سورة يونس
[ من الآية (1) إلى الآية (4) ]
{ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) }
قوله تعالى: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (الر)
قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم (الر) مفتوحة، وقرأ نافع بين الفتح والكسر.
وقال المسيبي عنه بالفتح، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي (الر) مكسورة على الهجاء، وكذلك روى خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم بالكسر.
واتفقوا على قصر الراء فتحت أو كسرت). [معاني القراءات وعللها: 2/39]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {الر ...} [1].
قرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم بفتح الراء.
وقرأ الباقون {الر...} بكسر الراء.
وكلهم يقصر {الر ...} فمن فتح فعلى الأصل، ومن كسر وأمال فتخفيفًا، وأهل الحجاز يقولون (يا) و(تا ... وغيرهم يقولون (ياء) و(تاء) ... وأهل الحجاز يقولون (طا) و(حا) ... وغيرهم يقولون (طاء) و(حاء).
واعلم أن هذه الحروف، أعني حروف المعجم يجوز تذكيرها وتأنيثها وفتحها وكسرها ومدها وقصرها، كل ذلك صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/260]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة الراء وتفخيمها. فقرأ ابن كثير: الر [1] مفتوحة الراء.
وقال حفص عن عاصم: الراء خفيفة تام لا تمدّ الراء في كلّ القرآن غير مكسورة.
وقال هبيرة عن حفص عن عاصم: الراء مكسورة.
وقال نافع في رواية المسيبي: الراء مفتوحة وليست بممدودة.
وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون: لا تفخّم الراء.
وقال ابن جمّاز عن نافع: بكسر الراء.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر: الر الراء على الهجاء مكسورة
[الحجة للقراء السبعة: 4/243]
أبو بكر عن عاصم في رواية خلف عن يحيى بن آدم: الراء مكسورة مثل أبي عمرو.
قال أبو علي: من قال: [الر فلم يمل فتحة الرّاء، فلأن الكثير من العرب لا يميل ما يجوز فيه الإمالة عند غيرهم.
وحسّن ترك الإمالة هنا، أنّ معه حرفا يمنع الإمالة كما يمنعها المستعلي. فأما من أمال فقال: رايا. فلأنها أسماء لما يلفظ به من الأصوات المتقطعة في مخارج الحروف، كما أن غاق اسم للصوت الذي يصوّته الغراب، وكما أن طيخ اسم للصوت الذي يفعله الضاحك، فجازت الإمالة فيها من حيث كانت أسماء، ولم تكن كالحروف التي تمتنع فيها الإمالة نحو:
ما، ولا، وما أشبههما من الحروف.
فإن قلت: فهلّا امتنعت الإمالة في را، لشبه الراء بالمستعلي في منعها الإمالة؟ فالقول: إنه لم تمتنع الإمالة فيها لما أريد من تبيين أنه اسم، كما أنه لم تمتنع الإمالة من خاف وطاب وصار مع المستعلي، لما أريد من طلب الكسرة في خفت وطبت وصرت، وكذلك جازت الإمالة في را* لما قصد بها من إعلام أنه اسم ليس بحرف. فإن قلت: فإن الأسماء لا تكون على حرفين أحدهما حرف لين، وإنما تكون على هذه الصفة الحروف نحو: ما ولا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/244]
فالقول: إن هذه الأسماء لم يمتنع أن تكون على حرفين أحدهما حرف لين، لأن التنوين لا يلحقها، فيؤمن لامتناع التنوين من اللحاق لها، أن تبقى على حرف واحد، وإذا أمن ذلك، لم يمتنع أن يكون الاسم على حرفين، أحدهما حرف لين، ألا ترى أنهم قالوا: هذه شاة، فجاء على حرفين، أحدهما حرف لين، لمّا أمن لحاق التنوين له، لاتصال علامة التأنيث به، وكذلك قولك: رأيت رجلا ذا مال، لاتصال المضاف إليه به، وكذلك قولهم: كسرت فازيد، ومثل شاة في كونها على حرفين: أحدهما حرف لين، لما دخلت عليه علامة التأنيث قولهم في الباءة: باه كأنه أراد الباءة، فأبدل من الهمزة الألف، كما أبدل في قوله:
لا هناك المرتع فاجمعت ألفان، فحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، فبقي الاسم على حرفين: أحدهما حرف لين، أنشدنا محمد بن السريّ عن أبي محمد اليزيدي:
فيا شرّ ملك ملك قيس بن عاصم* على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم ومثل باه في القياس ما رواه محمد بن السري عن أحمد ابن يحيى عن سلمة قال: سمعت الفرّاء يحكي عن الكسائي أنه
[الحجة للقراء السبعة: 4/245]
سمع [من يقول]: اسقني شربة ما يا هذا، يريد: شربة ماء، فقصر، وأخرجه على لفظ من التي للاستفهام، هذا إذا مضى، فإذا وقف قال: شربة ما.
