التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({شرع لكم مّن الدّين ما وصّى به نوحاً والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه اللّه يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}
قال: {أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه} على التفسير كأنه قال: هو أن أقيموا الدين على البدل). [معاني القرآن: 4/10]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه اللّه يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}
روي في التفسير أن أول من أتى بتحريم البنات, والأخوات, والأمهات نوح.
{والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى}: أي: وشرع لكم ما وصى به إبراهيم, وموسى, وعيسى.
وقوله عزّ وجل: {أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه}
تفسير قوله: {ما وصى به إبراهيم}, وموضع "أن" يجوز أن يكون نصبا, ورفعا, وجرّا.
فالنصب على معنى شرع لكم أن أقيموا الدّين, والرفع على معنى هو أن أقيموا الدّين، والجر على البدل من الباء، والجر أبعد هذه الوجوه، وجائز أن يكون أن أقيموا الدّين تفسيرا لما وصى به نوحا, ولقوله: {والذي أوحينا إليك}, ولقوله: {وما وصينا به إبراهيم}
فيكون المعنى: شرع لكم ولمن قبلكم إقامة الدّين وترك الفرقة، وشرع الاجتماع على اتباع الرسل). [معاني القرآن: 4/395-396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك}
قال أبو العالية: الذي وصى به نوحا الإخلاص لله, وعبادته لا شريك له
وقال مجاهد: وصى نوحا, ووصاك, ووصى الأنبياء كلهم دينا واحدا.
وقال الحكم: جاء نوح بالشريعة بتحريم الأمهات, والبنات, والأخوات.
وقال قتادة: جاء نوح بالشريعة بتحليل الحلال, وتحريم الحرام.
قال أبو جعفر: قول أبي العالية, ومجاهد بين لأن الإسلام, والإخلاص دين جميع الأنبياء, والشرائع مختلفة.
قوله جل وعز: {وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}
قال أبو العالية: ولا تتفرقوا, أي: لا تتعادوا, وكونوا إخوانا.
قال قتادة: فأخبر أن الهلكة في التفرق, وأن الألفة في الاجتماع.
ثم قال جل وعز: {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}
قال قتادة: أكبروا, واشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله وحده, وضاق بها إبليس وجنوده, فأبى الله جل وعز إلا أن ينصرها, ويفلجها, ويظهرها على من ناوأها.
ثم قال جل وعز: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}
قال أبو العالية: يخلصه من الشرك, ولا يكون الاجتباء إلا من الشرك.
وقال مجاهد: {يجتبي}: يخلص). [معاني القرآن: 6/298-301]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وما تفرّقوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم}: نصبها على مجاز نصب المصادر). [مجاز القرآن: 2/199]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وما تفرّقوا إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم وإنّ الّذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شكّ منه مريب} أي: وما تفرق أهل الكتاب إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة , ولكنهم فعلوا ذلك بغيا, أي: للبغي.
وقوله:{ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم}: أي لجوزوا بأعمالهم، والكلمة هي تأجيله الساعة، يدل على ذلك قوله: {بل السّاعة موعدهم}). [معاني القرآن: 4/396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم}
المعنى: وما تفرقوا إلا من أجل البغي من بعد ما جاءهم العلم القرآن, والدلالات على صحة نبوة محمد عليه السلام, وقوله جل وعز: {ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم}
قال مجاهد: أخروا إلى يوم القيامة). [معاني القرآن: 6/301-302]
تفسير قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلذلك فادع واستقم...}: أي: فلهذا القرآن , ومثله كثير في القرآن، قد ذكرناه، هذا في موضع ذلك، وذلك في موضع هذا، والمعنى: فإلى ذلك فادع, كما تقول دعوت إلى فلان، ودعوت لفلان). [معاني القرآن: 3/22]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتابٍ وأمرت لأعدل بينكم اللّه ربّنا وربّكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجّة بيننا وبينكم اللّه يجمع بيننا وإليه المصير}
وقال: {وأمرت لأعدل بينكم}: أي: أمرت كي أعدل). [معاني القرآن: 4/10]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتاب وأمرت لأعدل بينكم اللّه ربّنا وربّكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجّة بيننا وبينكم اللّه يجمع بيننا وإليه المصير}
{فلذلك فادع واستقم كما أمرت}: معناه, فإلى ذلك فادع واستقم, أي: إلى إقامة الدّين: {فادع واستقم كما أمرت ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتاب}
أي: آمنت بكتب اللّه كلّها، لأن الذين تفرقوا آمنوا ببعض الكتب, وكفروا ببعض). [معاني القرآن: 4/396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت}, مؤخر ينوى به التقديم.
والمعنى: كبر على المشركين ما تدعوهم إليه, فلذلك فادع, واستقم كما أمرت.
{فلذلك} أي: فإلى ذلك, أي: فإلى إقامة الدين، كما قال: أوحى لها القرار, فاستقرت, أي: أوحى إليها). [معاني القرآن: 6/302-303]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة}
قال مجاهد: أي: من بعد ما أسلم الناس, قال: وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود.
وقال قتادة: الذين حاجوا في الله من بعد ما استجيب له اليهود والنصارى, قالوا: نبينا قبل نبيكم, وديننا قبل دينكم ونحن خير منكم). [معاني القرآن: 6/303-304]