سورة ص
[ من الآية (55) إلى الآية (64) ]
{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}
قوله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)}
قوله تعالى: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)}
قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حميمٌ وغسّاقٌ (57)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (وغسّاقٌ) مشددة.
ومثله في (يتساءلون)
وقرأ الباقون (وغساقٌ) خفيفا في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ (وغسّاقٌ) مشددًا فهو بمعنى: ما يغسق من صديد أهل النار، أي: يسيل من القيح والمدّة. ويقال غسقت عينه تغسق، إذا سالت.
ومن خفف جعله مصدرًا لغسق يغسق غساقًا، أي: سال. كأن المعنى حميمٌ، وذو غساق، أي: وصديد ذو غساق، أي: ذو سيلان.
وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قرآ (غسّاقٌ) بالتشديد،
[معاني القراءات وعللها: 2/330]
فسّراه: - الزمهرير: قال بعض أهل العربية في تفسير (الغسّاق): إنه الشديد البرد، الذي يحرق من برده.
وقيل: غسّاق: منتن، وأصله فارسية تكلمت به العرب فأعربته). [معاني القراءات وعللها: 2/321]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: وغساق [ص/ 57] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: وغساق مشددا.
[الحجة للقراء السبعة: 6/77]
وفي عمّ يتساءلون مثله.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: وغساق بالتخفيف في الموضعين.
أمّا الغسّاق: فلا يخلو من أن يكون اسما، أو وصفا، فيبعد أن يكون اسما، لأنّ الأسماء لم تجىء على هذا الوزن إلّا قليلا، وذلك الكلاء، والقذّاف، والجبّان. وقد ذكر في الكلّاء التأنيث، ولم نعلمهم حكوا ذلك فيما جاء من هذا الوزن من الأسماء، فإذا لم يكن اسما كان صفة، وإذا كان صفة فقد أقيم مقام الموصوف، وأن لا تقام الصفة مقام الموصوف أحسن. إلّا أن يكون صفة قد غلب نحو: العبد، والأبطح، والأبرق.
والقراءة بالتخفيف أحسن من حيث كان فيه الخروج من الأمرين اللّذين وصفناهما في غسّاق بالتثقيل، وهما قلّة البناء، وإقامة الصفة مقام الموصوف). [الحجة للقراء السبعة: 6/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج} 57 و58
[حجة القراءات: 614]
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {وغساق} بالتّشديد وكذلك في {عم يتساءلون} أي سيال وهو فعال من غسق يغسق أي ما يسيل من جلود أهل النّار
وقرأ الباقون {وغساق} بالتّخفيف وحجتهم أنه اسم موضوع على هذا الوزن مثل عذاب وشراب ونكال وفي التّفسير أنه الشّديد البرد). [حجة القراءات: 615]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {وغساق} قرأه حفص وحمزة والكسائي بالتشديد، ومثله في {عم يتساءلون} وقرأهما الباقون بالتخفيف.
وحجة من شدد أنه جعله صفة، قامت مقام الموصوف، كالأبرق والأبطح، والتقدير: فليذوقوه شراب حميم وشراب غساق، فالحميم الذي بلغ في حره غايته، والغسّاق ما يجتمع من صديد أهل النار، وهو مشتق من «غسقت عينه» إذا سالت، ويجوز أن يكون جعله اسمًا كما يسيل من صديد أهل النار كالقذاف والجبان، فالصفة في «فعال» أكثر منه في «فعال».
8- وحجة من خفف أنه جعله اسمًا للصديد، و«فعال» في الأسماء كثير، وهو أكثر من «فعال» في الأسماء، فهو أولى القراءتين لكثرته، ولئلا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/232]
يدخل في التشديد إلى إقامة صفة مقام موصوف، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/233]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} [آية/ 57] بتشديد السين:-
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم، وكذلك في التساؤل.
[الموضح: 1104]
والوجه أنه يجوز أن يكون اسمًا على فعال، وهو قليل، نحو الجيار والكلاء، ويجوز أن يكون صفة قد حذف موصوفها، فيكون فعالاً من غسق إذا سال، وفعال في الصفات كثير، والمراد سيال، وهو ما يسيل من صديد أهل النار.
وقرأ الباقون {وَغَسَّاقٌ} بتخفيف السين.
والوجه أنه اسم على فعال بالتخفيف، وهو كثير في كلامهم نحو العذاب والنكال والشراب.
ويجوز أن يكون مصدرًا وصف به، والمعنى ذو غساق، أي ذو سيلان.
وقال ابن عباس في تفسير الغساق: إنه الزمهرير، وقيل، هو البارد الذي يحرق ببرده كما تحرق النار بحرها، وقيل الغساق المنتن). [الموضح: 1105]
قوله تعالى: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وآخر من شكله أزواجٌ (58)
قرأ أبو عمرو (وأخر) جماعة، وكذلك روى حمّاد بن سلمة عن ابن كثير (وأخر).
وقرأ الباقون (وآخر) على واحد.
قال أبو منصور: من قرأ (وآخر) عطفه على قوله (حميمٌ وغسّاق) وآخر، أي: وعذاب آخر (من شكله) أي: من مثل العذاب الأول.
ومن قرأ: (وأخر) فالمعنى: وأنواع أخر من شكله، لأن قوله (أزواجٌ) معناه: أنواع، ولا يجرى (أخر) لأن واحده لا يجرى). [معاني القراءات وعللها: 2/321]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأخر من شكله أزواج [ص/ 58] جماعة. وقرأ الباقون وآخر واحدا، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا مؤمّل قال: حدّثنا حمّال بن سلمة، قال:
سمعت ابن كثير يقرأ وأخر* مضمومة الألف.
وحدّثنا ابن حيّان عن أبي هاشم عن سويد بن عمرو عن حماد بن سلمة عن ابن كثير: وأخر بالضمّ.
[الحجة للقراء السبعة: 6/78]
قال أبو علي: قوله: وآخر من شكله أزواج، روي عن ابن مسعود وقتادة أنّهما قالا: الزمهرير، فتفسيرهما يقوّي قراءة من قرأ:
وآخر بالتوحيد، كأنّه: ويعذب به آخر، لأنّ الزّمهرير واحد، ويجوز على تفسيرهما الجمع، وأخر على أن يجعل أجناسا يزيد برد بعضه على بعض على حسب استحقاق المعذبين، ورتبهم في العذاب، فيكون ذلك كقولهم: جمالان، وتمران، ونحو ذلك من الجموع التي تجمع وتثنّى إذا اختلفت، وإن لم تختلف عندي. ويجوز الجمع على وجه آخر، وهو أن يجعل كلّ جزء منه وإن اختلف زمهريرا، فيجمع كما جمعوا في قولهم: شابت مفارقه، وبعير ذو عثانين، ومغيربانات. ونحو ذلك، ويجوز أن يجعل أخر على الجمع لما تقدّم من قوله: حميم، وغساق، وزمهريرا الذي هو نهاية البرد بإزاء الجميع، فيجوز الجمع لما في الكلام من الدّلالة على جواز الجمع، فمن قرأ: وأخر* على الجمع كان أخر* مبتدأ وقوله: من شكله في موضع وصفه، ومعنى من شكله: قال أبو عبيدة: من ضربه، قال:
ويقال: ما أنت من شكلي أي من ضربي.
وأزواج خبر المبتدأ، لأنه جمع كالمبتدإ، وقد وصفت النكرة فحسن الابتداء بها. فإن قلت: فهلّا كان من شكلها لترجع إلى الآخر، وهلّا دلّ ذلك على أنّ آخر أجود من أخر قيل: يجوز أن يكون الضمير
[الحجة للقراء السبعة: 6/79]
المفرد تجعله راجعا إلى ما ذكر من المفرد صفة فتفرد، فيكون المعنى من شكل ما ذكرنا، ويجوز أن يعود إلى قوله: حميم فأفرد بذلك، والذكر الراجع إلى المبتدأ من وصفه الذكر المرفوع الذي في الظرف، ومن أفرد فقال: وآخر من شكله أزواج، فآخر يرتفع بالابتداء في قول سيبويه، وفيه ذكر مرفوع عنده، وبالظرف في قول أبي الحسن، ولا ذكر في الظرف لارتفاع الظاهر به، وإن لم تجعل آخر مبتدأ في هذا الوجه خاصة، وقلت لأنّه يكون ابتداء بالنكرة فلا أحمل على ذلك، ولكن لمّا قال: هذا فليذوقوه حميم وغساق [ص/ 57] دلّ هذا الكلام على أنّ لهم حميما وغسّاقا، فحمل المعطوف على المعنى، فجعل لهم المدلول عليه خبرا آخر، فهو قول، وكأنّ التقدير: لهم عذاب آخر من شكله أزواج، فيكون من شكله في موضع الصفة، ويكون ارتفاع أزواج به، وقول سيبويه وأبي الحسن: ولا يجوز أن يجعل قوله: من شكله أزواج في قول من قرأ وأخر على الجمع وصفا، وتضمر الخبر كما فعلت ذلك في قول من وحّد، لأنّ الصفة لا يرجع منها ذكر إلى الموصوف، ألا ترى أنّ أزواج إذا ارتفع بالظرف لم يجز أن يكون فيه ذكر مرفوع، والهاء التي للإفراد لا ترجع إلى الجمع في الوجه البين فتجعل الصفة بلا ذكر يعود منها إلى الموصوف، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون صفة.
ومعنى أزواج: أشياء مقترنات، يبين ذلك قوله: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم [الشورى/ 49، 50] أي يهب الإناث مفردة من الذكور، والذكور مفردة من الإناث، أو يقرن بين الإناث والذكور، للموهوبة له الأولاد، فيجمع له الذكر والأنثى في الهبة، وكذلك قوله: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا
[الحجة للقراء السبعة: 6/80]
يعبدون من دون الله [الصافّات/ 22] وقال: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا [الفرقان/ 3].
وقيل: في قول من قرأ حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [الزخرف/ 38] إنّه الكافر، وقرينه، ومنه: وإذا النفوس زوجت [التكوير/ 7] أي جمع بينها وبين أشكالها، وقربت في الجنّة أو النار، فكذلك: وآخر من شكله أزواج أي قرن للمعذبين، وجمع لهم بين الحميم والغسّاق والزمهرير، وقرن بعض ذلك إلى بعض، وأمّا امتناع أخر من الصّرف في النكرة فللعدل والوصف، فمعنى ذلك العدل فيه، أن هذا النحو لا يوصف به إلّا بالألف واللّام نحو: الأصغر والأكبر، والصغرى والصّغر، والأصاغر، لا يستعمل شيء من ذلك إلّا بالألف واللّام، واستعملت آخر* بلا ألف ولام، فصار بذلك معدولة عن الألف واللازم، فإن قلت: فإذا كانت معدولة عن الألف واللام، فهلّا لم يجز أن يوصف بها النكرة؟
لأنّ المعدول عن الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللّام! ألا ترى أن سحر لمّا كان معدولا عن الألف واللام كان بمنزلة ما ثبت فيه، وكذلك أمس*- في قول من لم يصرف، ولم يبن الاسم- معدول عن الألف واللام فصار بذلك بمنزلة ما ثبت فيه الألف واللّام، فالقول أن ما ذكرته في العدل في سحر وأمس كما ذكرت، وهكذا كان القياس في أخر أن لا يوصف بها النكرة، ولكنّ ذلك إنّما جاز لأنّك قد تجد العدل عمّا هو مقدّر في التقرير، وإن لم يخرج إلى اللّفظ، ألا ترى أنّهم
[الحجة للقراء السبعة: 6/81]
عدلوا جمع وكتع عن جمع غير مستعمل في اللّفظ، ولم يمنعهم أن لم يستعمل ذلك في اللّفظ من أن يوقعوا العدل عنه، فكذلك أخر* يقدّر فيه أنّه قد عدل عن الألف واللّام
في المعنى والتقدير حملا على أخواتها، وإن لم يكن في اللّفظ ألف ولام عدل ذلك عنه، كما كان ذلك في جمع، فلمّا لم يكن ذلك خارجا إلى اللّفظ لم يمتنع أن يوصف به النكرة في نحو: فعدة من أيام أخر [البقرة/ 184، 185] ولم يجب، وإن لم يعتدّ بذلك في التعريف، ووصف النكرة بها أن لا يعتدّ به في العدل، لأنّ العدل قد صحّ عمّا لم يخرج إلى اللّفظ، فأمّا الاعتداد به في التعريف، فلم يجز من حيث جاز الاعتداد به في العدل، لأنك لا تجد الألف واللّام تعرّف في موضع مقدرة غير خارجة إلى اللّفظ، بل ذلك لا يعرّف، ألا تراهم قالوا في نحو قولهم: قد أمرّ بالرجل مثلك، أنّه في تقدير الألف واللّام وكذلك: في خير منك، ونحوه، ولم يتعرّف مع ذلك عند العرب كما وجدت العدل معتدّا به فيما لم يخرج إلى اللفظ، فصارت الألف واللام في أخر* في أنّه معتد به من وجه، وغير معتدّ به من آخر أعني أنّه معتدّ به في العدل ولم يعتدّ به في التعريف بمنزلة اللّام في: لا أبا لك، فإنّها معتد بها من وجه وغير معتد بها من وجه آخر). [الحجة للقراء السبعة: 6/82]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ أبو عمرو {وآخر من شكله أزواج} بضم الألف وقرأ الباقون {وغساق * وآخر} واحد
من أفرد فإنّه عطف على قوله {حميم وغساق} و{أخر} أي وعذاب آخر من شكله أي مثل ذلك وحجته ما روي عن ابن مسعود أنه قال في تفسير قوله {وآخر من شكله} الزّمهرير فتفسيره حجّة لمن قرأ {وأخر} بالتّوحيد لأن الزّمهرير واحد فإن قيل لم جاز أن ينعت الآخر وهو واحد في اللّفظ ب {أزواج} وهي جمع قيل إن الأزواج نعت للحميم والغساق والآخر فهي ثلاثة وحجّة من قرأ {أخر} على الجمع أن الأخر قد نعتت بالجمع فدلّ على أن المنعوت جمع مثله قال سفيان لو كانت و{أخر} لم يقل أزواج وقال زوج وقال الزّجاج من قرأ {وأخر} فالمعنى وأقوام أخر لأن قوله {أزواج} معناه أنواع). [حجة القراءات: 615]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {وآخر من شكله} قرأ أبو عمرو بضم الهمزة على الجمع، لكثرة أصناف العذاب التي يعذبون بها غير الحميم والغساق، ويجوز أن يكون أراد بـ {آخر} الزمهرير، ولكن جمع؛ لأن بعضه أشد بردًا من بعض، وهو أجناس في معناه، وواحد في لفظه، فجمع على المعنى، وقرأ الباقون بالتوحيد والمد، وورش أشبع مدًا فيه على أصله المتقدم الذكر، وإنما وحَّد على أنه أريد به الزمهرير، وهو واحد في اللفظ، وقوله: {من شكله} يدل على التوحيد، ولو كان على الجمع لقال: {من شكلها} فمن قرأ بالجمع رفعه على الابتداء، و{من شكله} صفة للمبتدأ، و{أزواج} خبر الابتداء، فهو جمع خبر عن جمع، ومن قرأ بالتوحيد رفعه بالابتداء، و{من شكله} الخبر، و{أزواج} رفع بالابتداء، و{من شكله} الخبر، والجملة خبر عن «آخر» ولا يحسن أن يكون {أزواج} خبرًا عن {آخر} لأن الجمع لا يكون خبرًا عن واحد، وقد شرحنا إعراب هذه الآية في كتاب تفسير مشكل الإعراب بأبين من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/233]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ} [آية/ 58] بضم الألف:-
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
والوجه أنه جمع أخرى، كصغر وكبر، والمراد وضروب أخر أو أنواع أخر؛ لأن العذاب له ضروب وأنواع، {وَآَخَرُ} مبتدأ، و{أَزْوَاجٌ} خبره.
وقرأ الباقون {وَآَخَرُ} بفتح الألف، وبالمد.
[الموضح: 1005]
والوجه أنه يراد به وعذاب آخر من شكله، وهو مبتدأ أيضًا، {أَزْوَاجٌ} خبره.
وجاز أن يكون المبتدأ واحدًا ههنا، والخبر جمعًا؛ لأن العذاب يشتمل على ضروب، كما تقول عذاب فلان ضروب شتى). [الموضح: 1106]
قوله تعالى: {هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59)}
قوله تعالى: {قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)}
قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)}
قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ (62)} قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: من الأشرار اتخذناهم [ص/ 62، 63] موصولة.
وقرأ الباقون: من الأشرار أتخذناهم بقطع الألف.
قال أبو علي في إلحاق همزة الاستفهام: قوله: أتخذناهم
[الحجة للقراء السبعة: 6/82]
سخريا [ص/ 63] بعض البعد، لأنّهم قد علموا أنّهم اتخذوهم سخريا، فكيف يستقيم أن يستفهم عن اتخاذهم سخريا وهم قد علموا ذلك؟ يدلّ على علمهم به أنّه أخبر عنهم بذلك. في قوله:
فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110] فالجملة التي هي اتخذناهم صفة للنكرة. فأمّا قوله: حتى أنسوكم ذكري.
فليس في أن هؤلاء الصالحين من عباد الله أنسوهم في الحقيقة ذكر الله سبحانه، ولكنّهم لمّا اتخذوهم سخريا فاشتغلوا بذلك عن الصّلاح والإخبات أسند الإنساء إلى صالحي عباد الله المظلومين، كما أسند الإضلال إلى الأصنام لمّا اشتغلوا بعبادتهنّ عن عبادة الله.
فأمّا وجه قول من فتح الهمزة فقال: أتخذناهم سخريا فإنّه يكون على التقرير وعودلت بأم لأنّها على لفظ الاستفهام، كما عودلت الهمزة بأم في نحو قوله: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم [المنافقون/ 6]، وإن لم يكن استفهاما في المعنى، وكذلك قولهم: ما أبالي أزيد قام أم عمرو، فلمّا جرى على حرف الاستفهام جعل بمنزلته، كما جعل بمنزلته في قولهم: ما أبالي أزيدا ضربت أم عمرا، فإن قلت: فما الجملة المعادلة لقوله: أم زاغت عنهم الأبصار في قول من كسر الهمزة في قوله من اتخذناهم سخريا، فالقول فيه أنّ الجملة المعادلة لأم محذوفة، المعنى: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، وكذلك قوله: أم كان من الغائبين [النمل/ 20] لأنّ معنى: ما لي لا أرى الهدهد [النمل/ 20] أخبروني عن الهدهد، أحاضر هو أم كان من الغائبين، وهذا قول أبي الحسن، ويجوز عندي في قوله: قل تمتع بكفرك قليلا أنك من أصحاب النار أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما [الزمر/ 8، 9] أن تكون المعادلة لأم قد حذفت
[الحجة للقراء السبعة: 6/83]
تقديرها: أفأصحاب النار خير أم من هو قانت؟ ومن كان على هذه الصفة والصفات الأخر التي تتبع هذه، فهو من أصحاب الجنّة، فصار المعنى: أصحاب النار خير أم أصحاب الجنّة؟ وعلى هذا التبكيت، ومثل هذا في المعنى قوله: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة [فصلت/ 40] ومن قرأ: أمن هو قانت [الزمر/ 9] بالتخفيف فيشبه أن يكون فعل ذلك لمّا لم يجد ما يعادل أم، ولم يحمل على الحذف كالآي الأول التي حملت على حذف الجملة المعادلة، والتقدير: أمن هو قانت، وكان بصفة كيت وكيت، كمن لا يفعل ذلك؟ ومثل ذلك في الحذف قوله: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون [آل عمران/ 113] والمعنى: وأمة على خلاف ذلك، ودلّ على المحذوف قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] فكما حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها الهمزة في الآي التي تقدّم ذكرها، كذلك حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها أم* وذلك قوله: أم من خلق السموات والأرض [النمل/ 60] خير أم ما تشركون [النمل/ 59].
قال: وأمال الراء أبو عمرو وابن عامر والكسائي من الأشرار، وقرأ نافع بإشمام الراء الأولى: الإضجاع، وكذلك حمزة يشمّ، وفتحها ابن كثير وعاصم.
قال أبو علي: إمالة الراء التي قبل الألف من الأشرار حسنة في نحو من قرار [إبراهيم/ 26] ومن الأشرار [ص/ 62] ودار القرار [غافر/ 39] وذلك أنّ الرّاء المكسورة لما غلبت المستعلي في نحو
[الحجة للقراء السبعة: 6/84]
طارد وغارم وصادر فجازت الإمالة مع المستعلي كان أن تكون في الراء أجدر، لأنّ الراء لا استعلاء فيها، وإنّما هي بمنزلة الياء واللّام، ومن ثمّ كان الألثغ بالرّاء ربّما جعلها ياء، وممّا غلبت فيه الرّاء المكسورة المستعلي قوله: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرّباب سكوب وأمّا من فتح فلم يمل فلأنّ الكثير لا يميل الألف مع الراء المكسورة، ولا مع غيرها). [الحجة للقراء السبعة: 6/85] (م)
قوله تعالى: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من الأشرار (62) أتّخذناهم (63)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم من الأشرار (أتّخذناهم) على الاستفهام.
وقرأ الباقون (من الأشرار (62) اتّخذناهم) موصولة.
[معاني القراءات وعللها: 2/331]
قال أبو منصور من قرأ (أتخذناهم سخريا) بقطع الألف فهو استفهام، ويقويه قوله (أم زاغت)؛ لأن (أم) يدل على استفهام.
ومن وصل كان على معنى: إنا اتخذناهم سخريا، وجعل (أم) بمعنى: (بل) ). [معاني القراءات وعللها: 2/322]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: من الأشرار اتخذناهم [ص/ 62، 63] موصولة.
وقرأ الباقون: من الأشرار أتخذناهم بقطع الألف.
قال أبو علي في إلحاق همزة الاستفهام: قوله: أتخذناهم
[الحجة للقراء السبعة: 6/82]
سخريا [ص/ 63] بعض البعد، لأنّهم قد علموا أنّهم اتخذوهم سخريا، فكيف يستقيم أن يستفهم عن اتخاذهم سخريا وهم قد علموا ذلك؟ يدلّ على علمهم به أنّه أخبر عنهم بذلك. في قوله:
فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110] فالجملة التي هي اتخذناهم صفة للنكرة. فأمّا قوله: حتى أنسوكم ذكري.
فليس في أن هؤلاء الصالحين من عباد الله أنسوهم في الحقيقة ذكر الله سبحانه، ولكنّهم لمّا اتخذوهم سخريا فاشتغلوا بذلك عن الصّلاح والإخبات أسند الإنساء إلى صالحي عباد الله المظلومين، كما أسند الإضلال إلى الأصنام لمّا اشتغلوا بعبادتهنّ عن عبادة الله.
فأمّا وجه قول من فتح الهمزة فقال: أتخذناهم سخريا فإنّه يكون على التقرير وعودلت بأم لأنّها على لفظ الاستفهام، كما عودلت الهمزة بأم في نحو قوله: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم [المنافقون/ 6]، وإن لم يكن استفهاما في المعنى، وكذلك قولهم: ما أبالي أزيد قام أم عمرو، فلمّا جرى على حرف الاستفهام جعل بمنزلته، كما جعل بمنزلته في قولهم: ما أبالي أزيدا ضربت أم عمرا، فإن قلت: فما الجملة المعادلة لقوله: أم زاغت عنهم الأبصار في قول من كسر الهمزة في قوله من اتخذناهم سخريا، فالقول فيه أنّ الجملة المعادلة لأم محذوفة، المعنى: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، وكذلك قوله: أم كان من الغائبين [النمل/ 20] لأنّ معنى: ما لي لا أرى الهدهد [النمل/ 20] أخبروني عن الهدهد، أحاضر هو أم كان من الغائبين، وهذا قول أبي الحسن، ويجوز عندي في قوله: قل تمتع بكفرك قليلا أنك من أصحاب النار أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما [الزمر/ 8، 9] أن تكون المعادلة لأم قد حذفت
[الحجة للقراء السبعة: 6/83]
تقديرها: أفأصحاب النار خير أم من هو قانت؟ ومن كان على هذه الصفة والصفات الأخر التي تتبع هذه، فهو من أصحاب الجنّة، فصار المعنى: أصحاب النار خير أم أصحاب الجنّة؟ وعلى هذا التبكيت، ومثل هذا في المعنى قوله: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة [فصلت/ 40] ومن قرأ: أمن هو قانت [الزمر/ 9] بالتخفيف فيشبه أن يكون فعل ذلك لمّا لم يجد ما يعادل أم، ولم يحمل على الحذف كالآي الأول التي حملت على حذف الجملة المعادلة، والتقدير: أمن هو قانت، وكان بصفة كيت وكيت، كمن لا يفعل ذلك؟ ومثل ذلك في الحذف قوله: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون [آل عمران/ 113] والمعنى: وأمة على خلاف ذلك، ودلّ على المحذوف قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] فكما حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها الهمزة في الآي التي تقدّم ذكرها، كذلك حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها أم* وذلك قوله: أم من خلق السموات والأرض [النمل/ 60] خير أم ما تشركون [النمل/ 59].
قال: وأمال الراء أبو عمرو وابن عامر والكسائي من الأشرار، وقرأ نافع بإشمام الراء الأولى: الإضجاع، وكذلك حمزة يشمّ، وفتحها ابن كثير وعاصم.
قال أبو علي: إمالة الراء التي قبل الألف من الأشرار حسنة في نحو من قرار [إبراهيم/ 26] ومن الأشرار [ص/ 62] ودار القرار [غافر/ 39] وذلك أنّ الرّاء المكسورة لما غلبت المستعلي في نحو
[الحجة للقراء السبعة: 6/84]
طارد وغارم وصادر فجازت الإمالة مع المستعلي كان أن تكون في الراء أجدر، لأنّ الراء لا استعلاء فيها، وإنّما هي بمنزلة الياء واللّام، ومن ثمّ كان الألثغ بالرّاء ربّما جعلها ياء، وممّا غلبت فيه الرّاء المكسورة المستعلي قوله: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرّباب سكوب وأمّا من فتح فلم يمل فلأنّ الكثير لا يميل الألف مع الراء المكسورة، ولا مع غيرها). [الحجة للقراء السبعة: 6/85] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن عامر وأبو عمرو وابن كثير وعاصم: سخريا [ص/ 63] كسرا. المفضل عن عاصم: سخريا* بالضم.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: سخريا* ضم.
حكي عن أبي عمرو قال: ما كان من قبل العبوديّة فسخريّ مضموم، وما كان من قبل السّخر فسخري مكسور السين، وقد تقدّم ذكر هذا الحرف قبل). [الحجة للقراء السبعة: 6/85]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقالوا ما لنا لا نرى رجالًا كنّا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار}
[حجة القراءات: 615]
62 - و63
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ {من الأشرار * أتخذناهم} موصولة قال نحويو البصرة والجملة المعادلة ل أم محذوفة المعنى أتفقدونهم أم زاغت عنهم الأبصار وكذلك قوله {أم كان من الغائبين} لأن المعنى مالي لا أرى الهدهد أي أخبروني عن الهدهد أحاضر هو أم كان من الغائبين وقال أبو عبيد بهذه القراءة نقول من وجهين أحدهما أن الاستفهام متقدم في قوله ما لنا لا نرى رجالًا والوجه الآخر أن المشركين لم يشكوا أنهم اتّخذوا المسلمين في الدّنيا سحريا فكيف يستفهمون عن شيء علموه وفيه وجه آخر وهو أن يجعل قوله {أتخذناهم سخريا} من نعت الرّجال كأنّه قال ما لنا لا نرى رجالًا اتخذناهم سخريا ثمّ رجع فقال {أم زاغت عنهم الأبصار} أي بل زاغت عنهم الأبصار
وقال السّديّ إن أهل النّار أبا جهل وكفار قريش ذكروا ضعفاء المسلمين عمار بن ياسر وخبابا وبلالا وصهيبا الّذين كانوا يستهزئون
[حجة القراءات: 616]
بهم في الدّنيا فقالوا {ما لنا لا نرى رجالًا} أي ما لنا لا نراهم في النّار وكنّا نعدهم من الأشرار في الدّنيا فنقول لهم كنتم خالفتمونا في الدّنيا فما نراكم إلّا معنا في النّار أم زاغت عنهم الأبصار إلى غيرهم
وقرأ أهل الحجاز والشّام وعاصم {أتخذناهم} بفتح الألف وهي ألف استفهام دخلت على ألف الوصل وسقطت ألف الوصل فصار {أتخذناهم} ألا ترى أنه قال {أم زاغت} فعودلت ب {أم} لأنّها على لفظ الاستفهام وإن لم يكن استفهاما في المعنى قال محمّد بن يزيد المبرد في هذه القراءة بعض البعد لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريا فكيف يستفهمون عن اتخاذهم سخريا وهم قد علموا ذلك يدل على علمه به أنه قد أخبر عنهم بذلك في قوله {فاتخذتموهم سخريا حتّى أنسوكم ذكري} ولكن نقول إنّما الاستفهام على معنى التّقرير كأنّهم اعترفوا
[حجة القراءات: 617]
وقال الفراء هو من الاستفهام الّذي معناه التوبيخ والإنكار على أنفسهم كما يقول القائل وقد ضرب ولده ثمّ ندم ماذا فعلت أضربت ابني وهو غير شاك أنه قد ضربه وحجتهم أن مجاهدًا قرأ بالاستفهام وقال {أتخذناهم سخريا} وليسوا كذلك أم هم في النّار ولا نراهم
قرأ نافع وحمزة والكسائيّ {سخريا} بالرّفع وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان وقد ذكرنا في {قد أفلح} ). [حجة القراءات: 618]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {من الأشرار * أتخذناهم} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بوصل الألف من {أتخذناهم} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بوصل الألف من {أتخذناهم}، وقرأ الباقون بالهمز.
وحجة من وصل أنه استغنى عن الألف بما دل عليه الكلام من التقرير والتوبيخ، وبدلالة {أم} بعده على الألف، ويجوز أن يكون جعله خبرًا، لأنهم قد علموا أنهم اتخذوا المؤمنين في الدنيا سخريًا، فأخبروا عما فعلوه في الدنيا ولم يستخبروا عن أمر لم يعلموه، ودل على ذلك قوله في موضع آخر: {فاتخذتموهم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/233]
سخريًا حتى أنسوكم ذكري} «المؤمنون 110» ويكون {أتخذناهم} وما بعده صفة لـ {رجال}، وتكون {أم} إذا جعلته خبرًا معادلة لمضمر محذوف، تقديره: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، وقد قيل: إن {أم} في قراءة من وصل معادلة لما في قوله: {ما لنا لا نرى} وذلك أحسن، لأن {أم} إنما تقع في أكثر أحوالها معادلة للاستفهام، و{ما} استفهام.
11- وحجة من همز أنه حمله على لفظ الاستفهام الذي معناه التقرير والتوبيخ، وليس هو على جهة الاستخبار عن أمر لم يعلم، بل علموا أنهم فعلوا ذلك في الدينا، فمعناه أنهم يوبخ بعضهم بعضًا على ما فعلوه في الدنيا من استهزائهم بالمؤمنين، و{أم} عديلة الألف، لا إضمار معها، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه، ويجوز أن تكون عديلة الألف مضمرة، على ما ذكرنا أولًا، وهو أحسن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/234]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ} [آية/ 62 و63] بوصل الألف:-
قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أنه على الإخبار، وأنهم قد أخبروا عن أنفسهم أنهم اتخذوهم سخريًا، ثم يكون هذا على حذف جملة تعادل {أَمْ زَاغَتْ}، والتقدير: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار.
وقرأ الباقون {أَتَّخَذْنَاهُمْ} بقطع الألف.
والوجه أنه على لفظ الاستفهام المراد به التقرير، وإنما عودلت الجملة بأم؛ لأنها على لفظ الاستفهام، والجملة المتضمنة للاستفهام تعادل بأم، فكذلك هذه، وإن لم يكن المعنى على الاستفهام بل على التقرير، ونحو ذلك قولهم: ما أبالي أزيدًا ضربت أم عمرًا، وسواء علي أقمت أم قعدت، فالمعنى ههنا ليس باستفهام، ولكن اللفظ على الاستفهام، فلكون اللفظ على الاستفهام عودلت الجملة بأم.
ويجوز أن تكون أم بمعنى بل وألف الاستفهام، والتقدير بل أزاغت عنهم الأبصار، فيكون كالأول في أنه يراد به تقرير وإثبات، ولهذا قال الحسن: إن كليهما قالوا، يعني اتخذناهم سخريًا في الدنيا، وزاغت عنهم الأبصار تحقيرًا
[الموضح: 1106]
لهم، فكلاهما إثبات، وإن كان اللفظ على الاستفهام). [الموضح: 1107]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {سِخْرِيًّا} [آية/ 63] بضم السين:-
قرأها نافع وحمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {سِخْرِيًّا} بكسر السين.
وقد مضى الكلام فيه في سورة المؤمنين). [الموضح: 1107]
قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}