير، وكان معنى الكلام عنده: وامرأته قائمةٌ، فبشّرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت وقالت: {يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ}.
وقال آخرون: بل معنى قوله: فضحكت في هذا الموضع: فحاضت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، عن عليّ بن هارون، عن عمرو بن الأزهر، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فضحكت} قال: حاضت، وكانت ابنة بضعٍ وتسعين سنةً، قال: وكان إبراهيم ابن مائة سنةٍ.
وقال آخرون: بل ضحكت سرورًا بالأمن منهم لمّا قالوا لإبراهيم: لا تخف، وذلك أنّه قد كان خافهم وخافتهم أيضًا كما خافهم إبراهيم؛ فلمّا أمنت ضحكت، فأتبعوها البشارة بإسحاق.
وقد كان بعض أهل العربيّة من الكوفيّين يزعم أنّه لم يسمع ضحكت بمعنى حاضت من ثقةٍ.
وذكر بعض أهل العربيّة من البصريّين أنّ بعض أهل الحجاز أخبره عن بعضهم أنّ العرب تقول ضحكت المرأة: حاضت، قال: وقد قال: الضّحك: الحيض.
وقد قال بعضهم: الضّحك: العجب، وذكر بيت أبي ذؤيبٍ:
فجاء بمزجٍ لم ير النّاس مثله = هو الضّحك إلاّ أنّه عمل النّحل
وذكر أنّ بعض أصحابه أنشده في الضّحك بمعنى الحيض:
وضحك الأرانب فوق الصّفا = كمثل دم الجوف يوم اللّقا
قال: وذكر له بعض أصحابه أنّه سمع للكميت:
فأضحكت الضّباع سيوف سعدٍ = بقتلى ما دفنّ ولا ودينا
وقال: يريد الحيض.
قال: وبلحرث بن كعبٍ يقولون: ضحكت النّخلة: إذا أخرجت الطّلع أو البسر. وقالوا: الضّحك: الطّلع. قال: وسمعنا من يحكي: أضحكت حوضًا: أي ملأته حتّى فاض. قال: وكأنّ المعنى قريبٌ بعضه من بعضٍ كلّه، لأنّه كأنّه شيءٌ يمتلئ فيفيض.
وأولى الأقوال الّتي ذكرت في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى قوله: فضحكت: فعجبت من غفلة قوم لوطٍ عمّا قد أحاط بهم من عذاب اللّه وغفلتهم عنه.
وإنّما قلنا هذا القول أولى بالصّواب لأنّه ذكر عقيب قولهم لإبراهيم: لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ. فإذ كان ذلك كذلك، وكان لا وجه للضحك، والتّعجّب من قولهم لإبراهيم: لا تخف، كان الضّحك والتّعجّب إنّما هو من أمر قوم لوطٍ.
القول في تأويل قوله تعالى: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}.
يقول عزّ وجلّ: فبشّرنا سارة امرأة إبراهيم ثوابًا منّا لها على نكيرها وعجبها من فعل قوم لوطٍ بإسحاق ولدًا لها. {ومن وراء إسحاق يعقوب} يقول: ومن خلف إسحاق يعقوب من ابنها إسحاق.
والوراء في كلام العرب: ولد الولد، وكذلك تأوّله أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، قال: {ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: الوراء: ولد الولد.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ومحمّد بن المثنّى، قال كلّ واحدٍ منهما: حدّثني أبو اليسع إسماعيل بن حمّاد بن أبي المغيرة مولى الأشعريّ، قال: كنت إلى جنب جدّي أبي المغيرة بن مهران في مسجد عليّ بن زيدٍ، فمرّ بنا الحسن بن أبي الحسن، فقال: يا أبا المغيرة من هذا الفتى؟ قال: ابني من ورائي، فقال الحسن: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، قال: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد هو الوراء.
- حدّثني إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا خالدٌ، عن داود، عن عامرٍ، في قوله: {ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: الوراء: ولد الولد.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن الشّعبيّ، مثله.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو عمرٍو الأزديّ، قال: سمعت الشّعبيّ يقول: ولد الولد: هم الولد من الوراء.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ، ومعه ابن ابنه، فقال: من هذا معك؟ قال: هذا ابن ابني، قال: هذا ولدك من الوراء. قال: فكأنّه شقّ على ذلك الرّجل، فقال ابن عبّاسٍ: إنّ اللّه يقول: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} فولد الولد: هم الوراء.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا ضحكت سارة وقالت: عجبًا لأضيافنا هؤلاء، إنّا نخدمهم بأنفسنا تكرمةً لهم وهم لا يأكلون طعامنا قال لها جبريل: أبشري بولدٍ اسمه إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فضربت وجهها عجبًا، فذلك قوله: {فصكّت وجهها} وقالت: {أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ} قالت سارة: ما آية ذلك؟ قال: فأخذ بيده عودًا يابسًا فلواه بين أصابعه، فاهتزّ أخضر، فقال إبراهيم: هو للّه إذًا ذبيحًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: {فضحكت} يعني سارة لمّا عرفت من أمر اللّه جلّ ثناؤه، ولمّا تعلم من قوم لوطٍ فبشّروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب بابنٍ وبابن ابنٍ، فقالت وصكّت وجهها يقال: ضربت على جبينها: {يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ} إلى قوله: {إنّه حميدٌ مجيدٌ}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء العراق والحجاز: ومن وراء إسحاق يعقوب برفع يعقوب، ويعيد ابتداء الكلام بقوله: {ومن وراء إسحاق يعقوب} وذلك وإن كان خبر مبتدأ، ففيه دلالةٌ على معنى التّبشير.
وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة والشّام: {ومن وراء إسحاق يعقوب} نصبًا؛
فأمّا الشّاميّ منهما فذكر أنّه كان ينحو بيعقوب نحو النّصب بإضمار فعلٍ آخر مشاكلٍ للبشارة، كأنّه قال: ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب، فلمّا لم يظهر وهبنا عمل فيه التّبشير وعطف به على موضع إسحاق، إذ كان إسحاق، وإن كان مخفوضًا فإنّه بمعنى المنصوب بعمل بشّرنا فيه، كما قال الشّاعر:
جئني بمثل بني بدرٍ لقومهم = أو مثل أسرة منظور بن سيّار
أو عامر بن طفيلٍ في مركّبه = أو حارثًا يوم نادى القوم يا حار
وأمّا الكوفيّ منهما فإنّه قرأه بتأويل الخفض فيما ذكر عنه، غير أنّه نصبه لأنّه لا يجرى.
وقد أنكر ذلك أهل العلم بالعربيّة من أجل دخول الصّفة بين حرف العطف والاسم، وقالوا: خطأٌ أن يقال: مررت بعمرٍو في الدّار وفي الدّار زيدٌ، وأنت عاطفٌ بزيدٍ على عمرٍو، إلاّ بتكرير الباء وإعادتها، فإن لم تعد كان وجه الكلام عندهم الرّفع وجاز النّصب، فإن قدّم الاسم على الصّفة جاز حينئذٍ الخفض، وذلك إذا قلت: مررت بعمرٍو في الدّار، وزيدٍ في البيت. وقد أجاز الخفض، والصّفة معترضةٌ بين حرف العطف والاسم بعض نحويي البصرة.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب عندي قراءة من قرأه رفعًا، لأنّ ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، والّذي لا يتناكره أهل العلم بالعربيّة، وما عليه قراءة الأمصار. فأمّا النّصب فيه فإنّ له وجهًا، غير أنّي لا أحبّ القراءة به، لأنّ كتاب اللّه نزل بأفصح ألسن العرب، والّذي هو أولى بالعلم بالّذي نزل به من الفصاحة). [جامع البيان: 12/472-483]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وامرأته قائمةٌ فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (71)
قوله تعالى: وامرأته قائمةٌ
[الوجه الأول]
- حدثنا عمر بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ وامرأته قائمةٌ فضحكت لما عرفت من أمر اللّه ولما تعلم من قوم لوطٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن سعيدٍ النّحويّ قال حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ في قوله: وامرأته قائمةٌ قال في خدمة أضياف إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: فضحكت
- حدثنا يزداد بن عمر الهمذاني، ثنا العلا بن عبد الملك بن أبي سويّة، ثنا عبد الصّمد بن عليّ الهاشميّ، عن أبيه، عن جدّه يعني ابن عبّاسٍ في قوله: وامرأته قائمة فضحكت قال: حاضت.
قوله تعالى: فبشّرناها بإسحاق
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشرٍ، عن قتادة في قوله: فبشّرناها بإسحاق بابنها.
- حدّثنا أبي، ثنا شعيب بن شعيب بن إسحاق، ثنا أبو المغيرة، ثنا أبو بكر بن أبي مريم، حدّثني ضمرة بن حبيبٍ أنّ سارة لمّا بشّرها الرّسل بإسحاق قال بينما هي تمشي وتحدّثهم حين آنست بالحيضة فحاضت قبل أن تحمل إسحاق فكان من قولها للرّسل حين بشّروها بإسحاق كنت شابّةٌ وكان إبراهيم شابًّا فلم أحمل فحين كبرت وكبر أألد قالوا: تعجبين من ذلك يا سارة فإنّ اللّه قد صنع بكم ما هو أعظم من ذلك ان الله قد جعل رحمته وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ.
قوله تعالى: ومن وراء إسحاق يعقوب
- ذكر أبي، عن نصر بن عليٍّ، ثنا أبو أحمد، ثنا نصرٌ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن ابن عبّاسٍ ومن وراء إسحاق يعقوب قال: هو ولد الولد.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة، ثنا وهيبٌ، عن داود، عن عامرٍ في قوله: فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قال: وراء.
ولد الولد). [تفسير القرآن العظيم: 6/2055-2056]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 70 - 73
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن كعب رضي الله عنه قال: بلغنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف على سدوم فيقول: ويلك يا سدوم يوم مالك ثم قال {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} نضيج وهو يحسبهم أضيافا {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} فقال لها جبريل {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} وكلمهم إبراهيم في أمر قوم لوط إذ كان فيهم إبراهيم قالوا: (يا إبراهيم أعرض عن هذا) (سورة هود الآية 76) إلى قوله (ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم) (سورة هود الآية 77) قال: ساءه مكانهم لما رأى منه من الجمال {وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب} قال: يوم سوء من قومي فذهب بهم إلى منزله فذهبت امرأته لقومه (فجاءه قومه يهزعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال: يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) (سورة هود الآية 78) تزوجوهن (أليس منكم رجل رشيد قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) (سورة هود الآية 79) وجعل الأضياف في بيته وقعد على باب البيت (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) (سورة هود الآية 80) قال: إلى عشيرة تمنع فبلغني أنه لم يبعث بعد لوط عليه السلام رسول إلا في عز من قومه فلما رأت الرسل ما قد لقي لوط في سيئتهم {قالوا يا لوط إنا رسل ربك} إنا ملائكة {لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} إلى قوله (أليس الصبح بقريب) (سورة هود الآية 81)، فخرج عليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم بجناحه ضربة فطمس أعينهم والطمس ذهاب الأعين ثم احتمل جبريل وجه أرضهم حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها عليهم {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} قال: على أهل بواديهم وعلى رعاثهم وعلى مسافرهم فلم يبق منهم أحد). [الدر المنثور: 8/90-92] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما رأى إبراهيم أنه لا تصل إلى العجل أيديهم نكرهم وخافهم وإنما كان خوف إبراهيم أنهم كانوا في ذلك الزمان إذا هم أحدهم بأمر سوء لم يأكل عنده يقول: إذا أكرمت بطعامه حرم علي أذاه فخاف إبراهيم أن يريدوا به سوءا فاضطربت مفاصله وامرأته سارة قائمة تخدمهم وكان إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة لتخدمهم فضحكت سارة وإنما ضحكت أنها قالت: يا إبراهيم وما تخاف إنهم ثلاثة نفر وأنت وأهلك وغلمانك قال لها جبريل: أيتها الضاحكة أما أنك ستلدين غلاما يقال له إسحاق ومن ورائه غلام يقال له يعقوب {فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها} فأقبلت والهة تقول: واويلتاه، ووضعت يدها على وجهها استحياء، فذلك قوله {فصكت وجهها} و{قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا} قال: لما بشر إبراهيم بقول الله {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى} بإسحاق {يجادلنا في قوم لوط} وإنما كان جداله أنه قال: يا جبريل أين تريدون وإلى من بعثتم قال: إلى قوم لوط وقد أمرنا بعذابهم، فقال إبراهيم (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) (العنكبوت الآية 32) وكانت فيما زعموا تسمى والقة فقال إبراهيم: إن كان فيهم مائة مؤمن تعذبونهم قال جبريل: لا، قال: فإن كان فيهم تسعون مؤمنون تعذبونهم قال جبريل: لا قال: فإن كان فيهم ثمانون مؤمنون تعذبونهم قال جبريل: لا حتى انتهى في العدد إلى واحد مؤمن قال جبريل: لا فلما لم يذكروا لإبراهيم أن فيها مؤمنا واحدا قال: (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) (العنكبوت الآية 32) ). [الدر المنثور: 8/92-93] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن وهب بن منبه رضي الله عنه، أن إبراهيم عليه السلام حين أخرجه قومه بعدما ألقوه في النار خرج بامرأته سارة ومعه أخوها لوط وهما ابنا أخيه فتوجها إلى أرض الشام ثم بلغوا مصر وكانت سارة رضي الله عنها من أجمل الناس فلما دخلت مصر تحدث الناس بجمالها وعجبوا له حتى بلغ ذلك الملك فدعا ببعلها وسأله ما هو منها فخاف إن قال له زوجها أن يقتله فقال: أنا أخوها، فقال: زوجينها، فكان على ذلك حتى بات ليلة فجاءه حلم فخنقه وخوفه فكان هو وأهله في خوف وهول حتى علم أنه قد أتى من قبلها فدعا إبراهيم فقال: ما حملك على أن تغرني زعمت أنها أختك فقال: إني خفت إن ذكرت أنها زوجتي أن يصيبني منك ما أكره فوهب لها هاجر أم إسمعيل وحملهم وجهزهم حتى استقر قرارهم على جبل ايليا فكانوا بها حتى كثرت أموالهم ومعايشهم فكان بين رعاء إبراهيم ورعاء لوط جوار وقتال: فقال لوط لإبراهيم: إن هؤلاء الرعاء قد فسد ما بينهم وكانت تضيق فيهم المراعي ونخاف أن لا تحملنا هذه الأرض فإن أحببت أن أخف عنك خففت، قال إبراهيم: ما شئت إن شئت فانتقل منها وإن شئت انتقلت منك، قال لوط عليه السلام: لا بل أنا أحق أن أخف عنك، ففر بأهله وماله إلى سهل الأردن فكان بها حتى أغار عليه أهل فلسطين فسبوا أهله وماله، فبلغ ذلك إبراهيم عليه السلام فأغار عليهم بما كان عنده من أهله ورقيقه وكان عددهم زيادة على ثلاثمائة من كان مع إبراهيم فاستنقذ من أهل فلسطين من كان معهم من أهل لوط حتى ردهم إلى قرارهم ثم انصرف إبراهيم إلى مكانه وكان أهل سدوم الذين فيهم لوط قوم قد استغنوا عن النساء بالرجال فلما رأى الله كان عند ذلك بعث الملائكة ليعذبوهم فأتوا إبراهيم فلما رآهم راعه هيئتهم وجمالهم فسلموا عليه وجلسوا إليه فقام ليقرب إليهم قرى فقالوا: مكانك، قال: بل دعوني آتيكم بما ينبغي لكم فإن لكم حقا لم يأتنا أحد أحق بالكرامة منكم فأمر بعجل سمين فحنذ له - يعني شوي لهم - فقرب إليهم الطعام {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة} وسارة رضي الله عنها وراء الباب تسمع {قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} مبارك فبشر به امرأته سارة فضحكت وعجبت كيف يكون له مني ولد وأنا عجوز وهذا شيخ كبير، {قالوا أتعجبين من أمر الله} فإنه قادر على ما يشاء وقد وهبه الله لكم فأبشروا به، فقاموا وقام معهم إبراهيم عليه السلام فمشوا معا وسألهم قال: أخبروني لم بعثتم وما دخل بكم قالوا: إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها فإنهم قوم سوء وقد استغنوا بالرجال عن النساء، قال إبراهيم: إن فيها قوما صالحين فكيف يصيبهم من العذاب ما يصيب أهل عمل السوء قالوا: وكم فيها قال: أرأيتم إن كان فيها خمسون رجلا صالحا، قالوا: إذن لا نعذبهم، قال: إن كان فيهم أربعون قالوا: إذن لا نعذبهم، فلم يزل ينقص حتى بلغ إلى عشرة ثم قال: فأهل بيت قالوا: فإن كان فيها بيت صالح، قال: فلوط وأهل بيته قالوا: إن امرأته هواها معهم فكيف يصرف عن أهل قرية لم يتم فيها أهل بيت صالحين، فلما يئس منهم إبراهيم عليه السلام انصرف وذهبوا إلى أهل سدوم فدخلوا على لوط عليه السلام فلما رأتهم امرأته أعجبها هيئتهم وجمالهم فأرسلت إلى أهل القرية أنه قد نزل بنا قوم لم ير قط أحسن منهم ولا أجمل، فتسامعوا بذلك فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا عليهم الجدران فلقيهم لوط عليه السلام فقال: يا قوم لا تفضحوني في بيتي وأنا أزوجكم بناتي فهن أطهر لكم، قالوا: لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانك ولكن لا بد لنا من هؤلاء القوم الذين نزلوا بك فخل بيننا وبينهم وأسلم منا فضاق به الأمر {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} فوجد عليه الرسل في هذه الكلمة فقالوا: إن ركنك لشديد وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ومسح أحدهم أعينهم بجناحه فطمس أبصارهم فقالوا: سحرنا انصرف بنا حتى ترجع إليهم تغشاهم الليل فكان من أمرهم ما قص الله في القرآن فأدخل ميكائيل وهو صاحب العذاب جناحه حتى بلغ أسفل الأرض ثم حمل قراهم فقلبها عليهم ونزلت حجارة من السماء فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانوا فأهلكهم الله تعالى ونجا لوط وأهله إلا امرأته). [الدر المنثور: 8/93-97] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما بعث الله الملائكة عليهم السلام لتهلك قوم لوط أقبلت تمشي في صورة رجال شباب حتى نزلوا على إبراهيم السلام فضيفوه فلما رآهم أجلهم فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فذبحه ثم شواه في الرضف فهو الحنيذ وأتاهم فقعد معهم وقامت سارة رضي الله عنها تخدمهم فذلك حين يقول {وامرأته قائمة} وهو جالس في قراءة ابن مسعود (فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون) قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، قال: فإن لهذا ثمنا، قالوا: وما ثمنه قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال: حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا، فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إليه يقول: لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا هؤلاء إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا، قال لها جبريل: أبشري بولد اسمه إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضربت وجهها عجبا فذلك قوله {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب (72) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} قال سارة رضي الله عنها: ما آية ذلك فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر، فقال إبراهيم عليه السلام: هو لله إذن ذبيحا). [الدر المنثور: 8/98-99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن المغيرة رضي الله عنه قال: في مصحف ابن مسعود وامرأته قائمة وهو جالس). [الدر المنثور: 8/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {وامرأته قائمة} قال: في خدمة أضياف إبراهيم عليه السلام). [الدر المنثور: 8/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته تعجبا مما فيه قوم لوط من الغفلى ومما أتاهم من العذاب). [الدر المنثور: 8/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {فضحكت} قال: فحاضت وهي بنت ثمان وتسعين سنة). [الدر المنثور: 8/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {فضحكت} قال: حاضت وكانت ابنة بضع وتسعين سنة وكان إبراهيم عليه السلام ابن مائة سنة). [الدر المنثور: 8/99-100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {فضحكت} قال: حاضت، قال الشاعر:
إني لأتي العرس عند طهورها * وأهجرها يوما إذا هي ضاحك). [الدر المنثور: 8/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن الضحاك رضي الله عنه قال: كان اسم سارة يسارة فلما قال لها جبريل عليه السلام: يا سارة، قالت: إن اسمي يسارة فكيف تسمينني سارة قال الضحاك: يسارة العاقر التي لا تلد وسارة الطالق الرحم التي تلد، فقال لها جبريل عليه السلام: كنت يسارة لا تحملين فصرت سارة تحملين الولد وترضعينه، فقالت سارة رضي الله عنها: يا جبريل نقصت اسمي قال جبريل: إن الله قد وعدك بأن يجعل هذا الحرف في اسم ولد من ولدك في آخر الزمان وذلك إن اسمه عند الله حي فسماه يحيى). [الدر المنثور: 8/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان حسن سارة رضي الله عنها حسن حواء عليها السلام). [الدر المنثور: 8/100-101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن سارة بنت ملك من الملوك وكانت قد أوتيت حسنا). [الدر المنثور: 8/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: هو ولد الولد). [الدر المنثور: 8/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن حسان بن أبحر قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل من هذيل فقال له ابن عباس: ما فعل فلان قال: مات وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء، فقال ابن عباس: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد). [الدر المنثور: 8/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري عن الشعبي رضي الله عنه في قوله {ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد). [الدر المنثور: 8/101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ضرار بن مرة عن شيخ من أهل المسجد قال: بشر إبراهيم بعد سبع عشرة ومائة سنة). [الدر المنثور: 8/102]

تفسير قوله تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ (72) قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ}.
يقول تعالى ذكره: قالت سارة لمّا بشّرت بإسحاق أنّها تلد تعجّبًا ممّا قيل لها من ذلك، إذ كانت قد بلغت السّنّ الّتي لا يلد من كان قد بلغها من الرّجال والنّساء، وقيل: إنّها كانت يومئذٍ ابنة تسعٍ وتسعين سنةً، وإبراهيم ابن مائة سنةٍ، وقد ذكرت الرّواية فيما روي في ذلك عن مجاهدٍ قبل.
وأمّا ابن إسحاق، فإنّه قال في ذلك ما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت سارة يوم بشّرت بإسحاق فيما ذكر لي بعض أهل العلم ابنة تسعين سنةً، وإبراهيم ابن عشرين ومئة سنةٍ {يا ويلتى} وهي كلمةٌ تقولها العرب عند التّعجّب من الشّيء، والاستنكار للشّيءٍ، فيقولون عند التّعجّب: ويل أمّه رجلاً ما أرجله.
وقد اختلف أهل العربيّة في هذه الألف الّتي في: {يا ويلتى}
فقال بعض نحويّي البصرة: هذه ألف حقيقةً، إذا وقفت قلت: يا ويلتاه، وهي مثل ألف النّدبة، فلطفت من أن تكون في السّكت، وجعلت بعدها الهاء لتكون أبين لها، وأبعد في الصّوت؛ وذلك لأنّ الألف إذا كانت بين حرفين كان لها صدًى كنحو الصّوت يكون في جوف الشّيء، فيتردّد فيه، فتكون أكثر وأبين.
وقال غيره: هذه ألف النّدبة، فإذا وقفت عليها فجائزٌ، وإن وقفت على الهاء فجائزٌ؛ وقال: ألا ترى أنّهم قد وقفوا على قوله: {ويدع الإنسان} فحذفوا الواو وأثبتوها، وكذلك: {ما كنّا نبغ} بالياء، وغير الياء؟ قال: وهذا أقوى من ألف النّدبة وهائها.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّ هذه الألف ألف النّدبة، والوقف عليها بالهاء وغير الهاء جائزٌ في الكلام لاستعمال العرب ذلك في كلامها وقولها: {أألد وأنا عجوزٌ} تقول: أنّى يكون لي ولدٌ وأنا عجوزٌ. {وهذا بعلي شيخًا} والبعل في هذا الموضع: الزّوج؛ وسمّي بذلك لأنّه قيّم أمرها، كما سمّوا مالك الشّيء: بعله، وكما قالوا للنخل الّتي تستغني بماء السّماء عن سقي ماء الأنهار والعيون البعل، لأنّ مالك الشّيء القيّم به، والنّخل البعل بماء السّماء حياته.
وقوله: {إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ} يقول: إنّ كون الولد من مثلي ومثل بعلي على السّنّ الّتي بها نحن لشيءٌ عجيبٌ). [جامع البيان: 12/483-485]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ (72)
قوله تعالى: قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة في قول اللّه: قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهي يومئذٍ بنت سبعين.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: ذكر أبي، عن بعض من قرأ الكتاب أنّها كانت بنت تسعين سنةً.
قوله تعالى: وهذا بعلي
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: بعلي تعني: زوجي.
قوله تعالى: شيخًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة قوله: وهذا بعلي شيخًا وهو يومئذٍ ابن تسعين سنةً.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق ذكر لي، عن بعض من قرأ الكتاب وهذا بعلي شيخًا: إنّ إبراهيم ابن عشرين ومائة سنة). [تفسير القرآن العظيم: 6/2056]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 70 - 73
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن كعب رضي الله عنه قال: بلغنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف على سدوم فيقول: ويلك يا سدوم يوم مالك ثم قال {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} نضيج وهو يحسبهم أضيافا {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} فقال لها جبريل {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} وكلمهم إبراهيم في أمر قوم لوط إذ كان فيهم إبراهيم قالوا: (يا إبراهيم أعرض عن هذا) (سورة هود الآية 76) إلى قوله (ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم) (سورة هود الآية 77) قال: ساءه مكانهم لما رأى منه من الجمال {وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب} قال: يوم سوء من قومي فذهب بهم إلى منزله فذهبت امرأته لقومه (فجاءه قومه يهزعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال: يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) (سورة هود الآية 78) تزوجوهن (أليس منكم رجل رشيد قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) (سورة هود الآية 79) وجعل الأضياف في بيته وقعد على باب البيت (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) (سورة هود الآية 80) قال: إلى عشيرة تمنع فبلغني أنه لم يبعث بعد لوط عليه السلام رسول إلا في عز من قومه فلما رأت الرسل ما قد لقي لوط في سيئتهم {قالوا يا لوط إنا رسل ربك} إنا ملائكة {لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} إلى قوله (أليس الصبح بقريب) (سورة هود الآية 81)، فخرج عليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم بجناحه ضربة فطمس أعينهم والطمس ذهاب الأعين ثم احتمل جبريل وجه أرضهم حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها عليهم {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} قال: على أهل بواديهم وعلى رعاثهم وعلى مسافرهم فلم يبق منهم أحد). [الدر المنثور: 8/90-92] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما رأى إبراهيم أنه لا تصل إلى العجل أيديهم نكرهم وخافهم وإنما كان خوف إبراهيم أنهم كانوا في ذلك الزمان إذا هم أحدهم بأمر سوء لم يأكل عنده يقول: إذا أكرمت بطعامه حرم علي أذاه فخاف إبراهيم أن يريدوا به سوءا فاضطربت مفاصله وامرأته سارة قائمة تخدمهم وكان إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة لتخدمهم فضحكت سارة وإنما ضحكت أنها قالت: يا إبراهيم وما تخاف إنهم ثلاثة نفر وأنت وأهلك وغلمانك قال لها جبريل: أيتها الضاحكة أما أنك ستلدين غلاما يقال له إسحاق ومن ورائه غلام يقال له يعقوب {فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها} فأقبلت والهة تقول: واويلتاه، ووضعت يدها على وجهها استحياء، فذلك قوله {فصكت وجهها} و{قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا} قال: لما بشر إبراهيم بقول الله {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى} بإسحاق {يجادلنا في قوم لوط} وإنما كان جداله أنه قال: يا جبريل أين تريدون وإلى من بعثتم قال: إلى قوم لوط وقد أمرنا بعذابهم، فقال إبراهيم (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) (العنكبوت الآية 32) وكانت فيما زعموا تسمى والقة فقال إبراهيم: إن كان فيهم مائة مؤمن تعذبونهم قال جبريل: لا، قال: فإن كان فيهم تسعون مؤمنون تعذبونهم قال جبريل: لا قال: فإن كان فيهم ثمانون مؤمنون تعذبونهم قال جبريل: لا حتى انتهى في العدد إلى واحد مؤمن قال جبريل: لا فلما لم يذكروا لإبراهيم أن فيها مؤمنا واحدا قال: (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته) (العنكبوت الآية 32) ). [الدر المنثور: 8/92-93] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما بعث الله الملائكة عليهم السلام لتهلك قوم لوط أقبلت تمشي في صورة رجال شباب حتى نزلوا على إبراهيم السلام فضيفوه فلما رآهم أجلهم فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فذبحه ثم شواه في الرضف فهو الحنيذ وأتاهم فقعد معهم وقامت سارة رضي الله عنها تخدمهم فذلك حين يقول {وامرأته قائمة} وهو جالس في قراءة ابن مسعود (فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون) قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، قال: فإن لهذا ثمنا، قالوا: وما ثمنه قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال: حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا، فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إليه يقول: لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا هؤلاء إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا، قال لها جبريل: أبشري بولد اسمه إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضربت وجهها عجبا فذلك قوله {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب (72) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} قال سارة رضي الله عنها: ما آية ذلك فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر، فقال إبراهيم عليه السلام: هو لله إذن ذبيحا). [الدر المنثور: 8/98-99] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ضمرة بن حبيب، أن سارة لما بشرها الرسل بإسحاق قال: بينا هي تمشي وتحدثهم حين أتت بالحيضة فحاضت قبل أن تحمل بإسحاق فكان من قولها للرسل حين بشروها: قد كنت شابة وكان إبراهيم شابا فلم أحبل فحين كبرت وكبر أألد قالوا: أتعجبين من ذلك يا سارة فإن الله قد صنع بكم ما هو أعظم من ذلك إن الله قد جعل رحمته وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد). [الدر المنثور: 8/101-102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا} قال: وهي يومئذ ابنة سبعين وهو يومئذ ابن تسعين سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله {بعلي} قال: زوجي). [الدر المنثور: 8/102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن علي رضي الله عنه قال: قالت سارة رضي الله عنها لما بشرتها الملائكة عليهم السلام {يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} فقالت الملائكة ترد على سارة {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} قال: فهو كقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) (الزخرف الآية 28) بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله من عقب إبراهيم). [الدر المنثور: 8/102]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({حميدٌ مجيدٌ} [هود: 73] : «كأنّه فعيلٌ من ماجدٍ، محمودٌ من حمد»). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله حميدٌ مجيدٌ كأنّه فعيلٌ من ماجدٍ محمودٍ من حمد كذا وقع هنا والّذي في كلام أبي عبيدة حميد مجيد أي محمود وهذا هو الصّواب والحميد فعيلٌ من حمد فهو حامدٌ أي يحمد من يطيعه أو هو حميدٌ بمعنى محمودٌ والمجيد فعيلٌ من مجد بضمّ الجيم يمجد كشرف يشرف وأصله الرّفعة). [فتح الباري: 8/351]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (حميد مجيد كأنّه فعيل من ماجد. محمود من حمد) أشار به إلى قوله عز وجل {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد} أي أن الله هو الّذي يستحق الحمد والمجد والمجد الشّرف يقال رجل ماجد إذا كان سخيا واسع العطاء قوله " كأنّه فعيل " ليس هذا محل الشّك حتّى قال كأنّه فعيل أي كان وزنه فعيل بل هو على وزن فعيل من صيغة ماجد وحميد بمعنى محمود قوله " من حمد " أي أخذ حميد من حمد على صيغة المجهول وقال الطّيّبيّ المجيد مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم من قولهم مجدت الماشية إذا صادفت روضة انفا وأمجدها الرّاعي وقيل المجيد بمعنى العظيم الرفيع القدر). [عمدة القاري: 18/292]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({حميد مجيد}) [هود: 73] (كأنه) أي مجيد على وزن (فعيل من) صيغة (ماجد) والتعبير بكأن فيه شيء فإنه بوزن فعيل من غير شك، وقال القشيري قيل هو بمعنى العظيم الرفيع القدر فهو فعيل بمعنى مفعول وقيل معناه الجزيل العطاء فهو فعيل بمعنى فاعل وحميد أي (محمود) لفعل ما يستحق به الحمد يوصل العبد إلى مراده فلا يبعد أن يرزق الولد في ابان الكبر وهو مأخوذ (من حمد) بفتح الحاء وفي نسخة حمد بضمها مبنيًا للمجهول فهو حامد). [إرشاد الساري: 7/170]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({قالوا أتعجبين من أمر اللّه} يقول اللّه تعالى ذكره: قالت الرّسل لها: أتعجبين من أمرٍ أمر اللّه به أن يكون، وقضاءٍ قضاه اللّه فيك وفي بعلك؟!
وقوله: {رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} يقول: رحمة اللّه وسعادته لكم أهل بيت إبراهيم. وجعلت الألف واللاّم خلفًا من الإضافة. وقوله: {إنّه حميدٌ مجيدٌ} يقول: إنّ اللّه محمودٌ في تفضّله عليكم بما تفضّل به من النّعم عليكم، وعلى سائر خلقه مجيدٌ؛ يقول: ذو مجدٍ ومدحٍ وثناءٍ كريمٍ، يقال في فعل منه: مجد الرّجل يمجد مجادّةً إذا صار كذلك، وإذا أردت أنّك مدحته قلت: مجّدته تمجيدًا). [جامع البيان: 12/485]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ (73) فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوطٍ (74)
قوله تعالى: قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمت اللّه وبركاته عليكم
- حدّثنا بحر بن نصرٍ الخولانيّ، ثنا ابن وهبٍ أخبرني ابن جريجٍ أنّ عطاء بن أبي رباحٍ حدّثه أنّ ابن عبّاسٍ آتاهم يومًا في مجلسٍ فسلّم عليهم فقال: سلامٌ عليكم ورحمة اللّه وبركاته فقلت: وعليك السّلام ورحمة اللّه وبركاته ومغفرته فقال من هذا؟ فقلت: عطاءٌ فقال: انتبه إلى وبركاته قال: ثم تلا رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/2057]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الشّيبانيّ الحافظ إملاءً، ثنا حمّاد بن محمودٍ المقرئ، ثنا عيسى بن جعفرٍ الرّازيّ، ثنا سفيان بن سعيدٍ، عن عمرو بن سعيدٍ، عن عطاءٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ {رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} قال: كنت عند عبد اللّه بن عبّاسٍ إذ جاءه رجلٌ فسلّم عليه، فقلت: وعليكم السّلام ورحمة اللّه وبركاته ومغفرته. فقال ابن عبّاسٍ: «انته إلى ما انتهت إليه الملائكة» هذا حديثٌ غريبٌ صحيحٌ للثّوريّ لا أعلم أنّا كتبناه إلّا بهذا الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/374]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 70 - 73
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن كعب رضي الله عنه قال: بلغنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف على سدوم فيقول: ويلك يا سدوم يوم مالك ثم قال {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} نضيج وهو يحسبهم أضيافا {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} فقال لها جبريل {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} وكلمهم إبراهيم في أمر قوم لوط إذ كان فيهم إبراهيم قالوا: (يا إبراهيم أعرض عن هذا) (سورة هود الآية 76) إلى قوله (ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم) (سورة هود الآية 77) قال: ساءه مكانهم لما رأى منه من الجمال {وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب} قال: يوم سوء من قومي فذهب بهم إلى منزله فذهبت امرأته لقومه (فجاءه قومه يهزعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال: يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) (سورة هود الآية 78) تزوجوهن (أليس منكم رجل رشيد قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) (سورة هود الآية 79) وجعل الأضياف في بيته وقعد على باب البيت (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) (سورة هود الآية 80) قال: إلى عشيرة تمنع فبلغني أنه لم يبعث بعد لوط عليه السلام رسول إلا في عز من قومه فلما رأت الرسل ما قد لقي لوط في سيئتهم {قالوا يا لوط إنا رسل ربك} إنا ملائكة {لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} إلى قوله (أليس الصبح بقريب) (سورة هود الآية 81)، فخرج عليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم بجناحه ضربة فطمس أعينهم والطمس ذهاب الأعين ثم احتمل جبريل وجه أرضهم حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها عليهم {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} قال: على أهل بواديهم وعلى رعاثهم وعلى مسافرهم فلم يبق منهم أحد). [الدر المنثور: 8/90-92] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن وهب بن منبه رضي الله عنه، أن إبراهيم عليه السلام حين أخرجه قومه بعدما ألقوه في النار خرج بامرأته سارة ومعه أخوها لوط وهما ابنا أخيه فتوجها إلى أرض الشام ثم بلغوا مصر وكانت سارة رضي الله عنها من أجمل الناس فلما دخلت مصر تحدث الناس بجمالها وعجبوا له حتى بلغ ذلك الملك فدعا ببعلها وسأله ما هو منها فخاف إن قال له زوجها أن يقتله فقال: أنا أخوها، فقال: زوجينها، فكان على ذلك حتى بات ليلة فجاءه حلم فخنقه وخوفه فكان هو وأهله في خوف وهول حتى علم أنه قد أتى من قبلها فدعا إبراهيم فقال: ما حملك على أن تغرني زعمت أنها أختك فقال: إني خفت إن ذكرت أنها زوجتي أن يصيبني منك ما أكره فوهب لها هاجر أم إسمعيل وحملهم وجهزهم حتى استقر قرارهم على جبل ايليا فكانوا بها حتى كثرت أموالهم ومعايشهم فكان بين رعاء إبراهيم ورعاء لوط جوار وقتال: فقال لوط لإبراهيم: إن هؤلاء الرعاء قد فسد ما بينهم وكانت تضيق فيهم المراعي ونخاف أن لا تحملنا هذه الأرض فإن أحببت أن أخف عنك خففت، قال إبراهيم: ما شئت إن شئت فانتقل منها وإن شئت انتقلت منك، قال لوط عليه السلام: لا بل أنا أحق أن أخف عنك، ففر بأهله وماله إلى سهل الأردن فكان بها حتى أغار عليه أهل فلسطين فسبوا أهله وماله، فبلغ ذلك إبراهيم عليه السلام فأغار عليهم بما كان عنده من أهله ورقيقه وكان عددهم زيادة على ثلاثمائة من كان مع إبراهيم فاستنقذ من أهل فلسطين من كان معهم من أهل لوط حتى ردهم إلى قرارهم ثم انصرف إبراهيم إلى مكانه وكان أهل سدوم الذين فيهم لوط قوم قد استغنوا عن النساء بالرجال فلما رأى الله كان عند ذلك بعث الملائكة ليعذبوهم فأتوا إبراهيم فلما رآهم راعه هيئتهم وجمالهم فسلموا عليه وجلسوا إليه فقام ليقرب إليهم قرى فقالوا: مكانك، قال: بل دعوني آتيكم بما ينبغي لكم فإن لكم حقا لم يأتنا أحد أحق بالكرامة منكم فأمر بعجل سمين فحنذ له - يعني شوي لهم - فقرب إليهم الطعام {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة} وسارة رضي الله عنها وراء الباب تسمع {قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} مبارك فبشر به امرأته سارة فضحكت وعجبت كيف يكون له مني ولد وأنا عجوز وهذا شيخ كبير، {قالوا أتعجبين من أمر الله} فإنه قادر على ما يشاء وقد وهبه الله لكم فأبشروا به، فقاموا وقام معهم إبراهيم عليه السلام فمشوا معا وسألهم قال: أخبروني لم بعثتم وما دخل بكم قالوا: إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها فإنهم قوم سوء وقد استغنوا بالرجال عن النساء، قال إبراهيم: إن فيها قوما صالحين فكيف يصيبهم من العذاب ما يصيب أهل عمل السوء قالوا: وكم فيها قال: أرأيتم إن كان فيها خمسون رجلا صالحا، قالوا: إذن لا نعذبهم، قال: إن كان فيهم أربعون قالوا: إذن لا نعذبهم، فلم يزل ينقص حتى بلغ إلى عشرة ثم قال: فأهل بيت قالوا: فإن كان فيها بيت صالح، قال: فلوط وأهل بيته قالوا: إن امرأته هواها معهم فكيف يصرف عن أهل قرية لم يتم فيها أهل بيت صالحين، فلما يئس منهم إبراهيم عليه السلام انصرف وذهبوا إلى أهل سدوم فدخلوا على لوط عليه السلام فلما رأتهم امرأته أعجبها هيئتهم وجمالهم فأرسلت إلى أهل القرية أنه قد نزل بنا قوم لم ير قط أحسن منهم ولا أجمل، فتسامعوا بذلك فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا عليهم الجدران فلقيهم لوط عليه السلام فقال: يا قوم لا تفضحوني في بيتي وأنا أزوجكم بناتي فهن أطهر لكم، قالوا: لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانك ولكن لا بد لنا من هؤلاء القوم الذين نزلوا بك فخل بيننا وبينهم وأسلم منا فضاق به الأمر {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} فوجد عليه الرسل في هذه الكلمة فقالوا: إن ركنك لشديد وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ومسح أحدهم أعينهم بجناحه فطمس أبصارهم فقالوا: سحرنا انصرف بنا حتى ترجع إليهم تغشاهم الليل فكان من أمرهم ما قص الله في القرآن فأدخل ميكائيل وهو صاحب العذاب جناحه حتى بلغ أسفل الأرض ثم حمل قراهم فقلبها عليهم ونزلت حجارة من السماء فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانوا فأهلكهم الله تعالى ونجا لوط وأهله إلا امرأته). [الدر المنثور: 8/93-97] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن علي رضي الله عنه قال: قالت سارة رضي الله عنها لما بشرتها الملائكة عليهم السلام {يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} فقالت الملائكة ترد على سارة {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} قال: فهو كقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) (الزخرف الآية 28) بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله من عقب إبراهيم). [الدر المنثور: 8/102] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} قال: كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فسلم عليه فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال ابن عباس: انته إلى ما انتهيت إليه الملائكة ثم تلا {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت}). [الدر المنثور: 8/102-103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن سائلا قام على الباب وهو عند ميمونة رضي الله عنها فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته وصلواته ومغفرته فقال ابن عباس: انتهوا بالتحية إلى ما قال الله {رحمة الله وبركاته}). [الدر المنثور: 8/103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن عطاء قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فجاء سائلا فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته وصلواته، فقال ابن عباس: ما هذا السلام وغضب حتى احمرت وجنتاه إن الله حد للسلام حدا ثم انتهى ونهى عما وراء ذلك ثم قرأ {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}). [الدر المنثور: 8/103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال له: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فانتهره ابن عمر وقال: حسبك إذا انتهيت إلى وبركاته إلى ما قال الله). [الدر المنثور: 8/103]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 06:27 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {سلاماً قال سلم...}
قرأها يحيى ابن وثّاب وإبراهيم النخعي. وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بها. وهو في المعنى سلام كما قالوا حلّ وحلال، وحرم وحرام لأن التفسير جاء: سلّموا عليه فردّ عليهم. فترى أن معنى سلم وسلام واحد والله أعلم. وأنشدني بعض العرب:
مررنا فقلنا إيه سلم فسلّمت=كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح
فهذا دليل على أنهم سلّموا فردّت عليهم. وقرأه العامّة {قالوا سلاماً قال سلامٌ} نصب الأول ورفع الثاني. ولو كانا جميعاً رفعاً ونصباً كان صواباً.
فمن رفع أضمر (عليكم) وإن لم يظهرها كما قال الشاعر:
فقلنا السلام فاتّقت من أميرها=فما كان إلاّ ومؤها بالحواجب
والعرب تقول: التقينا فقلنا: سلامٌ سلام. وحجّة أخرى في رفعه الآخر أن القوم سلّموا، فقال حين أنكرهم: هو سلام إن شاء الله فمن أنتم لإنكاره إيّاهم. وهو وجه حسن.
ويقال في هذا المعنى: نحن سلم لأن التسليم لا يكون من قومٍ عدوًّ. وقوله: {فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ} أن في موضع نصب توقع (لبث) عليها، كأنّك قلت: فما أبطأ عن مجيئه بعجل: فلمّا ألقيت الصفة وقع الفعل عليها. وقد تكون رفعاً تجعل لبث فعلا لأن كأنك قلت فما أبطأ مجيئه بعجلٍ حنيذ: والحنيذ: ما حفرت له في الأرض ثم غممته. وهو من فعل أهل البادية معروف. وهو محنوذ في الأصل فقيل: حنيذ، كما قيل: طبيخ للمطبوخ، وقتيل للمقتول). [معاني القرآن: 2/21-20]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قالوا سلاماً قال سلامٌ}، قالوا: لا يتمكن في النصب وله موضعان: موضع حكاية، وموضع آخر يعمل فيما بعده فينصب، فجاء قوله: قالوا سلاماً، منصوباً لأن قالوا: عمل فيه فنصب، وجاء قوله سلام مرفوعاً على الحكاية، ولم يعمل فيه فينصبه.
{أن جاء بعجلٍ حنيذٍ} في موضع محنوذ وهو المشوىّ، يقال: حنذت فرسي، أي سخنته وعرّقته، قال العجّاج:
ورهبا من حنذه أن يهرجا). [مجاز القرآن: 1/292-291]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {قالوا سلاما قال سلام}.
أصحاب عبد الله {قالوا سلاما قال سلم} وقد فسرناها وما فيها في سورة البقرة). [معاني القرآن لقطرب: 675]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {بعجل حنيذ} وقالوا في الفعل: حنذه يحنذه حنذًا، وأحسبها حناذًا أيضًا؛ إذا شواه.
[معاني القرآن لقطرب: 688]
وقالوا: حنذ فرسه إذا أضمره؛ وقالوا أيضًا: حنذ الجدي مثل: سمطه؛ وقالوا أيضًا: حنذ يحنذ حنذ إذا عرقه؛ وقالوا: حنذ فرسه إذا سخنه؛ ليستخرج منه فضل ماء بدنه أو بدنه - شك في ذلك أبو علي - فيأخذ منه قرنا وقرنين من العرق؛ فإن يكن هشا ظاهر عليه الجلال.
وكان ابن عباس يقول: "الحنيذ": المشوي"؛ يخد له في الأرض خد ثم يشوى؛ وهو المحنوذ.
قال الجعدي:
وظل الأكف يختلفن بحانذ = إلى جؤجر مثل المداك المطيب
وقال غيلان الراجز:
كل لجوج في العنان مصغا = لوجه الحنذ وطول الإمها
المصغا: كأنه يسمع من فارسه). [معاني القرآن لقطرب: 689]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {بعجل حنيئذ}: محنوذ وهو المشوي الذي لم يبلغ شيه وقال بعضهم هو الذي يشوي ثم يغم غما وما غمتته فقد حنذته، وكل شيء دفنته أو غممته أو خددت له تشويه فهو حنيذ ومحنوذ. والخيل تحنذ إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض. وبعضهم يقول الحنيذ الذي لم ينعم انضاجه).
[غريب القرآن وتفسيره: 175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بعجلٍ حنيذٍ} أي مشويّ. يقال: حنذت الجمل: إذا شويته في خدّ من الأرض بالرّضف، وهي الحجارة المحماة.
وفي الحديث: أن خالد بن الوليد أكل مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فأتي بضب محنوذ). [تفسير غريب القرآن: 205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ -: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ}
بالبشرى، بالولد.
{قالوا سلاما قال سلام}.
وقالوا سلام، يقرأ أن جميعا، فأما قوله (سلاما) فمنصوب على سلمنا سلاما، وأما سلام فمرفوع على معنى أمري سلام (ومن قرأ سلام) فمرفوع على أمري سلام.
أي لست مريدا غير السلامة والصفح
{فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} أي ما أقام حتى جاء بعجل حنيذ.
والحنيذ : المشويّ بالحجارة
وقيل: الحنيذ المشوي حتّى يقطر.
والعرب تقول: احنذ الفرس أي اجعل عليه الجلّ حتّى يقطر عرقا.
وقيل الحنيذ المشوي فقط.
وقيل: الحنيذ السّميط.
ويقال حنذته الشمس والنار إذا شوته). [معاني القرآن: 3/61-60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}
أي بالبشرى بالولد
ثم قال جل وعز: {قالوا سلاما قال سلام}
ويقرأ قال سلم
قال الفراء سلم وسلام واحد كما يقال حل وحلال
ثم قال جل وعز: {فما لبث أن جاء بعجل حنيذ}
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال هو النضيج وكذلك قال قتادة
وقال الضحاك هو الموقد عليه حتى ينضج
وقول أبو عبيدة حينذ بمعنى محنوذ أي مشوي يقال حنذت فرسي أي عرقته
والمعنى فما أبطأ إذ تضيفوه بأن جاءهم بعجل ثم حذف الباء من أن
وقيل الرسل جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام بالبشرى البشارة بإسحاق
وقيل البشارة بهلاك قوم لوط). [معاني القرآن: 3/362-361]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بعجل حنيذ} اختلف الناس، فقالوا: الحنيذ: المشوي
الكبيس، وقالت طائفة: الحنيذ: يكون السمين مشويا كبيسا وغير كبيس). [ياقوتة الصراط: 266-265]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَنِيذٍ} أي مشوي نضيج). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 106]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَنِيذٍ}: مدفون في النار). [العمدة في غريب القرآن: 155]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم...}
أي إلى الطعام. وذلك أنها كانت سنّة في زمانهم إذا ورد عليهم القوم فأتوا بالطعام فلم يمسّوه ظنّوا أنهم عدوٌّ أو لصوص. فهناك أوجس في نفسه خيفة فرأوا ذلك في وجهه،
فقالوا: لا تخف، فضحكت عند ذلك امرأته وكانت قائمة وهو قاعد (وكذلك هي في قراءة عبد الله: وامرأته قائمة وهو قاعد) مثبتة فضحكت فبشرت بعد الضحك.
وإنما ضحكت سروراً بالأمن فأتبعوها البشرى بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب. وقد يقول بعض المفسّرين: هذا مقدّم ومؤخّر. والمعنى فيه: فبشّرناها بإسحاق فضحكت بعد البشارة وهو ممّا قد يحتمله الكلام والله أعلم بصوابه). [معاني القرآن: 2/22-21]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نكرهم} وأنكرهم سواء،
قال الأعشى:
فأنكرتني وما كان الذي نكرت= من الحوادث إلاّ الشّيب والصّلعا
قال أبو عبيدة: قال يونس: قال أبو عمرو: أنا الذي زدت هذا البيت في شعر الأعشى إلى آخره فذهب فأتوب إلى الله منه، وكذلك استنكرهم.
{وأوجس منهم خيفة} أي أحسّ وأضمر في نفسه خوفاً). [مجاز القرآن: 1/293]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ}
وقال: {نكرهم} لأنك تقول "نكرت الرجل" و"أنكرته"). [معاني القرآن: 2/43]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {نكرهم وأوجس منهم خيفة} وهما لغتان: نكرته أنكره نكرًا، وأنكرته إنكارًا.
وقال أبو ذؤيب:
فنكرته فنفرن وامترست به = هوجاء هادية وهاد جرشع). [معاني القرآن لقطرب: 689]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نكرهم}: استنكرهم.
{وأوجس}: أضمر خوفا). [غريب القرآن وتفسيره: 176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه} أي إلى العجل، يريد رآهم لا يأكلون.
{نكرهم} أنكرهم. يقال: نكرتك، وأنكرتك، واستنكرتك.
{وأوجس منهم خيفةً} أي أضمر في نفسه خوفا). [تفسير غريب القرآن: 205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوط}
لم يأكلوا لأنهم ملائكة، ويقال إنهم كانت العلامة لديهم في الضيفان إذا قصدوا لخير الأكل.
يقال: نكرت الشيء وأنكرت، ويقل في اللغة أنكر ويقل منكور.
والكلام أنكر ومنكور.
و {أوجس منهم خيفة}.
معناه أضمر منهم خوفا
{قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوط}.
ألا تراه قال في موضع آخر:
{إنّا أرسلنا إلى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من طين} ). [معاني القرآن: 3/61]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم}
يقال نكر وأنكر واستنكر بمعنى
قال قتادة كان الضيف إذا نزل ولم يأكل رأوا أنه لم يأت بخير وأنه قد أتى بشر
ثم قال جل وعز: {وأوجس منهم خيفة}
أي أضمر قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي أرسلنا بالعذاب وامرأته قائمة وهو قاعد). [معاني القرآن: 3/363-362]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَأَوْجَسَ} أضمر في نفسه خوفا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 107]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَوْجَسَ}: أضمر خوفاً). [العمدة في غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم...}
أي إلى الطعام. وذلك أنها كانت سنّة في زمانهم إذا ورد عليهم القوم فأتوا بالطعام فلم يمسّوه ظنّوا أنهم عدوٌّ أو لصوص. فهناك أوجس في نفسه خيفة فرأوا ذلك في وجهه،
فقالوا: لا تخف، فضحكت عند ذلك امرأته وكانت قائمة وهو قاعد (وكذلك هي في قراءة عبد الله: وامرأته قائمة وهو قاعد) مثبتة فضحكت فبشرت بعد الضحك.
وإنما ضحكت سروراً بالأمن فأتبعوها البشرى بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب. وقد يقول بعض المفسّرين: هذا مقدّم ومؤخّر. والمعنى فيه: فبشّرناها بإسحاق فضحكت بعد البشارة وهو ممّا قد يحتمله الكلام والله أعلم بصوابه. وأما قوله (فضحكت): حاضت فلم نسمعه من ثقة وقوله (يعقوب) يرفع وينصب وكان حمزة ينوي به الخفض يريد: (ومن وراء إسحاق بيعقوب). ولا يجوز الخفض إلاّ بإظهار الباء. ويعقوب ها هنا ولد الولد والنصب في يعقوب بمنزلة قول الشاعر:

جئني بمثل بني بدر لقومهم=أو مثل أسرة منظور بن سيّار
أو عامر بن طفيل في مركّبه=أو حارثا يوم نادى القوم يا حار
وأنشدني بعض بني باهلة:
لو جيت بالخبز له ميسّرا=والبيض مطبوخاً معاً والسّكّرا
* لم يرضه ذلك حتى يسكرا *
فنصب على قولك: وجئت بالسكّر، فلمّا لم يظهر الفعل مع الواو نصب كما تأمر الرجل بالمرور على أخيه فتقول: أخاك أخاك تريد: امرر به). [معاني القرآن: 2/23-21] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وامرأته قائمةٌ فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
وقال: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} رفع على الابتداء وقد فتح على {ويعقوب من وراء إسحاق} ولكن لا ينصرف). [معاني القرآن: 2/43]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو وأبو جعفر وشيبة ونافع {ومن وراء إسحاق يعقوب} رفع على الابتداء.
والأعرج {يعقوب} بالنصب؛ كأنه قال: وبشرناه بيعقوب من وراء إسحاق فلم ينصرف.
وكان ابن عباس يقول: {ومن وراء إسحاق} قال: الوراء ابن الابن، وهو النافلة؛ وهو قوله {نافلة لك}، والنافلة الفضل). [معاني القرآن لقطرب: 675]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : ( (وقوله {فضحكت} فإن بعض العرب يقول: ضحكت: حاضت، وقد قالوا: الضحك: الحيض.
[معاني القرآن لقطرب: 689]
وقالوا: الضحك: العجب؛ وكان ابن عباس يقول: {فضحكت} عجبت من فزع إبراهيم؛ فجاء به على معنى الضحك العجب.
وقال أبو ذؤيب:
فجاء بمزج لم ير الناس مثله = هو الضحك إلا أنه عمل النحل
وقالوا فيما حكي لنا: في هذا البيت:
ضحك الأرانب فوق الصفا = كمثل دم الجوف يوم اللقاء
زعم الذي أنشدناك أنه يريد الحيض.
وقال الكميت:
فأضحكت الضباع سيوف سعد = بقتلي ما دفن ولا ودينا
يريد: الحيض، فيما حكي لنا.
وبلحارث بن كعب يقولون: ضحكت إذا أخرجت الطلع أو انشق، وقالوا: الضحك: الطلع؛ وسمعت من يحكي: أضحكت حوضك: إذا ملأته حتى يفيض؛ وكأن المعنى قريب بعضه من بعض كله؛ لأنه كأنه شيء يمتلئ فيفيض) ). [معاني القرآن لقطرب: 690]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فضحكت} قال عكرمة: حاضت، من قولهم: ضحكت الأرنب: إذا حاضت.
وغيره من المفسرين يجعله الضحك بعينه. وكذلك هو في التوراة، وقرأت فيها: «أنها حين بشّرت بالغلام ضحكت في نفسها وقالت: من بعد ما بليت أعود شابة، وسيدي إبراهيم قد شاخ؟ فقال اللّه لإبراهيم عليه السلام: لم ضحكت سرا - وسرا اسمها في التوراة. يعني سارة - وقالت أحقّ أن ألد وقد كبرت؟ فجحدت سرّا وقالت: لم أضحك. من أجل أنها خشيت. فقال: بلى لقد ضحكت».
{ومن وراء إسحاق يعقوب} أي بعد إسحاق. قال أبو عبيدة: لوراء: ولد الولد.
{سيء بهم} فعل، من السوء). [تفسير غريب القرآن: 206-205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} أي: بشرناها بإسحاق فضحكت). [تأويل مشكل القرآن: 206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وامرأته قائمة فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب }
يروى أنها ضحكت لأنها كانت قالت لإبراهيم: اضمم لوطا ابن أخيك إليك، فإني أعلم أنه سينزل بهؤلاء القوم عذاب، فضحكت سرورا لمّا أتى الأمر على ما توهّمت.
فأما من قال: ضحكت: حاضت فليس بشيء
{فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}.
يقرأ يعقوب ويعقوب - بالرفع والنصب وفي هذه البشارة بشارة بالولد وولد الولد، يقال هذا ابني من الوراء.
أي هذا ابن ابني.
فبشرناها بأنها تلد إسحاق وأنها تعيش حتى ترى ولده.
وروينا في التفسير أن عمرها كان تسعا وثمانين، وأن عمر إبراهيم كان تسعا وتسعين في وقت البشارة.
فأما من قرأ: (ومن وراء إسحاق يعقوب)، فيعقوب في موضع نصب محمول على موضع فبشرناها بإسحاق، محمول على المعنى، المعنى: وهبنا لها إسحاق ووهبنا لها يعقوب.
ومن قرأ يعقوب فرفعه على ضربين، أحدهما الابتداء مؤخّرا، معناه التّقديم، والمعنى ويعقوب محدث لها من وراء إسحاق.
ويجوز أن يكون مرفوعا بالفعل الذي يعمل في " من وراء " كأنّه قال وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب.
ومن زعم أن يعقوب في موضع جر فخطأ زعمه، ذلك لأن الجارّ لا يفصل بينه وبين المجرور، ولا بينه وبين الواو العاطفة، لا يجوز مررت بزيد في الدار، والبيت عمرو ولا في البيت عمرو، حتى تقول وعمرو في البيت). [معاني القرآن: 3/63-61]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {فضحكت فبشرنا ها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
فيه أقوال أحسنها أنه لما لم يأكلوا نكرهم وخافهم فلما قالوا لا تخف وخبروه أنهم رسل فرح بذلك فضحكت امرأته سرورا بفرحه
وروى الفراء أن بعض المفسرين قال المعنى فبشرناهم بإسحاق فضحكت
قال أبو جعفر وهذا القول لا يصح لأن التقديم والتأخير لا يكون في الفاء
وقيل فضحكت فحاضت
وهذا قول لا يعرف ولا يصح
وقيل إنها كانت قالت له أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطا إليك فلما جاء الرسل بما قالته سرت به فضحكت وهذا إن صح إسناد فهو حسن
وقال قتادة ضحكت من غفلة القوم وقد أتاهم العذاب
وقوله جل وعز: {ومن وراء إسحاق يعقوب}
قال الشعبي الوراء ولد الولد
وقال بعض أهل النظر في هذا دليل على أن إسماعيل هو الذبيح لأنها بشرت بأنها تعيش حتى يولد إسحاق وحتى يولد لإسحاق يعقوب وكيف يؤمر بذبحه وقد بشرت بأن يولد له). [معاني القرآن: 3/365-363]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فضحكت} اختلف الناس فيه، ووسمعت أبا موسى يسأل ثعلبا - قال: جاء في الخبر: فضحكت: أي حاضت، فقال ثعلب: نسلم للتفسير كما جاء، وليس في كلام العرب: ضحكت إلا من الضحك، الذي هو ضد البكاء، وإنما ضحكت تعجبا من الغلام بعد الكبر،
فقال له أبو موسى: فأنت أنشدتنا: تضحك الضبع لقتلى هذيل قال: تضحك - هاهنا - تكشر، ويقال للضاحك: قد كشر، قال: وذلك أن الذئب ينازع الضبع على القتيل، فتكشر الضبع في وجهه تهددا ووعيدا، فيتركها ويمر). [ياقوتة الصراط: 268-266]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَضَحِكَتْ} قيل: حاضت.
وقيل: الضحك بعينه تعجبا من أن يلد مثلها. وقيل: تعجبا من حياة العجل المشوي بأمر الله.
وقيل: تعجبا من غفلة قوم لوط، مما ينزل بهم.
وقيل: تعجبا من امتناع الأضياف من الأكل.
وقيل: تعجبا من فزع إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
{وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} أي من بعده، وهو ولد الولد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 107]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخاً...}
وفي قراءة عبد الله (شيخٌ) فذكروا أنها كانت بنت ثمان وتسعين سنة، وكان عليه السّلام أكبر منها بسنة. ويقال في قوله: {رحمة اللّه وبركاته عليكم} البركات: السعادة).
[معاني القرآن: 2/23]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ} [معاني القرآن: 2/43]
وقال: {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ} فإذا وقفت قلت (يا وليتاه) لأن هذه الألف خفيفة وهي مثل ألف الندبة؛ فلطفت من أن يكون في السكت وجعلت بعدها الهاء ليكون أبين لها وأبعد للصوت. وذلك أن الألف إذا كانت بين حرفين كان لها صدى كنحو الصوت يكون في جوف الشيء فيتردد فيه فيكون أكثر وأبين. ولا تقف على ذا الحرف في القرآن كراهية خلاف الكتاب. وقد ذكر أنه يوقف على ألف الندبة فإن كان هذا صحيحا وقفت على الألف.
وقال: {وهذا بعلي شيخاً} وفي قراءة ابن مسعود (شيخٌ) ويكون على أن تقول "هو شيخ" كأنه فسر بعد ما مضى الكلام الأول أو يكون اخبر عنهما خبرا واحداً كنحو قولك "هذا أخضر أحمر" أو على أن تجعل قولها (بعلى) بدلاً من (هذا) فيكون مبتدأ ويصير "الشيخ" خبره وقال الشاعر:
من يك ذابتٍّ فهذا بتّى = مقيّظٌ مصيّفٌ مشتّى).
[معاني القرآن: 2/44]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وهذا بعلي شيخا}؛ البعل أيضًا سوى هذا وهو الرب؛ قال {أتدعون بعلا} قال بعضهم: ربا؛ وقالوا: من بعل هذه الدار؛ أي ربها، والبعل أيضًا: ما استغنى بماء السماء.
وزعم بعض من يحكي هذا الحديث قال: سام ابن عباس رجلاً بناقة، فقال: أهي لك؟ قال: أنا بعلها؛ قال ما تعني ببعلها؟ قال: أنا ربها؛ قال: ممن أنت؟ قال: من حمير؛ قال ابن عباس: ما كنت أظنها في لغة حمير! ثم قال ابن عباس: {أتدعون بعلا} أي ربًا). [معاني القرآن لقطرب: 691]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إنّ هذا لشيء عجيب}
المصحف فيه يا ويلتي بالياء، والقراءة بالألف، إن شئت على التضخيم، وإن شئت على الإمالة.
والأصل يا ويلتي فأبدل من الياء والكسرة الألف، لأن الفتح والألف أخف من الياء والكسرة.
ويجوز الوقف عليه بغير الهاء.
والاختيار أن يوقف عليه بالهاء، يا ويلتاه.
فأمّا المصحف فلا يخالف، ولا يوقف عليه بغير الهاء، فإن اضطر واقف وقف بغير الهاء.
فأمّا الهمزتان بعد " يا ويلتى " ففيهما ثلاثة أوجه، إن شئت حقّقت الأولى وخفّفت الثانية، فقلت يا ويلتى أألد، وإن شئت - وهو الاختيار خفّفت الأولى وخفّفت الثانية فقلت يا ويلتى آلد، وإن شئت حقّقتهما جميعا فقلت أألد وتحقيق الهمزتين مذهب ابن أبي إسحاق.
{وهذا بعلي شيخا}.
القراءة النصب وكذلك هي في المصحف المجمع عليه، وهو منصوب على الحال، والحال ههنا نصبها من لطيف النحو وغامضه.
ذلك أنك إذا قلت هذا زيد قائما، فإن كنت تقصد أن تخبر من يعرف زيدا أنه زيد لم يجز أن تقول: هذا زيد قائما، لأنه يكون زيدا ما دام قائما، فإذا زال عن القيام فليس بزيد، وإنما تقول ذاك للذي يعرف زيدا: هذا زيد قائما فيعمل في الحال التنبيه، والمعنى انتبه لزيد في حال قيامه.
وأشير لك إلى زيد حال قيامه، لأن " هذا " إشارة إلى ما حضر، فالنصب الوجه كما ذكرنا ويجوز الرفع.
وزعم سيبويه والخليل أن النصب من أربعة أوجه:
فوجه منها أن تقول: هذا زيد قائم فترفع زيدا بهذا وترفع قائما خبر
ثانيا، كأنك قلت: هو قائم أو هذا قائم.
ويجوز أن تجعل زيدا وقائما جميعا خبرين عن هذا فترفعهما جميعا خبرا بهذا، كما تقول: هذا حلو حامض تريد أنه جمع الطعمين.
ويجوز أن تجعل زيدا بدلا من هذا، كأنك قلت زيد قائم.
ويجوز أن تجعل زيدا مبيّنا عن هذا، كأنك أردت: هذا قائم، ثم بينت من هو بقولك زيد.
فهذه أربعة أوجه). [معاني القرآن: 3/64-63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قالت يا ويلتى أالد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا}
قال الفراء يروى أنه كان لها حين بشرت ثمان وتسعون سنة وإبراهيم أكبر منها بسنة). [معاني القرآن: 3/365]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حميدٌ مجيدٌ) أي محمود ماجد). [مجاز القرآن: 1/293]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {حميد مجيد} فالفعل: مجد الرجل، مجادة ومجدًا؛ وقال بعضهم: مجد يريد: مجد.
وأما مجدته تمجيدًا؛ فهو مدحه وقرظه؛ والتقريظ المدح؛ يقال: مدحه وقرظه، وأطراه، ومجده بالتثقيل). [معاني القرآن لقطرب: 691]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مجيد}: ماجد). [غريب القرآن وتفسيره: 176]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَّجِيدٌ}: يعني ماجد). [العمدة في غريب القرآن: 156]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 06:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) )
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (ويقال: صَلَيْتُ اللَّحم فأنا أصْلِيهِ: إذا شويته، فإنْ أردتَ أنَّك قذفته في النَّار ليحترقَ قلتَ: أصْلَيُه إصْلاء، والحَنِيذ: الشِّواء الذي لم يُبالَغ في نُضجه. يقال: حَنَذْتُ أحْنِذُ حَنْذاً). [الغريب المصنف: 1/195]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الحنيذ الشواء الذي لم يبالغ في نضجه، يقال: حنذت أحنذ حنذا وهو الشواء المغموم). [الغريب المصنف: 1/204]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والحنذ مصدر حنذت الجدي أحنذه إذا شويته وجعلت فوقه حجارة محماة لتنضجه قال الله جل وعز: {فجاء بعجل حنيذ} ويقال: حنذت الفرس أحنذه إذا ألقيت عليه الجلال ليعرق وحنذ موضع قريب من المدينة قال الراجز:

(تأبرى يا خيرة الفسيل = نأبرى من حنذ وشولى)
(إذ ضن أهل النخل بالفحول
أي: تأبري اقبلى التلقيح والإبار هو تلقيح النخل). [إصلاح المنطق: 81-82]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قوله عز وجل: {قالوا سلاماً قال سلام} فإن المفسرين يقولون في هذا قولين أعني المنصوب.
أما المرفوع فلا اختلاف في أن معناه والله أعلم، قولي سلام، وأمري سلام كما قال: {طاعة وقول معروف} وكما قال: {وقالوا مجنون وازدجر} على الحكاية). [المقتضب: 4/11]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
أنكرته حين توسمته = والحرب غول ذات أوجاع
قال عامر: أنكرته شككت فيه يقال أنكرت الرجل إذا كنت من معرفته في شكٍ ونكرته إذا لم تعرفه، قال الله عز وجل: {نكرهم وأوجس منهم خيفةً}، وقال أبو عبيدة: يقال أنكرته ونكرته بمعنىً واحد وكذلك استنكرته وأنشد بيت الأعشى:

وأنكرتني وما كان الذي نكرت = من الحوادث إلا الشيب والصلعا
أي: إنما أنكرت شيبي وصلعي لا غير، فأما كرمي وطبيعتي فلم أتغير عنهما. وقال أبو عبيدة: قال يونس: قال أبو عمرو بن العلاء: أنا الذي زدت بيت الأعشى في شعره يعني وأنكرتني فسار في الناس وذهب فأتوب إلى الله منه، وقال: لم أزد في أشعار العرب غيره.
وقال محمد بن سلام الجمحي: وحدثني جوان قال: قال يونس: قال أبو عمرو: وأنا الذي قلت هذا البيت وأنكرتني. قال: فلقيت يونس فسألته من الذي يقول هذا البيت فقال الأعشى: فقلت ما قول أبي عمرو فيه؟ فقال: قال أبو عمرو: وما بقي بعد الشيب والصلع كان ينبغي أن يتأتى لأن يقول الذي نكرت الشيب والصلع.
قال عامر: التوسم التثبت في معرفة الشيء أي حين تثبت في معرفته أنكرته وذلك لتغيره). [شرح المفضليات: 565]

تفسير قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والورى على ثلاثة أوجه: الورى الخلق، تقول ما أدري أي الورى هو والورى داء يصيب الرجل في جوفه مقصوران يكتبان بالياء، والوراء الخلف ممدود. وحكي عن الفراء عن بعض المشيخة عن الشعبي قال: أقبل الشعبي ومعه ابن ابن له، فقيل له: هذا ابنك؟
فقال: هذا ابني من الوراء. قال الله عز وجل: {فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} يعني ولد الولد). [المقصور والممدود: 22-23]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

فجاء بمزج لم ير الناس مثله = هو الضحك إلا أنه عمل النحل
الأصمعي: الضحك: الثغر الأبيض، و(رجل ضحك) أبيض الأسنان، فشبه بياض العسل به، لشدة بياض العسل. وقال بعضهم: شبه بياض العسل به، وقال آخر: هو الزبد. غيره: (الضحك) الطلع، بلغة بلحارث بن كعب، (ضحكت النخلة) إذا انشق كافورها. المفضل: الضحك من العجب و(الضحك): الحيض، وأنشد:
وتضحك مني شيخة عبشمية = كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
فهذا العجب. وقال الله جل وعز: {فضحكت} أي: حاضت). [شرح أشعار الهذليين: 1/96]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ووراء من الأضداد. يقال للرجل: وراءك، أي خلفك، ووراءك أي أمامك، قال الله عز وجل: {من ورائهم جهنم}، فمعناه (من أمامهم). وقال تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}، فمعناه (وكان أمامهم). وقال الشاعر:
ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
أي من أمامه، وقال الآخر:
أترجو بنوا مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
أراد قدامي. وقال الآخر:
[كتاب الأضداد: 68]
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
وقال الآخر:
أليس ورائي أن أدب على العصا = فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي
والوراء ولد الولد، قال حيان بن أبجر: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل من هذيل، فقال له: ما فعل فلان؟ لرجل منهم، فقال: مات وترك كذا وكذا من الولد، وثلاثة من الوراء؛ يريد من لود الولد.
وحكى الفراء عن بعض المشيخة، قال: أقبل الشعبي ومعه ابن ابن له، فقيل له: أهذا ابنك؟ فقال: هذا ابني من الوراء، يريد من ولد الولد.
وقال الله عز وجل: {ومن وراء إسحاق يعقوب}، يريد من ولد ولده. والورى مقصور: الخلق، يقال: ما أدري أي الورى هو؟ يراد: أي الناس هو؟ قال ذو الرمة:
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح = بلاد الورى ليست له ببلاد
والورى داء يفسد الجوف، من قول النبي صلى الله عليه
وسلم: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا))، أي حتى يفسد جوفه منه، قال الشاعر:

هلم إلى أمية إن فيها = شفاء الواريات من الغليل
وقال الآخر:
وراهن ربي مثل ما قد ورينني = وأحمي على أكبادهن المكاويا
وقال آخر:
قالت له وريا إذا تنحنح = يا ليته يسقى على الذرحرح
الذرحرح: واحد الذراريح. ويقال في دعاء للعرب: به الورى، وحمى خيبري، وشر ما يرى، فإنه خيسرى.
وقال أبو العباس: الورى المصدر، بتسكين الراء، والورى، بفتح الراء الاسم، وأنشد قطرب للنابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة = وليس وراء الله للمرء مذهب
أراد: وليس قدامه، ويقال: معناه وليس سواء الله؛ كما قال جل اسمه: {ويكفرون بما وراءه}، أي بما سواءه، ويقال للرجل إذا تكلم: ليس وراء هذا الكلام
شيء، أي ليس يحسن سواءه. وأنشد قطرب أيضا:
أتوعدني وراء بني رياح = كذبت لتقصرن بذاك عني).
[كتاب الأضداد: 70-71] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة
وذلك قولك هذا عبد الله منطلق حدثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمن يوثق به من العرب.
وزعم الخليل رحمه الله أن رفعه يكون على وجهين:
فوجه أنك حين قلت هذا عبد الله أضمرت هذا أو هم كأنك قلت هذا منطلق أو هو منطلق. والوجه الآخر أن تجعلهما جميعا خبرا لهذا كقولك هذا حلو حامض لا تريد أن تنقض الحلاوة ولكنك تزعم أنه جمع الطعمين. وقال الله عز وجل: {كلا إنها لظى (15) نزاعة للشوى}. وزعموا أنها في قراءة أبي عبد الله. (هذا بعلي شيخٌ) ). [الكتاب: 2/83] (م)
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما {هذا ما لدي عتيد} فرفعه على وجهين على شيء لدي عتيد وعلى هذا (بعلي شيخٌ) ). [الكتاب: 2/106] (م)
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدةٍ منهما من كلمة فإن
أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة فليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان فتحققا ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة وهو قول أبي عمرو وذلك قولك: (فقد جا أشراطها )، و{يا زكريا إنا نبشرك} ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة سمعنا ذلك من العرب وهو قولك فقد جاء اشراطها ويا زكرياء انا وقال:
كلّ غرّاء إذا ما برزت = ترهب العين عليها والحسد
سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا.
وكان الخليل يستحب هذا القول فقلت له لمه فقال إني رأيتهم حين أرادوا أن يبلدوا إحدى الهمزتين اللتين تلتقيان في كلمة واحدة أبدلوا الآخرة وذلك جائٍ وآدم ورأيت أبا عمروٍ أخذ بهن في قوله عز وجل: (يا ويلتا أالد وأنا عجوز) وحقق الأولى وكل عربي وقياس من خفف الأولى أن يقول يا ويلتا األد). [الكتاب: 3/548-549] (م)
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: رجل بين الرُّجلة، والرُّجولة، والرُّجلية.
ثم هو: كهل بين الاكتهال، وامرأة كهلة، قال الراجز:
أمارس الكهلة والصبيا
والعزب المنفة الأميا.
ثم: المرأة عوان للنصف، وقد عونت المرأة تعوينا: صارت عوانا.
ثم: شيخ بين الشَّيِخ، والشِّياخ، والشَّيخوخة.
وحكي عن ابن مسعود: الشيخ والشيخة للعجوز وقال عبيد:
باتت على إرم رابئة = كأنها شيخة رقوب).
[الفرق في اللغة: 96] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقد قالت العرب حروفا، بَنَت فيها الأنثى على الذكر، وقد كانت الأنثى في ذلك مسماة باسم يؤدي عن تأنيثها، فقالوا: «غلام» و«جارية» و«شيخ» و«شيخة»). [المذكور والمؤنث: 108] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (النحويون يرون إذا اجتمعت همزتان في كلمتين كل واحدة منهما في كلمة تخفف إحداهما فإن كانتا في كلمة واحدة أبدوأ الثانية منهما، وأخرجوها من باب الهمزة.

أما ما كان في كلمة، فنحو قولهم: آدم، جعلوا اثانية ألفا خالصة، للفتحة قبلها.
وقالوا في جمعه: أوادم، كما قالوا في جمع خالد: خوالد، فلم يرجعوا بها إلى الهمز. وقالوا في فاعِل من جئت، ونحوه: جاءٍ كما ترى، فقلبوا الهمزة ياءً، لأنها في موضع اللام من الفعل، وموضع العين تلزمه الهمزة لاعتلاله؛ كما قلت في فاعِل من يقول: قائل. فلما التقت الهمزتان في كلمة قلبوا الثانية منهما على ما وصفنا.
فإذا كانتا في كلمتين فإن أبا عمرو بن العلاء كان يرى تخفف الأولى منهما وعلى ذلك قرأ في قوله عز وجل: {فقد جاء أشراطها} إلا أن يبتدأ بها ضرورة كامتناع الساكن.
وكان يحقق الأولى إذا قرأ (أالد وأنا عجوزٌ) ويخفف الثانية، ولا يلزمها البدل، لأن ألف الاستفهام منفصلة، وكان الخليل يرى تخفيف الثانية على كل حال، ويقول: لأن البدل لا يلزم إلا الثانية، وذلك لأن الأولى يلفظ بها، ولا مانع لها، والثانية تمتنع من التحقيق من أجل الأولى التي قد ثبتت في اللفظ). [المقتضب: 1/295] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: زيد في الدار قائماً، فتنصب قائماً بمعنى الفعل الذي وقع في الدار؛ لأن المعنى: استقر عبد الله في الدار؛ ولذلك انتصبت الظروف.
ألا ترى أنك تقول: زيد خلفك، وزيد دونك، فتنصب الدون، والخلف بفعل زيد. كأنك تقول: استقر زيد خلفك، وثبت دونك ونفسر هذا في باب الظروف إن شاء الله.
فإن جعلت في الدار للقيام، ولم تجعله لزيد قلت: زيد في الدار قائم؛ لأنك إنما أردت: زيد قائم في الدار، فجعلت قائماً خبرا عن زيد، وجعلت في الدار ظرفاً لقائم.
فمن قال هذا قال: إن زيدا في الدار قائم.
ومن قال الأول قال: إن زيدا في الدار قائماً. فيكون في الدار الخبر، ثم خبر على أية حال وقع استقراره في الدار، فقال قائماً، أي: على هذه الحال ولما قال قائم إنما قال في الدار ليخبر أي موضع وقع قيامه.
فنظير ذلك قوله جل وعلا {إن المتقين في جنات وعيون * آخذين}، وقوله عز وجل: {إن المتقين في جنات ونعيم * فاكهين}.
وذلك أن قوله: {في جنات} خبر إن، فنصب {آخذين} و{فاكهين} على الحال.
ولو كان الظرف هو الخبر لرفع الخبر؛ كما قال الله عز وجل: {وفي النار هم خالدون} لأن المعنى: وهم خالدون في النار. فإنما في النار ظرف للخلود.
وتقول: هذا زيد راكبا، وذاك عبد الله قائماً.
فإن قال قائل: ما الذي ينصب الحال وأنت لم تذكر فعلا? قيل له: هذا إنما هو تنبيه. كأنك قلت: انتبه له راكباً.
وإذا قلت: ذاك عبد الله قائماً. ذاك للإشارة. كأنك قلت: أشير لك إليه راكباً. فلا يجوز أن يعمل في الحال إلا فعل أو شيء في معنى الفعل؛ لأنها مفعول فيها. وفي كتاب الله جل وعلا: {وهذا بعلي شيخاً} ). [المقتضب: 4/166-168] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب
تبيين الحال في العوامل
التي في معنى الأفعال، وليست بأفعال، وما يمتنع من أن تجري معه الحال
تقول: هذا لك كافياً، فتنصب الحال، لما في الكلام من معنى الفعل لأن معنى لك معنى تملكه.
فإن أردت أن تلغى لك قلت: هذا لك كاف يا فتى، تريد: هذا كاف لك، فتجعل كافياً خبر الابتداء، وتجعل لك ظرفاً للكفاية.
والآية تقرأ على وجهين: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصةً يوم القيامة} وخالصةٌ على ما ذكرنا. وتقول: هذا عبد الله قائماً، فتنصب قائماً لأن قولك ها للتنبيه فالمعنى: انتبه له قائماً. وقال الله عز وجل {هذه ناقة الله لكم آية} و {وهذا بعلي شيخاً} ). [المقتضب: 4/307] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} و: (شيخ) إذا كان مدحًا أو ذمًا أستأنفوه). [مجالس ثعلب: 360]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 06:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 06:29 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:45 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:45 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ (69) فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ (70) وامرأته قائمةٌ فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (71)
«الرسل» الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقالت فرقة: بدل إسرافيل عزرائيل- ملك الموت- وروي أن جبريل منهم كان مختصا بإهلاك قرية لوط، وميكائيل مختصا بتبشير إبراهيم بإسحاق.
وإسرافيل مختصا بإنجاء لوط ومن معه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه الآية تقضي باشتراكهم في البشارة بإسحاق وقالت فرقة- وهي الأكثر- «البشرى» هي بإسحاق. وقالت فرقة: «البشرى» هي بإهلاك قوم لوط.
وقوله: سلاماً نصب على المصدر، والعامل فيه فعل مضمر من لفظه كأنه قال: أسلم سلاما، ويصح أن يكون: سلاماً حكاية لمعنى ما قالوه لا للفظهم- قاله مجاهد والسدي- فلذلك عمل فيه القول، كما تقول- الرجل قال: لا إله إلّا الله- قلت حقا أو إخلاصا ولو حكيت لفظهم لم يصح أن تعمل فيه القول وقوله: قال: سلامٌ حكاية للفظه، وسلامٌ مرتفع إما على الابتداء، والخبر محذوف تقديره عليكم وإما على خبر ابتداء محذوف تقديره أمري سلام، وهذا كقوله: فصبرٌ جميلٌ [يوسف: 18] إما على تقدير فأمري صبر جميل، وإما على تقدير: فصبر جميل أجمل.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: «قالوا: سلاما قال: سلام» وقرأ حمزة والكسائي:
«قالوا سلاما، قال: سلم» وكذلك اختلافهم في سورة الذاريات. وذلك على وجهين: يحتمل أن يريد به السّلام بعينه، كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
مررنا فقلنا إيه سلم فسلمت = كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح
اكتل: اتخذ إكليلا أو نحو هذا قال الطبري وروي: كما انكلّ- ويحتمل أن يريد ب «السلم» ضد الحرب، تقول نحن سلم لكم.
وكان سلام الملائكة دعاء مرجوا- فلذلك نصب- وحيي الخليل بأحسن مما حيي وهو الثابت المتقرر ولذلك جاء مرفوعا.
وقوله: فما لبث أن جاء يصح أن تكون «ما» نافية، وفي لبث ضمير إبراهيم وإن جاء في موضع نصب أي بأن جاء، ويصح أن تكون «ما» نافية وإن جاء بتأويل المصدر في موضع رفع ب لبث أي ما لبث مجيئه، وليس في لبث على هذا ضمير إبراهيم، ويصح أن يكون «ما» بمعنى الذي وفي لبث ضمير إبراهيم- وإن جاء خبر «ما» أي فلبث إبراهيم مجيئه بعجل حنيذ، وفي أدب الضيف أن يجعل قراه من هذه الآية.
و «الحنيذ» بمعنى المحنوذ ومعناه بعجل مشوي نضج يقطر ماؤه، وهذا القطر يفصل الحنيذ من جملة المشويات، ولكن هيئة المحنوذ في اللغة الذي يغطى بحجارة أو رمل محمي أو حائل بينه وبين النار يغطى به والمعرض من الشواء الذي يصفف على الجمر والمهضب: الشواء الذي بينه وبين النار حائل، يكون الشواء عليه لا مدفونا له، والتحنيذ في تضمير الخيل هو أن يغطى الفرس بجل على جل لينتصب عرقه).[المحرر الوجيز: 4/ 606-608]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فلمّا رأى أيديهم = الآية، روي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في اللحم ولا تصل أيديهم إليه، وفي هذه الآية من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر من ضيفه هل يأكل أم لا؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر، فروي أن أعرابيا أكل مع سليمان بن عبد الملك، فرأى سليمان في لقمة الأعرابي شعرة فقال له: أزل الشعرة عن لقمتك، فقال له: أتنظر إلي نظر من يرى الشعر في لقمتي والله لا أكلت معك.
ونكرهم- على ما ذكر كثير من الناس- معناه: أنكرهم، واستشهد لذلك بالبيت الذي نحله أبو عمرو بن العلاء الأعشى وهو: [البسيط]
وأنكرتني وما كان الذي نكرت = من الحوادث إلا الشيب والصلعا
وقال بعض الناس: «نكر» هو مستعمل فيما يرى بالبصر فينكر، وأنكر هي مستعملة فيما لا يقرر من المعاني، فكأن الأعشى قال: وأنكرتني مودتي وأدمتي ونحوه، ثم جاء ب «نكر» في الشيب والصلع الذي هو مرئي بالبصر، ومن هذا قول أبي ذؤيب: [الكامل]
فنكرنه فنفرن وامترست به = هو جاء هادية وهاد جرشع
والذي خاف منه إبراهيم عليه السّلام ما يدل عليه امتناعهم من الأكل، فعرف من جاء بشر أن لا يأكل طعام المنزول به، وأوجس معناه أحس في نفسه خيفة منهم، و «الوجيس»: ما يعتري النفس عند الحذر وأوائل الفزع، فأمنوه بقولهم: لا تخف وعلم أنهم الملائكة). [المحرر الوجيز: 4/ 608-609]

تفسير قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم خرجت الآية إلى ذكر المرأة وبشارتها فقالت فرقة: معناه: قائمةٌ خلف ستر تسمع محاورة إبراهيم مع أضيافه، وقالت فرقة: معناه قائمةٌ في صلاة، وقال السد معناه قائمةٌ تخدم القوم، وفي قراءة ابن مسعود: «وهي قائمة وهو جالس». وقوله
فضحكت قال مجاهد: معناه: حاضت، وأنشد على ذلك اللغويون:
وضحك الأرانب فوق الصفا = كمثل دم الجوق يوم اللقاء
وهذا القول ضعيف قليل التمكن، وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى: حاضت وقرره بعضهم، ويقال ضحك إذا امتلأ وفاض: ورد الزجّاج قول مجاهد، وقال الجمهور: هو الضحك المعروف، واختلف مم ضحكت؟ فقالت فرقة: ضحكت من تأمينهم لإبراهيم بقولهم: لا تخف. وقال قتادة: ضحكت هزؤا من قوم لوط أن يكونوا على غفلة وقد نفذ من أمر الله تعالى فيهم ما نفذ.
وقال وهب بن منبه: ضحكت من البشارة بإسحاق، وقال: هذا مقدم بمعنى التأخير، وقال محمد بن قيس: ضحكت لظنها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط قال القاضي: وهذا قول خطأ لا ينبغي أن يلتفت إليه، وقد حكاه الطبري، وإنما ذكرته لمعنى التنبيه على فساده، وقالت فرقة: ضحكت من فزع إبراهيم من ثلاثة وهي تعهده يغلب الأربعين من الرجال، وقيل: المائة. وقال السدي: ضحكت من أن تكون هي تخدم وإبراهيم يحفد ويسعى والأضياف لا يأكلون. وقيل: ضحكت سرورا بصدق ظنها، لأنها كانت تقول لإبراهيم، إنه لا بد أن ينزل العذاب بقوم لوط، وروي أن الملائكة مسحت العجل فقام حيا فضحكت لذلك.
وقرأ محمد بن زياد الأعرابي: «فضحكت» بفتح الحاء.
وامرأة إبراهيم هذه هي سارة بنت هارون بن ناحور، وهو إبراهيم بن آزر بن ناحور فهي ابنة عمه، وقيل: هي أخت لوط.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وما أظن ذلك إلا أخوة القرابة لأن إبراهيم هو عم لوط فيما روي: وذكر الطبري أن إبراهيم لما قدم العجل قالوا له: إنّا لا نأكل طعاما إلا بثمن، فقال لهم: ثمنه أن تذكروا الله تعالى عليه في أول، وتحمدوه في آخر، فقال جبريل لأصحابه: بحق اتخذ الله هذا خليلا.
وقوله: فبشّرناها أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم الله تعالى إذ كان بأمره ووحيه، وبشر الملائكة سارة بإسحاق وبأن إسحاق سيلد يعقوب، ويسمى ولد الولد من الوراء، وهو قريب من معنى وراء في الظروف إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده ورأي ابن عباس رجلا معه شاب، فقال له: من هذا؟ فقال له: ولد ولدي، فقال: هو ولدك من الوراء، فغضب الرجل، فذكر له ابن عباس الآية.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «يعقوب» بالرفع على الابتداء والخبر المقدم، وهو على هذا دخل في البشرى، وقالت فرقة: رفعه على القطع بمعنى: ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب، وعلى هذا لا يدخل في البشارة وقرأ ابن عامر وحمزة «يعقوب» بالنصب واختلف عن عاصم، فمنهم من جعله معطوفا على «إسحاق» إلا أنه لم ينصرف، واستسهل هذا القائل أن فرق بين حرف العطف والمعطوف بالمجرور، وسيبويه لا يجيز هذا إلا على إعادة حرف الجر، وهو كما تقول: مررت بزيد اليوم وأمس عمرو، فالوجه عنده: وأمس بعمرو، وإذا لم يعد ففيه كبير قبيح، والوجه في نصبه أن ينتصب بفعل مضمر، تدل عليه البشارة وتقديره: ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب، وهذا رجح أبو علي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وروي أن سارة كانت في وقت هذه البشارة بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة.
وهذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسماعيل وأنه أسن من إسحاق وذلك أن سارة كانت في وقت إخدام الملك الجائر هاجر أم إسماعيل امرأة شابة جميلة حسبما في الحديث، فاتخذها إبراهيم عليه السّلام أم ولد، فغارت بها سارة، فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق وجاء من يومه مكة فتركهما- حسبما في السير- وانصرف إلى الشام من يومه ثم كانت البشارة بإسحاق، وسارة عجوز متجالة، وأما وجه دلالة الآية على أن إسحاق ليس بالذبيح فهو أن سارة وإبراهيم بشرا بإسحاق وأنه يولد له يعقوب، ثم أمر بالذبح حين بلغ ابنه معه السعي، فكيف يؤمر بذبح ولد قد بشر قبل أنه سيولد لابنه ذلك، وأيضا فلم يقع قط في أثر أن إسحاق دخل الحجاز وإجماع أن أمر الذبح كان بمنى، ويؤيد هذا الغرض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن الذبيحين» يريد أباه عبد الله وأباه إسماعيل، ويؤيده ما نزع به مالك رحمه الله من الاحتجاج برتبة سورة الصافات فإنه بعد كمال أمر الذبيح قال: وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين [الصافات: 112].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا كله موضع معارضات لقائل القول الآخر: إن الذبيح هو إسحاق، ولكن هذا الذي ذكرناه هو الأرجح والله أعلم).[المحرر الوجيز: 4/ 609-612]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ (72) قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ (73)
اختلف الناس في الألف التي في قوله: يا ويلتى وأظهر ما فيها أنها بدل ياء الإضافة، أضلها: يا ويلتي، كما تقول: يا غلاما ويا غوثا وقد تردف هذه الألف بهاء في الكلام، ولم يقرأ بها، وأمال هذه الألف عاصم والأعمش وأبو عمرو.
ومعنى يا ويلتى في هذا الموضع العبارة عما دهم النفس من العجب في ولادة عجوز، وأصل هذا الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة أو مكروه يهم النفس، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس وقال قوم: إنما قالت: يا ويلتى لما مر بفكرها من ألم الولادة وشدتها، ثم رجعت بفكرها إلى التعجب ونطقت بقولها أألد وأنا عجوزٌ؟ الآية.
وقرأت فرقة: «أألد» بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية، وفي النطق بهذه
عسر، وقرأت فرقة: بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية، والتخفيف هنا مدها، وقرأت فرقة «ءاألد» بتحقيق الهمزتين ومدة بينهما.
و «العجوز» المسنة، وقد حكى بعض الناس: أن العرب تقول: العجوزة، و «البعل»: الزوج، وشيخاً نصب على الحال وهي حال من مشار إليه لا يستغنى عنها لأنها مقصود الإخبار، وهي لا تصح إلا إذا لم يقصد المتكلم التعريف بذي الحال، مثل أن يكون المخاطب يعرفه وأما إذا قصد التعريف به لزم أن يكون التعريف في الخبر قبل الحال، وتجيء الحال على بابها مستغنى عنها، ومثال هذا قولك: هذا زيد قائما، إذا أردت التعريف بزيد. أو كان معروفا وأردت التعريف بقيامه، وأما إن قصد المتكلم أن زيديته إنما هي مادام قائما، فالكلام لا يجوز.
وقرأ الأعمش «هذا بعلي شيخ»، قال أبو حاتم وكذلك في مصحف ابن مسعود، ورفعه على وجوه:
منها: أنه خبر بعد خبر كما تقول: هذا حلو حامض، ومنها: أن يكون خبر ابتداء مضمر تقديره: هو شيخ وروي أن بعض الناس قرأه: «وهذا بعلي هذا شيخ»، وهذه القراءة شبيهة بهذا التأويل. ومنها: أنه بدل من بعلي ومنها: أن يكون قولها بعلي بدلا من هذا أو عطف بيان عليه، ويكون «شيخ» خبر هذا.
ويقال شيخ وشيخة- وبعض العرب يقول في المذكر والمؤنث شيخ. وروي أن سارة كانت وقت هذه المقالة من تسع وتسعين سنة، وقيل: من تسعين- قاله ابن إسحاق- وقيل من ثمانين وكذلك قيل في سن إبراهيم، إنه كان مائة وعشرين سنة، وقيل: مائة سنة، وغير ذلك مما يحتاج إلى سند).[المحرر الوجيز: 4/ 612-613]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: قالوا للملائكة، وقوله: من أمر اللّه يحتمل أن يريد واحد الأمور، أي من الولادة في هذه السن، ويحتمل أن يريد مصدر أمر، أي مما أمر الله في هذه النازلة.
وقوله: رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت يحتمل اللفظ أن يكون دعاء وأن يكون إخبارا، وكونه إخبارا أشرف، لأن ذلك يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. ونصب أهل البيت على الاختصاص- هذا مذهب سيبويه، ولذلك جعل هذا والنصب على المدح في بابين. كأنه ميز النصب على المدح بأن يكون المنتصب لفظا يتضمن بنفسه مدحا كما تقول: هذا زيد عاقل قومه، وجعل الاختصاص إذا لم تتضمن اللفظة ذلك، كقوله: «إنا معاشر الأنبياء»:
إنا بني نهشل ... ... = ... ... ... ...
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا يكون الاختصاص إلا بمدح أو ذم، لكن ليس في نفس اللفظة المنصوبة.
وهذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل بيته لأنها خوطبت بهذا، فيقوى القول في زوجات النبي عليه السّلام بأنهن من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس، بخلاف ما تذهب إليه الشيعة، وقد قاله أيضا بعض أهل العلم، قالوا: «أهل بيته» الذين حرموا الصدقة، والأول أقوى وهو ظاهر جلي من سورة الأحزاب لأنه ناداهن بقوله: يا نساء النّبيّ [الأحزاب: 32] ثم بقوله: أهل البيت [الأحزاب: 33].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووقع في البخاري عن ابن عباس قال: أهل بيته الذين حرموا الصدقة بعده فأراد ابن عباس: أهل بيت النسب الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: إن الصدقة لا تحل لأهل بيتي إنما هي أوساخ الناس.
والبيت في هذه الآية وفي سورة الأحزاب بيت السكنى ففي اللفظ اشتراك ينبغي أن يتحسس إليه. ففاطمة رضي الله عنها من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم بالوجهين وعلي رضي الله عنه بالواحد، وزوجاته بالآخر، وأما الشيعة فيدفعون الزوجات بغضا في عائشة رضي الله عنها. وحميدٌ أي أفعاله تقتضي أن يحمد، ومجيدٌ أي متصف بأوصاف العلو، ومجد الشيء إذا حسنت أوصافه).[المحرر الوجيز: 4/ 613-615]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:46 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:46 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلامًا قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ (69) فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ (70) وامرأته قائمةٌ فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (71) قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ (72) قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ (73)}
يقول تعالى: {ولمّا جاءت رسلنا} وهم الملائكة، إبراهيم بالبشرى، قيل: تبشّره بإسحاق، وقيل: بهلاك قوم لوطٍ. ويشهد للأوّل قوله تعالى: {فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوطٍ} [هودٍ: 74]، {قالوا سلامًا قال سلامٌ} أي: عليكم.
قال علماء البيان: هذا أحسن ممّا حيّوه به؛ لأنّ الرّفع يدلّ على الثّبوت والدّوام.
{فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ} أي: ذهب سريعًا، فأتاهم بالضّيافة، وهو عجل: فتى البقر، حنيذ: [وهو] مشوي [شيًّا ناضجًا] على الرّضف، وهي الحجارة المحماة.
هذا معنى ما روي عن ابن عبّاسٍ [ومجاهدٍ] وقتادة [والضّحّاك، والسّدّيّ] وغير واحدٍ، كما قال في الآية الأخرى: {فراغ إلى أهله فجاء بعجلٍ سمينٍ فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون} [الذّاريات:26، 27].
وقد تضمّنت هذه الآية آداب الضّيافة من وجوهٍ كثيرةٍ).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 332-333]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم} تنكرهم، {وأوجس منهم خيفةً} وذلك أنّ الملائكة لا همّة لهم إلى الطّعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه؛ فلهذا رأى حالهم معرضين عمّا جاءهم به، فارغين عنه بالكلّيّة فعند ذلك نكرهم، {وأوجس منهم خيفةً}.
قال السّدّيّ: لمّا بعث اللّه الملائكة لقوم لوطٍ أقبلت تمشي في صور رجالٍ شبّانٍ حتّى نزلوا على إبراهيم فتضيّفوه، فلمّا رآهم [إبراهيم] أجلّهم، {فراغ إلى أهله فجاء بعجلٍ سمينٍ} فذبحه ثمّ شواه في الرّضف. [فهو الحنيد حين شواه] وأتاهم به فقعد معهم، وقامت سارّة تخدمهم فذلك حين يقول: "وامرأته قائمةٌ وهو جالسٌ" في قراءة ابن مسعودٍ: "فلمّا قربه إليهم قال ألا تأكلون قالوا: يا إبراهيم إنّا لا نأكل طعامًا إلّا بثمنٍ. قال فإنّ لهذا ثمنًا. قالوا وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم اللّه على أوّله، وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال: حق لهذا أن يتّخذه ربّه خليلًا"، {فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم} يقول: فلمّا رآهم لا يأكلون فزع منهم، وأوجس منهم خيفةً، فلمّا نظرت إليه سارّة أنّه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم، ضحكت وقالت: عجبًا لأضيافنا هؤلاء، [إنّا] نخدمهم بأنفسنا كرامةً لهم، وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا نصر بن عليٍّ، [حدّثنا] نوح بن قيسٍ، عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال: كانوا أربعةً: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ورفائيل. قال نوح بن قيسٍ: فزعم نوح بن أبي شدّادٍ أنّهم لمّا دخلوا على إبراهيم، فقرّب إليهم العجل، مسحه جبريل بجناحه، فقام يدرج حتّى لحق بأمّه، وأمّ العجل في الدّار.
وقوله تعالى إخبارًا عن الملائكة: {قالوا لا تخف [إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ وامرأته قائمةٌ فضحكت]} أي قالوا: لا تخف منّا، إنّا ملائكةٌ أرسلنا إلى قوم لوطٍ لنهلكهم. فضحكت سارّة استبشارًا [منها] بهلاكهم، لكثرة فسادهم، وغلظ كفرهم وعنادهم، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس.
وقال قتادة: ضحكت [امرأته] وعجبت [من] أنّ قومًا يأتيهم العذاب وهم في غفلةٍ [فضحكت من ذلك وعجبت فبشّرناها بإسحاق].
وقوله: {ومن وراء إسحاق يعقوب} قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فضحكت} أي: حاضت.
وقول محمّد بن قيسٍ: إنّها إنّما ضحكت من أنّها ظنّت أنّهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوطٍ، وقول الكلبيّ إنّها إنّما ضحكت لما رأت من الرّوع بإبراهيم -ضعيفان جدًّا، وإن كان ابن جريرٍ قد رواهما بسنده إليهما، فلا يلتفت إلى ذلك، واللّه أعلم.
وقال وهب بن منبّه: إنّما ضحكت لمّا بشّرت بإسحاق. وهذا مخالفٌ لهذا السّياق، فإنّ البشارة صريحةٌ مرتبة على.
{فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} أي: بولدٍ لها يكون له ولدٌ وعقبٌ ونسلٌ؛ فإنّ يعقوب ولد إسحاق، كما قال في آية البقرة: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون} [البقرة: 133].
ومن هاهنا استدلّ من استدلّ بهذه الآية، على أنّ الذّبيح إنّما هو إسماعيل، وأنّه يمتنع أن يكون هو إسحاق؛ لأنّه وقعت البشارة به، وأنّه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفلٌ صغيرٌ، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده. ووعد اللّه حقٌّ لا خلف فيه، فيمتنع أنّ يؤمر بذبح هذا والحالة هذه، فتعيّن أن يكون هو إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحّه وأبينه، وللّه الحمد).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 333-334]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا [إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ]} حكى قولها في هذه الآية، كما حكى فعلها في الآية الأخرى، فإنها: {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ} وفي الذّاريات: {فأقبلت امرأته في صرّةٍ فصكّت وجهها وقالت عجوزٌ عقيمٌ} [الذّاريات: 29]، كما جرت به عادة النّساء في أقوالهنّ وأفعالهنّ عند التّعجّب). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 334]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا أتعجبين من أمر اللّه} أي: قالت الملائكة لها، لا تعجبي من أمر اللّه، فإنّه إذا أراد شيئًا أن يقول له: "كن" فيكون، فلا تعجبي من هذا، وإن كنت عجوزًا [كبيرةً] عقيمًا، وبعلك [وهو زوجها الخليل عليه السّلام، وإن كان] شيخًا كبيرًا، فإنّ اللّه على ما يشاء قدير.
{رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ} أي: هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمودٌ، ممجّدٌ في صفاته وذاته؛ ولهذا ثبت في الصّحيحين أنّهم قالوا: قد علمنا السّلام عليك، فكيف الصّلاة عليك يا رسول اللّه؟ قال: قولوا: "اللّهمّ صلّ على محمّدٍ، وعلى آل محمّدٍ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمّدٍ وعلى آل محمّدٍ، كما باركت على [إبراهيم و] آل إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيدٌ"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 334-335]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة