تفسير قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأمّا ترك التنوين في سبحان فإنما ترك صرفه لأنه صار عندهم معرفةً وانتصابه كانتصاب الحمد لله.
وزعم أبو الخطّاب أنّ مثله قولك للرجل سلاماً تريد تسلّماً منك كما قلت براءةً منك تريد لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أنّ أبا ربيعة كان
يقول إذا لقيت فلانا فقل له سلاماً. فزعم أنه سأله ففسّره له بمعنى براءةً منك. وزعم أنّ هذه الآية: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} بمنزلة ذلك لأنّ الآية فيما زعم مكّيّةٌ ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنّه على قولك براءة منكم وتسلّما لا خير بيننا وبينكم ولا شرّ). [الكتاب: 1/324-325]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما جرى مجرى المصادر وليس بمتصرف من فعل
فمن ذلك: سبحان الله، ومعاذ الله، وقولهم: أفةً، وتفةً، وويلا لزيد، وويحا له، وسلامٌ على زيد، وويلٌ لزيد، وويحٌ له، وتربا له. كل هذا معناه في النصب واحدٌ، ومعناه في الرفع واحد. ومنه ما لا يلزمه إلا النصب، ومنه ما لا يجوز فيه إلا الرفع لعلل نذكرها إن شاء الله. ومنه قولك: مرحبا، وأهلاً وسهلاً، وويلةً، وعولةً. فأما قولهم: سبحان الله فتأويله: براءة الله من السوء، وهو في موضع المصدر، وليس منه فعل. فإنما حده الإضافة إلى الله - عز وجل - وهو معرفة. وتقديره، إذا مثلته فعلاً: تسبيحاً لله. فإن حذفت المضاف إليه من سبحان لم ينصرف؛ لأنه معرفة، وإنما نكرته بالإضافة؛ ليكون معرفة بالمضاف إليه. فأما قول الشاعر:
سبحانه ثم سبحاناً نعوذ بـه = وقبلنا سبح الجودي والجمد
في رواية: نعوذ به. فإنما نون مضطراً، ولو لم يضطر لكان كقول الآخر:
أقول لما جاءني فخـره = سبحان من علقمة الفاخر
فهذا في موضع: براءةً منه. ومعاذ الله كذلك لا يكون إلا مضافاً. وتقديره تقدير: عياذ الله، أي: عذت بالله عياذاً. فهذا موضع هذا. ومثل ذلك: حجرة،إنما معناه: حراماً. فهو في موضعه لو تكلمي به. فمن ذلك قول الله عز وجل: {حجراً محجوراً} أي: حراماً محرماً. وأما قولهم: مرحباً وأهلاً، فهو في موضع قولهم: رحبت بلادك رحبا، وأهلت أهلا، ومعناه: الدعاء. يقول: صادفت هذا. ولو قلت: حجرٌ، ومرحبٌ، لصلح، تريد: أمرك هذا. وأما سبحان وما كان مثله مما لا يكون إلا مضافاً، فلا يصلح فيه إلا النصب. وهذا البيت ينشد على وجهين: على الرفع والنصب وهو:
وبالسهب ميمون النقـيبة قـولـه = لملتمس المعروف: أهلٌ ومرحب
وقال الآخر:
إذا جئت بواباً له قال: مرحبـاً = ألا مرحبٌ واديك غير مضيق
فأما قولهم: سلاماً، وسلامٌ يا فتى، فإن معناه: المبارأة والمتاركة. فمن قال: لا تكن من فلان إلا سلامٌ بسلام فمعناه: لا تكن إلا وأمرك وأمره المتاركة والمبارأة، وإنما رفعت؛ لأنك جعلته ابتداءً وخبراً في موضع خبر كان. ولو نصبته كان جيداً بالغاً. فمن ذلك قوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} تأويله: المتاركة، أي: لا خير بيننا وبينكم ولا شر). [المقتضب: 3/217-219] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو كان فعل لا يقع بعده الحكاية لم يجز أن يكون إلى جانب قام.
لو قلت: ضربت قام زيد، وما أشبهه لم يجز في معنى ولا لفظ.
نحو ذلك قول الله عز وجل: {إلا قالوا ساحر أو مجنون} وقال: {أم يقولون شاعر نتربص به} {وقالوا مجنون وازدجر} فهذا كله على الحكاية، والابتداء هو ولكنها محذوفة في القرآن لعلم المخاطب.
أما قوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} فإنما انتصب؛ لأنه مصدر عمل فيه فعله لا القول. والمعنى والله أعلم: وقالوا: سلمنا سلاماً، وتفسيره: تسلمنا منكم تسلماً، وبرئنا براءة؛ لأنهم لم يؤمروا أن يسلموا على المشركين إذ ذاك، والآية مكية. ونظيرها: لا تكن من فلان إلا سلاماً بسلام، أي: متاركاً مبارئاً.
ولو قلت: قلت حقاً، أو قال زيد باطلاً لأعملت القول؛ لأنك لم تحك شيئاً. إنما أعملت القول في ترجمة كلامه.
ألا ترى أنه إذا قال: لا إله إلا الله. قيل له: قلت حقاً، وهو لم يلفظ. بالحاء والقاف. إنما هذا معنى ما قال.
ومثل ذلك قول الله {إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً}). [المقتضب: 4/79] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) }
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) }
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) }
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال:
نواعمُ لم تَسْمَع نُبوحَ مُقامةٍ
والمُقَامَة: التي يقيم فيها الناس لا يبرحون). [كتاب الجيم: 3/68]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال البعيث:
...
...
وذاك الفراق لا فراق ظعائن = لهن بذي القرحى مَقَام ومحتمل
...
و«المَقَام» بفتح الميم حيث تقوم. و«المَقَامَة»: المجلس. و«المَقَام»: المنزل. قال الأصمعي: «المجلس»: القَوْمَ. وأنشد:
واستب بعدك يا كليب المجلس
قال أبو حاتم: «مُقَامٌ» بالضم.
...
و«المَقَامُ»: بالفتح مأخوذ من قُمْت مَقاما. والمُقام من أقمت وهذا أحب إلي. قال الله تعالى: {ساءت مستقرا ومقاما} ). [النوادر في اللغة: 203-205]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن كان المصدر لفعل على أكثر من ثلاثة كان على مثال المفعول؛ لأن المصدر مفعول. وكذلك إن بنيت من الفعل اسماً لمكان أو زمان، كان كل واحد منهما على مثال المفعول. لأن الزمان والمكان مفعول فيهما. وذلك قولك في المصادر: أدخلته مدخلاً، كما قال عز وجل: {أنزلني منزلاً مباركاً} و{باسم الله مجريها ومرساها}.
و كذلك: سرحته مسرحاً، وهذا مسرحنا؛ أي في موضع تسريحنا، وهذا مقامنا؛ لأنك تريد به المصدر والمكان من أقمت. وعلى ذلك قال الله عز وجل: {إنها ساءت مستقراً ومقاماً} لأنها من أقمت. وقال: {يا أهل يثرب لا مقام لنا} لأنها من قمت. موضع قيام ومن قرأ لا مقام إنما يريد: لا إقامة.
قال الشاعر:
ألم تعلم مسرحي القوافي = فلا عياً بهن ولا اجتلابا
أي تسريحي. وقال الآخر:
وما هي إلا في إزار وعلـقةٍ = مغار بن همامٍ على حي خثعما
أي وقت إغارة ابن همام.
وهذا أوضح من أن يكثر فيه الاحتجاج؛ لأن المصدر هو المفعول الصحيح؛ ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيداً، أنك لم تفعل زيداً وإنما فعلت الضرب، فأوصلته إلى زيد، وأوقعته به، لأنك إنما أوقعت به فعلك. فأما قول الله عز وجل: {وجعلنا النهار معاشاً} فمعناه: عيشاً، ثم قال: {ويسألونك عن المحيض} أي الحيض. فكان أحد المصدرين على مفعل والآخر على مفعل.
وقوله عز وجل: {سلامٌ هي حتى مطلع الفجر}.
ومطلع الفجر وما أشبه هذا فله باب يذكر فيه إن شاء الله). [المقتضب: 2/118-120] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "إلا جديب المقيد"، يقال: بلد جدبٌ وجديبٌ، وخصب وخصيب، والأصل في النعت خصيبٌ ومخصبٌ، وجديبٌ ومجدب، والخصب والجدب إنما هما ما حل فيه، وقيل: خصيبٌ وأنت تريد مخصب، وجديبٌ وأنت تريد مجدبٌ، كقولك: عذاب أليم وأنت تريده مؤلم، قال ذو الرمة:
ونرفع من صدور شمردلاتٍ = يصك وجوهها وهج أليم
ويقال: رجل سميع، أي مسمعٌ، قال عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع = يؤرقني وأصحابي هجوع
وأما قوله: "المقيد" فهو موضع التقييد: وكل مصدر زيدت الميم في أوله إذا جاوزت الفعل من ذوات الثلاثة فهو على وزن المفعول، وكذلك إذا أردت اسم الزمان واسم المكان، تقول: أدخلت زيدًا مدخلاً كريمًا. وسرحته مسرحًا حسنًا، واستخرجت الشيء مستخرجًا، قال جرير:
ألم تعلم مسرحي القوافي = فلا عيًا بهن ولا اجتلابا
أي تسريحي، وقال عز وجل: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا} ويقال: قمت مقامًا، وأقمت مقامًا وقال عز وجل: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} أي موضع، وقال الشاعر:
وما هي إلا في إزارة وعلقةٍ = مغار ابن همام على حي خثعما
يريد زمن إغارة ابن همام). [الكامل: 1/260-262] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) )
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال العوام: تقول: أكلت طعاما ما كان له قَوام أي جزء. وهذا الطعام قَوامهم.
والقِوامُ: رأي القوم وسيدهم.
تَقَولُ: وهو قِوامهم.
والقَوام: ما يعيشهم. وقال الله عز وجل: {وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَواماً} ). [كتاب الجيم: 3/75]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الاقتصاد في الإنفاق والإعطاء
قال اللّه عز وجل: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط}، وقال عز وجل: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا}.
حدّثني أحمد بن الخليل عن مسلم بن إبراهيم عن سكين بن عبد العزيز بن مسلم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " ما عال مقتصدٌ ".
وحدّثني أيضا عن مسلم قال: حدّثنا أبو قدامة الحارث بن عبيد قال: حدّثنا برد بن سنان عن الزهري قال: قال أبو الدرداء: حسن التقدير في المعيشة أفضل من نصف الكسب، ولقط حبا منثورًا وقال: إن فقه الرجل رفقه في معيشته). [عيون الأخبار: 3/331] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألت الخليل عن .....
وسألته عن قوله جل وعز: {ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة} فقال هذا كالأول لأن مضاعفة العذاب هو لقي الآثام). [الكتاب: 3/87]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ونقول في مسائل طوال يمتحن بها المتعلمون
"من يأته من إن يأتنا نأته عامدين تأت يكرمك".
إن رفعت يكرمك فالمسألة جيدة. لأن تقديرها: من يأته زيد يأت في حال إكرامه لك. والأجود أن تقول: تأته يكرمك، لتشغل الفعل بالمفعول إذ كان خبراً. والحذف جائز وليس بجيد. وقولك: من إن يأتنا نأته اسم واحد بمنزلة زيد.
و لو جزمت يكرمك على البدل لم يصلح إن أبدلته من تأت؛ لأن يكرمك لغيرك. فإن جعلته بدلاً من شيء في الصلة لم يصلح، لخروجه عنها. ولكن لو قلت: إن تأتني أعطك أحسن إليك جاز وكان حسناً؛ لأن العطية إحسان. فلذلك أبدلته منه. ومثل ذلك قوله عز وجل: {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب}؛ لأن لقي الأثام هو تضعيف العذاب. وكذلك قول الشاعر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنـا = تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
لأن الإتيان إلمام). [المقتضب: 2/61-62]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والأثام: الهلاك، قال الله عز ذكره: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}، ثم فسر فقال: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}. فجزم "يضاعف" لأنه بدل من قوله: "يلق أثاما" إذا كان إياه في المعنى، وأنشدني أبو عبيدة:
جزى الله ابن عروة إذ لحقنا = عقوقًا والعقوق من الأثام).
[الكامل: 2/920-921]
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) )
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( قال أبو عبيدة: ويكون من الأضداد أيضا، يقال: يكون للمستقبل، ويقال: يكون للماضي، فكونه للمستقبل لا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونه للماضي قول الصلتان يرثي المغيرة بن المهلب:
قل للقوافل والغزاة إذا غزوا = والباكرين وللمجد الرائح
إن السماحة والشجاعة ضمنا = قبرا بمرو على الطريق الواضح
فإذا مررت بقبره فاعقر به = كوم الجلاد وكل طرف سابح
وانضح جوانب قبره بدمائها = فلقد يكون أخا دم وذبائح
أراد: فلقد كان.
قال أبو بكر: والذي نذهب إليه أن (كان) و(يكون) لا يجوز أن يكونا على خلاف ظاهرهما، إلا إذا وضح المعنى، فلا يجوز لقائل أن يقول: كان عبد الله قائما، بمعنى يكون عبد الله، وكذلك محال أن يقال: يكون عبد الله قائما؛ بمعنى كان عبد الله، لأن هذا ما لا يفهم ولا يقوم عليه دليل؛ فإذا انكشف المعنى حمل أحد الفعلين على الآخر، كقوله جل اسمه: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا}، معناه من يكون في المهد فكيف نكلمه! فصلح الماضي في موضع المستقبل لبيان معناه. وأنشد الفراء:
فمن كان لا يأتيك إلا لحاجة = يروح لها حتى تقضى ويغتدي
فإني لآتيكم تشكر ما مضى = من الأمر واستيجاب ما كان في غد
أراد: ما يكون في غد. وقال الله عز ذكره: {ونادى
أصحاب الجنة أصحاب النار}، فمعناه (وينادي)، لأن المعنى مفهوم. وقال جل وعز: {يا أبانا منع منا الكيل}، فقال بعض الناس: معناه (يمنع منا).
وقال الحطيئة:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه = أن الوليد أحق بالعذر
معناه: (يشهد الحطيئة).
{وكان الله غفورا رحيما} ليس بصحيح؛ لأنها لا تلغى مبتدأة ناصبة للخبر؛ وإنما التأويل المبتدأ عند الفراء: (وكائن الله غفورا رحيما)، فصلح الماضي في موضع الدائم؛ لأن أفعال الله جل وعز تخالف أفعال العباد، فأفعال العباد تنقطع، ورحمة الله جل وعز لا تنقطع، وكذلك مغفرته وعلمه وحكمته.
وقال غير الفراء: كأن القوم شاهدوا لله مغفرة ورحمة وعلما وحكمة، فقال الله جل وعز: {وكان الله غفورا رحيما}، أي لم يزل الله عز وجل على ما شاهدتم). [كتاب الأضداد: 60-62] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "ما لقاتلي من متاب" يقول: من توبةٍ، والمصدر إذا كان بزيادة الميم من فعلَ يفعلُ فهو على مفعلٍ قال الله جل وعزّ: {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} وأما قوله جل ذكره: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} فيكون على ضربين، يكون مصدرًا، ويكون جماعًا. فالمصدر قولك: تاب يتوب توبًا، كقولك: قال يقول قولاً، والجمع توبةٌ وتوبٌ، مثل تمرةٍ وتمر، وجمرةٍ وجمرْ). [الكامل: 2/790]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والزور: الباطل والكذب). [إصلاح المنطق: 124] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويروى عن ابن عباس في هذه الآية: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}، قال: أعياد المشركين. وقال ابن مسعود: الزور: الغناء. فقيل لابن عباس: أو ما هذا في الشهادة بالزور! فقال: لا، إنما آية شهادة الزور {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} ). [الكامل: 3/1172]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: مجالس اللهو). [مجالس ثعلب: 86]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) }
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وألقين فوقي كل ثوب وجدنه = من القر في ليل الشتاء الصنابر
يقال: يوم قَرُّ، وليلة قَرَّة، والصنابر: شدة البرد، والقُرُّ والقُرَّة: البرد). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 30]
تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الغُرفة» المغروف، و«الغَرْفَة» المرة الواحدة). [المذكور والمؤنث: 107] (م)
تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) }
تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) }