والقول فيه: كالقول في باه إلا أن باها أحسن من ما، لتكثّرها بعلامة التأنيث، وليس هذا كذلك، ووجهه أنه جعل الهمزة التي قلبت على غير القياس في حكم المخففة على القياس، وحذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين، فلحق التنوين الباقية، وحذفت كما حذفت من نحو: رحا وعصا.
وقد قيل في قولهم: م الله، إنه محذوف من: أيمن الله، وليس هذا بالكثير، ولا مما ينبغي أن يقاس عليه.
ومن ذلك: اللا في معنى: اللائي، هو على حرفين:
أحدهما حرف لين، لأن التنوين لا يلحقه، من حيث لم يلحق ذا، لا من حيث كانت فيه الألف واللام، وينشد البغداديون في ذلك:
[الحجة للقراء السبعة: 4/246]
فدومي على العهد الّذي كان بيننا... أم أنت من اللّا ما لهنّ عهود
ومن ذلك قولهم: أيش تقول؟ حكاه أبو الحسن والفرّاء.
والقول فيه: أنّه كان أي شيء؟، فخففت الهمزة، وألقيت كسرتها على الياء، وكثر الكلام بها، فكرهت حركة الياء بالكسرة، كما كرهت في قاضين، وغازين ونحوه، فأسكنت والتقت مع التنوين، وكل واحد منهما ساكن، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فإذا وقفت عليها قلت: أيش فأسكنت.
ومن قال: برجلي، فأبدل من التنوين الياء، قال: أيشي.
فهذه الأسماء ما لم يلحق بها التنوين، لم يمتنع أن تكون على حرفين، أحدهما حرف لين، وإنّما لم يلحقها التنوين، ولم تعرب كما لم تعرب، ولم ينوّن ما كان منها زائدا على حرفين نحو: لام الف عين جيم، فكما أنّ هذه الحروف على الوقف، ولا تنوّن، كذلك ما كان منها نحو: را، يا، تا، ثا.
كما أن أسماء العدد كذلك، فإن أخبر عن شيء منها فتمكّن لذلك، وأعرب، ولحقه التنوين؛ زيد على ما كان على حرفين أحدهما حرف لين، حرف مثل ما هو فيه، حتى يصير بالمزيد على ثلاثة أحرف، ومدّ إن كان الآخر الياء، فقيل:
[الحجة للقراء السبعة: 4/247]
باء، وياء، وراء، كما تقول: ثلاثة أكثر من اثنين، فعلى هذا مجرى هذه الحروف.
فإن قلت: فهل يستدلّ بجواز الإمالة في را، ويا، ونحوهما على أن الألف منقلبة عن الياء، كما تقول في ذا: إن الألف فيه منقلبة عن الياء.
فالقول: إن الاستدلال بجواز الإمالة في را ونحوها، أن الألف فيه منقلبة عن الياء: لا يصح، لأنّه إنما أميل عندهم لما قدمنا من ذكره، فليس بمنزلة قولهم: ذا، لأنّ را ونحوها أسماء للأصوات، والأصوات لا تشتق كما لا تشتق الحروف، فأما قولهم: ذا، فليس من الأصوات ولكنه من الأسماء المظهرة، ألا ترى أنه قد وصف، ووصف به، وحقّر في نحو:
مررت بذا الرجل، وبزيد ذا. وحقّروه فقالوا: ذيّا، من حيث كان اسما على الوصف الذي ذكرنا، فصار بمنزلة سائر المظهرة، وساغ الاستدلال على حروفها، كما ساغ في غيره من الأسماء، فلذلك قال أبو الحسن: إن قولهم ذا من مضاعف الياء، وذلك أن سيبويه حكى فيه الإمالة، فإذا جازت فيه الإمالة حمل على انقلاب الألف فيه عن الياء في الأمر
[الحجة للقراء السبعة: 4/248]
الأكثر، فإذا ثبت أن ألفه ياء، لم يجز أن تكون اللام واوا، لأنه ليس مثل حيوت، وإذا لم يجز أن يكون واوا؛ ثبت أنه ياء، وأنه من باب حييت، وعييت.
فإن قلت: إنه قال فيه: إذا سمّى به رجلا: ذاء، كما تقول في لا: لاء، وفي لو: لوّ، ولو كان كما ذكرت، لوجب أن يكون: ذيا، كما قالوا: حيا وحييان، أو ذيّ، قيل:
الذي قاله عن الخليل ويونس إذا سمّي به رجل: ذاء، قياس، وذلك أن هذا الاسم قد ضارع با ويا وتا، ألا ترى أنه غير معرب، كما أن هذه الأسماء التي أريدت بها الأصوات غير معربة، فلمّا ساوتها في البناء جعلها بمنزلتها إذا أعربها.
وممّا يدلّك على مشابهتها لها أن الألف ليست في موضع حركة، فيلزمها الانقلاب، كما أنها في را* ونحوها ليست في موضع حركة، فإذا كان كذلك كانت الألف في ذا بمنزلتها في هذه الأسماء التي هي نحو را، با، تا، والأول الذي قدمناه، وقلنا: إنه من باب حييت وعييت، قد قاله أبو الحسن.
ومن حيث قال الخليل في ذا: إنك إذا سميت به قلت:
ذاء، قال في ذو، من قولهم: هذا رجل ذو مال، إذا سميت به
[الحجة للقراء السبعة: 4/249]
رجلا، قلت: ذو، وقياس قول يونس عندي في ذو إذا سمّي به رجل أن يكون بمنزلة قول الخليل، إلّا أنه حكى ذو عن الخليل، ولم يحكه عن يونس.
ولم نعلمهم نوّنوا من هذه الكلم شيئا، كما نوّنوا غاق، وكما نوّنوا صه، لأنهم ليس ينوّنون جميع هذه الأصوات، وإن كانوا قد نوّنوا بعضها، ألا ترى أنّا لا نعلمهم نوّنوا «طخ» الذي يحكى به الضحك، ولا «قبّ» الذي يحكي به وقع السيف، وإن كانوا قد نوّنوا «غاق» وغيره من الأصوات، وكذلك هذه الحروف التي هي: را، يا، تا.
ولا يقاس هذا، وإنّما يحكى منه ما سمع، فلا ينوّن ما لم ينوّن، كما لا يترك تنوين ما نوّن، وإنّما كان كذلك، لأن ما لم ينوّن جعل بمنزلة العلم معرفة، وليس يضعون هذه الأسماء التي للأعلام، وجارية مجراها على كل شيء، ألا ترى أنهم قالوا للبحر: خضارة ؟ ولم نعلمهم خصّوا البرّ باسم على هذا النحو، وقالوا: غدوة، فجعلوه بمنزلة طلحة، ولم يفعلوا ذلك في الطّهر، وقالوا: لقيته فينة، فجعلوه كالعلم، ولم يفعلوا ذلك ببرهة، وقالوا للغراب: ابن دأية، ولم يفعلوا ذلك بالرخم.
وقالوا في ضرب من الحيات: ابن قترة، ولم يفعلوا ذلك في كل الأحناش، وكذلك هذا الباب.
[الحجة للقراء السبعة: 4/250]
ومن ثمّ عاب الأصمعيّ على ذي الرمّة قوله:
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم وزعم أن المسموع فيه التنوين، وكأنّ ذا الرّمّة أجرى ذلك مجرى غاق وغاق وصه وصه، فأجراه مجرى بعض ما يشبهه من غير أن يكون سمع فيه ما قاله). [الحجة للقراء السبعة: 4/251]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ نافع وابن كثير وحفص {الر} بفتح الرّاء وقرأ الباقون بكسر الرّاء وهما لغتان أهل الحجاز يقولون وباء وثاء وراء وطاء وغيرهم يقولون باء وتاء وراء وطاء). [حجة القراءات: 327]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قد ذكرنا الإمالة في «الر والمر» وعلة ذلك، وتقدم ذكر «الساحر» وذكر إمالة «أدراك» ونحو ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/512]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {الرَ} [آية/ 1] مفتوحة الراء:
قرأها ابن كثير ونافع- ل- وعاصم- ص- ويعقوب، وكذلك {الّـمر}.
وكان نافع- ش- و- ن- يجعلها بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم- ياش- وحمزة والكسائي {الرَ} و{الّـمر} بالإمالة في الجميع.
والوجه في فتح الراء وترك الإمالة أن الإمالة حكم غير واجب بل هو جائز، وكثير من العرب لا يميلون شيئًا وإن كان فيه ما يستدعي الإمالة، وحسن ههنا ترك الإمالة لشيء آخر وهو وجود الراء المفتوحة، وهي حرف يمنع الإمالة، كما يمنعها الحرف المستعلي؛ لأنها حرف مكرر، فالفتحة فيه بمنزلة فتحتين.
وأما وجه ما بين الفتح والكسر، فهو أنه حرف من حروف التهجي، وهو
[الموضح: 612]
اسم لا يستحق الإعراب؛ لأنه يجري مجرى الأصوات، فكره فيه الإمالة لشبهه بالحروف، وللفتحة الحاصلة في الراء أيضًا، وكره أيضًا فيه ترك الإمالة؛ لنها اسم لما يتلفظ به من الأصوات المقطعة للتهجي، والأسماء يجوز فيها الإمالة، فلهذا جعلها بين الفتح والكسر.
وأما وجه الإمالة فهو أن الراء كما ذكرنا اسمٌ؛ لأن حروف التهجي أسماء لهذه الأصوات المخصوصة كالشيب والجوت ونحوهما، فأرادوا إبانة كونها أسماء فأمالوها لذلك؛ لأن حروف المعاني لا يجوز فيها الإمالة، وأجروا الألف منها مجرى المنقلب عن الياء). [الموضح: 613]
قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {لساحر مبين} [2].
قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: {لساحر} بألف.
وقرأ الباقون: {لسحر}.
فمن قرأ بألف أراد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ بغير ألف أراد: القرآن، ومثله قوله: {ساحرن تظاهرا} و{سحارن} فـ {ساحران} أراد موسى ومحمدًا عليهما السلام، و{سحران} أراد التوراة والفرقان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/260]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله جلّ وعزّ: لسحر مبين [يونس/ 2].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: لساحر مبين بألف، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر لسحر* بغير ألف.
قال أبو علي: يدلّ على قول من قال: سحر* قوله: فلما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون [الزخرف/ 30]. ويدلّ على ساحر قوله تعالى: وقال الكافرون هذا ساحر كذاب [ص/ 4]. والقول في الوجهين
[الحجة للقراء السبعة: 4/251]
جميعا قد تقدم ومن قال: ساحر أراد الرجل، ومن قال: سحر* أراد: الذي أوحي سحر، أي: الذي تقولون أنتم فيه: إنه أوحي: سحر، وليس كما تقولون: إنه وحي). [الحجة للقراء السبعة: 4/252]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أكان للنّاس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم} {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين}
قرأ ابن كثير وأهل الكوفة {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} بالألف قوله {إن هذا} إشارة إلى المرسل وحجتهم قوله {أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر النّاس} {قال الكافرون إن هذا} يعني النّبي صلى الله عليه {لساحر مبين}
وقرأ الباقون {سحر مبين} بغير ألف يعنون القرآن وحجتهم أن السحر يدل على السّاحر لأن الفعل لا يكون إلّا من فاعل والساحر قد يوجد ولا يوجد معه السحر). [حجة القراءات: 327]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} [آية/ 2] بغير ألف:
قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
[الموضح: 613]
والوجه أنه قد تقدم ذكر الوحي في قوله {أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ ... قَالَ الكَافِرُونَ إنَّ هَذَا لَسِحرٌ} أي هذا الوحي سحر، يعني أن الذي تدعون أنه وحي سحرٌ مبينٌ، كما قال تعالى {ولَمَّا جَاءَهُمُ الحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ}.
وقرأ ابن كثير والكوفيون {لَسَاحِرُ} بالألف.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الرجل في قوله تعالى {إلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ}، والتقدير: فقال الكافرون إن هذا الرجل ساحرٌ مبين). [الموضح: 614]
قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)}
قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة أبي جعفر والأعمش وسهل بن شعيب: [وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا أَنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ].
قال أبو الفتح: إن شئت كان تقديره: وعد الله حقًّا؛ لأنه يبدأ الخلق ثم يعيده؛ أي: من قدرَ على هذا الأمر العظيم فإنه غني عن إخلاف الوعد، وإن شئت كان تقديره: أي وَعَدَ الله وعدًا حقًّا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، فتكون "أنه" منصوبة بالفعل الناصب لقوله: "وعدًا"، ولا يجوز أن يكون "أنه" منصوبة الموضع بنفس "وَعْد" لأنه قد وصف بقوله حقًّا، والصفة إذا جرت على موصوفها أذِنت بتمامه وانقضاء أجزائه، فهي من صلته، فكيف يوصف قبل تمامه؟ فأما قول الحطيئة:
أَزمعتُ يأْسًا مبينًا من نَوَالِكُمُ ... ولن تَرى طاردًا للحُرِّ كالياس
فلا يكون قوله: من نوالكم من صلة يأس من حيث ذكرنا، ألا تراه قد وصفه بقوله: "مبينًا"؟ وإذا كان المعنى لعمري عليه ومُنع الإعراب منه أُضمر له ما يتناول حرف الجر، ويكون يأسًا دليلًا عليه؛ كأنه قال فيما بعد: يئست من نوالكم). [المحتسب: 1/307]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين