العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:27 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (197) إلى الآية (199) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (197) إلى الآية (199) ]

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:17 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثنا ابن لهيعة أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في (الجدال)، قال: كانوا يتجادلون في الجاهلية في المناسك، و(الفسوق)، قول [المعاصي]). [الجامع في علوم القرآن: 2/142]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى الحج أشهر معلومات قال شوال و ذو القعدة وذو الحجة فمن فرض فيهن الحج قال ابن أبي نجيح قال مجاهد والفرض الإهلال). [تفسير عبد الرزاق: 1/77]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري وقتادة وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الرفث غشيان النساء والفسوق المعاصي واختلفوا في الجدال فقال الزهري وقتادة هو الصخب والمراء وأنت محرم وقال مجاهد لا جدال فيه قد بين الله الحج فليس فيه شك). [تفسير عبد الرزاق: 1/77]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال كان أناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة فأمرهم الله أن يتزودوا وأخبرهم أن خير الزاد التقوى). [تفسير عبد الرزاق: 1/77]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا عمر بن ذر قال سمعت مجاهدا يقول كانوا يحجون ولا يتزودون فرخص لهم في الزاد وكانوا يحجون ولا يركبون فأنزل الله تبارك وتعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). [تفسير عبد الرزاق: 1/77]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (حدثني أبي عن عكرمة قال هذا السويق والدقيق). [تفسير عبد الرزاق: 1/77]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال كانوا يحجون بغير زاد فأمروا أن يتزودوا فقال وتزودوا ثم قال فإن خير الزاد التقوى). [تفسير عبد الرزاق: 1/77]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير قال هو الكعك والسويق). [تفسير عبد الرزاق: 1/78]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عبد الملك عن الشعبي قال هو التمر والسويق). [تفسير عبد الرزاق: 1/78]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن خصيفٍ عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه جلّ وعز: {الحج أشهر معلومات} قال: شوّالٌ وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة [الآية: 197]). [تفسير الثوري: 62]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدّثنا أبو حذيفة ثنا سفيان [الثوري] عن خصيفٍ عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه جلّ وعز: {الحج أشهر معلومات} قال: شوّالٌ وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة
[تفسير الثوري: 62]
سفيان [الثوري] عن مغيرة عن إبراهيم مثله). [تفسير الثوري: 63]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن المغيرة عن إبراهيم في قوله جلّ وعزّ: {فمن فرض فيهن الحج} قال: أحرم فيهن [الآية: 197].
سفيان [الثوري] عن العلاء بن المسيّب عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: هي التلبية). [تفسير الثوري: 63]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ في قول الله: {فلا رفث ولا فسوق} قال: الرّفث الجماع والفسوق: السّباب والجدال أن تماري صاحبك حتّى تغضبه [الآية: 197]). [تفسير الثوري: 63]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصور عن إبراهيم {ولا جدال} قال: لا مراء [الآية: 197]). [تفسير الثوري: 63]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عاصمٍ الأحول عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ عن
[تفسير الثوري: 63]
ابن عبّاسٍ قال: الرّفث والمباشرة والإفضاء والتّغشّي واللّماس الجماع ولكنّ اللّه عزّ وجلّ كنّى). [تفسير الثوري: 64]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] ثنا محمّد بن سوقة عن سعيد بن جبيرٍ في قوله جل وعز: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال: السويق والدقيق والكعك [الآية: 197].
سفيان [الثوري] عن عمرٍو عن مجاهدٍ قال: كانوا لا يتزوّدون فأمروا أن يتزوّدوا وكانوا لا يركبون فأمروا أن يركبوا
سفيان [الثوري] في قراءة عبد الله (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)). [تفسير الثوري: 64]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، قال: نا العلاء بن المسيّب، عن عطاءٍ - في قوله عزّ وجلّ: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} - قال: ((فرض الحج: التّلبية)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/792]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ - في قوله: {ولا جدال في الحجّ} - قال: ((ليس في الحجّ جدالٌ، ولا شكٌّ، ولا نسيانٌ، في الحجّ، الحجّ في ذي الحجّة)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/793]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا حجّاج، عن عطاءٍ قال: ((فرض الحجّ: التّلبية)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن قوله عز وجل: {فلا رفث}، قال: ((الرّفث الذي ذكر ها هنا ليس الرّفث الّذي ذكرتم: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث}، وهي العرابة - بكلام العرب - والتّعريض بذكر النكاح)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/797]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: ((الرّفث: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: المراء)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/799]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا عبد الملك، عن عطاءٍ قال: سمعته يقول: ((الرّفث: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: المراء في الحجّ حتى يغضبوا)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/800]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، أنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال ذلك.
[سنن سعيد بن منصور: 3/801]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس، عن الحسن.
- وأنا مغيرة، عن إبراهيم، قالا: ((الرّفث: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: المراء)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/802]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: ((الرّفث: الجماع، والفسوق: معاصي اللّه عزّ وجلّ، والجدال: الخصومة والمراء)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/803]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا عوف، عن زياد بن حصين، عن أبيه، قال: نزل ابن عبّاسٍ، عن راحلته، فجعل يسوقها، وهو يرتجز ويقول:
((وهنّ يمشين بنا هميسا... إن تصدق الطّير ننك لميسا
ذكر الجماع، ولم يكنّ عنه، فقلت: يا أبا عبّاسٍ، تقول الرّفث وأنت محرمٌ؟! قال: الرّفث ما روجع به النساء)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/806]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم قال: ((كان ناسٌ يحجّون، ولا يتزوّدون، ويقولون: نتوكّل على اللّه، وهو رازقنا، فنزلت: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} )).
[سنن سعيد بن منصور: 3/811]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: ((كان ناسٌ يحجّون بغير زادٍ، فنزلت: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} )).
[سنن سعيد بن منصور: 3/812]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عبد الملك بن (عطاءٍ)، عن الشّعبي، قال: ((الكعك والسّويق ) ).
[سنن سعيد بن منصور: 3/815]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن محمّد بن سوقة، عن سعيد بن جبيرٍ، - في قوله عز وجل: {وتزوّدوا} -، قال: ((الكعك والزيت)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/816]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}
- أخبرنا سعيد بن عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} [البقرة: 197] قال: كان ناسٌ يحجّون بغير زادٍ، فنزلت {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} [البقرة: 197]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/29]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: وقت الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ. (والأشهر) مرفوعاتٌ بالحجّ، وإن كن له وقتًا لا صفةً، ونعتًا، إذ لم تكن محصوراتٍ بتعريفٍ بإضافةٍ إلى معرفةٍ، أو معهودٍ، فصار الرّفع فيهنّ كالرّفع في قول العرب في نظير ذلك من المحلّ: (المسلمون جانبٌ، والكفّار جانبٌ)، برفع الجانب إذ لم يكن محصورًا على حدٍّ معروفٍ، ولو قيل: جانب أرضهم أو بلادهم، لكان النّصب هو الكلام.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} فقال بعضهم: يعني بالأشهر المعلومات: شوّالاً، وذا القعدة، وعشر ذي الحجّة.
[جامع البيان: 3/443]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} قال: شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ ذي الحجّة.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، وشريكٌ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصرٍ السّلميّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصينٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: أشهر الحجّ شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ ذي الحجّة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} وهنّ: شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ ذي الحجّة، جعلهنّ اللّه سبحانه للحجٍّ، وسائر الشّهور للعمرة، فلا يصلح أن يحرم أحدٌ بالحجّ إلاّ في أشهر الحجّ، والعمرة يحرم بها في كلّ شهرٍ.
[جامع البيان: 3/444]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} قال: شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ من ذي الحجّة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وأبو عامرٍ قالا: حدّثنا سفيان، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، والشّعبيّ، مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، مثله.
- حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان وإسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، مثله.
[جامع البيان: 3/445]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني هشيمٌ، قال: أخبرنا الحجّاج، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، والشّعبيّ، وأخبرنا يونس، عن الحسن، وأخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، وأخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، ومجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو الوليد، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ ذي الحجّة في الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا ورقاء، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، قال: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} قال: شوّالٌ، وذو القعدة، وعشر ذي الحجّة.
[جامع البيان: 3/446]
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا حسين بن عقيلٍ، عن الضّحّاك، قال: شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ من ذي الحجّة.
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيلٍ الخراسانيّ، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ يقول، فذكر مثله.
وقال آخرون: بل يعني بذلك شوّالاً، وذا القعدة، وذا الحجّة كلّه..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: قلت لنافعٍ، أكان عبد اللّه، يسمّي أشهر الحجّ؟ قال: نعم، شوّالٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: قلت لنافعٍ: أسمعت ابن عمر يسمّي أشهر الحجّ؟ قال: نعم، كان يسمّي شوّالاً، وذا القعدة، وذا الحجّة.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر، قال: شوّالٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة.
[جامع البيان: 3/447]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ}، قال عطاءٌ: فهي شوّالٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} أشهر الحجّ: شوّالٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة. وربّما قال: وعشر من ذي الحجّة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} قال: شوّالٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، قال: أشهر الحجّ: شوّالٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة.
فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه قول قائلي هذه المقالة، وقد علمت أنّ عمل الحجّ لا يعمل بعد تقضّي أيّام منًى؟
[جامع البيان: 3/448]
قيل: إنّ معنى ذلك غير الّذي توهّمته، وإنّما عنوا بقيلهم الحجّ ثلاثة أشهرٍ كوامل، أنّهنّ الحجّ لا أشهر العمرة، وأنّ شهور العمرة سواهنّ من شهور السّنة..
وممّا يدلّ على أنّ ذلك معناهم في قيلهم ذلك ما؛
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن نافعٍ، قال: قال ابن عمر: أن تفصلوا بين الحجّ والعمرة فتجعلوا العمرة في غير أشهر الحجّ، أتمّ لحجّ أحدكم، وأتمّ لعمرته.
- حدّثني نصر بن عليٍّ الجهضميّ، قال: أخبرني أبي، قال: حدّثنا شعبة، قال: ما لقيني أيّوب أو قال: ما لقيت أيّوب إلاّ سألني عن حديث قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ، قال: قلت لعبد اللّه: امرأةٌ منّا قد حجّت، وهي تريد أن تحجّ، أفتجعل مع حجّها عمرةً؟ فقال: ما أرى هؤلاء إلاّ أشهر إلا هى أشهر الحجّ قال: فيقول لي أيّوب ومن عنده: مثل هذا الحديث حدّثك قيس بن مسلمٍ عن طارق بن شهابٍ أنّه سأل عبد اللّه.
[جامع البيان: 3/449]
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن ابن عونٍ، قال: سمعت القاسم بن محمّدٍ، يقول: إنّ العمرة في أشهر الحجّ ليست بتامّةٍ. قال: فقيل له: العمرة في المحرّم؟ فقال: كانوا لا يرونها تامّةً.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن ابن عونٍ، قال: سألت القاسم بن محمّدٍ، عن العمرة في أشهر الحجّ، قال: كانوا لا يرونها تامّةً.
- حدّثنا ابن بيانٍ الواسطيّ، قال: أخبرنا إسحاق، عن عبد اللّه بن عونٍ، عن ابن سيرين، أنّه كان يستحبّ العمرة في المحرّم، قال: تكون في غير أشهر الحجّ.
- حدّثنا ابن بيانٍ، قال: حدّثنا إسحاق، عن ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: قال ابن عمر، للحكم بن الأعرج، أو غيره: إن أطعتني انتظرت حتّى إذا أهلّلت المحرّم خرجت إلى ذات عرقٍ فأهللت منها بعمرةٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي يعفور، قال: سمعت ابن عمر، يقول: لأن أعتمر في عشر ذي الحجّة أحبّ إليّ من أن أعتمر في العشرين.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن،
[جامع البيان: 3/450]
قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ، قال: سألت ابن مسعودٍ، عن امرأةٍ، منّا أرادت أن تجمع، مع حجّها عمرةً، فقال: أسمع اللّه يقول: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} ما أراها إلاّ أشهر الحجّ.
- حدّثني أحمد بن المقدام، قال: حدّثنا حزمٌ القطعيّ، قال: سمعت محمّد بن سيرين، يقول: ما أحدٌ من أهل العلم شكّ أنّ عمرةً في غير أشهر الحجّ أفضل من عمرةٍ في أشهر الحجّ.
ونظائر ذلك ممّا يطول باستيعاب ذكره الكتاب، ممّا يدلّ على أنّ معنى قيل من قال: وقت الحجّ ثلاثة أشهرٍ كوامل، أنّهنّ من غير شهور العمرة، وأنّهنّ شهورٌ لعمل الحجّ دون عمل العمرة، وإن كان عمل الحجّ إنّما يعمل في بعضهنّ لا في جميعهنّ.
وأمّا الّذين قالوا: تأويل ذلك: شوّالٌ، وذو القعدة، وعشر ذي الحجّة، فإنّهم قالوا: إنّما قصد اللّه جلّ ثناؤه بقوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} إلى تعريف خلقه ميقات حجّهم، لا الخبر عن وقت العمرة.
قالوا: فأمّا العمرة، فإنّ السّنّة كلّها وقتٌ لها، لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه اعتمر في بعض شهور الحجّ، ثمّ لم يصحّ عنه بخلاف ذلك خبرٌ.
قالوا: فإذا كان ذلك كذلك، وكان عمل الحجّ ينقضي وقته بانقضاء العاشر من أيّام ذي الحجّة، علم أنّ معنى قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} إنّما هو ميقات الحجّ شهران وبعض الثّالث.
[جامع البيان: 3/451]
والصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: إنّ معنى ذلك الحجّ شهران وعشرٌ من الثّالث؛ لأنّ ذلك من اللّه خبرٌ عن ميقات الحجّ، ولا عمل للحجّ يعمل بعد انقضاء أيّام منًى، فمعلومٌ أنّه لم يعن بذلك جميع الشّهر الثّالث، وإذا لم يكن معنيًا به جميعه صحّ قول من قال: وعشر ذي الحجّة.
فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} وهو شهران وبعض الثّالث؟
قيل: إنّ العرب لا تمتنع خاصّةً في الأوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول له: اليوم يومان منذ لم أره. وإنّما تعني بذلك يومًا وبعض آخر، وكما قال جلّ ثناؤه: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه} وإنّما يتعجّل في يومٍ ونصفٍ. وقد يفعل الفاعل منهم الفعل في السّاعة، ثمّ يخرجه عامًّا على السّنة والشّهر، فيقول: زرته العام وأتيته اليوم، وهو لا يريد بذلك أنّ فعله أخذ من أوّل الوقت الّذي ذكره إلى آخره، ولكنّه يعني أنّه فعله إذ ذاك وفي ذلك الحين، فلذلك قيل: الحجّ أشهرٌ، والمراد منه الحجّ شهران وبعض آخر.
فمعنى الآية إذًا: ميقات حجّكم أيّها النّاس شهران وبعض الثّالث، وهو شوّالٌ وذو القعدة وعشر ذي الحجّة). [جامع البيان: 3/452]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن فرض فيهنّ الحجّ}.
[جامع البيان: 3/452]
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} فمن أوجب الحجّ على نفسه وألزمها إيّاه فيهنّ، يعني في الأشهر المعلومات الّتي بيّناها. وإيجابه إيّاه على نفسه العزم على عمل جميع ما أوجب اللّه على الحاجّ عمله وترك جميع ما أمره اللّه بتركه.
وقد اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي يكون به الرّجل فارضًا الحجّ بعد إجماع جميعهم، على أنّ معنى الفرض: الإيجاب، والإلزام، فقال بعضهم: فرض الحجّ الإهلال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا ورقاء المدائنى، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، قوله: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: من أهلّ بحجٍّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي عن سفيان، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن العلاء بن المسيّب، عن عطاءٍ، قال: التّلبية.
[جامع البيان: 3/453]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان الثّوريّ: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: فالفريضة الإحرام، والإحرام: التّلبية.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا ورقاء، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: أهلّ.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الفرض التّلبية، ويرجع إن شاء ما لم يحرم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن إبراهيم يعني ابن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: الفريضة: التّلبية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: الفرض: الإهلال.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: التّلبية.
- حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن مسلمٍ، قال: حدّثنا أبو عمر الضّرير،
[جامع البيان: 3/454]
قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن جبر بن حبيبٍ، قال: سألت القاسم بن محمّدٍ، عمّن فرض فيهنّ الحجّ، قال: إذا اغتسلت، ولبست ثوبيك، ولبّيت، فقد فرضت الحجّ.
وقال آخرون: فرض الحجّ الأحرام به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} يقول: من أحرم بحجٍّ، أو عمرةٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قالوا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: فمن أحرم.
واللّفظ لحديث ابن بشّارٍ.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، والحسن بن صالحٍ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، قال: الفرض: الإحرام.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا الحجّاج، عن عطاءٍ، وبعض أشياخنا، عن الحسن، في قوله: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قالا: فرض الحجّ: الإحرام.
[جامع البيان: 3/455]
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} فهذا عند الإحرام.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا حسين بن عقيلٍ، عن الضّحّاك، قال: الفرض: الإحرام.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيلٍ الخراسانيّ، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول، فذكر مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، قال: أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} قال: من أحرم.
وهذا القول الثّاني يحتمل أن يكون بمعنى ما قلنا من أن يكون الإحرام كان عند قائله الإيجاب بالعزم ويحتمل أن يكون كان عند الاجاب بالعزم، والتّلبية، كما قال القائلون القول الأوّل.
وإنّما قلنا: إنّ فرض الحجّ الإحرام لإجماع الجميع على ذلك. وقلنا: إنّ الإحرام هو إيجاب الرّجل ما يلزم المحرم أن يوجبه على نفسه، على ما وصفنا آنفًا، لأنّه لا يخلو القول في ذلك من أحد أمورٍ ثلاثةٍ:
إمّا أن يكون الرّجل غير محرمٍ إلاّ بالتّلبية وفعل جميع ما يجب على الموجب الإحرام على نفسه فعله، فإن يكن ذلك كذلك، فقد يجب أن لا يكون محرمًا إلاّ بالتّجرّد للإحرام، وأن يكون من لم يكن له متجرّدًا فغير محرمٍ.
[جامع البيان: 3/456]
وفي إجماع الجميع على أنّه قد يكون محرمًا وإن لم يكن متجرّدًا من ثيابه بإيجابه الإحرام ما يدلّ على أنّه قد يكون محرمًا وإن لم يلبّ، إذ كانت التّلبية بعض مشاعر الإحرام، كما التّجرّد له بعض مشاعره. وفي إجماعهم على أنّه قد يكون محرمًا بترك بعض مشاعر حجّه ما يدلّ على أنّ حكم غيره من مشاعره حكمه.
أو يكون إذ فسد هذا القول قد يكون محرمًا وإن لم يلبّ ولم يتجرّد ولم يعزم العزم الّذي وصفنا. وفي إجماع الجميع على أنّه لا يكون محرمًا من لم يعزم على الإحرام ويوجبه على نفسه إذا كان من أهل التّكليف ما ينبئ عن فساد هذا القول.
وإذ فسد هذان الوجهان فبيّنة صحّة الوجه الثّالث، وهو أنّ الرّجل قد يكون محرمًا بإيجابه الإحرام بعزمه على سبيل ما بيّنا، وإن لم يظهر ذلك بالتّجرّد، والتّلبية وصنع بعض ما عليه عمله من مناسكه. وإذا صحّ ذلك صحّ ما قلنا من أنّ فرض الحجّ هو ما وصفنا من إيجابه بالعزم على نحو ما قد بيّنّا قبل). [جامع البيان: 3/457]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلا رفث}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الرّفث في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الإفحاش للمرأة في الكلام، وذلك نحو أن يقول: إذا حللنا فعلت بك كذا ولا يكنّي عنه، وما أشبه ذلك.
[جامع البيان: 3/457]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن حمّادٍ الدّولابيّ، ويونس، قالا: حدّثنا سفيان، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن الرّفث، في قول اللّه: {فلا رفث ولا فسوق} قال: هو التّعريض بذكر الجماع، وهي العرابة فى كلام العرب، وهو أدنى الرّفث.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن روح بن القاسم، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {فلا رفث} قال: الرّفث: العرابة، والتّعريض للنّساء بالجماع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبى عدى، عن عوف، قال: ثنى زياد بن حصين، قال: ثنى أبى حصين، قال: ثنى أبى حصين بن قيص، قال: أصعدت مع ابن عباس فى الحاج، وكنت خليلا له، فلما كان بعد ما أحرمنا،
[جامع البيان: 3/458]
قام ابن عباس فأخذ بذنب بعيره، فجعل يلويه، وهو يرتجز ويقول:
وهنّ يمشين بنا هميسا = إن تصدق الطّير ننك لميسا
قال: فقلت: أترّفث وأنت محرمٌ؟ قال: إنّما الرّفث ما قيل عند النّساء.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن رجلٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يحدو وهو محرمٌ، ويقول:
وهنّ يمشين بنا هميسا = إن تصدق الطّير ننك لميسا
قال: قلت: تتكلّم بالرّفث وأنت محرمٌ؟ قال: إنّما الرّفث ما قيل عند النّساء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، أنّ نافعًا، أخبره، أنّ عبد اللّه بن عمر، كان يقول: الرّفث: إتيان النّساء، والتّكلّم بذلك للرّجال، والنّساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم.
[جامع البيان: 3/459]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: أيحلّ للمحرم أن يقول لامرأته: إذا حللت أصبتك؟ قال: لا، ذاك الرّفث.
قال: وقال عطاءٌ: الرّفث ما دون الجماع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثني محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: الرّفث: الجماع وما دونه من قولٍ الفحش.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: قول الرّجل لامرأته: إذا حللت أصبتك، قال: ذاك الرّفث.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن زيادة بن حصينٍ، عن أبي العالية، قال: كنت أمشي مع ابن عبّاسٍ، وهو محرمٌ، وهو يرتجز ويقول:
وهنّ يمشين بنا هميسا = إن تصدق الطّير ننك لميسا
قال: قلت: أترفث يا ابن عبّاسٍ وأنت محرمٌ؟ قال: إنّما الرّفث ما روجع به النّساء.
[جامع البيان: 3/460]
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا سفيان، ويحيى بن سعيدٍ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرنا ابو الزّبير إياى، وعطاءٌ، أنّه سمع طاووسًا، قال: سمعت ابن الزّبير، يقول: لا يحلّ للمحرم الإعرابة فذكرته لابن عبّاسٍ فقال: صدق. قلت لابن عبّاسٍ: وما الإعراب؟ قال: التّعريض.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا يحيى، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني الحسن بن مسلمٍ، عن طاووسٍ، أنّه كان يقول: لا يحلّ للمحرم الإعرابة. قال طاووسٌ: والإعرابة: أن يقول وهو محرمٌ: إذا حللت أصبتك.
- حدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا فطرٌ، عن زياد بن حصينٍ، عن أبي العالية، قال: لا يكون رفثٌ إلاّ ما واجهت به النّساء.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن عطاءٍ، قال: كانوا يكرهون الإعرابة؛ يعني التّعريض بذكر الجماع وهو محرمٌ.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن ابن جريجٍ، عن ابن طاووس، أنّه سمع أباه، أنّه كان يقول: لا تحلّ الإعرابة، والإعرابة: التّعريض.
[جامع البيان: 3/461]
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن قول اللّه، تعالى: {فلا رفث} قال: الرّفث الّذي ذكر هاهنا ليس بالرّفث الّذي ذكر في: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} ومن الرّفث: التّعريض بذكر الجماع، وهي الإعرابة فى كلام العرب.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: أنّه كره التّعريب للمحرم.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني ابن طاووسٍ، أنّ أباه، كان يقول: الرّفث: الإعرابة فمّا وراه من شأن النّساء، والإعرابة: الإفصاح بالجماع.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن ابن جريجٍ، قال: حدّثنا الحسن بن مسلمٍ، أنّه سمع طاووسًا، يقول: لا يحلّ للمحرم الإعرابة.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فلا رفث} قال: الرّفث: غشيان النّساء، والقبل، والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك.
[جامع البيان: 3/462]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان ابن عمر، يقول للحادي: لا تعرّض بذكر النّساء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، وابن جريجٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث في الصّيام: الجماع، والرّفث في الحجّ: الإعرابة، وكان يقول: الدّخول، والمسيس: والجماع.
وقال آخرون: الرّفث في هذا الموضع: الجماع نفسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عباس، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
[جامع البيان: 3/463]
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث: إتيان النّساء.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن الرّفث، فقال: الجماع.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: حدّثنا إسحاق، عن سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن بكر بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث: هو الجماع، ولكنّ اللّه كريمٌ يكنّي عمّا شاء.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن الأعمش، عن زياد بن حصينٍ، عن أبي العالية، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، يرتجز وهو محرمٌ، يقول:
خرجن يسرين بنا هميسا
إن تصدق الطّير قال شريكٌ: ألاّ إنّه لم يكنّ عن الجماع لميسا.
فقلت: أليس هذا الرّفث؟ قال: لا إنّما الرّفث: إتيان النّساء، والمجامعة.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن عوف، عن زياد بن حصينٍ، عن أبي العالية، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه، إلاّ أنّ عوفا صرّح به.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن بكرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث: الجماع.
[جامع البيان: 3/464]
- حدّثنا عبد الحميد، قال: حدّثنا إسحاق، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، قوله: {فلا رفث} قال: الرّفث: إتيان النّساء.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {فلا رفث} قال: الرّفث: غشيان النّساء.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عمرو بن دينارٍ: الرّفث: الجماع فما دونه من شأن النّساء.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، بنحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، في قوله: {فلا رفث} قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن مجاهدٍ: {فلا رفث} قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله: {فلا رفث} قال: كان قتادة يقول: الرّفث: غشيان النّساء.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة، مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث: الجماع.
[جامع البيان: 3/465]
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن الحسن بن عبيد اللّه، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا أحمد، حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الرّفث: المجامعة.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلا رفث} فلا جماع.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فلا رفث} قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فلا رفث} قال: جماع النّساء.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {فلا رفث} قال: الرّفث: الجماع.
[جامع البيان: 3/466]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن الحجّاج، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشرٍ، عن عكرمة، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حسين بن عقيل، وحدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قالا: أخبرنا حسين بن عقيلٍ، عن الضّحّاك، قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- قال وأخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ، مثله. حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قالا: مثل ذلك.
[جامع البيان: 3/467]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، وأخبرنا مغيرة، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث: النّكاح.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثني ثويرٌ، قال: سمعت ابن عمر، يقول: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الرّفث: غشيان النّساء قال معمرٌ، وقال مثل ذلك الزّهريّ، وقتادة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الرّفث: إتيان النّساء، وقرأ: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فلا رفث} قال: الرّفث: الجماع.
- حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، مثله.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّ اللّه جلّ ثناؤه نهى من فرض الحجّ في أشهر الحجّ عن الرّفث، فقال: {فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث}
[جامع البيان: 3/468]
والرّفث في كلام العرب: أصله الإفحاش في المنطق على ما قد بيّنّا فيما مضى، ثمّ تستعمله في الكناية عن الجماع. فإذ كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين في تأويله، وفي هل النّهي من اللّه عن بعض معاني الرّفث أم عن جميع معانيه، وجب أن يكون على جميع معانيه، إذ لم يأت خبرٌ بخصوص الرّفث الّذي هو بالمنطق عند النّساء من سائر معاني الرّفث يجب التّسليم له، إذ كان غير جائزٍ نقل حكم ظاهر آيةٍ إلى تأويلٍ باطنٍ إلاّ بحجّةٍ ثابتةٍ.
فإن قال قائلٌ: إنّ حكمها من عموم ظاهرها إلى الباطن من تأويلها منقولٌ بإجماعٍ، وذلك أنّ الجميع لا خلاف بينهم في أنّ الرّفث عند غير النّساء غير محظورٍ على محرمٍ، فكان معلومًا بذلك أنّ الآية معنيّ بها بعض الرّفث دون بعضٍ. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن لا يحرم من معاني الرّفث على المحرم شيء إلاّ ما أجمع على تحريمه عليه، أو قامت بتحريمه حجّةٌ يجب التّسليم لها.
قيل: إنّ ما خصّ من الآية فأبيح خارجٌ من التّحريم، والحظر ثابتٌ لجميع ما لم تخصّصه الحجّة من معنى الرّفث بالآية، كالّذي كان عليه حكمه لو لم يخصّ منه شيءٌ، لأنّ ما خصّ من ذلك وأخرج من عمومه إنّما لزمنا إخراج حكمه من الحظر بأمر من لا يجوز خلاف أمره، فكان حكم ما شمله معنى الآية بعد الّذي خصّ منها على الحكم الّذي كان يلزم العباد فرضه بها لو لم يخصّص منها شيءٌ؛ لأنّ العلّة فيما لم يخصّص منها بعد الّذي خصّ منها نظير العلّة فيه قبل أن يخصّ منها شيءٌ). [جامع البيان: 3/469]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا فسوق}.
[جامع البيان: 3/469]
اختلف أهل التّأويل في معنى الفسوق الّتي نهى اللّه عنها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي المعاصي كلّها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الفسوق: المعاصي.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ: {ولا فسوق} قال: الفسوق: المعاصي.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثني محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: الفسوق: المعاصي كلّها، قال اللّه تعالى: {وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم}.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: حدّثنا إسحاق، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {ولا فسوق} قال: الفسوق: المعاصي.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: حدّثنا إسحاق، عن ابن جريجٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: الفسوق: المعصية.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: حدّثنا إسحاق، عن أبي بشرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الفسوق: المعاصي كلّها.
[جامع البيان: 3/470]
- حدّثني يعقوب، قال: أخبرنا ابن علية، عن روح بن القاسم، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {ولا فسوق} قال: الفسوق: المعاصي.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ: في قوله: {ولا فسوق} قال: الفسوق: المعاصي كلها.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، جميعًا، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: {ولا فسوق} قال: الفسوق: المعاصي.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا فسوق} قال: المعاصي.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الفسوق: المعاصي قال: وقال مجاهدٌ، مثل قول سعيدٍ.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: الفسوق: المعاصي.
[جامع البيان: 3/471]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا فسوق} قال: الفسوق: عصيان اللّه.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {ولا فسوق} قال: الفسوق: المعاصي.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن الحجّاج، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: الفسوق: المعاصي.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، وقتادة وابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا الحجّاج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا فسوق} قال: المعاصي قال: وأخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشرٍ، عن عكرمة، قال: الفسوق: معصية اللّه، لا صغير من معصية اللّه.
[جامع البيان: 3/472]
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا فسوق} قال: الفسوق: معاصي اللّه كلّها.
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، وعن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الفسوق: المعاصي وقال مثل ذلك الزّهريّ، وقتادة.
وقال آخرون: بل الفسوق في هذا الموضع ما عصى اللّه به في الإحرام ممّا نهى عنه فيه من قتل صيدٍ، وأخذ شعرً، وقلم ظفرٍ، وما أشبه ذلك ممّا خصّ اللّه به الإحرام، وأمر بالتّجنّب منه في حال الإحرام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، أنّ نافعًا أخبره أنّ عبد اللّه بن عمر، كان يقول: الفسوق: إتيان معاصي اللّه في الحرم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: الفسوق: ما أصيب من معاصي اللّه به، صيدٍ أو غيره.
وقال آخرون: بل الفسوق في هذا الموضع: السّباب.
[جامع البيان: 3/473]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر، قال: الفسوق: السّباب.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: الفسوق: السّباب.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا ثويرٌ، قال: سمعت ابن عمر، يقول: الفسوق: السّباب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن مجاهدٍ: {ولا فسوق} قال: الفسوق: السّباب.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {ولا فسوق} قال: أما الفسوق: فهو السّباب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا المعلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الفسوق: السّباب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا معلّى، قال: حدّثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسارٍ، يحدّث نحوه.
[جامع البيان: 3/474]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثني الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قالا: الفسوق: السّباب.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الفسوق: السّباب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا فسوق} قال: الفسوق: السّباب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، مثله.
وقال آخرون: الفسوق: الذّبح للأصنام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في الفسوق: الذّبح للأنصاب، وقرأ: {أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به} فقطع ذلك أيضًا يعنى قطع الذّبح للأنصاب بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين حجّ البيت فعلّم أمّته المناسك.
وقال آخرون: الفسوق: التّنابز بالألقاب.
[جامع البيان: 3/475]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريب، قال: حدّثنا وكيع، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيلٍ، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول، فذكر مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيلٍ، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول، فذكر مثله.
وأولى الأقوال الّتي ذكرنا بتأويل الآية في ذلك، قول من قال: معنى قوله: {ولا فسوق} النّهي عن معصية اللّه في إصابة الصّيد وفعل ما نهى اللّه المحرم عن فعله في حال إحرامه، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه قال: {فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق} يعني بذلك فلا يرفث، ولا يفسق: أي لا يفعل ما نهاه اللّه عنه، ولا يخرج عن طاعة اللّه في إحرامه. وقد علمنا أنّ اللّه جلّ ثناؤه قد حرّم معاصيه على كلّ أحدٍ، محرمًا كان أو غير محرمٍ، وكذلك حرّم التّنابز بالألقاب في حال الإحرام وغيرها بقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب} وحرّم على المسلم سباب أخيه في كلّ حالٍ فرض الحجّ، أو لم يفرضه.
فإذ كان ذلك كذلك، فلا شكّ أنّ الّذي نهى اللّه عنه العبد من الفسوق في حال إحرامه وفرضه الحجّ هو ما لم يكن فسوقًا في حال إحلاله وقبل إحرامه بحجّةٍ؛ كما أنّ الرّفث الّذي نهاه عنه في حال فرضه الحجّ، هو الّذي كان له مطلقًا قبل إحرامه؛ لأنّه لا معنى لأن يقال فيما قد حرّم اللّه على خلقه في كلّ الأحوال: لا يفعلنّ أحدكم في حال الإحرام ما هو حرامٌ عليه فعله في كلّ حالٍ، لأنّ خصوص حال الإحرام به لا وجه له وقد عمّ به جميع الأحوال من الإحلال والإحرام.
فإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ الّذي نهي عنه المحرم من الفسوق فخصّ به حال إحرامه، وقيل له: إذا فرضت الحجّ فلا تفعله هو الّذي كان له مطلقًا قبل حال فرضه الحجّ،
[جامع البيان: 3/476]
وذلك هو ما وصفنا وذكرنا أنّ اللّه جلّ ثناؤه خصّ بالنّهي عنه المحرم في حال إحرامه ممّا نهاه عنه من الطّيب واللّباس والحلق وقصّ الأظفار وقتل الصّيد، وسائر ما خصّ اللّه بالنّهي عنه المحرم في حال إحرامه.
فتأويل الآية إذًا: فمن فرض الحجّ في أشهر الحجّ فأحرم فيهنّ، فلا يرفث عند النّساء فيصرّح لهنّ بجماعهّن، ولا يجامعهنّ، ولا يفسق بإتيان ما نهاه اللّه عنه في حال إحرامه لحجّه، من قتل صيدٍ، وأخذ شعرٍ، وقلم ظفرٍ، وغير ذلك ممّا حرّم اللّه عليه فعله وهو محرمٌ). [جامع البيان: 3/477]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {ولا جدال في الحجّ}.
اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: النّهي عن أن يجادل المحرم أحدًا.
ثمّ اختلف قائلو هذا القول، فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتّى يغضبه.
[جامع البيان: 3/477]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه: {ولا جدال في الحجّ} قال: أن تماري صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: حدّثنا إسحاق، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن الجدال، فقال: المراء تماري، صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الجدال أن تماري صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، قال: الجدال: أن يماري الرّجل، أخاه حتّى يغضبه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: أن تمحك صاحبك حتّى تغضبه.
[جامع البيان: 3/478]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن عمرٍو، عن شعيب بن خالدٍ، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: سألت مجاهدًا، عن قوله: {ولا جدال في الحجّ} قال: أن تماري صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: حدّثنا إسحاق، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، قال: الجدال: هو أن تماري، صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، قال: الجدال: المراء.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: الجدال: أن تجادل، صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الجدال: أن تصخب، على صاحبك.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: المراء.
[جامع البيان: 3/479]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، وحدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قالا: حدّثنا حسين بن عقيلٍ، عن الضّحّاك، قال: الجدال: أن تماري، صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا واقدٌ الخلقانيّ، عن عطاءٍ، قال: أمّا الجدال: فتماري صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: الجدال: المراء، أن تماري، صاحبك حتّى تغضبه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا المعلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الجدال: المراء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا المعلّى، قال: حدّثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسارٍ، يحدّث نحوه.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم، بمثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن الحجّاج، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: الجدال: أن يماري، بعضهم بعضًا حتّى يغضبوا.
[جامع البيان: 3/480]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشرٍ، عن عكرمة: {ولا جدال في الحجّ} الجدال: الغضب، أن تغضب عليك مسلمًا، إلاّ أن تستعتب مملوكًا فتعظه من غير أن تضربه، فلا بأس عليك إن شاء اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، قال: الجدال: أن تماري، صاحبك حتّى يغضبك أو تغضبه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، وقتادة، قالا: الجدال: هو الصّخب، والمراء وأنت محرمٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: الجدال: ما أغضبت صاحبك من الجدل.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: الجدال: المراء، والملاحاة حتّى تغضب أخاك، وصاحبك، فنهى اللّه عن ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الجدال: أن تماري صاحبك حتّى تغضبه.
[جامع البيان: 3/481]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: الجدال: المراء.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، وقتادة، قالا: هو الصّخب، والمراء وأنت محرمٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {ولا جدال في الحجّ} كانوا يكرهون الجدال.
وقال آخرون منهم: الجدال في هذا الموضع معناه: السّباب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، أنّ نافعًا أخبره، أنّ عبد اللّه بن عمر كان يقول: الجدال في الحجّ: السّباب، والمراء، والخصومات.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: الجدال: السّباب، والمنازعة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الجدال: السّباب.
[جامع البيان: 3/482]
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، وحدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، جميعًا، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: الجدال: السّباب.
وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك خاصًّا من الجدال، والمراء، وإنّما عنى به الاختلاف فيمن هو أتمّ حجًّا من الحجّاج..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: الجدال: كانت قريشٌ إذا اجتمعت بمنًى قال هؤلاء: حجّنا أتمّ من حجّكم، وقال هؤلاء: حجّنا أتمّ من حجّكم.
وقال آخرون منهم: بل ذلك اختلافٌ كان يكون بينهم في اليوم الّذي فيه الحجّ، فنهوا عن ذلك..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن جبير بن حبيبٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، أنّه قال: الجدال في الحجّ أن يقول بعضهم: الحجّ اليوم، ويقول بعضهم: الحجّ غدًا.
وقال آخرون: بل اختلافهم في مواقف الحجّ أيّهم المصيب موقف إبراهيم.
[جامع البيان: 3/483]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا جدال في الحجّ} قال: كانوا يقفون مواقف مختلفةً يتجادلون، كلّهم يدّعي أنّ موقفه موقف إبراهيم، فقطعه اللّه حين أعلم نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمناسكهم.
وقال آخرون: بل قوله جلّ ثناؤه: {ولا جدال في الحجّ} خبرٌ من اللّه تعالى عن استقامة وقت الحجّ على ميقاتٍ واحدٍ لا يتقدّمه، ولا يتأخّره، وبطول فعل النّسيء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا جدال في الحجّ} قال: قد استقام الحجّ، ولا جدال فيه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: أخبرنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ولا جدال في الحجّ} قال: لا شهر ينسأ، ولا شكّ في الحجّ قد بيّن، كانوا يسقطون المحرّم ثمّ يقولون صفران لصفرٍ، وشهر ربيع الأوّل، ثمّ يقولون شهرا ربيع لشهر ربيعٍ الآخر وجمادى الأولى،
[جامع البيان: 3/484]
ثمّ يقولون جماديان لجمادى الآخرة، ولرجبٍ، ثمّ يقولون لشعبان رجبٌ، ثمّ يقولون لرمضان شعبان، ثمّ يقولون لشوّالٍ رمضان، ويقولون لذي القعدة شوّالٌ، ثمّ يقولون لذي الحجّة ذا القعدة، ثمّ يقولون للمحرّم ذا الحجّة، فيحجّون في المحرّم ثمّ يأتنفون فيحسبون على ذلك عدّةً مستقبلةً على وجه ما ابتدءوا، فيقولون: المحرّم، وصفرٌ، وشهرا ربيعٍ، فيحجّون في المحرّم ليحجّوا في كلّ سنةٍ مرّتينٍ، ثم يسقطون شهرًا آخر، فيعدّون على العدّة الأولى، فيقولون صفران، وشهرا ربيعٍ نحو عدّتهم في أوّل ما أسقطوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: صاحب النّسيء الّذي ينسأ لهم أبو ثمامة رجلٌ من بني كنانة.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق، عن أبي بشرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: لا شبهة في الحجّ قد بيّن اللّه أمر الحجّ.
[جامع البيان: 3/485]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {ولا جدال في الحجّ} قال: قد استقام أمر الحجّ فلا تجادلوا فيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: لا شهر ينسأ، ولا شكّ في الحجّ قد بيّن.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: قد علم وقت الحجّ فلا جدال فيه، ولا شكّ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز، والعلاء، عن مجاهدٍ، قال: هو شهرٌ معلومٌ لا ينازع فيه.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سالمٍ، عن مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: لا شكّ في الحجّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: المراء في الحجّ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق،
[جامع البيان: 3/486]
قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} فقد تبيّن الحجّ. قال: كانوا يحجّون في ذي الحجّة عامينٍ، وفي المحرّم عامينٍ، ثمّ حجّوا في صفرٍ عامينٍ، وكانوا يحجّون في كلّ سنةٍ في كلّ شهرٍ عامينٍ، حتى وافقت حجّة أبي بكرٍ من العامين في ذي القعدة قبل حجّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بسنةٍ، ثمّ حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من قابلٍ في ذي الحجّة؛ فذلك حين يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا جدال في الحجّ} قال: بيّن اللّه أمر الحجّ ومعالمه فليس فيه كلامٌ.
وأولى هذه الأقوال في قوله {ولا جدال في الحجّ} بالصّواب، قول من قال: معنى ذلك: قد بطل الجدال في الحجّ ووقته، واستقام أمره، ووقته على وقتٍ واحدٍ، ومناسك متّفقةٌ غيرٌ مختلفةٍ، فلا تنازع فيه، ولا مراء، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ وقت الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ، ثمّ نفى عن وقته الاختلاف الّذي كانت الجاهليّة في شركها تختلف فيه.
وإنّما اخترنا هذا التّأويل في ذلك ورأيناه أولى بالصّواب ممّا خالفه لما قد قدّمنا من البيان آنفًا في تأويل قوله: {ولا فسوق} من أنّه غير جائزٍ أن يكون اللّه خصّ بالنّهي عنه عن معنى حال الأحرام وحال فرض الحاج الحج، إلا وذلك الذى خص بالنهى عنه في تلك الحال إلاّ ما هو مطلقٌ مباحٌ في الحال الّتي يخالفها، وهي حال الإحلال؛ وذلك أنّ حكم ما خصّ به من ذلك حال الإحرام إن كان سواءً فيه حال الإحرام وحال الإحلال، فلا وجه لخصوصه به حالاً دون حالٍ، وقد عمّ به جميع الأحوال.
[جامع البيان: 3/487]
وإذ كان ذلك كذلك، وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله: {ولا جدال في الحجّ} أنّ تأويله: لا تمار صاحبك حتّى تغضبه، إلاّ أحد معنيين: إمّا أن يكون أراد لا تماره بباطلٍ حتّى تغضبه. فذلك ما لا وجه له، لأنّ اللّه عزّ وجلّ قد نهى عن المراء بالباطل في كلّ حالً محرمًا كان المماري أو محلًّا، فلا وجه لخصوص حال الإحرام بالنّهي عنه لاستواء حال الإحرام والإحلال في نهي اللّه عنه. أو يكون أراد: لا تماره بالحقّ، وذلك أيضًا ما لا وجه له؛ لأنّ المحرم لو رأى رجلاً يروم فاحشةً كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها، أو رآه يحاول ظلمه والذّهاب منه بحقٍّ له قد غصبه عليه كان عليه مراؤه فيه وجداله حتّى يتخلّصه منه.
والجدال والمراء لا يكون بين النّاس إلاّ من أحد وجهين: إمّا من قبل ظلمٍ، وإمّا من قبل حقٍّ، فإذا كان من أحد وجهيه غير جائزٍ فعله بحالٍ، ومن الوجه الآخر غير جائزٍ تركه بحالٍ، فأيّ وجوهه الّتي خصّ بالنّهي عنه حال الإحرام؟ وكذلك لا وجه لقول من تأوّل ذلك أنّه بمعنى السّباب، لأنّ اللّه تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن سباب بعضٍ على لسان رسوله عليه الصّلاة والسّلام في كلّ حالٍ، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ فإذ كان المسلمٌ عن سبّ المسلم منهيًّا في كلّ حالٍ من أحواله، محرمًا كان أو غير محرمٍ، فلا وجه لأن يقال: لا تسبّه في حال الإحرام إذا أحرمت.
[جامع البيان: 3/488]
وفيما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الخبر الّذي؛
- حدّثنا به محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سيّارٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من حجّ هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق رجع مثل يوم ولدته أمّه.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن سيّارٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من حجّ هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه.
- حدّثنا أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سيّارٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وذكر مثل حديث ابن المثنّى، عن وهب بن جريرٍ.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله أيضًا.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو الوليد، قال: حدّثنا شعبة، قال: أخبرني منصورٌ، قال: سمعت أبا حازمٍ، يحدّث، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه، عن الأعمش، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من حجّ هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق خرج من ذنوبه كما ولدته أمّه.
[جامع البيان: 3/489]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيع، وأبو أسامة، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله، إلاّ أنّه قال: رجع كما ولدته أمّه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن سيّارٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال، فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمّه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصورٍ، عن هلال بن يساف، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال، فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمّه.
[جامع البيان: 3/490]
- حدّثنا الفضل بن الصّبّاح، قال: حدّثنا هشيم بن بشيرٍ، عن سيّارٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من حجّ للّه فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كهيئة يوم ولدته أمّه.
دلالةٌ واضحةٌ على أنّ قوله: {ولا جدال في الحجّ} بمعنى النّفي عن الحجّ أن يكون فيه وفى وقته جدالٌ، ومراءٌ دون النّهي عن جدال النّاس بينهم فيما يعنيهم من الأمور، أو لا يعنيهم. وذلك أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر أنّ من حجّ فلم يرفث، ولم يفسق استحقّ من اللّه الكرامة ما وصف أنّه استحقّه بحجّةٍ تاركًا للّرفث، والفسوق اللّذين نهى اللّه الحاجّ عنهما في حجّه من غير أن يضمّ إليهما الجدال. فلو كان الجدال الّذي ذكره اللّه في قوله: {ولا جدال في الحجّ} ممّا نهاه اللّه عنه بهذه الآية، على نحو الّذي تأوّل ذلك من تأوّله من أنّه المراء، والخصومات، أو السّباب وما أشبه ذلك، لما كان صلّى اللّه عليه وسلّم ليخصّ باستحقاق الكرامة الّتي ذكر أنّه يستحقّها الحاجّ الّذي وصف أمره باجتناب خلّتين ممّا نهاه اللّه عنه في حجّه دون الثّالثة الّتي هي مقرونةٌ بهما.
[جامع البيان: 3/491]
ولكن لمّا كان معنى الثّالثة مخالفًا معنى صاحبتيها في أنّها خبرٌ على المعنى الّذي وصفنا، وأنّ الأخريين بمعنى النّهي أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ مجتنبهما في حجّه مستوجبٌ ما وصف من إكرام اللّه إيّاه بمّا أخبر أنّه مكرمه به إذا كانتا بمعنى النّهي، وكان المنتهي عنهما للّه مطيعًا بانتهائه عنهما، ترك ذكر الثّالثة معهما إذ لم تكن في معناهما، وكانت مخالفة سبيلها سبيلهما.
فإذ كان ذلك كذلك، فالّذي هو أولى بالقراءة من القراءات المخالفة بين إعراب الجدال وإعراب الرّفث، والفسوق، ليعلم سامع ذلك إذا كان من أهل الفهم باللّغات أنّ الّذي من أجله خولف بين إعرابيهما اختلاف معنييهما، وإن كان صوابًا قراءة جميع ذلك باتّفاق إعرابه على اختلاف معانيه، إذ كانت العرب قد تتبع بعض الكلام بعضًا بإعرابٍ مع اختلاف المعاني، وخاصّةً في هذا النّوع من الكلام.
فأعجب القراءات إليّ في ذلك إذ كان الأمر على ما وصفت، قراءة من قرأ (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدال في الحجّ) برفع الرّفث، والفسوق، وتنوينهما، وفتح الجدال بغير تنوينٍ وذلك هو قراءة جماعة البصريّين وكثيرٍ من أهل مكّة، منهم عبد اللّه بن كثيرٍ وأبو عمرو بن العلاء.
وأمّا قول من قال: معناه النّهي عن اختلاف المختلفين في أتمّهم حجًّا، والقائلين معناه: النّهي عن قول القائل: غدًا الحجّ، مخالفًا به قول الآخر: اليوم الحجّ، فقولٌ في حكايته الكفاية عن الاستشهاد على وهائه وضعفه،
[جامع البيان: 3/492]
وذلك أنّه قولٌ لا تدرك صحّته إلاّ بخبرٍ مستفيضٍ أو خبرٍ صادقٍ يوجب العلم أنّ ذلك كان كذلك، فنزلت الآية بالنّهي عنه. أو أنّ معنى ذلك في بعض معاني الجدال دون بعضٍ، ولا خبر بذلك بالصّفة الّتي وصفنا.
وأمّا دلالتنا على قول ما قلنا من أنّه نفيٌ من اللّه جلّ وعزّ عن شهور الحجّ، فالاختلاف الّذي كانت الجاهليّة تختلف فيها بينها قبل كما وصفنا.
وأمّا دلالتنا على أنّ الجاهليّة كانت تفعل ذلك فالخبر المستفيض في أهل الأخبار أنّ الجاهليّة كانت تفعل ذلك مع دلالة قول اللّه تقدّس اسمه: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عامًا ويحرّمونه عامًا}). [جامع البيان: 3/493]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: افعلوا أيّها المؤمنون ما أمرتكم به في حجّكم من إتمام مناسككم فيه، وأداء فرضكم الواجب عليكم في إحرامكم، وتجنّب ما أمرتكم بتجنّبه من الرّفث، والفسوق في حجّكم لتستوجبوا به الثّواب الجزيل، منى فإنّكم مهما تفعلوا من ذلك وغيره من خيرٍ وعمل صالحٍ ابتغاء مرضاتي وطلب ثوابي، فأنا به عالمٌ ولجميعه محصٍ حتّى أوفّيكم أجره، وأجازيكم عليه، فإنّي لا تخفى عليّ خافيةٌ ولا ينكتم عنّي ما أردتم بأعمالكم، لأنّي مطّلعٌ على سرائركم وعالمٌ بضمائر نفوسكم). [جامع البيان: 3/493]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
ذكر أنّ هذه الآية نزلت في قومٍ كانوا يحجّون بغير زادٍ، وكان بعضهم إذا أحرم رمى بما معه من الزّاد واستأنف غيره من الأزودة فأمر اللّه جلّ ثناؤه من لم يكن يتزوّد منهم بالتّزوّد لسفره، ومن كان منهم ذا زادٍ أن يحتفظ بزاده فلا يرمي به.
ذكر الأخبار الّتي رويت في ذلك.
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا عمرو بن عبد الغفّار، قال: حدّثنا محمّد بن سوقة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودةٌ رموا بها واستأنفوا زادًا آخر، فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزوّدوا الكعك، والدّقيق، والسّويق.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه المخرميّ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانوا يحجّون ولا يتزوّدون، فنزلت: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}، قال: الكعك، والزّيت.
[جامع البيان: 3/494]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن ابن عيينة، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: هو الكعك والسّويق.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: كان أناسٌ يحجّون، ولا يتزوّدون، فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد} التّقوى.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: حدّثنا عبد الملك بن عطاءٍ كوفيّ.
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن ابن عيينة، عن عبد الملك، عن الشّعبيّ، في قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: التّمر، والسّويق.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا حنظلة، قال: سئل سالمٌ، عن زاد الحاجّ، فقال: الخبز، واللّحم، والتّمر.
قال عمرٌو: وسمعت أبا عاصمٍ، مرّةً يقول: حدّثنا حنظلة، سئل سالمٌ عن زاد الحاجّ، فقال: الخبز، والتّمر.
[جامع البيان: 3/495]
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن هشيمٍ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: كان ناسٌ من الأعراب يحجّون بغير زادٍ ويقولون: نتوكّل على اللّه، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق، عن عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ، قال: كان الحاجّ منهم لا يتزوّد، فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد} التّقوى.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا يحيى، عن عمر بن ذرّ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ، قال: كانوا يسافرون ولا يتزوّدون، فنزلت: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} وقال الحسن بن يحيى في حديثه: كانوا يحجّون، ولا يتزوّدون.
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عمر بن ذرٍّ، قال: سمعت مجاهدًا، يحدّث فذكر نحوه.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا إسحاق، عن أبي بشرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحجّ يتوصّلون بالنّاس بغير زادٍ، يقولون: نحن متّكلون؛ فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
[جامع البيان: 3/496]
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وتزوّدوا} قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحجّ يتوصّلون بالنّاس بغير زادٍ، فأمروا أن يتزوّدوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: كان أهل اليمن يقولون: لا نتزود فيتوكلون يتوصّلون بالنّاس، فأمروا أن يتزوّدوا، ولا يستنغموا؛ قال: وخير الزّاد التّقوى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: كانوا لا يتزوّدون، فأمروا بالزّاد، وخير الزّاد التّقوى.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} فكان الحسن، يقول: إنّ ناسًا من أهل اليمن كانوا يحجّون، ويسافرون، ولا يتزوّدون، فأمرهم اللّه بالنّفقة، والزّاد في سبيل اللّه، ثمّ أنبأهم أنّ خير الزّاد التّقوى.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سعيد بن أبي عروبة، في قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: قال قتادة: كان ناسٌ من أهل اليمن يحجّون ولا يتزوّدون، ثمّ ذكر نحو حديث بشرٍ عن يزيد.
[جامع البيان: 3/497]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} كان ناسٌ من أهل اليمن يخرجون بغير زادٍ إلى مكّة، فأمرهم اللّه أنّ يتزوّدوا، وأخبرهم أنّ خير الزّاد التّقوى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: كان ناسٌ يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودةٌ يقولون: نحجّ بيت اللّه ولا يطعمنا؟ فقال اللّه: تزوّدوا ما يكفّ وجوهكم عن النّاس.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} فكان ناسٌ من أهل اليمن يحجّون، ولا يتزوّدون، فأمرهم اللّه أن يتزوّدوا، وأنبأ أنّ خير الزّاد التّقوى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن سوقة، عن سعيد بن جبيرٍ: {وتزوّدوا} قال: السّويق، والدّقيق، والكعك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن محمّد بن سوقة، عن سعيد بن جبيرٍ: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: الخشكنانج، والسّويق.
[جامع البيان: 3/498]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن عبد الملك بن عطاءٍ البكائيّ، قال: سمعت الشّعبيّ، يقول في قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: هو الطّعام، وكان يومئذٍ الطّعام قليلاً. قال: قلت: وما الطّعام؟ قال: التّمر، والسّويق.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} وخير زاد الدّنيا المنفعة من الحموله واللّباس، والطّعام، والشّراب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد} التّقوى قال: كان ناسٌ يتزوّدون إلى عقبةٍ فإذا انتهوا إلى تلك العقبة توكّلوا ولم يتزوّدوا طعاما فأمروا أن يتزوّدوا.
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، قال: حدّثنا المحاربيّ، قال: قال سفيان، في قوله: {وتزوّدوا} قال: أمروا بالسّويق، والكعك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرني أبي، أنّه، سمع عكرمة، يقول في قوله: {وتزوّدوا} قال: هو السّويق، والدّقيق.
[جامع البيان: 3/499]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: كانت قبائل من العرب يحرّمون الزّاد إذا خرجوا حجّاجًا، وعمّارًا إلا أن يتضيّفوا النّاس، فقال اللّه تبارك تعالى لهم: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد الآمليّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: كان النّاس يقدمون مكّة بغير زادٍ، فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
فتأويل الآية إذًا: فمن فرض في أشهر الحجّ الحجّ فأحرم فيهنّ فلا يرفثنّ، ولا يفسقنّ، فإنّ أمر الحجّ قد استقام لكم، وعرّفكم ربّكم ميقاته، وحدوده. فاتّقوا اللّه فيما أمركم به، ونهاكم عنه من أمر حجّكم، ومناسككم، فإنّكم مهما تفعلوا من خيرٍ أمركم به أو ندبكم إليه يعلمه. وتزوّدوا من أقواتكم ما فيه بلاغكم إلى أداء فرض ربّكم عليكم في حجّكم ومناسككم، فإنّه لا برّ للّه جلّ ثناؤه في ترككم التّزوّد لأنفسكم ومسألتكم النّاس ولا في تضييع أقواتكم وإفسادها، ولكنّ البرّ في تقوى ربّكم باجتناب ما نهاكم عنه في سفركم لحجّكم وفعل ما أمركم فيه، فإنّه خير التّزوّد، فمنه تزوّدوا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك روي الخبر عن الضّحّاك بن مزاحمٍ.
[جامع البيان: 3/500]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال: والتّقوى عملٌ بطاعة اللّه.
وقد بيّنّا معنى التّقوى فيما مضى بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 3/501]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقون يا أولي الألباب}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واتّقون يا أهل العقول، والأفهام بأداء فرائضي عليكم الّتي أوجبتها عليكم في حجّكم، ومناسككم وغير ذلك من ديني الّذي شرعته لكم، وخافوا عقابي باجتناب محارمي الّتي حرّمتها عليكم؛ تنجوا بذلك ممّا تخافون من غضبي عليكم، وعقابي، وتدركوا به ما تأملون وترجون من رضاى عنكم وجزيل ثوابى لكم وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجنّاتي.
وخصّ جلّ ذكره بالخطاب بذلك أولي الألباب، لأنّهم أهل التّمييز بين الحقّ والباطل، وأهل الفكر الصّحيح والمعرفة بحقائق الأشياء الّتي بالعقول تدرك وبالألباب تفهم، ولم يجعل لغيرهم من أهل الجهل في الخطاب بذلك حظًّا، إذ كانوا أشباحًا كالأنعام، وصورًا كالبهائم، بل هم منها أضلّ سبيلاً.
والألباب: جمع لبٍّ، وهو العقل). [جامع البيان: 3/501]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب (197)
قوله: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ، أخبرنا ابن جريجٍ، قال:
قلت لنافعٍ: أسمعت عبد اللّه بن عمر، يسمّي شهور الحجّ؟ فقال: نعم. كان عبد اللّه يسمّي: شوّال وذا القعدة وذا الحجّة. قال: وقال ذلك ابن شهابٍ وعطاء بن أبي رباحٍ وجابر بن عبد اللّه صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ، قالا: ثنا وكيعٌ، عن شريكٍ عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ قال: شوّال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجّة. وروي عن عمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالبٍ وعطاءٍ وطاوسٍ وابن الزّبير وابن عبّاسٍ ومجاهدٍ وإبراهيم والحسن والضّحّاك والسّدّيّ ومحمّد بن سيرين والزّهريّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن قيس بن مسلمٍ عن طارق بن شهابٍ، قال: قال عبد اللّه: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ ليس فيها عمرةٌ.
- حدثنا أحمد بن نحيى بن مالكٍ السّوسيّ، ثنا حجّاج بن محمّدٍ، قال ابن جريجٍ أخبرني عمر بن عطاءٍ، عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه لا ينبغي لأحدٍ أن يحرم بالحجّ إلا في أشهر الحجّ، من أجل قول الله: الحج أشهر معلومات). [تفسير القرآن العظيم: 1/345]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فمن فرض فيهنّ الحجّ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا نحيى بن آدم، ثنا ورقاء، عن عبد اللّه بن دينارٍ عن ابن عمر، في قوله: فمن فرض فيهنّ الحجّ قال: من أهلّ فيهنّ.
- حدّثنا أحمد بن نحيى بن مالكٍ السّوسيّ، ثنا حجّاج بن محمّدٍ قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني عمر بن عطاءٍ، عن عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا ينبغي أن يلبّي بالحجّ، ثمّ يقيم بأرضٍ.
وروي عن ابن مسعودٍ وعبد اللّه بن عبّاسٍ وعبد اللّه بن الزّبير ومجاهدٍ وعطاءٍ وإبراهيم النّخعيّ والضّحّاك وعكرمة وسفيان الثّوريّ وقتادة والزّهريّ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
وقال طاوسٌ والقاسم بن محمّدٍ: هو التّلبية). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فلا رفث
[الوجه الأول]
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرنا يونس بن يزيد، أنّ نافعًا أخبره أنّ عبد اللّه بن عمر كان يقول: والرّفث إتيان النّساء، والتّكلّم بذلك، الرّجال والنّساء، إذا ذكروا ذلك بأفواههم.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى وأحمد بن شيبان الرّمليّ، قالا: ثنا سفيان، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، وسأله عن الرّفث قول اللّه: فلا رفث فقال: التّعريض بذكر الجماع، وهو في كلام العرب، وهو: أدنى الرّفث.
وروي عن ابن الزّبير عن عطاءٍ وطاوسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن فضيلٍ، عن عاصمٍ، عن بكر بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ اللّه كريمٌ يكنّي ما شاء، وإنّ الرّفث هو الجماع.
وروي عن أبي العالية ومجاهدٍ وعكرمة والضّحّاك وعطاءٍ وسعيد بن جبيرٍ وعطاء بن يسارٍ وإبراهيم والرّبيع بن أنسٍ والحسن والزّهريّ وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ ومكحولٍ وعطيّة ومقاتل بن حيّان وعبد الكريم ومالك بن أنسٍ والسّدّيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا فسوق
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن زبيدٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ. قلت لأبي وائلٍ: أنت سمعت ابن مسعودٍ، يحدّثه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال نعم.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهب أخبرني يونس أنّ نافعًا أخبره، أنّ عبد اللّه بن عمر، كان يقول: والفسوق: إتيان معاصي اللّه في الحرم.
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ ولا فسوق قال: الفسوق: المعاصي.
وروى حسين بن حفصٍ ومؤمّل بن إسماعيل، عن الثوري ، عن خصييف هذا الحديث، فقالا:
الفسوق: السّباب.
وروي عن مجاهدٍ وعطاء بن يسارٍ وعطاء بن أبي رباحٍ وعكرمة ومحمّد بن كعبٍ والزّهريّ وسعيد بن جبيرٍ والرّبيع بن أنسٍ وعطاءٍ الخراسانيّ ومقاتل بن حيّان وإبراهيم النّخعيّ وقتادة وطاوسٍ ومكحولٍ، قالوا: الفسوق:
المعاصي.
وروي عن ابن الزبير والحسن والسدي قالوا: الفسوق: السباب.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن حسين بن عقيلٍ، عن الضّحّاك والفسوق: التّنابز بالألقاب.
- حدّثنا أبي، ثنا هشامٌ الرّازيّ وابن الأصبهانيّ، قالا: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: ولا فسوق قال الفسوق: المنابزة بالألقاب، تقول لأخيك: يا ظالم يا فاسق.
والوجه الثّالث:
قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، قال: وقال مالكٌ الفسوق:
الذّبح للأنصاب، واللّه أعلم. قال اللّه: أو فسقًا أهلّ لغير الله به). [تفسير القرآن العظيم: 1/347]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا جدال في الحج
[الوجه الأول]
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني يونس بن يزيد، أنّ نافعًا أخبره، أنّ عبد اللّه بن عمر، كان يقول: الجدال في الحجّ: السّباب، والمراء والخصومات.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، ثنا سفيان، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: والجدال: أن تماري صاحبك حتّى تغضبه.
وروي عن أبي العالية وعطاءٍ ومجاهدٍ والضّحّاك وعكرمة وجابر بن زيدٍ وعطاءٍ الخراسانيّ ومكحولٍ وعمرو بن دينارٍ والرّبيع بن أنسٍ وقتادة والزّهريّ ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ عن ابن الزّبير والحسن وإبراهيم وطاوسٍ ومحمّد بن كعبٍ، قالوا:
الجدال: المراء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: ولا جدال في الحجّ قال: لأشهرٍ ينسى ولا شكّ في الحجّ وقد تبيّن.
قال: كانوا يسقطون المحرّم، ثمّ يقولون صفرين، لصفرٍ وربيعٍ الأوّل، ثمّ يقولون:
شهري ربيعٍ، لشهر ربيعٍ الآخرة ولجمادى الأولى ثمّ يقولون لرمضان: شعبان، ويقولون لذي الحجّة: ذا القعدة. ثمّ يقولون لمحرّمٍ: ذا الحجّة، فيحجّون في المحرّم ثمّ يأتنفون، فيعدّون على ذلك عدّةً مستقيمةً على وجه ما ابتدءوا، فيقولون المحرّم، فيحجّون في المحرّم، ويحجّون في كلّ سنةٍ مرّتين ثمّ يسقطون شهرًا آخر، ثمّ يعدّون على العدّة الأولى، يقولون: صفرٌ وشهر ربيعٍ الأوّل على نحو عددهم في أوّل ما أسقطوا.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني ابن شعيبٍ أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاءٍ الخراسانيّ، وأمّا الجدال فالسّباب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/348]
والوجه الرّابع:
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، قال: قال مالكٌ قال اللّه تعالى: ولا جدال في الحجّ فالجدال في الحجّ- واللّه أعلم- أنّ قريشًا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة، وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة وكانوا يتجادلون يقولون هؤلاء: نحن أصوب يقولون هؤلاء: نحن أصوب. فهذا فيما نرى، الله أعلم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ، قالا: ثنا وكيعٌ، عن العلاء بن عبد الكريم، قال: سمعت مجاهدًا يقول: ولا جدال في الحجّ قد بيّن اللّه أشهر الحجّ، فليس فيه جدالٌ بين النّاس.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا حجّاجٌ الأنماطيّ، ثنا حمّادٌ بن سلمة، عن جبر بن حبيبٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، أنّه قال: الجدال في الحجّ: أن يقول بعضهم: الحجّ غدًا. ويقول بعضهم: اليوم). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: وما تفعلوا من خيرٍ قال: ما فعل ابن آدم من خيرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وتزودوا
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين بن عطيّة، حدّثني أبي، عن جدّي، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله: وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولى الألباب كان أناسٌ يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودةٌ، يقولون: نحجّ بيت اللّه فلا يطعمنا. فقال اللّه: تزوّدوا ما يكفّ وجوهكم عن النّاس.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان عن عمرو بن
[تفسير القرآن العظيم: 1/349]
دينارٍ، عن عكرمة، قال: إنّ أناسًا كانوا يحجّون بغير زادٍ، فأنزل اللّه: وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى قال أبو محمد: روى هذا الحديث ورقاءٌ عن عمرو بن دينارٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، وما يرويه ابن عيينة، أصحّ وروي عن أبي الزّبير ومجاهدٍ وأبي العالية والنّخعيّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان عن محمّد بن سوقة، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: وتزوّدوا قال: السّويق والدّقيق والكعك.
وروي عن عكرمة والشّعبيّ وسالم بن عبد اللّه وعطاءٍ الخراسانيّ. أنّهم قالوا يتزوّد من الطّعام، بألفاظٍ مختلفةٍ وذكروه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الجماهر محمّد بن عثمان، ثنا يحيى بن حمزة عن النّعمان بن المنذر، عن مكحولٍ: وتزوّدوا قال: الزّاد: الرّفيق الصّالح، يعني: في السّفر). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فإنّ خير الزّاد التّقوى
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الطّاهر حدّثني أبو زرارة اللّيث بن عاصمٍ القتبانيّ، قال: كتب إليّ أبو خيرة محبّ بن حذلمٍ، كتب يذكر قول اللّه: وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى والتّقوى: كلمةٌ ولها تفسيرٌ. وتفسيرها: العفاف عمّا حرّم اللّه.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءة، أخبرني أبي شعيبٍ، أخبرنا عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه: وأمّا: وتزوّدوا يعني الطّعام، وزاد الآخرة التّقوى). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واتّقون
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى اتّقوا اللّه ولا تظلموا ولا تغصبوا أهل الطّريق، فلمّا نزلت هذه الآية وتزوّدوا فقام رجلٌ من فقراء المسلمين، فقال: يا رسول اللّه ما نجد زادًا نتزوّده.
فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: تزوّد ما تكفّ به وجهك عن النّاس وخير ما تزوّدتم التقوى). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: يا أولي الألباب
قد تقدم تفسيره آية 179). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة). [تفسير مجاهد: 101]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا أبو جعفر الرازي وورقاء عن مغيرة عن إبراهيم قال شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة). [تفسير مجاهد: 101]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمن فرض فيهن الحج يعني من أهل). [تفسير مجاهد: 102]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الرفث الجماع والفسوق المعاصي في الحج يقول ليس هو شهر ينسأ قد بين الحج فيه ولا شك فيه وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يسقطون المحرم يقولون صفر بصفر ويسقطون شهر ربيع الأول ثم يقولون شهر ربيع بشهر ربيع). [تفسير مجاهد: 102]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وتزودوا قال كان أهل الآفاق يحجون بغير زاد يتوصلون بالناس فأمروا أن يتزودوا). [تفسير مجاهد: 103]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا عبد اللّه بن نميرٍ، عن عبيد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197] قال: «شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ من ذي الحجّة» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/303]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن الأعمش، عن زياد بن حصينٍ، عن أبي العالية، قال: كنت أمشي مع ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وهو محرمٌ، وهو يرتجز بالإبل، وهو يقول: «وهنّ يمشين بنا هميسًا» ، قال: قلت: أترفث وأنت محرمٌ؟ قال: «إنّما الرّفث ما روجع به النّساء» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/303]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ، ثنا يعلى بن عبيدٍ، ثنا محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: " الرّفث: الجماع، والفسوق: ما أصيب من معاصي اللّه من صيدٍ وغيره، والجدال: السّباب والمنازعة «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/303]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ د) عبد الله بن عباس: رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجّون، فلا يتزوّدون، ويقولون: نحن المتوكّلون، فإذا قدموا مكّة سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل: {وتزوّدوا فإن خير الزّاد التّقوى} [البقرة: 197]. أخرجه البخاري، وأبو داود). [جامع الأصول: 2/35]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث} [البقرة: 197].
- عن ابن عمر «في قول اللّه عزّ وجلّ: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ذو القعدة وذو الحجّة ".
{فمن فرض فيهنّ الحجّ} [البقرة: 197]، قال ابن عمر: التّلبية والإحرام. (لا رفث) قال: غشيان النّساء. ولا فسوق: السّباب. ولا جدال: المراء».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط وفيه يحيى بن السّكن
[مجمع الزوائد: 6/317]
وهو ضعيفٌ.
- وعن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «في قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197] قال: " شوّالٌ وذو القعدة وذو الحجّة».
رواه الطّبرانيّ في الصّغير والأوسط، وفيه حصين بن مخارقٍ، وهو ضعيفٌ جدًّا.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «في قوله تبارك وتعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ} [البقرة: 197] قال: " الرّفث: الإعراب والتّعرّض للنّساء بالجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: جدال الرّجل صاحبه».
رواه الطّبرانيّ عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالحٍ، عن سوّار بن محمّد بن قريشٍ، وكلاهما فيه لينٌ وقد وثّقا، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: لا رفث قال: الرّفث: الجماع. {ولا فسوق} [البقرة: 197] قال: الفسوق: المعاصي. {ولا جدال في الحجّ} [البقرة: 197] قال: المراء.
رواه أبو يعلى، وفيه خصيفٌ وثّقه العجليّ وابن معينٍ، وضعّفه جماعةٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/318]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} [البقرة: 197].
- عن ابن الزّبير قال: كان النّاس يتوكّل بعضهم على بعضٍ في الزّاد فأمرهم اللّه عزّ وجلّ أن يتزوّدوا، فقال: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} [البقرة: 197].
رواه الطّبرانيّ، وفيه أبو سعيدٍ البقّال وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 6/318]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو يعلى الموصليّ: وثنا محمّد بن عبّادٍ، ثنا سفيان، قال: سمعت خصيفًا، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: (لا رفث) قال الرّفث: الجماع. قال: (ولا فسوق) قال: الفسوق: المعاصي. قال: (ولا جدال في الحجّ) قال: المراء".
[إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/180]
هذا إسناد حسن، وتقدم في الحج). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/181]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا محمّد بن عبّادٍ، ثنا سفيان قال: سمعت (خصيفًا) يحدّث عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: {فلا رفث}، قال: الرّفث: الجماع، {ولا فسوق}، قال: الفسوق: المعاصي، {ولا جدال في الحجّ}، (قال): الجدال: المراء). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب.
أخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله !
[الدر المنثور: 2/374]
{الحج أشهر معلومات} شوال وذو القعدة وذو الحجة.
أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {الحج أشهر معلومات} شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب {الحج أشهر معلومات} شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن نافع، أنه سئل أسمعت عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج فقال: نعم كان يسمي شوالا وذا القعدة وذا الحجة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وعطاء والضحاك، مثله.
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" من طرق عن ابن عمر {الحج أشهر معلومات} قال شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة.
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن
[الدر المنثور: 2/375]
جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود {الحج أشهر معلومات} قال شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والبيهقي من طرق عن ابن عباس {الحج أشهر معلومات} قال شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة لا يفرض الحج إلا فيهن.
وأخرج ابن المنذر والدارقطني والطبراني والبيهقي عن عبد الله بن الزبير {الحج أشهر معلومات} قال شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد وابراهيم، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود، أنه سئل عن العمرة في أشهر الحج فقال: الحج أشهر معلومات ليس فيهن عمرة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: ما أحد من
[الدر المنثور: 2/376]
أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: قال عمر: افصلوا بين حجكم وعمرتكم اجعلوا الحج في أشهر واجعلوا العمرة في غير أشهر الحج أتم لحجكم ولعمرتكم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عون قال: سئل القاسم عن العمرة في أشهر الحج فقال: كانوا لا يرونها تامة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر في قوله {فمن فرض فيهن الحج} قال: من أهل فيهن الحج.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: الفرض الإحرام
[الدر المنثور: 2/377]
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير {فمن فرض فيهن الحج} قال: الإهلال، وأخرح ابن المنذر والدارقطني والبيهقي عن ابن الزبير قال: فرض الحج الإحرام، وأخرح ابن المنذر عن ابن عباس قال: الفرض الإهلال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: الإهلال فريضة الحج.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فمن فرض فيهن الحج} يقول: من أحرم بحج أو عمرة.
وأخرج الشافعي في الأم، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله {الحج أشهر معلومات}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس قال: لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا
[الدر المنثور: 2/378]
في أشهر الحج.
وأخرج الشافعي في الأم، وابن أبي شيبة والبيهقي، عن جابر موقوفا، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه قال لرجل قد أحرم بالحج في غير أشهر الحج: اجعلها عمرة فإنه ليس لك حج فإن الله يقول {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: فمن فرض فيهن الحج فلا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن الن عمر {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية والإحرام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود {فمن فرض فيهن الحج} قال:
[الدر المنثور: 2/379]
التلبية.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن طاووس {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء وابراهيم، مثله.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجة، وابن خزيمة والحاكم وصححه عن خلاد بن السائب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية فإنها شعار الحج.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجة، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححه عن زيد بن علي الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج
[الدر المنثور: 2/380]
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير قال: التلبية زينة الحج.
وأخرج الترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة والحاكم وصححه عن أبي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال: العج والثج.
وأخرج الترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا عن يمينه وشماله.
وأخرج أحمد، وابن ماجة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من محرم يضحي لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك
[الدر المنثور: 2/381]
لبيك لا شريك لك لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل.
وأخرج والبخاري ومسلم عن ابن عباس، أن رجلا أوقصته راحلته وهو محلام فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا.
وأخرج الشافعي، عن جابر بن عبد الله قال: ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجا قط ولا عمرة.
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الخلق لبيك.
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة عن سعد بن أبي وقاص، أنه سمع بعض
[الدر المنثور: 2/382]
بني أخيه وهو يلبي: يا ذا المعارج، فقال سعد: إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الشافعي عن خزيمة بن ثابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله رضوانه والجنة واستعاذه برحمته من النار.
وأخرج الشافعي عن محمد بن المنكدر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية). [الدر المنثور: 2/383]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}.
أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
قال: الرفث الإعرابة والتعريض للنساء بالجماع والفسوق المعاصي كلها والجدال جدال الرجل لصاحبه.
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث} قال: لا جماع ولا فسوق، قال: المعاصي والكذب.
وأخرج وكيع وسفيان بن عينية والفريابي وسعيد بن منصور، وابن أبي
[الدر المنثور: 2/383]
شيبة، وعبد بن حميد وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" من طرق عن ابن عباس في الآية: الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال المراء، وفي لفظ: أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: الرفث غشيان النساء والقبل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام والفسوق معاصي الله كلها والجدال المراء والملاحاة.
وأخرج سفيان بن عينية وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن طاووس قال: سألت ابن عباس عن قوله {فلا رفث} قال: الرفث الذي ذكر هنا ليس الرفث الذي ذكر في (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) (البقرة الآية 187) ذاك الجماع هذا العراب بكلام العرب والتعريض بذكر النكاح.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي العالية قال: كنت أمشي مع ابن عباس
[الدر المنثور: 2/384]
وهو محرم يرتجز بالإبل ويقول: وهن يمشين بنا هميسا * إن صدق الطير ننك لميسا فقلت: أترفث وأنت محرم قال: إنما الرفث ما روجع به النساء.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر في الآية قال: الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال السباب والمنازعة.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر في قوله {فلا رفث} قال: غشيان النساء {ولا فسوق} قال: السباب {ولا جدال} قال: المراء
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في الآية فقال: الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم والفسوق إتيان معاصي الله في الحرم والجدال السباب والمراء الخصومات
[الدر المنثور: 2/385]
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول للحادي: لا تعرض بذكر النساء.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن طاووس أن عبد الله بن الزبير قال: إياكم والنساء فإن الإعراب من الرفث، قال طاووس: وأخبرت بذلك ابن عباس فقال: صدث ابن الزبير.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن طاووس، أنه كره الإعراب للمحرم قيل: وما الإعراب قال: أن يقول لو أحللت قد أصبتك.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال: الرفث إتيان النساء والجدال تماري صاحبك حتى تغضبه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس في الآية قال: الرفث الجماع والفسوق والمنابزة بالألقاب تقول لأخيك: يا ظالم يا فاسق والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وعكرمة قالا: الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال المراء
[الدر المنثور: 2/386]
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك وعطاء، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: الرفث إتيان النساء والفسوق السباب والجدال المماراة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: الرفث الغشيان والفسوق السباب والجدال الإختلاف في الحج.
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير في قوله {فلا رفث} قال: لا جماع {ولا فسوق} لا سباب {ولا جدال} لا مراء.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي في قوله {ولا جدال في الحج} قال: الجدال كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم، وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولا جدال في الحج} قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم فقطعه الله حين أعلم نبيه بمناسكهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن
[الدر المنثور: 2/387]
مجاهد في قوله {ولا جدال في الحج} قال: لا شبهة في الحج ولا شك في الحج قد بين وعلم وقته كانوا يحجون في ذي الحجة عامين وفي المحرم عامين ثم حجوا في صفر من أجل النسيء الذي نسأ لهم أبو يمامة حين وفقت حجة أبي بكر في ذي القعدة قبل حجة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم حج النّبيّ صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة فذلك حين يقول: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض.
وأخرج سفيان بن عينية، وابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله {ولا جدال في الحج} قال: صار الحج في ذي الحجة فلا شهر ينسى ء.
وأخرج سفيان، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
[الدر المنثور: 2/388]
وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة، مثله.
وأخرج عبد بن حميد في مسنده، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قضى نسكه وقد سلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عمل أحب إلى الله من جهاد في سبيله وحجة مبرورة متقبلة لا رفث ولا فسوق ولا جدال.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد في سبيل الله أفضل من حجة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال.
وأخرج الحاكم وصححه عن أسماء بنت أبي بكر قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا وكانت زاملتنا مع غلام أبي بكر فجلسنا ننتظر حتى تأتينا فاطلع
الغلام يمشي ما معه بعيره فقال أبو بكر: أين بعيرك قال: أضلني الليلة فقام أبو بكر يضربه بعير واحد أضلك وأنت رجل فما يزيد
[الدر المنثور: 2/389]
رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تبسم وقال: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن طاووس قال: لا ينظر المحرم في المرآة ولا يدعو على أحد وإن ظلمه). [الدر المنثور: 2/390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب}.
أخرج عبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون: نحن متوكلون ثم يقدمون فيسألون الناس فأنزل الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان ناس يخرجون من أهلهم ليست معهم أزوده يقولون: نحج بيت الله ولا يطعمنا، فقال الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} ما يكف وجوهكم عن الناس
[الدر المنثور: 2/390]
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عمر قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زادا آخرا فأنزل الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق.
وأخرج الطبراني عن الزبير قال: كان الناس يتوكل بعضهم على بعض في الزاد فأمرهم الله أن يتزودوا فقال {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: كان الناس من الأعراب يحجون بغير زاد ويقولون: نتوكل على الله فأنزل الله {وتزودوا} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال: كان أناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون فأمرهم الله بالزاد والنفقة في سبيل الله وأخبرهم أن خير الزاد التقوى.
وأخرج سفيان بن عينية، وابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال: كان أناس يقدمون مكة بغير زاد في أيام الحج فأمروا بالزاد
[الدر المنثور: 2/391]
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {وتزودوا} قال: السويق والدقيق والكعك.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير {وتزودوا} قال: الخشكناتج والسويق.
وأخرج سفيان بن عينية عن سعيد بن جبير {وتزودوا} قال: هو الكعك والزيت.
وأخرج وكيع وسفيان بن عينية، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن الشعبي قال {وتزودوا} قال: الطعام التمر والسويق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال لما نزلت هذه الآية {وتزودوا} قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله ما نجد زادا نتزوده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزود ما تكف به وجهك عن الناس وخير ما تزودتم به التقوى.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال: في قراءة عبد الله /
[الدر المنثور: 2/392]
{وتزودوا وخير الزاد التقوى).
وأخرج الطبراني عن جرير بن عبد الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن الزبير بن العوام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العباد عباد الله والبلاد بلاد الله فحيث وجدت خيرا فأقم واتق الله.
وأخرج أحمد والبغوي في معجمه والبيهقي في "سننه" والأصبهاني عن رجل من أهل البادية قال أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله فكان فيما حفظت عنه أن قال: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله إلا أعطاك الله خيرا منه.
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب والترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: تقوى الله وحسن الخلق وسئل ما أكثر ما يدخل الناس النار قال: الأجوفان: الفم والفرج
[الدر المنثور: 2/393]
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن رجل من بني سليط قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يظلمه التقوى ههنا التقوى ههنا وأومأ بيده إلى صدره.
وأخرج الأصبهاني عن قتادة بن عياش قال لما عقد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومي
أتيته مودعا له فقال: جعل الله التقوى زادك وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث تكون.
وأخرج الترمذي والحاكم عن أنس قال جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني فقال: زودك الله التقوى قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت.
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد سفرا فقال: أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف فلما مضى قال: اللهم أزو له الأرض وهون عليه السفر
[الدر المنثور: 2/394]
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي بكر، أنه قال في خطبته: الصدق أمانة والكذب خيانة أكيس الكيس التقى وأنوك النوك الفجور.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن عمر بن الخطاب، أنه كتب إلى ابنه عبد الله: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله فإنه من اتقاه وفاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسنة له ولا مال لمن لا رفق له ولا جديد لمن لا خلق له.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن ما زين القرآن قال: التقوى.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة قال: مكتوب في التوراة: ابن آدم اتق الله ونم حيث شئت.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال: الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وماله العفة
[الدر المنثور: 2/395]
وأخرج ابن أبي الدنيا عن داود بن هلال قال: كان يقال: الذي يقيم به العبد وجهه عند الله التقوى ثم يتبعه الورع.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عروة قال: كتبت عائشة إلى معاوية، أما بعد فاتق الله فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي حازم قال: ترصدني أربعة عشر عدوا أما أربعة منها فشيطان يضلني ومؤمن يحسدني وكافر يقتلني ومنافق يبغضني.
وأمّا العشرة منها فالجوع والعطش والحر والبرد والعري والهرم والمرض والفقر والموت والنار ولا أطيقهن إلا بسلاح تام ولا أجد لهم سلاحا أفضل من التقوى.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن أبي نجيح قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا وعلمنا مما علم الناس وما لم يعلموا فلم نجد شيئا هو أفضل من تقوى الله في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر.
وأخرج الأصبهاني عن زيد بن أسلم قال: كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا). [الدر المنثور: 2/306]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا حمّاد بن زيدٍ عن عبيد اللّه بن أبي يزيد قال: سمعت عبد اللّه بن الزّبير قرأها: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} في مواسم الحجّ). [الجامع في علوم القرآن: 3/60]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يتجروا بتجارة ولم يعرضوا على كسب ولا ضالة فأحل الله لهم ذلك فقال ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/78]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت أبا الزبير يقرأ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج). [تفسير عبد الرزاق: 1/78]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس كان ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا ذلك حتى نزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج). [تفسير عبد الرزاق: 1/78]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى فاذكروا الله
[تفسير عبد الرزاق: 1/78]
عند المشعر الحرام قال المشعر الحرام جمع كله قال معمر وقال أيوب عن ابن أبي مليكة سمع ابن الزبير يقول الجمع كله موقف وارتفعوا عن بطن محسر وعرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة). [تفسير عبد الرزاق: 1/78]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عن الزهري قال كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشا وأحلافها وهم الحمس فقال بعضهم لبعض لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك الناس أن يتهاونوا بحرمكم فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع فأمرهم الله تعالى أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات فلذلك قال الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس). [تفسير عبد الرزاق: 1/79]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وأخبرني أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو أن جبريل عليه السلام وقف بإبراهيم عليه السلام بعرفات
قال معمر وأخبرني سليمان التيمي أنه سمع نعيم بن أبي هند قال لما وقف جبريل بإبراهيم بعرفة قال عرفت فسميت عرفات). [تفسير عبد الرزاق: 1/79]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن السّدّيّ قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن المشعر
[تفسير الثوري: 64]
الحرام فقال: ما بين جبلي جمع فهو المشعر الحرام [الآية: 198]). [تفسير الثوري: 65]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وإن كنتم من قبله لمن الضالين} قال: قبل القرآن [الآية: 198]). [تفسير الثوري: 65]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرٍو، قال: قال ابن عبّاسٍ: ((كانت عكاظ، وذو المجاز، والمجنّة (أسواقًا) في الجاهليّة، فلمّا كان الإسلام تأثّموا أن يبيعوا فيها، فنزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} - في مواسم الحج-)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/818]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ((كانوا لا يتّجرون في أيّام منًى، ويوم عرفة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم... } إلى آخر الآية)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/819]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن العلاء بن المسيّب، قال: أخبرني رجلٌ أنّه سأل ابن عمر، فقلت: يا عبد اللّه، إنّا قومٌ نكرى في هذا الوجه، وإنّ قومًا يزعمون أن لا حجّ لنا؟ فقال له: سأل رجلٌ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عمّا سألت عنه، فلم يردّ عليه شيئًا، حتّى نزلت هذه الآية: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الرّجل، فقال: ((أنتم حجّاج)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/820]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا حجّاج، عن نافعٍ، عن ابن عمر- في قوله عزّ وجلّ: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} - قال: ((الجبيل وما حوله)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/823]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم
[صحيح البخاري: 6/27]
- حدّثني محمّدٌ، قال: أخبرني ابن عيينة، عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " كانت عكاظ، ومجنّة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهليّة، فتأثّموا أن يتّجروا في المواسم، فنزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} [البقرة: 198] . في مواسم الحجّ "). [صحيح البخاري: 6/27]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربكم)
ذكر فيه حديث بن عبّاسٍ وقد تقدّم شرحه مستوفًى في كتاب الحجّ). [فتح الباري: 8/186]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} (البقرة: 198)
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: {ليس عليكم جناح} أي حرج أو إثم (أن تبتغوا) أي: أن تطلبوا (فضلا من ربكم) أي: عطاء منه وتفضلاً، وهو النّفع والرّبح والتّجارة.
[عمدة القاري: 18/111]
- حدّثني محمّدٌ قال أخبرني ابن عيينة عن عمرو عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهليّة فتأثّموا أن يتجروا في المواسم فنزلت {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} (البقرة: 198) في مواسم الحجّ.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة ومحمّد هو ابن سلام بن الفرج البيكندي البخاريّ، وابن عيينة هو سفيان، وعمر وهو ابن دينار. والحديث مضى في الحج في: باب التّجارة أيّام الموسم.
وعكاظ: بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة، ومجنة، بفتح الميم والجيم وتشديد النّون (وذوا المجاز) ضد الحقيقة. وهذه كانت أسواقا للعرب. قوله: (فتأثموا)، أي: فتحرجوا قوله: (أن يتجروا) أي: بأن يتجروا. قوله: (في المواسم)، جمع موسم، وسمي به لأنّه معلم مجتمع النّاس إليه. قوله: (في مواسم الحج) قيل: هذا اللّفظ عند ابن عبّاس من القرآن من تتمّة الآية، والصّحيح أنه تفسير منه لمحل ابتغاء الفضل، فكأنّه قال: أي: في مواسم الحج). [عمدة القاري: 18/112]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} [البقرة: 198]
(ليس عليكم جناح) ولأبي ذر باب ({ليس عليكم جناح أن تبتغوا}) في أن تطلبوا ({فضلًا من ربكم}) [البقرة: 198] أي ربحًا في تجارتكم.
- حدّثني محمّدٌ قال: أخبرني ابن عيينة عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: كانت عكاظٌ، ومجنّة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهليّة فتأثّموا أن يتّجروا في المواسم فنزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} في مواسم الحجّ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر أخبرنا (ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) هو ابن دينار (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: كانت عكاظ) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة (ومجنة) بفتح الميم والجيم (وذو المجاز) بفتح الميم والجيم وبعد الألف زاي (أسواقًا في الجاهلية) بنصب أسواقًا خبر كان وكانت معايشهم منها ولأبي ذر عن الكشميهني أسواق الجاهلية بحذف الجار وإضافة أسواق للاحقه (فتأثموا) أي تحرج المسلمون (أن يتجروا) بتشديد الفوقية بعد التحتية وبالجيم المكسورة بعدها راء مضمومة من التجارة (في المواسم فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا} من ربكم) قال ابن عباس: أي (في مواسم الحج).
وهذا الحديث سبق في باب التجارة أيام المواسم من كتاب الحج). [إرشاد الساري: 7/30]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربكم}
قوله: (عكاظ): بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة.
قوله: (ومجنة): بفتح الميم والجيم.
قوله: (وذو المجاز): بفتح الميم والجيم، وبعد الألف زاي). [حاشية السندي على البخاري: 3/41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}
يعني بذلك جلّ ذكره: ليس عليكم أيّها المؤمنون جناحٌ. والجناح: الحرج.
[جامع البيان: 3/501]
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} وهو لا حرج عليكم في الشّراء، والبيع قبل الإحرام وبعده.
وقوله: {أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} يعني أن تلتمسوا فضلاً من عند ربّكم، يقال منه: ابتغيت فضلاً من اللّه ومن فضل اللّه أبتغيه ابتغاءً: إذا طلبته والتمسته، وبغيته أبغيه بغاء، كما قال عبد بني الحسحاس:
بغاك وما تبغيه حتّى وجدته = كأنّك قد واعدته أمس موعدا
يعني طلبك والتمسك.
وقيل: إنّ معنى ابتغاء الفضل من اللّه: التماس رزق اللّه بالتّجارة، وأنّ هذه الآية نزلت في قومٍ كانوا لا يرون أن يتّجروا إذا أحرموا يلتمسون البرّ بذلك، فأعلمهم جلّ ثناؤه أن لا برّ في ذلك، وأنّ لهم التماس فضله بالبيع والشّراء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ، قال: كانوا يحجّون، ولا يتّجرون، فأنزل اللّه: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: في الموسم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عمر بن ذرٍّ، قال: سمعت مجاهدًا، يحدّث، قال: كان ناسٌ لا يتّجرون أيّام الحجّ، فنزلت فيهم {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
[جامع البيان: 3/502]
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة، في قوله تبارك وتعالى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: إذا كنتم محرمين أن تبيعوا، وتشتروا.
- حدّثنا طليق بن محمّدٍ الواسطيّ، قال: أخبرنا أسباطٌ، قال: أخبرنا الحسن بن عمرٍو، عن أبي أمامة التّيميّ، قال: قلت لابن عمر: إنّا قومٌ نكري فهل لنا حجٌّ؟ قال: أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعرّف، وترمون الجمار، وتحلقون رءوسكم؟ فقلنا: بلى. قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ: صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عن الّذي سألتني عنه، فلم يدر ما يقول له حتّى نزل جبريل عليه السّلام عليه بهذه الآيةٍ: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} إلى آخر الآية، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنتم حجّاجٌ.
[جامع البيان: 3/503]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: أخبرنا أيّوب، عن عكرمة، قال: كانت تقرأ هذه الآية: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ.
- حدّثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن منصور بن المعتمر، في قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: هو التّجارة في البيع، والشّراء، والاشتراء لا بأس به.
- حدّثت عن أبي هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرؤها: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن عليّ بن مسهرٍ، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان متجر النّاس في الجاهليّة عكاظٌ، وذو المجاز، فلمّا جاء الإسلام كأنّهم كرهوا ذلك، حتّى أنزل اللّه جلّ ثناؤه: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا شبابة بن سوّارٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي أميمة، قال: سمعت ابن عمر، وسئل عن الرّجل يحجّ، ومعه تجارةٌ، فقرأ ابن عمر: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
[جامع البيان: 3/504]
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانوا لا يتّجرون في أيّام الحجّ، فنزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا طلحة بن عمرٍو الحضرميّ، عن عطاءٍ، قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ هكذا قرأها ابن عبّاسٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا ليثٌ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: التّجارة في الدّنيا، والأجر في الآخرة.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: التّجارة أحلّت لهم في المواسم، قال: فكانوا لا يبيعون، أو يبتاعون في الجاهليّة بعرفة ولا بمنى.
[جامع البيان: 3/505]
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} كان هذا الحيّ من العرب لا يعرجون على كسيرٍ، ولا على ضالّةٍ ليلة النّفر، وكانوا يسمّونها ليلة الصّدر، ولا يطلبون فيها تجارةً، ولا بيعًا، فأحلّ اللّه عزّ وجلّ ذلك كلّه للمؤمنين أن يعرجوا على حوائجهم، ويبتغوا من فضل ربّهم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن الزّبير، يقول: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ.
[جامع البيان: 3/506]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: كانت ذو المجاز، وعكاظٌ متجرًا للنّاس في الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام تركوا ذلك حتّى نزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، والمثنّى، قالا: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن سوقة، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول: كان بعض الحاجّ يسمّون الدّاج، فكانوا ينزلون في الشّقّ الأيسر من منًى، وكان الحاجّ ينزلون عند مسجد منًى، فكانوا لا يتّجرون، حتّى نزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} فحجّوا.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ، قال: كان ناسٌ يحجّون ولا يتّجرون، حتّى نزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} فرخّص لهم في المتجر، والرّكوب، والزّاد.
[جامع البيان: 3/507]
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} هي التّجارة، قال: اتّجروا في الموسم.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: كان النّاس إذا أحرموا لم يتبايعوا حتّى يقضوا حجّهم، فأحلّه اللّه لهم.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانوا يتّقون البيوع، والتّجارة أيّام الموسم، يقولون أيّام ذكرٍ، فأنزل اللّه: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} فحجّوا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرؤها: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: لا بأس بالتّجارة في الحجّ، ثمّ قرأ: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ،
[جامع البيان: 3/508]
عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: كان هذا الحيّ من العرب لا يعرجون على كسيرٍ، ولا على ضالّةٍ، ولا ينتظرون لحاجةٍ، وكانوا يسمّونها ليلة الصّدر، ولا يطلبون فيها تجارةً، فأحلّ اللّه ذلك كلّه أن يعرجوا على حاجتهم، وأن يبتغوا فضلاً من ربّهم.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا مندلٌ، عن عبد الرّحمن بن المهاجر، عن أبي صالحٍ، مولى عمر، قال: قلت لعمر: يا أمير المؤمنين، كنتم تتّجرون في الحجّ؟ قال: وهل كانت معايشهم إلاّ في الحجّ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن العلاء بن المسيّب، عن رجلٍ، من بني تيم اللّه، قال: جاء رجلٌ إلى عبد اللّه بن عمر، فقال: يا أبا عبد الرّحمن: إنّا قومٌ نكري فيزعمون أنّه ليس لنا حجٌّ؟ قال: ألستم تحرمون كما يحرمون، وتطوفون كما يطوفون، وترمون كما يرمون؟ قال: بلى، قال: فأنتم حاجٌّ؛ جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عمّا سألت عنه، فنزلت هذه الآية: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
[جامع البيان: 3/509]
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يتّجروا بتجارةٍ، ولم يعرجوا على كسيرٍ، ولا على ضالّةٍ؛ فأحلّ اللّه ذلك، فقال: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} إلى آخر الآية.
- حدّثني سعيد بن الرّبيع الرّازيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت عكاظٌ، ومجنّة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهليّة، فكانوا يتّجرون فيها، فلمّا كان الإسلام كأنّهم تأثّموا منها، فسألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم} في مواسم الحجّ). [جامع البيان: 3/510]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فإذا أفضتم} فإذا رجعتم من حيث بدأتم. ولذلك قيل للّذي يضرب القداح بين الأيسار مفيضٌ، لجمعه القداح، ثمّ إفاضته إيّاها بين الياسرين، ومنه قول بشر بن أبي خازمٍ الأسديّ:
فقلت لها ردّي إليه حياته = فردّت كما ردّ المنيح مفيض
[جامع البيان: 3/510]
ثمّ اختلف أهل العربيّة في عرفاتٍ، والعلّة الّتي من أجلها صرفت وهي معرفةٌ، وهل هي اسمٌ لبقعةٍ واحدةٍ أم هي لجماعة بقاعٍ؟ فقال بعض نحويّي البصريّين: هي اسمٌ كان لجماعةٍ مثل مسلماتٍ ومؤمناتٍ، سمّيت به بقعةٌ واحدةٌ فصرف لمّا سمّيت به البقعة الواحدة، إذ كان مصروفًا قبل أن تسمّى به البقعة تركًا منهم له على أصله؛ لأنّ التّاء فيه صارت بمنزلة الياء والواو في مسلمين ومسلمون لأنّه تذكيره، وصار التّنوين بمنزلة النّون، فلمّا سميّ به ترك على حاله كما يترك المسلمون إذا سميّ به على حاله قال: ومن العرب من لا يصرفه إذا سميّ به، ويشبّه التّاء بهاء التّأنيث؛ وذلك قبيحٌ ضعيفٌ. واستشهدوا بقول الشّاعر:
تنوّرتها من أذرعاتٍ وأهلها = بيثرب أدنى دارها نظرٌ عالي
قال ومنهم من لا ينوّن أذرعاتٍ، وكذلك عاناتٌ وهو مكانٌ.
وقال بعض نحويّي الكوفيّين: إنّما انصرفت عرفاتٌ لأنّهنّ على جماع مؤنّثٍ بالتّاء.
[جامع البيان: 3/511]
قال: وكذلك ما كان على جماع مؤنّثٍ بالتّاء، ثمّ سمّيت به رجلاً أو مكانًا أو أرضًا أو امرأةً انصرفت.
قال: ولا تكاد العرب تسمّي شيئًا من الجماع إلاّ جماعًا، ثمّ تجعله بعد ذلك واحدًا.
وقال آخر منهم: ليست عرفاتٌ حكايةً ولا هي اسمٌ منقولٌ؛ ولكنّ الموضع مسمًّى هو وجوانبه بعرفاتٍ، ثمّ سمّيت بها البقعة فهى اسمٌ للموضع، ولا ينفرد واحدها. قال: وإنّما يجوز هذا في الأماكن والمواضع، ولا يجوز ذلك في غيرها من الأشياء. قال: ولذلك نصبت العرب التّاء في ذلك لأنّه موضعٌ، ولو كان محكيًّا لم يكن ذلك فيه جائزًا، لأنّ من سمّى رجلاً مسلماتٍ، أو بمسلمين لم ينقله في الإعراب عمّا كان عليه في الأصل، فلذلك خالف عاناتٍ، وأذرعاتٍ ما سميّ به من الأسماء على جهة الحكاية.
واختلف أهل العلم في المعنى الّذي من أجله قيل لعرفاتٍ عرفاتٌ؛ فقال بعضهم: قيل لها ذلك من أجل أنّ إبراهيم خليل اللّه صلوات اللّه عليه لمّا رآها عرفها بنعتها الّذي كان لها عنده، فقال: قد عرفت، فسمّيت عرفاتٍ بذلك.
وهذا القول من قائله يدلّ على أنّ عرفاتٍ اسمٌ للبقعة، وإنّما سمّيت بذلك لنفسها وما حولها، كما يقال: ثوبٌ أخلاقٌ، وأرضٌ سباسبٌ، فتجمع بما حولها.
[جامع البيان: 3/512]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، قال: لمّا أذّن إبراهيم، في النّاس بالحجّ، فأجابوه بالتّلبية، وأتاه من أتاه أمره اللّه أن يخرج إلى عرفاتٍ، ونعتها فخرج، فلمّا بلغ الشّجرة عند العقبة، استقبله الشّيطان يردّه، فرماه بسبع حصياتٍ، يكبّر مع كلّ حصاةٍ. فطار فوقع على الجمرة الثّانية، فصدّه أيضًا، فرماه وكبّر فطار فوقع على الجمرة الثّالثة، فرماه وكبّر فلمّا رأى أنّه لا يطيقه، ولم يدر إبراهيم، أين يذهب، انطلق حتّى أتى ذا المجاز، فلمّا نظر إليه فلم يعرفه جاز، فلذلك سمّي ذا المجاز. ثمّ انطلق حتّى وقع بعرفاتٍ؛ فلمّا نظر إليها عرف النّعت، قال: قد عرفت، فسمّي عرفاتٍ. فوقف إبراهيم، بعرفاتٍ، حتّى إذا أمسى ازدلف إلى جمعٍ، فسمّيت المزدلفة، فوقف بجمعٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن سليمان التّيميّ، عن نعيم بن أبي هندٍ، قال: لمّا وقف جبريل، بإبراهيم، عليهما السّلام بعرفاتٍ، قال: عرفت، فسمّيت عرفاتٍ لذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال ابن المسيّب: قال عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه: بعث اللّه جبريل، إلى إبراهيم، فحجّ به، فلمّا أتى عرفة قال: قد عرفت، وكان قد أتاها مرّةً قبل ذلك، ولذلك سمّيت عرفة
وقال آخرون: بل سمّيت بذلك بنفسها وببقاع أخر سواها.
[جامع البيان: 3/513]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيع، عن الربيع بن مسلمٍ القرشيّ، عن أبن طهفة، عن أبي الطّفيل، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّما سمّيت عرفاتٌ، لأنّ جبريل عليه السّلام، كان يقول لإبراهيم: هذا موضع كذا، وهذا موضع كذا، فيقول: قد عرفت، قد عرفت، فلذلك سمّيت عرفاتٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، قال: إنّما سمّيت عرفة أنّ جبريل كان يري إبراهيم، عليهما السّلام المناسك، فيقول: عرفت عرفت، فسمّيت عرفاتٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن زكريّا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: أصل الجبل الّذي يلي عرنة وما وراءه موقفٌ حتّى يأتي الجبل جبل عرفة.
[جامع البيان: 3/514]
وقال ابن أبي نجيحٍ: عرفاتٌ: النّبعة، والنّبيعة، وذات النّابت وذلك قول اللّه: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ} وهو الشّعب الأوسط.
وقال زكريّا: ما سال من الجبل الّذي يقف عليه الإمام إلى عرفة، فهو من عرفة، وما دبر ذلك الجبل فليس من عرفة.
وهذا القول يدلّ على أنّها سمّيت بذلك نظير ما يسمّى الواحد باسم الجماعة المختلفة الأشخاص.
وأولى الأقوال بالصّواب في ذلك عندي أن يقال: هو اسمٌ لواحدٍ سميّ بجماعٍ، فإذا صرف ذهب به مذهب الجماع الّذي كان له أصلاً، وإذا ترك صرفه ذهب به إلى أنّه اسمٌ لبقعةٍ واحدةٍ معروفةٍ، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار، والقرى، المعارف). [جامع البيان: 3/515]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {فإذا أفضتم} فكررتم راجعين من عرفة إلى حيث بدأتم الشّخوص إليها منه {فاذكروا اللّه} يعني بذلك الصّلاة، والدّعاء {عند المشعر الحرام}.
وقد بيّنّا قبل أنّ المشاعر هي المعالم من قول القائل: شعرت بهذا الأمر: أي علمت.
المشعر هو المعلم، سميّ بذلك؛ لأنّ الصّلاة عنده والمقام، والمبيت، والدّعاء من معالم الحجّ، وفروضه الّتي أمر اللّه بها عباده وقد؛
[جامع البيان: 3/515]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن زكريّا، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: يستحبّ للحاجّ أن يصلّي، في منزله بالمزدلفة إن استطاع، وذلك أنّ اللّه قال: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم}.
فأمّا المشعر فإنّه هو ما بين جبلي المزدلفة من حدهما إلى مفضى مأزمي عرفة إلى محسّرٍ، وليس مأزما عرفة من المشعر.
وبالّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: رأى ابن عمر، النّاس يزدحمون على الجبيل بجمعٍ فقال: أيّها النّاس إنّ جمعًا كلّها مشعرٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه سئل عن قوله: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} قال: هو الجبل وما حوله.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما بين الجبلين اللّذين بجمعٍ مشعرٌ.
[جامع البيان: 3/516]
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن السّدّيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، وحدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سألته عن المشعر الحرام، فقال: ما بين جبلي المزدلفة.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن ابن عمر، قال: المشعر الحرام: المزدلفة كلّها قال معمرٌ: وقاله قتادة.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: أنبأنا الثّوريّ، عن السّدّيّ، عن سعيد بن جبيرٍ: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} قال: ما بين جبلي المزدلفة هو المشعر الحرام.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة،
[جامع البيان: 3/517]
قال: أخبرنا أبي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، قال: سألت عبد اللّه بن عمرو، عن المشعر الحرام، فقال: إذا انطلقت معي أعلمتكه. قال: فانطلقت معه، فوقفنا حتّى إذا أفاض الإمام سار وسرنا معه، حتّى إذا هبطت أيدي الرّكاب، وكنّا في أقصى الجبال ممّا يلي عرفاتٍ قال: أين السّائل عن المشعر الحرام؟ أخذت فيه، قلت: ما أخذت فيه؟ قال: كلّها مشاعرٌ إلى أقصى الحرم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا إسرائيل، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ الأوديّ، قال: سألت عبد اللّه بن عمر، عن المشعر الحرام. قال: إن تلزمني أركه. قال: فلمّا أفاض النّاس من عرفة، تهبطت أيدي الرّكاب في أدنى الجبال، قال: أين السّائل عن المشعر الحرام؟ قال: قلت: ها أنا ذا، قال: أخذت فيه، قلت: ما أخذت فيه؟ قال: حين تهبطت أيدي الرّكاب في أدنى الجبال فهو مشعرٌ إلى مكّة.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن عمارة بن زاذان، عن مكحولٍ الأزديّ، قال: سألت ابن عمر، يوم عرفة عن المشعر الحرام؟ فقال: الزمني فلمّا كان من الغد وأتينا المزدلفة، قال: أين السّائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام.
[جامع البيان: 3/518]
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: المشعر الحرام: المزدلفة كلّها.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: أين المزدلفة؟ قال: إذا أفضت من مأزمي عرفة، فذلك إلى محسّرٍ. قال: وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة، ولكن مفاضاهما. قال: فقف بينهما إن شئت، وأحبّ إليّ أن تقف دون قزح هلمّ إلينا من أجل طريق النّاس.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: رآهم ابن عمر، يزدحمون على قزح، فقال: علام يزدحم هؤلاء كلّ ما هاهنا مشعرٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: المشعر الحرام المزدلفة كلّها.
[جامع البيان: 3/519]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} وذلك ليلة جمعٍ. قال قتادة: كان ابن عبّاسٍ، يقول: ما بين الجبلين مشعرٌ.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: المشعر الحرام هو ما بين جبال المزدلفة، ويقال: هو قرن قزح.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} وهي المزدلفة، وهي جمعٌ.
وذكر عن عبد الرّحمن بن الأسود ما؛
- حدّثنا به هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عبد الرّحمن بن الأسود، قال: لم أجد أحدًا يخبرني عن المشعر الحرام.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول: المشعر الحرام: ما بين جبلي المزدلفة.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا قيسٌ، عن حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سألت ابن عمر، عن المشعر الحرام،؟ فقال: ما أدري، وسألت ابن عبّاسٍ، فقال: ما بين الجبلين.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: الجبيل وما حوله مشاعرٌ.
[جامع البيان: 3/520]
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن ثويرٍ، قال: وقفت مع مجاهدٍ، على الجبيل، فقال: هذا المشعر الحرام.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حسن بن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، الجبيل وما حوله مشاعرٌ
قال أبو جعفرٍ: وإنّما جعلنا أوّل حدّ المشعر ممّا يلي منًى منقطع وادي محسّرٍ ممّا يلي المزدلفة.
- لأنّ المثنّى، حدّثني قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن زيد بن أسلم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: عرفة كلّها موقفٌ إلاّ عرنة، وجمعٌ كلّها موقفٌ إلاّ محسّرًا.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثني هشيمٌ، عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عبد اللّه بن الزّبير، أنّه قال: كلّ مزدلفة موقفٌ إلاّ وادي محسّرٍ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حجّاجٍ، قال: أخبرني من، سمع عروة بن الزّبير، يقول مثل ذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن هشام بن عروة، قال: قال عبد اللّه بن الزّبير، في خطبته: تعلّمنّ أنّ عرفة، كلّها موقفٌ إلاّ بطن عرنة، تعلّمنّ أنّ مزدلفة كلّها موقفٌ إلاّ بطن محسّرٍ.
[جامع البيان: 3/521]
غير أنّ ذلك وإن كان كذلك فإنّي أختار للحاجّ أن يجعل وقوفه لذكر اللّه من المشعر الحرام على قزح وما حوله.
- لأنّ أبا كريبٍ، حدّثنا قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّعٍ، عن عبد الرّحمن بن الحارث المخزوميّ، عن زيد بن عليٍّ، عن أبيه، عن عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، عن عليٍّ، قال: لمّا أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمزدلفة، غدا فوقف على قزح، وأردف الفضل، ثمّ قال: هذا الموقف، وكلّ مزدلفة موقفٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّعٍ، عن عبد الرّحمن بن الحارث، عن زيد بن عليّ بن الحسين، عن عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، عن أبي رافعٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثنا هنّادٌ، وأحمد الدّولابيّ، قالا: حدّثنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن سعيد بن عبد الرّحمن بن يربوعٍ، عن ابن الحويرث، قال: رأيت أبا بكرٍ واقفًا على قزح وهو يقول: أيّها النّاس أصبحوا، أيّها النّاس أصبحوا، ثمّ دفع.
[جامع البيان: 3/522]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن عبد اللّه بن عثمان، عن يوسف بن ماهكٍ، قال: حججت مع ابن عمر، فلمّا أصبح بجمعٍ صلّى الصّبح، ثمّ غدا، وغدونا معه حتّى وقف مع الإمام على قزح، ثمّ دفع الإمام فدفع بدفعته.
وأمّا قول عبد اللّه بن عمرو حين صار بالمزدلفة: هذا كلّه مشاعرٌ إلى مكّة، فإنّ معناه أنّها معالمٌ من معالم الحجّ بنسكٍ في كلّ بقعةٍ منها بعض مناسك الحجّ، لا أنّ كلّ ذلك المشعر الحرام الّذي يكون الواقف حيث وقف منه إلى بطن مكّة قاضيًا ما عليه من الوقوف بالمشعر الحرام من جمعٍ.
وأمّا قول عبد الرّحمن بن الأسود: لم أجد أحدًا يخبرني عن المشعر الحرام فلأنّه يحتمل أن يكون أراد: لم أجد أحدًا يخبرني عن حدّ أوّله ومنتهى آخره على حقّه وصدقه؛ لأنّ حدود ذلك على صحّتها حتّى لا يكون فيها زيادةٌ ولا نقصانٌ لا يحيط بها إلاّ القليل من أهل المعرفة بها، غير أنّ ذلك وإن لم يقف على حدّ أوّله ومنتهى آخره وقوفًا لا زيادة فيه ولا نقصان إلاّ من ذكرت، فموضع الحاجة للوقوف لا خفاء به على كبير أحدٍ من سكّان تلك النّاحية، وكثيرٍ من غيرهم، وكذلك سائر مشاعر الحجّ والأماكن الّتي فرض اللّه عزّ وجلّ على عباده أن ينسكوا عندها كعرفاتٍ ومنًى، والحرم). [جامع البيان: 3/523]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واذكروا اللّه أيّها المؤمنون عند المشعر الحرام بالثّناء عليه والشّكر له على أياديه عندكم،
[جامع البيان: 3/523]
وليكن ذكركم إيّاه بالخضوع لأمره، والطّاعة له والشّكر على ما أنعم عليكم من التّوفيق، لما وفّقكم له من سنن إبراهيم خليله بعد الّذي كنتم فيه من الشّرك، والحيرة، والعمى عن طريق الحقّ وبعد الضّلالة كذكره إيّاكم بالهدى، حتّى استنقذكم من النّار به بعد أن كنتم على شفا حفرةٍ منها، فنّجاكم منها. وذلك هو معنى قوله: {كما هداكم}.
وأمّا قوله: {وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين} فإنّ من أهل العربيّة من يوجّه تأويل إنّ إلى ما وتأويل ما، وتأويل اللاّم الّتي في لمن إلى إلاّ.
فتأويل الكلام على هذا المعنى: وما كنتم من قبل هداية اللّه إيّاكم لما هداكم له من ملّة خليله إبراهيم الّتي اصّطفاها لمن رضي عنه من خلقه إلاّ من الضّالّين.
ومنهم من يوجّه تأويل إنّ إلى قد، فمعناه على قول قائلى هذه المقالة: واذكروا اللّه أيّها المؤمنون كما ذكركم بالهدى، فهداكم لما رضيه من الأديان، والملل، وقد كنتم من قبل ذلك من الضّالّين). [جامع البيان: 3/524]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين (198)
قوله: ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا عبّاد بن عوّامٍ، عن العلاء بن المسيّب عن أبي أمامة التّيميّ، قال: قلت لابن عمر: إنّا أناسٌ نكرى في هذا الوجه إلى مكّة، وإنّ ناسًا يزعمون أنّه لا حجّ لنا، فهل ترى لنا حجًّا؟ قال: ألستم تحرمون وتطوفون بالبيت وتقضون المناسك؟ قال: قلت: بلى. قال: فأنتم حجّاجٌ. قال: ثمّ قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله عن مثل الّذي سألت، فلم يدر ما يعود، أو قال: فلم يردّ عليه شيئًا حتّى نزلت: ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربكم فدعى الرّجل، فتلاها عليه وقال أنتم حجّاجٌ.

- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: كان عكاظٌ ومجنّة وذو المجاز أسواقًا في الجاهليّة. فلمّا كان الإسلام، كأنّهم كرهوا أن يتّجروا في الحجّ فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه تعالى: ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم في مواسم الحجّ.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، ثنا معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قوله ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم يقول: لا حرج عليكم في الشّراء والبيع، قبل الإحرام وبعده). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أن تبتغوا فضلا من ربّكم
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن شقيقٍ ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم يعني بالفضل: التّجارة والرّزق بعرفاتٍ ومنًى، ولا في شيءٍ من مواقيت الحجّ، ولا عند البيت فرخّص اللّه التّجارة في الحجّ والعمرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فإذا أفضتم من عرفاتٍ
- حدّثنا حمّاد بن الحسن بن عنبسة، ثنا أبو عامرٍ، عن زمعة، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان أهل الجاهليّة يقفون بعرفة حتّى إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرّجال، دفعوا. فأخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الدّفعة من عرفة حتّى غربت الشّمس
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن شعبة عن إسماعيل بن رجاءٍ، عن المعرور بن سويدٍ، قال: رأيت ابن عمر، حين دفع من عرفة كأنّي أنظر إليه، رجل أصلع على بعير له يوضع وهو يقول: إنّا وجدنا الإفاضة هي الإيضاع.
- عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد اللّه بن عمرٍو، أنّه قال: إنّما سمّيت عرفات لأنّه قيل لإبراهيم، حين أري المناسك، عرفت. وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي مجلزٍ وعطاءٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فاذكروا اللّه
- أخبرنا أبو محمّدٍ ابن بنت الشّافعيّ فيما كتب إليّ عن أبيه أو عمّه، عن سفيان بن عيينة، قوله: فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام وهي جميعًا.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن شعبة، عن إسماعيل بن رجاءٍ، عن المعرور بن سويدٍ، قال: رأيت ابن عمر، حين دفع من عرفة كأنّي أنظر إليه، رجل أصلع على بعير له، يوضع وهو يقول: إنّا وجدنا الإفاضة هي الإيضاع.
[تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: من عرفات
- حدّثنا محمّد بن داود السّمنانيّ، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان عن ثابت بن هرمز، يعني: أبا المقدام). [تفسير القرآن العظيم: 1/353]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين (198)
قوله: فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن أبيه وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، قال: سألت عبد اللّه بن عمرٍو عن المشعر الحرام، فسكت حتّى إذا هبطت أيدي رواحلنا بالمزدلفة قال: أين السّائل عن المشعر الحرام؟
هذا المشعر الحرام.
- حدثنا إسماعيل بن نحيى بن كيسان رفيق أبي مسعود بن الفرات ثنا عبد الرّزّاق، ثنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، قال: قال ابن عمر: المشعر الحرام:
المزدلفة كلّها.
وروي عن ابن عبّاسٍ وابن عمر وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة ومجاهدٍ والحسن والسّدّيّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ، أنّه: بين الجبلين.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ ثنا سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام قال: المشعر الحرام: جمع أمرهم أن يذكروه عند المشعر الحرام إذا ما هم أفاضوا من عرفاتٍ كما هداهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/353]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واذكروه كما هداكم
- وذكر عن أبي أسامة، عن أبي سعدٍ البقّال، عن محمّد بن عبيد اللّه بن الزبير: واذكروه كما هداكم قال: ليس هذا بعامٍّ هذا لأهل البلد). [تفسير القرآن العظيم: 1/353]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين
ذكر عن قبيصة، عن سفيان: وإن كنتم من قبله لمن الضالين قال: من قبل القرآن.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: لمن الضّالّين قال: لمن الجاهلين). [تفسير القرآن العظيم: 1/353]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال التجارة في الموسم). [تفسير مجاهد: 103]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه، قال: قرئ على يحيى بن جعفرٍ وأنا أسمع، ثنا حمّاد بن مسعدة، ثنا ابن أبي ذئبٍ، عن عطاءٍ، عن عبيد بن عميرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " كانوا في أوّل الحجّ يتبايعون بمنًى كسوق المجاز، ومواسم الحجّ، فلمّا نزل القرآن، خافوا البيع، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} [البقرة: 198] في مواسم الحجّ «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/304]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: {المشعر الحرام} [البقرة: 198] : «المزدلفة كلّها» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/304]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب، ثنا يحيى بن محمّد بن يحيى، ثنا عبد الرّحمن بن المبارك العيشيّ، ثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، عن ابن جريجٍ، عن محمّد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، قال: خطبنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بعرفة فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّ أهل الشّرك والأوثان، كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشّمس، حين تكون الشّمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرّجال على رءوسها، فهدينا مخالفٌ لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشّمس على رءوس الجبال، مثل عمائم الرّجال على رءوسها فهدينا مخالفٌ لهديهم» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/304]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ د) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قال كانت عكاظ، ومجنّة، وذو المجاز : أسواقاً في الجاهليّة، فلمّا كان الإسلام، فكأنهم تأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم في مواسم الحجّ} قرأها ابن عباس هكذا [البقرة: 198]. وفي رواية: {أن تبتغوا في مواسم الحجّ فضلاً من ربّكم} أخرجه البخاري.
وفي رواية أبي داود، أنه قرأ: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربكم} قال: كانوا لا يتّجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات.
وفي أخرى له قال: إن الناس في أول الحجّ كانوا يتبايعون بمنى، وعرفة، وسوق ذي المجاز، وهي مواسم الحجّ، فخافوا البيع وهم حرمٌ، فأنزل
[جامع الأصول: 2/34]
الله عزّ وجلّ: {لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربّكم في مواسم الحجّ} قال عطاء بن أبي رباح: فحدثني عبيد بن عمير، أنه كان يقرؤها في المصحف.
[شرح الغريب]
(فتأثّموا) فعلوا ما يخرجهم من الإثم، أو لأنهم اعتدّوا فعل ذلك إثماً.
(أفاضوا) الإفاضة: الزحف والدفع بكثرة، ولا تكون إلا عن تفرق وكثرة.
(المواسم) جمع موسم، وهو الزمان الذي يتكرر في كل سنة، لاجتماع أو بيع أو عيد أو نحو ذلك، ومنه: موسم الحج). [جامع الأصول: 2/35]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) أبو أمامة التيمي رحمه الله قال: كنت رجلاً أكري في هذا الوجه، وكان الناس يقولون لي: إنه ليس لك حجٌّ فلقيت ابن
[جامع الأصول: 2/36]
عمر، قلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناساً يقولون: إنه ليس لك حجٌّ، فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفاتٍ، وترمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجًّا، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني، فسكت رسول الله فلم يجبه حتى نزلت الآية: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربكم} فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وقال: «لك حجٌّ» أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/37]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فأذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين
[الدر المنثور: 2/396]
أخرج سفيان وسعيد بن منصور والبخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في الموسم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} في مواسم الحج.
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج ويقولون: أيام ذكر الله فنزلت {ليس عليكم جناح} الآية.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبيد بن عمير عن ابن عباس: في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج
فخافوا وهم حرم فأنزل الله (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) فحدث عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف
[الدر المنثور: 2/397]
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة التميمي قال قلت لابن عمر: أنا ناس نكتري فهل لنا من حج قال: أليس تطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة وتأتون المعروف وترمون الجمار وتحلقون رؤوسكم قلت: بلى، فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} فدعاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه الآية وقال: أنتم حجاج.
أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي الزبير، أنه قرأ ((ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في
[الدر المنثور: 2/398]
مواسم الحج)).
وأخرج وكيع وأبو عبيد في فضائله، وابن أبي شيبة والبخاري، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس، أنه كان يقرأ (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج).
وأخرج أبو داود في المصاحف عن عطاء قال: نزلت ((ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج)) وفي قراءة ابن مسعود ((في مواسم الحج فابتغوا جينئذ)).
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ليس عليكم جناح} يقول: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن مجاهد قال: كان ناس لا يتجرون أيام الحج فنزلت فيهم {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}.
وأخرج أبو داود عن مجاهد أن ابن عباس قرأ هذه الآية {ليس
[الدر المنثور: 2/399]
عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} قال: كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات.
وأخرج سفيان بن عينية، وابن جرير عن مجاهد في قوله {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} قال: التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: كان ناس من أهل الجاهلية يسمون ليلة النفر ليلة الصدر وكانوا لا يعرجون على كسير ولا ضالة ولا لحاجة ولا يتبغون فيها تجارة فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حاجاتهم ويبتغوا من فضل الله). [الدر المنثور: 2/400]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات}.
أخرج وكيع، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: إنما تسمى عرفات لأن جبريل كان يقول لابراهيم عليهما السلام: هذا موضع كذا وهذا موضع كذا، فيقول: قد عرفت قد عرفت فلذلك سميت عرفات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: إنما سميت عرفات لأنه
[الدر المنثور: 2/400]
قيل لابراهيم حين أري المناسك عرفت.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن علي، مثله.
وأخرج الحاكم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن المسور بن مخرمة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد - وكان إذا خطب قال أما بعد - فإن هذا اليوم الحج الأكبر ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ههنا قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفا هدينا لهدي أهل الشرك.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه ومن فاته فقد فاته الحج.
وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإبل أو البقر أو
[الدر المنثور: 2/401]
الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء وإن لم يتيسر له فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإذا كان آخر يوم من أيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا للذي يبيتون به ثم ليذكروا الله كثيرا وأكثروا التكبير
والتهاليل قبل أن تصبحوا ثم أفيضوا فإن الناس كان يفيضون وقال الله (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) (البقرة الآية 199) حتى ترموا الجمرة.
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرفة إلى جبال عرفة إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة.
وأخرج أبو داود، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل عرفة موقف وكل منى نحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر.
وأخرج مسلم، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت هنهنا وجمع كلها موقف
[الدر المنثور: 2/402]
وأخرج أحمد عن جبير بن مطعم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال كل عرفات موقف وارفعوا عن عرفة وكل جمع موقف وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح.
وأخرج أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه، وابن ماجة، عن علي، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا يلتفت إليهم ويقول: يا أيها الناس عليكم السكينة، ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا فلما أصبح أتى قزح وقف عليه وقال: هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر ففزع ناقته فخبب حتى جازوا الوادي فوقف وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر
[الدر المنثور: 2/403]
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجة والحاكم وصححه عن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال: إني رسول رسول الله إليكم، يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم.
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة فقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيجاف
الخيل والإبل، قال: فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعا ثم أردف الفضل ابن العباس فقال: أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة، قال: فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى.
وأخرج البخاري عن ابن عباس أنه دفع مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا العقاب والعصي فإذا أفاضوا
[الدر المنثور: 2/404]
تقعقعوا فأنفرت الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ظفري ناقته لا يمس الأرض حاركها وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالسكينة.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن أسامة بن زيد أنه سأل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين أفاض من عرفة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفات قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص.
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس فأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حتى انتهى إلى المزدلفة
[الدر المنثور: 2/405]
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول: إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها.
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب حين دفع من عرفة قال: إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها.
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي بكر قال: رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وأبا سلمة بن سفيان واقفين على طرف بطن عرفة فوقفت معهما فلما دفع الإمام دفعا وقالا، إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها يكثران من ذلك وزعم أنه سمع أبا بكر عبد الرحمن يذكر أن رسول
[الدر المنثور: 2/406]
الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دفع.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى فكلاهما قال: لم يزل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
وأخرج مسلم عن أسامة بن زيد أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة فلما جاء الشعب أناخ راحلته ثم ذهب إلى الغائط فلما رجع جئت إليه بالأداوه فتوضأ ثم ركب حتى أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء.
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة). [الدر المنثور: 2/407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام}.
أخرج وكيع وسفيان بن عينية، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في "سننه" عن عبد الله بن
[الدر المنثور: 2/407]
عمرو، أنه سئل عن المشعر الحرام فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال: هذا المشعر الحرام.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: المشعر الحرام مزدلفة كلها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عمر، أنه رأى الناس يزدحمون على قزح فقال: علام يزدحمون هؤلاء كل ما ههنا مشعر.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر في قوله {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} قال: هو الجبل وما حوله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس، مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: ما بين جبلي مزدلفة فهو المشعر
[الدر المنثور: 2/408]
الحرام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن الأسود قال: لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام.
وأخرج مالك، وابن جرير عن عبد الله بن الزبير قال: عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر.
وأخرج الأزرقي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوا عن بطن عرفة وارفعوا عن بطن محسر.
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أين المزدلفة قال: المزدلفة إذا أفضت من مأزمي فذلك إلى محسر وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما قال: قف بأيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح.
وأخرج الحاكم وصححه، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين وقف
[الدر المنثور: 2/409]
بعرفة هذا الموقف وكل عرفة موقف وقال حين وقف على قزح: هذا الموقف وكل المزدلفة موقف.
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف عند المشعر الحرام ويقف الناس يدعون الله ويكبرونه ويهللونه ويمجدونه ويعظمونه حتى يدفع إلى منى.
وأخرج الأزرقي عن نافع قال: كان ابن عمر يقف بجمع كلما حج على قزح نفسه لا ينتهي حتى يتخلص عنه فيقف عليه الإمام كلما حج.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول: رخص في اولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم
[الدر المنثور: 2/410]
وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن عمرو بن ميمون قال: سمعت عمر بن الخطاب بجمع بعدما صلى الصبح وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس.
وأخرج الأزرقي عن كليب الجهني قال رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريبا منها.
وأخرج الأزرقي عن ابن عمر قال: كانت النار توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان.
وأخرج الأزرقي عن إسحاق بن عبد الله بن خارجة عن أبيه قال: لما أفاض سليمان بن عبد الملك بن مروان من المأزمين نظر إلى النار التي على قزح فقال لخارجة
بن زيد: يا أبا زيد من أول من صنع النار ههنا قال خارجة:
[الدر المنثور: 2/411]
كانت في الجاهلية وضعها قريش وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة وتقول: نحن أهل الله قال خارجة: فأخبرني رجال من قومي أنهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي قالوا: كان قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة نارا حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفات.
وأخرج البخاري واللفظ له ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة العشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلوع الفجر وقائل يقول: طلع الفجر وقائل يقول: لم يطلع الفجر ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر
[الدر المنثور: 2/412]
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم يغدو إلى عرفة فيقيل حيث قضى له حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعا ثم وقف بعرفات حتى تغيب الشمس ثم يفيض فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجة والحاكم وصححه عن عروة بن مضرس قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت: جئتك من جبل طيى ء وقد أكلت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلى وقفت عليه فهل لي من حج فقال: من صلى معنا هذه الصلاة في هذا المكان ثم وقف هذه الموقف حتى يفيض الإمام وكان وقف قبل ذلك في عرفات ليلا ونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه
[الدر المنثور: 2/413]
وأخرج الشافعي عن ابن عمر قال: من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف يجبل عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا ويطوف بين الصفا
والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء وإن كان معه هديه فلينحره قبل أن يحلق فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله فإن أدركه الحج قابلا فليحج إن استطاع وليهد بدنة فإن لم يجد هديا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
وأخرج مسلم والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد، أن عبد الله بن مسعود لبى حين أفاض من جمع فقال أعرابي: من هذا قال عبد الله: أنسي الناس أم ضلوا سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان لبيك اللهم لبيك.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله {واذكروه كما هداكم} قال: ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع
[الدر المنثور: 2/414]
ويفيض الناس من عرفات فأبى الله لهم ذلك فأنزل الله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان {وإن كنتم من قبله} قال: من قبل القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وإن كنتم من قبله لمن الضالين} قال: لمن الجاهلين.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي، عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء
[الدر المنثور: 2/415]
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله فما عمل به من شيء
عملنا به فأهل التوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي تهلون به فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وبقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) (البقرة الآية 158) فبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فكبر الله وحده وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك وقال: مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه
[الدر المنثور: 2/416]
هدي فليحلل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم وقصروا إلا النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى أهلوا بالحج فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا غربت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم عثمان بن ربيع بن الحرث بن المطلب وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه
ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فأضربوهن ضربا غير
[الدر المنثور: 2/417]
مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصتم به كتاب الله وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت قال: اللهم اشهد ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص وأردف أسامة خلفه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى: السكينة أيها الناس كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى صعد أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر
[الدر المنثور: 2/418]
الحرام فرقى عليه فاستقبل الكعبة فحمد الله وكبره ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى محسرا فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى الذي تخرجك إلى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها فرمى بطن الوادي ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين وأمر عليا ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقتها ثم ركب ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فأدلوه دلوا فشرب منه). [الدر المنثور: 2/419]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عن الزهري قال كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشا وأحلافها وهم الحمس فقال بعضهم لبعض لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك الناس أن يتهاونوا بحرمكم فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع فأمرهم الله تعالى أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات فلذلك قال الله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس). [تفسير عبد الرزاق: 1/79] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أبو معاوية، حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: " كانت قريشٌ تقف بالمزدلفة ويسمّون الحمس، وسائر العرب تقف بعرفة، فأمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يقف بعرفة، ثمّ يدفع منها، فأنزل الله تعالى {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} [البقرة: 199]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/30]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} [البقرة: 199]
[صحيح البخاري: 6/27]
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا محمّد بن خازمٍ ،
[صحيح البخاري: 6/27]
حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها: «كانت قريشٌ ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمّون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفاتٍ، فلمّا جاء الإسلام أمر اللّه نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي عرفاتٍ، ثمّ يقف بها، ثمّ يفيض منها» فذلك قوله تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} [البقرة: 199]
[صحيح البخاري: 6/28]
- حدّثني محمّد بن أبي بكرٍ، حدّثنا فضيل بن سليمان، حدّثنا موسى بن عقبة، أخبرني كريبٌ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " يطّوّف الرّجل بالبيت ما كان حلالًا حتّى يهلّ بالحجّ، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسّر له هديّةٌ من الإبل أو البقر أو الغنم، ما تيسّر له من ذلك، أيّ ذلك شاء، غير أنّه إن لم يتيسّر له فعليه ثلاثة أيّامٍ في الحجّ، وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يومٍ من الأيّام الثّلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه، ثمّ لينطلق حتّى يقف بعرفاتٍ من صلاة العصر إلى أن يكون الظّلام، ثمّ ليدفعوا من عرفاتٍ إذا أفاضوا منها حتّى يبلغوا جمعًا الّذي يتبرّر فيه، ثمّ ليذكروا اللّه كثيرًا، وأكثروا التّكبير والتّهليل قبل أن تصبحوا، ثمّ أفيضوا فإنّ النّاس كانوا يفيضون، وقال اللّه تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [البقرة: 199] حتّى ترموا الجمرة "). [صحيح البخاري: 6/28]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس)
ذكر فيه حديث عائشة كانت قريشٌ ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة الحديث وقد تقدّم شرحه في كتاب الحجّ أيضًا ثمّ ذكر فيه حديث بن عبّاس
- قوله يطوف الرّجل بالبيت ما كان حلالًا أي المقيم بمكّة والّذي دخل بعمرةٍ وتحلّل منها قوله فعليه ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وذلك قبل يوم عرفة هو تقييدٌ من بن عبّاسٍ لما أطلق في الآية قوله ثمّ لينطلق وقع بحذف اللّام في رواية المستملي وقوله في صلاة العصر إلى أن يكون الظّلام أي يحصل الظّلام بغروب الشّمس وقوله من صلاة العصر يحتمل أن يريد من أوّل وقتها وذلك عند مصير الظّلّ مثله وكان ذلك الوقت بعد ذهاب القائلة وتمام الرّاحة ليقف بنشاطٍ ويحتمل أن يريد من بعد صلاتها وهي تصلّى عقب صلاة الظّهر جمع تقديمٍ ويقع الوقوف عقب ذلك ففيه إشارةٌ إلى أوّل مشروعيّة الوقوف وأمّا قوله ويختلط الظّلام ففيه إشارةٌ إلى الأخذ بالأفضل وإلّا فوقت الوقوف يمتدّ إلى الفجر قوله حتّى يبلغوا جمعًا بفتح الجيم وسكون الميم وهو المزدلفة وقوله يتبرّر فيه براءين مهملتين أي يطلب فيه البرّ وقوله ثمّ ليذكروا اللّه كثيرًا أو أكثروا التّكبير والتّهليل هو شكٌّ من الرّاوي قوله ثمّ أفيضوا فإنّ النّاس كانوا يفيضون قد تقدّم بيانه وتفصيله في حديث عائشة الّذي قبله وقوله حتّى ترموا الجمرة هو غايةٌ لقوله ثمّ أفيضوا ويحتمل أن يكون غايةً لقوله أكثروا التّكبير والتهليل). [فتح الباري: 8/187]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} (البقرة: 199)
أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} أي: لتكن إفاضتكم من حيث أفاض النّاس ولا تكن من المزدلفة، وحاصل المعنى: أن الله عز وجل، أمر الواقف بعرفات أن يدفع إلى المزدلفة ليذكر الله تعالى عند المشعر الحرام وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور النّاس يصنعون ويقفون بها. غير أن قريشًا لم يكونوا يخرجون من الحرم، فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الجبل ويقولون: نحن أهل الله في بلدته وقطان بيته، فلا يخرجون منه فيقفون بجمع وسائر النّاس بعرفات.
- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدّثنا محمّد بن خازمٍ حدّثنا هشامٌ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كانت قريشٌ ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمّون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفاتٍ فلما جاء الإسلام أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفاتٍ ثمّ يقف بها ثمّ يفيض منها فذلك قوله تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}.
مطابقته هي معنى التّرجمة ومحمّد بن خازم، بالخاء المعجمة وبالزاي: أبو معاوية الضّرير، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير.
قوله: (ومن دان دينها) أي: دين قريش قال الخطابيّ: القبائل الّتي كانت تدين مع قريش هم بنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة. وكانوا إذا أحرموا لا يتناولون السّمن والأقط ولا يدخلون من أبواب بيوتهم، وكانوا يسمون الخمس، لأنهم تحمسوا في دينهم وتصلبوا، والحماسة الشدّة. قوله: (ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس) ثمّ سائر العرب غير الحمس، وهم قريش ومن كان على دينهم، وقيل: المراد من النّاس آدم عليه السّلام. وقيل: إبراهيم، عليه السّلام، وقرئ شاذا من حيث أفاض النّاسي، يعني: آدم عليه السّلام.
- حدّثني محمّد بن أبي بكرٍ حدّثنا فضيل بن سليمان حدّثنا موسى بن عقبة أخبرني كريبٌ عن ابن عباسٍ قال تطوّف الرّجل بالبيت ما كان حلالاً حتّى يهلّ بالحجّ فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسّر له هديّة من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسّر له من ذلك أيّ ذلك شاء غير أن لم يتيسّر له فعليه ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يومٍ من الأيام الثّلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثمّ لينطلق حتّى يقف بعرفاتٍ من صلاة العصر إلى
[عمدة القاري: 18/112]
أن يكون الظّلام ثم ليدفعوا من عرفاتٍ إذا أفاضوا منها حتّى يبلغوا جمعا الّذي يبيتون به ثمّ ليذكروا الله كثيرا وأكثروا التّكبير والتّهليل قبل أن تصبحوا ثمّ أفيضوا فإنّ النّاس كانوا يفيضون وقال الله تعالى {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا الله إنّ الله غفورٌ رحيمٌ} (البقرة: 199) حتّى ترموا الجمرة.
مطابقته للتّرجمة في قوله: (ثمّ أفيضوا) إلى آخره. ومحمّد بن أبي بكر بن عليّ بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصريّ، وفضيل مصغر فضل. بالضاد المعجمة.
قوله: (ما كان حلالا) بأن كان مقيما بمكّة أو كان قد دخل بعمرة ثمّ تحلل منها. قوله: (حتّى يهل) أي: حتّى يحرم بالحجّ. قوله: (ما تيسّر له) جزاء للشّرط أي: ففديته ما تيسّر له، أو التّقدير: فعليه ما تيسّر، ويجوز أن يكون قوله: ما تيسّر له بدلا من قوله: هديّة، ويكون الجزاء بأسره محذوفا تقديره، ففديته ذلك أو: فليفتد بذلك. قوله: (غير أن لم تيسّر له) أي: الهدى فعليه ثلاثة أيّام في الحج أي: قبل يوم عرفة وهذا تقييد من ابن عبّاس لإطلاق الآية قوله: (ثمّ لينطلق)، وفي رواية المستملي: (ثمّ ينطلق) بدون اللّام. قوله: (من صلاة العصر)، أراد من أول وقت العصر وذلك عند صيرورة ظلّ كل شيء مثله، ويحتمل أنه أراد من بعد صلاة العصر، لأنّها تصلى عقيب صلاة الظّهر جمع تقديم، ويكون الوقوف عقيب ذلك، ولا شكّ أنه بعد الزّوال، وسأل الكرماني: بأن أول وقت الوقوف زوال الشّمس يوم عرفة وآخره صبح العيد، ثمّ أجاب عن ذلك: بأنّه اعتبر في الأول الأشرف، لأن وقت العصر أشرف، وفي الآخر العادة المشهورة. انتهى (قلت) فيه تأمل. قوله: (حتّى يبلغوا جمعا)، بفتح الجيم وسكون الميم، وهو المزدلفة قوله: (الّذي يبيتون به) ويروى (يتبرر فيه) براءين مهملتين. أي: يطلب فيه البر، ويروى: (يتبرز)، براء ثمّ زاي من التبرز، وهو الخروج إلى البراز للحاجة، والبراز بالفتح اسم للفضاء الواسع. قوله: (أو أكثروا) شكّ من الرّاوي. قوله: (حتّى ترموا الجمرة) هذه غاية للإفاضة، ويحتمل أن يكون غاية لقوله: (اكثروا) ). [عمدة القاري: 18/113]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} [البقرة: 199]
(باب) ({ثم أفيضوا}) ارجعوا ({من حيث أفاض الناس}) [البقرة: 199] من عرفة لا من المزدلفة.
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا محمّد بن خازمٍ، حدّثنا هشامٌ عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت قريشٌ ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمّون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفاتٍ، فلمّا جاء الإسلام أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي عرفاتٍ
ثمّ يقف بها ثمّ يفيض منها فذلك قوله تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} [البقرة: 199].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن خازم) بالخاء والزاي المعجمتين أبو معاوية الضرير قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها قالت: (كانت قريش ومن دان دينها) وهو بنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة فيما قاله الخطاب (يقفون بالمزدلفة) ولا يخرجون من المحرم إذا وقفوا ويقولون: نحن أهل الله فلا نخرج من حرم الله (وكانوا يسمون الحمس) بضم الحاء المهملة وبعد الميم الساكنة سين مهملة جمع أحمس وهو الشديد الصلب وسموا بذلك لتصلبهم فيما كانوا عليه (وكان سائر العرب) أي باقيهم
[إرشاد الساري: 7/30]
(يقفون بعرفات لما جاء الإسلام أمر الله) عز وجل (نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم) سقطت التصلية لأبي ذر (أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها) بنصب الفعلين عطفًا على السابق (فذلك قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}) سائر العرب غير قريش ومن دان دينهم، وقيل: المراد بالناس إبراهيم وقيل آدم عليهما الصلاة والسلام وقرئ الناس بالكسر أي الناس يريد آدم عليه السلام من قوله تعالى: {فنسي} والمعنى أن الإفاضة من عرفة شرع قديم فلا تغيّروه.
وهذا الحديث قد مرّ في الحج.
- حدّثني محمّد بن أبي بكرٍ، حدّثنا فضيل بن سليمان، حدّثنا موسى بن عقبة، أخبرني كريبٌ عن ابن عبّاسٍ قال: يطوّف الرّجل بالبيت ما كان حلالًا حتّى يهلّ بالحجّ فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسّر له هديّةٌ من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسّر له من ذلك أيّ ذلك شاء غير إن لم يتيسّر له فعليه ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يومٍ من الأيّام الثّلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثمّ لينطلق حتّى يقف بعرفاتٍ من صلاة العصر إلى أن يكون الظّلام، ثمّ ليدفعوا من عرفاتٍ إذا أفاضوا منها حتّى يبلغوا جمعًا الّذي يتبرّر فيه ثمّ ليذكروا اللّه كثيرًا، أو أكثروا التّكبير والتّهليل قبل أن تصبحوا، ثمّ أفيضوا فإنّ النّاس كانوا يفيضون وقال اللّه تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [البقرة: 199] حتّى ترموا الجمرة.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن أبي بكر) المقدمي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح الضاد في الأوّل وضم السين وفتح اللام من الثاني النمير بالنون مصغرًا البصري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي قال: (أخبرني) بالإفراد (كريب) هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: تطوف الرجل بالبيت) بفتح المثناة الفوقية والطاء المخففة وضم الواو المشددة مضافًا لتاليه وفي نسخة يطوف بالمثناة التحتية وضم الطاء مخففة الرجل بالرفع على الفاعلية (ما كان حلالًا) أي مقيمًا بمكة أو دخل بعمرة وتحلل منها (حتى يهلّ بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية)
بكسر الدال وتشديد التحتية، والذي في اليونينية هدية بكسر الدال من غير تشديد على التحتية، وفي نسخة هديه بسكون الدال وتخفيف التحتية آخره هاء (من الإبل أو البقر أو الغنم) وجزاء الشرط قوله: (ما تيسر له من ذلك) أي ففديته ما تيسر أو فعليه ما تيسر أو بدل من الهدي والجزاء بأسره محذوف أي ففديته ذلك أو فليفتد بذلك قاله الكرماني (أيّ ذلك شاء غير إن لم) وللأصيلي غير أنه إن لم (يتيسر له) أي الهدي (فعليه) وجوبًا (ثلاثة أيام) يصومهن (في الحج وذلك قبل يوم عرفة) لأنه يسن للحاج فطره وهذا تقييد من ابن عباس لإطلاق الآية (فإن كان آخر يوم) برفع آخر ولأبي ذر بالنصب (من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه) ولا يجوز صوم شيء منها يوم النحر ولا في أيام التشريق كما سبق في الحج، ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج لأنها عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها (ثم لينطلق) بالجزم بلام الأمر ولأبي ذر عن المستملي ينطلق بحذف اللام (حتى يقف بعرفات من صلاة العصر) عند صيرورة ظل كل شيء مثله أو بعد صلاتها مع الظهر جمع تقديم للسفر (إلى أن يكون الظلام) بغروب الشمس (ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعًا) بفتح الجيم وسكون الميم وهو المزدلفة (الذي يبيتون به) صفة لجمعًا وهو من البيات، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي يتبرر بفوقية بعد التحتية المضمومة فموحدة فراءين مهملتين أوّلهما مفتوح مشدّد أي يطلب فيه البر وهو الصواب وعليه اقتصر في الفتح، وفي نسخة يتبرز بزاي معجمة آخره بدل الراء من التبرز وهو الخروج للبراز وهو الفضاء الواسع لأجل قضاء الحاجة (ثم ليذكر الله كثيرًا) بكسر الراء مع الأفراد وفي نسخة ثم ليذكروا الله بضمها مع الجمع (وأكثروا التكبير والتهليل) بالواو المفتوحة من غير همزة قبلها في الفرع وأصله وغيرهما من النسخ المعتمدة التي وقفت عليها. وقال الحافظ ابن حجر: وتبعه العيني أو أكثروا بالشك من الراوي أي: هل قال ثم ليذكر الله وأكثروا التكبير والتهليل (قبل أن تصبحوا ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون)، وقال الله تعالى: ({ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله}) من تغيير المناسك ونحوه ({إن الله غفور رحيم}) يغفر ذنب المستغفر وكثيرًا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات (حتى ترموا الجمرة) التي عند العقبة وهو غاية لقوله: ثم أفيضوا، أو لقوله: أكثروا التكبير). [إرشاد الساري: 7/31]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}
قوله: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) أي: سائر العرب غير قريش، ومن دان دينهم، وقيل: المراد بالناس إبراهيم، وقيل: آدم عليهما الصلاة والسلام.
وقرىء الناس بالكسر أي: الناسي يريد آدم عليه السلام من قوله تعالى: {فنسي}، والمعنى أن الإفاضة من عرفة شرع قديم، فلا تغيروه). [حاشية السندي على البخاري: 3/41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، ومن المعنيّ بالأمر بالإفاضة من حيث أفاض النّاس، ومن النّاس الّذين أمروا بالإفاضة من موضع إفاضتهم.
[جامع البيان: 3/524]
فقال بعضهم: المعنيّ بقوله: {ثمّ أفيضوا} قريشٌ، ومن ولدته قريشٌ الّذين كانوا يسمّون في الجاهليّة الحمس أمروا في الإسلام أن يفيضوا من عرفاتٍ، وهي البقعه الّتي أفاض منها سائر النّاس غير الحمس. وذلك أنّ قريشًا ومن ولدته قريشٌ، كانوا يقولون: لا نخرج من الحرم. فكانوا لا يشهدون موقف النّاس بعرفة معهم، فأمرهم اللّه بالوقوف معهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الطّفاويّ، قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت قريشٌ ومن كان على دينها وهم الحمس، يقفون بالمزدلفة يقولون: نحن قطين اللّه، وكان من سواهم يقفون بعرفة. فأنزل اللّه: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}.
- حدّثنا عبد الوارث بن عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبان، قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن عروة: أنّه كتب إلى عبد الملك بن مروان كتبت إليّ في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لرجلٍ من الأنصار إنّي أحمس وإنّي لا أدري أقالها النّبيّ أم لا؟ غير أنّي سمعتها تحدّث عنه. والحمس: ملّة قريشٍ، وهم مشركون، ومن ولدت قريشٌ من خزاعة، وبنو كنانة. كانوا لا يدفعون من عرفة،
[جامع البيان: 3/525]
إنّما كانوا يدفعون من المزدلفة وهو المشعر الحرام، وكانت بنو عامرٍ حمسًا، وذلك أنّ قريشًا ولدتهم، ولهم قيل: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} وأنّ العرب كلّها كانت تفيض من عرفة إلاّ الحمس كانوا يدفعون إذا أصبحوا من المزدلفة.
- حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا أبو توبة، قال: حدّثنا أبو إسحاق الفزاريّ، عن سفيان، عن حسين بن عبيد اللّه، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت العرب تقف بعرفة، وكانت قريشٌ تقف دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل اللّه: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} فرفع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الموقف إلى موقف العرب بعرفة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} من حيث تفيض جماعة النّاس قال: كان جماعة الناس يفيضون من عرفات، ويقول أهل الحرم: إنا حمس فكانوا يفيضون من جمع فقال الله عز وجل: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} من حيث تفيض جماعة النّاس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ،
[جامع البيان: 3/526]
عن عبد اللّه بن أبي المجالد، عن مجاهدٍ، قال: إذا كان يوم عرفة هبط اللّه إلى السّماء الدّنيا في الملائكة، فيقول: هلمّ إليّ عبادي، آمنوا بوعدي وصدّقوا رسلي فيقول: ما جزاؤهم؟ فيقال: أن تغفر لهم. فذلك قوله: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} قال: عرفة. قال: كانت قريشٌ تقول: نحن الحمس أهل الحرم ولا نخلف الحرم المزدلفة. فأمروا أن يبلغوا عرفة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}، قال قتادة: وكانت قريشٌ وكلّ حليفٍ لهم، وبني أختٍ لهم لا يفيضون من عرفاتٍ، إنّما يفيضون من المغمّس ويقولون: إنّما نحن أهل اللّه، فلا نخرج من حرمه. فأمرهم اللّه أن يفيضوا من حيث أفاض النّاس من عرفاتٍ، وأخبرهم أنّ سنّة إبراهيم، وإسماعيل، هكذا: الإفاضة من عرفاتٍ.
[جامع البيان: 3/527]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} قال: كانت العرب تقف بعرفاتٍ، فتعظّم قريشٌ أن تقف معهم، فتقف قريشٌ بالمزدلفة؛ فأمرهم اللّه أن يفيضوا مع النّاس من عرفاتٍ.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}، قال: كانت قريشٌ وكلّ ابن أختٍ، وحليفٌ لهم لا يفيضون مع النّاس من عرفاتٍ، يقفون في الحرم ولا يخرجون منه، يقولون: إنّما نحن أهل حرم اللّه فلا نخرج من حرمه. فأمرهم اللّه أن يفيضوا من حيث أفاض النّاس؛ وكانت سنّة إبراهيم، وإسماعيل، الإفاضة من عرفاتٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، قال كانت قريشٌ لا أدري قبل الفيل أو بعده ابتدعت أمر الحمس، رأيًا رأوه بينهم؛ قالوا: نحن بنو إبراهيم، وأهل الحرم وولاة البيت، وقاطنو مكّة وساكنوها، فليس لأحدٍ من العرب مثل حقّنا، ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظّموا شيئًا من الحلّ كما تعظّمون الحرم، فإنّكم إن فعلتم ذلك استخفّت العرب بحرمكم، وقالوا: قد عظّموا من الحلّ مثل ما عظّموا من الحرم. فتركوا الوقوف على عرفة، والإفاضة منها، وهم يعرفون ويقرّون أنّها من المشاعر والحجّ ودين إبراهيم، ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها.
[جامع البيان: 3/528]
إلاّ أنّهم قالوا: نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة، ولا نعظّم غيرها كما نعظّمها نحن الحمس، والحمس: أهل الحرم ثمّ جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحلّ مثل الّذي لهم بولادتهم إيّاهم، فيحلّ لهم ما يحلّ لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم. وكانت كنانة، وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك، ثمّ ابتدعوا في ذلك أمورًا لم تكن، حتّى قالوا: لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط، ولا يسألوا السّمن، وهم حرمٌ، ولا يدخلوا بيتًا من شعرٍ، ولا يستظلّوا إن استظلّوا إلاّ في بيوت الأدم ما كانوا حرامًا، ثمّ رفعوا في ذلك فقالوا لا ينبغي لأهل الحلّ أن يأكلوا من طعامٍ جاءوا به معهم من الحلّ في الحرم إذا جاءوا حجّاجًا، أو عمّارًا، ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أوّل طوافهم إلاّ في ثياب الحمس، فإن لم يجدوا منها شيئًا طافوا بالبيت عراةً. فحملوا على ذلك العرب فدانت به، وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك، فكانوا على ذلك حتّى بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه حين أحكم له دينه، وشرع له حجّته: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إن اللّه غفورٌ رحيمٌ} يعني قريشًا والنّاس العرب. فرفعهم في سنة الحجّ إلى عرفاتٍ، والوقوف عليها، والإفاضة منها؛ فوضع اللّه أمر الحمس، وما كانت قريشٌ ابتدعت منه عن النّاس بالإسلام حين بعث اللّه رسوله.
- حدّثنا بحر بن نصرٍ الخولانى، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: كانت قريشٌ تقف بقزح، وكان النّاس يقفون بعرفة. قال: فأنزله اللّه: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}.
[جامع البيان: 3/529]
وقال آخرون: المخاطبون بقوله: {ثمّ أفيضوا} المسلمون كلّهم، والمعنى بقوله: {من حيث أفاض النّاس} من جمعٍ، وبالنّاس إبراهيم خليل الرّحمن عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاريّ، عن أبي بسطامٍ، عن الضّحّاك، قال: هو إبراهيم.
قال أبو جعفرٍ: والّذي نراه صوابًا من تأويل هذه الآية التأويل الذى روى عن عائشه وابن عباس، أنّه عنى بهذه الآية قريشًا ومن كان متحمّسًا معها من سائر العرب لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على أنّ ذلك تأويله.
وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية: فمن فرض فيهنّ الحجّ، فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحجّ، ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس، واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ، وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه.
وهذا إذ كان ما وصفنا تأويله فهو من المقدّم الّذي معناه التّأخير، والمؤخّر الّذي معناه التّقديم، على نحو ما تقدّم بياننًا في مثله،
[جامع البيان: 3/530]
ولولا إجماع من وصفت إجماعه على أنّ ذلك تأويله لقلت: أولى التّأويلين بتأويل الآية ما قاله الضّحّاك من أنّ اللّه عنى بقوله: {من حيث أفاض النّاس} من حيث أفاض إبراهيم؛ لأنّ الإفاضة من عرفاتٍ لا شكّ أنّها قبل الإفاضة من جمعٍ، وقيل وجوب الذّكر عند المشعر الحرام. وإذ كان ذلك لا شكّ كذلك وكان اللّه عزّ وجلّ إنّما أمر بالإفاضة من الموضع الّذي أفاض منه النّاس بعد انقضاء ذكر الإفاضة من عرفاتٍ وبعد أمره بذكره عند المشعر الحرام بقوله {فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام}، ثمّ قال بعد ذلك: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} كان معلومًا بذلك أنّه لم يأمر بالإفاضة إلاّ من الموضع الّذي لم يفيضوا منه دون الموضع الّذي قد أفاضوا منه، إذ كان الموضع الّذي قد أفاضوا منه فانقضى وقت الإفاضة منه، لا وجه لأن يقال: أفض منه. فإذا كان لا وجه لذلك وكان غير جائزٍ أن يأمر اللّه جلّ وعزّ بأمرٍ لا معنى له، كانت بيّنة صحّة ما قاله من التّأويل في ذلك، وفساد ما خالفه لولا الإجماع الّذي وصفناه وتظاهر الأخبار بالّذي ذكرنا عمّن حكينا قوله من أهل التّأويل.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه: والنّاس جماعةٌ، وإبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم واحدٌ، واللّه تعالى ذكره يقول: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}.
قيل: إنّ العرب تفعل ذلك كثيرًا، فتدلّ بذكر الجماعة على الواحد وبذكر الواحد على الجماعه. ومن ذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم}
[جامع البيان: 3/531]
والّذي قال ذلك واحدٌ، وهو فيما تظاهرت به الرّواية من أهل السّير نعيم بن مسعودٍ ألأشجعيّ، ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحًا} قيل: عنى بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى). [جامع البيان: 3/532]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ} منصرفين إلى منًى {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} وادعوه واعبدوه عنده، كما ذكركم بهدايته، فوّفقكم لما ارتضى لخليله إبراهيم، فهداه له من شريعة دينه بعد أن كنتم ضلاّلاً عنه.
وفي ثمّ في قوله: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} من التّأويل وجهان: أحدهما ما قاله الضّحّاك من أنّ معناه: ثمّ أفيضوا فانصرفوا راجعين إلى منًى من حيث أفاض إبراهيم خليلي من المشعر الحرام، وسلوني المغفرة لذنوبكم، فإنّي لها غفورٌ، وبكم رحيمٌ.
- كما حدّثني إسماعيل بن سيفٍ العجليّ، قال: حدّثنا عبد القاهر بن السّريّ السّلميّ، قال: ثنى ابن لكنانة ويكنى أبا كنانة، عن أبيه، عن العبّاس بن مرداسٍ السّلميّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: دعوت اللّه يوم عرفة أن يغفر لأمّتي ذنوبها، فأجابني إنى قد غفرت، إلاّ ذنوبها بينها وبين خلقي، فأعدت الدّعاء يومئذٍ، فلم أجب بشيءٍ، فلمّا كان غداة المزدلفة قلت: يا ربّ إنّك قادرٌ أن تعوّض هذا المظلوم من ظلامته، وتغفر لهذا الظّالم، فأجابني إنى قد غفرت قال: فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،
[جامع البيان: 3/532]
قال: فقلنا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأيناك تضحك في يومٍ لم تكن تضحك فيه؟ قال: ضحكت من عدوّ اللّه إبليس لمّا سمع بما سمع أهوى يدعو بالويل، والثّبور، ويضع التّراب على رأسه.
- حدّثنا مسلم بن حاتمٍ الأنصاريّ، قال: حدّثنا بشّار بن بكيرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عشيّة عرفة، فقال: أيّها النّاس إنّ اللّه تطوّل عليكم في مقامكم هذا، فقبل محسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم، إلاّ التّبعات فيما بينكم أفيضوا على اسم اللّه فلمّا كان غداة جمعٍ قال: أيّها النّاس إنّ اللّه قد تطوّل عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتّبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم اللّه فقال أصحابه: يا رسول اللّه أفضت بنا بالأمس كئيبًا حزينًا، وأفضت بنا اليوم فرحًا مسرورًا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي سألت ربّي بالأمس شيئًا لم يجد لي به، سألته التّبعات فأبى عليّ، فلمّا كان اليوم أتاني جبريل وقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام ويقول التّبعات ضمنت عوضها من عندي.
[جامع البيان: 3/533]
فقد بيّن هذان الخبران أنّ غفران اللّه التّبعات الّتي بين خلقه فيما بينهم إنّما هو غداة جمعٍ، وذلك في الوقت الّذي قال جلّ ثناؤه: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه} لذنوبكم، فإنّه غفورٌ لها حينئذٍ، تفضّلاً منه عليكم، رحيمٌ بكم.
والآخر منهما: ثمّ أفيضوا من عرفة إلى المشعر الحرام، فإذا أفضتم إليه منها فاذكروا اللّه عنده كما هداكم). [جامع البيان: 3/534]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (199)
قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
- أخبرنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أحمد بن بشيرٍ، ثنا هشام بن عروة حدّثني أبي عن عائشة، قالت: الحمس هم الّذين أنزل اللّه فيهم ما أنزل: ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس قالت: وكان النّاس يفيضون من عرفاتٍ، وكان الحمس يفيضون من المزدلفة، يقولون: لا نفيض إلا من الحرم، فلمّا نزلت: ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس رفعوا إلى عرفاتٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/354]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: من حيث أفاض الناس
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن هاشم بن مرزوقٍ ثنا مروان، عن أبي بسطامٍ، يعني: نحيى بن عبد الرّحمن السّعديّ عن الضّحّاك، في قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قال: النّاس: هو إبراهيم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن يحي بن حسّان التّنّيسيّ، ومحمّد بن سعيد بن الوليد الخزاعيّ، قالا: ثنا إبراهيم بن عيينة، أنبأ حسين بن عقيلٍ العقيليّ، عن الضّحّاك، في قوله: ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس قال: الإمام.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، حدّثني محمّد بن إسحاق: ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس يعني: قريشًا والنّاس والعرب). [تفسير القرآن العظيم: 1/354]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واستغفروا اللّه
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا عبد الصّمد بن يزيد، قال: سمعت الفضيل يقول: قول العبد: (أستغفر اللّه) قال: تفسيرها: أقلني.
[تفسير القرآن العظيم: 2/354]
وقوله: إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: إنّ اللّه غفورٌ أي: يغفر الذّنب). [تفسير القرآن العظيم: 1/355]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: رحيمٌ
- وبه في قوله: رحيمٌ قال: يرحم العباد على ما فيهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/355]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانت قريش تقول إنما نحن الحمس لا نخلف الحرم والمزدلفة فأمروا أن يبلغوا عرفات). [تفسير مجاهد: 103]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال كان يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالاً، حتى يهلّ بالحجّ، فإذا ركب إلى عرفة، فمن تيسّر له هديه من الإبل، أو البقر، أو الغنم ما تيسّر له من ذلك، أيّ ذلك شاء، غير أن لم يتيسّر له، فعليه ثلاثة أيّامٍ في الحجّ، وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يومٍ من الأيام الثلاثة يوم عرفة، فلا جناح عليه، ثم لينطلق حتى يقف بعرفاتٍ من صلاة العصر، إلى أن يكون الظلام، ثم ليدفعوا من عرفاتٍ فإذا أفاضوا منها، حتى يبلغوا جمعاً، الّذي يتبرّر فيه، ثم ليذكروا الله كثيراً، ويكثروا من التّكبير والتهليل، قبل أن يصبحوا {ثمّ أفيضوا} فإنّ النّاس كانوا يفيضون، وقال الله عز وجل: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا الله إن الله غفورٌ رحيم} [البقرة: 199] حتّى يرموا الجمرة. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(هديه) الهدي: السّمت والطريقة والسيرة). [جامع الأصول: 2/36]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أبو عروبة حدثنا زيد ابن أخزم حدثنا أبو داود حدّثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت قريش قطّان البيت وكانوا
[موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/425]
يفيضون من منًى وكان النّاس يفيضون من عرفات فأنزل الله تعالى: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس}). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في "سننه" عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر نبيه أن
[الدر المنثور: 2/419]
يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطون الرجال الرجال والنساء النساء وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة وكان الناس كلهم يبلغون عرفات قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة قال: كانت الحمس الذين أنزل الله فيهم {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت: كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة يقولون: لا نفيض إلا من الحرم، فلما نزلت {أفيضوا من حيث أفاض الناس} رجعوا إلى عرفات.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: قالت قريش: نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم فقال الله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}
[الدر المنثور: 2/420]
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والطبراني عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة فقلت والله إن هذا لمن الحمس فما شأنه ههنا وكانت قريش تعد من الحمس، وزاد الطبراني وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس حرمكم وكانوا لا يخرجون من الحرم.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون: نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف على عرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ثم يدفع إذا دفعوا.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه وأنه لواقف على بعير به بعرفات مع الناس يدفع معهم منها وما ذاك إلا توفيق من الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانت العرب تقف بعرفة وكانت قريش دون ذلك بالمزدلفة فأنزل الله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}
[الدر المنثور: 2/421]
وأخرج ابن المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت قريش يقفون بالمزدلفة ويقف الناس بعرفة إلا شيبة بن ربيعة فأنزل الله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: كانت قريش وكل ابن اخت لهم وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات إنما يفيضون من المغمس كانوا يقولون: إنما نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس وكانت سنة إبراهيم واسماعيل الإفاضة من عرفات.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {من حيث أفاض الناس} قال: إبراهيم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قال عرفة كانت قريش تقول: إنما نحن حمس أهل الحرم لا يخلف الحرم المزدلفة أمروا أن يبلغوا عرفة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن الزهري قال: كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشا وأحلافها وهي الحمس فقال بعضهم: لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن تتهاونوا بحرمكم
[الدر المنثور: 2/422]
فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات). [الدر المنثور: 2/423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى السماء الدنيا في الملائكة فيقول لهم: عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ما جزاؤهم فيقال: أن يغفر لهم، فذلك قوله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.
وأخرج مسلم والنسائي، وابن ماجة، وابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والحاكم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملاءكة فيقول: مأراده هؤلاء.
وأخرج أحمد، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا عبادي جاؤوني شعثا غبرا
[الدر المنثور: 2/423]
وأخرج البزار وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان والبيهقي، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الأيام أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل: وما مثلهن في سبيل الله قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأضر أهل السماء فيقول: انظروا عبادي جاؤوني شعثا غبرا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويستعيذون من عذابي ولم يروه فلم ير يوما أكثر عتقا وعتيقة من النار منه.
وأخرج أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا عبادي أتوني شعثا غبرا
[الدر المنثور: 2/424]
وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يباهي بأهل عرفة ويقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق فلو كان عليك مثل رمل عالج ذنوبا غفرها الله لك .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان "، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم عرفة فإن الله تبارك وتعالى يباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما من يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة.
وأخرج مالك والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه من يوم عرفة وما ذاك إلا مما يرى فيه من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر، قالوا: يا رسول الله وما الذي رأى يوم بدر قال: رأى جبريل يزع
[الدر المنثور: 2/425]
الملائكة.
وأخرج البيهقي عن الفضيل بن عباس أنه كان رديف النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعرفة وكان الفتى يلاحظ النساء فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم ببصره هكذا وصرفه وقال يا ابن أخي: هذا يوم من ملك فيه بصره إلا من حق وسمعه إلا من حق ولسان إلا من حق غفر له.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل قولي وقول الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير
[الدر المنثور: 2/426]
وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان أكثر دعاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وأخرج الترمذي، وابن خزيمة والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية يوم عرفة اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول: اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تدآبي اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر اللهم إني أسألك من خير ما تجيء به الريح وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح.
وأخرج البيهقي في الشعب، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يقف عشية عرفة بالوقف يستقبل القبلة يوجهه ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة ثم يقرأ (قل هو الله أحد) (الإخلاص الآية 1) مائة مرة ثم يقول: اللهم صل على محمد
[الدر المنثور: 2/427]
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة إلا قال اله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وأثنى علي وصلى على نبيي اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف كلهم، قال البيهقي: هذا متن غريب وليس إسناده من ينسب إلى الوضع.
وأخرج البيهقي عن بكير بن عتيق قال: حججت فتوسمت رجلا أقتدي به إذا سالم بن عبد الله في الموقف يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون لا إله إلا الله ولو كره المشركون لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين، فلم يزل يقول هذا حتى غابت الشمس ثم نظر إلي وقال: حدثني أبي عن جدي عمر بن الخطاب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.
وأخرج ابن أبي شيبة والجندي في فضائل مكة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله
[الدر المنثور: 2/428]
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في
سمعي نورا في بصري نورا وفي قلبي نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأعوذ بك من وسواس الصدور وتشتت الأمور وعذاب القبر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح شر بوائق الدهر.
وأخرج الجندي عن ابن جريج قال: بلغني أنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الوقف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي، وابن أبي عاصم والطبراني معا في الدعاء والبيهقي في الدعوات عن عبد الله بن مسعود قال ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفة بهذه الدعوات - وهي عشر كلمات - ألف مرة إلا ولم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أوإثما، سبحان الله الذي في السماء عرشه سبحان الذي في النار سلطانه سبحان الذي في الجنة رحمته سبحان الذي في القبور قضاؤه سبحان الذي في الهواء روحه
[الدر المنثور: 2/429]
سبحان الذي رفع السماء سبحان الذي وضع الأرض سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، قيل له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن صدقة بن يسار قال: سألت مجاهدا عن قراءة القرآن أفضل يوم عرفة أم الذكر قال: لا بل قراءة القرآن.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي عن علي بن أبي طالب أنه قال وهو بعرفات: لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلا لأنه ليس في الأرض يوم أكثر عتقا للرقاب فيه من يوم عرفة فأكثروا في ذلك اليوم من قول: اللهم أعتق رقبتي من النار وأوسع لي في الرزق واصرف عني فسقة الجن والإنس فإنه عامة ما أدعوك به.
وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عباس قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبه أسألك مسألة المساكين وأبتهل إليك إبتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف المضرور من خضعت لك رقبته وفاضت لك عيناه ونحل لك
جسده ورغم أنفه اللهم لا
[الدر المنثور: 2/430]
تجعلني بدعائك شقيا وكن بي رؤوفا رحيما يا خير المسؤولين ويا خير المعطين.
وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عمر، أنه كان يرفع صوته عشية عرفة يقول: اللهم اهدنا بالهدي وزينا بالتقوى واغفر لنا في الآخرة والأولى ثم يخفصض صوته بقوله: اللهم إني أسألك من فضلك رزقا طيبا مباركا اللهم إني أمرت بالدعاء وقضيت على نفسك بالإجابة وإنك لا تخلف وعدك ولا تنكث عهدك اللهم ما أحببت من خير فحببه إلينا ويسره لنا وما كرهت من شر فكرهه إلينا وجنبناه ولا تنزع منا الإسلام بعد إذ أعطيتناه.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وأبو ذر الهروي في المناسك عن أبي مجلز قال: شهدت ابن عمر بالوقف بعرفات فسمعته يقول: الله أكبر ولله الحمد ثلاث مرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة ثم يقول: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا
[الدر المنثور: 2/431]
ويسكت قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب ثم يعود فيقول مثل ذلك حتى أفاض.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني عن عبد الله بن أحمد بن عطية قال: سئل علي بن أبي طالب عن الوقوف بالجبل ولم لم يكن في الحرم قال: لأن الكعبة بيت الله والحرم باب الله فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون، قيل: يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم أذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة، قيل: يا أمير المؤمنين فمن أين حرم صيام أيام التشريق قال: لأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته ولا يجوز للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه، قيل: يا أمير المؤمنين فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو قال: مثل الرجل بينه وبين سيده جناية فتعلق بثوبه وتنصل إليه وتحدى له ليهب له جنايته.
وأخرج ابن زنجويه والأزرقي والجندي ومسدد والبزار في
[الدر المنثور: 2/432]
مسنديهما، وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس بن مالك قال: كنت قاعدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مسجد الخيف أتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما عليه ثم قالا: يارسول الله جئنا نسألك، قال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه وإن شئتما سألتماني، قال: أخبرنا يا رسول الله نزداد إيمانا ويقينا قال للأنصاري: جئت تسأل عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه وعن طوافك وما لك فيه وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه وعن وقوفك بعرفة وما لك فيه وعن رميك الجمار وما لك فيه وعن طوافك بالبيت وما لك فيه يعني الإفاضة، قال: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأسألك عن ذلك، وقال: أما مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن ناقتك لا ترفع خفا ولا تضعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة وأما طوافك بالبيت فإنك لا ترفع قدما ولا تضعها إلا كتب الله لك بها حسنة ومحا عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة وأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رقبة من بني اسماعيل وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة ويقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني من كل فج عميق شعثا غبرا يرجون رحمتي ومغفرتي فلو كانت
[الدر المنثور: 2/433]
ذنوبهم مثل الرمل وعدد القطر ومثل زبد البحر ومثل نجوم السماء لغفرتها لهم ويقول: أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولم شفعتم فيه وأما رميك الجمار فإن الله يغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات وأما نحرك فمدخور لك عند ربك وأما طوافك بالبيت - يعني الإفاضة - فإنك تطوف ولا ذنب عليك ويأتيك ملك فيضع يده بين كتفيك ويقول: اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى.
وأخرج البزار والطبراني، وابن حبان عن ابن عمر قال كنت جالسا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مسجد منى فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما عليه ثم قالا: يا رسول الله جئنا نسألك فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت، فقالا: أخبرنا يا رسول الله فقال الثقفي للأنصاري: سل، فقال: أخبرني يا رسول الله، فقال: جئتن تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه وعن طوافك وما لك فيهما وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه وعن رميك
الجمار وما لك فيه وعن نحرك
[الدر المنثور: 2/434]
وما لك فيه مع الإفاضة، قال: والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك، قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لاتضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحى عنك خطيئة وأما ركعتاك بعد الطواف فكعتق رقبة من بني اسماعيل وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة فيقول: عبادي جاؤوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون جنتي فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات وأما نحرك فمدخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحي عنك بها خطيئة وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول: اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى.
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال: أيها
[الدر المنثور: 2/435]
الناس إن الله تطول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم أفيضوا على اسم الله، فلما كان غداة جمع قال: أيها الناس إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله فقال أصحابه: يا رسول الله أفضت بنا الأمس كئيبا حزينا وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا فقال: إني سألت ربي بالأمس شيئا لم يجد لي به سألته التبعات فأبى علي فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول ضمنت التبعات وعوضتها من عندي.
وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم ووهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل فادفعوا باسم الله فلما كان بجمع قال: إن الله قد غفر لصالحيكم وشفع لصالحيكم في طالحيكم تنزل الرحمة فتعمهم
ثم يفرق المغفرة في الأرض فيقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده وإبليس وجنوده بالويل والثبور.
وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد الله بن
[الدر المنثور: 2/436]
أحمد في زوائد المسند، وابن جرير والطبراني والبيهقي في "سننه" والضياء المقدسي في المختارة عن العباس بن مرداس السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله إليه: أني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها، فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه تلك العشية فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله أني قد غفرت لهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أصحابه قال: تبسمت من عدو الله إبليس أنه لما علم أن الله قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي وأبو يعلى عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تطول على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله فيقول: يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت محسنيهم
[الدر المنثور: 2/437]
جميع ما سألوني وكفلت عنهم التبعات التي بينهم.
وأخرج ابن المبارك عن أنس بن مالك قال وقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: يا بلال أنصت لي الناس، فقام بلال فقال: انصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصت الناس فقال: يا معاشر الناس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب.
وأخرج ابن ماجة عن بلال بن رباح أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع:
أنصت الناس، ثم قال: إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ادفعوا باسم الله.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجة عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما عاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
[الدر المنثور: 2/438]
كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أم الفضل بنت الحرث أن ناسا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه.
وأخرج أبو داود والنسائي، وابن ماجة، وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي نجيح قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن أبي قتادة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة أني
[الدر المنثور: 2/439]
أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.
وأخرج مالك في الموطأ من طريق القاسم بن محمد عن عائشة، أنها كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام وتقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض ثم تدعو بالشراب فتفطر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت: ما من يوم من السنة أصومه أحب إلي من يوم عرفة.
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم.
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيام يوم عرفة كصيام ألف عام.
وأخرج البيهقي عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال: اسقوني.
فقالت عائشة وما أنت يا مسروق بصائم، فقال: لا إني أتخوف أن يكون أضحى، فقالت عائشة: ليس كذلك يوم عرفة يوم يعرف الإمام ويوم النحر يوم ينحر الإمام أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بصوم ألف يوم
[الدر المنثور: 2/440]
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والبيهقي عن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم ويوم عرفة عشرة الآف يوم يعني في الفضل.
وأخرج البيهقي عن الفضل بن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة.
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له.
وأخرج المروزي في كتاب العيدين عن محمد بن عباد المخزومي قال: لا يستشهد مؤمن حتى يكتب اسمه عشية عرفة فيمن يستشهد
[الدر المنثور: 2/441]
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في الأضاحي والمرزوي عن إبراهيم، أنه سئل عن التعريف بالأمصار فقال: إنما التعريف بعرفات.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عوانة قال: رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس فذكر الله ودعا واجتمع إليه الناس.
وأخرج المروزي عن مبارك قال: رأيت الحسن وبكر بن عبد الله وثابتا البناني ومحمد بن واسع وغيلان بن جرير يشهدون عرفة بالبصرة.
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن موسى بن أبي عائشة قال: رأيت عمرو بن حريث في المسجد يوم عرفة والناس مجتمعون إليه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا والمروزي عن الحسن قال: إن أول من عرف البصرة ابن عباس.
وأخرج المروزي عن الحكم قال: أول من فعل ذلك بالكوفة مصعب بن الزبير.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وابن أبي الدنيا في
الأضاحي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهن أيام أكل وشرب.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
[الدر المنثور: 2/442]
صلى صلاة الغداة يوم عرفة وسلم جثا على ركبتيه فقال: الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد إلى آخر أيام التشريق يكبر في العصر.
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم ويقنت في الفجر وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا والمروزي في العيدين والحاكم عن عبيد بن عمير قال: كان عمر يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة الظهر أو العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن شقيق قال: كان يكبر بعد الفجر غداة عرفة ثم لا يقطع حتى يصلي العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والحاكم عن ابن عباس: أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق
[الدر المنثور: 2/443]
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا والحاكم عن عمير بن سعد قال: قدم علينا ابن مسعود فكان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه كان يقول: من يصحبني منكم من ذكر أو أنثى فلا يصومن يوم عرفة فإنه يوم أكل وشرب وتكبير). [الدر المنثور: 2/444]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 03:15 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} معناه: وقت الحج هذه الأشهر.
فهي وإن كانت "فى" تصلح فيها فلا يقال إلاّ بالرفع، كذلك كلام العرب، يقولون: البرد شهران، والحرّ شهران، لا ينصبون؛ لأنه مقدار الحج. ومثله قوله: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} ولو كانت الأشهر أو الشهر معروفة على هذا المعنى لصلح فيه النصب.
ووجه الكلام الرفع؛ لأن الاسم إذا كان في معنى صفةٍ أو محلّ قوي إذا أسند إلى شيء؛ ألا ترى أن العرب يقولون: هو رجل دونك وهو رجل دونٌ، فيرفعون إذا أفردوا، وينصبون إذا أضافوا.
ومن كلامهم المسلمون جانبٌ، والكفّار جانب، فإذا قالوا: المسلمون جانب صاحبهم نصبوا. وذلك أن الصاحب يدلّ على محلّ كما تقول: نحو صاحبهم، وقرب صاحبهم. فإذا سقط الصاحب لم تجده محلاّ تقيده قرب شيء أو بعده.

والأشهر المعلومات: شوّالٌ وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. والأشهر الحرم المحرّم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
وإنما جاز أن يقال له: أشهر وإنما هما شهران وعشر من ثالثٍ؛ لأن العرب إذا كان الوقت لشيء يكون فيه الحج وشبهه جعلوه في التسمية للثلاثة والاثنين، كما قال الله تبارك وتعالى: {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ فمن تعجّل في يومين} وإنما يتعجّل في يومٍ ونصف، وكذلك هو في اليوم الثالث من أيام التشريق وليس منها شيء تامّ، وكذلك تقول العرب: له اليوم يومان منذ لم أره، وإنما هو يوم وبعض آخر، وهذا ليس بجائزٍ في غير المواقيت، لأن العرب قد تفعل الفعل في أقلّ من الساعة، ثم يوقعونه على اليوم وعلى
العام والليالي والأيام، فيقال: زرته العام، وأتيتك اليوم، وقتل فلان ليالي الحجّاج أمير، لأنه لا يراد أوّل الوقت وآخره، فلم يذهب به على معنى العدد كله، وإنما يراد به (إذ ذاك الحين).
وأما قوله: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال} يقال: إن الرفث: الجماع، والفسوق: السباب، والجدال: المماراة.
{في الحجّ} فالقراء على نصب ذلك كله بالتبرئة إلا مجاهدا فإنه رفع الرفث والفسوق ونصب الجدال.
وكلّ ذلك جائز:
1- فمن نصب أتبع آخر الكلام أوّله،
2- ومن رفع بعضا ونصب بعضا فلان التبرئة فيها وجهان:
1-
الرفع بالنون،
2- والنصب بحذف النون. ولو نصب الفسوق والجدال بالنون لجاز ذلك في غير القرآن؛ لأن العرب إذا بدأت بالتبرئة فنصبوها لم تنصب بنونٍ، فإذا عطفوا عليها بـ "لا" كان فيها وجهان:
1- إن شئت جعلت "لا" معلّقة يجوز حذفها فنصبت على هذه النية بالنون؛ لأن "لا" في معنى صلةٍ،
2- وإن نويت بها الابتداء كانت كصاحبتها، ولم تكن معلّقة فتنصب بلا نونٍ؛ قال في ذلك الشاعر:

رأت إبلى برمل جدود أ[ن] لا * مقيل لها ولا شرباً نقوعا
فنوّن في الشرب، ونوى بـ "لا" الحذف؛ كما قال الآخر:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه * إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا
وهو في مذهبه بمنزلة المدعوّ تقول: يا عمرو والصّلت أقبلا. فتجعل الصلت تابعا لعمرٍو وفيه الألف واللام؛ لأنك نويت به أن يتبعه بلا نيّة "يا" في الألف واللام.
فإن نويتها قلت: يا زيد ويأيها الصّلت أقبلا. فإن حذفت "يأيها" وأنت تريدها نصبت؛ كقول الله عز وجل: {يا جبال أوّبي معه والطّير} نصب الطير على جهتين:
1- على نيّة النداء المجدّد له إذ لم يستقم دعاؤه بما دعيت به الجبال،
2- وإن شئت أوقعت عليه فعلا: وسخرنا له "الطير" فتكون النية على سخرنا. فهو في ذلك متبع؛ كقول الشاعر:

ورأيت زوجك في الوغى * متقلّدا سيفا ورمحا
وإن شئت رفعت بعض التبرئة ونصبت بعضا، وليس من قراءة القراء ولكنه يأتي في الأشعار؛ قال أميّة:
فلا لغوٌ ولا تأثيم فيها * وما فاهوا به لهم مقيم
وقال الآخر:
ذاكم - وجدّكم - الصّغار بعينه * لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب
وقبله:
وإذا تكون شديدةٌ أدعى لها * وإذا يحاس الحيس يدعى جندب). [معاني القرآن: 1/119-122]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فمن فرض فيهنّ الحجّ} من أو ذم في الحج: أي فرضه عليه أي ألزمه نفسه.
{فلا رفث}أي: لا لغا من الكلام، قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم
{ولا جدال في الحجّ} أي: لا شك فيه أنه لازمٌ في ذي الحجة، هذا فيمن قال: (جدال) ومن قال: (لا جدالٌ في الحجّ): من المجادلة). [مجاز القرآن: 1/70]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة العامة {فلا رفث ولا فسوق} على النفي.
وقراءة الحسن وأبي عمرو {فلا رفث ولا فسوق}، وكأنه قال: فليس رفث كقول الشاعر:
من صد عن نيرانها = فأنا ابن قيس لا براح). [معاني القرآن لقطرب: 266]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {أولو الألباب} فالفعل لببت ألب لبا ولبابة، ولببت أيضًا بالفتح، ألب لبا، لغة). [معاني القرآن لقطرب: 351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فلا رفث}: فلا لغو من الكلام. واللغو واللغا التكلم بما لا يبغي.
وقال المفسرون: هو الجماع في هذا الموضع).
[غريب القرآن وتفسيره: 89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.
{فمن فرض فيهنّ الحجّ} أي: أحرم. فلا رفث أي لا جماع.
{ولا فسوق} أي: لا سباب.
{ولا جدال} أي: لا مراء).
[تفسير غريب القرآن:78-79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الحجّ أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ وما تفعلوا من خير يعلمه اللّه وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب}
قال أكثر الناس: إن أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
{فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث}.
وقال بعضهم: لو كانت الشهور التي هي أشهر الحج شوالا، وذا القعدة لما جاز للذي منزله بينه وبين مكة مسافة أكثر من هذه الأشهر أن يفرض على نفسه الحج.
وهذا حقيقته عندي أنه لا ينبغي للإنسان أن يبتدئ بعمل من أعمال الحج قبل هذا الوقت نحو الإحرام، لأنه إذا ابتدأ قبل هذا الوقت أضر بنفسه - فأمر الله عزّ وجل - أن يكون أقصى الأوقات التي ينبغي للإنسان ألا يتقدمها في عقد فرض الحج على نفسه شوالا،
وقال بعض أهل اللغة: معنى الحج إنما هو في السنة في وقت بعينه، وإنما هو في الأيام التي يأخذ الإنسان فيها في عمل الحج لأن العمرة له - في طول السنة، فينبغي له في ذلك الوقت ألا يرفث ولا يفسق.

وتأويل {فلا رفث ولا فسوق}، لا جماع ولا كلمة من أسباب الجماع قال الراجز:
عن اللّغا ورفث التكلم والرفث كلمة جامعة لما يريده الرجل من أهله.
وأمّا {فلا فسوق} فإذا نهي عن الجماع كلّه فالفسوق داخل فيه - ولكن المعنى - واللّه أعلم - {فلا فسوق} أي: لا يخرج عن شيء من أمر الحج - وقالوا في قوله {ولا جدال في الحج} قولين:
1- قالوا: {لا جدال في الحجّ} - لا شك في الحج،
2- وقالوا لا ينبغي للرجل أن يجادل أخاه فيخرجه الجدال إلى ما لا ينبغي تعظيما لأمر الحج، وكلّ صواب، ويجوز فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.

وبعضهم يقرأ - وهو أبو عمرو - (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). وكلّ صواب.
وقد شرحنا (أن) لا تنصب النكرات بغير تنوين وبيّنّا حقيقة نصبها وزعم سيبويه والخليل أنه يجوز أن ترفع النكرات بتنوين
وأن قول العجاج:
تالله لولا أن يحشّن الطّبّخ... بي الجحيم حين لا مستصرخ
يجب أن يكون رفع مستصرخ بلا، وأن قوله.
من صدّ عن نيرانها... فأنا ابن قيس لا براح
وحقيقة ما ارتفع بعدها عند بعض أصحابه على الابتداء لأنه إذا لم تنصب فإنّما يجري ما بعدها كما يجرى ما بعد هل، أي: لا تعمل فيه شيئا،
فيجوز أن يكون: لا رفث على ما قال سيبويه
ويجوز أن يكون: على الابتداء كما وصفنا، ويكون في الحج هو خبر لهذه المرفوعات، ويجوز إذا نصبت ما قبل المرفوع بغير تنوين وأتيت بما بعده مرفوعا أن يكون عطفا على الموضع، ويجوز أن يكون: رفعه على ما وصفنا، فأما العطف على الموضع إذا قلت لا رجل وغلام في الدار فكأنك قلت ما رجل ولا غلام في الدار.

وقوله عزّ وجلّ: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
يروى أن قوما كانوا يخرجون في حجهم يتأكّلون الناس، يخرجون بغير زاد، فأمروا بأن يتزودوا، وأعلموا مع ذلك أن خير ما تزود به تقوى اللّه عزّ وجلّ.
وقوله عزّ وجلّ: {واتّقون يا أولي الألباب}.
(الألباب) واحدها لب، وهي العقول {أولي} نصب لأنه نداء مضاف). [معاني القرآن: 1/269-271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات}
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال أخبرنا حجاج بن محمد قال ابن جريج: قلت لنافع مولى ابن عمر أسمعت ابن عمر سمى أشهر الحج؟، قال: نعم سمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة.
وقال ابن عباس: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وقال أبو جعفر: والقولان يرجعان إلى شيء واحد لأن ابن عمر إنما سمى ذا الحجة لأن فيه الحج وهو شهر حج). [معاني القرآن: 1/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن فرض فيهن الحج}
قال ابن مسعود وابن عمر: فرض لبى.
وعن ابن عباس أحرم وقيل معنى أحرم أوجب على نفسه الإحرام بالعزم وإن لم يلب

قال أبو جعفر: وحقيقته في اللغة إن فرض أوجب
والمعنى: أوجب فيهن الحج بالتلبية أو بالنية واحتمل أن يكون معناه أوجب على نفسه الحج بالتلبية فيهن فتكون التلبية والحج جميعا فيهن .
واحتمل أن يكون المعنى: من أوجب على نفسه الحج فيهن بالتلبية في غيرهن
إلا أن محمد بن جعفر الأنباري حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال أخبرنا حجاج بن محمد قال جريج أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج} فلا ينبغي لأحد أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض). [معاني القرآن: 1/129-131]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
روى سفيان بن حصيف عن مقسم عن ابن عباس قال: الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. وكذا قال ابن عمر.
وروى طاووس عن ابن عباس وابن الزبير الرفث التعريض أي يقول لو كنا حلالين لكان كذا وكذا
وقال عطاء وقتادة: الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبه.
وروى أبو يحيى عن مجاهد في الجدال كما قال عطاء.
وروى عنه ابن أبي نجيح لا جدال ولا شك فيه وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء.
وعلى ذلك قرأ برفع رفث وفسوق وفتح جدال
وهذه الأقوال متقاربة لأن التعريض بالنكاح من سببه والرفث أصله الإفحاش ثم يكنى به الجماع ويبين لك أنه يقع للجماع قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
والفسوق في اللغة: الخروج عن الشيء، فسباب المسلم خروج عن طاعة الله
وقد روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((سباب المسلم فسق وقتاله كفر))
وقيل قول عطاء وقتادة: الفسوق المعاصي. حسن جدا
على أنه قد روى عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر قال: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم، أي: من صيد وغيره
فهذا قول جامع لأن سباب المسلم داخل في المعاصي وكذلك الأشياء التي منع منها المحرم وحده التي منع المحرم والحلال
ومعنى قول مجاهد لا شك فيه أنه في ذي الحجة أن النساة كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ويتمارون في الصواب من ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن الحج في ذي الحجة))
وقال أبو زيد قال أبو عمرو أراد فلا يكونن رفث ولا فسوق في شيء يخرج من الحج
ثم ابتدأ النفي فقال: {ولا جدال في الحج} فأخبر أن الأول نهي). [معاني القرآن: 1/131-134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
روى سفيان عن عمرو عن عكرمة قال: كان أناس يقدمون مكة في الحج بغير زاد فأمروا بالزاد.
وقال مجاهد: كان أهل اليمن يقولون لا تتزودوا فتتوصلون من الناس فأمروا أن يتزودوا.
وقال قتادة نحو منه). [معاني القرآن: 1/134-135]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن خير الزاد التقوى} أي: فمن التقوى أن لا يتعرض الرجل لما يحرم عليه من المسألة). [معاني القرآن: 1/135]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {واتقون يا أولي الألباب} أي: العقول ولب كل شيء خالصه). [معاني القرآن: 1/135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (أشهر الحج) شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
{فلا رفث} لا جماع، وقيل: لا لغو من الكلام
{ولا فسوق}
أي: لا سباب.
{ولا جدال}
أي: لا مراء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({المَّعْلُومَات}: أيام العشر.
{الرَفَثَ}: اللغو، الجماع). [العمدة في غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإذا أفضتم}أي: رجعتم من حيث جئتم). [مجاز القرآن: 1/71]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً مّن رّبّكم فإذا أفضتم مّن عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم مّن قبله لمن الضّالّين}
قال: {فإذا أفضتم مّن عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} فصرف "عرفاتٍ" لأنها تلك الجماعة التي كانت تتصرف، وإنما صرفت لأن الكسرة والضمة في التاء صارت بمنزلة الياء والواو في "مسلمين" و"مسلمون" لأنه تذكيره، وصارت التنوين في نحو "عرفاتٍ" و"مسلماتٍ" بمنزلة النون.
فلما سمي به ترك على حاله كما يترك "مسلمون" إذا سمي به على حاله حكاية.
ومن العرب من لا يصرف [ذا] إذا سمي به ويشبه التاء بهاء التأنيث [في] نحو "حمدة" وذلك قبيح ضعيف. قال الشاعر:

تنوّرتها من أذرعاتٍ وأهلها = بيثرب أدنى دارها نظرٌ عال
ومنهم من لا ينوّن "اذرعات" = ولا "عانات" وهو مكان). [معاني القرآن: 1/132]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {فإذا أفضتم من عرفات} فكان ابن عباس يقول في قوله: {أفضتم فيه} يقول: خضتم فيه؛ وقال الله جل وعز {إذ تفيضون فيه} إفاضة؛ كأن المعنى واحد.
وأما قوله {عرفات} فقد يجوز فيها ألا تنون "من عرفات فاذكروا" يصير اسمًا واحدًا، ولا تريد حكاية الجمع؛ وكان أبو عمرو - فيما زعم يونس - يقول: هذه قريسات فاعلم، وكتبت قريسات فاعلم، يجرها بغير نون؛ وقد قال بعضهم: قريسيات فأدخل ياء أخرى.
ومثل عرفات: أذرعات وعانات، إن شئت نونت على حكاية الجمع، وإن شئت لم تنون؛ يصير واحدًا مؤنثًا لا نون فيه للتأنيث؛ ويكون مرفوعًا في موضع الرفع: هذه عانات وأذرعات؛ ومخفوضها في موضع الخفض والنصب: رأيت عانات، ومررت بعانات؛ لأنها تاء الجميع في الأصل.
وقال امرئ القيس فنون:
تنورتها من أذرعات وأهلها = بيثرب أدنى دارها نظر عالي
وقال الأعشى:
تخيرها أخو عانات شهرًا = ورجى برها عامًا فعاما
فلم ينون). [معاني القرآن لقطرب: 351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أفضتم}: رجعتم من حيث جئتم). [غريب القرآن وتفسيره: 89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} أي: نفعا بالتجارة في حجّكم.
{فإذا أفضتم} أي: دفعتم {من عرفاتٍ}). [تفسير غريب القرآن: 79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربّكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين}
قيل إنهم كانوا يزعمون أنه ليس لحمّال ولا أجير ولا تاجر حج فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك مباح، واف لا جناح فيه، أي: لا إثم فيه، وجناح اسم ليس، والخبر عليكم،
وموضع أن نصب على تقدير ليس عليكم جناح في أن تبتغوا فلما أسقطت " في " عمل فيها معنى جناح.

المعنى: لستم تأثمون أن تبتغوا، أي في أن تبتغوا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أفضتم من عرفات}.
قد دل بهذا اللفظ أن الوقوف بها واجب لأن الإفاضة لا تكون إلا بعد وقوف، ومعنى {أفضتم}: دفعتم بكثرة، ويقال أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه وأكثروا التصرف.
وأفاض الرجل إناءه إذا صبه وأفاض البعير بجرته إذا رمى بها متفرقة كثيرة.
قال الراعي:
وأفضن بعد كظومهن بجرة... من ذي الأباطح إذ رعين حقيلا
وأفاض الرجل بالقداح إذا ضرب بها، لأنها تقع منبعثة متفرقة
قال أبو ذؤلب:
وكأنهنّ ربابة وكأنّه... يسر يفيض على القداح ويصدع
وكل ما في اللغة من باب الإفاضة فليس يكون إلا من تفرقة أو كثرة.
وقوله عزّ وجلّ: {من عرفات}
القراءة والوجه الكسر والتنوين، وعرفات اسم لمكان واحد ولفظه لفظ الجمع، والوجه فيه الصرف عند جميع النحويين لأنه بمنزلة الزيدين يستوي نصبه وجره، وليس بمنزلة هاء التأنيث -، وقد يجوز منعه من الصرف إذا كان اسما لواحد، إلا أنه لا يكون إلا مكسورا وإن أسقطت التنوين.
قال امرؤ القيس:
تنورثها من أذرعات وأهلها... بيثرب أدنى دارها نظر عال
فهذا أكثر الرواية، وقد أنشد بالكسر بغير تنوين، وأما الفتح فخطأ لأن نصب الجمع وفتحه كسر.
وقوله عزّ وجلّ: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام}.
هو مزدلفة، وهي جمع، يسمى بهما جميعا المشعر المتعبد
وقوله عزّ وجلّ:{واذكروه كما هداكم}.
موضع الكاف نصب، والمعنى: واذكروه ذكرا مثل هدايته إياكم أي يكون جزاء لهدايته إياكم، واذكروه بتوحيده، والثناء عليه والشكر.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين}.
معنى (من قبله) أي: من قبل هدايته، ومعنى: كنتم من قبله {لمن الضالين} هذا من التوكيد للأمر، كأنه قيل وما كنتم من قبله إلا ضالين). [معاني القرآن: 1/271-273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا الرمادي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان عن عمر بن دينار قال: قال ابن عباس: كان ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا ذلك حتى نزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} في مواسم الحج). [معاني القرآن: 1/135-136]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} أي: اندفعتم.
ويقال فاض الإناء إذا امتلأ ينصب من نواحيه ورجل فياض أي: يتدفق بالعطاء
قال زهير:
وأبيض فياض يداه غمامة = على معتفيه ما تغب نوافله
وحديث مستعيض أي متتابع
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس قال: إنما سميت عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام هذا موضع كذا فيقول عرفت وقد عرفت فلذلك سميت عرفات.
وقال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء ونعيم بن أبي هند نحوا منه.
وقال ابن المسيب قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بعث الله جبريل إلى إبراهيم صلى الله عليهما حتى إذا أتى عرفات قال عرفت وكان قد أتاها من قبل ذلك ولذلك سميت عرفة).[معاني القرآن: 1/136-137]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام}
قال ابن عباس وسعيد بن جبير: ما بيت الجبلين مشعر.
قال قتادة: هي جمع قال وإنما سميت جمعا لأنه يجمع فيها بيت صلاة المغرب والعشاء.
قال أبو إسحاق: المعنى واذكروا بتوحيده والمعنى الثناء عليه {وإن كنتم من قبله} أي من قبل هدايته). [معاني القرآن: 1/137-138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَفَضْتُــــم}: دفعتــــم). [العمدة في غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} كانت قريش لا تخرج من الحرم، وتقول: لسنا كسائر الناس، نحن أهل اللّه وقطّان حرمه:
فلا نخرج منه، وكان الناس يقفون خارج الحرم ويفيضون منه، فأمرهم اللّه أن يقفوا حيث يقف الناس: ويفيضوا من حيث أفاض الناس). [تفسير غريب القرآن: 79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفور رحيم}
قيل كانت الحمس من قريش وغيرها (وقد بيّنّا الحمس فيما تقدم) لا تفيض مع الناس في عرفة - تتمسك بسنتها في الجاهلية، وتفعل ذلك افتخارا على الناس وتعاليا عليهم، فأمرهم الله عزّ وجلّ أن يساووا الناس في الفرض، وأن يقفوا مواقفهم وألا يفيضوا من حيث أفاضوا.
قوله عزّ وجلّ: (واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفور رحيم) أي: سلوه أن يغفر لكم من مخالفتكم الناس في الإفاضة والموقف). [معاني القرآن: 1/273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}
قالت عائشة وابن عباس: كانت العرب تقف بعرفات فتتعظم قريش أن تقف معها فتقف قريش بالمزدلفة فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفات مع الناس.
وقال الضحاك: الناس إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: والأول أولى.
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: خرجت في طلب بعير لي بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث فقلت والله إن هذا من الحُمْس فما شأنه واقفا ههنا.
قال أبو جعفر: الحُمْس: الذين شددوا في دينهم والحماسة الشدة.
ويقال ثم في اللغة تدل على الثاني بعد الأول وبنيهما مهلة وقد قال الله تعالى بعد: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}

وإنما الإفاضة من عرفات قبل المجيء إلى المشعر الحرام، وفي هذا جوابان:
أحدهما: أن ثم بمعنى الواو
والجواب الثاني: وهو المختار أن ثم على بابها، والمعنى: ثم أمرتم بالإضافة من عرفات من حيث أفاض الناس.
وفي هذا معنى التوكيد لأنهم أمروا بالذكر عند المشعر الحرام وأفاضوا من عرفات ثم وكدت عليهم الإفاضة من حيث أفاض الناس لا من حيث كانت قريش تفيض.
وقال تعالى: {ثم آتينا موسى الكتاب} ويقال فلان كريم ثم إنه يتفقدنا وفلان يقاتل الناس ثم إنه رديء في نفسه أي ثم أزيدك في خبره .
وفي الآية قول آخر حسن على قول الضحاك: الناس إبراهيم عليه السلام فيكون المعنى من حيث أفاض إبراهيم الخليل وهو المشعر الحرام ويكون هذا مثل {الذين قال لهم الناس} وذلك نعيم بن مسعود الأشجعي
وقد روي عنه أنه قال: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناسي} يعني آدم وهذه قراءة شاذة). [معاني القرآن: 1/138-141]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:26 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فلا رفث} قال: جِمَاع النساء {ولا فسوق}: المعاصي. {ولا جدال في الحج} قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج قد تبين). [الأيام والليالي: 47] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (باب
قول الله عز وجل: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} هي أيام العشر.
قول الله عز وجل: {واذكروا الله في أيام معدودات} المعدودات: أيام التشريق.
قال أبو جعفر: حدثنا هناد، عن وكيع، عن سفيان
عن مغيرة، عن إبراهيم في قول الله عز وجل: {الحج أشهر معلومات} قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
حدثنا هناد قال: حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عباس يقول: الأيام المعدودات: أيام التشريق. والمعلومات: أيام العشر.
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة، عن الملك، عن
عطاء {واذكروا الله في أيام} قال: أيام منى. و{أيام معدودات}، قال: أيام العشر.
وقوله تعالى: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر حُرُم} يقال: شهر وأشهر، للقليل ما دون العشرة، فإذا أجزت العشرة فهي الشهور. قال الله عز وجل: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا}.
فقال: «الشهور» لما جاوزت العشرة، وقال: {الحج أشهر معلومات} لما كانت ثلاثة. وقال: (منها) للكثير، و(منهن) للقليل. وذلك قوله: {منها أربعة حرم} أي من الاثني عشر، ثم قال: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} يعني في الأربعة الأشهر الحرم، فعادت «النون» على القلة، و«الهاء» على الكثرة.
وقوله تبارك وتعالى: {شهر رمضان} يقرأ بالرفع والنصب، والإدغام {شهر رمضان} تدغم الراء عند الراء. فمن نصب شهر «رمضان» فعلى قوله عز وجل: {وأن تصوموا} –شهر رمضان- {خير لكم}.
ومن رفع بالعائد، وهو قوله عز وجل: {فيه القرآن}. وإن شئت قلت أرفعه «بهدى» كأنك قلت: شهر رمضان هدى للناس وبينات. وإن شئت رفعت «الشهر» بـ«الذي» وكان «هدى» في موضع نصب، فينبغي حينئذ أن تنصب «بينات». والقراءة بالرفع في قراءة بعضهم). [الأيام والليالي: 89-92]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته:
((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)).
قال: حدثناه ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)).
يقال: إن بدء ذلك كان والله أعلم إن العرب كانت تحرم الشهور الأربعة وكان هذا مما تمسكت به من ملة إبراهيم عليه السلام وعلى نبينا فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم للحرب تكون بينهم فيكرهون أن يستحلوه ويكرهون تأخير حربهم فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم. وهذا هو النسيء الذي قال الله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} إلى آخر الآية.
وكان ذلك في كنانة هم الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب.
والنسيء هو التأخير.
ومنه قيل: بعت الشيء نسيئة.
فكانوا يمكثون بذلك زمانا يحرمون صفر وهم يريدون به المحرم ويقولون: هذا أحد الصفرين.
وقد تأول بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صفر))، على هذا ثم يحتاجون أيضا إلى تأخير صفر إلى الشهر الذي بعده كحاجتهم إلى تأخير المحرم فيؤخرون تحريمه إلى ربيع ثم يمكثون بذلك ما شاء الله ثم يحتاجون إلى مثله ثم كذلك فكذلك يتدافع شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها، فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله تبارك وتعالى به، وذلك بعد دهر طويل فذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)).
يقول: رجعت الأشهر الحرم إلى مواضعها وبطل النسيء.
وقد زعم بعض الناس أنهم كانوا يستحلون المحرم عاما فإذا كان من قابل
ردوه إلى تحريمه والتفسير الأول أحب إلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض))، وليس في التفسير الآخر استدارة.
وعلى هذا التفسير الذي فسرناه قد يكون قوله: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} مصدقا لأنهم إذا حرموا العام المحرم وفي قابل صفر ثم احتاجوا بعد ذلك إلى تحليل صفر أيضا أحلوه وحرموا الذي بعده. فهذا تأويل قوله في هذا التفسير: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما}.
وفي هذا تفسير آخر يقال: إنه في الحج.
قال: حدثناه سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {ولا جدال في الحج} قال: قد استقر الحج في ذي الحجة لا جدال فيه، وفي غير حديث سفيان يروى عن معمر، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال: كانت العرب في الجاهلية يحجون عامين في ذي القعدة وعامين في ذي الحجة فلما كانت السنة التي حج فيها أبو بكر رضي الله عنه قبل حجة
النبي صلى الله عليه وسلم كان الحج في السنة الثانية في ذي القعدة، فلما كانت السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم في العام المقبل عاد الحج إلى ذي الحجة.
فذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)).
يقول: قد ثبت الحج في ذي الحجة). [غريب الحديث: 1/369-373] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (




وللـيـلـة مـنـهــا تـفـيــن لــنــافي غير ما رفث ولا إثم


...
(رفث) فحش). [شرح أشعار الهذليين: 2/974] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (كتاب نافع إلى المحكمة من أهل البصرة
وكتب نافع إلى من بالبصرة من المحكمة:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. والله إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة، والدين واحد، ففيم المقام بين أظهر الكفار، ترون الظلم ليلاً ونهارًا، وقد ندبكم الله إلى الجهاد فقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}، ولم يجعل لكم في التخلف عذرًا في حال من الحال، فقال: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً}! وإنما عذر الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون ومن كانت إقامته لعلة، ثم فضل عليهم مع ذلك المجاهدين، فقال: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ فلا تغتروا ولا تطمئنوا إلى الدنيا، فإنها مرارة مكارة، لذتها نافذة، ونعمتها بائدة، حفت بالشهوات اغترارًا، وأظهرت حبرة. وأضمرت عبرة، فليس آكل منها أكلة تسره، ولا شارب شربة تؤنفه؛ إلا دنا بها درجة إلى أجله، وتباعد بها مسافة من أمله، وإنما جعلها الله دارًا لمن تزود منها إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، فلن يرضى بها حازم دارًا، ولا حليم بها قرارًا، فاتقوا الله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. والسلام على من اتبع الهدى). [الكامل: 3/1219-1220] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} أي أنه في ذي القعدة وذي الحجة جميعًا؛ لأنه كان يقدم ويؤخر وقال: كذا فسره). [مجالس ثعلب: 474]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (سُمي: عرفة، لأن جبريل طاف بإبراهيم –صلوات الله عليهما- وكان يريه المشاهد، فيقول: (أعرفت؟ أعرفت؟ فيقول): عرفت، عرفت.
وقال بعضهم: إنما سُمي «عرفة» و«عرفات»، لأنهم يتعارفون فيها.
وقال بعضهم: إنما سُميت «عرفة» لأن آدم لمَّا أُهبط صلوات الله عليه من الجنة، فكان ما كان من فِراقه حواء، فلقيها في ذلك الموضع، فعرفها وعرفته). [الأيام والليالي: 79]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما كان من جمع المؤنث بالألف والتاء

فهذا الجمع في المؤنث نظير ما كان بالواو والنون في المذكر؛ لأنك فيه تسلم بناء الواحد كتسليمك إياه في التثنية. والتاء دليل التأنيث، والضمة علم الرفع، واستوى خفضه ونصبه، كما استوى ذلك في مسلمين. والتنوين في مسلماتٍ عوضٌ من النون في قولك: مسلمين. فإن سميت بمسلمات رجلاً أو امرأة لحقه التنوين؛ لأنه عوض فلذلك كان لازماً. وعلى ذلك قوله عز وجل: {فإذا أفضتم من عرفات} وعرفات معرفة؛ لأنه اسم موضع بعينه. هذا في قول من قال: هؤلاء مسلمون، ومررت بمسلمين يا فتى، وكل ما كان على وزن المسلمين فالوجه فيه أن يجري هذا المجرى وإن لم يكن في الأصل جمعاً؛ كما أن كرسياً وبختياً كالمنسوب وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى حيٍّ، ولا إلى أرضٍ، ولا غير ذلك. فمن ذلك عشرون، وثلاثون. قال الله عز وجل: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين}. وما أدراك ما عليون. وتقول على هذا: قنسرون، ومررت بقنسرين، وهذه يبرون، ومررت بيبرين. ومن لم يقل هذا، وقال: قنسرين كما ترى، وجعل الإعراب في النون، وقال: هذه سنونٌ فاعلم، فإنه يفعل مثل هذا بالمؤنث إذا كان واحداً، ويجيزه في الجمع؛ كما تقول: هؤلاء مسلمينٌ فاعلم، كما قال الشاعر:



وماذا يـدري الشعـراء منـيوقد جاوزت حد الأربعين


وقال الآخر:



إني أبيَّ أبي ذو محافظةٍوابـن أبـيٍّ أبـي مــن أبيـيـن


وقال الله عز وجل فيما كان واحدا: {ولا طعامٌ إلا من غسلينٍ} فمن رأى هذا قال: هذه عرفات مباركاً فيها، وعلى هذا ينشد هذا البيت:



تنورتهـا مـن أذرعـات وأهلـهـابيثرب أدنى دارها نظرٌ عالي


وقال الآخر:
تخيرها أخو عانات دهرا
والوجه المختار في الجمع ما بدأت به. وأما الواحد؛ نحو: غسلين، وعليين، فالوجهان مقولان معتدلان). [المقتضب: 3/331-334]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن قال: هذا مسلمين كما ترى قال في مسلمات إذا سمي به رجلاً: هذا مسلمات فاعلم، أجراها مجرى الواحد، فلم يصرف، لأن فيها علامة التأنيث، وتقول: مررت بمسلمات يا فتى فلا تنون لأنها لا تصرف، ولا يجوز فتحها؛ لأن الكسرة ها هنا كالياء في مسلمين. وعلى هذا ينشدون بيت امرئ القيس:



تنورتهـا مـن أذرعـات وأهلـهـابيثرب أدنى دارها نظر عالى


لأن أذرعات اسم موضع بعينه، والأجود ما بدأنا به من إثبات التنوين في أذرعات ونحوها؛ لأنها بمنزلة النون في مسلمين إذا قلت: هؤلاء مسلمون، ومررت بمسلمين. ومن ذلك قول الله عز وجل: {فإذا أفضتم من عرفات} بالتنوين. ونظير هذا قولهم: هذه قنسرون، ويبرون.
فمن ذهب إلى أنها جمع في الأصل، أو شبهها به، فيصيرها جمعاً. وقد تقدم باب الحكاية، والتسمية بالجمع يعتدل فيه الأمران. قد جاء القرآن بهما جميعاً. قال الله عز وجل: {ولا طعام إلا من غسلين} وقال: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون}.
فالقياس في جميع هذا ما ذكرت لك). [المقتضب: 4/37-38]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (عرفات: موضع عرف آدم حواء.
منى، من المنية، مني عليه إذا قدر عليه المنية. ومني واحد. المعلومات: أيام العشر. والمعدودات: عرفات والنحر واليومان بعدهما قال أبو العبَّاس: ويقال هذه موضع هذه، وهذه موضع هذه). [مجالس ثعلب: 431-432]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قال القطامي:



قرم إذا ابتدر الرجال عظيمةًسبـقـت إلـيــه يمـيـنـه الأيـمـانـا


يعني إلى الابتدار، لما قال ابتدر كان معنى الابتدار، قال الله جل ذكره: {فإذا أفضتم من عرفات}، قال: واذكروا كما هداكم ثم قال: {وإن كنتم من قبله لمن الضالين}، الهاء: للهدى، لما قال هداكم). [شرح المفضليات: 659]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 07:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 07:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب (197) ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين (198)}
وقوله تعالى: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ}، في الكلام حذف تقديره: أشهر الحج أشهر، أو: وقت الحج أشهر، أو: وقت عمل الحج أشهر، والغرض إنما هو أن يكون الخبر عن الابتداء هو الابتداء نفسه، والحج ليس بالأشهر فاحتيج إلى هذه التقديرات، ومن قدر الكلام: الحج في أشهر، فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر، ولم يقرأ بنصبها أحد.
وقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري: «أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو لحجة كله».
وقال ابن عباس والشعبي والسدي وإبراهيم: «هي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة»، والقولان لمالك رحمه الله، حكى الأخير ابن حبيب، وجمع على هذا القول الأخير الاثنان وبعض الثالث كما فعلوا في جمع عشر فقالوا عشرون لعشرين ويومين من الثالث، وكما قال امرؤ القيس: ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال فمن قال إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم ير دما فيما يقع من الأعمال بعد يوم النحر لأنها في أشهر الحج، وعلى القول الآخر ينقضي الحج بيوم النحر ويلزم الدم فيما عمل بعد ذلك.
وقوله تعالى: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} أي من ألزمه نفسه، وأصل الفرض الحز الذي يكون في السهام والقسي وغيرها، ومنه فرضة النهر والجبل، فكأن من التزم شيئا وأثبته على نفسه قد فرضه، وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام، والتلبية تبع لذلك، ومن رفع بالابتداء، ومعناها الشرط، والخبر قوله فرض لأن من ليست بموصولة فكأنه قال فرجل فرض، وقوله فلا رفث يحتمل أن يكون الخبر، وتكون فرض صفة.
وقوله تعالى: {فيهنّ} ولم يجىء الكلام فرض فيها: فقال قوم: هما سواء في الاستعمال.
وقال أبو عثمان المازني: «الجمع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة، والقليل ليس كذلك، تقول الأجذاع انكسرن والجذوع انكسرت»، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {إنّ عدّة الشّهور} [التوبة: 36]، ثم قال: «منها»، وقرأ نافع «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال» بنصب الجميع، وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال» بالرفع في الاثنين ونصب الجدال، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالرفع في الثلاثة، ورويت عن عاصم في بعض الطرق، ولا بمعنى ليس في قراءة الرفع وخبرها محذوف على قراءة أبي عمرو، وفي الحجّ خبر لا جدال، وحذف الخبر هنا هو مذهب أبي علي، وقد خولف في ذلك، بل في الحجّ هو خبر الكل، إذ هو في موضع رفع في الوجهين، لأن لا إنما تعمل على بابها فيما يليها وخبرها مرفوع باق على حاله من خبر الابتداء، وظن أبو علي أنها بمنزلة ليس في نصب الخبر، وليس كذلك، بل هي والاسم في موضع الابتداء يطلبان الخبر، وفي الحجّ هو الخبر في قراءة كلها بالرفع وفي قراءتها بالنصب، والتحرير أن في الحجّ في موضع نصب بالخبر المقدر كأنك قلت موجود في الحج، ولا فرق بين الآية وبين قولك زيد في الدار.
وقال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة ومالك ومجاهد وغيرهم: «الرفث الجماع».
وقال عبد الله بن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم: الرفث الإعراب والتعريب، وهو الإفحاش بأمر الجماع عند النساء خاصة، وهذا قول ابن عباس أيضا، وأنشد وهو محرم:
وهنّ يمشين بنا هميسا ....... إن تصدق الطّير ننك لميسا
فقيل له: «ترفث وأنت محرم؟ فقال: «إنما الرفث ما كان عند النساء» وقال قوم: الرفث الإفحاش بذكر النساء كان ذلك بحضرتهن أم لا، وقد قال ابن عمر للحادي: «لا تذكر النساء».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا يحتمل أن تحضر امرأة فلذلك نهاه»، وإنما يقوي القول من جهة ما يلزم من توقير الحج.
وقال أبو عبيدة: «الرفث اللغا من الكلام»، وأنشد:
وربّ أسراب حجيج كظم ....... عن اللّغا ورفث التّكلّم
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولا حجة في البيت، وقرأ ابن مسعود «ولا رفوث».
وقال ابن عباس وعطاء والحسن وغيرهم: «الفسوق المعاصي كلها لا يختص بها شيء دون شيء».
وقال ابن عمر وجماعة معه: «الفسوق المعاصي في معنى الحج كقتل الصيد وغيره».
وقال ابن زيد ومالك: «الفسوق الذبح للأصنام، ومنه قول الله تعالى:{أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به} [الأنعام: 145] ».
وقال الضحاك: «الفسوق التنابز بالألقاب، ومنه قول الله تعالى: {بئس الاسم الفسوق} [الحجرات: 11] ».
وقال ابن عمر أيضا ومجاهد وعطاء وإبراهيم: «الفسوق السباب، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وعموم جميع المعاصي أولى الأقوال».
وقال قتادة وغيره: «الجدال هنا السباب».
وقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء ومجاهد: «الجدال هنا أن تماري مسلما حتى تغضبه».
وقال مالك وابن زيد: «الجدال هنا أن يختلف الناس أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير موقف سائر العرب ثم يتجادلون بعد ذلك».
وقال محمد بن كعب القرظي: «الجدال أن تقول طائفة حجنا أبر من حجكم وتقول الأخرى مثل ذلك».
وقالت فرقة: الجدال هنا أن تقول طائفة: الحج اليوم وتقول طائفة بل الحج غدا، وقيل: الجدال كان في الفخر بالآباء.
وقال مجاهد وجماعة معه: «الجدال أن تنسئ العرب الشهور حسبما كان النسيء عليه، فقرر الشرع وقت الحج وبينه، وأخبر أنه حتم لا جدال فيه»، وهذا أصح الأقوال وأظهرها، والجدال مأخوذ من الجدل وهو الفتل، كأن كل مجادل يفاتل صاحبه في الكلام. وأما ما كان النسيء عليه فظاهر سير ابن إسحاق وغيرها من الدواوين أن الناسئ كان يحل المحرم لئلا تتوالى على العرب ثلاثة أشهر لا إغارة فيها، ويحرم صفر، وربما سموه المحرم، وتبقى سائر الأشهر بأسمائها حتى يأتي حجهم في ذي الحجة على الحقيقة، وأسند الطبري عن مجاهد أنه قال: كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون صفران لصفر وشهر ربيع الأول، ثم كذلك ينقلون أسماء الشهور، ويتبدل وقت الحج في الحقيقة، لكنه يبقى في ذي الحجة بالتسمية لا في حقيقة الشهر، قال: فكان حج أبي بكر سنة تسع في ذي القعدة على الحقيقة ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في ذي الحجة على الحقيقة، وحينئذ قال: «إن الزمان قد استدار» الحديث، ونزلت ولا جدال في الحجّ أي قد تبين أمره فلا ينتقل شهر البتة أبدا.
وقوله تعالى: {وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه} المعنى فيثيب عليه، وفي هذا تخصيص على فعل الخير.
وقوله تعالى: {وتزوّدوا} الآية، قال ابن عمر وعكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد: «نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد ويقول بعضهم: نحن المتوكلون، ويقول بعضهم: كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا، فكانوا يبقون عالة على الناس، فنهوا عن ذلك وأمروا بالتزود».
وقال بعض الناس: المعنى تزودوا الرفيق الصالح، وهذا تخصيص ضعيف، والأولى في معنى الآية: وتزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة، وفي قوله تعالى: {فإنّ خير الزّاد التّقوى} حض على التقوى، وخص أولو الألباب بالخطاب وإن كان الأمر يعم الكل لأنهم الذين قامت عليهم حجة الله وهم قابلو أوامره والناهضون بها، وهذا على أن اللب لب التجارب وجودة النظر، وإن جعلناه لب التكليف فالنداء ب أولي الألباب عام لجميع المكلفين، واللب العقل، تقول العرب لببت بضم الباء الأولى ألب بضم اللام، حكاه سيبويه، وليس في الكلام فعل يفعل بضم العين فيهما غير هذه الكلمة). [المحرر الوجيز: 1/ 480-487]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ليس عليكم جناحٌ} الآية، الجناح أعم من الإثم لأنه فيما يقتضي العقاب وفيما يقتضي العتاب والزجر، وتبتغوا معناه تطلبون بمحاولتكم.
وقال ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعطاء: «إن الآية نزلت لأن العرب تحرجت لما جاء الإسلام أن يحضروا أسواق الجاهلية كعكاظ وذي المجاز ومجنة، فأباح الله تعالى ذلك، أي لا درك في أن تتجروا وتطلبوا الربح».
وقال مجاهد: «كان بعض العرب لا يتجرون مذ يحرمون، فنزلت الآية في إباحة ذلك».
وقال ابن عمر فيمن أكرى ليحج: «حجه تام ولا حرج عليه في ابتغاء الكراء»، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج».
وقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ} أجمع أهل العلم على تمام حج من وقف بعرفة بعد الزوال وأفاض نهارا قبل الليل إلا مالك بن أنس، فإنه قال: «لا بد أن يأخذ من الليل شيئا، وأما من وقف بعرفة بالليل فلا خلاف بين الأمة في تمام حجه» وأفاض القوم أو الجيش إذا اندفعوا جملة، ومنه أفاض الرجل في الكلام، ومنه فاض الإناء، وأفضته، ومنه المفيض في القداح، والتنوين في عرفات على حده في مسلمات، الكسرة مقابلة للياء في مسلمين والتنوين مقابل للنون، فإذا سميت به شخصا ترك، وهو معرف على حده قبل أن تسمي به، فإن كان عرفاتٍ اسما لتلك البقعة كلها فهو كما ذكرناه، وإن كان جمع عرفة فهو كمسلمات دون أن يسمى به، وحكى سيبويه كسر التاء من «عرفات» دون تنوين في حال النصب والخفض مع التعريف، وحكى الكوفيون فتحها في حال النصب والخفض تشبيها بتاء فاطمة وطلحة، وسميت تلك البقعة عرفاتٍ لأن إبراهيم عرفها حين رآها على ما وصفت له، قاله السدي.
وقال ابن عباس: «سميت بذلك لأن جبريل عليه السلام كان يقول لإبراهيم عليه السلام: هذا موضع كذا، فيقول قد عرفت»، وقيل: سميت بذلك لأن آدم عرف بها حواء حين لقيها هناك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع، وعرفة هي نعمان الأراك»، وفيها يقول الشاعر:
تزودت من نعمان عود أراكة ....... لهند ولكن من يبلغه هندا؟
والمشعر الحرام جمع كله، وهو ما بين جبلي المزدلفة من حد مفضى مأزمي عرفة، قال ذلك ابن عباس وابن جبير والربيع وابن عمر ومجاهد، فهي كلها مشعر إلى بطن محسر، كما أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، بفتح الراء وضمها، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، والمزدلفة كلها مشعر، إلا وارتفعوا عن بطن محسر» وذكر هذا عبد الله بن الزبير في خطبته، وفي المزدلفة قرن قزح الذي كانت قريش تقف عليه، وذكر الله تعالى عند المشعر الحرام ندب عند أهل العلم.
وقال مالك: «من مر به ولم ينزل فعليه دم»، وقال الشافعي: «من خرج من مزدلفة قبل نصف الليل فعليه دم، وإن كان بعد نصف الليل فلا شيء عليه»
وقال الشعبي والنخعي: «من فاته الوقوف بمزدلفة فاته الحج».
وقوله: {واذكروه كما هداكم} تعديد للنعمة وأمر بشكرها، ثم ذكرهم بحال ضلالهم ليظهر قدر الإنعام، والكاف في كما نعت لمصدر محذوف، وأن مخففة من الثقيلة، ويدل على ذلك دخول اللام في الخبر، هذا قول سيبويه.
وقال الفراء: «هي النافية بمعنى ما، واللام بمعنى إلّا»، والضمير في قبله عائد على الهدي). [المحرر الوجيز: 1/ 487-489]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (199) فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ (200) ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار (201) أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب (202) واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون (203)}
قال ابن عباس وعائشة وعطاء وغيرهم: «المخاطب بهذه الآية قريش ومن ولدت وهم الحمس، وذلك أنهم كانوا يقولون نحن قطين الله فينبغي لنا أن نعظم الحرم ولا نعظم شيئا من الحل، فسنوا شق الثياب في الطواف إلى غير ذلك، وكانوا مع معرفتهم وإقرارهم أن عرفة هي موقف إبراهيم لا يخرجون من الحرم ويقفون بجمع ويفيضون منه، ويقف الناس بعرفة، فقيل لهم أن يفيضوا مع الجملة، وثمّ ليست في هذه الآية للترتيب، إنما هي لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمس، ولكنه كان يقف مذ كان بعرفة، هداية من الله».
وقال الضحاك: «المخاطب بالآية جملة الأمة»، والمراد ب النّاس إبراهيم عليه السلام كما قال: {الّذين قال لهم النّاس} [آل عمران: 173] وهو يريد واحدا، ويحتمل على هذا أن يؤمروا بالإفاضة من عرفة، ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة فتجيء ثمّ على هذا الاحتمال على بابها، وعلى هذا الاحتمال عول الطبري، وقرأ سعيد بن جبير «الناسي» وتأوله آدم عليه السلام، ويجوز عند بعضهم تخفيف الياء فيقول الناس كالقاض والهاد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «أما جوازه في العربية فذكره سيبويه، وأما جوازه مقروءا به فلا أحفظه»، وأمر تعالى بالاستغفار لأنها مواطنه ومظان القبول ومساقط الرحمة، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب عشية عرفة فقال: «أيها الناس، إن الله عز وجل قد تطاول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله»، فلما كان غداة جمع، خطب فقال: «أيها الناس إن الله تطاول عليكم فعوض التبعات من عنده».
وقالت فرقة: المعنى واستغفروا الله من فعلكم الذي كان مخالفا لسنة إبراهيم في وقوفكم بقزح من المزدلفة). [المحرر الوجيز: 1/ 489-491]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب (197)}
اختلف أهل العربيّة في قوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} فقال بعضهم: تقديره [الحجّ] حجّ أشهرٍ معلوماتٍ، فعلى هذا التّقدير يكون الإحرام بالحجّ فيها أكمل من الإحرام به فيما عداها، وإن كان ذاك صحيحًا، والقول بصحّة الإحرام بالحجّ في جميع السّنة مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وبه يقول إبراهيم النخعي، والثّوريّ، واللّيث بن سعدٍ. واحتجّ لهم بقوله تعالى: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ} [البقرة: 189] وبأنّه أحد النّسكين. فصحّ الإحرام به في جميع السّنة كالعمرة.
وذهب الشّافعيّ، رحمه اللّه، إلى أنّه لا يصحّ الإحرام بالحجّ إلّا في أشهره فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به، وهل ينعقد عمرة؟ فيه قولان عنه. والقول بأنّه لا يصحّ الإحرام بالحجّ إلّا في أشهره مرويّ عن ابن عبّاسٍ، وجابرٍ، وبه يقول عطاءٌ، وطاوسٌ، ومجاهدٌ، رحمهم اللّه، والدّليل عليه قوله تعالى: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} وظاهره التّقدير الآخر الذي ذهب إليه النّحاة، وهو أنّ: وقت الحجّ أشهرٌ معلومات، فخصّصه بها من بين سائر شهور السّنة، فدلّ على أنّه لا يصحّ قبلها، كميقات الصّلاة.
قال الشّافعيّ، رحمه اللّه: أخبرنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن جريجٍ، أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: «لا ينبغي لأحدٍ أن يحرم بالحجّ إلّا في شهور الحجّ، من أجل قول اللّه: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ}» وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، عن أحمد بن يحيى بن مالكٍ السّوسيّ، عن حجّاج بن محمّدٍ الأعور، عن ابن جريجٍ، به. ورواه ابن مردويه في تفسيره من طريقين، عن حجّاج بن أرطاة، عن الحكم بن عتيبة عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: «من السّنّة ألّا يحرم بالحجّ إلّا في أشهر الحجّ».
وقال ابن خزيمة في صحيحه: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا يحرم بالحجّ إلّا في أشهر الحجّ، فإنّ من سنّة الحجّ أن يحرم بالحجّ في أشهر الحجّ». وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وقول الصّحابيّ: "من السّنّة كذا" في حكم المرفوع عند الأكثرين، ولا سيّما قول ابن عبّاسٍ تفسيرًا للقرآن، وهو ترجمانه.
وقد ورد فيه حديثٌ مرفوعٌ، قال ابن مردويه: حدّثنا عبد الباقي بن قانعٍ حدّثنا الحسن بن المثنى، حدّثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «لا ينبغي لأحدٍ أن يحرم بالحجّ إلّا في أشهر الحجّ».
وإسناده لا بأس به. لكن رواه الشّافعيّ، والبيهقيّ من طرق، عن ابن جريجٍ، عن أبي الزّبير، أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يسأل: «أيهلّ بالحجّ قبل أشهر الحجّ؟» فقال: «لا».
وهذا الموقوف أصحّ وأثبت من المرفوع، ويبقى حينئذٍ مذهب صحابيٍّ، يتقوّى بقول ابن عبّاسٍ: «من السّنّة أن لا يحرم بالحجّ إلّا في أشهره». واللّه أعلم.
وقوله: {أشهرٌ معلوماتٌ} قال البخاريّ: قال ابن عمر: «هي شوّالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ من ذي الحجّة». وهذا الذي علّقه البخاريّ عنه بصيغة الجزم رواه ابن جرير موصولا حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا ورقاء، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} قال: «شوّالٌ، وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجّة».
إسنادٌ صحيحٌ، وقد رواه الحاكم أيضًا في مستدركه، عن الأصمّ، عن الحسن بن عليّ بن عفّان، عن عبد اللّه بن نميرٍ، عن عبيد اللّه عن نافعٍ، عن ابن عمر -فذكره وقال: على شرط الشّيخين.
قلت: وهو مرويّ عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعودٍ، وعبد اللّه بن الزّبير، وابن عبّاسٍ، وعطاءٍ، وطاوسٍ، ومجاهدٍ، وإبراهيم النّخعيّ، والشّعبيّ، والحسن، وابن سيرين، ومكحولٍ، وقتادة، والضّحّاك بن مزاحمٍ، والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان. وهو مذهب الشّافعيّ، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبلٍ، وأبي يوسف، وأبي ثور، رحمهم اللّه. واختار هذا القول ابن جريرٍ، قال: «وصحّ إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثّالث للتّغليب، كما تقول العرب: "زرته العام، ورأيته اليوم". وإنّما وقع ذلك في بعض العام واليوم؛ قال اللّه تعالى: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه} [البقرة: 203] وإنّما تعجّل في يومٍ ونصفٍ».
وقال الإمام مالك بن أنسٍ [والشّافعيّ في القديم]:هي: «شوّالٌ وذو القعدة وذو الحجّة بكماله». وهو روايةٌ عن ابن عمر أيضًا؛ قال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن إسحاق، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا شريكٌ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: «شوّالٌ وذو القعدة وذو الحجّة».
وقال ابن أبي حاتمٍ في تفسيره: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن جريجٍ، قال: قلت لنافعٍ: «أسمعت عبد اللّه بن عمر يسمّي شهور الحجّ؟» قال: «نعم»، كان عبد اللّه يسمّي: «شوّالٌ وذو القعدة وذو الحجّة». قال ابن جريجٍ: «وقال ذلك ابن شهاب، وعطاءٌ، وجابر بن عبد اللّه صاحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم»، وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن جريجٍ. وقد حكي هذا أيضًا عن طاوسٍ، ومجاهدٍ، وعروة بن الزّبير، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة. وجاء فيه حديثٌ مرفوعٌ، ولكنّه موضوعٌ، رواه الحافظ بن مردويه، من طريق حصين بن مخارقٍ -وهو متّهمٌ بالوضع -عن يونس بن عبيدٍ، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ: شوّالٌ وذو القعدة وذو الحجّة». وهذا كما رأيت لا يصح رفعه، واللّه أعلم.
وفائدة مذهب مالكٍ أنّه إلى آخر ذي الحجّة، بمعنى أنّه مختصٌّ بالحجّ، فيكره الاعتمار في بقية ذي الحجّة، لا أنّه يصحّ الحجّ بعد ليلة النّحر.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهابٍ، قال: قال عبد اللّه: «الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ، ليس فيها عمرةٌ». وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
قال ابن جريرٍ: «إنّما أراد من ذهب إلى أنّ أشهر الحجّ شوّالٌ وذو القعدة وذو الحجّة أنّ هذه الأشهر ليست أشهر العمرة، إنّما هي للحجّ، وإن كان عمل الحجّ قد انقضى بانقضاء أيّام منًى»، كما قال محمّد بن سيرين: «ما أحدٌ من أهل العلم يشكّ في أنّ عمرةً في غير أشهر الحجّ أفضل من عمرةٍ في أشهر الحجّ».
وقال ابن عونٍ: «سألت القاسم بن محمّدٍ، عن العمرة في أشهر الحجّ»، فقال: «كانوا لا يرونها تامّةً».
قلت: «وقد ثبت عن عمر وعثمان، رضي اللّه عنهما، أنّهما كانا يحبّان الاعتمار في غير أشهر الحجّ، وينهيان عن ذلك في أشهر الحجّ»، واللّه أعلم.
وقوله: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} أي: أوجب بإحرامه حجًّا. فيه دلالةٌ على لزوم الإحرام بالحجّ والمضيّ فيه. قال ابن جريرٍ: «أجمعوا على أنّ المراد من الفرض هاهنا الإيجاب والإلزام».
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} يقول: «من أحرم بحجّ أو عمرةٍ». وقال عطاءٌ: «الفرض الإحرام». وكذا قال إبراهيم، والضّحّاك، وغيرهم.
وقال ابن جريج: أخبرني عمر بن عطاءٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: «{فمن فرض فيهنّ الحجّ} فلا ينبغي أن يلبّي بالحجّ ثمّ يقيم بأرضٍ». قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وابن الزّبير، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وإبراهيم النخعي، وعكرمة، والضّحّاك، وقتادة، وسفيان الثّوريّ، والزّهريّ، ومقاتل بن حيّان -نحو ذلك.
وقال طاوسٌ، والقاسم بن محمّدٍ: «هو التّلبية».
وقوله: {فلا رفث} أي: من أحرم بالحجّ أو العمرة، فليجتنب الرّفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187]، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتّقبيل ونحو ذلك، وكذا التّكلّم به بحضرة النّساء.
قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس: أنّ نافعًا أخبره: أنّ عبد اللّه بن عمر كان يقول: «الرفث إتيان النّساء، والتّكلّم بذلك: الرجال والنّساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم».
قال ابن وهبٍ: وأخبرني أبو صخرٍ، عن محمّد بن كعب، مثله.
قال ابن جريرٍ: وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن رجلٍ، عن أبي العالية الرّياحي، عن ابن عبّاسٍ: أنّه كان يحدو -وهو محرمٌ -وهو يقول:

وهنّ يمشين بنا هميسا ....... إن يصدق الطّير ننل لميسا

قال أبو العالية فقلت: «تكلّم بالرّفث وأنت محرمٌ؟!» قال: «إنّما الرّفث ما قيل عند النساء».
ورواه الأعمش، عن زياد بن حصينٍ، عن أبي العالية، عن ابن عبّاسٍ، فذكره.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عون حدّثني زياد بن حصينٍ، حدّثني أبي حصين بن قيسٍ، قال: «أصعدت مع ابن عبّاسٍ في الحاجّ، وكنت خليلًا له، فلمّا كان بعد إحرامنا قال ابن عبّاسٍ، فأخذ بذنب بعيره فجعل يلويه و هو يرتجز، ويقول:
وهنّ يمشين بنا هميسا ....... إن يصدق الطّير ننل لميسا

قال: فقلت: «أترفث وأنت محرمٌ؟» فقال: «إنّما الرّفث ما قيل عند النّساء».
وقال عبد اللّه بن طاوسٍ، عن أبيه: سألت ابن عبّاسٍ عن قول اللّه تعالى: {فلا رفث ولا فسوق} قال: «الرّفث التّعريض بذكر الجماع، وهي العرابة في كلام العرب، وهو أدنى الرّفث».
وقال عطاء بن أبي رباحٍ: «الرفث: الجماع، وما دونه من قول الفحش»، وكذا قال عمرو بن دينارٍ. وقال عطاءٌ: «كانوا يكرهون العرابة، وهو التّعريض بذكر الجماع وهو محرم».
وقال طاوسٌ: «هو أن تقول للمرأة: إذا حللت أصبتك». وكذا قال أبو العالية.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «الرّفث: غشيان النّساء والقبل والغمز، وأن يعرّض لها بالفحش من الكلام، ونحو ذلك».
وقال ابن عبّاسٍ أيضًا وابن عمر: «الرفث: غشيان النّساء». وكذا قال سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهدٌ، وإبراهيم، وأبو العالية، وعطاءٌ، ومكحولٌ، وعطاء بن يسارٍ، وعطيّة، وإبراهيم النّخعي، والرّبيع، والزّهريّ، والسّدّيّ، ومالك بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان، وعبد الكريم بن مالكٍ، والحسن، وقتادة والضّحّاك، وغيرهم.
وقوله: {ولا فسوق} قال مقسم وغير واحدٍ، عن ابن عبّاسٍ: «هي المعاصي». وكذا قال عطاءٌ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمّد بن كعبٍ، والحسن، وقتادة، وإبراهيم النّخعيّ، والزّهريّ، ومكحولٌ، وابن أبان، والرّبيع بن أنسٍ، وعطاء بن يسارٍ، وعطاءٌ الخراسانيّ، ومقاتل بن حيّان.
وقال محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: «الفسوق: ما أصيب من معاصي اللّه به صيد أو غيره». وكذا روى ابن وهبٍ، عن يونس، عن نافعٍ أنّ عبد اللّه بن عمر كان يقول: «الفسوق إتيان معاصي اللّه في الحرم».
وقال آخرون: الفسوق هاهنا السّباب، قاله ابن عبّاسٍ، وابن عمر، وابن الزّبير، ومجاهدٌ، والسّدّيّ، وإبراهيم والحسن. وقد يتمسّك لهؤلاء بما ثبت في الصحيح «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر».
ولهذا رواه هاهنا الحبر أبو محمّد بن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه، من حديث سفيان الثّوريّ عن يزيد عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ». وروي من حديث عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن مسعودٍ عن أبيه ومن حديث أبي إسحاق عن محمّد بن سعدٍ عن أبيه.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «الفسوق هاهنا: الذّبح للأصنام. قال اللّه تعالى: {أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به} [الأنعام: 145]».
وقال الضّحّاك: «الفسوق: التّنابز بالألقاب».
والّذين قالوا: الفسوق هاهنا هو جميع المعاصي، معهم الصّواب، كما نهى تعالى عن الظّلم في الأشهر الحرم، وإن كان في جميع السّنة منهيًّا عنه، إلّا أنّه في الأشهر الحرم آكد؛ ولهذا قال: {منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} [التّوبة: 36]، وقال في الحرم: {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ} [الحجّ: 25].
واختار ابن جريرٍ أنّ الفسوق هاهنا: هو ارتكاب ما نهي عنه في الإحرام، من قتل الصّيد، وحلق الشّعر، وقلم الأظفار، ونحو ذلك، كما تقدّم عن ابن عمر. وما ذكرناه أولى، واللّه أعلم. وقد ثبت في الصّحيحين من حديث أبي حازمٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه».
وقوله: {ولا جدال في الحجّ} فيه قولان:
أحدهما: ولا مجادلة في وقت الحجّ وفي مناسكه، وقد بيّنه اللّه أتمّ بيانٍ ووضّحه أكمل إيضاحٍ. كما قال وكيع، عن العلاء بن عبد الكريم: «سمعت مجاهدًا يقول: {ولا جدال في الحجّ} قد بيّن اللّه أشهر الحج، فليس فيه جدالٌ بين النّاس».
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: «لا شهر ينسأ، ولا جدال في الحجّ، قد تبيّن، ثمّ ذكر كيفيّة ما كان المشركون يصنعون في النّسيء الذي ذمّهم اللّه به».
وقال الثّوريّ، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهدٍ في قوله: {ولا جدال في الحجّ} قال: «قد استقام الحجّ، فلا جدال فيه». وكذا قال السّدّيّ.
وقال هشيم: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: «المراء في الحج».
وقال عبد اللّه بن وهبٍ: قال مالكٌ: «قال اللّه تعالى: {ولا جدال في الحجّ} فالجدال في الحجّ -واللّه أعلم -أنّ قريشًا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة، وكانت العرب، وغيرهم يقفون بعرفة، وكانوا يتجادلون، يقول هؤلاء: نحن أصوب. ويقول هؤلاء: نحن أصوب. فهذا فيما نرى، واللّه أعلم».
وقال ابن وهبٍ، عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «كانوا يقفون مواقف مختلفةً يتجادلون، كلّهم يدّعي أنّ موقفه موقف إبراهيم فقطعه اللّه حين أعلم نبّيه بالمناسك».
وقال ابن وهبٍ، عن أبي صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، قال: «كانت قريشٌ إذا اجتمعت بمنًى قال هؤلاء: حجّنا أتمّ من حجّكم. وقال هؤلاء: حجّنا أتمّ من حجكم».
وقال حمّاد بن سلمة عن جبر بن حبيبٍ، عن القاسم بن محمّدٍ أنّه قال: «الجدال في الحجّ أن يقول بعضهم: الحجّ غدًا. ويقول بعضهم: اليوم».
وقد اختار ابن جريرٍ مضمون هذه الأقوال، وهو قطع التّنازع في مناسك الحجّ.
والقول الثّاني: أنّ المراد بالجدال هاهنا: المخاصمة.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ حدّثنا إسحاق، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ -في قوله: {ولا جدال في الحجّ} قال: «أن تماري صاحبك حتّى تغضبه».
وبهذا الإسناد إلى أبي إسحاق، عن التّميميّ: سألت ابن عبّاسٍ عن «الجدال» قال:«المراء، تماري صاحبك حتّى تغضبه». وكذا روى مقسم والضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ. وكذا قال أبو العالية، وعطاءٌ ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، وجابر بن زيدٍ، وعطاءٌ الخراسانيّ، ومكحولٌ، وعمرو بن دينارٍ، والسّدّيّ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، وإبراهيم النّخعي، وعطاء بن يسارٍ، والحسن، وقتادة، والزّهريّ، ومقاتل بن حيّان.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال:« الجدال: المراء والملاحاة، حتّى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى اللّه عن ذلك».
وقال إبراهيم النّخعيّ: {ولا جدال في الحجّ} قال: كانوا يكرهون الجدال. وقال محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: «الجدال: السّباب والمنازعة». وكذا روى ابن وهبٍ، عن يونس، عن نافعٍ: أنّ ابن عمر كان يقول: «الجدال في الحجّ: السّباب، والمراء، والخصومات»، وقال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن الزّبير، والحسن، وإبراهيم، وطاوسٍ، ومحمّد بن كعبٍ، قالوا:«الجدال المراء».
وقال عبد اللّه بن المبارك، عن يحيى بن بشرٍ عن عكرمة: «{ولا جدال في الحجّ} والجدال الغضب، أن تغضب عليك مسلمًا، إلّا أن تستعتب مملوكًا فتغضبه من غير أن تضربه، فلا بأس عليك، إن شاء الله».
قلت: ولو ضربه لكان جائزًا سائغًا. والدّليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه: أنّ أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: «خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حجّاجًا، حتّى إذا كنّا بالعرج نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجلست عائشة إلى جنب رسول اللّه، وجلست إلى جنب أبي. وكانت زمالة أبي بكرٍ وزمالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واحدةً مع غلام أبي بكرٍ، فجلس أبو بكرٍ ينتظره إلى أن يطلع عليه، فأطلع وليس معه بعيره، فقال: أين بعيرك؟ فقال: أضللته البارحة. فقال أبو بكرٍ: بعيرٌ واحدٌ تضلّه؟ فطفق يضربه، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتبسّم ويقول: «انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟».
وهكذا أخرجه أبو داود، وابن ماجه، من حديث ابن إسحاق. ومن هذا الحديث حكى بعضهم عن بعض السّلف أنّه قال: من تمام الحجّ ضرب الجمال. ولكن يستفاد من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن أبي بكرٍ: «انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟» -كهيئة الإنكار اللّطيف -أنّ الأولى ترك ذلك، واللّه أعلم.
وقد قال الإمام عبد بن حميدٍ في مسنده: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد اللّه بن عبيدة عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده، غفر له ما تقدّم من ذنبه».
وقوله: {وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه} لمّا نهاهم عن إتيان القبيح قولا وفعلا حثّهم على فعل الجميل، وأخبرهم أنّه عالمٌ به، وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة.
وقوله: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: «كان أناسٌ يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة، يقولون: نحجّ بيت اللّه ولا يطعمنا.. فقال اللّه: تزوّدوا ما يكفّ وجوهكم عن النّاس».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة: قال: «إنّ ناسًا كانوا يحجّون بغير زادٍ، فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}».
وكذا رواه ابن جريرٍ عن عمرٍو -وهو الفلاس -عن ابن عيينة.
قال ابن أبي حاتمٍ: وقد روى هذا الحديث ورقاء، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ. قال: وما يرويه عن ابن عيينة أصح.
قلت: قد رواه النّسائيّ، عن سعيد بن عبد الرّحمن المخزوميّ، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال:«كان ناس يحجّون بغير زادٍ، فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}». وأمّا حديث ورقاء فأخرجه البخاريّ، عن يحيى بن بشرٍ، عن شبابة. وأخرجه أبو داود، عن أبي مسعودٍ أحمد بن الفرات الرّازيّ، ومحمّد بن عبد اللّه المخرّمي، عن شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كان أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون، ويقولون: نحن المتوكّلون. فأنزل اللّه: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}».
ورواه عبد بن حميدٍ في تفسيره، عن شبابة، به. ورواه ابن حبّان في صحيحه من حديث شبابة، به.
وروى ابن جريرٍ وابن مردويه من حديث عمرو بن عبد الغفّار عن محمّد بن سوقة عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: «كانوا إذا أحرموا -ومعهم أزوادهم -رموا بها، واستأنفوا زادًا آخر ؛ فأنزل اللّه تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتزوّدوا الكعك والدّقيق والسّويق». وكذا قال ابن الزّبير، وأبو العالية، ومجاهدٌ، وعكرمة، والشّعبيّ، والنّخعيّ، وسالم بن عبد اللّه، وعطاءٌ الخراسانيّ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان.
وقال سعيد بن جبيرٍ: «فتزوّدوا الدّقيق والسّويق والكعك» وقال وكيع بن الجرّاح في تفسيره: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن سوقة عن سعيد بن جبيرٍ: {وتزوّدوا} قال: «الخشكنانج والسّويق». وقال وكيعٌ أيضًا: حدّثنا إبراهيم المكّيّ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر، قال: «إنّ من كرم الرّجل طيب زاده في السّفر». وزاد فيه حمّاد بن سلمة، عن أبي ريحانة أنّ ابن عمر كان يشترط على من صحبه الجوزة.
وقوله: {فإنّ خير الزّاد التّقوى} لمّا أمرهم بالزّاد للسّفر في الدّنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التّقوى إليها، كما قال: {وريشًا ولباس التّقوى ذلك خيرٌ} [الأعراف: 26]. لمّا ذكر اللّباس الحسّيّ نبّه مرشدًا إلى اللّباس المعنويّ، وهو الخشوع، والطّاعة والتّقوى، وذكر أنّه خيرٌ من هذا، وأنفع.
قال عطاءٌ الخراسانيّ في قوله: {فإنّ خير الزّاد التّقوى} «يعني: زاد الآخرة».
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا عبدان، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل عن قيسٍ، عن جرير بن عبد اللّه، عن النّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من يتزوّد في الدّنيا ينفعه في الآخرة».
وقال مقاتل بن حيّان: «لمّا نزلت هذه الآية: {وتزوّدوا} قام رجلٌ من فقراء المسلمين فقال: يا رسول اللّه، ما نجد زادًا نتزوّده. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «تزوّد ما تكفّ به وجهك عن النّاس، وخير ما تزوّدتم التّقوى». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {واتّقون يا أولي الألباب} يقول: «واتّقوا عقابي، ونكالي، وعذابي، لمن خالفني ولم يأتمر بأمري، يا ذوي العقول والأفهام» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 540-549]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين (198)}
قال البخاريّ: حدّثنا محمّدٌ، أخبرني ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كانت عكاظٌ ومجنّة، وذو المجاز أسواق الجاهليّة، فتأثّموا أن يتّجروا في المواسم فنزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} في مواسم الحجّ».
وهكذا رواه عبد الرّزّاق، وسعيد بن منصورٍ، وغير واحدٍ، عن سفيان بن عيينة، به.
ولبعضهم: فلمّا جاء الإسلام تأثّموا أن يتّجروا، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، فأنزل اللّه هذه الآية. وكذلك رواه ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان متجر النّاس في الجاهليّة عكاظ ومجّنة وذو المجاز، فلمّا كان الإسلام كأنّهم كرهوا ذلك، حتّى نزلت هذه الآية.
وروى أبو داود، وغيره، من حديث يزيد بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كانوا يتّقون البيوع والتّجارة في الموسم، والحجّ، يقولون: أيّام ذكرٍ، فأنزل اللّه: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم}».
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيم، أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: «ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم في مواسم الحجّ».
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: «لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده». وهكذا روى العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ.
وقال وكيع: حدّثنا طلحة بن عمرٍو الحضرميّ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: «ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم في مواسم الحجّ». وقال عبد الرّزّاق: عن أبيه عيينة، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد: سمعت ابن الزّبير يقول: «ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم في مواسم الحجّ».
ورواه عبد بن حميدٍ، عن محمّد بن الفضل، عن حمّاد بن زيدٍ، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، سمعت ابن الزّبير يقرأ -فذكر مثله سواءً. وهكذا فسّرها مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، ومنصور بن المعتمر، وقتادة، وإبراهيم النّخعيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وغيرهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا شبابة بن سوّار، حدّثنا شعبة، عن أبي أميمة قال: سمعت ابن عمر -وسئل عن الرّجل يحجّ ومعه تجارةٌ -فقرأ ابن عمر: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم}
وهذا موقوفٌ، وهو قويٌّ جيّدٌ. وقد روي مرفوعًا قال أحمد: حدّثنا أحمد بن أسباطٍ، حدّثنا الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي أمامة التّيميّ، قال: قلت لابن عمر: «إنّا نكري، فهل لنا من حجٍّ، قال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون المعرّف، وترمون الجمار، وتحلّقون رؤوسكم؟ قال: قلنا: بلى. فقال ابن عمر: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه، حتّى نزل عليه جبريل بهذه الآية: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} فدعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «أنتم حجّاجٌ».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا الثّوريّ، عن العلاء بن المسيّب، عن رجلٍ من بني تيم اللّه قال: جاء رجل إلى عبد اللّه بن عمر، فقال: «يا أبا عبد الرّحمن، إنّا قومٌ نكري، ويزعمون أنّه ليس لنا حجٌّ». قال: «ألستم تحرمون كما يحرمون، وتطوفون كما يطوفون، وترمون كما يرمون؟» قال: «بلى». قال: «فأنت حاجٌّ». ثمّ قال ابن عمر: «جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله عمّا سألت عنه، فنزلت هذه الآية: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم}».
ورواه عبد بن حميدٍ في تفسيره عن عبد الرّزّاق به. وهكذا روى هذا الحديث ابن حذيفة، عن الثّوريّ، مرفوعًا. وهكذا روي من غير هذا الوجه مرفوعًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن العلاء بن المسيّب، عن أبي أمامة التّيميّ، قال: قلت لابن عمر: «إنّا أناسٌ نكري في هذا الوجه إلى مكّة، وإنّ أناسًا يزعمون أنّه لا حجّ لنا، فهل ترى لنا حجًّا؟ قال: ألستم تحرمون، وتطوفون بالبيت، وتقفون المناسك؟ قال: قلت: بلى. قال: فأنتم حجّاجٌ. ثمّ قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عن مثل الذي سألت، فلم يدر ما يعود عليه -أو قال: فلم يردّ عليه شيئًا -حتّى نزلت: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} فدعا الرّجل، فتلاها عليه، وقال: «أنتم حجّاجٌ».
وكذا رواه مسعود بن سعدٍ، وعبد الواحد بن زيادٍ، وشريك القاضي، عن العلاء بن المسيّب به مرفوعًا.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني طليق بن محمّد الواسطيّ، حدّثنا أسباطٌ -هو ابن محمّدٍ -أخبرنا الحسن بن عمرو-هو الفقيمي -عن أبي أمامة التّيميّ. قال: قلت لابن عمر: «إنّا قومٌ نكري، فهل لنا من حجٍّ؟ فقال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون المعرّف، وترمون الجمار، وتحلّقون رؤوسكم؟ قلنا: بلى. قال جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يدر ما يقول له، حتّى نزل جبريل، عليه السّلام، بهذه الآية: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من ربّكم} إلى آخر الآية، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنتم حجّاجٌ».
وقال ابن جريرٍ: حدّثني أحمد بن إسحاق، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا مندل، عن عبد الرّحمن بن المهاجر، عن أبي صالحٍ مولى عمر، قال: قلت: «يا أمير المؤمنين، كنتم تتّجرون في الحجّ؟» قال: «وهل كانت معايشهم إلّا في الحجّ؟»
وقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} إنّما صرف "عرفاتٍ" وإن كان علمًا على مؤنّثٍ؛ لأنّه في الأصل جمع كمسلماتٍ ومؤمناتٍ، سمّي به بقعةٌ معيّنةٌ، فروعي فيه الأصل، فصرف. اختاره ابن جريرٍ.
وعرفة: موضع الموقف في الحجّ، وهي عمدة أفعال الحجّ؛ ولهذا روى الإمام أحمد، وأهل السّنن، بإسنادٍ صحيحٍ، عن الثّوريّ، عن بكير بن عطاءٍ، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «الحجّ عرفاتٌ -ثلاثًا -فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر، فقد أدرك. وأيّام منًى ثلاثةٌ فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخّر فلا إثم عليه».
ووقت الوقوف من الزّوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثّاني من يوم النّحر؛ لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقف في حجّة الوداع، بعد أن صلّى الظّهر إلى أن غربت الشّمس، وقال: «لتأخذوا عنّي مناسككم».
وقال في هذا الحديث: «فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك» وهذا مذهب مالكٍ، وأبي حنيفة، والشّافعيّ رحمهم اللّه. وذهب الإمام أحمد إلى أنّ وقت الوقوف من أوّل يوم عرفة. واحتجّوا بحديث الشّعبيّ، عن عروة بن مضرّس بن حارثة بن لامٍ الطّائيّ قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمزدلفة، حين خرج إلى الصّلاة، فقلت: يا رسول اللّه، إنّي جئت من جبلي طيئٍ، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، واللّه ما تركت من جبلٍ إلّا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتّى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تمّ حجّه، وقضى تفثه».
رواه الإمام أحمد، وأهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ.
ثمّ قيل: إنّما سمّيت عرفات لما رواه عبد الرّزّاق: أخبرني ابن جريجٍ قال: قال ابن المسيّب: قال عليّ بن أبي طالبٍ: «بعث اللّه جبريل، عليه السّلام، إلى إبراهيم، عليه السّلام، فحجّ به، حتّى إذا أتى عرفة قال: عرفت، وكان قد أتاها مرّةً قبل ذلك، فلذلك سمّيت عرفة».
وقال ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، قال: «إنّما سمّيت عرفة، أنّ جبريل كان يري إبراهيم المناسك، فيقول: عرفت عرفت. فسمّي عرفاتٌ». وروي نحوه عن ابن عبّاسٍ، وابن عمر وأبي مجلز، فاللّه أعلم.
وتسمّى عرفاتٌ المشعر الحلال، والمشعر الأقصى، وإلال -على وزن هلال -ويقال للجبل في وسطها: جبل الرّحمة. قال أبو طالبٍ في قصيدته المشهورة:

وبالمشعر الأقصى إذا قصدوا له ....... إلال إلى تلك الشّراج القوابل

وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا حمّاد بن الحسن بن عنبسة، حدّثنا أبو عامر، عن زمعة -هو ابن صالحٍ -عن سلمة -هو ابن وهرام -عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كان أهل الجاهليّة يقفون بعرفة حتّى إذا كانت الشّمس على رؤوس الجبال، كأنّها العمائم على رؤوس الرّجال، دفعوا، فأخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الدّفعة من عرفة حتّى غربت الشّمس».
ورواه ابن مردويه، من حديث زمعة بن صالحٍ، وزاد: «ثمّ وقف بالمزدلفة، وصلّى الفجر بغلس، حتّى إذا أسفر كلّ شيءٍ وكان في الوقت الآخر، دفع». وهذا حسن الإسناد.
وقال ابن جريج، عن محمّد بن قيسٍ، عن المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو بعرفاتٍ، فحمد اللّه وأثنى عليه. ثمّ قال: أمّا بعد -وكان إذا خطب خطبةً قال: «أمّا بعد -فإنّ هذا اليوم الحج الأكبر، ألا وإنّ أهل الشّرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشّمس، إذا كانت الشّمس في رؤوس الجبال، كأنّها عمائم الرّجال في وجوهها، وإنّا ندفع بعد أن تغيب الشّمس، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشّمس، إذا كانت الشّمس في رؤوس الجبال كأنّها عمائم الرّجال في وجوهها وإنّا ندفع قبل أن تطلع الشّمس، مخالفاً هدينا هدي أهل الشّرك».
هكذا رواه ابن مرديه وهذا لفظه، والحاكم في مستدركه، كلاهما من حديث عبد الرّحمن بن المبارك العيشيّ، عن عبد الوارث بن سعيدٍ، عن ابن جريجٍ، به. وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه. قال: وقد صحّ وثبت بما ذكرناه سماع المسور من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لا كما يتوهّمه رعاع أصحابنا أنّه ممّن له رؤيةٌ بلا سماعٍ.
وقال وكيع، عن شعبة، عن إسماعيل بن رجاءٍ الزّبيديّ عن المعرور بن سويدٍ، قال: «رأيت عمر، رضي اللّه عنه، حين دفع من عرفة، كأنّي أنظر إليه رجلا أصلع على بعيرٍ له، يوضع وهو يقول: إنّا وجدنا الإفاضة هي الإيضاع».
وفي حديث جابر بن عبد اللّه الطّويل، الذي في صحيح مسلمٍ، قال فيه: «فلم يزل واقفًا -يعني بعرفة -حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصّفرة قليلًا حتّى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزّمام، حتّى إنّ رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: «أيّها النّاس، السّكينة السّكينة». كلّما أتى جبلًا من الجبال أرخى لها قليلًا حتّى تصعد، حتّى أتى المزدلفة فصلّى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ولم يسبّح بينهما شيئًا، ثمّ اضطجع حتّى طلع الفجر فصلّى الفجر حين تبيّن له الصّبح بأذانٍ وإقامةٍ، ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا اللّه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفًا حتّى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشّمس ».
وفي الصّحيح عن أسامة بن زيدٍ، أنّه سئل كيف كان يسير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين دفع؟ قال: «كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص». والعنق: هو انبساط السّير، والنّصّ، فوقه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا أبو محمّدٍ ابن بنت الشّافعيّ، فيما كتب إليّ، عن أبيه أو عمّه، عن سفيان بن عيينة قوله: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} وهي الصّلاتين جميعًا.
وقال أبو إسحاق السّبيعي، عن عمرو بن ميمونٍ: «سألت عبد اللّه بن عمرو عن المشعر الحرام، فسكت حتّى إذا هبطت أيدي رواحلنا بالمزدلفة قال: أين السّائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن سالمٍ قال: قال ابن عمر: «المشعر الحرام المزدلفة كلّها».
وقال هشيم، عن حجّاجٍ عن نافعٍ، عن ابن عمر: أنّه سئل عن قوله: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} قال: فقال: «هو الجبل وما حوله».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: رآهم ابن عمر يزدحمون على قزح، فقال: «علام يزدحم هؤلاء؟ كلّ ما هاهنا مشعرٌ».
وروي عن ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهدٍ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وقتادة أنّهم قالوا: «هو ما بين الجبلين».
وقال ابن جريجٍ: قلت لعطاءٍ: «أين المزدلفة؟» قال: «إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسّر». قال: «وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة، ولكن مفاضاهما». قال: «فقف بينهما إن شئت»، قال: «وأحبّ أن تقف دون قزح، هلمّ إلينا من أجل طريق النّاس».
قلت: والمشاعر هي المعالم الظّاهرة، وإنّما سمّيت المزدلفة المشعر الحرام؛ لأنّها داخل الحرم، وهل الوقوف بها ركنٌ في الحجّ لا يصحّ إلّا به، كما ذهب إليه طائفةٌ من السّلف، وبعض أصحاب الشّافعيّ، منهم: القفّال، وابن خزيمة، لحديث عروة بن مضرس؟ أو واجبٌ، كما هو أحد قولي الشّافعيّ يجبر بدمٍ؟ أو مستحبٌّ لا يجب بتركه شيءٌ كما هو القول الآخر؟ في ذلك ثلاثة أقوالٍ للعلماء، لبسطها موضع آخر غير هذا، والله أعلم.
وقال عبد اللّه بن المبارك، عن سفيان الثّوريّ، عن زيد بن أسلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «عرفة كلّها موقفٌ، وارفعوا عن عرنة، وجمع كلّها موقف إلّا محسرًا». هذا حديثٌ مرسلٌ.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، حدّثني سليمان بن موسى، عن جبير بن مطعمٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قال: «كلّ عرفاتٍ موقفٌ، وارفعوا عن عرنة. وكلّ مزدلفة موقفٌ وارفعوا عن محسّر، وكلّ فجاج مكّة منحر، وكلّ أيّام التّشريق ذبحٌ».
وهذا أيضًا منقطعٌ، فإنّ سليمان بن موسى هذا -وهو الأشدق -لم يدرك جبير بن مطعمٍ. ولكن رواه الوليد بن مسلمٍ، وسويد بن عبد العزيز، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان، فقال الوليد: عن ابنٍ لجبير بن مطعمٍ، عن أبيه. وقال سويدٌ: عن نافع بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره، واللّه أعلم.
وقوله: {واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين} تنبيهٌ لهم على ما أنعم به عليهم، من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحجّ، على ما كان عليه إبراهيم الخليل، عليه السّلام؛ ولهذا قال: {وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين} قيل: من قبل هذا الهدي، وقبل القرآن، وقبل الرّسول، والكلّ متقاربٌ، ومتلازمٌ، وصحيحٌ). [تفسير ابن كثير: 1/ 549-555]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (199)}
"ثمّ" هاهنا لعطف خبرٍ على خبرٍ وترتيبه عليه، كأنّه تعالى أمر الواقف بعرفاتٍ أن يدفع إلى المزدلفة، ليذكر اللّه عند المشعر الحرام، وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور النّاس بعرفاتٍ، كما كان جمهور النّاس يصنعون، يقفون بها إلّا قريشًا، فإنّهم لم يكونوا يخرجون من الحرم، فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الحل، ويقولون: نحن أهل اللّه في بلدته، وقطّان بيته.
وقال البخاريّ: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا محمّد بن حازمٍ، حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عائشة قالت: «كانت قريشٌ ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمّون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفاتٍ. فلمّا جاء الإسلام أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي عرفاتٍ، ثمّ يقف بها ثمّ يفيض منها، فذلك قوله: {من حيث أفاض النّاس}».
وكذا قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وقتادة، والسّدّيّ، وغيرهم. واختاره ابن جريرٍ، وحكى عليه الإجماع، رحمهم اللّه.
وقال الإمام أحمد، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، قال: «أضللت بعيرًا لي بعرفة، فذهبت أطلبه، فإذا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم واقفٌ، قلت: إنّ هذا من الحمس ما شأنه هاهنا؟ »أخرجاه في الصّحيحين. ثمّ روى البخاريّ من حديث موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس ما يقتضي أنّ المراد بالإفاضة هاهنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منًى لرمي الجمار. فاللّه أعلم. وحكاه ابن جريرٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ فقط. قال: والمراد بالنّاس: إبراهيم، عليه السّلام. وفي روايةٍ عنه: الإمام. قال ابن جريرٍ ولولا إجماع الحجّة على خلافه لكان هو الأرجح.
وقوله: {واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} كثيرًا ما يأمر اللّه بذكره بعد قضاء العبادات؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلمٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا فرغ من الصّلاة يستغفر ثلاثًا. وفي الصّحيحين أنّه ندب إلى التّسبيح والتّحميد والتّكبير، ثلاثًا وثلاثين، ثلاثًا وثلاثين.
وقد روى ابن جريرٍ هاهنا حديث ابن عبّاس بن مرداسٍ السّلميّ في استغفاره، عليه السّلام، لأمّته عشيّة عرفة، وقد أوردناه في جزء جمعناه في فضل يوم عرفة.
وأورد ابن مردويه هاهنا الحديث الذي رواه البخاريّ، عن شدّاد بن أوسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول العبد: اللّهمّ أنت ربّي، لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. من قالها في ليلةٍ فمات في ليلته دخل الجنّة، ومن قالها في يومه فمات دخل الجنّة».
وفي الصّحيحين عن عبد اللّه بن عمرو: أنّ أبا بكرٍ قال: يا رسول اللّه، علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ فقال: «قل: اللّهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنّك أنت الغفور الرّحيم».
والأحاديث في الاستغفار كثيرةٌ). [تفسير ابن كثير: 1/ 555-557]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة