العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (14) إلى الآية (17) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (14) إلى الآية (17) ]

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 10:58 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني سعيد عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال: سمعت عكرمة يقول: {والخيل المسومة}، قال: تسويمها للحسن). [الجامع في علوم القرآن: 1/125]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن حبيب عن أبي ثابت عن مجاهد في قوله تعالى والخيل المسومة قال هي المطهمة الحسان قال حبيب وقال سعيد بن جبير هي الراعية يعني السائمة). [تفسير عبد الرزاق: 1/117]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى والخيل المسومة قال شية الخيل في وجوهها). [تفسير عبد الرزاق: 1/117]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن مجاهد قال: {الخيل المسومة} المطهمة [الآية: 14].
سفيان [الثوري] عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: هي الراتعة). [تفسير الثوري: 75]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (المسوّم: الّذي له سيماءٌ بعلامةٍ، أو بصوفةٍ أو بما كان). [صحيح البخاري: 6/33]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {والخيل المسوّمة} [آل عمران: 14] : «المطهّمة الحسان» قال سعيد بن جبيرٍ، وعبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى: «الرّاعية المسوّمة»). [صحيح البخاري: 6/33]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله والخيل المسوّمة المسوّم الّذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان وقال مجاهدٌ الخيل المسوّمة المطهّمة الحسان وقال سعيد بن جبيرٍ وعبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى المسوّمة الرّاعية أمّا التّفسير الأوّل فقال أبو عبيدة الخيل المسوّمة المعلّمة بالسّيماء وقال أيضًا في قوله من الملائكة مسومين أي معلمين والمسوم الّذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان وأمّا قول مجاهدٍ فروّيناه في تفسير الثّوريّ رواية أبي حذيفة عنه بإسنادٍ صحيحٍ وكذا أخرجه عبد الرّزّاق عن الثّوريّ وأما قول بن جبيرٍ فوصله أبو حذيفة أيضًا بإسنادٍ صحيحٍ إليه وأما قول ابن أبزى فوصله الطّبريّ من طريقه وأورد مثله عن بن عبّاسٍ من طريقٍ للعوفيّ عنه وقال أبو عبيدة أيضًا يجوز أن يكون معنى مسوّمةٍ مرعاةً من أسمتها فصارت سائمةً). [فتح الباري: 8/208-209]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
وقال مجاهد المسومة المطهمة وقال سعيد بن جبير وعبد الله بن عبد الرّحمن بن أبزى المسومة الراعية وقال ابن جبير وحصورًا لا يأتي النّساء
وقال عكرمة من فورهم من غضبهم يوم بدر وقال مجاهد يخرج الحيّ من الميّت النّطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحيّ الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشّمس أراه إلى أن تغرب
أما قول مجاهد فأخبرنا عبد القادر بن محمّد أنا أحمد بن علّي الجزري أنا محمّد بن إسماعيل خطيب مردا أنا علّي بن حمزة الكاتب أنا هبة الله بن محمّد بن الحصين أنا محمّد بن محمّد بن غيلان أنا محمّد بن عبد الله الشّافعي ثنا إسحاق بن الحسن ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن حبيب هو ابن أبي ثابت عن مجاهد في قوله الخيل مسومة قال المطهمة
وأما قول سعيد بن جبير فأخبرناه عبد القادر بهذا السّند إلى سفيان عن سعيد بن جبير في قوله والخيل المسومة قال هي الراعية
وأما قول عبد الله فقال ابن جرير ثنا ابن وكيع ثنا أبي عن طلحة القناد سمعت عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبزي يقول المسومة الراعية). [تغليق التعليق: 4/187-189]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (المسوّم الّذي له سيما بعلامةٍ أو بصوفةٍ أو بما كان أشار به إلى قوله تعالى: {والخيل المسومة والأنعام والحرث} (آل عمران: 14) . قال الزّمخشريّ: الخيل المسومة المعلمة من السومة وهي العلامة أو المطهمة أو المرعية من أسام الدّابّة وسومها وعن ابن عبّاس: المسومة الراعية المطهمة الحسان، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبزى والسّديّ والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم، وقال مكحول: المسومة الغرّة والتحجيل. قوله: (المسوم الّذي له سيما) ، بكسر السّين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالميم المخففة هو العلامة قوله: (أو بما كان) أي: أو بأيّ شيء كان من العلامات.
وقال مجاهدٌ والخيل المسوّمة المطهّمة الحسان
هذا التّعليق رواه عبد بن حميد عن روح عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال الأصمعي المطهم التّام كل شيء منه على حدته فهو رباع الجمال، يقال: رجل مطهم وفرس مطهم). [عمدة القاري: 18/136]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد): مما رواه الثوري في تفسيره، وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري (والخيل المسوّمة) هي (المطهمة) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الهاء (الحسان) قال الأصمعي المطهم التام كل شيء منه على حدته فهو بارع الجمال زاد أبو ذر عن الكشميهني والمستملي، وقال سعيد بن جبير مما وصله الثوري وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى بفتح الهمزة والزاي بينهما موحدة ساكنة مما وصله الطبري الراعية هي المسوّمة بفتح الواو). [إرشاد الساري: 7/50]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {والقناطير المقنطرة} قال: القنطار سبعون ألف دينارٍ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 72]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {والخيل المسومة} قال: المصوّرة حسنًا). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 72]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
يعني تعالى ذكره: زيّن للنّاس محبّة ما يشتهون من النّساء والبنين وسائر ما عدّ، وإنّما أراد بذلك توبيخ اليهود الّذين آثروا الدّنيا وحبّ الرّياسة فيها على اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد علمهم بصدقه.
وكان الحسن يقول: من زيّنها ما أحدٌ أشدّ لها ذمًّا من خالقها
- حدّثني بذلك أحمد بن حازمٍ: قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا أبو الأشهب، عنه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدٍ، قال: قال عمر: لمّا نزل: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات} قلت: الآن يا ربّ حين زيّنتها لنا، فنزلت: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار} الآية
وأمّا القناطير: فإنّها جمع القنطار.
واختلف أهل التّأويل في مبلغ القنطار، فقال بعضهم: هو ألفٌ ومائتا أوقيّةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن معاذ بن جبلٍ، قال: القنطار ألفٌ ومائتا أوقيّةٍ
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: حدّثنا أبو حصينٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن معاذٍ، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا يعني حفص بن ميسرة، عن أبي مروان، عن أبي طيبة، عن ابن عمر، قال: القنطار ألفٌ ومائتا أوقيّةٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا قاسم بن مالكٍ المزنيّ، قال: أخبرني العلاء بن المسيّب، عن عاصم بن أبي النّجود، قال: القنطار ألفٌ ومائتا أوقيّةٍ
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصم ابن بهدلة، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، مثله.
- حدّثني زكريّا بن يحيى الضرّير، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا مخلد بن عبد الواحد، عن عليّ بن زيدٍ، عن عطاء بن أبى ميمونة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القنطار ألف أوقيّةٍ ومائتا أوقيّةٍ
وقال آخرون: القنطار ألف دينارٍ ومائتا دينارٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا يونس، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القنطار ألفٌ ومائتا دينارٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا يونس، عن الحسن، قال: القنطار ألفٌ ومائتا دينارٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: القنطار ألفٌ ومائتا دينارٍ ومن الفضّة ألفٌ ومائتا مثقالٍ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول: القناطير المقنطرة، يعني المال الكثير من الذّهب والفضّة، والقنطار ألفٌ ومائتا دينارٍ، ومن الفضّة ألفٌ ومائتا مثقالٍ
وقال آخرون: القنطار اثنا عشر ألف درهمٍ، أو ألف دينارٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: القنطار اثنا عشر ألف درهمٍ، أو ألف دينارٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: القنطار ألف دينارٍ، ومن الورق: اثنا عشر ألف درهمٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، أنّ القنطار، اثنا عشر ألفًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا عوفٌ، عن الحسن: القنطار اثنا عشر ألفًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن: اثنا عشر ألفًا
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، بمثلٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: القنطار ألف دينارٍ دية أحدكم
وقال آخرون: هو ثمانون ألفًا من الدّراهم، أو مائة رطلٍ من الذّهب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان التّيميّ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: القنطار ثمانون ألفًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: القنطار ثمانون ألفًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كنّا نحدّث أنّ القنطار، مائة رطلٍ من ذهبٍ، أو ثمانون ألفًا من الورق.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: القنطار مائة رطلٍ من ذهبٍ، أو ثمانون ألف درهمٍ من ورقٍ.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قال: القنطار مائة رطلٍ.
- حدّثني موسى، قال حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: القنطار يكون مائة رطلٍ، وهو ثمانية آلاف مثقالٍ
وقال آخرون: القنطار سبعون ألفًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {القناطير المقنطرة} قال: القنطار سبعون ألف دينارٍ
- حدّثني المثنّى، قال حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عمر بن حوشبٍ، قال: سمعت عطاءً الخراسانيّ، قال: سئل ابن عمر عن القنطار، فقال: سبعون ألفًا
وقال آخرون: هي ملء مسك ثورٍ ذهبًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سالم بن نوحٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ الجريريّ، عن أبي نضرة، قال: ملء مسك ثورٍ ذهبًا.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا أبو الأشهب، عن أبي نضرة: ملء مسك ثورٍ ذهبًا
وقال آخرون: هو المال الكثير.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: {القناطير المقنطرة} المال الكثير بعضه على بعضٍ
وقد ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أنّ العرب لا تحدّ القنطار بمقدارٍ معلومٍ من الوزن، ولكنّها تقول: هو قدر وزنٍ،
وقد ينبغي أن يكون ذلك كذلك؛ لأنّ ذلك لو كان محدودًا قدره عندها لم يكن بين متقدّمي أهل التّأويل فيه كلّ هذا الاختلاف.
فالصّواب في ذلك أن يقال: هو المال الكثير، كما قال الرّبيع بن أنسٍ، ولا يحدّ قدر وزنه بحدٍّ على تعنّفٍ، وقد قيل ما قيل ممّا روينا،
وأمّا المقنطرة: فهي المضعّفة، وكأنّ القناطير ثلاثةٌ والمقنطرة تسعةٌ، وهو كما قال الرّبيع بن أنسٍ: المال الكثير بعضه على بعضٍ.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: القناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة: والمقنطرة المال الكثير بعضه على بعضٍ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، في قوله: {القناطير المقنطرة} يعني المال الكثير من الذّهب والفضّة
وقال آخرون: معنى المقنطرة: المضروبة دراهم أو دنانير.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا قوله: {المقنطرة} فيقول: المضروبة حتّى صارت دنانير أو دراهم
وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وآتيتم إحداهنّ قنطارًا} خبرٌ لو صحّ سنده لم نعده إلى غيره.وذلك ما:
- حدّثنا به ابن عبد الرّحميم البرقيّ، قال: حدّثني عمرو بن أبي سلمة، قال: حدّثنا زهير بن محمّدٍ، قال: حدّثني أبان بن أبي عيّاشٍ، وحميدٌ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وآتيتم إحداهنّ قنطارًا} قال: ألفًا مئين يعني ألفين). [جامع البيان: 5/254-261]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والخيل المسوّمة}
اختلف أهل التّأويل في معنى المسوّمة، فقال بعضهم: هي الرّاعية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: الخيل المسوّمة، قال: الرّاعية الّتي ترعى
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: هي الرّاعية، يعني السّائمة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن طلحة القنّاد، قال: سمعت عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى، يقول: الرّاعية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {والخيل المسوّمة} قال: الرّاعية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: {والخيل المسوّمة} المسرّحة في الرّعي.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {والخيل المسوّمة} قال: الخيل الرّاعية.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، أنّه كان يقول: الخيل الرّاعية
وقال آخرون: المسمومة: الحسان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، قال: قال مجاهدٌ: المسوّمة: المطهمة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {والخيل المسوّمة} قال: المطهمة الحسان.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {والخيل المسوّمة} قال: المطهمة حسنًا
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن مجاهدٍ: المطهمة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، قال حدّثنا سعيد بن أبي أيّوب، عن بشير بن أبي عمرٍو الخولانيّ، قال: سألت عكرمة عن الخيل المسوّمة، قال: تسويمها حسنها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيّوب، عن بشير بن أبي عمرٍو الخولانيّ، قال: سمعت عكرمة، يقول: {الخيل المسوّمة} قال: تسويمها الحسن.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {والخيل المسوّمة والأنعام} الرّائعة
- وقد حدّثني بهذا الحديث عن عمرو بن حمّادٍ غير موسى، قال: الرّاعية.
وقال آخرون: {الخيل المسوّمة} المعلّمة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {والخيل المسوّمة} يعني المعلّمة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {والخيل المسوّمة} وسيماها شيتها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {والخيل المسوّمة} قال: شية الخيل في وجوهها
وقال غيرهم: المسوّمة المعدّة للجهاد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {والخيل المسوّمة} قال: المعدّة للجهاد
قال أبو جعفرٍ: أولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: {والخيل المسوّمة} المعلّمة بالشّيات الحسان الرّائعة حسنًا من رآها؛ لأنّ التّسويم في كلام العرب هو الإعلام فالخيل الحسان معلّمةٌ بإعلام إيّاها بالحسن من ألوانها وشياتها وهيئاتها، وهي المطهّمة أيضًا، ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان في صفة الخيل:
وضمرٍ كالقداح مسوّماتٍ = عليها معشرٌ أشباه جنٍّ
يعني بالمسوّمات المعلّمات؛ وقول لبيدٍ:
وغداة قاع القرنتين أتينهم = زجلا يلوح خلالها التّسويم
فمعنى تأويل من تأوّل ذلك: المطهّمة والمعلّمة، والرّائعة واحدٌ.
وأمّا قول من تأوّله بمعنى الرّاعية فإنّه ذهب إلى قول القائل: أسمت الماشية فأنا أسيمها إسامةً: إذا رعيتها الكلأ والعشب، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {ومنه شجرٌ فيه تسيمون} [النحل] بمعنى ترعون، ومنه قول الأخطل:
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله = أولى لك ابن مسيمة الأجمال
يعني بذلك راعية الأجمال
فإذا أريد أنّ الماشية هي الّتي رعت، قيل: سامت الماشية تسوم سومًا، ولذلك قيل: إبلٌ سائمةٌ، بمعنى راعيةٍ، غير أنّه غير مستفيضٌ في كلامهم سوّمت الماشية، بمعنى أرعيتها، وإنّما يقال إذا أريد ذلك: أسمتها فإذا كان ذلك كذلك، فتوجيه تأويل المسوّمة إلى أنّها المعلّمة بما وصفنا من المعاني الّتي تقدّم ذكرها أصحّ.
وأمّا الّذي قاله ابن زيدٍ من أنّها المعدّة في سبيل اللّه، فتأويلٌ من معنى المسوّمة بمعزلٍ). [جامع البيان: 5/261-266]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والأنعام والحرث}
فالأنعام جمع نعمٍ: وهي الأزواج الثّمانية الّتي ذكرها في كتابه من الضّأن والمعز والبقر والإبل، وأمّا الحرث: فهو الزّرع
وتأويل الكلام: زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء ومن البنين، ومن كذا ومن وكذا، ومن الأنعام والحرث). [جامع البيان: 5/266]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: ذلك جميع ما ذكر في هذه الآية من النّساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة، والخيل المسوّمة، والأنعام والحرث، فكنّى بقوله ذلك عن جميعهنّ، وهذا يدلّ على أنّ ذلك يشتمل على الأشياء الكثيرة المختلفة المعاني، ويكنّى به عن جميع ذلك.
وأمّا قوله: {متاع الحياة الدّنيا} فإنّه خبرٌ من اللّه عن أنّ ذلك كلّه ممّا يستمتع به في الدّنيا أهلها أحياءً، فيتبلّغون به فيها، ويجعلونه وصلةً في معايشهم، وسببًا لقضاء شهواتهم الّتي زيّن لهم حبّها، في عاجل دنياهم، دون أن يكون عدّةً لمعادهم وقربةً لهم إلى ربّهم، إلاّ ما أسلك في سبيله وأنفق منه فيما أمر به
وأمّا قوله: {واللّه عنده حسن المآب} فإنّه يعني بذلك جلّ ثناؤه: وعند اللّه حسن المآب، يعني حسن المرجع..
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واللّه عنده حسن المآب} يقول: حسن المنقلب، وهي الجنّة وهو مصدرٌ على مثال مفعلٍ من قول القائل: آب الرّجل إلينا: إذا رجع، فهو يئوب إيابًا وأوبةً وأيبةً ومآبًا غير أنّ موضع الفاء منها مهموزٌ، والعين مبدلةٌ من الواو إلى الألف بحركتها إلى الفتح، فلمّا كان حظّها الحركة إلى الفتح، وكانت حركتها منقولةً إلى الحرف الّذي قبلها وهو فاء الفعل انقلبت فصارت ألفًا، كما قيل: قال: فصارت عين الفعل ألفًا؛ لأنّ حظّها الفتح، والمآب مثل المقال والمعاد والمحال، كلّ ذلك مفعلٌ، منقولةٌ حركة عينه إلى فائه، فمصير واوه أو ياؤه ألفًا لفتحة ما قبلها.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {واللّه عنده حسن المآب} وقد علمت ما عنده يومئذٍ من أليم العذاب وشديد العقاب؟
قيل: إنّ ذلك معنًى به خاصٌّ من النّاس، ومعنى ذلك: واللّه عنده حسن المآب للّذين اتّقوا ربّهم، وقد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية الّتي تليها.
فإن قال: وما حسن المآب؟ قيل: هو ما وصفه به جلّ ثناؤه، وهو المرجع إلى جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار مخلّدًا فيها، وإلى أزواجٍ مطهّرةٍ ورضوانٍ من اللّه). [جامع البيان: 5/267-268]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب (14)
قوله تعالى: زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النساء والبنين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن رافعٍ، ثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب عن أبى بكر بن حفصٍ قال: لمّا نزلت زيّن للنّاس حبّ الشّهوات إلى آخر الآية قال عمر: الآن يا ربّ حين زيّنتها لنا، فنزلت قل أأنبئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ الآية كلّها.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة الطّبرانيّ، وعليّ بن هاشم بن مرزوقٍ قالا: ثنا يزيد، أنبأ عبد اللّه بن يونس، عن سيّارٍ أبي الحكم أنّ عمر بن الخطّاب قرأ: زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء ثمّ قال: الآن يا ربّ وقد زيّنتها في القلوب.
- حدّثنا أبي، ثنا الفضل بن دكينٍ أبو نعيمٍ، ثنا أبو الأشهب، عن الحسن في قوله: زيّن للنّاس حبّ الشّهوات قال: ما أحدٌ أشدّ لها ذمًّا من خالقها.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النساء والبنين قال: زيّن لهم الشّيطان.
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا القاسم بن يزيد، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسم، عن أبيه قال: رأيت عبد اللّه بن أرقم جاء إلى عمر بن الخطّاب حليةٍ من حلية جلولاء: آنية فضّةٍ على قصبٍ على نطعٍ، فقال: اللّهمّ إنّك ذكرت هذا فقلت: زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين حتّى ختم الآية. وقلت لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم فإنّا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زيّنت لنا، اللّهمّ فاجعلنا ننفقه في حقٍّ، وأعوذ بك من شرّه.
قوله تعالى: من النّساء والبنين
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا سلامٌ أبو المنذر، ثنا ثابتٌ عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حبّب إليّ من الدّنيا النّساء والطّيب، وجعلت قرّة عيني في الصّلاة.
قوله تعالى: والقناطير المقنطرة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن موسى بن عبيدة، عن محمد ابن إبراهيم التّيميّ، عن يحنّس، عن أمّ الدّرداء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من قرأ بخمسين آيةً في ليلةٍ أصبح له قنطارٌ من الأجر، والقنطار مثل التّلّ العظيم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، ثنا أبو حصينٍ، عن سالمٍ، عن معاذٍ قال: القنطار ألفٌ ومائتا أوقيّةٍ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي الدّرداء وأبى هريرة نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا العلاء بن خالد ابن وردان، ثنا يزيد الرّقاشيّ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القنطار ألف دينارٍ
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحيم البرقيّ، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا زهير بن محمّدٍ، ثنا حميدٌ الطّويل، ورجلٌ آخر سمّاه عن أنسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: في قوله: قنطارٌ يعني: ألف دينارٍ.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا مسدّدٌ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، عن التّيميّ، عن قتادة، عن سعيد ابن المسيّب قال: القنطار ثمانون ألفًا.
والوجه السّادس:
- حدّثنا الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن أبي صالحٍ، قال: القنطار مائة رطلٍ.
قال أبو محمّدٍ: روي عن السّدّيّ نحو ذلك
والوجه السّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا عارمٌ، عن حمّادٍ، عن سعيد الجرشي عن أبي نضرة، عن أبى سعيدٍ الخدريّ قال: القنطار ملئ مسك الثّور ذهبًا- قال أبو محمّدٍ:
رواه محمّد بن موسى الحرشيّ، عن حمّاد بن زيدٍ مرفوعًا، والموقوف أصحّ.
والوجه الثّامن:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله قنطار قال: من العرب من يقول القنطار ألف دينارٍ، ومنهم من يقول اثنا عشر ألفًا
- قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن أنّه قال: اثنا عشر ألفًا.
والوجه التّاسع:
- حدّثنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ عمر بن حوشبٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ أنّ ابن عمر سئل: ما القنطار؟ قال: سبعون ألفًا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: القناطير المقنطرة فالقنطار سبعون ألفًا، قال أبو محمّدٍ: وروي عن طاوسٍ نحو ذلك.
والوجه العاشر:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا مسدّدٌ، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن يونس، عن الحسن: في هذه الآية: القنطار ألف ومائتان دينارٍ.
والوجه الحادي عشر:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة، ثنا زافرٌ يعني: ابن سليمان، ثنا حبّانٌ، عن سعيد بن طريفٍ، عن أبي جعفرٍ قال: القنطار خمسة عشر ألف مثقالٍ، والمثقال أربعةٌ وعشرون قيراطًا أصغرها مثل أحدٍ، وأكبرها ما بين السّماء إلى الأرض.
قوله تعالى: المقنطرة
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله:
القناطير المقنطرة فيقول: المضروبة حتى صارت دنانير ودراهم.
قوله تعالى: من الذّهب والفضّة
- وبه عن السّدّيّ قوله: من الذّهب والفضّة قال: دنانير رباعٍ.
قوله تعالى: والخيل
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعثمان قالا: ثنا يونس بن محمّدٍ، عن عمران بن محمّد بن سعيدٍ وهو ابن المسيّب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب في قوله: والخيل المسوّمة قال: خيل اللّه شقرٌ، غرٌّ، محجّلةٌ قال سعيدٌ: وزعموا أنّ رجلا يوم بدرٍ نظر إليها تنزل من السّماء.
قوله تعالى: المسوّمة
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا الوليد يعني ابن صالحٍ، ثنا شريكٌ، عن خصيفٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال الخيل المسوّمة الرّاعية والمطهّمة الحسان، ثمّ قرأ شجرٌ فيه تسيمون
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ وأبو نعيمٍ، عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: والخيل المسوّمة قال:
الرّاعية.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى، والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، وأبي سنانٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيح عن مجاهد
قوله: الخيل المسوّمة المصوّرة حسنًا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ وأبو نعيمٍ عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن مجاهدٍ في قوله: والخيل المسوّمة قال: هي المطهّمة الحسان
قال: أبو محمّدٍ وروي عن عكرمة قال: تسويمها: حسنها.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق عن معمرٍ، عن قتادة والخيل المسوّمة قال: شية الخيل في وجوهها.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: والخيل المسوّمة قال: تسوّم المسلمون سيمًا والمشركون سيماهم وكان سيماهم الصّوف وقلّ ما التقت فئتان إلّا تسوموا أخيلهم.
والوجه الخامس:
- حدثنا أبى يحيى بن عثمان بن كثير بن دينارٍ، ثنا ضمرة عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ: في قول اللّه: المسوّمة منطقةٌ بحمرةٍ.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبي ثنا محمود بن خالدٍ، ثنا الوليد، ثنا بعض شيوخنا، عن مكحولٍ في قوله: والخيل المسوّمة قال: الغرّة والتّحجيل.
قوله تعالى: والأنعام والحرث
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة القنّاد، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ والأنعام والحرث قال: الأنعام الرّاعية.
قوله تعالى: ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، ثنا حيوة، أنبأ شرحبيل ابن شريكٍ أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ يحدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: الدّنيا متاعٌ، وخير متاع الدّنيا المرأة الصالحة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب أمّا حسن المآب فحسن المنقلب وهي:
الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/606-612]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال القنطار سبعون ألف دينار). [تفسير مجاهد: 123]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد المسومة قال المصورة حسنا). [تفسير مجاهد: 123]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال: لما نزلت {زين للناس حب الشهوات} إلى آخر الآية، قال عمر: الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت (قل أؤنبئكم) (آل عمران الآية 15) الآية، كلها.
وأخرجه ابن المنذر بلفظ حتى انتهى إلى قوله (قل أؤنبئكم بخير) (آل عمران الآية 15) فبكى وقال: بعد ماذا، بعد ما زينتها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن سيار بن الحكم أن عمر بن الخطاب قرأ {زين للناس} الآية، ثم قال: الآن يا رب
و قد زينتها في القلوب.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن أبي حاتم عن أسلم قال: رأيت عبد الله بن أرقم جاء إلى عمر بن الخطاب بحلية آنية وفضة فقال عمر: اللهم إنك ذكرت هذا المال، فقلت {زين للناس حب الشهوات} حتى ختم الآية وقلت {لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله}) (الحديد الآية 53) وإنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا اللهم فاجعلنا ننفقه في حق وأعوذ بك من شره.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {زين للناس} الآية، قال من زينها ما أحد أشد لها ذما من خالقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله تعالى عنه في قوله {زين للناس} الآية، قال: زين لهم الشيطان، قوله تعالى: {من النساء}.
أخرج النسائي، وابن أبي حاتم والحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة، قوله تعالى: {والقناطير المقنطرة}.
أخرج أحمد، وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،: القنطار اثنا عشر ألف أوقية.
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قول الله {والقناطير المقنطرة} قال: القنطار ألف أوقية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القنطار ألف دينار.
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،: والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القنطار ألف ومائتا دينار.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائتي آية بعث من القانتين ومن قرأ خمسمائة آية إلى ألف آية أصبح له قنطار من الأجر والقنطار مثل التل العظيم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن معاذ بن جبل قال: القنطار ألف ومائتا أوقية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: القنطار ألف ومائتا أوقية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة مثله.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: القنطار اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: القنطار ألف ومائتا دينار من الفضة وألف ومائتا مثقال
و اخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: القنطار ملء مسك الثور ذهبا.
واخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه سئل ما القنطار قال: سبعون ألفا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: القنطار سبعون ألف دينار.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب قال: القنطار ثمانون ألفا.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: القنطار مائة رطل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أن القنطار مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألفا من الورق.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {والقناطير} قال: أما قولنا أهل البيت فإنا نقول: القنطار عشرة آلاف مثقال وأما بنو حسل فانهم يقولون: ملء مسك ثور ذهبا أو فضة، قال: فهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول:
وكانوا ملوك الروم تجبى إليهم * قناطيرها من بين قل وزائد
و اخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال القنطار خمسة عشر ألف مثقال والمثقال أربعة وعشرون قيراطا.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {والقناطير المقنطرة} يعني المال الكثير من الذهب والفضة.
وأخرج عن الربيع {والقناطير المقنطرة} المال الكثير بعضه على بعض.
وأخرج عن السدي {المقنطرة} يعني المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم، قوله تعالى: {والخيل المسومة}.
أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {والخيل المسومة} قال: الراعية.
وأخرجه ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس {والخيل المسومة} يعني معلمة.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس {والخيل المسومة} يعني معلمة.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال {والخيل المسومة} الراعية والمطهمة الحسان، ثم قرأ (شجر فيه تسيمون).
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {والخيل المسومة} قال: المطهمة الحسان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة قال: تسويمها حسنها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول {والخيل المسومة} قال: الغرة والتحجيل، أما قوله تعالى: {ذلك متاع الحياة الدنيا}.
أخرج مسلم، وابن أبي حاتم عن ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {والله عنده حسن المآب}
قال: حسن المنقلب.
وهي الجنة). [الدر المنثور: 3/476-483]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا الحسن بن موسى، قال: حدّثنا شيبان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: آيةٌ أنزلت في هذه الأمة: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم} قال عمر: الآن يا ربّ). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 507]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد}

يعني جلّ ثناؤه: قل يا محمّد، للنّاس الّذين زيّن لهم حبّ الشّهوات من النّساء والبنين، وسائر ما ذكر جلّ ثناؤه: {أؤنبّئكم} أأخبركم وأعلمكم {بخيرٍ من ذلكم} يعني بخيرٍ وأفضل لكم {من ذلكم} يعني ممّا زيّن لكم في الدّنيا حبّ شهوته من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة، وأنواع الأموال الّتي هي متاع الدّنيا.
ثمّ اختلف أهل العربيّة في الموضع الّذي تناهى إليه الاستفهام من هذا الكلام، فقال بعضهم: تناهى ذلك عند قوله: {من ذلكم} ثمّ ابتدأ الخبر عمّا {للّذين اتّقوا عند ربّهم} فقيل: للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، فلذلك رفع الجنّات.
ومن قال هذا القول، لم يجز في قوله: {جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار} إلاّ الرّفع، وذلك أنّه خبر مبتدأٍ غير مردودٍ على قوله بخيرٍ، فيكون الخفض فيه جائزًا، وهو وإن كان خبرًا مبتدأٌ عندهم، ففيه إبانةٌ عن معنى الخير الّذي أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول للنّاس: أؤنبّئكم به؟ والجنّات على هذا القول مرفوعةٌ باللاّم الّتي في قوله: {للّذين اتّقوا عند ربّهم}
وقال آخرون منهم بنحو من هذا القول إلاّ أنّهم قالوا: إن جعلت اللاّم الّتي في قوله للّذين من صلة الإنباء جاز في الجنّات الخفض والرّفع: الخفض على الرّدّ على الخير، والرّفع على أن يكون قوله: {للّذين اتّقوا} خبر مبتدأٍ على ما قد بيّنّاه قبل.
وقال آخرون: بل منتهى الاستفهام قوله: {عند ربّهم} ثمّ ابتدأ: {جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار} وقالوا: تأويل الكلام: قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم؟ للّذين اتّقوا عند ربّهم، ثمّ كأنّه قيل: ماذا لهم؟ أو ما ذاك؟ أو على أنّه يقال: ماذا لهم؟ أو ما ذاك؟ فقال: هو جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار الآية.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من جعل الاستفهام متناهيًا عند قوله: {بخيرٍ من ذلكم} والخبر بعده مبتدأٌ عمّن له الجنّات بقوله: {للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ} فيكون مخرج ذلك مخرج الخبر، وهو إبانةٌ عن معنى الخير الّذي قال: أونبّئكم به؟ فلا يكون بالكلام حينئذٍ حاجةٌ إلى ضميرٍ.
قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ: وأمّا قوله: {خالدين فيها} فمنصوبٌ على القطع
ومعنى قوله: {للّذين اتّقوا} للّذين خافوا اللّه فأطاعوه، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. {عند ربّهم} يعني بذلك: لهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار عند ربّهم.
والجنّات: البساتين، وقد بيّنّا ذلك بالشّواهد فيما مضى، وأنّ قوله: {تجري من تحتها الأنهار} يعني به: من تحت الأشجار، وأنّ الخلود فيها دوام البقاء فيها، وأنّ الأزواج المطهّرة هنّ نساء الجنّة اللّواتي طهّرن من كلّ أذًى يكون بنساء أهل الدّنيا من الحيض والمنيّ والبول والنّفاس وما أشبه ذلك من الأذى، بما أغنى من إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {ورضوانٌ من اللّه} يعني ورضا اللّه، وهو مصدرٌ من قول القائل: رضي اللّه عن فلانٍ، فهو يرضى عنه رضًا منقوصٌ ورضوانًا ورضوانًا ومرضاةً، فأمّا الرّضوان بضمّ الرّاء فهو لغة قيسٍ، وبه كان عاصمٌ يقرأ.
وإنّما ذكر اللّه جلّ ثناؤه فيما ذكر للّذين اتّقوا عنده من الخير رضوانه؛ لأنّ رضوانه أعلى منازل كرامة أهل الجنّة.
- كما: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثني أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه، قال: إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، قال اللّه تبارك وتعالى: أعطيكم أفضل من هذا؟ فيقولون: أي ربّنا، أيّ شيءٍ أفضل من هذا؟ قال رضواني
وقوله: {واللّه بصيرٌ بالعباد} يعني بذلك واللّه ذو بصرٍ بالّذي يتّقيه من عباده، فيخافه فيطيعه، ويؤثر ما عنده ممّا ذكر أنّه أعدّه للّذين اتّقوه على حبّ ما زيّن له في عاجل الدّنيا من شهوات النّساء والبنين وسائر ما عدّد منها تعالى ذكره، وبالّذي لا يتّقيه فيخافه، ولكنّه يعصيه، ويطيع الشّيطان، ويؤثر ما زيّن له في الدّنيا من حبّ شهوة النّساء والبنين والأموال، على ما عنده من النّعيم المقيم، عالمٌ تعالى ذكره بكلّ فريقٍ منهم، حتّى يجازي كلّهم عند معادهم إليه جزاءهم، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته). [جامع البيان: 5/268-271]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد (15)
قوله تعالى: قل أأنبئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: أأنبئكم بخيرٍ من ذلكم ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب كان يقول: اللّهمّ زيّنت لنا الدّنيا، وأنبأتنا أنّ ما بعدها خيرٌ منها، فاجعل حظّنا في الّذي هو خيرٌ وأبقى.
قوله تعالى: جنّاتٌ
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: الجنّة سجسجٌ، لا حرّ فيها ولا بردٌ.
قوله تعالى: تجري من تحتها الأنهار
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن عبد الله ابن مرّة، عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: أنهار الجنّة تفجّر من جبل مسكٍ.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: تجري من تحتها الأنهار يعني المساكن تجري أسفلها أنهارٌ.
- قرئ على الرّبيع بن سليمان، ثنا أسد بن موسى، ثنا ابن ثوبان عن عطاء بن قرّة عن عبد اللّه بن ضمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنهار الجنّة تفجر من تحت تلالٍ، أو من تحت جبال المسك.
قوله تعالى: خالدين فيها
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق، حدثني محمد ابن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ خالدين فيها يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله أبدًا لا انقطاع له.
قوله تعالى: وأزواجٌ مطهّرةٌ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس أزواج مطهّرةٌ قال: مطهّرةٌ من القذر والأذى.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: أزواجٌ مطهّرةٌ قال: مطهّرةٌ من الحيض، والغائط والبول، والنّخام، والبزاق، والمنيّ، والولد.
قوله تعالى: ورضوانٌ من اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد
- ذكر أبي، ثنا مقاتل بن محمّدٍ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن محمّد ابن المنذر، عن جابرٍ قال: إذا دخل أهل الجنّة، قال اللّه عزّ وجلّ: قد بقي شيءٌ لم تنالوه، رضواني.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الحسن بن عيسى بن ما سرجس مولى ابن المبارك، أنبأ ابن المبارك أنبأ مالك بن أنسٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يقول اللّه عزّ وجلّ: يا أهل الجنّة فيقولون: لبّيك ربّنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟
فيقولون: ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا ربّ وأيّ شيءٍ أفضل من ذلك؟ قال: أحلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم أبدًا.
قوله تعالى: واللّه بصيرٌ بالعباد
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامرٍ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقرأ هذه الآية: سميعٌ بصيرٌ.
يقول: بكلّ شيءٍ بصيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/612-614]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 15 - 16.
أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم زينت لنا الدنيا وأنبأتنا أن ما بعدها خير منها فاجعل حظنا في الذي هو خير وأبقى). [الدر المنثور: 3/483]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار}
ومعنى ذلك: قل هل أنبّئكم بخيرٍ من ذلكم؟ للّذين اتّقوا يقولون ربّنا إنّنا آمنّا، فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار.
وقد يحتمل الّذين يقولون وجهين من الإعراب: الخفض على الرّدّ على الّذين الأولى، والرّفع على الابتداء، إذ كان في مبتدأ آيةٍ أخرى غير الّتي فيها الّذين الأولى، فيكون رفعها نظير قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} ثمّ قال في مبتدأ الآية الّتي بعدها {التّائبون العابدون} ولو كان جاء ذلك مخفوضًا كان جائزًا.
ومعنى قوله: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا} الّذين يقولون: إنّنا صدّقنا بك وبنبيّك، وما جاء به من عندك {فاغفر لنا ذنوبنا} يقول: فاستر علينا ذنوبنا بعفوك عنها وتركك عقوبتنا عليها {وقنا عذاب النّار} ادفع عنّا عذابك إيّانا بالنّار أن تعذّبنا بها، وإنّما معنى ذلك: لا تعذّبنا يا ربّنا بالنّار، وإنّما خصّوا المسألة بأن يقيهم عذاب النّار؛ لأنّ من زحزح يومئذٍ عن النّار فقد فاز بالنّجاة من عذاب النّار وحسن مآبه.
وأصل قوله {" قنا} من قول القائل: وقى اللّه فلانًا كذا، يراد به: دفع عنه فهو يقيه، فإذا سأل بذلك سائلٌ قال: قني كذا). [جامع البيان: 5/271-272]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16) الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (17)
قوله تعالى: الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا إلى قوله: عذاب النار
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا عبد السّلام يعني ابن شدّادٍ يعني، أبا طالوت، قال: كنت عند أنسٍ، فقال له ثابتٌ البناني: إنّ إخوانك يحبّون أن تدعو لهم، فقال: اللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار، ثمّ تحدّثوا ساعةً، حتّى إذا أرادوا القيام قالوا: يا أبا حمزة إنّ إخوانك يريدون القيام فادع اللّه لهم قال: تريدون أن أشقّق لكم الأمور، إذا آتاكم اللّه في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً ووقاكم عذاب النّار، فقد آتاكم الخير كلّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/614-616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 15 - 16.
أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم زينت لنا الدنيا وأنبأتنا أن ما بعدها خير منها فاجعل حظنا في الذي هو خير وأبقى). [الدر المنثور: 3/483] (م)

تفسير قوله تعالى: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا زيد بن الحباب، قال: حدّثني عقبة بن أبي يزيد القرشيّ، قال: سمعت زيد بن أسلم يذكر في قول الله: {والمستغفرين بالأسحار} قال: من شهد صلاة الصّبح). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 366]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}

يعني بقوله: {الصّابرين} الّذين صبروا في البأساء والضّرّاء وحين البأس.
ويعني بالصّادقين: الّذين صدقوا اللّه في قولهم بتحقيقهم الإقرار به وبرسوله، وما جاء به من عنده بالعمل بما أمره به والانتهاء عمّا نهاه عنه.
ويعني بالقانتين المطيعين له وقد أتينا على الإبانة عن كلّ هذه الحروف ومعانيها بالشّواهد على صحّة ما قلنا فيها، وبالإخبار عمّن قال فيها قولاً فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقد كان قتادة يقول في ذلك بما:
- حدّثنا به بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين}: الصّادقين: قومٌ صدقت أفواههم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في السّرّ والعلانية، والصّابرين: قومٌ صبروا على طاعة اللّه، وصبروا عن محارمه، والقانتين: هم المطيعون للّه
وأمّا المنفقون: فهم المؤتون زكوات أموالهم، وواضعوها على ما أمرهم اللّه بإتيانها، والمنفقون أموالهم في الوجوه الّتي أذن اللّه لهم جلّ ثناؤه بإنفاقها فيها.
وأمّا {الصّابرين والصّادقين} وسائر هذه الحروف فمخفوضٌ ردًّا على قوله: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا} والخفض في هذه الحروف يدلّ على أنّ قوله: {الّذين يقولون} خفض ردًّا على قوله: {للّذين اتّقوا عند ربّهم}). [جامع البيان: 5/272-273]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار}
اختلف أهل التّأويل في القوم الّذين هذه الصّفّة صفتهم، فقال بعضهم: هم المصلّون بالأسحار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {والمستغفرين بالأسحار} هم أهل الصّلاة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة: {والمستغفرين بالأسحار} قال: يصلّون بالأسحار
وقال آخرون: هم المستغفرون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حريث بن أبي مطرٍ، عن إبراهيم بن حاطبٍ عن أبيه، قال: سمعت رجلاً، في السّحر في ناحية المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي فنظرت فإذا ابن مسعودٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سألت عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن قول اللّه، عزّ وجلّ: {والمستغفرين بالأسحار} قال: حدّثني سليمان بن موسى، قال: حدّثنا نافعٌ أنّ ابن عمر كان يحيي اللّيل صلاةً، ثمّ يقول: يا نافع أسحرنا؟ فيقول: لا. فيعاود الصّلاة، فإذا قلت: نعم، قعد يستغفر ويدعو حتّى يصبح.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن بعض البصريّين، عن أنس بن مالكٍ، قال: أمرنا أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا زيد بن الحباب، قال: حدّثنا أبو يعقوب الضّبّيّ، قال: سمعت جعفر بن محمّدٍ، يقول: من صلّى من اللّيل ثمّ استغفر في آخر اللّيل سبعين مرّةً كتب من المستغفرين بالأسحار
وقال آخرون: هم الّذين يشهدون الصّبح في جماعةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسماعيل بن مسلمة، أخو القعنبيّ قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرّحمن، قال: قلت لزيد بن أسلم: من المستغفرين بالأسحار؟ قال: هم الّذين يشهدون الصّبح
وأولى هذه الأقوال بتأويل قوله: {والمستغفرين بالأسحار} قول من قال: هم السّائلون ربّهم أن يستر عليهم فضيحتهم بها بالأسحار، وهي جمع سحرٍ. وأظهر معاني ذلك أن تكون مسألتهم إيّاه بالدّعاء، وقد يحتمل أن يكون معناه تعرّضهم لمغفرته بالعمل والصّلاة غير أنّ أظهر معانيه ما ذكرنا من الدّعاء). [جامع البيان: 5/273-275]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: الصّابرين
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: الصّابرين يقول: على أمر اللّه.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل المراي، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة الصّابرين قومٌ صبروا على طاعة اللّه وصبروا عن محارمه.
قوله: والصادقين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى، ثنا عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد في قول اللّه: والصّادقين قال: في إيمانهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل المراي، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة والصّادقين قال: قومٌ صدقت نيّتهم، فاستقامت أعمالهم وقلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في السّرّ والعلانية.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت عن قوله: الصّابرين والصّادقين قال: هم العابدون.
قوله تعالى: والقانتين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن فضيلٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ قال: القانتين: المصلّين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد الله ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: والقانتين يعني المطيعين للّه فيما أمرهم، وقال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك
قوله تعالى: والمنفقين
[الوجه الأول]
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: والمنفقين يعني أموالهم في حقّ اللّه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ قال: قال يحيى بن آدم يقال: النّفقة في القرآن يعني الصّدقة.
قوله: والمستغفرين بالأسحار
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: والمستغفرين بالأسحار يعني:
المصلّين بالأسحار، قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة والنّضر بن هشامٍ الأصبهانيّ قالا: ثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنبٍ، ثنا يعقوب بن عبد الرّحمن بن عبد القارئ قال: قلت لزيد بن أسلم: ما المستغفرين بالأسحار؟ قال: هم الّذين يشهدون صلاة الصّبح.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، وحمّاد بن زادان قالا: ثنا الوليد بن مسلمٍ قال: سألت عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ عن قول اللّه:
والمستغفرين بالأسحار فقال: حدثني سليمان ابن موسى، حدّثني نافعٌ أنّ ابن عمر كان يحيي اللّيل صلاةً فيقول: يا نافع: أسحرنا؟ فيقول: لا. فيعاود الصّلاة فإذا قلت: نعم، قعد يستغفر اللّه ويدعو حتّى يصبح). [تفسير القرآن العظيم: 2/614-616]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 17.
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {الصابرين} الآية، قال: (الصابرون) قوم صبروا على طاعة الله وصبروا عن محارمه (و الصادقون) قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم وصدقوا في السر والعلانية (و القانتون) هم المطيعون (و المستغفرون بالأسحار) هم أهل الصلاة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال {الصابرين} على ما أمر الله {الصادقين} في إيمانهم {القانتين} يعني المطيعين {والمنفقين} يعني من أموالهم في حق الله {والمستغفرين بالأسحار} يعني المصلين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم {والمستغفرين بالأسحار} قال: هم الذين يشهدون صلاة الصبح.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان يحيي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسحرنا فيقول: لا، فيعاود الصلاة فإذا قال: نعم، قعد يستغفر الله ويدعو حتى يصبح.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أنس بن مالك قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة.
وأخرج ابن جرير عن جعفر بن محمد قال: من صلى من الليل ثم استغفر في آخر الليل سبعين مرة كتب من المستغفرين.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي سعيد الخدري قال: بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل أي الليل أفضل قال: يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر). [الدر المنثور: 3/483-484]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 11:22 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والقناطير المقنطرة...}

واحد القناطير: قنطار, ويقال: إنه ملء مسك ثور ذهباً, أو فضّة، ويجوز:{القناطير}في الكلام، والقناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة, كذلك سمعت، وهو المضاعف). [معاني القرآن: 1/195]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والقناطير}: واحدها قنطار، وتقول العرب: هو قدر وزنٍ لا يحدّونه, {المقنطرة}: مفنعلة، مثل قولك: ألفٌ مؤلفّةٌ.
قال الكلبي: ملء مسك ثورٍ من ذهب أو فضة.
قال ابن عباس: ثمانون ألف درهم.
وقال السّدّى: مائة رطلٍ من ذهب أو فضة.
وقال جابر بن عبد الله: ألف دينار.
{والخيل المسوّمة}: المعلمة بالسيماء،
ويجوز أن تكون {مسوّمة}: مرعاةً، من أسمتها؛ تكون هي سائمة، والسّائمة: الراعية، وربّها يسيمها.

{الأنعام}: جماعة النّعم.
{والحرث}: الزرع.
{متاع الحياة الدّنيا}: يمتّعهم، أي: يقيمهم.
{المآب}: المرجع، من آب يؤب). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
قال تعالى: {واللّه عنده حسن المآب} مهموز منها موضع الفاء ؛ لأنه من "آب" "يؤوب", وهي معتلة العين مثل: "قلت", تقول" .
"والمفعل": "مقال", تقول: "آب", "يؤوب", "إياباً" .
قال الله تعالى: {إنّ إلينا إيابهم}, وهو الرجوع, قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى = كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
وأمّا "الأوّاب", فهو الراجع إلى الحق , وهو من: "آب", "يؤوب", أيضاً, وأمّا قوله تعالى: {يا جبال أوّبي معه}, فهو كما يذكرون التسبيح , أو هو - واللّه أعلم - مثل الأوّل يقول: "ارجعي إلى الحقّ", و"الأوّاب" : الراجع إلى الحقّ). [معاني القرآن: 1/164-165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({القناطير}: واحده قنطار.
قال بعض المفسرون: إنه ملء جلد ثور من ذهب أو فضة.
وقال آخرون: ثمانون ألف درهم.
وقال آخرون: ألف ومائتا أوقية.
وقال آخرون: مائة رطل من ذهب أو فضة وقالوا ألف دينار.

{الخيل المسومة}: المعلمة والسيما العلامة وقالوا الراعية مأخوذة من السائمة.
{المآب}: المرجع من آب يؤوب). [غريب القرآن وتفسيره:102-103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({القناطير} , واحدها: قنطار, وقد اختلف في تفسيرها:
1- فقال بعضهم: القنطار ثمانية آلاف مثقال ذهب، بلسان أهل إفريقية.
2- وقال بعضهم: ألف مثقال.
3-وقال بعضهم: ملء مسك ثور ذهباً.
4-وقال بعضهم:
مائة رطل.
{المقنطرة}: المكملة, وهو كما تقول: هذه بدرة مبدّرة، وألف مؤلّفة.
وقال الفراء:{المقنطرة}: المضعّفة؛ كأن القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة.
{والخيل المسوّمة}: الرّاعية, يقال: سامت الخيل , فهي سائمة إذا رعت, وأسمتها فهي مسامة، وسوّمتها فهي مسوّمة: إذا رعيتها.
والمسوّمة في غير هذا: المعلّمة في الحرب بالسّومة , وبالسّيماء, أي: بالعلامة.
وقال مجاهد: {الخيل المسومة} المطهّمة الحسان, وأحسبه أراد: أنها ذات سيماء, كما يقال: رجل له سيماء، وله شارة حسنة.
{والأنعام}: الإبل, والبقر, والغنم, واحدها: نعم, وهو جمع لا واحد له من لفظه.
{و الحرث}: الزّرع.
{واللّه عنده حسن المآب}, أي: المرجع, من «آب يؤوب»: إذا رجع). [تفسير غريب القرآن: 101-102]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
قيل في {زيّن}قولان:
1- قال بعضهم اللّه زينها محنة كما قال:{إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملا}

2- وقال بعضهم: الشيطان زينها ؛ لأن اللّه قد زهد فيها , وأعلم أنّها متاع الغرور.
والقول الأول: أجود ؛ لأنه جعلها زينة محبوبة موجود , واللّه قد زهّد فيها بأن أعلم , وأرى زوالها، ومعنى {القناطير}: عند العرب: الشيء الكثير من المال, وهو جمع قنطار.
فأما أهل التفسير: فقالوا أقوالاً غير خارجة من مذهب العرب:
قال بعضهم القنطار: ملء مسك ثور ذهبًا أو فضة,
وقال بعضهم: القنطار : ثمانون ألف درهم,
وقال بعضهم: القنطار : ألف دينار،
وقال بعضهم : ألف رطل ذهباً أو فضة, فهذه جملة ما قال الناس في القنطار.

والذي بخرج في اللغة: أن القنطار مأخوذ من عقد الشيء وأحكامه, والقنطرة: مأخوذة من ذلك,فكأن القنطار هو الجملة من المال التي تكون عقدة وثيقة منه.
فأمّا من قال من أهل التفسير إنّه شيء من الذهب موف، فأقوى منه عندي ما ذكر من إنّه من الذهب والفضة؛ لأن اللّه جلّ وعزّ ذكر القناطير فيهما؛ فلا يستقيم أن يكون القنطار في إحداهما دون الأخرى.
ومعنى {الخيل المسوّمة} في اللغة: الخيل عليها السيماء , والسّومة , وهي العلامة، ويجوز وهو حسن أن يكون المسومة: السائمة، وأسيمت: أرعيت.
{والأنعام}: المواشي, واحدها نعم، أكثر استعمالها في الإبل،{والحرث}: الزرع، وهذا كله محبّب إلى الناس , كما قال اللّه عزّ وجلّ، ثم زهد الله في جميعه.
وتأويل التزهيد فيه ليس الامتناع من أن يزرع الناس، ولا من أن يكسبوا الشيء من جهة، وإنما وجه التزهيد فيه الحث على الصدقة, وسلوك سبل البرّ التي أمر بها في ترك الاستكثار من المال, وغيره، فهذا وجه التزهيد.
فقال جلّ وعزّ: {ذلك متاع الحياة الدّنيا}, أي: ما يتمتع به فيها.
{واللّه عنده حسن المآب}: والمآب في اللغة: المرجع، يقال: آب الرجل, يؤوب , أوباً, وإياباً,ومآباً). [معاني القرآن: 1/383-384]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة}
قيل : لما كانت معجبة, كانت كأنها قد زينت, وقيل: زينها الشيطان .
{والقناطير المقنطرة }: القنطار في كلام العرب: الشيء الكثير مأخوذ من عقد الشيء, وإحكامه, والقنطرة من ذلك, ومقنطرة, أي: مكملة كما تقول آلاف مؤلفة .
ثم قال جل وعز: {والخيل المسمومة والإنعام والحرث}: الخيل المسمومة , قال مجاهد: الحسنة, وقال سعيد بن جبير: الراعية.
وقال أبو عبيدة, والكسائي: قد تكون المسومة: المعلمة, قال أبو جعفر : قول مجاهد حسن من قولهم : رجل وسيم.
وقول سعيد بن جبير: لا يمتنع من قولهم : سامت تسوم , وأسمتها, وسومتها, أي: رعيتها, وقد تكون راعية حساناً معلم؛ لتعرف من غيرها,
وقال أبو زيد: أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة , أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى .

والإنعام: الإبل, والبقر , والغنم .
والحرث: الزرع.
وقوله تعالى: {والله عنده حسن المآب}, أي: المرجع). [معاني القرآن: 1/367-368]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({والقناطير}: جمع قنطار, والقنطار: ألف مثقال، وقيل: مائة رطل، وقيل: ملء مسك ثور ذهباً, وقيل: ثمانية آلالف مثقال.
{المقنطرة}: المكملة، وقيل: المضاعفة.
{والخيل المسومة}: الراعية، وقيل: المعلمة من السيماء.
و{المآب}:المرجع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 47-48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القِنْطَارُ}: ثمانون ألف درهم , وقيل : مد جلد ثور.
{الْمُسَوَّمَةِ}: المعلمة.
{الْمَآبِ}: المرجع). [العمدة في غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم...}, ثم قال {للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ}, فرفع الجنات باللام, ولم يجز ردّها على أوّل الكلام؛ لأنك حلت بينهما باللام، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام بينهما, وقد يجوز أن تحول باللام , ومثلها بين الرافع وما رفع، والناصب وما نصب, فتقول: رأيت لأخيك مالاً, ولأبيك إبلاً, وترفع باللام إذا لم تعمل الفعل، وفي الرفع: قد كان لأخيك مال ولأبيك إبل, ولم يجز أن تقول في الخفض: قد أمرت لك بألف بألف, ولأخيك ألفين، وأنت تريد بألفين؛ لأن إضمار الخفض غير جائز؛ ألا ترى أنك تقول: من ضربت؟ فتقول: زيدا، ومن أتاك؟ فتقول: زيد, فيضمر الرافع والناصب, ولو قال: بمن مررت؟ , لم تقل: زيدٍ؛ لأن الخافض مع ما خفض بمنزلة الحرف الواحد, فإذا قدّمت الذي أخرته بعد اللام جاز فيه الخفض؛ لأنه كالمنسوق على ما قبله إذا لم تحل بينهما بشيء, فلو قدّمت الجنّات قبل اللام , فقيل: {بخيرٍ من ذلكم جناتٍ للذين اتقوا}, لجاز الخفض, والنصب على معنى تكرير الفعل بإسقاط الباء؛ كما قال الشاعر:
أتيت بعبد الله في القدّ موثقا = فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر‍‍‍‍‍‍‍‍
كذلك تفعل بالفعل إذا اكتسب الباء ثم أضمرا جميعا نصب كقولك: أخاك، وأنت تريد امرر بأخيك. وقال الشاعر في استجازة العطف إذا قدّمته , ولم تحل بينهما بشيء:
ألا يا لقومٍ كلّ ما حمّ واقع = وللطير مجرىً والجنوب مصارع
أراد: وللجنوب مصارع، فاستجاز حذف اللام، وبها ترتفع المصارع إذ لم تحل بينهما بشيء, فلو قلت: (ومصارع الجنوب)لم يجز , وأنت تريد إضمار اللام, وقال الآخر:
أوعدني بالسجن والأداهم = رجلي ورجلي شثنة المناسم
أراد: أوعد رجلي بالأداهم.
وقوله: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}, والوجه رفع يعقوب, ومن نصب نوى به النصب، ولم يجز الخفض إلا بإعادة الباء: ومن وراء إسحاق بيعقوب.
وكلّ شيئين اجتمعا قد تقدم أحدهما قبل المخفوض الذي ترى أن الإضمار فيه يجوز على هذا, ولا تبال أن تفرق بينهما بفاعل أو مفعول به أو بصفة,فمن ذلك أن تقول: مررت بزيد, وبعمرو, ومحمد, أو وعمرو , ومحمد, ولا يجوز: مررت بزيد وعمرو, وفي الدار محمدٍ، حتى تقول: بمحمد, وكذلك: أمرت لأخيك بالعبيد , ولأبيك بالورق, ولا يجوز: لأبيك الورق. وكذلك: مرّ بعبد الله موثقاًومطلقاً زيدٍ، وأنت تريد: ومطلقاً بزيد, وإن قلت: وزيدٍ مطلقاً جاز ذلك على شبيه بالنسق إذا لم تحل بينهما بشيء.
وقوله: {قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النار وعدها الله الّذين كفروا}, فيها ثلاثة أوجه أجودها الرفع، والنصب من جهتين: من وعدها إذ لم تكن النار مبتدأة، والنصب الآخر بإيقاع الإنباء عليها بسقوط الخفض, جائز لأنك لم تحل بينهما بماننع, والرفع على الابتداء.
فإن قلت: فما تقول في قول الشاعر:
آلآن بعد لجاجتي تلحونني = هلا التقدّم والقلوب صحاح
بم رفع التقدّم؟, قلت: بمعنى الواو في قوله: (والقلوب صحاح) , كأنه قال: العظة, والقلوب فارغة، والرطب, والحرّ شديد، ثم أدخلت عليها هلاّ , وهي على ما رفعتها، ولو نصبت التقدّم بنية فعل كما تقول: أتيتنا بأحاديث لا نعرفها , فهلا أحاديث معروفة.
ولو جعلت اللام في قوله: {للّذين اتّقوا عند ربّهم} من صلة الإنباء جاز خفض الجنات, والأزواج, والرضوان). [معاني القرآن: 1/198]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مطهّرة}: مهذّبة من كل عيب). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ}, كأنه قيل لهم: "ماذا لهم"؟ , و"ما ذاك"؟ , فقيل: "هو كذا وكذا".
وأمّا {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه}, فإنما هو على "أنبّئكم بشرٍّ من ذلك حسباً" , و"بخيرٍ من ذلك حسبا", وقوله: {من لّعنه اللّه} موضع جرّ على البدل من قوله: {بشرٍّ}, ورفع على "هو من لعنه اللّه"). [معاني القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ ورضوان مّن اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد}
قوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ مّن ذالكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مّطهّرةٌ}, كأنه قيل لهم: "ماذا لهم"؟, و"ما ذاك"؟, فقيل: "هو كذا وكذا", وأمّا {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه}, فإنما هو على "أنبّئكم بشرٍّ من ذلك حسباً" و"بخيرٍ من ذلك حسبا", وقوله: {من لّعنه اللّه} موضع جرّ على البدل من قوله: {بشرٍّ}, ورفع على "هو من لعنه اللّه"). [معاني القرآن: 1/165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم اللّه جلّ وعزّ أن خيراً من جميع ما في الدنيا ما أعده لأوليائه , فقال:
{قل أؤنبّئكم بخير من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من اللّه واللّه بصير بالعباد (15)},
الرفع في {جنّات}:القراءة،
والخفض جائز على أن تكون {جنّات} بدلاً من خير المعنى : أؤنبئكم بجنات تجري من تحتها الأنهار, ويكون{للذين اتقوا عند ربهم} من تمام الكلام الأول.

ومعنى {وأزواج مطهرة} أي: مطهرة من الأدناس, ومطهرة مما يحتاج إليه نساء أهل الدنيا من الحيض, وغيره.
{ورضوان من اللّه}, أكثر القراءة كسر الراء, وروى أبو بكر بن عياش , عن عاصم:{ورضوان من اللّه } بضم الراء في كل القرآن، ويقال: رضيت الشيء أرضاه رضاً, ومرضاة, ورضواناً, ورضواناً). [معاني القرآن: 1/384-385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة} , وأزواج مطهرةً, أي: من الأدناس, والحيض). [معاني القرآن: 1/368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}
قيل: الصابرون الصائمون, ويقال: في شهر رمضان: شهر الصبر, والصحيح أن: الصابر هو الذي يصبر عن المعاصي, والقانتون لله: المصلون, والمنفقون: المتصدقون). [معاني القرآن: 1/368-369]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يقولون...}
إن شئت جعلته خفضاً نعتاً للذين اتقوا،
وإن شئت استأنفتها , فرفعتها إذ كانت آية وما هي نعت له آيةٌ قبلها, ومثله قول الله تبارك وتعالى: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} , فلمّا انقضت الآية قال:{التّائبون العابدون}، وهي في قراءة عبد الله :{التائبين العابدين}

وكذلك: {الصّابرين والصّادقين...}
موضعها خفض، ولو كانت رفعاً , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/198-199] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون} خفض صفة{للذين اتقوا}, المعنى: للمتقين القائلين: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16)}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف ؛ لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى {القانتين} أي: القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى, ومعنى {المنفقين}: المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر ,تريد : في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين.
فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله , والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم:يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يقولون...}
إن شئت جعلته خفضاً نعتاً للذين اتقوا،
وإن شئت استأنفتها, فرفعتها إذ كانت آي, ة وما هي نعت له آيةٌ قبلها, ومثله قول الله تبارك وتعالى: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} ,فلمّا انقضت الآية قال: {التّائبون العابدون}، وهي في قراءة عبد الله :{التائبين العابدين}

وكذلك: {الصّابرين والصّادقين...}
موضعها خفض، ولو كانت رفعاً لكان صواباً, وقوله: {والمستغفرين بالأسحار}, المصلّون بالأسحار، ويقول: الصلاة بالسحر أفضل مواقيت الصلاة.
أخبرنا محمد ابن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء , قال: حدثني شريك , عن السّدّي في قوله: {سوف أستغفر لكم ربّي} , قال: أخّرهم السحر). [معاني القرآن: 1/198-199]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والقانتين}: القانت المطيع). [مجاز القرآن: 1/89]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} , قال تعالى: {الصّابرين} إلى قوله: {بالأسحار} موضع جر على:{للّذين اتّقوا}, فجر بهذه اللام الزائدة). [معاني القرآن: 1/165-166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({القانتين}: المصلّين. و«القنوت» : يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل», {والمنفقين} يعني: المتصدقين). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون}: خفض صفة {للذين اتقوا}, المعنى للمتقين : القائلين.
{الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى {القانتين}: أي : القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى. ومعنى المنفقين : المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر, تريد: في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين, فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله, والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم : يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والقانتين}: المصلين، وأصله: الطاعة.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 03:10 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الذهب» أنثى؛ يقال: هي الذهب الحمراء، وربما ذكّر). [المذكور والمؤنث: 74]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (اه سما برجال تغلب من بعيد = يقودون المسومة العرابا
المسومة المعلمة). [نقائض جرير والفرزدق: 475]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عمرو بن العاص أن ابن الصعبة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير ذهب وفضة.
...
والقناطير: واحدها
قنطار وقد اختلف الناس في القنطار، فيروى عن معاذ أنه قال: ألف ومائتا أوقية، وعن غيره أنه قال: سبعون ألف دينار، وبعضهم يقول: ملء مسك ثور ذهبا). [غريب الحديث: 5/185-186]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال أبو العباس: قوله: "سيما الخسف"، قال: هكذا حدثوناه، وأظنه"سيم الخسف" يا هذا، من قول الله عز وجل: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} ومعنى قوله: سيما الخسف تأويله علامة، هذا أصل ذا، قال الله عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}، وقال عز وجل: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}

وقال أبو عبيدة في قوله عز وجل: {مُسَوِّمِينَ} " قال: معلمين واشتقاقه من السيما التي ذكرنا. ومن قال: {مُسَوَّمِينَ}، فإنما أراد مرسلين: من الإبل السائمة: أي المرسلة في مراعيها، وإنما أخذ هذا من التفسير. قال المفسرون في قوله تعالى: " {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ}، القولين جميعًا، مع العلامة والإرسال، وأما في قوله عز وجل: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} فلم يقولوا فيه إلا قولاً واحدًا، قالوا: "معلمة"، وكان عليها أمثال الخواتيم، ومن قال: "سيما" قصر. ويقال في هذا المعنى: سيمياء، ممدود، قال الشاعر:
غلام رماه الله بالحسن يافعًا... له سيمياء لا تشق على البصر). [الكامل: 1/31-33] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (



ثمت قمنا إلى جرد مسومةأعـرافـهــن لأيـديـنــا مـنــاديــل

...
وقوله: "مسومة" تكون على ضربين: أحدهما أن تكون معلمة، والثني أن تكون قد أسميت في المرعى، وهي ههنا معلمة، وقد مضى هذا التفسير). [الكامل: 2/676]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (


ثمت قمنا إلى جرد مسومةأعـرافـهــن لأيـديـنــا مـنــاديــل

الجرد: الخيل القصار الشعرة وذلك مدح لها، والمسومة: المعلمة وقوله لأيدينا مناديل كما قال امرؤ القيس:



نــمــش بــأعــراف الـجـيــاد أكـفـنــاإذا نحن قمنا عن شواء مضهب

ويقال: امشش إناءك، أي امسحه فألق فيه ترابًا، والمضهب والمعرص والملهوج سواء، وأنشد:



ومعرص تغلي المراجل تحتهعجلـت طبختـه لرهـط جـوع

غيره: المسومة والسومة العلامة). [شرح المفضليات: 285]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والنعم: الإبل خاصة، فإن اختلط بها غنمٌ جاز أن يقال: نعم، ولا يجوز أن يقال للغنم: وحدها: نعم، وجمع نعم: أنعام). [الأمالي: 2/133] (م)

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) }

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) }

تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 07:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب (14)}
قرأ جمهور الناس «زين» على بناء الفعل للمفعول ورفع «حبّ» على أنه مفعول لم يسم فاعله، وقرأ الضحاك ومجاهد «زين» على بناء الفعل للفاعل ونصب «حبّ» على أنه المفعول، واختلف الناس من المزين؟ فقالت فرقة: «الله زين ذلك» وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه قال لما نزلت هذه الآية: «قلت الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت: {قل أأنبّئكم بخيرٍ من ذلكم} [آل عمران: 15]»، وقالت فرقة: «المزين هو الشيطان»، وهذا ظاهر قول الحسن بن أبي الحسن، فإنه قال: «من زينها؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وإذا قيل زين الله، فمعناه بالإيجاد والتهيئة لانتفاع وإنشاء الجبلة عن الميل إلى هذه الأشياء، وإذا قيل زين الشيطان فمعناه بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. والآية تحتمل هذين النوعين من التزيين ولا يختلف مع هذا النظر». وهذه الآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توضيح لمعاصري محمد عليه السلام من اليهود وغيرهم، والشّهوات ذميمة واتباعها مرد وطاعتها مهلكة، وقد قال عليه السلام: «حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره» فحسبك أن النار حفت بها، فمن واقعها خلص إلى النار، وو القناطير جمع قنطار، وهو العقدة الكبيرة من المال، واختلف الناس في تحرير حده كم هو؟ فروى أبي بن كعب، عن النبي عليه السلام أنه قال: «القنطار ألف ومائتا أوقية»، وقال بذلك معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعاصم بن أبي النجود وجماعة من العلماء، وهو أصح الأقوال، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية، وقال ابن عباس والضحاك بن مزاحم والحسن بن أبي الحسن: «القنطار ألف ومائتا مثقال»، وروى الحسن ذلك مرفوعا عن النبي عليه السلام، قال الضحاك: «وهو من الفضّة ألف ومائتا»، وروي عن ابن عباس أنه قال: «القنطار من الفضّة اثنا عشر ألف درهم، ومن الذّهب ألف دينار»، وروي ذلك عن الحسن والضحاك وقال سعيد بن المسيب: «القنطار ثمانون ألفا»، وقال قتادة: «القنطار مائة رطل من الذّهب أو ثمانون ألف درهم من الفضّة»، وقال السدي: «القنطار ثمانية آلاف مثقال وهي مائة رطل، وقال مجاهد القنطار سبعون ألف دينار»، وروي ذلك عن ابن عمر، وقال أبو نضرة: «القنطار ملء مسك ثور ذهبا».
قال ابن سيده: «هكذا هو بالسريانية»، وقال الربيع بن أنس: «القنطار المال الكثير بعضه على بعض»، وحكى النقاش عن ابن الكلبي: «أن القنطار بلغة الروم ملء مسك ثور ذهبا»، وقال النقاش: «القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة لأنه جمع الجمع»، وهذا ضعف نظر وكلام غير صحيح، وقد حكى مكي نحوه عن ابن كيسان أنه قال: «لا تكون المقنطرة أقل من تسعة» وحكى المهدوي عنه وعن الفراء: «لا تكون المقنطرة أكثر من تسعة»، وهذا كله تحكم. قال أبو هريرة: «القنطار اثنا عشر ألف أوقية»، وحكى مكي قولا «إن القنطار أربعون أوقية ذهبا أو فضة»، وقاله ابن سيده في المحكم، وقال: «القنطار بلغة بربر ألف مثقال»، وروى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام في تفسير قوله تعالى: {وآتيتم إحداهنّ قنطاراً} [النساء: 20] قال: «ألف دينار» ذكره الطبري، وحكى الزجاج أنه قيل: «إن القنطار هو رطل ذهبا أو فضة وأظنها وهما، وإن القول مائة رطل فسقطت مائة للناقل، والقنطار إنما هو اسم المعيار الذي يوزن به، كما هو الرطل والربع، ويقال لما بلغ ذلك الوزن هذا قنطار أي يعدل القنطار»، والعرب تقول: قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار، وقال الزجاج: «القنطار مأخوذ من عقد الشيء وأحكامه والقنطرة المعقودة نحوه، فكأن القنطار عقدة مال».
واختلف الناس في معنى قوله: المقنطرة فقال الطبري: «معناه المضعفة»، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع، وقد تقدم ذكر هذا النظر، وقال الربيع: «معناه المال الكثير بعضه فوق بعض»، وقال السدي: «معنى المقنطرة، المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم»، وقال مكي: «المقنطرة المكملة»، والذي أقول: إنها إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا، فذلك أشهى في أمره وذلك أنك تقول في رجل غني من الحيوان والأملاك: فلان صاحب قناطير مال أي لو قومت أملاكه لاجتمع من ذلك ما يعدل قناطير، وتقول في صاحب المال الحاضر العتيد هو صاحب قناطير مقنطرة أي قد حصلت كذلك بالفعل بها، أي قنطرت فهي مقنطرة، وذلك أشهى للنفوس وأقرب للانتفاع وبلوغ الآمال. وقد قال مروان بن الحكم: «ما المال إلا ما حازته العياب»، وإذا كان هذا فسواء كان المال مسكوكا، أو غير مسكوك، أما أن المسكوك أشهى لما ذكرناه، ولكن لا تعطي ذلك لفظة المقنطرة.
والخيل: جمع خائل عند أبي عبيدة، سمي بذلك الفرس لأنه يختال في مشيه فهو كطائر وطير، وقال غيره: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، واختلف المفسرون في معنى المسوّمة فقال سعيد بن جبير وابن عباس وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى والحسن والربيع ومجاهد: «معناه الراعية في المروج والمسارح تقول: سامت الدابة أو الشاة إذا سرحت وأخذت سومها من الرعي أي غاية جهدها ولم تقصر عن حال دون حال»، وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «في سائمة الغنم الزكاة» ومنه قوله عز وجل: {فيه تسيمون} [النحل: 10] وروي عن مجاهد أنه قال: «المسوّمة معناه المطهمة الحسان»، وقاله عكرمة، سومها الحسن، وروي عن ابن عباس أنه قال: «المسوّمة معناه المعلمة، شيات الخيل في وجوهها» وقاله قتادة، ويشهد لهذا القول بيت لبيد:
وغداة قاع القرنتين أتينهم ....... زجلا يلوح خلالها التّسويم
وأما قول النابغة:
بسمر كالقداح مسوّمات ....... عليها معشر أشباه جنّ
فيحتمل أن يريد المطهمة الحسان، ويحتمل أن يريد المعلمة بالشيات ويحتمل أن يريد المعدة، وقد فسر الناس قوله تعالى: {مسوّمةً عند ربّك} [هود: 83] بمعنى معدة، وقال ابن زيد في قوله تعالى: {والخيل المسوّمة} معناه: «المعدة للجهاد».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق:«قوله: للجهاد ليس من تفسير اللفظة»، والأنعام الأصناف الأربعة: الإبل والبقر والضأن والمعز والحرث هنا اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به، تقول: حرث الرجل إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة فيقع اسم الحرث على زرع الحبوب وعلى الجنات وغير ذلك من أنواع الفلاحة. وقوله تعالى: {إذ يحكمان في الحرث} [الأنبياء: 78] قال جمهور المفسرين، كان كرما، والمتاع ما يستمتع به وينتفع مدة ما منحصرة، والمآب المرجع، تقول: آب الرجل يؤوب، ومنه قول الشاعر:
رضيت من الغنيمة بالإياب
وقول الآخر:
... ... ... ... ....... إذا ما القارظ العنزيّ آبا
وقول عبيد:
... ... ... ... ....... وغائب الموت لا يؤوب
وأصل مآب مأوب، نقلت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف، مثل مقال، فمعنى الآية تقليل أمر الدنيا وتحقيرها، والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة، وفي قوله: {زيّن للنّاس} تحسر ما على نحو ما في قول النبي عليه السلام: «تتزوج المرأة لأربع»- الحديث- وقوله تعالى: {قل أأنبّئكم} [آل عمران: 15] بمثابة قول النبي عليه السلام: «فاظفر بذات الدين» ). [المحرر الوجيز: 2/ 170-175]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قل أأنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد (15)}
في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها، وذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها، ثم جاء الإنباء بخير من ذلك، هازا للنفوس وجامعا لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل، وأنبئ: معناه أخبر، وذهبت فرقة من الناس إلى أن الكلام الذي أمر النبي عليه السلام بقوله تم في قوله تعالى: {عند ربّهم} و{جنّاتٌ} على هذا مرتفع بالابتداء المضمر تقديره: ذلك جنات، وذهب آخرون إلى أن الكلام تم في قوله: {من ذلكم} وأن قوله: {للّذين} خبر متقدم، و{جنّاتٌ} رفع بالابتداء، وعلى التأويل الأول يجوز في جنّاتٌ الخفض بدلا من خير، ولا يجوز ذلك على التأويل الثاني، والتأويلان محتملان، وقوله: {من تحتها} يعني من تحت أشجارها وعلوها من الغرف ونحوها وخالدين نصب على الحال، وقوله: {وأزواجٌ} عطف على الجنات وهو جمع زوج وهي امرأة الإنسان، وقد يقال زوجة، ولم يأت في القرآن، و{مطهّرةٌ}، معناه من المعود في الدنيا من الأقذار والريب وكل ما يصم في الخلق والخلق، ويحتمل أن يكون الأزواج الأنواع والأشباه، والرضوان، مصدر من الرضى وفي الحديث عن النبي عليه السلام: «أن أهل الجنة إذا استقروا فيها وحصل لكل واحد منهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الله لهم: أتريدون أن أعطيكم ما هو أفضل من هذا؟ قالوا يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول الله تعالى: «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا»، هذا سياق الحديث، وقد يجيء مختلف الألفاظ والمعنى قريب بعضه من بعض، وفي قوله تعالى: {واللّه بصيرٌ بالعباد} وعد ووعيد). [المحرر الوجيز: 2/ 175-176]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16) الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (17)}
{الّذين} بدل من {للذين اتقوا} [آل عمران: 15]، فسر في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات، ويحتمل أن يكون إعراب قوله: {الّذين} في هذه الآية رفعا على القطع وإضمار الابتداء ويحتاج إلى القطع وإضمار فعل في قوله: {الصّابرين} والخفض في ذلك كله على البدل أوجه. ويجوز في الّذين، وما بعده النصب على المدح؟). [المحرر الوجيز: 2/ 176-177]

تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والصبر في هذه الآية معناه على الطاعات وعلى المعاصي والشهوات، والصدق معناه في الأقوال والأفعال، والقنوت، الطاعة والدعاء أيضا وبكل ذلك يتصف المتقي، والإنفاق معناه في سبيل الله ومظان الأجر كالصلة للرحم وغيرها، ولا يختص هذا الإنفاق بالزكاة المفروضة، والاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى، وخص تعالى السحر لما فسر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول، من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر».
وروي في تفسير قول يعقوب عليه السلام: سوف أستغفر لكم ربي، أنه أخر الأمر إلى السحر، وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: «سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد يقول: رب أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي، فنظرت فإذا ابن مسعود»، وقال أنس بن مالك: «أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة» ، وقال نافع: «كان ابن عمر يحيي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع آسحرنا؟ فأقول- لا- فيعاود الصلاة ثم يسأل، فإذا قلت نعم قعد يستغفر»، فلفظ الآية إنما يعطي طلب المغفرة، وهكذا تأوله من ذكرناه من الصحابة، وقال قتادة: «المراد بالآية المصلون بالسحر»، وقال زيد بن أسلم: «المراد بها الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة وهذا كله يقترن به الاستغفار، والسحر والسحر، بفتح الحاء وسكونها آخر الليل»، قال الزجاج وغيره: «هو قبل طلوع الفجر»، وهذا صحيح لأن ما بعده الفجر هو من اليوم لا من الليلة، وقال بعض اللغويين: السحر من ثلث الليل الآخر إلى الفجر.
قال الفقيه الإمام: والحديث في التنزل وهذه الآية في الاستغفار يؤيدان هذا، وقد يجيء في أشعار العرب ما يقتضي أن حكم السحر يستمر فيما بعد الفجر نحو قول امرئ القيس:
يعلّ به برد أنيابها ....... إذا غرّد الطّائر المستحر
يقال: أسحر واستحر إذا دخل في السحر، وكذلك قولهم: نسيم السحر، يقع لما بعد الفجر، وكذلك قول الشاعر: ربيع بن زياد
تجد النساء حواسرا يندبنه ....... قد قمن قبل تبلج الأسحار
فقد قضى أن السحر يتبلج بطلوع الفجر، ولكن حقيقة السحر في هذه الأحكام الشرعية من الاستغفار المحمود، ومن سحور الصائم، ومن يمين لو وقعت إنما هي من ثلث الليل الباقي إلى السحر). [المحرر الوجيز: 2/ 177-178]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب (14) قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد (15) }
يخبر تعالى عمّا زيّن للنّاس في هذه الحياة الدّنيا من أنواع الملاذ من النّساء والبنين، فبدأ بالنّساء لأنّ الفتنة بهنّ أشدّ، كما ثبت في الصّحيح أنّه، عليه السّلام، قال: «ما تركت بعدي فتنةً أضرّ على الرّجال من النّساء». فأمّا إذا كان القصد بهنّ الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوبٌ مرغوبٌ فيه مندوبٌ إليه، كما وردت الأحاديث بالتّرغيب في التّزويج والاستكثار منه، «وإنّ خير هذه الأمّة كان أكثرها نساءً» وقوله عليه السّلام: «الدّنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصّالحة، إن نظر إليها سرّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله»وقوله في الحديث الآخر: «حبّب إليّ النّساء والطّيب وجعلت قرة عيني في الصّلاة» وقالت عائشة، رضي اللّه عنها: «لم يكن شيءٌ أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من النّساء إلّا الخيل»، وفي روايةٍ: «من الخيل إلّا النّساء».
وحبّ البنين تارةً يكون للتّفاخر والزّينة فهو داخلٌ في هذا، وتارةً يكون لتكثير النّسل، وتكثير أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ممّن يعبد اللّه وحده لا شريك له، فهذا محمودٌ ممدوحٌ، كما ثبت في الحديث: «تزوّجوا الودود الولود، فإنّي مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة»
وحبّ المال -كذلك-تارةً يكون للفخر والخيلاء والتّكبّر على الضّعفاء، والتّجبّر على الفقراء، فهذا مذمومٌ، وتارةً يكون للنّفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البرّ والطّاعات، فهذا ممدوحٌ محمودٌ عليه شرعًا.
وقد اختلف المفسّرون في مقدار القنطار على أقوالٍ، وحاصلها: «أنّه المال الجزيل»، كما قاله الضّحّاك وغيره، وقيل: ألف دينارٍ. وقيل: ألفٌ ومائتا دينارٍ. وقيل: اثنا عشر ألفًا. وقيل: أربعون ألفًا. وقيل: ستّون ألفًا وقيل: سبعون ألفًا. وقيل: ثمانون ألفًا. وقيل غير ذلك.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «القنطار اثنا عشر ألف أوقيّةٍ، كلّ أوقيّةٍ خير ممّا بين السّماء والأرض».
وقد رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، عن حماد ابن سلمة، به. وقد رواه ابن جريرٍ عن بندار، عن ابن مهديٍّ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ -هو ابن بهدلة-عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة موقوفًا، وهذا أصحّ. وهكذا رواه ابن جريرٍ عن معاذ بن جبلٍ وابن عمر. وحكاه ابن أبي حاتمٍ، عن أبي هريرة وأبي الدّرداء، أنّهم قالوا: «القنطار ألفٌ ومائتا أوقيّةٍ».
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثني زكريّا بن يحيى الضّرير، حدّثنا شبابة، حدّثنا مخلد بن عبد الواحد، عن عليّ بن زيدٍ، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن زرّ بن حبيش عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «القنطار ألف أوقيّةٍ ومائتا أوقيّةٍ».
وهذا حديثٌ منكرٌ أيضًا، والأقرب أن يكون موقوفًا على أبيّ بن كعبٍ، كغيره من الصّحابة. وقد روى ابن مردويه، من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن محمّد بن إبراهيم عن يحنّش أبي موسى، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من قرأ مائة آيةٍ لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آيةٍ إلى ألف أصبح له قنطار من أجرٍ عند اللّه، القنطار منه مثل الجبل العظيم». ورواه وكيع، عن موسى بن عبيدة، بمعناه وقال الحاكم في مستدركه: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عيسى بن زيدٍ اللّخميّ بتنّيس حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، حدّثنا حميد الطّويل، ورجلٌ آخر، عن أنس بن مالكٍ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه، عزّ وجلّ: {والقناطير المقنطرة} قال: «القنطار ألفا أوقيّةٍ». صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه، هكذا رواه الحاكم.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ بلفظٍ آخر فقال: حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن الرّقّي، حدثنا عمرو ابن أبي سلمة، حدّثنا زهيرٌ -يعني ابن محمّدٍ-حدّثنا حميدٌ الطّويل ورجلٌ آخر قد سمّاه-يعني يزيد الرّقاشي-عن أنسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: قنطارٌ، يعني: «ألف دينارٍ». وهكذا رواه ابن مردويه، ورواه الطّبرانيّ، عن عبد اللّه بن محمّد بن أبي مريم، عن عمرو بن أبي سلمة، فذكر بإسناده مثله سواءً.
وروى ابن جريرٍ عن الحسن البصريّ مرسلًا عنه وموقوفًا عليه: «القنطار ألفٌ ومائتا دينارٍ». وكذا رواه العوفي عن ابن عبّاسٍ.
وقال الضّحّاك: «من العرب من يقول: القنطار ألف دينارٍ. ومنهم من يقول: اثنا عشر ألفًا».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عارم، عن حمّاد، عن سعيدٍ الجريري عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، قال: «القنطار ملء مسك الثّور ذهبًا». قال أبو محمّدٍ: ورواه محمّد بن موسى الحرشيّ، عن حمّاد بن زيدٍ، مرفوعًا. والموقوف أصحّ.
وحبّ الخيل على ثلاثة أقسامٍ، تارةً يكون ربطها أصحابها معدّة لسبيل اللّه تعالى، متى احتاجوا إليها غزوا عليها، فهؤلاء يثابون. وتارةً تربط فخرًا ونواءً لأهل الإسلام، فهذه على صاحبها وزر. وتارةً للتّعفّف واقتناء نسلها. ولم ينس حقّ اللّه في رقابها، فهذه لصاحبها ستر، كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء اللّه تعالى عند قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم} [الأنفال: 60].
وأمّا {المسوّمة} فعن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: «المسوّمة الرّاعية، والمطهّمة الحسان»، وكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وعبد الرّحمن بن عبد اللّه بن أبزى، والسّدّي، والرّبيع بن أنسٍ، وأبي سنان وغيرهم. وقال مكحولٌ: «المسوّمة: الغرّة والتّحجيل». وقيل غير ذلك.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن سويد بن قيسٍ، عن معاوية بن حديج، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس من فرسٍ عربي إلّا يؤذن له مع كلّ فجر يدعو بدعوتين، يقول: اللّهمّ إنّك خوّلتني من خوّلتني منبني آدم، فاجعلني من أحبّ ماله وأهله إليه، أو أحب أهله وماله إليه».
وقوله: {والأنعام} يعني: الإبل والبقر والغنم {والحرث} يعني: الأرض المتّخذة للغراس والزّراعة.
قال الإمام أحمد: حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا أبو نعامة العدويّ، عن مسلم بن بديل عن إياس بن زهيرٍ، عن سويد بن هبيرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «خير مال امرئٍ له مهرة مأمورة، أو سكّة مأبورة» المأمورة الكثيرة النّسل، والسّكّة: النّخل المصطفّ، والمأبورة: الملقّحة.
ثمّ قال تعالى: {ذلك متاع الحياة الدّنيا} أي: إنّما هذا زهرة الحياة الدّنيا وزينتها الفانية الزّائلة {واللّه عنده حسن المآب} أي: حسن المرجع والثّواب.
وقد قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدٍ قال: قال عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: لمّا أنزلت: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات} قلت: «الآن يا ربّ حين زيّنتها لنا فنزلت: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار}».
ولهذا قال تعالى: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 19-22]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولهذا قال تعالى: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم} أي: قل يا محمّد للنّاس: أأخبركم بخيرٍ ممّا زيّن للنّاس في هذه الحياة الدّنيا من زهرتها ونعيمها، الّذي هو زائلٌ لا محالة. ثمّ أخبر عن ذلك، فقال: {للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار} أي: تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار، من أنواع الأشربة؛ من العسل واللّبن والخمر والماء وغير ذلك، ممّا لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ.
{خالدين فيها} أي: ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا.
{وأزواجٌ مطهّرةٌ} أي: من الدّنس، والخبث، والأذى، والحيض، والنّفاس، وغير ذلك ممّا يعتري نساء الدّنيا.
{ورضوانٌ من اللّه} أي: يحلّ عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم بعده أبدًا؛ ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى الّتي في براءةٌ: {ورضوانٌ من اللّه أكبر} [التّوبة: 72] أي: أعظم ممّا أعطاهم من النعيم المقيم، ثمّ قال تعالى {واللّه بصيرٌ بالعباد} أي: يعطي كلًّا بحسب ما يستحقّه من العطاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 22-23]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16) الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (17) }
يصف تعالى عباده المتّقين الّذين وعدهم الثّواب الجزيل، فقال تعالى: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا} أي: بك وبكتابك وبرسولك {فاغفر لنا ذنوبنا} أي بإيماننا بك وبما شرعته لنا فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك {وقنا عذاب النّار} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 23]

تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {الصّابرين} أي: في قيامهم بالطّاعات وتركهم المحرّمات {والصّادقين} فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشّاقّة {والقانتين} والقنوت: الطّاعة والخضوع {والمنفقين} أي: من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطّاعات، وصلة الأرحام والقرابات، وسدّ الخلات، ومواساة ذوي الحاجات {والمستغفرين بالأسحار} دلّ على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار.
وقد قيل: إنّ يعقوب، عليه السّلام، لمّا قال لبنيه: {سوف أستغفر لكم ربّي} [يوسف:98] أنّه أخّرهم إلى وقت السّحر. وثبت في الصّحيحين وغيرهما من المساند والسّنن، من غير وجهٍ، عن جماعةٍ من الصّحابة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ينزل اللّه تبارك وتعالى في كلّ ليلةٍ إلى سماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟» الحديث وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدّارقطنيّ في ذلك جزءًا على حدةٍ فرواه من طرقٍ متعدّدةٍ.
وفي الصّحيحين، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: «من كلّ اللّيل قد أوتر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، من أوله وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السّحر».
وكان عبد اللّه بن عمر يصلّي من اللّيل، ثمّ يقول: «يا نافع، هل جاء السّحر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدّعاء والاستغفار حتّى يصبح». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبي، عن حريث بن أبي مطرٍ، عن إبراهيم بن حاطبٍ، عن أبيه قال: «سمعت رجلًا في السّحر في ناحية المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحرٌ، فاغفر لي. فنظرت فإذا ابن مسعودٍ»، رضي اللّه عنه.
وروى ابن مردويه عن أنس بن مالكٍ قال: «كنّا نؤمر إذا صلّينا من اللّيل أن نستغفر في آخر السّحر سبعين مرّةً» ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 23-24]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة